مسؤولية الدولة عن خطر الحيوانات المتوحشة
- جمال العزوزي باحث في القانون العام. حاصل على شهادة الماستر، وحدة قانون المنازعات العمومية. كلية الحقوق، فاس. إطار بالمديرية الجهوية للمياه و الغابات و محاربة التصحر للرباط – سلا-زمور- زعير.
تعليق على قرار محكمة النقض عدد : 132 الصادر بتاريخ 07 فبراير 2013
في الملف الإداري عدد : 516/04/01/2011 .
القاعدة :
ما دام أن الدولة قد سمحت و احتفظت بوجود الخنازير البرية فوق أراضيها و العيش فيها قصدا، و أصدرت قوانين لحمايتها و صيدها، فإنها تكون تبعا لذلك ملزمة باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحراستها أو منعها من إحداث الضرر،و المحكمة لما تبين لها من وثائق الملف أن تلك الحيوانات قد تسربت إلى أرض المتضرر و أتلفت المحاصيل كما هو ثابت من خلال الخبرة المنجزة، فإن مسؤولية الدولة قائمة بمقتضى الفصل 87 من قانون الالتزامات و العقود.
الوقائع:
يستفاد من محتوى القرار المطعون فيه أن المطلوب في النقض قد تقدم بمقال أمام المحكمة الإدارية بأكادير يلتمس بمقتضاه تعويضه عن الضرر اللاحق به من جراء إتلاف الخنازير البرية المحمية من طرف الدولة المغربية لمحصول القمح الطري بحقله البوري، الكائن بسيدي العروسي جماعة القصابي محددا التعويض المطلوب في مبلغ 24.000.00 درهم عن الحبوب، و مبلغ 5.000.00 درهم عن التبن، و بعد جواب الدولة المغربية الرامي إلى رفض الطلب و إجراء خبرة و استيفاء الإجراءات قضت المحكمة الإدارية على الدولة المغربية في شخص الوزير الأول بأدائها للمدعي تعويضا إجماليا قدره 37.000.00 درهم، مع الفوائد القانونية من تاريخ الحكم و تحميلها الصائر و رفض باقي الطلبات،استأنف الطرف الطاعن أمام محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش التي قضت بعد إتمام الإجراءات أمامه بإلغاء الحكم المستأنف جزئيا فيما قضى به من فوائد قانونية و الحكم تصديا برفض الطلب المتعلق بها، و بتأييده فيها عدا ذالك مع تعديله و ذلك بالتخفيض من مبلغ التعويض المحكوم به إلى ما قدره 29.000.00 درهم و هو القرار موضوع الطعن بالنقض.
في وسيلتي النقض مجتمعتين للارتباط :
حيث ينعى الطرف الطاعن القرار المطعون فيه بخرق القانون و انعدام التعليل و الأساس القانوني، ذلك أن الدولة أكدت أن مكان وقوع الخسائر التي يزعم بها المدعي يخرج عن نطاق حراستها و لم تنشئ به أي محمية لتربية الخنازير،و أن المنطقة غير مخصصة للصيد، بل هي أراضي خلاء لا تراقبها الدولة و تبعا لذلك فإن تنزيل الأحكام الواردة في الفصل 87 من قانون الالتزامات و العقود على هذا الواقع يستلزم تسجيل أن القاعدة هي عدم مسؤولية مالك الأرض و مستأجرها أو حائزها عن الضرر الحاصل من الحيوانات المتوحشة أو غير المتوحشة الآتية من تلك الأرض، و أن الاستثناء الذي يسمح بقيام المسؤولية يتطلب الإثبات أن مالك الأرض أو حائزها قام بجلب الحيوانات أو الاحتفاظ بها في أرضه، مما يبقي عليه مسؤولية حراستها و كذا وجود حظيرة أو غابة خاصة أو ما شابه ذالك قصد التجارة أو الصيد أو الاستعمال المنزلي، و أن الأرض مخصصة للصيد، و أن أي استثناء من الاستثناءات الثلاثة غير ثابت في وقائع ملف النازلة، فالمعاينة الصادرة عن وزارة الفلاحة تؤكد أن الملك الذي وقع فيه الضرر هو ملك للمدعي و لم تشر إلى أن الأمر يتعلق بغابة خاصة لتربية الخنازير، كما أن تقرير الخبر المنجزة هو خاص بتقييم الخسائر فقط، و أن محكمة الاستئناف لما اعتمدت تطبيق القول بمسؤولية الدولة تكون قد تجاوزت القانون و أعطت تفسيرا مبالغا فيه لهذا الفصل مما يعرض قرارها للنقض.
لكن ما دام أن الدولة قد سمحت و احتفظت بوجود الخنازير البرية فوق أراضيها و العيش فيها قصدا، و أصدرت قوانين لحمايتها و صيدها، فإنها تكون تبعا لذلك ملزمة باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحراستها أو منعها من إحداث الضرر، و أن المحكمة لما تبين لها من وثائق الملف أن تلك الخنازير البرية قد تسربت إلى أرض المطلوب في النقض و أحدثت ضررا في مزروعاته تمثلت في إتلاف محصول من القمح الطري و كمية من حزم التبن، كما هو ثابت من خلال الخبرة المنجزة و اعتبرت أن مسؤولية الدولة قائمة بالنازلة بمقتضى الفصل 87 من قانون الالتزامات و العقود، تكون قد بنت قضائها على أساس سليم من القانون، و عللت قرارها تعليلا كافيا، و ما بالوسيلتين على غير أساس.
لهذه الأسباب :
قضت محكمة النقض برفض الطلب.
التعليــــــــــــــــــــــق:
يندرج قرار محكمة النقض [1]الذي بين أيدينا في إطار المسؤولية التي تتحملها الدولة عن الأضرار الناتجة عن أنشاطة مرافقها و هي إحدى أهم دعاوى القضاء الإداري الذي بموجبها يحق للمتضرر من جراء عمل أو نشاط تقوم به الدولة المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به، استنادا على مضمون الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود الذي يعد الأساس التشريعي الذي تنبني عليه المسؤولية الإدارية بحيث ينص على أن ” الدولة و البلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها و عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها “[2].
و من خلال حيثيات قرار محكمة النقض و كذا تعليل محكمة الاستئناف الإدارية المشار إليه فيه و الذي اعتمدته في قرارها المؤكد لمسؤولية الدولة عن الأضرار التي تسببت فيها الخنازير البرية التي لحقت بصاحب الحقل يتضح أن القاضي الإداري هنا اعتمد على مضمون الفصل 87 من قانون الالتزامات و العقود المتعلق بمسؤولية صاحب الأرض أو مستأجرها عن الأضرار التي تتسبب فيها الحيوانات المتوحشة الآتية منها بحيث ينص الفصل على أن ” لا يسأل مالك أرض أو مستأجرها أو حائزها عن الضرر الحاصل من الحيوانات المتوحشة الآتية منها، إذا لم يكن قد فعل شيئا لجلبها أو للاحتفاظ بها فيها.
و يكون هناك محل للمسؤولية :
- إذا وجدت في الأرض حظيرة أو غابة أو حديقة أو خلايا مخصصة لتربية أو رعاية بعض الحيوانات، إما بقصد التجارة أو للصيد أو للاستعمال المنزلي.
- إذا كانت الأرض مخصصة للصيد”[3].
و هو بذلك لم يستعن بالفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود الذي يعد الأساس القانوني لإقرار مسؤولية الدولة عن الأضرار و الأخطاء الناتجة عن تسيير إدارتها منزلا بذلك الدولة منزلة الخواص بالاكتفاء بتطبيق الفصل 87 من قانون الالتزامات و العقود المتعلق بمسؤولية صاحب الأرض أو مستأجرها عن الأضرار التي تتسبب فيها الحيوانات المتوحشة الآتية منها و ذلك بتطبيق قاعدة من قواعد القانون الخاص في منازعة إدارية دون الإشارة لنظرية المسؤولية الإدارية في القانون العام التي يؤسس لها الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود.
و الواقع أن ضرورة تطبيق قواعد المسؤولية الإدارية في المنازعات التي تجمع بين الدولة و الأفراد هو ليس من قبيل الرغبة في فرض قواعد القانون العام حفاظا على مبدأ تخصص القضاء الإداري الذي يبرز تميزه بشكل أكبر من خلال تطبيق قواعده الخاصة و إنما ينبع ذالك من طبيعة المنازعات الإدارية في حد ذاتها، فإذا كان تطبيق قاعدة مسؤولية صاحب الأرض أو مستأجرها عن الأضرار التي تتسبب فيها الحيوانات المتوحشة الآتية منها و هي إحدى قواعد القانون الخاص المطبقة في المنازعات المدنية قد أسعفتنا في النازلة التي بين أيدينا لإقرار مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تتسبب فيها الحيوانات المتوحشة فإن هذه النتيجة قد تبقى غير مضمونة في منازعات أخرى مما يمكن أن يشكل إضرارا بحقوق الأفراد في مواجهة الإدارة يستوجب معه اللجوء إلى قواعد المسؤولية الإدارية في قانون العام.
للإحاطة بالموضوع سنعمل على محاولة التطرق لمسؤولية الدولة عن خطر الحيوانات المتوحشة بين قواعد القانون العام و قواعد القانون الخاص على ضوء قرار محكمة النقض الذي بين أيدينا لمحاولة إبراز خصوصيات كل منهما و مدى الفعالية التي يمكن أن تحققها في حماية حقوق الأفراد.
المطلب الأول : مسؤولية الدولة عن خطر الحيوانات المتوحشة في القانون الخاص.
اعتبرت محكمة النقض في القرار الذي بين أيدينا أن مسؤولية الدولة قائمة مادامت قد سمحت بوجود الخنازير البرية فوق أراضيها و العيش فيها، و أصدرت قوانين لحمايتها و صيدها، و بذلك ينعدم الشرط الذي وضعه المشرع من خلال الفصل87 من قانون الالتزامات و العقود للإعفاء من المسؤولية من جراء الأضرار التي تسببها الحيوانات المتوحشة و هو ” عدم فعل شيء لجلب أو الاحتفاظ بهذه الحيوانات من طرف صاحب الأرض التي أتت منها الحيوانات “، حيث أن حماية إدارة المياه و الغابات للخنازير من خلال إصدار القوانين التي تمنع صيدها يعد من الأشياء التي تساهم في حفظ هذه الحيوانات.
و الواقع أن حماية الحيوانات و المحافظة عليها يعد من صميم اختصاصات إدارة المياه و الغابات المنظمة بموجب مرسوم رقم 2.04.503 المتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر [4]حيث تنص المادة 1 من مرسوم 2.04.503 على أن “يعهد إلى المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر ضمان إدارة الملك الغابوي الخاص بالدولة والممتلكات الأخرى الخاضعة للنظام الغابوي، وكذا الشرطة الغابوية ومراقبة تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالقطاع”[5]، بحيث لا تكتفي إدارة المياه و الغابات بالسهر على حماية الملك الغابوي بكافة مكوناته بل تمارس اختصاصات الشرطة الغابوية التي بموجبها يتم التصدي للجرائم الغابوية و متابعة المخالفين للتشريع الغابوي بما فيهم المخالفين لضوابط قنص الخنازير البرية بحيث يتم تحرير محاضر في حق المخالفين و إحالتها على السلطة القضائية، لذلك فالعلاقة التي استند عليها قرار محكمة النقض بين إدارة المياه و الغابات و حفظ الخنازير البرية هنا تبدو جلية من خلال الحماية التي تتمتع بها هذه الحيوانات من قبل إدارة المياه و الغابات و التي تنبع من صميم اختصاصها المتمثل في حماية الملك الغابوي بكل مكوناته التي تشمل الحيوانات المتوحشة.
و من هنا يمكن القول أن شرط عدم فعل شيء لجلب أو الاحتفاظ بالحيوانات من طرف صاحب الأرض التي أتت منها الحيوانات الذي تضمنه الفصل 87 من قانون الالتزامات و العقود ينعدم هنا كسبب يمكن التأسيس عليه لإعفاء الدولة من المسؤولية.
و بملاحظة مضمون الفصل 87 من قانون الالتزامات و العقود فالمشرع يقف هنا عند حدوث الفعل الإيجابي من صاحب الأرض و المؤدي إلى جلب أو الاحتفاظ بالحيوانات دون مناقشة مدى مشروعية هذا الفعل أو كونه يشكل خطءا يعد خرقا للنصوص القانونية، بحيث يمكن أن يكون الفعل الإيجابي مشروعا لا يعاقب عليه القانون و مع ذالك فإن مسؤولية صاحب الأرض أو مستأجرها أو حائزها تتحقق هنا إذا كانت الحيوانات المتوحشة آتية منها كما في الأمثلة التي أوردها الفصل 87 من قانون الالتزامات و العقود ” كما لو وجدت في الأرض حظيرة أو غابة أو حديقة أو خلايا مخصصة لتربية أو رعاية بعض الحيوانات، إما بقصد التجارة أو للصيد أو للاستعمال المنزلي”.
لكن بالرجوع لموضوع النازلة التي بين أيدينا فصاحب الأرض المعني و هو إدارة المياه و الغابات لا يختزل فعله الذي أدى إلى جلب و الاحتفاظ بالحيوانات المتوحشة إلى فعل إيجابي يستند على إرادة خاصة بهدف تحقيق نفع مادي كقصد التجارة أو الصيد أو الاستعمال المنزلي بل يستند على الاختصاصات المخولة بحكم القانون لإدارة المياه و الغابات بموجب مرسوم رقم 2.04.503 المتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر و كذلك ظهير 10 أكتوبر 1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات و استغلالها[6] الذي يجعل مهمة المحافظة على الخنازير البرية و إصدار قوانين لحمايتها مهاما أصيلة تسند إليها بمقتضى القانون، لذلك فإن مسؤولية إدارة المياه و الغابات التي أسس لها الفصل 87 من قانون الالتزامات و العقود من خلال فعلها شيئا لجلب أو للاحتفاظ بالحيوانات المتوحشة قد بنيت على فعل إيجابي صادر عن الإدارة يستند على أساس قانوني تعد مخالفته تقصيرا في المهام و الواجبات المسندة إلها.
و قد استند تعليل محكمة النقض إلى الضرر الحاصل من تسرب الحيوانات إلى محاصيل المتضرر كأساس لإسناد المسؤولية للدولة دون مناقشة طبيعة الفعل الإيجابي الصادر عنها و مدى مخالفته للقانون بحيث اكتفى أن يستنتج بمفهوم المخالفة في شرحه للفصل 87 من قانون الالتزامات و العقود بأن الدولة قد فعلت شيئا لجلب الحيوانات المتوحشة و الاحتفاظ بها من خلال سماحها للخنازير البرية بالبقاء داخل أراضيها و كذلك إصدار قوانين لحمايتها.
كما حملت الدولة مسؤولية عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحراسة هذه الحيوانات و منعها من إحداث الضرر بدليل دخول هذه الحيوانات إلى أرض المتضرر و إتلافها لمحصول القمح الطري، و الواقع أن هذا النوع من المسؤولية يؤسس له مضمون الفصل 86 من قانون الالتزامات و العقود الذي ينص على أن ” كل شخص يسأل عن الضرر الذي تسبب فيه الحيوان الذي تحت حراسته و لو ظل هذا الحيوان أو تشرد ما لم يثبت:
- أنه اتخذ الاحتياطات اللازمة لمنعه من إحداث الضرر أو لمراقبته.
- أو أن الحادثة نتجت من حادث فجائي أو قوة قاهرة أو من خطأ المضرور[7].
وقد حملت المحكمة إدارة المياه و الغابات مسؤولية عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحراسة هذه الحيوانات و منعها من إحداث الضرر رغم عدم الإشارة للفصل 86 من قانون الالتزامات و العقود في القرار كأساس قانوني للمسؤولية و الحقيقة أن تأسيس مسؤولية الدولة استنادا على هذا الفصل يبقى محفوفا بالمخاطر بالنسبة للمتضرر بحيث يفتح المجال هنا لإدارة المياه و الغابات للتملص من المسؤولية إذا تحقق الشرطين المنصوص عليها في الفصل 86 و هما إثبات الإدارة بأنها قد اتخذت الاحتياطات اللازمة لمنع الحيوانات من إحداث الضرر أو لمراقبتها أو أن الحادثة قد نتجت من حادث فجائي أو قوة قاهرة أو من خطأ المضرور.
و انطلاقا من هذا التحليل يمكننا أن نتجرأ على القول بأن الضمانات التي يمنحها نظام مسؤولية الدولة في القانون الخاص للمتضرر تبقى غير كافية كصمام أمان لحماية المتضرر في مواجهة الإدارة،بحيث يستند الفعل الإيجابي المتمثل في حماية الحيوانات المتوحشة الذي تأسس عليه الفصل 87 لإثارة المسؤولية على نصوص قانونية منظمة لاختصاصات إدارة المياه و الغابات تلزمها بتحقيق هذه الحماية، كما أن بناء مسؤولية الإدارة على أساس عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحراسة هذه الحيوانات و منعها من إحداث الضرر يمكن إبطاله من خلال الاستثناءين الذين تضمنهما الفصل 86 من قانون الالتزامات و العقود.
المطلب الثاني: مسؤولية الدولة عن خطر الحيوانات المتوحشة في القانون العام.
جاء في قرار محكمة النقض الذي بين أيدينا ” ما دام أن الدولة قد سمحت و احتفظت بوجود الخنازير البرية فوق أراضيها و العيش فيها قصدا، و أصدرت قوانين لحمايتها و صيدها فإنها تكون تبعا لذلك ملزمة باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحراستها أو منعها من إحداث الضر،و المحكمة لما تبين لها من وثائق الملف أن تلك الحيوانات قد تسربت إلى أرض المتضرر و أتلفت المحاصيل كما هو ثابت من خلال الخبرة المنجزة، فإن مسؤولية الدولة قائمة بمقتضى الفصل 87 من قانون الالتزامات و العقود “.
من خلال هذا التعليل فالمحكمة قد نسبت إلى إدارة المياه و الغابات الخطأ الناتج عن تقصيرها في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحراسة الحيوانات و منعها من إحداث الضرر بحيث ظهر هذا الخطأ جليا عند تسرب الحيوانات إلى أرض المتضرر و إتلافها لمحصوله من القمح الطري، و هو الخطأ الذي كان يجب عليها تجنبه ما دامت هي التي قد سمحت و احتفظت بوجود الخنازير البرية فوق أراضيها و العيش فيها قصدا، و أصدرت قوانين لحمايتها و صيدها، بحيث لم يكتف الفصل 87 بوجود عنصر الضرر ووجود العلاقة السببية بين فعل الإدارة و بين الضرر بل حمل الدولة المسؤولية بناءا على خطأ متمثل في عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحراسة الحيوانات ومنعها من إحداث الضرر.
بخلاف قواعد المسؤولية التقصيرية في القانون الخاص تنبني المسؤولية الإدارية في قواعد القانون العام على أسس مختلفة تعرف تطورا مستمرا في اتجاه تحصين حقوق الأفراد في مواجهة الدولة، و يؤسس لهذه المسؤولية في ظل غياب تقنين إداري خاص الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود بحيث ينص على أن “الدولة و البلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها و عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها”،بحيث يؤسس هذا الفصل لمسؤولية الدولة بناء على وجود الضرر ووجود علاقة سببية بين فعل الدولة و هذا الضرر و ذالك دون اشتراط وجود الخطأ و هي قواعد المسؤولية الإدارية التي أسس لها قرار مجلس الدولة الفرنسي الشهير “بلانكو”،[8] بحيث لا يمكن الاستمرار في إرهاق المتضرر من فعل صادر عن الإدارة بإثبات خطأ الإدارة في ظل الإمكانيات التي تتوفر عليها و طبيعة المهام الموكولة إليها بحيث يسهل على هذه الأخيرة التذرع باعتبارات حماية المصلحة العامة لتبرير تصرفاتها التي تسبب أضرارا للأفراد بحيث تنفي عنها عنصر الخطأ لذلك فقد تم تأسيس نظرية المسؤولية بدون خطأ في القضاء الإداري بمثابة ضمانة لإعفاء المتضرر من إثبات الخطأ في تصرف الإدارة بالاكتفاء بعنصر الضرر و العلاقة السببية بين فعل الدولة و الضرر.
و قد درج القضاء الإداري المغربي على هذا التوجه ببناء مسؤولية الدولة على عنصر الضرر ووجود العلاقة السببية دون اشتراط إثبات الخطأ في مجموعة من القرارات و الأحكام، سنعرض منها حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد 20/2003 الصادر بتاريخ 30 يناير 2003 في الملف رقم 37/2002،[9] لكون هذا الحكم يتعلق هو الآخر بمدى مسؤولية الدولة عن الأضرار الناتجة عن خطر الحيوانات المفترسة.
حيث يعرض المدعون بأن موروثهم تعرض لاعتداء من طرف خنزير بري إثر عودته من المدرسة بتاريخ 07/06/2000 وتم نقله إلى المستشفى حيث توفي بتاريخ 09/06/2000، وقد عاين الواقعة مجموعة من الشهود، وأن إدارة المياه والغابات هي التي استقدمت للمنطقة مجموعة من الخنازير حماية لها من الانقراض و قد ذهبت المحكمة إلى “أنه بالرجوع إلى الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود والمادة 8 من القانون 90/41 المنظم للمحاكم الإدارية يتبين أن المشرع المغربي حدد الشروط الموضوعية لدعوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام في وجود ضرر وعلاقة سببية بين الضرر وعمل أو نشاط أشخاص القانون العام وحيث إن مسؤولية الدولة تكون ثابتة سواء كان ذلك بخطأ منها أو بدون خطأ متى توافرت الشروط المحددة في المادة 8 من القانون 90-41 لأن النص جاء مطلقا ويجب أخذه على إطلاقه”.
فالمحكمة الإدارية هنا باعتمادها على مقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود تكون قد أغلقت الأبواب التي يمكن أن تنفذ منها الدولة للتحلل من المسؤولية كالاستثناءين اللذين تضمنهما الفصل 86 من قانون الالتزامات و العقود { إثبات الإدارة بأنها قد اتخذت الاحتياطات اللازمة لمنع الحيوانات من إحداث الضرر أو لمراقبتها أو أن الحادثة قد نتجت من حادث فجائي أو قوة قاهرة أو من خطأ المضرور}، أو أي علة تمكنها من إثبات أن الفعل الصادر عنها لا يشكل خطأ بحيث اكتفت المحكمة هنا بوجود الضرر و العلاقة السببية بين الضرر و فعل الإدارة ولو كان فعلها يدخل في زمرة المهام المخولة لها بحكم القانون و هو جوهر نظرية المسؤولية الإدارية بدون خطأ استنادا على المخاطر الناجمة عن تسيير الدولة لأحد مرافقها، فإذا كانت حجة الدولة هنا هي كونها تمارس أحد أنشطتها بحكم القانون و التي تخول لها حماية هذه الحيوانات المتوحشة و إصدار قوانين و ضوابط لقنصها فإنه ليس من العدل ترك المواطن عرضة للأضرار الناتجة عن خطر هذه الحيوانات دون جبر للضرر الواقع عليه.
كما أن نظرية القوة القاهرة المشار إليها الفقرة الأخيرة من الفصل 86 و الذي يعفي تحققها عادة من المسؤولية في القانون الخاص يمكن أن يختلف مضمونها كليا في القانون العام فقد ذهبت المحكمة الإدارية بالرباط في الحكم رقم :251، بتاريخ :2014/01/23، ملف رقم : 2010/12/807 [10] إلى أن “الأمطار الغزيرة و الاستثنائية المسببة للفيضان لا تشكل قوة قاهرة و إنما قرينة على ترتب المسؤولية، لكون وقوعها في فصل الشتاء من الأمور المتوقعة وليست قوة قاهرة أو سببا أجنبيا للإعفاء من المسؤولية، مما يعطي للقوة القاهرة في حقل القانون و القضاء الإداري مفهوما متميزا و خاصا يتلاءم و طبيعة روابط القانون العام تتحمل آثاره الدولة عن القانون المدني الذي يتحمل آثاره الدائن، كما أن المسؤولية هنا مسؤولية موضوعية مبناها الضرر طبقا لقواعد العدالة و الإنصاف و الموجبات الإنسانية المبنية على التضامن الوطني، و المساعدة التي درجت الدول على تقديمها في حالة وقوع أضرار بيئية خطيرة، كما أنه طبقا للفصل 40 من الدستور تتحمل الدولة و المواطنين على قدم المساواة الأضرار الناتجة عن الكوارث[11].”
لذلك فإذا كان تحقق القوة القاهرة في المنازعات المدنية يقوم كسبب كاف لإعفاء المدين من التزاماته اتجاه الدائن فإنه في المنازعات الإدارية لا يمكن أن يسعف الدولة دائما في التحلل من المسؤولية بل تبقى مسؤوليتها قائمة لتعويض الأضرار التي لحقت بالأفراد بحيث يعمل القضاء الإداري في الغالب على تطويع نظريات القانون الخاص لتنسجم مع خصوصياته كقضاء متفرد يمارس وظيفته الأساسية في الدفاع عن الحقوق و الحريات.
الهوامش :
[1] – القرار عدد: 132 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 07 فبراير 2013،ملف إداري عدد 516/04/01/2011، منشور بمجلة محكمة النقض، ملفات عقارية،قضايا المياه و الغابات، العدد 04، ص :169.
[2] – الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود.
[3] – الفصل 87 من قانون الالتزامات و العقود.
[4] – تجدر الإشارة إلى أن قطاع المياه و الغابات تم نقله إلى الوزارة المكلفة بالفلاحة بموجب مرسوم رقم: 2.17.197 بتاريخ 28 أبريل 2017
المتعلق باختصاصات وزير الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه و الغابات.
[5] – المادة 1 من مرسوم 2.04.503 الصادر بتاريخ 01 فبراير 2005 المتعلق بتحديد اختصاصات و تنظيم المندوبية السامية للمياه و الغابات
و محاربة التصحر.
[6] – الظهير الشريف بتاريخ 23 ذي الحجة 1335 الموافق ل 10 أكتوبر 1917 في المحافظة على الغابات و استغلالها.
[7] – الفصل 86 من قانون الالتزامات و العقود.
[8]– حكم بلانكو الشهير BLANCO الصادر عن محكم التنازع الفرنسية بتاريخ 08 فبراير 1873، حيث اعتبر هذا الحكم أن ” مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب تصرفات الأعوان اللذين تستخدمهم الإدارة في المرفق العام لا يمكن أن تحكمها المبادئ التي يقررها التقنين المدني للعلاقات التي تحكم الأفراد فيما بينهم، فهذه المسؤولية ليست مطلقة ولا عامة و لها قواعد خاصة غير مستقرة و إجراءاتها تختلف باختلاف حاجة المرفق و ضرورة التوفيق بين حقوق الدولة و حقوق الأفراد “.
[9]– حكم المحكمة الإدارية بأكادير عدد 20/2003 الصادر بتاريخ 30 يناير 2003 ،في الملف رقم 37/2002 العنوان الإلكتروني : http://www.maghress.com/alalam/37198.
[10] – حكم المحكمة الإدارية بالرباط رقم 251، بتاريخ :2014/1/23، ملف رقم : 2010/12/807، حكم منشور ضمن اجتهادات المحكمة الإدارية بالرباط ، موقع العلوم القانونية، marocdroit .com.
[11]– الفصل 40 من دستور المملكة المغربية 2011، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011.
تعليقات 0