قصة”عمر قتلني”: خط اليد وخطأ إملائي يكشفان خطأ قضائيا امتد لسنوات

Mohammed Elkhaldi: La diplomatie marocaine face au jeu géoéconomique à somme nulle: défis et alternatives

لا يعذر أحد بجهله للقانون أم لا تعذر الدولة لعدم تبليغها للقانون ؟

14 نوفمبر 2020 - 10:12 م المنبر القانوني , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

رضوان الطريبق باحث في سلك الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – طنجة

جامعة عبد المالك السعدي – تطوان

كثيرا ما يقال ونسمع، بقاعدة ” لا يعذر أحد بجهله للقانون”، أي بمعنى لا يجوز لأحد أن يحتج بعدم علمه لوجود نص قانوني معين، حتى لا تسري أحكامه عليه، وحتى لا تسري تلك الأحكام على أفعال أو تصرفات أو إجراءات قانونية أو قضائية أو إدارية، أو غيرها من أوجه المجالات المشمولة بالتأطير والتنظيم القانوني.

وإذا كان على مر تاريخ الممارسة القانونية والقضائية بالمغرب، عُمِل ويُعْمل بهذه القاعدة، رغم غياب التنصيص القانوني الصريح على إلزاميتها، لا في الدستور، ولا في قوانينه التنظيمية، ولا في باقي نصوص المنظومة القانونية المغربية، التشريعية منها والتنظيمية، ما عدا القانون الجنائي، الذي نص صراحة في الفصل الثاني منه بأنه “لا يسوغ لأحد أن يعتذر بجهل التشريع الجنائي”.

ودونما الدخول في مناقشة مدى إمكانية الاحتجاج بعدم العلم بالقانون في المجالات الخارجة عن نطاق القانون الجنائي في ظل حالة الفراغ التشريعي، مادام الفقه والقضاء يتطرقان للمبدأ بمفهومه الواسع ويجعلانه شاملا للمجالين المدني والجنائي بمفهومهما العام، ومادام الفقه والقضاء يعتبران مصدران مكملان ومفسران للتشريع في حالة نقصانه من حيث الأصل، باعتبار أن التشريع يتربع على عرش مصادر القانون الوضعي بالمغربي.

مبررات القول بقاعدة “لايعذر أحد بجهله للقانون” وموقعها من الواقع المعاصر :

إلا أنه رغم ذلك، ألا يستوجب ذلك مناقشة الأسس والمبررات التي تعتمد عليها قاعدة “لا يعذر أحد بجهله للقانون”، وموقعها من الواقع المعاصر ؟ هذه القاعدة التي تجد سندها في بعض الركائز الفلسفية التي تقوم عليها القاعدة القانونية، حيث أن الاعتداد  بعدم العلم بالقانون، كدريعة لعدم تطبيقه، من شأنه أن يفرغ القانون من محتواه ومن أهدافه، أي بمعنى سيتحول القانون، من قانون ينظم شؤون الحياة في الدولة، إلى قانون ينظم شؤون الحياة للعالمين والعارفين بالقانون في الدولة، كما أن قاعدة “لا يعذر أحد بجهله للقانون” تأتي لكي تكمل خاصية العمومية التي تتميز بها القاعدة القانونية، والتي تجعل منها تطبق من حيث الأصل على جميع الأشخاص داخل نطاق الدولة من حيث الأصل، سواء كانوا مواطنين أو أجانب، أفراداً أو جماعات، دونما تمييز بينهم لا من حيث العرق أو الجنس أو الدين أو الوضع الاجتماعي أو غيره، وبطبيعة الحال دونما تمييز بينهم من حيث القدرات  الفكرية على العلم والفهم، كما أن عدم تطبيق القاعدة المذكورة من شأنه أن يزعزع مبدأ العدالة العامة الذي تضمنه الدولة من خلال تطبيقها للقانون على الجميع واحتكارها لحق ذلك، ولسلطة الإلزام به.

مقال قد يهمك :   الموارد البشرية بين ضعف الكفاءة و محدودية المردودية ( الجماعات نموذجا )

نشر القانون كمنطلق ودليل لتحقيق العلم به :

إلا أن أهم أسانيد وحجج القول بعد جواز الاعتذار بجهل القانون للقول بعدم تطبيقه، وأقواها عملاً، وأبلغها منطقاً وحجة، هو خاصية النشر، أي أن جميع النصوص القانونية التشريعية منها والتنظيمية يتم نشرها بالجريدة الرسمية، ومن ثم يمكن الإطلاع عليها، وأخذ العلم بها، ومعرفة محتواها، والاستعداد لمستجداتها .

ومما يزيد قوة حجية النشر، تبريرا لعدم جواز الإعتذار بجهل القانون، كون نشر القانون هو عماد نفاده، فالقوانين الغير منشورة في الجريدة الرسمية، لا تنفذ، أي أن العبرة في تطبيق القوانين والعمل بها هي بنشرها في الجريدة الرسمية، وبتاريخ ذلك النشر من حيث الأصل.

ومما سبق، يبدوا بأن الدولة تقوم بما عليها من واجب نشر القانون، بل تعتبر عدم نشر القانون يجعل هذا الأخير غير قابل للتنفيذ، وبالتالي من حقها أن تطالب المواطنين في المقابل تحقيقاً للعدالة العامة بعدم جواز الاحتجاج بالجهل بالقانون.

صعوبات العلم والولوج إلى القانون رغم نشره

إلا أنه، أخذا بعين الاعتبار طبيعة القانون، وباستقراء واقع المنظومة القانونية المعاصرة، شكلاً ومضموناً، صياغة وجوهراً، وبالنظر لبنية المجتمع المغربي، هل يكفي مجرد نشر القانون  في الجريدة الرسمية للقول بعدم جواز الاحتجاج بجهله في الوقت المعاصر ؟ أم أنه يتعين تطوير وتعزيز هذا النشر ؟ ولما لا يتم التفكير في وسيلة أخرى أكثر نجاعة من مجرد النشر ؟

إن طبيعة القانون تجعل منه علم قائم بذاته، له لغته ومصطلحاته ومفاهيمه وطرق قراءته وتفسيره، وغيرها من الأمور التقنية والعملية، كما أن واقع المنظومة القانونية المعاصرة، الدائمة والسريعة التطور، وضخامة أعداد النصوص التشريعية والتنظيمية وتشتتها وتشعبها، واتساع مجالات تنظيمها نظرا لاتساع مجالات تدخل القانون، وقدم بعضها وشيخوخته في الجانب الآخر، بحيث تعود الكثير منها لسنة 1912 وما بعدها، مع ما تعرفه هذه الأخيرة من عيوب ونواقص عدم الدقة والغموض والتعقيد والتناقض في بعض الأحيان، ناهيك عن الركاكة اللغوية التي قد تطال بعض النصوص القانون، بسبب إشكالية الترجمة التي تحتاجها بعض النصوص بعدما تكون قد صيغت باللغة الفرنسية في أصلها.

ناهيك عن ندرة العارفين بعلم صناعة القانون وتقنياته، وما يطرحه ذلك من صعوبة في الاطلاع على محتوى النص، خاصة الكم الهائل من التعديلات والتغييرات المتوالية التي تلحق النصوص القانونية،  وكيفية فهم تلك التعديلات، ومعرفة المنسوخ منها، من ذلك المعمول به، والنص الواجب التطبيق من ذلك الواجب الاستبعاد، والإحالة على قوانين أو نصوص تنظيمية مفسرة ومكملة وما تستوجبه من الرجوع إليها، ناهيك عن إشكالية تحيين النصوص القانونية، التي تجعل العديد من التعديلات تلحق النصوص، مع عدم مواكبة تلك التعديلات عبر إلحاقها بالنص الأصلي فيما يسمى بالتحيين الشكلي، هذا الأخير الذي يعرف إشكالية كبرى في المغرب، وقلما ما يتم تفعيله والعمل به.

مقال قد يهمك :   "الوسيط" يقتفي "تظلمات المغاربة" من الإدارات العمومية في تقرير سنة 2018

أضف إلى ذلك واقع البنية الاجتماعية للمجتمع المغربي، وما تعرفه من معدلات الأمية لاسيما منها الأمية القانونية، ووضعيات بعض الفئات ذوي الاحتياجات الخاصة، ولاسيما المكفوفين، الذي لا يستطيعون قراءة القوانين، وكذا وضعيات بعض الأشخاص الذين قد يتواجدون خارج الوطن ولهم أموال ومصالح ومعاملات تنظمها قوانين في الداخل، وكذا وضعيات بعض الأشخاص الذين ليس لديهم الحرية كالمعتقلين والمساجين، والقاصرين وغيرهم، ثم وضعية بعض الفئات التي لا تتقن اللغة العربية التي ينشر بها القانون من حيث الأصل، ولا اللغة الفرنسية التي تترجم إليها بعض القوانين، ولاسيما المواطنين الناطقين باللغة الأمازيغية، وهي لغة رسمية شأنها في ذلك شأن اللغة العربية حسب مقتضيات دستور 2011 .

مما يجعل السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه، وبإلحاح قوي، هل فعلا يصل القانون إلى علم المواطن ؟ هل يعرف المواطن القوانين التي تنظم حياته ؟ هل لدى المواطن المغربي ثقافة قانونية تمكنه من معرفة المؤسسات والحقوق والواجبات والمساطر والإجراءات ؟

آفاق تحقيق العلم والولوج إلى القانون

الجواب صعب، ولكن الواقع غالبا ما يفيد بضعف وصول القانون إلى علم المواطن، فإذا كان رجال القانون أنفسهم، وهم بصدد إعداد بحوث، أو بصدد دراسة ملفات إدارية، أو بصدد إعداد دعاوى أمام المحاكم، تجدهم يشتكون من صعوبة الوصول والتعامل مع نصوص قانونية بسبب أو بآخر من تلك المذكورة، فكيف بالمواطن العادي ؟

كل ذلك يجعل من التفكير قائما، حول ضرورة العمل على تطوير وتعزيز طرق النشر، وعدم الاكتفاء بالنشر التقليدي بالجريدة الرسمية، وذلك حتى تتحقق إمكانية الولوج إلى القانون ماديا وفكريا.

هذا، وإن كانت طرق نشر القانون قد عرفت مؤخرا تطويرا وانفتاحا على التكنولوجيا الحديثة، ومكن ذلك من رقمنة أعداد النشرة العامة من الجريدة الرسمية، ونشرها بشكل دوري على البوابة الالكترونية الحكومية المعدة لهذا الغرض، مع ما واكب ذلك من نشر الكتروني استباقي لمشاريع القوانين، عبر البوابة الحكومية المعدة لهذا الغرض، ولاسيما في إطار نشر مشاريع القوانين الموزعة على أعضاء الحكومة، أو مشاريع القوانين المعروضة للتعليق، أو النشر الالكترونية الاستباقي لمشاريع القوانين ومقترحاتها من قبل البرلمان ، على الموقع الالكتروني لمجلسيه، وما أصبحت تعرفه بعض البوابات الالكترونية لبعض القطاعات الوزارية كذلك، من مبادرات للنشر الرقمي للقوانين، مع ما توفره هذه الأخيرة من سرعة وسهولة في الوصول إلى النص القانوني، إلا أنه رغم ذلك تبقى الأمية الالكترونية  وضعف إمكانات الولوج إلى الوسائل التكنولوجية وصبيب الأنترنيت إشكالية كبرى في المجتمع المغربي، خاصة في المجتمع القروي.

مقال قد يهمك :   صدور العدد الرابع من مجلة الممارس للدراسات القانونية والقضائية بشراكة مع موقع مغرب القانون

وحتى إن وجد المواطن النص القانوني واطلع عليها، باستعمال الطرق التقليدية من خلال الرجوع إلى الجريدة الرسمية الورقية، أو باستعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة، ولاسيما الإطلاع على الجريدة الرسمية الرقمية، فهو نص يحتاج إلى معالجة تقنية دقيقة، ودراسة قانونية، ومنه، نتساءل دائما أين الخلل ؟ والجواب في الغالب الأعم يكون بعدم كفاية نشر القانون في الجريدة الرسمية، غير كاف لوحده، وحتى إذا أخدنا بعين الاعتبار بأن هناك المدونات القانونية المتاحة في السوق وفي المكتبات، مع ما تطرحه هذه الأخيرة من هاجس الجودة والمصداقية  والوثوقية في محتواها، فإنه رغم ذلك لابد من بدل جهد أكبر من مجرد النشر، مما يتعين معه التفكير في منظومة لتبليغ لتبليغ القانون إلى علم المواطن، حتى يتحقق فعلا المبدأ القائل بأنه “لا يعذر أحذ بجهله للقانون”.

لابد من تظافر جهود الجميع، لابد من التفكير في إعلام وطني قانوني، إعلام يجعل من تبليغ القانون رسالته وهدفه، إعلام يخصص حيز من فقراته أو نشراته لتبليغ المعرفة القانونية لعلم المواطن.

كما أنه لابد من انخراط وتشجيع المجتمع المدني في جهود التعريف ونشر القانون والمعلومة القانونية، والمساطر القانونية، والوثائق القانونية، ولاسيما منه جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالعلم والبحث العلمي.

والأهم، لابد من التفكير في بلورة استراتيجية وطنية بمثابة ميثاق للتواصل القانوني مع المواطنين، ميثاق يضع الخطوط العريضة لخلق تواصل فعال مع مختلف المواطنين، باختلاف دراجاتهم ومستوياتهم وأوساطه الجغرافية أو الاجتماعية، لتحسين فرص ولوجهم إلى القانون، سواء منه الولوج المادي من خلال نشر القانون ومتطلبات تطويره، بما يضمن حسن وصول المواطن لتلك النصوص القانونية، أو الولوج الفكري من خلال تبسيط القانون وتجويده، ليكون المواطن قادراً على فهم القانون والتعامل بشأنه، آمنا في الوثوق به.

حقيقة، لابد أولا وقبل كل شيء تحري الحرص الصادق من مختلف الفاعلين في مجال صناعة القانون وتطبيقه، على تبليغ القانون لعلم المواطن، فإذا تشبتنا حينها بقاعدة “لا يعذر أحد بجهله للقانون”، سيكون من العدل والإنصاف فعل ذلك، أما والعكس فإنه بالمقابل “لا تعذر الدولة لعدم تبليغها للقانون”.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)