قراءة في مشروع القانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع  الرسمي للأمازيغية وكيفية إدماجها  في مجال التعليم  وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية

الطالب الباحث : محماد الفرسيوي

       یعتبر موضوع اللغة الأمازیغیة في المغرب موضوعا ذو أهمية خاصة لإرتباطه بهویة المملكة المغربية، والتي تعتبر من أهم المواضیع المطروحة في الساحة الوطنية، وما تلقاه اللغة الأمازیغیة  ودسترتها من إهتمام متزاید في علاقتها بالهویة الوطنیة، ولأن المساس بالهویة یعني المساس بكیان الدولة في حد ذاتها، ولهذا یمكن اعتبار موضوع دسترة  وتفعيل الطابع الرسمي للأمازیغیة في المغرب ذا أهمیة كبیرة، لأنه یهتم بالجانب وبالبعد الهویاتي للأمازیغیة التي تعتبر من مقومات الهویة المغربية.

        وباستقرائنا لمسار الأمازيغية وجب الوقوف عند مجموعة من المحطات المهمة التي اعترفت بمكانة   اللغة الأمازيغية  في تقوية عمق ثقافتنا وتمتين نسيج هوية أمتنا الغنية بتنوع روافدها، ويعد خطاب أجدير التاريخي (17 أكتوبر 2001 )، أولى المحطات التاريخية، في ميلاد تصور جديد بخصوص الهوية المغربية”،  حيث  أكد الملك محمد السادس  على أن الأمازيغية تشكل مكونا أساسيا من مكونات الثقافة المغربية، وأن النهوض بالأمازيغية يعد مسؤولية وطنية.

    كما أكد الخطاب الملكي السامي أن النهوض بالثقافة واللغة الأمازيغيتين مسؤولية “جماعية” وذلك من خلال اعتبار الأمازيغية ملكا لكل المغاربة. وجاء أيضا في هذا الخطاب أن “هناك رهانات ما تزال مطروحة لكي تنتعش الأمازيغية”، مبرزا أنه بدون تنمية اقتصادية مستدامة في الأوساط الناطقة بالأمازيغية، فإن الحديث عن النهوض بالأمازيغية يبقى “هشا”.

     وكمحطة ثانية تم إصدار الظهير المتعلق بإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية[1] الذي أنيطت به مهمة الحفاظ على الأمازيغية والنهوض بها وتعزيز مكانتها في المجال التربوي والاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني وهي الخطوة التي أبانت عن إرادة ملكية سامية في الدفع باللغة الأمازيغية إلى الرسمية واعترافا تاريخيا بالطابع التعددي لهويتنا المغربية، القائمة على روافد متنوعة أمازيغية وعربية وصحراوية إفريقية وأندلسية التي ساهمت كلها وبانفتاح وتفاعل مع ثقافات وحضارات متنوعة في إغناء هويتنا المغربية.

وبعد سنوات من الإنتظار والترقب جاء دستور 2011 ليرقى باللغة الأمازيغية إلى لغة رسمية في الدولة إلى جانب اللغة العربية، حيث جاءت المادة الخامسة  من الدستور لتنص على أنه:

” تظل العربية اللغة الرسمية للدولة.

وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها.

تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.

يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.

مقال قد يهمك :   تشكلة هيئة الحكم من النظام العام و أي مساس بها يرتب البطلان

تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم؛ باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر.

يُحدَث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبَته وكيفيات سيره”.

     ولتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية لابد من قانون تنظيمي يحدد تفاصيل ومراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية، وهو الأمر الذي تجسد في مشروع قانون 26.16 .

هذا المشروع جاء  بخمس وثلاثين  مادة،  والتي توزعت على عشرة أبواب، حيث استهل هذا القانون بتحديده مفهوم اللغة الأمازيغية  وذلك في المادة الأولى التي تنص على :

” يقصد باللغة الأمازيغية في مدلول هذا القانون التنظيمي مختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب، وكذا المنتوج اللسني والمعجمي الأمازيغي الصادر عن المؤسسات والهيئات المختصة “.

       والملاحظ من  خلال هذا المفهوم هو  عدم تقيده  للغة الأمازيغية، حيث وسع النص ولم يقيد وحسن ما فعل حيث جاءت عبارة ” مختلف التعبيرات اللسانية المتداولة ” شاملة وجامعة لمختلف أصنافها ومناطقها وهذا ما يكرس كونها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة وليس حكرا على أية فئة.

      جاء هذا المشروع بنصوص تهتم بكيفية إدماج اللغة الأمازيغية في مجال التعليم، بحيث  نص على حق جميع المغاربة في تعلم اللغة الأمازيغية، بكيفية تدريجية وعلى مستوى مختلف المستويات، بما فيها التعليم العالي وكذا برامج محو الأمية،  وهو الأمر الذي سيعمل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي على  اتجاذ كل ما يلزم لتنزيله  بشكل تدريجي في منظومة التربية والتكوين بالقطاعين العام والخاص.

مقال قد يهمك :   فراجي: القانون الجنائي لا يجرم الاغتصاب الزوجي

    ولأهمية القصوى التي تحضى بها العملية التشريعية فقد عمل مشروع القانون26.16 على إقحام اللغة الرسمية إلى  داخل قبة البرلمان حيث نص على استعمال اللغة الأمازيغية  بالجلسات العمومية وكذا داخل  داخل اللجان البرلمانية ، وترك القانون كيفية الإستعمال لنظامين الداخليين لمجلسي البرلمان.

    علاوة على ذلك فقد أوجب القانون نقل جلسات  مجلسي البرلمان مصحوبة بالترجمة الفورية، فضلا عن إصدار الجريدة الرسمية باللغة الأمازيغية، الأمر نفسه بالنسبة للنصوص التنظيمية ذات الصبغة العامة، وكذلك نشر القرارات التنظيمية ومقرارت ومداولات الجماعات الترابية باللغة الأمازيغية.

     لم يسلم مجال الإعلام والإتصال من مقتضيات هذا القانون حيث جاء بمقتضيات تبين كيفية إدماج هذه اللغة بما يتناسب  ووضعها كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية فيما يخص الدعم المخصص للقنوات التلفزية والإذاعية، وذلك مع مراعاة  مبدأ التكافئ بين مختلف التعبيرات اللسانية المتداولة بالمغرب.

     عطفا على ذلك حرص هذا المشروع  على دعم الإبداع الثقافي  والفني، عبر تشجيع الإبداعات والإنتاجات والمهرجانات الفنية والثقافية الأمازيغية، وذلك داخل إطار وحدة الهوية الوطنية وتنوعها، مع مراعاة الخصوصيات  الجهوية لمختلف المناطق بالمغرب. وهو الأمر الذي سيساهم في إغناء الموروث الثقافي والحضاري الأمازيغي  وكذلك تعزيز مكانة اللغة الأمازيغية كإرث ثقافي ولغوي لجميع المغاربة.

      ولإبراز أهمية هذه اللغة فقد أوجد هذا القانون نصوص تنص على إستعمال هذه اللغة في الإدارات و سائر المرافق العمومية، بحث أصبحت توأم للغة العربية من خلال تضمينها بجميع الوثائق الرسمية ( البطاقة الوطنية، جواز السفر…)، كذلك الأوراق النقدية، الطوابع البريدية وأختام الإدارات العمومية،  فضلا على مجموعة من الوثائق التي تقوم السلطات الحكومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية  وسائر المرافق العمومية بإعدادها. وهو الأمر الذي يقتضي  إعداد الموارد البشرية الكفيلة بتنزيل ما ورد.

     ونظرا للدور الذي تضطلع به الفضاءات العمومية بالنسبة للأفراد، فقد أوجب مشروع القانون26.16 على  تضمين اللغة الأمازيغية بمختلف اللوحات وعلامات التشوير المثبتة على الواجهات وداخل الإدارات، المؤسسات، المجالس، الهيئات، السفارت القنصليات  خارج المغرب، المطارات الموانئ وغيرها من الفضاءات العمومية.

    والملاحظ هنا فيما يتعلق باستعمال اللغة الأمازيغية بالإدارات وسائر المرافق العمومية والفضاءات العمومية هو أن المشروع  استعمال أسلوب الحصر والمثال، حيث  كان الأجدر به أن يطلق لا يقيد إن هو أراد التسوية بينها وبين العربية، لأنه وهو يقيد كأنه يجعل الأمازيغية بعيدة عن بعض المجالات وهو ما يتنافى مع روح الدستور الذي سوى  بين العربية والأمازيغية.

مقال قد يهمك :   إشكالية الخلط بين تحريك وممارسة الدعوى العمومية في ضوء قانون المسطرة الجنائية المغربي

      وفي باب فريد أفرد  له المشروع مادة وحيدة أجمل فيها  كيفية إدماج اللغة الأمازيغية في مجال التقاضي،حيث أصبح من حق المتقاضين  في ظل هذا المشروع استعمال اللغة الأمازيغية  على مستوى إجراءات التحقيق والترافع أو تقديم  الشهادات أمام المحكمة، وكذا مختلف إجراءات التبليغ، وبغية  ذلك تعمل الدولة على توفير الترجمة بدون مصاريف  بالنسبة للمتقاضين، إلا أنه عندما نتحدث عن الترجمة فالذهن ينصرف مباشرة إلى لغة أجنبية في حين أن الأمر يتعلق بلغة رسمية يفترض العلم بها.

      كما أعطى هذا المشروع للمتقاضين الحق في سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية، ولتلك الغاية تعمل الدولة على تأهيل القضاة  وموظفين المحاكم المعنيين  باستعمال اللغة الأمازيغة، وهو الأمر الذي يثير مجموعة من الإشكالات المتعلقة بكيفية تدبير العنصر البشري القادرة على التعامل مع هذا المعطى القانوني الجديد، فهذا النص يقتضي إعادة النظر في كيفية انتقاء الملحقين القضائيين وموظفي كتابة الضبط وكل المهن المساعدة للقضاء وكذلك إعادة النظر في ما يتعلق بالتعيينات التي يجب أن يراعى فيها هذا الجانب، إذ يمكن للغة أن تختزل الزمن القضائي والتكاليف التي تتحملها الدولة.

       وفي ختام هذا المشروع تم تحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وآليات تتبعه والتي  تم تقسيمها  حيث نجد أحكام تتطلب خمس سنوات لتفعيلها، وأخرى  عشر سنوات  وكذلك خمسة عشر سنة،  وهو الأمر الذي يفسر استعمال عبارة ” بكيفية تدريجية ” في أكثر من مرة ضمن هذا القانون. ليبقى هذا القانون حبيس الآلة التشريعية في انتظار مجموعة من التصويبات والتعديلات التي يمكن أن تترجم به إرادة الدستور وروحه.


[1] ـ الجريدة الرسمية رقم 4948 الصادرة يوم الخميس 1 نونبر 2001 ظهير شريف رقم 299-01-1 (17 أكتوبر 2001) صادر في 29 من رجب الخير 1422

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)