علاء الدين الحاجي : مبدأ التخصص في مشاريع إصلاح منظومة العدالة أية قيمة مضافة للقضاء الإداري !!
- من إعداد : علاء الدين الحاجي خريج ماستر القضاء الإداري – كلية الحقوق سلا ، باحث في القانون و القضاء الإداري.
نصت الوثيقة الدستورية لسنة 2011 (ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 -29 يوليو 2011- بتنفيذ نص الدستور، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 -30 يوليو 2011-، ص 3600) في الفقرة الأولى من الفصل 127 منها على أنه ” تُحدث المحاكم العادية والمتخصصة بمقتضى القانون.” وقبلها الفصل 114 الذي يعطي الحق في الطعن في المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام ” أعلى هيئة قضائية إدارية بالمملكة” والفقرة الثانية مـن الفصل 118 التي تنص على أن ” كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة.”
كلها إشارات واضحة على أنه لن يتم التراجع عن المحاكم المتخصصة، خصوصا بالنسبة لتجربة القضاء الإداري –دون التركيز على تجربة القضاء التجاري-. وبالتالي ضمانة دستورية للقضاء المتخصص في الاستمرارية والتطور.
وعليه يحق التساؤل، حول ما إذا كان المشرع المغربي من خلال تنزيل الدستور سيتجه فعلا نحو إرسال قضاء متخصص قوامه القاضي المتخصص ؟ وأية قيمة مضافة لهذا الشق من القضاء بارتكازه على مبدأ التخصص في التكوين والعمل ؟ وما هي الدعامات التي أضيفت في سبيل إرساء هذا المبدأ ؟
ستتم مقاربة جوانب الإجابة من خلال مشاريع إصلاح منظومة العدالة، والتي سنساءل من خلالها المقتضيات الواردة في مشاريع القوانين التي لم تدخل حيز التنفيذ وكذا القوانين التي دخلت حيز التنفيذ.
مع التركيز بالخصوص على القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة (الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41 ففي 14 من جمادى الآخرة 1437 -24 مارس 2016-) (ثانيا) وقبله مشروع القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي كما صادق عليه مجلس النواب. (أولا)
أولا : مبدأ التخصص من خلال مشروع قانون التنظيم القضائي رقم 38.15
تضمنت مذكرة تقديم مشروع القانون المذكور مجموعة من الأمور، والتي يبقى أبرز ما فيها من حث الشكل هو دمج الأحكام المتعلقة بتنظيم المحاكم المتخصصة. والتي من بينها أحكام القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية والقانون 80.03 المحدث بموجبه محاكم الاستئناف الإدارية.
وكذا التركيز في الجانب الموضوعي على قيام التنظيم القضائي على مبدأ وحدة القضاء قمته محكمة النقض، واشتغال مكونات التنظيم القضائي وفق مبدأ التخصص.
ففي الجانب المؤسساتي، يمكن الملاحظة بأنه عوض العمل على إحداث مجلس دولة\محكمة إدارية عليا والارتقاء بعدد المحاكم الإدارية لعدد يغطي مجموع الجهات على الأقل مع إحداث محاكم استئناف إدارية أخرى. تم العمل على إحداث بموجب هذا المشروع الأقسام المتخصصة في القضايا الإدارية بالمحاكم العادية التي لا توجد بها محاكم إدارية ومعها محاكم الاستئناف والاحتفاظ بمحكمة النقض على رأس هرم التنظيمي القضائي بموجب المادة 5 من هذا المشروع.
بحيث أن المادة 42 و 43 من هذا المشروع، تتحدث عن أن المحاكم الابتدائية تشتمل على أقسام متخصصة في القضاء الإداري، ليبت دون غيره في القضايا الإدارية المسندة إلى المحاكم الابتدائية الإدارية بموجب القانون. وأنه تحدث هذه الأقسام بالمحاكم الابتدائية المعنية بمرسوم، بعد استطلاع رأي المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
فيما المادة 68 أعطت إمكانية إحداث أقسام متخصصة في القضاء الإداري بمحاكم يبت دون غيره، في استئناف أحكام أقسام القضاء الإداري المتخصصة بالمحاكم الابتدائية التابعة لمحكمة الاستئناف وفق ضوابط محددة بنص بنفس المادة.
أيضا في الجانب الموضوعي، وخاصة في مسألة اشتغال مكونات التنظيم القضائي وفق مبدأ التخصص. والتي تم تكريسها بموجب المادة 5 التي نصت على أنه يرتكز التنظيم القضائي على مبدأ التخصص، لا سيما بالنسبة للمحاكم والأقسام المتخصصة. وأنه يراعى تخصص القضاة عند تعيينهم في المحاكم والأقسام المتخصصة.
وهذا بمثابة خلل تشريعي، بل وتناقض بين الفقرة التي تقر بمبدأ التخصص في المحاكم والأقسام المتخصصة مع الفقرة الموالية التي تتحدث عن ضرورة مراعاة تخصص القضاة عند تعيينهم في المحاكم والأقسام المتخصصة.
على اعتبار أنه لضمان حسن تنزيل المبدأ المذكور، لا يجب مراعاة مبدأ التخصص عند مرحلة تعيين القضاة. بل يجب أن يسبق ذلك مراعاة التخصص عند فتح المباريات المتعلقة بالملحقين القضائيين، كل حسب التخصص المطلوب.
لأنه إذا أتيحت الفرصة للطلبة والباحثين المتخصصين في مجال القانون والقضاء الإداري لاجتياز المباراة، مع التكوين الذي يعمل عليه المعهد العالي للقضاء سيعطي قاضي إداري متخصص، وبالتالي تكون المؤسسات المعنية قد طبقت فعلا مبدأ التخصص كما يجب.
وهذا الأمر يجب الحسم فيه بموجب القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، فهل تم الحسم فيه طالما أنه دخل حيز التنفيذ ؟
ثانيا : مبدأ التخصص من خلال القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة
بالرجوع إلى مقتضيات القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، والذي يفترض فيه أن يحسم الجدل ويحدد الشروط المتطلبة لولوج سلك القضاة حسب التخصصات الموجودة بالمحاكم. ولعل القضاء الإداري يدخل بدوره ضمن تلك التخصصات التي يجب تحديد شروط خاصة بالمباريات التي تخول لولوج للعمل بها.
فنص المادة 8 من القانون المذكور جاء صريحا بالتنصيص على أنه سيتم الحسم بقانون في نوع الشواهد الجامعية المتطلبة. كما نصت نفس المادة على أن مؤسسة تكوين القضاة ستحدد مهامها وقواعد تنظيمها وكيفيات تسييرها بقانون.
وهذا أمر إيجابي في حد ذاته، على اعتبار أن القانون المعني يجب أن يراعي مبدأ التخصص عند فتح المباريات لا عند مرحلة التعيين.
غير أن هاته القوانين، وببحث تم القيام به على مستوى مشاريع القوانين التي يتم مناقشتها بالبرلمان لا نجد أي مشروع قانون يتناول ذلك. الأمر الذي قد يحدث فراغ تشريعي في هذا الباب خصوصا والخصاص الذي تعرفه المنظومة القضائية في شق الموارد البشرية.
هذا المعطى، تم تجاوزه بمقتضى القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، والذي عمل المشرع المغربي من خلاله على ضمان استمرار تطبيق مقتضيات الظهير الشريف بمثابة قانون الخاص بالنظام الأساسي لرجال القضاء السابق، في مسألة الشهادة المتطلبة عند فتح المباريات وباقي الشروط الأخرى المحددة بموجب النص التنظيمي الصادر في هذا الباب.
عموما يمكن القول، أن ضمان استمرارية وجود المحاكم المتخصصة هو ضمان بحد ذاته لمنظومة القضاء الإداري، خصوصا أن أطراف الخصومة في هذا الأخير تتميز بنوع خاص، يتطلب من القاضي الإداري أن يقيم نوع من التوازن يحمي من خلاله الحقوق الخاصة ويضمن متطلبات المصلحة العامة في الآن نفسه.
وإن كان سقف التطلعات أكبر من هاته المكتسبات، إلا أنه تبقى مسألة إحداث أقسام متخصصة في القضايا الإدارية بالمحاكم العادية التي لا يوجد بدائرة اختصاصها أية محكمة إدارية. مع الاحتفاظ بالمحاكم الإدارية الموجودة لبنة مهمة في أفق استكمال صرح القضاء الإداري بشكل خاص، والعمل على تنزيل مبدأ التخصص بشكل عام.
الأمر الذي يتطلب معه الحرص على حسن تنزيل مبدأ التخصص في القوانين التي ستعمل على تنزيل القوانين التي تمت مناقشتها. خاصة وأن تخصص القاضي في ظل قضاء متخصص ومستقل. هو ضمان لجودة في الأحكام وحسن الأداء والإنتاجية، بل وضمانة لحقوق الأفراد والإدارة معاً، خصوصا في مجال تقني كالقضايا الإدارية.
تعليقات 0