حكم قضائي يأمر عدول مكناس بإصلاح لوحاتهم وحذف صفة “موثق” منها

اتفاق قانوني بخصوص جبر ضرر الفلاحين المطرودين من “واحة العرجة”

سميح بن شريف: السياسة الجنائية في المغرب: أي آفاق ؟ (أطروحة جامعية)

6 يونيو 2021 - 2:21 م فضاء المكتبة , أطروحات جامعية , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

ناقش الطالب سميح بن شريف بتاريخ 04 يونيو 2021 أطروحته لنيل الدكتوراه في القانون الخاص بمختبر الدراسات القانونية والاجتماعية بكلية الحقوق بوجدة في موضوع:

“السياسة الجنائية في المغرب: أي آفاق ؟”

وقد تكونت لجنة المناقشة من السادة:

  • الدكتور أحمد العلالي أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق وجدة مشرفا ورئيسا
  • الدكتور أسامة عبد الرحمان أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق وجدة عضوا
  • الدكتور حاجي بناصر  أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق وجدة عضوا
  • الدكتور محمد الدكي أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق وجدة عضوا
  • الدكتور عبد الإله المتوكل أستاذ مؤهل  بكلية الحقوق مكناس عضوا
  • الدكتور علي أحنين نائب رئيس المحكمة الابتدائية بوجدة عضوا

وقد توجت أطوار المناقشة بقبول الأطروحة ومنح الطالب لقب “دكتور” مع ميزة مشرف جدا وتوصية بالنشر.


تقديم أطروحة الدكتوراه 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله.

سيدي الرئيس

السادة الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة

حضرات السيدات والسادة

الحضور الكريم…

اسمحوا لي في بداية هذا التقرير أنأتقدم بالشكر الجزيل وعميق التقدير للأساتذة الكرام أعضاء اللجنة العلمية الذين قبلوا الإشراف على مناقشة هاته الأطروحة وذلك من باب الاعتراف بالجميل، وأخص بالذكر:

-أستاذي الدكتور الفاضل أحمد العلالي الذي قبل الإشراف على هذا البحث والذيلم يدخر جهدا في التأطير والتوجيه لإنجاز هذا العمل، فلا أجد الكلمات التي تفيه حقه.

– أستاذي الجليل الدكتور أسامة عبد الرحمان وأستاذي الجليل الدكتور بناصر حاجي الشكرلهما على تفضلهما قبول مناقشة هذا البحث الذي سيثريانه بأفكارهما السديدة وآرائهما الوجيهة بحكم خبرتهما وسعة علمهما.

– تحية احترام وتقدير عميقين للأستاذين الكريمين الدكتور محمد الدكي والدكتور عبد الإله المتوكل على تفضلهما قبول مناقشة هذا البحث بما سيضفيه ذلك من عمق في التوجيه و التقويم.

– تحية احترام وامتنان للدكتورعلي أحنين نائب رئيس المحكمة الابتدائية بوجدة الذي سيغني هذا البحث بملاحظاته و توجيهاتهبخبرته العلمية والمهنية.

كما لا يفوتني أن أتقدم بعظيم الامتنان ووافر المحبة و التقدير إلى من كان لهما الفضل في وصولي إلى ما أنا عليه الان،أبي و أمي الغاليين فحفظهما يا الله.

كما أشكر أيضا الحضور الكريم الذي شرفني بتواجده كل باسمه وصفته.

–وهكذا سأنتقل مباشرة إلى عرض وتقديم التقرير العام للأطروحة موضوع المناقشة من طرف اللجنة العلمية، والذي سينصب على أهم المحاور والعناصر والمبادئ التي تشكل جوهر الأطروحة والتي تتمثل فيما يلي:

  • أولا : تقديم عام للموضوع.
  • ثانيا : أهمية الموضوع .
  • ثالثا : اشكالية الموضوع .
  • رابعا : منهج الدراسة .
  • خامسا : تقسيم الدراسة.
  • سادسا : الاقتراحات و التوصيات.

أولا : تقديم عام للموضوع.

ان موضوع الأطروحة يعتبر دائم التجدد و التجديد بالنظر الى ارتباطه العضوي بالجريمة والعقوبة أي أن السياسة الجنائية في جوهرها تروم تحقيق السلم و الأمن الاجتماعي من خلال اعتماد مقاربات مختلفة من أهمها السياسة التشريعية الجنائية.

تعتبر السياسة الجنائية هي الوسيلة التي تضع من خلالها الدولة القواعد التي تتحدد على ضوئها صياغة نصوص القانون الجنائي، سواء فيما يتعلق بالتجريم أو الوقاية من الجريمة أو معالجتها، أي أنه من خلال هاته السياسة تتضح المبادئ الكبرى الواجب اتباعها والسير عليها في تحديد ما يعتبر جريمة وفي اتخاذ التدابير الزجرية، للوصول إلى أفضل السبل العلمية والعملية لمكافحة الظاهرة الإجرامية.

 فإلى جانب سياسة التجريم والأسس التي تقوم عليها السياسة الجنائية بوصفها أحد ركائزها، توجد السياسة العقابية أي العقوبات المقررة للجرائم وفقا للشكل المبين في مجموعة القانون الجنائي.

وبناءا عليه ولكي تحقق السياسة الجنائية الأهداف المتوخاة منها وجب أن تقوم على مبادئ أساسية ومن ضمنها احترام مبدأ الشرعية الجنائية إعمالا لمبدأ ”لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون”، مع احترام الحقوق والحريات والاهتمام بالدوافع المؤدية إلى ارتكاب الجريمة، مع مراعاة التدابير الإصلاحية والتأهيلية لإعادة إدماج المجرم داخل وسطه المجتمعي، وذلك في إطار سياسة عامة شاملة ومحكمة تنطلق من كون السياسة الجنائية ماهي إلا جزء من السياسات العمومية التي تنهجها الدولة وتتولى إعدادها وتنفيذها عبر مختلف مؤسساتها الدستورية (الحكومة، البرلمان، السلطة القضائية).

إن التشريع المغربي، وكمختلف التشريعات الجنائية، حاول ومنذ الاستقلال رسم معالم سياسته الجنائية الوطنية والتي بدأت تتشكل بصدور التشريع الجنائي بشقيه الموضوعي(القانون الجنائي) والإجرائي(قانون المسطرة الجنائية)، إضافة إلى قانون الحريات العامة.

 لينتقل المغرب من مرحلة هيمنة المنظومة الجنائية ذات المرجعية الاستعمارية إلى مرحلة بناء مؤسسات الدولة وتشريع القوانين الجنائية الوطنية، القائمةعلى سياسة التجريم و العقاب،والتي اتسمت في بدايتها بتغليب وهيمنة الهاجس الأمني.

 لكن هذا التوجه (الأمني) انعكس سلبا على شروط المحاكمة العادلةوعلى التشريع الجنائي برمته والذي عرف نوعا من التضخم في نصوصه حيث امتد التجريم والعقاب ليشمل حتى المجالات غير الجنائية (المادة 316 من مدونة التجارة التي تجرم اصدار الشيك بدون مؤونة).

ومن هنا يتضح الدور المؤثر للمرجعيات الدستورية والسياسية في رسم ملامح السياسة الجنائية المغربية لما لذلك من تأثير وانعكاس على جودة وصياغة القواعد الجنائية بشقيها الموضوعي والإجرائي،لكون السياسة الجنائية هي الأداة التي تسخرها الدولة في مكافحة الجريمة و الوقاية منها و مواكبة أثارها، ولن يتأتى هذا الأمر إلا من خلال تبني سياسة تشريعية وزجرية تؤطرالتدابير العقابية أو البديلة للعقاب والتي تتولى السلطة التشريعية وضعها وإعدادها في حين تتولى النيابة العامة تنفيذ السياسة الجنائية وذلك عملا بالمتغيرات والمستجدات التي حملها دستور 2011، وأكدها القانون التنظيمي رقم 13-100 المتعلق بالسلطة القضائية،حيث حلت النيابة العامة محل وزير العدل في تنفيذ السياسة الجنائية.

وبناء على ما تقدم ذكره، يمكن القول بأن الدولة عبر رسمها لسياستها الجنائية، وذلك عن طريق إنتاج القواعد الجنائية وتنزيلها تسعى إلى تحقيق العدالة الجنائية، سواء من خلال إقرار المصالح المحمية جنائيا أو من حيث الموازنة بين شقي التجريموالعقاب والعلاج والوقاية.

غير أن المشرع الجنائي من خلال رسمه للسياسة الجنائية إنما يتوخى من ذلك الردع وتحقيق العدالة المنشودة لضمان حماية المجتمع والأشخاص واستتباب الأمن وتحقيق التوازن بين مصلحة المجتمع وحقوق الجناة، وهو هدف يبدو مستشكلا فيه بالنظر إلى كوننا أمام حالة تتعارض فيها مصلحة المجتمع مع مصلحة الجاني.

الا أنه بالرجوع الى الاحصائيات والأرقام الصادرة عن مؤسسات الدولة المعنية بتنفيذ السياسة الجنائية يتبين منها اتسام الفلسفة المؤطرة للسياسة الجنائية بالمغرب أنها تعاني من أزمة الموازنة بين حقوق الافراد و حقوق الدولة وهو الأمر الذي يستفاد من طبيعة المقاربة الأمنية المنتهجة ترتب عنها

ارتفاع في معدلات الجريمة وفي تضخم الساكنة السجنية وفي ارتفاع معدلات العود إلى الإجرام خاصة في صفوف السجناء المبتدئين المودعين بالسجن لأول مرة بسبب ارتكابهم لأحد جرائم الجنوح البسيط والمعاقب عليها بالغرامة أو الحبس لأقل من سنتين، وهو ما يكشف عن ضعف فعالية السياسة الجنائية المتبعة.

وبالنظر الى كون السياسة الجنائية المتبعة في المغرب تعتمد الاعتقال عوض اعمال البدائل عقيدة لها الأمر الذي ترتب عنه تضخم في عدد القضايا الزجرية المعروضة على القضاء، وما ينتج عنه من معيقات وأهمها البطء في دراسة الشكايات المعروضة على قضاة النيابة العامة، والتأخر في إصدار الأحكام، وبالتالي التأثير المباشر على النجاعة القضائية وجودة الأحكاموعلى الأمن القضائي الذي يعتبر مبدءا دستوريا.

كما أن السياسة الجنائية المغربية أرهقها موضوع المعتقلين احتياطيا بالمؤسسات السجنية، حيث بلغ عددهم حوالي 33684 معتقلا احتياطيافي سنة، أي بنسبة مئوية تعادل 38,99 % في سنة 2019، من مجموع الساكنة السجنية، مما يؤكد طبيعة الأزمة والقصور التي يعيشها هذا النظام وتحوله من طابعه الاستثنائي إلى الأخذ به كأصل رغم كونه إجراء ماسا بحرية الأشخاص، ويتعارض مع مبدأ قرينة البراءة، ووفقا لهذا المبدأ فالمتهم يجب أن يتمتع بكامل حريته إلى حين صدور حكم يدينه.

مقال قد يهمك :   الغرفة العبرية : اكتفاء الزوج اليهودي بمراسلة زوجته أو الاتصال بابنتها لا يفيد أنه يريد الصلح

إن تفسير هاته النسب المرتفعة للمعتقلين احتياطيا يمكن حصره في لجوء الجهات القضائية إلى هذا التدبير بشكل مفرط، واعتباره الإجراء الناجع، ولو في ظل توفر ضمانات كافية لحضور المتهم، في حين أن الأصل يقتضي تجنيب المتهم الاعتقال الاحتياطي، نظرا لما ينتج عنه من تكلفة نفسية واجتماعية له ولمحيطه، أضف إلى ذلك التكلفة الاقتصادية لهذا التدبير.

وتأسيسا على ما ذكر يتضح عدم فعالية أسلوب سلب الحرية أو الاعتقال في التصدي للجريمة، بل يساهم في تأزيم الوضع و تكريس فشل السياسة الجنائية المتبعة، وهذا ما تعكسه الإحصائيات الرسمية حول عدد القضايا الزجرية المعروضة على القضاء وعدد المعتقلين احتياطيا، وذلك رغم محاولة التشريع الجنائي المغربي تجاوز مظاهر هذا القصور الذي يعتري سياسته الجنائية من خلال بعض الخيارات المحدودة لبدائل التدابير والعقوبات السالبة للحرية غير أنها تظل غير كافية أو يعتريها الخلل و النقصان.

لذا أصبح لزاما على السياسة الجنائية المغربية الانفتاح على التجارب التشريعية الحديثة والتي كانت سباقة لفكرة التدابير البديلة وعملت على بلورتها ضمن منظومتها التشريعية وصارت فيه مسارا مهما حققت بفضله نتائج مهمة واستفاد منه الوضع القضائي والمؤسساتي للسجون في هاته الدول.

والمغرب كسائر البلدان وفي إطار دعمه لفلسفة البدائل اتجه في منحى تضمين تشريعه الجنائي لبعض التدابير البديلة من أجل إرساء سياسة جنائية ناجعة وردت في  توصيات الهيئة العليا للحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، بالإضافة إلى القوانين الحالية التي تتضمن هاته التدابير البديلة رغم محدوديتها، سواء تعلق الأمر ببدائل الاعتقال الاحتياطيمن خلال اعمال نظام المراقبة القضائية المحدث بموجب قانون المسطرة الجنائية، والذي تضمن 18 إجراء بديلا للاعتقال الاحتياطي يمكن لقاضي التحقيق أن يعتمد واحد منها أو أكثر بدل اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي،أو فيما يتعلق بالتحول عن الإجراءات الجنائية الرسمية كخيار لإنهاء الدعوى العمومية عن طريق تطبيق مسطرة الصلح الجنائي التي أخد بها المشرع المغربي منذ سنة 2003 وذلك بموجب المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية.

وعليه يتضح جليا الدور المهم الذي تلعبه التدابير البديلة للاعتقال في تجنيب المتهم الاعتقال وتقييد حريته قبل صدور حكم نهائي يقضي بإدانته، كما أنها تحقق نوعا من المصالحة بين المتهم والضحية من جهة، والمتهم والمجتمع من جهة أخرى، من خلال تعويض المجني عليه جبرا للضرر الناتج عن الجريمة المرتكبة، وذلك عن طريق تحقيق العدالة التصالحية والتي تتيحها بدائل الدعوى الجنائية، بالإضافة إلى عدة مزايا يمكن إجمالهافي تخفيف الضغط على أجهزة العدالة والمؤسسات السجنية وتجنيب المتهم مثالب السجن،  وبالتالي إقرار نوع من التصالح مع ذاته كفرد عادي وبينه  وبين المجتمع.

ومن أجل بلورة تصورات بديلة أو بدائل الاعتقال “الاعتقال الاحتياطي و الدعوى العمومية ” كان لازما الرجوع الى التشريعات المقارنة والرائدة في تفعيل هاته البدائل، وذلك لتجاوز قصور السياسة الجنائية المغربية، ويمكن إستجلاء هذا التطور من خلال تبني التدابير البديلة المقررة في القوانين الإجرائية الجنائية والتي تتوخى إما إيقاف الدعوى العمومية أو انقضاؤها، ومن هذه الأنظمة البديلة  نجد نظام الوساطة باعتباره من الأساليب الحديثة التي ترموإلى إنهاء النزاع بطرق ودية تحافظ على التماسك الاجتماعي بعيدا عن الضغائن والرغبة في الانتقام، حيث تعد الوساطة من أهم هذه المساطر التصالحية، ونظرا لأهميتها فإن أغلب الأنظمة الجنائية أصبحت تعتمد هذه الآلية كحلو كوسيلة لفض النزاعات الجنائية ،أومن خلال تبني نظام المراقبة  الإلكترونية والذي يعد من أهم الوسائل المستحدثة في النظم التشريعية المعاصرة لاسيما منها المشرع الفرنسي الذي أخذ به كبديل للاعتقال الاحتياطي ولتفادي كل المساوئ الناتجة عن تطبيقه سواء بالنسبة للمتهم أو للمجتمع، ونظرا لما يشكله نظام المراقبة الالكترونية من حماية لمبدأ قرينة البراءة على خلاف الاعتقال الاحتياطي.

ثانيا : أهمية الموضوع

تبرز أهمية موضوع ” السياسة الجنائية بالمغرب: أي أفاق“، كونهمن المواضيع الآنية والشائكة والمستشكلة في نفس الوقت، و نظرا لطبيعتها ونطاقها والمستجدات والمتغيرات التي تطبعها بشكل متسارع، خاصة وأن الأمر يتعلق بموضوع من أدق المواضيع التي يقوم عليها التشريع الجنائي(السياسة التشريعية الجنائية) كمصدر للعدالة الجنائية المنشودة، وفي ظل صدور دستور جديد، ولما تشهده بلادنا من حركية تروم تحديث منظومة العدالة أمام تنامي الجريمة والاستفحال الخطير لظاهرة الاكتظاظ على مستوى المؤسسات السجنية وما نتج عنه من أثار سلبية على وضعية النزلاء النفسية والسلوكية، وهنا نخص بالذكر فئة المعتقلين احتياطيا، حيث أصبح القائمون على هاته المؤسسات عاجزين عن بلورة برامج إعادة إدماج السجناء وتأهليهم، وفي بعض الأحيان تجدهم عاجزين حتى عن توفير المتطلبات الضرورية، فبالأحرى تنزيل برامج الإصلاح والتأهيل وهو ما يحيد بها عن طريق الفعالية و الدور المرسوم لها.

ومن جهة ثانية تتميز العدالة الجنائية بالتضخم الهائل في عدد القضايا الزجرية المعروضة على المحاكم، وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية تتجلىفي بطء المساطر، وتراكم القضايا، المبالغة في إصدار أوامر الاعتقال الاحتياطي، حيث شهد تحولا عن طابعه الاستثنائي.

 وتزداد الوضعية تعقيدا أمام سلوك مسطرة الطعن وبشكل مكثف، خاصة من طرف النيابة العامة، مما يطيل من أمد الاعتقال الاحتياطي، الأمر الذي يفرض و بصفة حتمية التفكير وبشكل جدي في مراجعة السياسة الجنائية المتبعة من طرف القضاء، التي أظهرت بأن فلسفة الردع العقاب والتشديد في العقوبات وتبني سياسة جنائية أمنية، لم يقلص من الجريمة ولم تعمل على تقويم المجرم بل ثبت استفحال الجريمة، وخاصة في قضايا الجنوح البسيط وتفاقم وضعية السجناء، والمؤسسات السجنية، وثبوت تحقق حالة العود بشكل مكثف.

السيد الرئيس أعضاء اللجنة المحترمين…

أمام هذه الاشكالات التي تعتري السياسة الجنائية، تأتي أهمية موضوعنا الذي حاولنا فيه دراسة وبحث الأسس والمرتكزات التي تقوم عليها السياسةُ الجنائيةُ المغربيةُومرجعيتـَها والفلسفةَ المؤطرة للقوانين الجنائية بشقيها الموضوعيو الإجرائي، بالإضافة إلى بيان كيفية صياغة هاته السياسة و إعدادها من طرف المشرع، مع تبيان دور النيابة العامة في تنفيذ السياسة القضائية بصفة عامة و السياسة الجنائية بصفة خاصة.

كما تتجلى أهمية الموضوع أيضا  في إبراز معالم السياسة الجنائية المغربية وبيان ما إذا كانت ماتزال مقيدة بالمرجعية التقليدية( التجريم والعقاب)، مع عرض أهم التوجهات الحديثة للسياسة الجنائية المعاصرة سواء فيما يخص تنفيذ تدبير الاعتقال الاحتياطي أو إقرار عدالة تصالحية القائمة على الرضائية، وهو الأمر الذي  لن يتأتى إلا من خلال تبني التدابير البديلة، حتى نتمكن من المفاضلة بين التوجهين من حيث أثرهما في تجاوز أزمة العدالة الجنائية وتوفير قضاء تنفيذي تحترم فيه شروط الكرامة الإنسانية مع مراعاة  شخصية المتهم والضحية، مع الوقوف على مختلف التطورات التي عرفتها السياسة الجنائية المغربية، ومقارنتها مع ما وصلت إليه التشريعات المقارنة والتي كانت سباقة في تطوير سياستها الجنائية وتجويدها وعصرنتها، وكذا الوقوف على خطة التشريع الجنائي المغربي في مجال محاربة الجريمة لتجاوز أزمة العدالة الجنائية.

ثالثا : اشكالية الموضوع .

من المعلوم أن كل أطروحة للدكتوراه تقوم وتتمحور حول اشكالية تشكل نطاق الدراسة من طرف الطالب الباحث، الأمر الذي يتطلب يقظة فكرية و إلمام واسع بمبادئ و قواعد البحث العلمي الاكاديمي.

ومن هذا المنطلق،عملنا على تحديد إشكالية موضوع هذا البحث والعناصر المؤطرة لهفي صيغة مجموعة من الأسئلة المحورية بوصفها مفاتيح و مداخل لفهم الموضوع من جميع جوانبه ومن أهمها:

ـ إلى أي حد استطاعت السياسة الجنائية المتبعة حاليا بالمغرب تحقيق العدالة الجنائية المنشودة؟ وما هيأولويتاها؟ وهل استطاعت السياسة الجنائية التخلص من العقيدة التقليدية المستمدة من نظرية فيورباخ القائمة على مبدأ التجريم والعقاب باسم القانون والمجتمع؟ وهل أفضل سياسة جنائية هي تلك السياسة القائمة على التجريم والعقاب أم تلك التي تعتمد الجمع بين الزجر والوقاية والعلاج ؟

مقال قد يهمك :   المسؤولية المدنية للمنعش العقاري

هذهالإشكالية تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات تتمحور بالأساس حول: ما هي الأسس والمرجعيات والجهات المكلفة بوضع وتنفيذ السياسة الجنائية؟ و كذا ماهية الأزمة و واقع السياسة الجنائية و تجلياتها؟ و ما هي الأفاق المستقبلية لهاته السياسة الجنائية؟

إن المشكلة التي تعالجها هذه الدراسة تتمثل أساسا في محاولة التأسيس للاجابةعن اشكالاتتمليها طبيعة الموضوع، لكونه يروم البحث عن أسباب الأزمة التي تطبع السياسة الجنائية بالمغرب وتحليلها بالشكل الذي يسمح ببلورة صيغ وتصورات جديدة من شأنها أن تشكل بديلا للفلسفة التقليدية التي ما تزال مؤثرة في إعدادها وتنفيذها والأهداف التي تتوخاها، خاصة في ظل اعتماد سياسة جنائية أساسها التجريم والعقاب، مع إهمال أو تهميش لسياسة الوقاية والعلاج.

وفي هذا الإطار نتساءل عن أهمية بدائل الاعتقال خلال مرحلة البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي عن طريق اعتماد بدائل الدعوى العمومية والاعتقال الاحتياطي من طرف النيابة العامة ومؤسسة قاضي التحقيق؟

وهنا نتساءل: هل نجحت النيابة العامة في تطبيق المقتضيات المؤطرة للصلح الجنائي ؟ أم أن نسبة الاعتقال الاحتياطي ونسبتها 38.99%في سنة 2019، يشكل إجابة صريحة على فشل السياسة الجنائية المطبقة من طرف النيابة العامة؟

وهل نجح قضاء التحقيق في إعمال بدائل الاعتقال الاحتياطي عن طريق تطبيق مسطرة المراقبة القضائية أم أنه بدوره متأثر بفلسفة الزجر والايداع في السجن ؟ وإلى أي حد تم تطبيق المسطرة من طرف قضاة التحقيق؟

إن تبني المشرع لمبدأ العدالة الجنائية التصالحية وبشكل محدود من خلال مسطرة الصلح الجنائي أمام النيابة العامة وقبل تحريك الدعوى العمومية، يكشف عن وجوب مراجعة الإجراءات التي تحكم مؤسسة الصلح الجنائي، لذا نتساءل عن الجوانب الإجرائية فيها والتي تستوجب التعديل والإلغاء من طرف المشرع؟ وهل يتعين توسيع مجال تطبيق مسطرة الصلح الجنائي وتحديد وعاء الجرائم المشمولة به بشكل واضح؟

ثم نتساءل من جهة أخرى عن دور قضاة التحقيق -خاصة على مستوى المحاكم الابتدائية- في تطبيق مسطرة المراقبة القضائية ؟ وهل تعتبر مسطرة فعالة أم أنها غير منتجة في ظل تضخم الاعتقال الاحتياطي؟

وبالنظر الى ثبوت عدم نجاعة مسطرتي الصلح الجنائي والمراقبة القضائية فهل توجد بدائل جديدة غير منصوص عليها في التشريع الجنائي الإجرائي المغربي، أي في قانون المسطرة الجنائية، يمكن الأخذ بها من طرف المشرع المغربي في التعديلات الجنائية المرتقبة؟ وهل ستشكل كل من المراقبة الإلكترونية والوساطة الجنائية وسائل بديلة للاعتقال ومنتجة في الواقع المغربي؟

رابعا : منهج الدراسة.

بالنظر الى خصوصية موضوع هذه الدراسة، وتعدد وتشعب القضايا التي تشكل وعاء لها، فإن الأمر استدعى الجمع بين عدة مناهج علمية تتكامل فيما بينها، ومن أهمها المنهج التاريخي والمنهج القانوني التحليلي والمنهج التطبيقي والمقارن، وهكذا اعتمدنا على المنهج التاريخي من خلال عرض نشأة وتطور الأصول الفكرية والفلسفية للسياسة الجنائية وصولا إلى ما توصلت إليه السياسة الجنائية في صيغتها  الحديثة.

أما المنهج القانوني التحليلي فيتمثل في دراسة الآراء الفقهية والمقارنة فيما بينها وتحليل النصوص القانونية، والوقوف عند الإشكالات التي تطرحها من أجل بلورة تصور شامل قادر على معالجة الاختلالات التي تعتري السياسة جنائية، وبلورة تصورات بديلة من شأنها أن تشكل مساهمة نظرية تروم تجويد التشريع الجنائي المغربي.

كما أخذنا بالمنهج التطبيقي و المقارن، وذلك من خلال بسط واقع السياسة الجنائية بالمغرب والتطرق إلى تجارب التشريعات المقارنة والتي قطعت أشواطا متقدمة في هذا المجال، وذلك بغية التوصل إلى تصور واضح لموضوع الدراسة، مع استخلاص القواعد أو النتائج التي يمكن الاستفادة منها لتعزيز منظومتنا القانونية، وبالتالي تطوير سياستنا الجنائية، خاصة وأن موضوع الدراسة يجمع بين الجوانب النظرية المؤطرة للسياسة الجنائية، والتطبيقات العملية والتي تعكسها بشكل واضح واقع الجريمة من خلال عدد القضايا الجنائيةالمطروحة على المحاكم، وعدد الساكنة السجنية الكاشفة لوضع الاعتقال الاحتياطي بالمغرب وأزمة بدائل التدابير السالبة للحرية.

خامسا : تقسيم الدراسة.

سيادة الرئيس السادة أعضاء اللجنة العلمية الموقرة

تبعا للمعطيات السابقة وفي سبيل إيجاد أجوبة مقنعة للاشكالات والتساؤلات التي يطرحها الموضوع، قمت بتقسيم الدراسة وفق الشكل الذي تتطلبه المنهجية العلمية،وذلك كما يلي:

الباب الأول: السياسة الجنائية، الأسس والمرجعيات والجهات المكلفة بوضعها وتنفيذها، وتوجهاتها الراهنة.

والذي قسمته بدوره الى فصلين تطرقت في الفصل الأولللسياسة الجنائية بالمغرب الأسس والمرجعيات.

حيث عملت من خلاله على ابراز الجوانب التي تتأثر بها السياسة الجنائية كالمرجعية المذهبية أو الفكرية،كما توجد أيضا مرجعيات ذات أهمية بالغة في بلورة أسس سياسة جنائية توازن بين مصالح الأفراد والجماعات من جهة، ومصلحة الدولة والمجتمع من جهة أخرى، ومن أهم هذه المرجعيات.

التي تعتبر فاعلة ومؤثرة في رسم ملامح السياسة الجنائية، نجد المرجعية الدستورية والقانونية والاتفاقيات الدولية وهو ما تطرقنا له من خلال المبحث الأول، كما أن للسياسة الجنائية مرتكزات وأسس تمثل فروعها الأساسية والتي من خلالها تروم تحقيق الأهداف التي تتوخاها وتنشدها وهذا من نصب على معالجته المبحث الثاني.

أما الفصل الثاني فقد خصصته لوضع وتنفيذ السياسة الجنائية وتوجهاتها الراهنة.

حيث تطرقت في المبحث الأول منه للجهة أو السلطة المكلفة بوضع وإعداد السياسة الجنائية بالمغرب، من خلال مرحلتين، مرحلة ما قبل دستور 2011 ومرحلة ما بعد دستور 2011، أمافيما يخص الجهة المكلفة بتنفيذ السياسة الجنائية فقدعالجنها بدورها من خلال مرحلتين رئيسيتين ،الأولى قبل استقلال النيابة العامة عن وزير العدل، والثانية نطاقها الجهة المعنية بتنفيذ السياسة الجنائية بعد استقلال النيابة العامة عن وزير العدل، مع ابراز السلطة المعنية بتقييم هاته السياسة ( أي البرلمان).

أما المبحث الثاني من هذا الفصل فقد حاولت من خلاله بسطمظاهر الأزمة والقصور التي تعتري نظام العدالة الجنائية والسياسة الجنائية، وذلك من خلال الوقوف علىعدد القضايا الجنائية المعروضة على المحاكم والتزايد المهول للساكنة السجنية نتيجة لجوء القضاء الزجري بشكل مضطرد وآلي إلى العقوبة السالبة للحرية أو لتدبير الاعتقال الاحتياطي وذلك بالاستناد على مجموعة من الإحصائيات الرسمية لكل من رئاسة النيابة العامة والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج.

وأمام فشل السياسة العقابية باعتبارها وجها من وجوه السياسة الجنائيةفي التقليص من الجريمة وإصلاح الجناة عن طريق المؤسسات العقابية، ظهرت أهمية تبني المشرع لفكرة التدابير البديلة كآليات لإصلاح المجرم وإعادة إدماجه في المجتمع، خاصة لما يتعلق الأمر بجرائم لا تتسم بالخطورة على المجتمع وعلى الأمن العام، ولا إيداعه في السجن.

ومن هذا المنطلق حاولت إبراز أهمية التدابير البديلة والتي تندرج ضمن التدابير الإجرائية المستمدة من قواعد المسطرة الجنائية ويتخذها كل من قضاة  النيابة العامة أو قضاة  التحقيق أو قضاء الموضوع،  والتي يمكن القول بأنها تدابير إجرائية مسطرية تحد من الحرية وتقيدها، وتحول دون إيداع المتهم احتياطيا في السجن، أي أن التدابير البديلة تكون قبل صدور الحكم، مما تعتبر بأنها بدائل للدعوى العمومية وللاعتقال الاحتياطي.

أما الباب الثاني فقد تم التطرق فيه للنظام القانوني لبدائل التدابير السالبة للحرية في التشريع المغربي.

 حيث تناولت في الفصل الأول التوجه التقليدي للسياسة الجنائية في بدائل التدابير السالبة للحرية وذلك من خلال معالجة أنواع أو أشكال التدابير البديلة للاعتقال كآلية لتسوية النزاعات الجنائية، من خلال اعتماد أسلوب التسوية الودية عبر إجراء مصالحة بين أطراف الخصومة الجنائية مباشرة، أي من خلال مؤسسة الصلح الجنائيكمبحث أول، ثم تطرقت إلى نظام المراقبة القضائية المحدث بموجب قانون المسطرة الجنائية، والذي تضمن 18 إجراء بديلا للاعتقال الاحتياطي يمكن لقاضي التحقيق أن يعتمد واحد منها أو أكثر بدل اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطيكمبحث ثاني.

مقال قد يهمك :   وردي عبد الحي: الاستثناءات الــواردة على حق اللجوء إلى القاضي الطبيعي

وللوقوف على فاعلية هذه التدابير البديلة للاعتقال من عدمها، حاولنا الاعتماد على أساليب علمية مبنية على إحصائيات وأرقام صادرة عن المؤسسات الرسمية لكونها تجسد التطبيق الفعلي لأي نظام، خصوصا عند خروجه من دائرة التشريع، وهذا ما ينطبق على أوامر المراقبة القضائية وتفعيل مسطرة الصلح، فالإحصائيات الصادرة عن رئاسة النيابة العامة تلخص وتكشف عن واقع عدم فعالية هذين النظامين المقررين بهدف تجنيب المتهم مساوئ الاعتقال الاحتياطي.

أما الفصل الثاني فقد خصصته للتوجهات الحديثة في مجال بدائل التدابير السالبة للحرية، حيث إنه ومن أجل بلورة تصورات بديلة أو بدائل للإعتقال “أي الإعتقال الاحتياطي و الدعوى العمومية “كان لازما الرجوع الى التشريعات المقارنة والرائدة في تفعيل هاته البدائل، وذلك لتجاوز قصور السياسة الجنائية المغربية، حيث عملنا من خلال المبحث الأول من هذا الفصل على ابراز دورالتدابير البديلة المقررة في القوانين الإجرائية الجنائية والتي تتوخى إما إيقاف الدعوى العمومية أو انقضاؤها، ومن هذه الأنظمة البديلة  نجد نظام الوساطة باعتباره من الأساليب الحديثة التي ترمي إلى إنهاء النزاع بطرق ودية تعتمد المساطر التصالحية، ونظرا لأهميتها فإن أغلب الأنظمة الجنائية أصبحت تعتمد هذه الآلية كحل و كوسيلة لفض النزاعات الجنائية.

أماالمبحث الثاني فقد تناولت من خلالهنظام المراقبة الإلكترونية باعتباره من أهم الوسائل المستحدثة في النظم التشريعية المعاصرة لاسيما منها  التشريع الفرنسي الذي أخذ بها كبديل للاعتقال الاحتياطي ولتفادي كل المساوئ الناتجة عن تطبيقه سواء بالنسبة للمتهم أوللمجتمع، ونظرا لما يشكله نظام المراقبة الالكترونية من حماية لمبدأ قرينة البراءة،وبالتالي تفادي كل المساوئ السلبية الناتجة عن الاعتقال الاحتياطي سواء بالنسبة للمتهم الذي لم تثبت إدانته بموجب حكم نهائي، أو بالنسبة للدولة وأجهزتها الساهرة على التنفيذ العقابي.

سادسا : الاقتراحات و التوصيات.

لقد حاولتُ في الخلاصات العامة لهذه الأطروحة أن أبين أن رهان ترشيد السياسة الجنائية وإستشراف آفاقها لن يتحقق إلا عبر التأسيس لسياسة جنائية فعالة وواضحة تعتمد فلسفة وروح التأهيل بعيدا عن منطق العقاب، مع مراعاة دور كافة المتدخلين في صناعة وتنزيل هاته السياسة. وفي هذا السياق بالضبط عملت على تقديم بعض المقترحات كجواب على الإشكاليات التي وسمت هذا البحث، والتي تحتاج إلى أجوبة بهدف تطوير السياسة الجنائية المغربية وأنسنة التدابير السالبة للحرية من أجل تجاوز الإشكالات والقصور الذي تعاني منها منظومة العدالة الجنائية.ويمكننا إجمال هذه المقترحات في العناصر التالية:

ـ وجوب العمل على تحديث الترسانة التشريعية الجنائية بشقيها الموضوعي والإجرائي وملاءمتها مع المبادئ الدستورية المنصوص عليها في دستور 2011، والتي تشكل المرجعية الأساسية الكفيلة بحماية الحقوق والحرياتإلى جانب المعاهداتوالاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.

ـ اقتراح إحداث مجلس أو هيئة الوكلاء العامين للملك تحت الإشراف المباشر للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، بهدف التنسيق والتفعيل والتطبيق الأمثل فيما يخص الجوانب المرتبطة بالسهرعلى تنفيذ السياسة الجنائية، وذلك من أجل ضمان حماية الحقوق والحريات وتحقيق الأمن القضائي.

ـ تفعيل البدائل التي تتضمنها النصوص القانونية لمنظومتنا التشريعية، كالمراقبة القضائية ومسطرة الصلح حتى لا تظل جامدة وحبيسة هاته النصوص، وهذا لن يتأتى إلا من خلال إخضاع قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق للتكوين والتكوين المستمر، الهدف منه تقريب القضاة من أهمية البدائل سواء المتعلقة منها ببدائل الدعوى العمومية أو ببدائل الاعتقال الاحتياطي.

ـ ضرورة إجراء مراجعة لسياسة التجريم والعقاب المعتمدةحاليا في مواجهة الإجرام البسيط والتي لم تعد متلائمة مع طبيعة الأفعال المرتكبة فيما يخص هذا النوع من الجرائم.

ـ اللجوء إلى بدائل التدابير السالبة للحرية وتوسيع الخيارات المتاحة أمام القضاء بهدف تجاوز الإشكالات التي تتخبط فيها منظومة العدالة الجنائية، وذلك عن طريق اعتماد بدائل يمكن تفعيلها أسوة بما درجت عليه العديد من التشريعات الجنائية المعاصرة لا سيما المراقبة الإلكترونية والوساطة الجنائية، مع ضرورة توفير الإمكانيات المادية والبشرية المؤهلة لإنجاح سياسة البدائل الإجرائية.

ـ التخفيف من المقاربة الأمنية ذات الطابع الزجري التي يتسم بها التشريع الجنائي المغربي منذ الاستقلال والتعاطي مع الأفعال الإجرامية من خلال اعتماد المقاربة الشمولية عمادها البعد الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي.

  • ضرورة إخراج مشروع قانون المسطرة الجنائية و تبني التدابير البديلة للاعتقال التي يتضمنها، وذلك عن طريق وضع الأرضية الملائمة من أجل التنزيل السليم لها مع الأخذ بالتجارب المقارنة والتي عرفت نجاحا في تطبيقها مع مراعاة الخصوصية الوطنية.
  • ترسيخ إجراء الاعتقال الاحتياطي كتدبير استثنائي مع خلق آلية حقيقية لمراقبة اللجوء إليه تسند إلى قضاء الحكم، مع تفعيل كافة تدابير المراقبة القضائية باعتبارها بديلا له.
  • ضرورة تدعيم الوسائل الودية لفض النزاعات كالصلح والوساطة الجنائية باعتبارهما من مقومات العدالة الرضائية التصالحية.
  • دعوة المشرع المغربي للتوسع في تطبيق بدائل الدعوى العمومية من خلال إقرار نظام الوساطة الجنائية كبديل مستقل عن مؤسسة الصلح وذلك من خلال تضمين أحكامها والإجراءات الخاصة بها بمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية مع ضرورة تبيان المشرع الشروط الواجب توفرها في من يقومون بأعمال الوساطة وشروط تعيينهم.

إن إنجاح فكرة بدائل الدعوى العمومية والاعتقال الاحتياطي رهين باستيعاب القضاء لفلسفة هاته الأخيرةومدى استعداد باقي المتدخلينفي تنزيلها، وذلك لن يتأتى إلا من خلال التنسيق المحكم بين جميع المتدخلين ورصد الإمكانيات المادية والبشرية.

ومن جهة ثانية، يتعين بضرورة إقرار التعويض عن أضرار الاعتقال الاحتياطي باعتباره من مشتملات الخطأ القضائي وذلك إعمالا لأحكام الفصل 122 من الدستور وتوسيع وعائه حتى لا يظل مقتصرا على القرارات التي انتهت بعدم المتابعة أو البراءة بل والإدانة أيضا، سواء كانت بغرامة أو بعقوبة سالبة للحرية مدتها تقل عن مدة الاعتقال الاحتياطي.

وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نشير أنه من أجل تحقيق بدائل التدابير السالبة  للحرية  وتحقيق أهدافها،  يستوجب الأمر الاهتمام بشخص الضحية وإشراكه في أعمالها وهذا ما تفطنت له التشريعات الحديثة من خلال العمل على الموازنة بين تلك البدائل وإرضاء الضحية والذي أصبح محورا أساسيا وأولوية تهتم بها السياسة الجنائية المعاصرة، مع وجوب تفعيل مسطرة الصلح الشبه المعطلة من طرف قضاة النيابة العامة كبديل عن تحريك الدعوى العمومية في جميع القضايا التي تتوفر فيها الشروط القانونية المنصوص عليها في المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية والمادة 461 من نفس القانون إذا كان مرتكب الجرم قاصرا.

ومن جهة ثانية يتعين على قضاة التحقيق التخفيف من إجراءات الاعتقال الاحتياطي وتطبيق الإجراءات البديلة المقررة في المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية عن طريق تفعيل تدابير المراقبة القضائية.

وتأسيسا على ما ذكر، وأمام أزمة السياسة الجنائية بالمغرب المستندة إلى سياسة التجريم والعقاب مع إهمال لسياسة الوقاية والعلاج، نخلصإلى التأكيد على أهمية اعتماد سياسة جنائية تؤسس لعدالة جنائية تصالحية تجمع بين مقومات تدعيم مكانة الضحية في الخصومة الجنائية والحيلولة دون متابعة المشتبه فيهم في حالة سراح أو في حالة اعتقال خاصة في قضايا الجنح الضبطية المعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة لا تتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم.

وختاما أجدد الشكر لأساتذتي أعضاء اللجنة العلمية و لجميع الحضور الكريم.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)