مجلة مغرب القانونالقانون الخاصصفية البشير: المفهوم القضائي للشقاق  المستمر بين الزوجين كسبب للتطليق في التشريع الليبي

صفية البشير: المفهوم القضائي للشقاق  المستمر بين الزوجين كسبب للتطليق في التشريع الليبي

ذة.صفية البشير البوش باحثة بسلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والسياسية

جامعة الحسن الأول سطات

مقدمة:

نصت المادة 39 من قانون رقم 10 لسنة 1984  بشأن الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق وآثارهما، والمعدلة بموجب القانون رقم 22/1991 على أنه :” فإذا عجز طالب التفريق على إثبات دعواه واستمر الشقاق بما يستحيل معه دوام العشرة حكمت المحكمة بالتطليق مع إسقاط حقوق طالب التفريق”.

 يظهر من خلال هذا النص أن الأمر متعلق بالشقاق الذي يقع بين الزوجين ولم يتبت فيه ضرر، إلا أن المشرع الليبي لم يحدد معنى الشقاق  المستمر، وبالتالي  ترك أمر تقديره  لمحكمة الموضوع.

والتطليق للشقاق لا يعدو أن يكون ضررا، إلا أنه قد يكون مثبتا في بعض صوره، وغير مثبت  في صور أخرى، خلافا لما نص عليه المشرع في التطليق للضرر في المواد (40 لعدم الإنفاق)، و(41 غيبة الزوج)، و(42 العيوب) و(43  الإيلاء والهجر).

حيث إن التطليق للشقاق وسوء العشرة أعم من التطليق للضرر المنصوص عليه في المواد السالفة الذكر، وإن كانت الأسباب المؤدية إلى سوء العشرة أو بعض منها ربما تكون الأضرار السابقة سواء تم إثباتها أم لا؟

إنما الأمر المهم هو أن ينتج عنها شقاق مستمر، فما هو مفهوم الشقاق المستمر؟ ومتى نكون أمام واقعة الشقاق، وهل كل دعوى يمكن أن تكون كذلك، أم لدعوى الشقاق معيار يجب الالتزام به؟

 وللإجابة على هذه الأسئلة نتطرق لمفهوم الشقاق لغة واصطلاحا، تم نتطرق إلى موقف الاجتهاد القضائي في تعريفه للشقاق المستمر بين الزوجين.

أولا: تعريف الشقاق

  • 1-تعريف الشقاق لغة
  • 2-تعريف الشقاق اصطلاحا

1-تعريف الشقاق لغة

الشقاق لغة مشتق من الشق بالكسر وهو نصف الشيء، والشق أيضا الناحية من الناحية من الحبل وفيحديث أم زرع: ” وجدني في أهل غنيمة بشق”1.

 وإن  شق الشيء  فهذا يدل على انصداع فيه،  تقول شققت الشيء أشقه شقا، إذا  أصدعته، وبيده شقوق،  وبالدابة شقاق، والأصل واحد، والشقة : شظية تشظى من لوح أو خشبة2.

 ومن الباب : الشقاق وهو الخلاف، وذلك إذا انصدعت الجماعة وتفرقت يقال: شقوا عصا المسلمين، وقد انشقت عصا القوم بعد التئامها، إذا تفرق أمرهم، ويقال: أصاب فلان شق  ومشقة ، وذلك الأمر الشديد كأنه من شدته شق الإنسان شقا.3

والمشاقة والشقاق: الخلاف والعداوة،4 قال الشاعر:

وإلا فاعلموا أنا وأنتم في شقاق              بغاة ما بقينا في شقاق

والشقاق مأخوذ من كلمة الشق، والشق بمعنى إبعاد شيء آخر مثل النجار حين يشق الخشب5.

 وعرف الشقاق أيضا بأنه غلبة العداوة والخلاف بين اثنين وسمى ذلك شقاقا  لأن كل فريق من فرقتي  العداوة  قصد شقا أي ناحية غير شق صاحبه.6

ولقد ورد ذكر الشقاق في عدة مواضع في كتاب الله : ﴿وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ  فَسَيَكْفِيكَهُمُاللَّهُ7، وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾8، وقوله تعالى :﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَوَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾9.

وفي تفسير هذه الآية يقول ابن كثير: “ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في  الشق والشرع في شق”.10

قال تعالى:﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد﴾ٍ11قال ابن كثير: ” أي في ظلال ظلال ومخالفة وعناد بعيد أي عن الحق والصواب”.12

من خلال هذه الآيات نجد أن الشقاق لا يعني دائما العداوة بل معناه الأكيد هو الخلاف، وبمعنى أصح هو الاختلاف في الاتجاهات فكل فريق يختار اتجاه غير الآخر13.

2-تعريف الشقاق اصطلاحا:

 ليس للشقاق تعريف خاص في اصطلاح الفقهاء، غير أن المفسرين تناولوه بتعريفات تقارب تعريفه في اللغة، فقد قال زيد بن أسلم:” الشقاق: المنازعة”14،  فمعنى الشقاق اصطلاحا يدور حول معنى وهو أن المقصود بالشقاق  بين الزوجين وقوع الخلاف والعداوة بينهما على نحو يستدعي تدخل الآخرين للإصلاح بينهما15.

ويصر الشقاق بذلك الوضع الذي يكون فيه الزوجين في دائرة الخلاف والعداوة، ويصدر كل منهما على اتخاذ سلوك يسعى من خلاله بالشق على نفس صاحبه، مما يتعارض ومقتضيات المودة والرحمة والسكن إلى الآخر16.

وقال الإمام الشافعي – رحمه الله- أن يدعى كل واحد منهما على صاحبه منع الحق عنه، ولا يطيب واحد منهما لصاحبه بإعطاء ما يرضى به، ولا ينقطع ما بينهما بفرقة ولا صلح.17

 وعرف الشقاق أيضا بأنه الخلاف العميق والمستمر بين الزوجين لدرجة يتعذر معها استمر والعلاقة الزوجية.18

 وفي تعريف آخر للشقاق، فهو ذلك النزاع الشديد بين الزوجين ودوام الأسباب الفاحش والتضارب بينهما مما يلزم القاضي بعث حكما من أهله، وحكما من أهلها لينظر في أمرهما ويصلحا بينهما أو يفرقا إن  عسر الإصلاح.19

  وقد عرفه الأستاذ الكشبور الشقاق بقوله: “انعدام كل ما يربط عادة بين الزوجين من حب ووئام وود واحترام”.20

والمشرع  الليبي لم يعط تعريفا للشقاق وذلك نرجعه لسبيين:

الأول: أنه من أدق الأمور وأصعبها في نفس الوقت، وضع التعريفات، نظرا لما يتطلبه وضع التعاريف من الإلمام بجميع العناصر المكونة للشيء المراد التعريف به.

 الثاني: أن مهمة وضع التعاريف هي من اختصاص الفقه، وليس من اختصاص المشرع.

فنص في المادة (39/ ب) على أنه: “فإذا عجز طالب التفريق عن إثبات دعواه واستمر الشقاق بين الزوجين بما يستحيل معه دوام العشرة حكمت المحكمة بالتطليق مع إسقاط حقوق طالب التفريق”.

وذلك يكون بعدما تستنفد كل محاولات الصلح بين الزوجين كما جاء في الفقرة “أ” من ذات المادة والتي جاء فيها “إذا عجز الحكمان عن الإصلاح بين الزوجين تولت المحكمة الفصل في النزاع وفي هذه الحالة تعقد المحكمة جلسة سرية للإصلاح بين الزوجين.

مقال قد يهمك :   القانون 54.19 بمثابة ميثاق المرافق العمومية (تحميل)

فإذا تعذر عليها ذلك وتبت الضرر حكمت بالتطليق…”.

فهنا المشرع الليبي قد حدد كيفية إثبات وجود الشقاق المستمر بين الزوجين، وذلك من خلال محضر عدم الصلح الذي يعد قرينة على استمرار الشقاق بين الزوجين وإصرار كل زوج على موقفه.

ويبدو أن الشقاق من منظور المشرع الليبي هو اختلال الاحترام والود بين الزوجين، بشكل يخل بالحقوق والواجبات المتبادلة بينهما.21

والتساؤل الذي يطرح في هذا السياق، هو هل يشترط في الشقاق الذي هو محل التحكيم أن يكون مصدره الزوجة بنشوزها فقط أو مصدره نشوز الزوج فقط أو نشوز الزوجين معا مع إشكال الأمر على القاضي في معرفة الظالم من المظلوم؟

 لقد اختلف الفقهاء في الإجابة عن هذا التساؤل على عدة أقوال أهمها:

  • إذا اشتبه حالهما بأن ادعى كل منهما على صاحبه، وفي ذلك يقول الشافعي: قال تعالى: (وإن خفتم شقاق ببنهما)، والذي يشبه ظاهر الآية فما عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حالهما لأن الله  أذن في نشوز الزوج أن يصطلحا وأذن في نشوز الزوجة بالضرب، وأذن في خوفهما ألا يقيما حدود الله بالخلع..، فلما أمر فيمن خفنا الشقاق بينهما بالحكمين، دل على أن حكمهما غير حكم الأزواج غيرهما.. أن يشتبه حالهما في الشقاق فلا يفعل الرجل الصفح ولا الفرقة، ولا المرأة تأذية الحق ولا الفدية…، وتباين حالهما في الشقاق، والتباين هو ما يصران فيه من القول والفعل إلى ما لا يحل لهم ولا يحسن، ويمتعان كل واحد منهما من الرجعة ويتماديان فيما ليس لهما، ولا يعطيان حقا ولا يتطوعان لا واحد منهما بأمر يصيران به في معنى الأزواج غيرهما، فإذا كان هكذا بعث حكما من أهله وحكما من أهلها..” قال الماوردي: وهذا الباب يشتمل  على الحكم في نشوز الزوجين، وهو الشقاق.22
  • إذا وقعت العداوة وخشي عليهما أن يخرج ذلك إلى العصيان، أي إذا شجر بين الرجل وامرأته، بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها لمعرفة حال الظالم منهما.23
  • فإن اشتد الشقاق بينهما بعث القاضي حكما من أهله وحكما من أهلها لينظرا في أمرهما.24
  • فإن ادعى كل واحد منهما النشوز على الآخر، أسكنهما الحكام إلى جنب ثقة ليعرف الظالم منهما، فيمنع من الظلم فإن بلغا إلى الشتم والضرب، بعث الحاكم حكمين للإصلاح أو التفريق.25
  • إن المرأة إذا ادعت أن زوجها يضربها وتكرر رفع شكواها به للقاضي وتعذر عليها إثبات ذلك، فإن الشأن في ذلك أن يبعث القاضي حكمين عدلين، أي أن يشكل الأمر ما بينهما وتكررت شكواهما ولا بينة  مع واحد منهما ولم يقدر على الإصلاح بينهما فيبعث حكمان26  وهذا ما أخذ به القانون المصري رقم 25 لسنة 1929 بموجب المادة السادسة التي تنص على أنه :” إذا ادعت الزوجة أضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها يجوز لها أن تطلب  التفريق..، فإذا رفض الطلب وتكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضي حكمين…”
  • إذا فتح ما بين الرجل وامرأته حتى يثبته بينهما بينة ولا يستطاع التخلص إلى أمرهما، فإذا بلغا ذلك بعث الوالي رجلا من أهلها ورجلا من أهله27.

وهذاكله يقتضي أن الحكمين إنما يبعثان عند إشكال أمر الزوجين، وهذا الذي عليه أكثر المالكية.28

وهذا ما أخذ به القانون رقم 10/84، ابتداء من صحيح المادة (35/ج) التي نصت  على أنه ” إذا لم يتفق الطرفان على الطلاق، فيحق لكل منهما أن يطلب التطليق من المحكمة المختصة وفقا لأحكام المواد التالية”.

 المادة (36) :” إذا لم يتفق الزوجان على الطلاق طبقا للمادة السابقة  ورفع الأمر إلى المحكمة المختصة تولت تعيين حكمين للإصلاح بين الزوجين” وجاء في المادة (38/أ) أنه:” على الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق بين الزوجين، وأن يبذلا جهدهما في الإصلاح بينهما بأية طريقة ممكنة،…”

 وإنما يبعث الحكمين إذا ارتفع الزوجان إلى السلطان.

 فشكا كل واحد منهما صاحبه وأشكل عليه المحق من المبطل، لأنه إذا لم يشكل المحق من المبطل،  فلا وجه لبعثه الحكمين  في أمر عرف الحكم فيه29.

  • إذا أشكل أمرهما، ولم يدر ممن الإساءة منهما، فأما إذا عرف الظالم فإنه يؤخذ له الحق من صاحبه ويجبر على إزالة الضرر.30
  • إن استمر الإشكال والنزاع بعث الحكام حكمين من أهلهما.31

ومن خلال عرض أقوال الفقهاء في طبيعة الشقاق الذي يستدعي اللجوء إلى التحكيم نلاحظ أن أغلب الفقهاء ذهب إلى  أن بعث الحكمين في حالة ما إذا شكا كل واحد من الزوجين  الآخر، وأشكل الأمر على القاضي ولم يعرف  الظالم من المظلوم لانعدام إثبات الضرر بينهما.

 وللشيخ “أبو زهرة” رأي آخر في سبب بعث الحكمين، بحيث يقترح بجعل بعث الحكمين في كل قضايا الزوجية وفي ذلك يقول:” وإنا ندعو ذوي الأمر فيهذه الأمة إلى جعل التحكيم أول خطوة  يخطوها القضاء في إصلاح ذات البين إن كان خلاف بين عضوي الأسرة وركنيها، فلأن التحكيم هو الذي يحسم الداء، ويطيب للقلوب، إذا لا يعرف الطب للقلوب الشاردة إلا ذووها، والأذنون منها، ولا بد للعلاج الصحيح من ظهور الآلام الحقيقية التي يتلظى بها  الزوجين،  وتلك الآلام  لا تبدو على وجهها الصحيح بين يدي القضاء، بل ربما سترها المتخاصمون عمدا وقصدا، واتخذوا المكايدات سبيلا للنقمة، فتتبدل العلاقة الزوجية،  من وداد وتعاطف، إلى نزاع وتخاصم… وكانت النتيجة المنطقية لمثل هذا القول أن يقترح جعل التحكيم واجبا لازما على القضاء الشرعي عند كل خلاف بين الزوجين…”32.

مقال قد يهمك :   الاتفاقيات الجماعية ودورها في تحقيق السلم الاجتماعي

 ثانيا:  تعريف الشقاق المستمر طبقا للاجتهاد القضائي

 لم يعرف المشرع الليبي الشقاق المستمر، ولكن بالرجوع إلى الإجتهادالقضائي ومن خلال بحثنا في إطار الإجتهاد القضائي تحصلنا على الأحكام التالية:

 1-” تنافر وتباين، الأمر الذي تنعدم معه المحبة التي لا يتحقق بدونها التعاون على شؤون الحياة والقيام بالحقوق الزوجية كما أمر  الله” .33

 ” تعذر العشرة الزوجية المبنية على الود والرحمة والوئام”.34

 وقضت المحكمة العليا أنه:” أن مؤدى نص م ( 39) في الفقرة ب من القانون رقم (10) لسنة 1984  بشان الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق وأثارها بإعطاء كل من الزوجين حق طلب التفريق القضائي للشقاق، في حالة عدم تبوث الضرر، إذا أدى هذا الشقاق إلى استحالة دوام العشرة وجعل الوصول إلى هذا التفريق سبيلا لحسم النزاع بين الزوجين، إذا أصر عليه من يطلبه من الزوجين ، أيا كان  سبب عدم إمكان التوفيق مع تحمل طالب التفريق منهما الخسارة المالية الناشئة عن عقد الزواج من مهر ونفقة”.35

 الملاحظ من هذه الأحكام انها ربطت الشقاق بإستحالة دوام العشرة، ولكن السؤال الآن كيف يمكن استخلاص استحالة العشرة؟

فقبول الدعوى وتكييفها على أنها واقعة التطليق للشقاق المؤدي إلى سوء العشرة، هو من اختصاص محكمة الموضوع، لها أن تقبله وترفضه وفق ما تطمئن إليه.

 وهو ما قضت به المحكمة العليا الموقرة بقولها إن :” مسألة تقدير وجود الشقاق بين الزوجين من عدمه مما تستقل به محكمة الموضوع  دون معقب عليها من محكمة النقض طالما كان حكمها قد بني على أدلة لها أصلها الثابت في أوراق الدعوى”.36

 وهذا ما قضت به محكمة الموضوع قائلة: ” إنه لم يتضح أمام هيئة القضاء استحالة العشرة والشقاق بينهما وذلك للتطليق استنادا إلى نص المادة 39 (ف/ ب)، حيث إن المدعي عليه ما زال متمسكا ويرغب في استمرار علاقته الزوجية وينشد  المدعية في ذلك، كما أن  المدعية لم تقدم ما يدل على استحالة العشرة بينها وبين  المدعي عليه، خصوصا في الجلسات التي تم فيها محاولة الإصلاح بينهما..  لهذه الأسباب.. حكمت المحكمة حضوريا برفض الدعوى”.37

 فيمكن استخلاص سوء العشرة من عدة قرائن تساعده على القضاء بها ومن ذلك:

” أن المدعية صممت على طلب التطليق لاستحالة دوام العشرة؛ الأمر الذي لا تملك معه المحكمة إلا أن تستجيب لطلبها وتقضي بتطليقها”. 38

 ومن القرائن الدالة عليه أيضا إذا “تكررت الدعاوى القضائية بينهما تارة من الزوجة، وأخرى من الزوج، … وحيث إن المحكمة من خلال ذلك رأت هذا الوفاق والأمان باتا مفقودين بين الخصمين، مما يتوجب معه القضاء بعدم إمكانية استمرار العشرة بينهما واستحالتها”.39

 وقد تستنتج المحكمة حصول الشقاق وسوء العشرة من طول المدة التي تتداول فيها هذه القضية في أروقة المحكمة دون أن يكون هناك أمل في الإصلاح، وفي هذا تقول المحكمة:” إن الشقاق مستمر بينهما حيث إن هذه الدعوى قد تداولت لمدة طويلة تقريبا  سنة ونصف أمام القضاء، وحيث إنه قد تبت للمحكمة الشقاق بين الزوجين بما يستحيل  معه دوام العشرة… فإن هذه المحكمة تحكم بتطليق المدعى عليها في الدعوى الأصلية من زوجها المدعي، طلقة واحدة بائنة لاستحالة العشرة الزوجية بينهما”.40

 كما ان الخصام المتواصل بين الزوجين يمكن أن يكون قرينة على الشقاق وسوء العشرة، وفي هذا تقول المحكمة: “إن الحياة الزوجية في واقعة الحال أصيبت بما لا يستطاع معه دوام العشرة، فأصبحت مصدرا لشقاق وخصام متواصل، ومن تم لا تحقق المقصود منها،.. ومن ثم فإن المحكمة ترى بأن استمرار العلاقة الزوجية بين طرفي دعوى الحال من شأنه أن يؤدي إلى غير ما قصد له من الزواج… وبناء على ذلك فإن المحكمة تقضي بتطليق المدعية من زوجها المدعى عليه لاستمرار الشقاق واستحالة العشرة”.41

الخاتمة:

من خلال البحث عن المفهوم القضائي للشقاق المستمر بين الزوجين طبقا للفقرة ( ب) من المادة 39 من القانون رقم 10/1984 توصلنا إلى ترتيب النتائج التالية:

  1. إن الشقاق المستمر بين الزوجين هو ذلك الخصام والخلاف الذي طال أمده بين الزوجين.
  2. لئن كان التوجه الذي حرص المشرع الليبي  على ترسيخه بشأن الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق في قانون رقم 10 لسنة 1984  بقصد الحد من نسبة الطلاق والتطليق فإن التطبيق القضائي أبان عن محدودية هذا التوجه، نتيجة ارتفاع نسبة التطليق للشقاق، لأنه إذا ما تحققت المحكمة من وجود الشقاق، سواء أكان راجعا إلى الزوجين معا، أم وجد الشقاق ولم يعلم السبب ، وبعد تعيين حكمين للإصلاح بينهما وعقد جلسة سرية من قبل المحكمة إذا فشل الحكمان في ذلك، فإنه ليس أمام القاضي سوى الحكم بالتطليق وجوبيا، وهذا يتعارض مع التوجه الذي ارتأه المشرع الليبي من التضيق من نسبة الطلاق.
  3. لا يتطلب في القضاء بالتطليق للشقاق إثبات الضرر المؤدي إليه، بقدر ما يتطلب إثبات حالة الشقاق، وفي تقديرنا هذا توسع في حالات الطلاق لأن القاضي لا يملك في هذه الحالة إلا الحكم بالتطليق.

 ونقترح إعادة صياغة الفقرة (ب) المادة (39) من القانون رقم (10) لسنة 1984 بحيث تكون كما يلي:

  1. إذا استمر الشقاق بين الزوجين نتيجة نزاع قضائي طال أمده وأصر الزوج على الإخلال بحق أو حقوق زوجته، بالرغم من صدور حكم يلزم بأداء هذا الحق.
  2. إذا اشتد الخصام بين الزوجين ولم يثبت الضرر الذي تدعيه الزوجة، ثم تكررت دعواها مع عجزها من إثبات الضرر، حكمت بالتطليق”.

فالمستهدف الحقيقي بهذه الفقرة تحديدا هو في حقيقة الأمر ( طالبة التفريق) التي هي من لها حقوق ستسقط إن عجزت عن إثبات دعواها، كما أن نص هذه المادة يثير تساؤلا حين يكون الزوج هو طالب التطليق وعجز عن إثبات دعواه، فهل للزوج من حقوق تترتب  على الطلاق حتى تسقط عنه أن عجز عن إثبات دعواه أم المشرع في الأساس يستهدف الزوجة في هذه الفقرة دون الزوج؟

مقال قد يهمك :   عدول المغرب يطالبون باستقلالية التوثيق العدلي والإشراف على الطلاق الاتفاقي و الخلعي

الهوامش

(*) تم تحكيم هذا المقال من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون

للدراسات والأبحاث القانونية

  1. عبد القادر الرازي، مختار الصحاح، تحقيق : يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية – الدار النموذجية ، بيروت،  الطبعة الخامسة،1420ه-1999م، ص: 167.
  2. أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1399ه-1979م، ج:3، ص:170.
  3. أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، المرجع السابق، ج:3، ص:171.
  4. محمد بن يعقوب الفيروز أبادي، القاموس المحيط، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية، 2007، ص: 912.
  5. محمد متولي الشعراوي، أحكام الأسرة والبيت المسلم، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، 2004، ص : 208.
  6. أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1414ه، ج: 10، ص: 183.
  7. سورة البقرة، الآية :137.
  8. سورة البقرة، الآية: 176.
  9. سورة النساءـ، الآية: 115.
  10. أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، المحقق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، بيروت، الطبعة الأولى، 1419ه، ج:2، ص: 365.
  11. سورة الحج، الآية :53.
  12. ابن كثير، المرجع السابق، ج: 5، ص: 390.
  13. عائشة محمود جاسم الداودي، التحكيم في منازعات الأحوال الشخصية، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، القاهرة، كلية الحقوق 2005، ص: 181.
  14. شمس الدين القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية ، القاهرة، الطبعة الثانية، 1384ه-1964م، المجلد:2، ص: 143.
  15. أشرف محمد محمود الخطيب، وسائل معالجة النشوز والشقاق بين الزوجين، مجلة كلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر- فرع أسيوط، العدد الثالث عشر، ج:1، 2001، ص: 153-154.
  16. أحمد حسين طه، مدى حرية الزوجين في التفريق قضاء، دار الحكمة، لبنان، الطبعة الأولى، 2002، ص 78.
  17. الشافعي، كتاب الأم، دار المعرفةـ، بيروت، بدون طبعة ، 1410ه-1990م، ج: 5، ص:208.
  18. وزارة العدل المغربية، دليل عملي لمدونة الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد الأول، 2004، دار القلم ، الرباط، ص: 71.
  19. الإمام محي الدين بن شرف النووي، روضة الطالبين، دار الفكر ، بيروت- لبنان، ج:6، ص : 364.
  20. محمد الكشبور، شرح مدونة الأسرة، مطبعة الجديدة، ج:2، ص:102.
  21. أحمد حسن طه، مدى حرية الزوجين في التطليق ، مرجع سابق، ص: 78.
  22. الشافعي، الأم، مصدر سابق، ج: 5، ص: 208، حبيب الماوردي، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي ، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت،- لبنان، الطبعة الأولى، 1419ه-1999م، ج: 9، ص: 601.
  23. عبد الله موفق الدين بن قدامة، المغني، مكتبة القاهرة، بدون طبعة، 1388ه-1968م، ج: 7، ص: 320.
  • علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، المحلى بالآثار، دار الفكر ، بيروت، بدون طبعة، بدون تاريخ، ج:9، ص: 246.
  1. أبو بكر السيد البكري الدمياطي، إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، بدون طبعة ، بدون تاريخ ، ج :3 ، ص379.
  2. أبو اسحاق الشيرازي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، دار الكتب العلمية، بدون طبعة ، بدون تاريخ، ج2، ص:487-488.
  3. محمد بن أحمد ميارة، الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام، دار المعرفة، د ط، د ت، ج:1، ص: 195، محمد بن جزي، القوانين الفقهية، منشورات دار الكتب، الجزائر، 1987، ص:171.
  4. مالك بن أنس، المدونة الكبرى، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415ه-1994م، ج: 2، ص: 267.
  5. محمد بن أحمد بن محمد عليش، منح الجليل شرح مختصر خليل، دار الفكر، بيروت، بدون طبعة ، 1409ه- 1989م، ج: 3، ص: 548.
  6. أبو جعفر الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420ه-2000م، ج: 8، ص: 331.
  7. القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج:5، ص: 175.
  8. أحمد الدردير، الشرح الصغير على أقرب المسالك، دار المعارف، مصر، 1992، ج: 2، ص:505.
  9. محمد أبو زهرة، نظرات في قانون الأسرة، الشقاق بين الزوجين والتفريق بسببه، مجلة القانون والاقتصاد، جامعة القاهرة، كلية الحقوق، العدد السادس ، نوفمبر 1937، ص: 990-991.
  10. محكمة نالوت الجزئية، دائرة الأحوال الشخصية 20/3/2006ن الدعوى رقم 6/2005 ( غير منشور).
  11. محكمة مسلاته الجزئية، دائرة المدينة للأحوال الشخصية 27/4/2003، الدعوى رقم 7/2003، (غير منشور).
  12. المحكمة العليا، طعن شرعي 19/1/1995 الطعن رقم 15/41 ق ( غير منشور).
  13. المحكمة العليا، طعن شرعي 15/4/1997، الطعن رقم 10/43ق ( غير منشور)
  14. محكمة المدينة الجزئية، دائرة الأحوال الشخصية الخامسة، 15/5/2006، الدعوى رقم 778/2004( غير منشور).
  15. محكمة باب بن غشير الجزئية، دائرة الأحوال الشخصية 10/12/2002، الدعوى رقم 487/2001( غير منشور).
  16. محكمة المدينة الجزئية، دائرة الأحوال الشخصية الثانية14/3/2004، الدعوى رقم 433/2003( غير منشور).
  17. محكمة الزاوية الجزئية، دائرة الأحوال الشخصية 11/6/2001، الدعوى رقم 325/2000 ( غير منشور).
  18. محكمة أبو سليم الجزئية، دائرة الأحوال الشخصية 12/4/1999، الدعوى رقم 69/2008 ( غير منشور).
error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]