قراءة في نظام تغطية عواقب الوقائع الكارثية المحدث بموجب قانون رقم 110.14

10 يناير 2021 - 2:06 م المنبر القانوني , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

خلفي احمد طالب باحث في سلك الدكتوراه

تعتبر الكوارث الطبيعية من الظواهر القديمة التي تشهدها الكرة الأرضية، سيما وأن ذلك مرتبط بحياة الإنسان منذ أن استخلفه الله فوق هذا الكون، مصداقا لقوله تعالى في كتابه الحكيم[1] : ” أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ”.

وإذا كانت طبيعة هذه الكواراث تأخذ صورا عدة، منها ما هو بفعل الطبيعية مرتبط بالفيضانات والسيول، وكذا الزلازل والبراكين…وغيرها، فإنه لا مناص للإنسان من منعها أو ردها، وإنما يتحتم عليه اتخاذ ما يمكن من التدابير اللازمة للحد من آثارها أو التخفيف منها، وكذا ما هي مرتبطة بفعل الإنسان، كالإرهاب وأعمال الشغب  والتي في بعض الأحيان يصعب توقعها.

كما أنه غالبا ما تكون  لهذه الحوادث نتائج وخيمة على حياة الإنسان، وكذا ممتلكاته، إذ أصبح لزاما على الدول في ظل التغيرات المناخية والمخاطر الأمنية، التفكير في اعتماد استراتيجيات مناسبة لمواجهتها، وهو ما دفع المغرب بدوره إلى سن نظام تشريعي خاص، الهدف منه تغطية عواقب الوقائع الكارثية التي يمكن أن يتعرض إليها، خصوصا وأن البلد شهد عدة كوارث طبيعية، منها على سبيل المثال زلزال بكل من مدينة أكادير، والحسيمة…، وكذا الفيضانات التي شهدتها عدة مدن،كمدينة الدارالبيضاء بسبب التساقطات المطرية الأخيرة، وما شكلته من أضرار مادية جسيمة على ممتلكات الأفراد.

ومن خلال هذا المنطلق هل استطاع المشرع من خلال القانون رقم 110.14 المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الواقائع الكارثية، وبتغيير القانون رقم 17.99 المتعلق بالتأمينات، تحقيق نظام تشريعي لتغطية آثار الوقائع الكارثية بالمغرب؟

لتناول الموضوع إرتأينا تقسيمه إلى محورين:

  • المحور الأول: الإطار القانوني للوقائع الكارثية
  • المحور الثاني: التعويض عن الكوارث

المحور الأول: الإطار القانوني للوقائع الكارثية

اعتبرالقانون رقم 110.14[2]المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية بمجموعة من المستجدات الهادفة للحد من آثار الناجمة عنها.

أولا: مفهوم الوقائع الكارثية

عرفت المادة 3 من القانون رقم 110.14  الكوارث الوقائع الكارثية على أنه: ” مع مراعاة أحكام المادة 6 أدناه، يتعبر واقعة كارثية كل حادث تنجم عنه أضرار مباشرة في المغرب. يرجع السبب الحاسم فيه فعل القوة غير العادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل العنيف للإنسان.”

واعتبرت المادة المذكورة على أن عامل القوة غير العادية لعامل طبيعي واقعة كارثية إذا تبين توفره على المواصفات التالية:

– أن يتوفر في وقوع الحادث المسبب له شرط الفجائية أو عدم إمكانية التوقع. وفي حالة إمكانية توقع الحادث. يشترط أن لا تتمكن التدابير الاعتيادية المتخذة من تفادي هذا الحادث أو تعذر اتخاذ هذه التدابير؛

– أن تشكل آثاره المدمرة خطورة شديدة بالنسبة للعموم.

وقد أضاف هذا النظام اعتبار الأفعال التي ترتكب بالفعل العنيف للإنسان واقعة كارثية إذا كان يشكل فعلا إرهابيا، أو نتيجة مباشرة لوقوع فتن أو اضطرابات شعبية عندما تشكل آثارها خطورة شديدة بالنسبة للعموم، وكذا الأضرار الناجمة عن الواقعة الكارثية الأضرار المترتبة مباشرة على أعمال وتدابير الإغاثة والإنقاذ واستتباب الأمن إذا كانت هذه الأعمال والتدابير مرتبطة بهذا الواقعة.

مقال قد يهمك :   حوار حصري مع الأستاذة سليمة فراجي أول محامية بالجهة الشرقية

ولعل أبرز ما يلاحظ على هذا القانون، أنه أدرج مجموعة من الأفعال المادية التي كانت تعتبر من قبيل القوة القاهرة أو الحادث الفجائي، والمستثناة من التعويض ، إذ أن الفصل 269 من ق ل ع  كان يعتبر أن القوة القاهرة  هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفياضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا، وبالتالي فلا محل لأي تعويض، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشىء عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه، كالقوة القاهرة، والحادث الفجائي أو مطل المدين.[3]

كما أن المشرع من خلال هذا النظام قام بجمع كل من الأفعال المرتبطة بفعل الإنسان (كالأعمال الشغب، أو الأفعال الإرهابية)، وكذا العوامل الطبيعية في نظام قانوني واحد.

وحيث أنه استثنى القانون المذكور من خلال المادة 5 منه، الخسائر المترتبة عن:

– استعمال المواد أو الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية أو الجرثومية أو الاشعاعية أو النووية؛

– الحرب الأهلية أو الحرب معلنة أم لا؛

– جريمة إلكترونية.

كما تجد الإشارة، أنالقضاء سبق وأن استثنى الأمطار الغزيرة المسببة للفيضانات، اعتبارها قوة قاهرة أو حادث فجائي، بعلة أن ذلك يكون متوقعا خصوصا خلال شهر نونبر، وأنه كان يمكن تفادي ذلك  بتوفير شبكة عمومية قادرة على استيعاب وتصريف مياه الأمطار المتهاطلة.[4]

ثانيا: تأمين العواقب الكارثية

لعل من أبرز ما جاء به القانون رقم 110.14، هو إدراجه لمستجدات قانونية، من خلال تعديله لعدة مقتضيات قانونية لمدونة التأمينات، وبالتالي أصبح المؤمن ملزم بتأمين مجموعة من المخاطر.

حيث أن التعديل الأخير قد شمل مقتضيات المادة الاولى من مدونة التأمينات، وذلك بتتميم النص على أنه: ” واقعة كارثية كما تم تعريفها بموجب المادة الثالثة من القانون رقم 110.14 القاضي بإحداث نظام لتغطية عواقب ” الوقائع الكارثية”.

كما أن القانون المذكور، أحدث بابا خامسا في مدونة التأمينات، تحت عنوان تأمين عواقب الوقائع الكارثية، وبالتالي أصبح المؤمن مجبرا على تغطية العواقب والوقائع الكارثية المستثناة سابقا من عقود التأمين.

فقد كان المؤمن في ظل مدونة التأمينات قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ، لا يتحمل الخسائر والأضرار الناتجة، إماعن حرب خارجية أو إما عن حرب أهلية وإما عن فتن أو اضطرابات شعبية، كما أن التأمين على الحرائق كان لا يشمل الحريق الناتج مباشرة عن ثوران البراكين والزلازل والكوارث الأخرى.

وكملاحظة عامة، في ظل تطور المخاطر، سواء المرتبطة بفعل الانسان أو العوامل الطبيعية، نرى أن المشرع قد وسع من مفهوم الضمان من خلال تعديله لمقتضيات قانون التأمينات، كما أنه قد جعل تغطية هذه الأضرار إجبارية في عقود التأمين، سيما وأن هذا النوع العواقب كان يعفي المؤمن من المسؤولية اتجاه المؤمن له.

المحور الثاني: التعويض عن الحوادث الكارثية

يظهر من خلال القانون رقم 110.14، أن التعويض عن هذا النوع من الأضرار قد ربطه بمجموعة من الإجراءات الموازية.

مقال قد يهمك :   الحماية القانونية للقاصر المهاجر: دراسة في ظل المواثيق الدولية و التشريع الوطني(أطروحة)

أولا: ضرورة الإعلان بموجب قرار إداري

ربط القانون الحق في التعويض لفائدة ضحايا الوقائع الكارثية، بإصدار إعلان عن حدوث كارثة، إذ نصت المادة 6 من القانون المذكور على أنه: : “يتم الإعلان عن حدوث الواقعة الكارثية، كما يتم تعريفها في المادة 3 أعلاه، بموجب قرار إداري يتخذ، بعد استطلاع رأي لجنة تتبع الوقائع الكارثية المحدثة بموجب المادة 9 من هذا القانون، وينشر بالجريدة الرسمية داخل أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر ابتداءا من تاريخ حدوث الواقعة الكارثية. غير أنه يمكن تقليص هذا الأجل بنص تنظيمي.

يحدد القرار المذكور على الخصوص المناطق المنكوبة وتاريخ ومدة الواقعة الكارثية موضوع الإعلان السالف الذكر.” كما أن القانون رتب على نشر القرار الإداري المشار إليه في المادة 6 أعلاه، بصفة حصرية، انطلاق:

–  عملية تقييد الضحايا في سجل التعداد المشار إليه في المادة 8 بعده،

– تفعيل الضمان ضد عواقب الوقائع الكارثية المشار إليه في المادة 1-64 من مدونة التأمينات،

– عملية منح التعويضات من طرف صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية المحدث بموجب المادة 15 من هذا القانون.

وكملاحظة عامة، فإن الاستفادة من هذا الصندوق، هو ضرورة وجود قرار إداري، ونشره بالجريدة الرسمية، وهو ما قد يثير الإشكال المرتبط باعتبار الوقائع تدخل  ضمن الكوارث الموجبة للاستفادة من هذا النظام المحدث، كما أنه في حالة مرور أجل 3 أشهر دون صدور الإعلان، فإنه يسقط الحق من الاستفادة من مقتضيات هذا القانون.

كما أن القانون جعل تفعيل التعديل المتعلق بالضمان  بتغطية العواقب الكارثية المعدلة  لمدونة التأمينات مرتبطة بإعلان القرار الإداري المتخذ من طرف لجنة التتبع المنصوص عليها في القانون رقم 14-110.

ثانيا: مشتملات التعويض

نص القانون رقم 110.14 على أنه يتم تعويض ضحايا واقعة كارثية ضمن الحدود وتبعا للقواعد الحسابية والمسطرة في هذا القسم النصوص المتخذة لتطبيقه.

ومن خلال قراءة عامة للقانون المذكور، فقد حدد المشرع على سبيل الحصر الضحايا المستفيدين طبقا للمادة 28 منه، وذلك عندما لا يتوفرون على تغطية أخرى ضد عواقب هذه الواقعة الكارثية:

– الأشخاص الذين أصيبوا بضرر بدني ناجم مباشرة عن الواقعة الكارثية بمن فيهم اولئك الذين يساهمون في عمليات الإنقاذ والإغاثة واستتباب الأمن المرتبطة بهذه الواقعة أو ذوي حقوقهم في حالة وفاة هؤلاء الأشخاص أو فقدانهم؛

– أعضاء العائلة الذين تسببت هذه الواقعة. بشكل مباشر، في جعل مسكنهم الرئيسي غير صالح للسكن. يمكن كذلك للأشخاص غير الأعضاء في هذه العائلة الاستفادة من التعويضات التي يمنحها الصندوق المذكور عندما يكون أزواجهم أو أطفالهم الذين هم تحت كفالتهم أو هم معا اعضاء في العائلة المذكورة.

ومن خلال قراءتنا للقانون الجديد المتعلق بنظام عواقب الوقائع الكارثية، نرى أن المشرع ربط الاستفادة منه بضرورة حدوث وقائع كارثية، والتي من خلالها يمكن اعتبارها منطقة منكوبة بموجب القرار الإداري، أي بعبارة أخرى، أن الوقائع الكارثية التي لم تصدر في شأنها قرار إداري، فإنها تبقى خاضعة لأحكام قواعد المسؤولية المنصوص عليها في ظل القواعد العامة للقانون.

مقال قد يهمك :   د. محمد بن يعيش : التجزئة العقارية والتقسيم العقاري: أية شروط؟

كما أنه يشمل التعويض عن الضرر البدني اللاحق بالضحايا أو تعويض ذوي الحقوق في حالة الوفاة او فقدانها[5]، وكذا التعويض عن فقدان المسكن الرئيسي أو عن فقدان الانتفاع به.[6]

كما أن القانون خول للضحايا  أو ذوي الحقوق في حالة عدم قبول التعويض، ضرورة طرح النزاع على لجنة محدثة، تسمى لجنة تسوية النزاعات تتولى البث في كل نزاع قائم بين ضحايا واقعة كارثية أو ذوي حوقهم وصندوق هذا النظام، قبل إقامة أي دعوى قضائية، وذلك داخل أجل سنة ابتداءا من تاريخ تبليغ القرار المتنازع فيه المتخذ من قبل صندوق التضامن، على أن تبث فيه اللجنة داخل أجل لا يتعدى 6 أشهر من تاريخ رفع الأمر إليها.[7]

و يمكن للضحية ولذوي الحقوق الطعن امام المحاكم الإدارية المختصة باعتبار مكان وقوع الواقعة الكارثية داخل أجل 60 يوما ابتداءا من اليوم الأول الذي يلي تاريخ انصرام الأجل ستة أشهر المنصوص إليها أعلاه.[8]

خلاصة:

من كل ما سبق، يمكن القول بإن إقرار نظام تغطية عواقب الوقائع الكارثية قد فرضه التطور المتسارع للأخطار التي أصبحت تعترض حياة الإنسان، وبالتالي جعل مجموعة المفاهيم القانونية كالقوة القاهرة والحادث الفجائي المستثناة من التعويض متجاوزة، وذلك بالنظر لما يمكن أن تخلفه الكوارث من آثار جسيمة على الأفراد وممتلكاتهم.

غير أنه من جهة أخرى، وفي ظل غياب معايير دقيقة، تبين طبيعية الوقائع التي يمكن اعتبارها كوارث موجبة لصدور”إعلانقرارإداري عن حدوث واقعة كارثية”، يجعل هذا النظام يعتريه عدة انتقادات، من ذلك على سبيل المثال، كحجم الخسائر المادية التي ألمت بممتلكات ساكنة الدارالبيضاء بسبب الأمطار الأخيرة، ومدى اعتبارها تدخل في إطار نظام الكوارث من غيرها؟


الهوامش:

[1]– سورة الأعراف الآية 96.

[2]– ظهير شريف رقم 1.16.152 صادر في 21 من ذي القعدة 1437 (25 أغسطس 2016) بتنفيذ القانون رقم 110.14 المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية وبتغيير وتتميم القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6502 بتاريخ 20 ذو الحجة 1437 (22 سمبتمبر 2016.) ص 6830.

[3] – الفصل 268 من ق ل ع.

[4]– قرار صادر عن محكمة النقض عدد 608 الصادر بتاريخ 18 أكتوبر 2017 في الملف التجاري عدد 378/3/3/2016 ، منشور بموقع مجلة MAROCLAW. بتاريخ 13 سبتمبر 2019.

[5]– يتعبر المادة الأولى من القانون رقم 14-110 الشخص مفقود: كل شخص ذاتي يعتبر مفقودا من جراء حدوث واقعة كارثية أدت إلى احتمال وفاته؛

[6]– المادة 36 من القانون رقم 14-110

[7]– المادة 54 وما يليها من القانون رقم 14-110.

[8]– المادة 61 من القانون رقم 14-110.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)