مستجدات قانون المسطرة الجنائية في حماية الملكية العقارية: عقل العقار نموذجا
إسماعيل الصغيري طالب باحث في العلوم القانونية
مستجدات قانون المسطرة الجنائية في حماية الملكية العقارية:
دراسة في القانون 18-32 المتعلق بعقل العقار المعدل والمتمم لقانون المسطرة الجنائية رقم 01-22
لائحة فك الرموز:
الرمز | دلالته |
ص | صفحة |
ط | طبعة |
م س | مرجع سابق |
ق م ج | قانون المسطرة الجنائية |
ق م م | قانون المسطرة المدنية |
م ق ج | مجموعة القانون الجنائي |
م ح ع | مدونة الحقوق العينية |
ظ ت ع | ظهير التحفيظ العقاري |
ق ل ع | قانون الالتزامات والعقود |
مقدمة:
يعد حق الملكية العقارية من أقدم وأقدس الحقوق على الإطلاق باعتباره حقا أصيلا وطبيعيا ولصيقا بحياة الأفراد والجماعات، لذلك حرصت مختلف الشرائع الإنسانية على حمايته، حيث إن أغلب الحضارات والأمم اهتمت بتوفير الضمانات الكفيلة بحماية حقوق الأفراد في تملك العقارات، وفي هذا الصدد أكدت المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في سنة 1948 على كون حق الملكية حقا مقدسا لا يجوز انتهاك حرمته ولا يجوز حرمان صاحبه منه إلا إذا قضت بذلك مصلحة عامة ثبتت قانونا وبشرط التعويض العادل المدفوع مقدما[1].
وتماشيا منه مع الالتزامات الدولية، أعطى المغرب لحق الملكية بشكل عام أهمية بالغة وارتقى به إلى مصاف الحقوق الدستورية في جميع الدساتير المتعاقبة للمملكة وخاصة دستور فاتح يوليوز 2011[2] حيث أكد الفصل 35 منه على أنه “يضمن القانون حق الملكية ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون.”.
وباعتبار الملكية العقارية أحد أعمدة التطور الحاصل في جميع مناحي الحياة محليا ووطنيا ودوليا، ومرتكزا لكل تنمية اقتصادية واجتماعية وبشرية وأساس تطور المجتمع والدولة بصفة عامة فقد أصبحت بذلك عرضة للاعتداء باستمرار بحيث تزايدت الجرائم المتعلقة بالاستيلاء على العقارات خاصة مع التوسع العمراني الكبير والتزايد السكاني الذي يعرفه المغرب، حتى أن الأمر لم يعد يقتصر على أفعال إجرامية بسيطة وعابرة أو سلوكات فردية منحرفة بل ظهرت شبكات إجرامية مؤطرة في ميدان التزوير والاستيلاء على العقارات في إطار ما صار يسمى بـ “مافيا العقار”، غايتها البحث عن العقارات المهملة وخاصة تلك العائدة للأجانب والمغاربة المقيمين بالخارج من أجل انتزاعها والاستيلاء عليها مستغلة بذلك القصور التشريعي في حماية حق الملكية العقارية، وهو ما أضحى يشكل إساءة ومساسا بصورة الأمن العقاري في المغرب.
أمام هذا الواقع، كان لزاما على المشرع المغربي التدخل من أجل تحصين الملكية العقارية وحمايتها والتصدي لمثل هذه التصرفات التي تزعزع الأمن القانوني وتعيق العمل القضائي وتحول دون تحقيق الحماية الجنائية المطلوبة لحق الملكية العقارية، حيث قام المشرع المغربي بمجموعة من الإصلاحات التشريعية همت تعديل مجموعة من المقتضيات القانونية المؤطرة للعقار بشكل عام وحق الملكية العقارية على وجه الخصوص.
وفي هذا الإطار، جاءت الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك إلى وزير العدل والحريات بهذا الشأن، والتي شكلت محطة انطلاق حاسمة لهذه الإصلاحات، فقد دعا جلالته إلى الانكباب الفوري على وضع خطة عمل عاجلة للتصدي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير تتولى تنفيذها آلية تحدث لهذه الغاية، حيث جاء في الرسالة الملكية ما يلي: “ووعيا من جلالتنا الشريفة بخطورة هذه الظاهرة وما تشكله من مساس جسيم بحق الملكية العقارية والذي يضمنه دستور المملكة وما قد يترتب من آثار فادحة على المجال الحيوي للأمن القانوني فإننا نأمركم بالانكباب الفوري على هذا الملف ووضع خطة عمل عاجلة للتصدي للظاهرة والقضاء عليها والسهر على تنفيذها شاملة لتدابير تؤمن الإعمال الحازم للمساطر القانونية والقضائية في مواجهة المتورطين وإجراء وقاية مبتكرة تضمن معالجة أي نص قانوني أو مسطري من شأنه أن يشكل ثغرات تساعد على استمرارها…”[3] .
وتنفيذا للتعليمات الملكية في هذا الصدد، تم إصدار القانون 18-32 المتعلق بعقل العقار[4] الذي يندرج ضمن التدابير التشريعية الرامية إلى تعزيز الحماية الجنائية للملكية العقارية في شقها المسطري وتوفير آليات قانونية فعالة تطوق مشكلة الاستيلاء عليها، وتتمحور التعديلات الحديدة التي جاء بها هذا القانون حول تتميم مقتضيات المواد 40، 49، 104، 299، 360، و390 من قانون المسطرة الجنائية[5]، فبموجب هذا القانون خول المشرع للجهات القضائية صلاحية إصدار أوامر بعقل العقارات كلما تعلق الأمر بجريمة من الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية، وتتمثل هذه الجهات القضائية في كل من النيابة العامة ورئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ومحاكم الموضوع، سواء في المرحلة الابتدائية أو الاستئنافية[6].
وتأسيسا على كل ما سبق، تتضح الأهمية الكبيرة لموضوعنا على أكثر من مستوى، فعلى المستوى القانوني، يكتسي إجراء عقل العقار في القانون 18-32 أهمية بالغة من الناحية القانونية باعتباره أحد أهم الإجراءات القانونية المستحدثة في مجال حماية الملكية العقارية في الآونة الأخيرة والذي لا نجد له نظيرا في المنظومة التشريعية المغربية، كما تظهر أهمية هذا الموضوع على الصعيد الحقوقي في كونه مرتبطا بحق من أهم الحقوق التي يتمتع بها الفرد ويتعلق الأمر بحق الملكية العقارية، نظرا لكون العقل وسيلة قانونية تستهدف توفير الضمانات اللازمة لتحصين هذا الحق من كل اعتداء عليه، أما على المستوى الاقتصادي، فما دام أن ضمان الأمن العقاري في الميدان الاقتصادي شرط لا غنى عنه لتحقيق رهان التنمية الاقتصادية فلا شك أن إجراء عقل العقار بوصفه إجراء حمائيا لحق الملكية العقارية من شأنه أن يساهم بشكل ملموس في توفير المناخ المناسب والآمن للاستثمارات والمشاريع الاقتصادية عن طريق التصدي لكل الاعتداءات على العقارات ذات الطبيعة الاقتصادية بما يوفر الثقة والطمأنينة لدى كل الفاعلين الاقتصاديين.
وهكذا فإن موضوع مستجدات قانون المسطرة الجنائية في حماية الملكية العقارية يطرح مجموعة من الإشكالات المهمة، لكن الإشكال الرئيسي الذي يؤسس لكل إشكال آخر هو كالتالي: “ما مدى فعالية المستجدات التشريعية التي جاء بها القانون 18-32 والمتمثلة أساسا في إجراء عقل العقار في توفير الحماية الجنائية اللازمة لحق الملكية العقارية؟”.
وللإجابة على هذه الإشكالية، ارتأينا أن نقسم هذا الموضوع إلى مبحثين، الأول موضوعي صرف والثاني مسطري محض، وذلك وفق الشكل التالي:
المبحث الأول: ماهية عقل العقار وآثاره
المبحث الثاني: مسطرة الأمر بالعقل ورفعه
المبحث الأول: ماهية عقل العقار وآثاره
لقد حرص المشرع المغربي على توفير حماية جنائية فعالة لحق الملكية العقارية باعتباره من الحقوق الأساسية التي تقتضي تأمينه ضد كافة الأفعال الإجرامية التي ترمي إلى المساس به، حيث جاء المشرع بمجموعة من المقتضيات الجنائية ذات الطبيعة المسطرية التي من شأنها أن تساعد على تحقيق تلك الحماية المرجوة، ومن أهم هذه المقتضيات وأحدثها ما جاء به القانون 18-32 الذي استحدث إجراء قانونيا جديدا يتمثل في إجراء عقل العقار موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية.
وارتباطا بذلك، فإن حداثة هذه الإجراء القانوني تجعل له ماهية خاصة ومتميزة لا مثيل لها في التشريع المغربي بوصفه إجراء تحفظيا يتخذ من طرف مجموعة من المتدخلين القضائيين بمناسبة الدعوى العمومية كلما تعلق الأمر بفعل جرمي يمس بحق الملكية العقارية، بهدف الحيلولة دون انتقال الملكية العقارية إلى الغير طيلة مدة العقل إلى حين رفعه أو صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
وهذه الخصوصية التي يتميز بها إجراء عقل العقار لا تقتصر على ماهيته فقط وإنما تتجلى أيضا في الآثار القانونية التي تترتب عن اتخاذه والمتمثلة في منع كل تصرف في العقار المعقول أثناء سريان العقل بحيث يكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر، مع العلم أن هذه الآثار لا تشمل فقط التصرفات العقارية وإنما تمتد لتشمل الغير بحيث تؤثر على بعض من مصالحه وحقوقه المرتبطة بالعقار المعقول.
بناء على ما سبق، سنحاول في هذا المبحث مقاربة ماهية عقل العقار وآثاره من خلال الحديث بداية عن ماهية عقل العقار (المطلب الأول) ثم بعد ذلك الوقوف على الآثار القانونية المترتبة عن إيقاعه (المطلب الثاني).
المطلب الأول: ماهية عقل العقار
يعتبر عقل العقار إجراء قانونيا مستجدا يتخذ مفهوما خاصا في التشريع المغربي مما يجعله متميزا عن مجموعة من الإجراءات القانونية المشابهة له، كما تظهر هذه الخصوصية في الطبيعة القانونية لهذا الإجراء بوصفه إجراء تحفظيا وتقييدا مؤقتا في السجلات العقارية، يتم اتخاذه كلما توفرت شروطه القانونية من طرف الجهات القضائية المختصة.
ومن تم يقودنا الحديث عن ماهية عقل العقار إلى البحث في المقصود بعقل العقار وتمييزه عن غيره من المؤسسات القانونية المشابهة (الفقرة الأولى)، ثم البحث في طبيعته القانونية وشروط إصدار الأمر بعقل العقار (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المقصود بعقل العقار وتمييزه عن المؤسسات القانونية المشابهة
يعد عقل العقار إجراء قضائيا يتم اتخاذه كلما تعلق الأمر بجريمة ماسة بحق الملكية العقارية بهدف منع وإبطال كل تصرف في العقار المعقول طيلة مدة العقل، وعقل العقار وفق هذا المعنى يتداخل مع العديد من الإجراءات القانونية التي تشترك معه في العديد من الخصائص، وهو ما يستوجب تحديد المقصود بعقل العقار (أولا) ثم استثمار مفهومه من أجل تمييزه عن غيره من المؤسسات القانونية المشابهة له (ثانيا).
أولا: المقصود بعقل العقار
لا يستقيم الحديث عن عقل العقار دون التطرق بداية إلى المقصود به سواء من الناحية اللغوية أو من الناحية القانونية، وهذا ما يستلزم الحديث عن المعنى اللغوي للعقل (أ) ثم التطرق للمفهوم القانوني له (ب)
أ- المعنى اللغوي لعقل العقار
لقد أوردت المعاجم العربية عدة معان مختلفة لكلمة “عقل” حيث ذهب ابن فارس[7] إلى حمل كلمة العقل على معنى الحبس بقوله: “(عقل) العين والقاف واللام أصل واحد منقاس مطرد يدل عظمه على حبسة في الشيء أو ما يقارب الحبسة، ومن ذلك العقل وهو الحابس عن ذميم القول والفعل”، فيما أورد ابن منظور[8] عدة معان للعقل منها أن العقل يفيد معنى الحجر والنهي.
وقد يأخذ العقل معنى الربط والقيد، ومن ذلك ما ورد في الحديث الذي رواه الترمذي عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله أرسل ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل، قال صلى الله عليه وسلم: “بل اعقلها وتوكل” أي اربطها وقيدها بالعقال حتى لا تهيم ولا تنطلق ولا تجمح ولا تتحرك.
وبهذا فالعقل في اللغة العربية يحمل معاني الحبس والحجر والنهي والربط والقيد، فيكون على ذلك المقصود بعقل العقار من الناحية اللغوية حبسه وربطه ومنع انتقال ملكيته إلى الغير.
أما في اللغة الفرنسية فإن مصطلح le séquestre أو la maintenance sous le séquestre هي أقرب المصطلحات الفرنسية إلى مصطلح العقل[9].
ب- المفهوم القانوني لعقل العقار
لم يقدم المشرع المغربي كعادته على إعطاء تعريف محدد للعقل فاتحا بذلك المجال للمحاولات الفقهية والقضائية في هذا الصدد.
والملاحظ أن العقل يتخذ مفاهيم متعددة ومختلفة تبعا للسياق التشريعي الذي يرد فيه، مما خلق نوعا من الغموض واللبس في تحديد مفهومه بشكل دقيق، خاصة في ظل الخلط الكبير لدى عدد من الباحثين[10] بين العقل ومجموعة من المؤسسات القانونية المشابهة كالتجميد والحجز رغم اختلاف هذه المؤسسات خاصة من حيث الآثار المترتبة عن إعمالها[11].
فبالرجوع إلى ق م ج باعتباره القانون الإجرائي في المادة الجنائية نجد أن المشرع المغربي تحدث عن العقل بشكل أساسي في إطار أحكام المسطرة الغيابية (1)، غير أنه أعطى مفهوما مستحدثا للعقل بمقتضى القانون 18-32 محور دراستنا (2).
1-عقل العقار في المسطرة الغيابية[12]
تناول المشرع المغربي العقل عند تنظيمه لمقتضيات المسطرة الغيابية التي تعتبر مسطرة خاصة أو استثنائية للمحاكمة، حيث نصت المادة 443 من ق م ج على ما يلي:
“إذا تعذر القبض على المتهم بعد الإحالة أو إذا لاذ بالفرار بعد القبض عليه أو إذا كان في حالة الإفراج المؤقت أو الوضع تحت المراقبة القضائية، ولم يستجب إلى الاستدعاء بالمثول المسلم إليه، فإن رئيس غرفة الجنايات أو المستشار المنتدب من طرفه يصدر أمرا بإجراء المسطرة الغيابية.
ينص هذا الأمر على أنه يتعين على المتهم أن يحضر داخل أجل ثمانية أيام، وإلا فيصرح بأنه عاص للقانون ويوقف عن مزاولة حقوقه المدنية وتعقل أملاكه خلال مدة التحقيق الغيابي ويمنع من رفع أية دعوى قضائية طيلة نفس المدة ويصرح بأنه سيحاكم رغم تغيبه وأن على كل شخص أن يدل على المكان الذي يوجد فيه.”.
كما نصت المادة 449 من نفس القانون على أنه: ” إذا صدر الحكم بإدانة المتهم المتغيب، فإن أملاكه تبقى تحت العقل، ويمكن طيلة العقل فرض نفقات لزوجه ولأصوله وفروعه ولكل شخص تجب نفقته على المتهم المتغيب طبقاً لمقتضيات مدونة الأحوال الشخصية في الموضوع.
ويعرض حساب العقل النهائي على المحكوم عليه بمقتضى المسطرة الغيابية إذا زال أثر الحكم الغيابي بحضوره أو تقادمت العقوبة.
ويعرض الحساب على ذوي حقوقه بعد موته حقيقة أو حكماً.”
وعليه فإن المشرع المغربي لم يعرف العقل في المواد السالفة الذكر، وإنما اعتبره كردة فعل على فرار المتهم وعصيانه للقانون وعدم خضوعه لجزاء أفعاله الإجرامية بغية تهديده والضغط عليه من أجل تسليم نفسه إلى العدالة، وبذلك فالعقل يعتبر إجراء وقتيا يتم اتخاذه تفاديا لتهريب أموال المتهم إلى حين انتهاء التحقيق حماية لحقوق قد تتضرر إن تصرف فيها[13].
وبخصوص الجهة التي تتخذ الأمر بعقل الممتلكات في المسطرة الغيابية فإن المادة 443 سالفة الذكر تعقد الاختصاص لغرفة الجنايات ولكن دونما تحديد لما إذا كان الأمر يقتصر على غرفة الجنايات الابتدائية وحدها أو يمتد ليشمل غرفة الجنايات الاستئنافية، وهو ما أدى إلى تضارب التوجهات لدى محاكم المملكة[14]، إلى حين صدور قرار[15] عن الغرفة الجنائية لدى المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا[16]) والذي أفرد الاختصاص لغرفة الجنائيات الابتدائية في تطبيق مقتضيات المسطرة الغيابية بما فيها إصدار الأمر بعقل الممتلكات.
علما أن العقل في المسطرة الغيابية يتميز بكونه واسع النطاق، فقد استقر العمل القضائي أخيرا على أن هذا العقل لا يقتصر على المنقولات فقط وإنما يشمل مختلف الممتلكات سواء المنقولة منها أو العقارية للمتهم المتغيب العاصي للقانون، حيث جاء في أمر صادر عن قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بملحقة سلا ما يلي: “وحيث إنه يتعين معه حفاظا على حقوق الجهة المتضررة في حال ثبوت الأفعال المنسوبة للمتهم سالف الذكر الإبقاء على عقل العقار الذي في ملكيته…”[17]، وبالتالي فيمكن أن ينصب هذا العقل على العقارات -وهو ما يتصل بموضوعنا- كما يمكن أن ينصب على المنقولات.
ويترتب عن هذا العقل المتخذ في إطار المسطرة الغيابية منع المتهم العاصي للقانون من حقه في القيام بأي تصرف في الأموال محل العقل[18] بما في ذلك العقارات التي تم عقلها.
هذا ما تبنته العديد من التشريعات المقارنة أيضا، حيث جاء في نص المادة 158 من قانون أصول المحاكمة الأردني على أنه: “…إن الحكم الصادر في غيبة المتهم يجعل كل تصرف قام به أو التزام تعهد به بعد ذلك باطلا وعديم الأثر”، كما جاء أيضا في نص المادة 289 من قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني ما يلي: ” كل حكم يصدر بالإدانة في غيبة المتهم يستلزم حتما حرمانه من أن يتصرف في أمواله أو أن يدبرها أو يرفع أي دعوى باسمه، وكل تصرف أو التزام يتعهد به المحكوم عليه يكون باطلا من نفسه…”.
ويمكن رفع هذا العقل طبقا لمقتضيات الفصل 447 من ق م ج الذي جاء فيه: ” إذا قبلت المحكمة العذر المقدم [19]فإنها تأمر بإرجاء محاكمة المتهم كما تأمر عند الاقتضاء برفع العقل عن أملاكه لأجل تحدده.”.
هكذا يتضح أن المشرع المغربي أعطى لعقل الممتلكات -بما فيها العقارات- مفهوما خاصا في إطار المسطرة الغيابية وأفرد له مسطرة محددة سواء فيما يتعلق بإيقاعه أو رفعه.
2- عقل العقار في القانون 18-32
إذا كان المشرع الجنائي لم يعرف العقل في إطار الأحكام المتعلقة بالمسطرة الغيابية فقد سار على نفس المنوال في القانون 18-32.
فبالرجوع إلى المادة 40 من ق م ج كما تم تتميمها وتعديلها بمقتضى القانون السالف الذكر نجدها قد أشارت في فقرتها التاسعة والعاشرة إلى أنه: “يحق له (أي وكيل الملك) إذا تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية، أن يتقدم بطلب إلى رئيس المحكمة الابتدائية لإصدار أمر بعقل العقار في إطار الأوامر المبنية على طلب، ويقبل هذا الأمر الطعن بالاستئناف داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه، ولا يوقف الطعن وأجله التنفيذ.
لا يقبل القرار الصادر عن محكمة الاستئناف أي طعن.”.
أما الفقرة الحادية عشر من نفس المادة فتنص على أنه: “يترتب عن الأمر الصادر بالعقل منع التصرف في العقار طيلة مدة سريان مفعوله، ويكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر، ما لم يتم رفع العقل من طرف رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات بناء على طلب من النيابة العامة أو من له مصلحة. “.
كما تنص المادة 49 في فقرتها الثانية عشر والثالثة عشر على ما يلي: ” يحق له (أي الوكيل العام للملك) إذا تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية، أن يتقدم بطلب إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف لإصدار أمر بعقل العقار، ويقبل هذا الأمر الطعن بالاستئناف أمام غرفة المشورة داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه، ولا يوقف الطعن وأجله التنفيذ.
لا يقبل القرار الصادر عن غرفة المشورة أي طعن.”.
فيما نصت الفقرة الرابعة عشر من نفس المادة على التالي: “يترتب عن الأمر الصادر بالعقل منع التصرف في العقار طيلة مدة سريان مفعوله، ويكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر، ويمكن رفعه أمام المحكمة التي أمرت به في إطار القضاء الاستعجالي بناء على طلب من النيابة العامة أو من له مصلحة.”[20].
باستقراء المقتضيات التشريعية السابقة الذكر يمكن القول إن عقل العقار هو إبقاء الحالة والوضعية القانونية للعقار بدون تغيير بخصوص أسماء مالكيه ومنع انتقال ملكيته للغير مع وجود العقل سواء بعوض أو بدون عوض إلا بعد صدور حكم قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به في الدعوى العمومية وعند الاقتضاء في الدعوى المدنية التابعة، ويعتبر كل تصرف في العقار والحال هذه باطلا وعديم الأثر[21].
وبتعبير آخر فالعقل حسب مستجدات ق م ج المعدل بمقتضى القانون 18-32 هو ذلك الإجراء التحفظي والوقتي المتخذ من قبل مجموعة من الجهات القضائية المختلفة (رئيس المحكمة الابتدائية، الرئيس الأول لحكمة الاستئناف، قاضي التحقيق، الهيئة القضائية) تبعا لكل مرحلة من مراحل الدعوى العمومية والذي يهدف إلى منع التصرف في العقار المعقول موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية إلى حين رفع العقل من طرف الجهة القضائية المختصة أو صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بحيث يكون كل تصرف عوضي أو تبرعي مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر.
لكن قد يثار التساؤل حول ما إذا كان عقل العقار الذي استحدثه القانون 18-32 يعتبر تمديدا لمسطرة العقل في إطار أحكام المسطرة الغيابية لتشمل الجنح والجنايات الماسة بالملكية العقارية سواء كان المتابع في حالة فرار أو متابع في حالة سراح أو اعتقال كما يرى أحد الباحثين[22]، أم أن عقل العقار يتخذ مفهوما مغايرا للعقل الوارد في إطار أحكام المسطرة الغيابية؟
جوابا على هذا الإشكال، يمكن القول إن سياق العقل في المسطرة الغيابية مختلف إلى حد كبير عن سياق العقل في القانون 18-32 إذ لا يمكن اعتبار هذا الأخير تمديدا للأول، وذلك للاعتبارات التالية:
فمن جهة أولى، هناك اختلاف بين العقلين من ناحية مسطرة إيقاعهما أو رفعهما، فالأمر بالعقل في المسطرة الغيابية يتخذ من طرف رئيس غرفة الجنايات أو المستشار المنتدب من طرفه (الفصل 443 من ق م ج) ويمكن رفعه من طرف المحكمة إذا اقتنعت بالعذر المقدم المبرر لتغيب المتهم (الفصل 447 من ق م ج)، في حين أن عقل العقار في القانون 18-32 يتخذ من طرف جهات قضائية مختلفة عن ذلك هي رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لحكمة الاستئناف أو قاضي التحقيق أو الهيئة القضائية، ويرفع وفق مسطرة خاصة تختلف حسب الجهة التي أصدرته كما سنرى لاحقا.
ومن جهة ثانية، فالعقار الذي يطاله العقل في المسطرة الغيابية لا يشترط بالضرورة أن يكون موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية فكل ما يشترط لاتخاذ هذا العقل هو فرار المتهم بغض النظر عن طبيعة الجناية المرتكبة، وعلى خلاف ذلك فالعقل في القانون 18-32 يقتصر على العقارات التي تكون موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية لا غير.
ومن جهة ثالثة، فإن هناك تباينا بينهما من حيث الهدف من اتخاذهما، ذلك أن العقل المتخذ في إطار المسطرة الغيابية يهدف إلى الضغط على المتهم المتغيب العاصي للقانون وحمله على الحضور للمحاكمة بمنعه من التصرف في الممتلكات المعقولة كما سبق الذكر، في حين أن الهدف من إصدار الأمر بعقل العقار في إطار القانون 18-32 هو منع التصرف في العقار موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية إلى حين البت في الدعوى العمومية حفاظا على حق الملكية العقارية وتجنبا للضرر الذي قد يلحق بذوي الحقوق والذي قد يترتب عن التصرف في العقار[23].
تأسيسا على هذا، فعقل العقار في القانون 18-32 يتخذ مفهوما مختلفا عن عقل الممتلكات في المسطرة الغيابية بحيث يحظى كل منهما باستقلالية وخصوصية سواء من حيث المسطرة أو شروط إصدارهما أو الهدف منهما.
ثانيا: تمييز عقل العقار عن غيره من المؤسسات القانونية المشابهة
على اعتبار أن إجراء عقل العقار حسب القانون 18-32 يعد إجراء تحفظيا ووقتيا يقيد الملكية العقارية ويمنع انتقالها إذا تعلق الأمر بعقار موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية فإنه بذلك يتشابه إلى حد كبير مع العديد من المؤسسات القانونية الأخرى التي تتخذ مفاهيم تقترب من هذا المفهوم، ومن تم فإنه لا بد من تمييز عقل العقار عن هذه المؤسسات القانونية المشابهة بغية حصر إطاره النظري بشكل دقيق.
هذا ما يستوجب تمييز عقل العقار عن الحجز التحفظي (أ) وكذلك تمييزه عن التجميد (ب) بالإضافة إلى ضرورة تمييزه عن المصادرة (ج) ثم عن التقييد الاحتياطي (د).
أ-تمييز عقل العقار عن الحجز التحفظي
إن الحجز الذي نتحدث عنه هنا ليس الحجز الذي تقوم به الشرطة القضائية للأدوات والأشياء التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو المتحصلة عنها، ولا الحجز الذي يقوم به السيد قاضي التحقيق أو الغرفة الجنحية أو المحكمة في إطار البحث التكميلي، وإنما الحجز المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية[24] الذي يوصف بأنه تحفظي[25].
وهو الذي نص عليه المشرع في الفصل 453 من ق م م الذي جاء فيه: “لا يترتب عن الحجز التحفظي سوى وضع يد القضاء على المنقولات والعقارات التي انصب عليها ومنع المدين من التصرف فيها تصرفا يضر بدائنه ويكون نتيجة لذلك كل تفويت تبرعا أو بعوض مع وجود الحجز باطلا وعديم الأثر”.
استنادا لذلك، نعت بعض الفقه الحجز التحفظي بأنه وضع أموال المدين تحت يد القضاء وغل يده عن التصرف فيها تصرفا يضر بالدائنين تمهيدا لنزع ملكيتها لمصلحة هؤلاء الآخرين واستيفاء حقوقهم من ثمنها إذا لم يؤد المدين ما عليه من ديون[26]، وفي نفس السياق جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) أن الحجز التحفظي هو ضمان أداء دين مترتب في ذمة المحجوز عليه وليس لحماية أو ضمان حق عيني يزول بزوال سببه[27].
هكذا يتضح مدى التشابه بين الحجز التحفظي وعقل العقار، فكلاهما يعتبران إجراءين مؤقتين يتم تقييدهما بالمحافظة العقارية إذا كان العقار محفظا أما إذا كان العقار غير محفظ فيتم سلوك مسطرة الإيداع، إضافة إلى أنهما يصدران بناء على أمر قضائي وإن اختلفت الجهات المصدرة لكلا الأمرين، مما يعني أنهما مسطرتان جبريتان بامتياز[28]، كما أنهما يرتبان نفس الأثر المتجلي في منع تفويت العقار المعقول أو المحجوز بحيث يكون كل تفويت تبرعا أو بعوض مع وجود العقل أو الحجز باطلا وعديم الأثر.
لكن على الرغم من هذا التشابه، إلا أن عقل العقار في القانون 18-32 يختلف عن الحجز التحفظي من عدة جوانب:
فمن حيث النطاق، يمكن أن ينصب الحجز التحفظي حسب الفصل 453 من ق م م على العقارات كما يمكن أن ينصب على المنقولات، على خلاف العقل العقاري الذي لا ينصب إلا على العقارات التي تكون موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية ولا يمكن أن يشمل المنقولات.
ومن حيث الجهة القضائية التي تتخذ الإجراء، فإن الحجز التحفظي يتخذ من طرف رئيس المحكمة الابتدائية أو التجارية أو الإدارية التي يقع العقار المحجوز في دائرة نفوذها[29] في إطار الأوامر المبنية على طلب[30]، أما عقل العقار فيتخذ من طرف رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو قاضي التحقيق أو الهيئة القضائية طبقا للمواد 40 و49 و104 و299 من ق م ج على التوالي.
أما من حيث الهدف، فإن الغاية من الحجز التحفظي هي غل يد المدين عن التصرف في المنقولات والعقارات المحجوزة حتى لا يضر بدائنيه على اعتبار أن أموال المدين تشكل الضمان العام للدائنين من أجل استيفاء ديونهم حسب الفصل 1241[31] من ق ل ع، في حين أن الغاية من عقل العقار هي منع التصرف في العقار موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية بغية الحفاظ على حق الملكية العقارية وتجنب الضرر الذي قد يلحق بصاحب الحق والذي قد يترتب عن التصرف في العقار.
وأما من حيث المآل، فيمكن أن يؤول الحجز التحفظي إلى حجز تنفيذي إذا لم يف المحجوز عليه بالدين متى حصل الدائن على سند تنفيذي، فيباع العقار أو المنقول ويتم استخلاص الدين من عملية البيع[32]، بخلاف عقل العقار الذي يظل على حاله إلى حين رفعه أو صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
ب- تمييز عقل العقار عن التجميد
إذا كان المشرع المغربي لم يعرف عقل العقار في القانون 18-32 إلا أنه قد عرف التجميد في القانون 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب[33] وذلك في المادة 3-595 منه والتي نصت على ما يلي: ” يقصد بالتجميد المنع المؤقت لنقل الممتلكات أو تبديلها أو التصرف فيها أو تحريكها أو إخضاعها للحراسة.”
وقد جاء تعريف المشرع المغربي للتجميد متأثرا باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة الموقعة بباليرمو[34] التي عرفت هي الأخرى التجميد في البند -و- من المادة الثانية بالآتي: “يقصد بتعبير التجميد أو الضبط الحظر المؤقت لنقل الممتلكات أو تبديلها أو التصرف فيها أو تحريكها أو إخضاعها للحراسة أو السيطرة المؤقتة بناء على أمر صادر عن المحكمة أو سلطة أخرى مختصة.”.
كما نصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد[35] في البند -و- من المادة الثانية على أنه “يقصد من التجميد أو الحجز فرض حظر مؤقت على إحالة الممتلكات أو تحريكها أو التصرف فيها أو نقلها أو تولي عهدة الممتلكات أو السيطرة عليها مؤقتا بناء على أمر عن محكمة أو سلطة مختصة”.
وعلى غرار المادة السابقة فإن بعض التشريعات تطابق بين مفهوم التجميد ومفهوم الحجز مثل المشرع الجزائري الذي نص في القانون رقم 06-01 لمكافحة الفساد والوقاية الصادر بتاريخ 08 مارس 2006، وتحديدا في الفقرة “ح” من المادة الثانية منه على أن “التجميد أو الحجز يعني فرض حظر مؤقت على تحويل الممتلكات أو استبدالها أو التصرف فيها أو نقلها أو تولي عهدة الممتلكات أو السيطرة عليها مؤقتا بناء على أمر صادر من محكمة أو سلطة أخرى مختصة”، بينما ذهبت تشريعات أخرى إلى التمييز بينهما كما هو الحال بالنسبة للمشرع المغربي على أساس عنصر الحراسة، ذلك أنه بمقتضى المادة 3-595 من ق م ج التي عرفت التجميد فإن المتهم يحرم من نقل ملكية المال المتصرف فيه أو تبديله كما يحرم من تحريكه أو إخضاعه للحراسة، وهو ما يعني أن المشرع عندما يتعلق الأمر بالتجميد فإنه يحرم المتهم من حق التصرف وحق الانتفاع لأن حراسة المال لا تبقى بيده، على خلاف الحجز الذي يخول للمتهم الحراسة وإن كان يمنع عليه التصرف في المال المحجوز[36]، والدليل على ذلك أن المشرع عندما نص على جريمة تبديد محجوز في الفصل 524[37] من القانون الجنائي[38]، ميز في العقوبة بين الحالة التي تكون فيها الحراسة تحت يد الغير وبين الحالة التي تبقى فيها حراسة الشيء المحجوز بيد مالكه.
استنادا إلى كل هذا، يظهر التشابه بين التجميد وعقل العقار في القانون 18-32 على اعتبار أن كليهما يمنعان التصرف في العقار المجمد أو المعقول، غير أن التجميد يترتب عنه بالإضافة إلى ذلك حرمان المتهم من الحراسة والانتفاع[39]، بينما يقتصر أثر العقل على منع التصرف فقط، مما يفيد أن التجميد يقيد الملكية بشكل أكبر من العقل.
كذلك فإن التجميد أوسع نطاقا من العقل العقاري، فهذا الأخير يقتصر على العقارات التي تكون موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية حسب القانون 18-32 بينما يتعدى التجميد ذلك ليشمل إلى جانب العقارات مختلف الممتلكات[40] سواء كانت عقارات أو منقولات، وإن كان المشرع المغربي قد جعل العقل في المسطرة الغيابية شاملا للعقارات والمنقولات حسب المادة 443 من ق م ج كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
كما أن العقل أوسع من التجميد من حيث عدد المتدخلين في إيقاعه من نيابة عامة ورؤساء محاكم ابتدائية ورؤساء أولين بمحاكم الاستئناف وقضاة التحقيق لدى المحاكم الأولى والثانية والغرفة الجنحية وقضاة الموضوع، خلافا للتجميد الموكول أمر إيقاعه إلى النيابة العامة طبقا للمادة 19[41] من القانون رقم 05-43 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال[42]، بالإضافة إلى قضاء الحكم عندما يتعلق الأمر بقضايا الإرهاب[43] دون باقي القضايا الأخرى[44].
ج- تمييز عقل العقار عن المصادرة
لقد عرف المشرع المغربي المصادرة la confiscation في الفصل 42 من م ق ج الذي جاء فيه “المصادرة هي تمليك الدولة جزءا من أملاك المحكوم عليه أو بعض أملاك له معينة”، والمصادرة إما أن تكون عقوبة إضافية وإما أن تكون تدبيرا وقائيا.
فالمصادرة كعقوبة إضافية تقتصر فقط على كل أو بعض أموال المحكوم عليه ذات الصلة بالجريمة طبقا للفصل 42 و43 من م ق ج حيث ينص هذا الفصل الأخير على أنه “في حالة الحكم بالمؤاخذة عن فعل يعد جناية، يجوز للقاضي أن يحكم بأن يصادر لفائدة الدولة مع حفظ حقوق الغير الأدوات والأشياء التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الجريمة أو التي تحصلت منها وكذلك المنح وغيرها من الفوائد التي كوفئ بها مرتكب الجريمة أو كانت معدة لمكافأته”، كما أن المصادرة باعتبارها عقوبة إضافية تكون جوازية لا غير أي أن الحكم بها يخضع للسلطة التقديرية للقاضي باستثناء قضايا غسل الأموال والتي تكون فيها المصادرة وجوبية رغم كونها عقوبة إضافية[45].
أما المصادرة بوصفها تدبيرا وقائيا[46] فإنها يمكن أن تنصب أيضا على أموال الغير حسب الفصل 89 من م ق ج الذي ينص على أنه “يؤمر بالمصادرة كتدبير وقائي بالنسبة للأدوات المحجوزة التي يكون صنعها أو استعمالها أو حملها أو حيازتها أو بيعها جريمة، ولو كانت تلك الأدوات أو الأشياء على ملك الغير، وحتى ولو لم يصدر حكم بالإدانة”، على أن الحكم بها يكون وجوبيا ويحكم بها حتى عند الحكم بالبراءة أو بسقوط الدعوى العمومية.
وتجدر الإشارة إلى أنه ينبغي التمييز بين المصادرة الجزئية التي ترد على جزء من أموال المحكوم عليه كما هو الشأن بالنسبة لجرائم الإرهاب وغسل الأموال، والمصادرة العينية التي تقع على مختلف الأشياء المستعملة في ارتكاب الجريمة أو المتحصلة منها فضلا عن المنح والفوائد الممنوحة كمكافأة لمقترف الجريمة[47]، كما يمكن أن تكون المصادرة قيمية لا عينية وذلك في حالة سبقية التصرف في الشيء موضوع المصادرة أو إخفائه[48].
من هنا، يمكن التمييز بين عقل العقار والمصادرة من خلال النقط التالية:
إن المصادرة تستلزم صدور حكم قاض بعقوبة أصلية[49] عن الهيئة القضائية دون غيرها، بخلاف عقل العقار الذي يمكن لرئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو قاضي التحقيق أو الهيئة القضائية التي تبت في النزاع أن تأمر به طبقا للمواد 40 و49 و104 و299 من ق م ج.
كما أن المصادرة هي تمليك الدولة كل أو بعض أموال المحكوم عليه حيث تهدف إلى إيلام من تنزل به عن طريق حرمانه من ملكية المال الذي تمت مصادرته[50]، أما عقل العقار حسب القانون 18-32 فلا ينقل ملكية العقار المعقول إلى الدولة وإنما هو إجراء تحفظي ووقتي الغاية منه تقييد الملكية ومنع تفويت العقار إلى الغير حفاظا على حقوق المشتكين أو المطالبين بالحق المدني، وبالتالي فإذا كانت المصادرة ناقلة للملكية فإن عقل العقار يمنع انتقالها.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عقل العقار هو إجراء قانوني يبقى إعماله خاضعا دائما للسلطة التقديرية للجهات القضائية المختصة بإصداره ولا شيء يوجب أو يفرض عليها إصداره، على عكس المصادرة التي تخضع لأحكام قانونية دقيقة توجب أحيانا الحكم بها وتجيزها في أحيان أخرى.
كذلك، يعتبر عقل العقار أضيق من حيث النطاق من المصادرة، فإن كان الأول ينصب على العقارات موضوع الجرائم الماسة بالملكية العقارية فقط، فإن المصادرة يمكن أن تنصب على كافة المحجوزات مادية كانت أو غير مادية، منقولة أو غير منقولة، ملموسة أو غير ملموسة، والمستندات أو الصكوك القانونية التي تثبت ملكية تلك المحجوزات، كما يمكن أن تنصب المصادرة على الممتلكات العقارية للمتهم[51]، وفي هذا الصدد قضت محكمة الاستئناف بتطوان بمصادرة جميع ممتلكات المتهم العقارية والمنقولة باستثناء دار السكنى[52].
د- تمييز عقل العقار عن التقييد الاحتياطي.
تولى المشرع المغربي تنظيم مؤسسة التقييد الاحتياطي بشكل أساسي في الفصلين 85 و86 من ظهير التحفيظ العقاري[53]، وحدد أنواعه وأجل سريان مفعوله وآثاره في حماية الحق مؤقتا إلى حين تقييده نهائيا في الرسم العقاري أو التشطيب عليه.
ويعرف أحد الفقه[54] التقييد الاحتياطي بأنه إمكانية يخولها القانون لكل من يدعي حقا عينيا عقاريا على عقار محفظ قصد الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق وذلك بالإشارة إليه في الرسم العقاري في انتظار تحويل هذا التقييد الاحتياطي إلى تقييد نهائي أو التشطيب عليه، وفي هذا السياق ذهبت محكمة الاستئناف بالرباط إلى أن “التقييد الاحتياطي يهدف إلى الاحتفاظ المؤقت بحق موجود ولكنه معلق إما على انتظار إصدار حكم نهائي في الموضوع أو انتظار إتمام بعض الإجراءات المرتبطة بتسجيله”[55].
وتبعا لذلك، فإن التقييد الاحتياطي هو آلية خولها المشرع لحفظ حق كل من يدعي حقا على عقار محفظ وكذلك حفظ وحماية حقه في أولوية التقييد حيث نص الفصل 85 من ظ ت ع على أنه “لكل من يدعي حقا عينيا على عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا للاحتفاظ به مؤقتا…”، أما إذا كان العقار في طور التحفيظ فإنه يجب على المدعي سلوك مسطرة التعرض[56] على مطلب التحفيظ أو سلوك مسطرة الإيداع[57] من أجل التمسك بالحق المدعى به.
هذا وقد يأتي التقييد الاحتياطي حسب الفصل 86 من نفس القانون المذكور إما بناء على أمر قضائي أو بناء على سند أو بناء على نسخة من مقال الدعوى.
هكذا فإن التقييد الاحتياطي على غرار عقل العقار يعتبر من التقييدات التي ترد على العقارات[58]، غير أن التقييد الاحتياطي يقتصر دائما على العقارات المحفظة ويعتبر ذلك من أهم الخصائص المميزة له[59] حيث جاء في أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية المدنية في الدار البيضاء[60] ما يلي: “حيث يبدو من العقد الذي استدل به المدعى أن الأرض موضوع النزاع هي عقار عادي وليست بعقار محفظ في حين أن التقييد الاحتياطي لا يقع إلا على عقار محفظ…”، بينما يمكن أن ينصب العقل الذي جاء به القانون 18-32 على كل عقار موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية إذ يستوي أن يكون العقار محفظا أو في طور التحفيظ أو غير محفظ.
أيضا، فعقل العقار يتخذ بناء على أمر صادر من رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو قاضي التحقيق أو الهيئة القضائية طبقا للمواد 40 و49 و104 و299 من ق م ج، أما بالنسبة للتقييد الاحتياطي فالملاحظ أن العمل القضائي[61] يتجه إلى إسناد اختصاص إصدار أمر بهذا التقييد لرئيس المحكمة الابتدائية التي يوجد العقار المعني في دائرة اختصاصها.
إضافة إلى هذا، فقد حدد المشرع المغربي مدة التقييد الاحتياطي بدقة، حيث إنه إذا تم التقييد بناء على سند فإن مدته قصيرة لا تتجاوز عشرة أيام، بينما تنحصر صلاحية التقييد في شهر واحد إذا استند التقييد على نسخة من مقال الدعوى في الموضوع مرفوعة أمام القضاء، فيما يحدد مفعول التقييد في ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ صدوره بناء على أمر صادر من رئيس المحكمة قابلة للتمديد بأمر من هذا الأخير شريطة تقديم دعوى في الموضوع، ويستمر مفعول التمديد إلى حين صدور حكم نهائي، حسب الفصل 86[62] من ظ ت ع، في حين أن المشرع لم يحدد مدة عقل العقار في القانون 18-32، وهي عموما المدة التي تمتد من تاريخ صدور الأمر بإيقاع العقل إلى تاريخ رفعه من طرف المخول لهم ذلك أو صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، وهي مدة غير محددة قد تطول أو تقصر تبعا لظروف كل قضية[63].
الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية للأمر الصادر بعقل العقار وشروطه
يعتبر عقل العقار حسب القانون 18-32 إجراء تحفظيا وقتيا تتخذه مجموعة من الجهات القضائية المتمثلة في رئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وقاضي التحقيق والهيئة القضائية بهدف تقييد ملكية العقار موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية حفاظا على حقوق الأطراف وضمانا لحسن سير إجراءات الدعوى العمومية، مما يجعل العقل تدبيرا احتياطيا واستباقيا لا ينشئ حقوقا لأي طرف من أطراف الدعوى في انتظار صدور حكم فاصل مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
وانطلاقا من ذلك، يمكن القول بأن الأمر الصادر بعقل العقار يتميز بطبيعة قانونية خاصة تميزه عن غيره من المؤسسات المشابهة له، كما أن إصدار هذا الأمر يتوقف على توفر شروط محددة أشار إليها المشرع المغربي بشكل ضمني في القانون 18-32.
مما يتعين معه تحديد الطبيعة القانونية لهذا الإجراء المستحدث (أولا)، ثم الوقوف على شروط إصدار الأمر بعقل العقار (ثانيا)
أولا: الطبيعة القانونية لعقل العقار
يتميز عقل العقار بكونه إجراء من الإجراءات التحفظية والوقائية المتخذة بمناسبة الدعوى العمومية إذا تعلق الأمر بجريمة ماسة بحق الملكية العقارية، يسعى من خلاله المشرع إلى إبقاء وضعية العقار على حالها بمنع التصرف فيه لمدة مؤقتة.
كما أن العقل حينما ينصب على عقار محفظ أو في طور التحفيظ فإنه لا بد من تقييده في السجلات العقارية كتقييد مؤقت.
لذا فإن الطبيعة القانونية لعقل العقار تتحدد في كونه إجراء تحفظيا من جهة (أ)، وفي كونه من التقييدات المؤقتة بالسجلات العقارية من جهة أخرى (ب).
أ- عقل العقار إجراء تحفظي
يمكن اعتبار عقل العقار إجراء تحفظيا يهدف من خلاله المشرع إلى الحفاظ على العقار قيد العقل إلى حين صدور الحكم النهائي، غاية المشرع منه منع التصرف في العقار المعقول موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية سواء بعوض أو بدون عوض وتفادي تفويته صوريا أو حقيقة إلى الغير وذلك من أجل تجنب الضرر الذي قد يلحق بصاحب حق الملكية جراء تصرف المعتدي في العقار، وبالتالي فالعقل إجراء يهدف إلى المحافظة على وضع قائم ريثما يصدر أمر برفعه أو حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به[64].
ومما يدل كذلك على أن العقل إجراء تحفظي وقائي هو كونه وقتيا غير دائم ومقرونا دائما بأجل على الرغم من كون هذا الأجل غير محدد صراحة إذ قد يطول أو يقصر بحسب ظروف كل قضية كما سبقت الإشارة، غير أن مصيره في جميع الأحوال هو الزوال والانقضاء إما بصدور أمر برفعه وإما بصدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، لذلك فعقل العقار يتخذ كوسيلة من الوسائل التي يعتمدها القضاء لبلوغ الحقيقة[65].
كذلك، فالأمر الصادر بعقل العقار باعتباره إجراء تحفظيا لا يتعلق بموضوع أو جوهر النزاع، فعلى الرغم من أنه يصدر لفائدة ضحية الفعل الجرمي إلا أنه لا يثبت أي حق لفائدة أي طرف من أطراف الدعوى بل يقتصر فقط على إبقاء الحالة القانونية للعقار المعقول على ما هي عليه إلى غاية رفع العقل أو الفصل في الدعوى بمقتضى حكم نهائي[66].
ومن تم فإن العقل يعتبر إجراء تحفظيا لكونه من جهة يهدف إلى المحافظة على العقار بمنع تفويته إلى الغير ومن جهة ثانية لأنه لا يترتب عن الأمر به أي حق لأي طرف من أطراف الدعوى، ومن جهة ثالثة لكونه إجراء مؤقتا لابد له من الزوال.
ب- عقل العقار من التقييدات المؤقتة في السجلات العقارية
إن عقل العقار هو تقييد من التقييدات المؤقتة التي يمكن أن تنصب على العقارات التي تكون موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية في حالة الأمر به من طرف الجهات القضائية المخول لها ذلك، وتهدف التقييدات المؤقتة عموما إلى الحفاظ مؤقتا على حق وارد على عقار محفظ تعذر تقييده نهائيا[67]، كما ترمي إلى توفير الحماية المؤقتة لضمان استيفاء الحقوق[68].
وعندما نقول إن عقل العقار تقييد مؤقت يرد على الرسوم العقارية فإن ذلك مرتبط بمدته التي قد تطول أو تقصر، ومرد ذلك إلى طبيعة التهمة المنسوبة للمتهم وما يتطلبه ذلك من وقت من أجل القيام بإجراءات الدعوى العمومية، كما أنه ينتهي بالتشطيب عليه من طرف المحافظ على الأملاك العقارية إذا توصل بأمر بذلك من الجهات المختصة التي لها صلاحية رفعه[69].
وهكذا، فبعدما تقوم الجهات المعنية بتبليغ الأمر الصادر بعقل العقار إلى المحافظة العقارية إذا انصب العقل على عقار محفظ، فإنه يتعين تقييد هذا الأمر في الرسوم العقارية، استنادا إلى مذكرة المحافظ العام[70] في هذا الصدد والتي جاء فيها: “… أطلب منكم الحرص على إيلاء طلبات تقييد الأوامر المتعلقة بعقل العقارات الصادرة طبقا لمقتضيات هذا القانون (أي القانون 18-32) أقصى درجات العناية والبت فيها بالسرعة المطلوبة…” ، واستنادا إلى مقتضيات الفصل 65 من ظ ت ع الذي ينص على ما يلي: ” يجب أن تشهر بواسطة تقييد في الرسم العقاري، جميع الوقائع والتصرفات والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض، وجميع المحاضر والأوامر المتعلقة بالحجز العقاري، وجميع الأحكام التي اكتسبت قوة الشيء المقضي به، متى كان موضوع جميع ما ذكر تأسيس حق عيني عقاري أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه، وكذا جميع عقود أكرية العقارات لمدة تفوق ثلاث سنوات، وكل حوالة لقدر مالي يساوي كراء عقار لمدة تزيد على السنة غير مستحقة الأداء أو الإبراء منه.”.
وتبعا لذلك فإنه ينبغي تقييد الأمر الصادر بعقل عقار محفظ في الرسم العقاري الخاص به سواء صدر في مرحلة البحث التمهيدي أو التلبسي من طرف رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، أو صدر في مرحلة التحقيق الإعدادي من طرف قاضي التحقيق، أو صدر في مرحلة المحاكمة من طرف الهيئة القضائية.
غير أن ما يميز عقل العقار هو أن المحافظ يقوم بتنفيذ الأمر القضائي بتقييده أو إيداعه دون مبالاة بمعطيات الرسم العقاري أو مطلب التحفيظ، إن كانت به تقييدات أو إيداعات تهم حقوقا عينية أو شخصية كالرهن والحجز أو الإنذار أو التقييد الاحتياطي أو التعرض، لأن الهدف من العقل هو حرمان بعض أو جميع المالكين وأصحاب الحقوق الشخصية أو العينية من التصرف في العقار لمدة غير محددة، لذلك يقيد العقل على الرغم من وجود الحجز أو الإنذار أو الحجز التنفيذي[71]، ولو أن الفصل 87 من ظ ت ع ينص بشكل واضح في فقرته الأولى على أن ” كل حجز أو إنذار بحجز عقاري يجب أن يبلغ إلى المحافظ على الأملاك العقارية الذي يقيده بالرسم العقاري. وابتداء من تاريخ هذا التقييد لا يمكن إجراء أي تقييد جديد خلال جريان مسطرة البيع الجبري للعقار المحجوز.”.
وبالرغم من ذلك فإنه لا مجال لتمسك المحافظ على الأملاك العقارية بمقتضيات الفصل السابق لأن العبرة بآثار الأمر بعقل العقار وطبيعته إذ أنه ليس حجزا ولا تقييدا احتياطيا كما مر معنا، ومن تم فليس هناك مانع يمنع المحافظ من تقييد العقل بالرغم من كون العقار مثقلا بحجز أو إنذار عقاري[72].
كما تجدر الإشارة إلى أنه إذا كان للتقييدات بالسجلات العقارية أثر إنشائي للحق العيني حسب مقتضيات الفصلين 66[73] و67[74] من ظ ت ع، فإن عقل العقار رغم كونه تقييدا مؤقتا فإنه لا يثبت أي حق عيني لفائدة أي طرف لأنه مجرد إبقاء للوضع على ما هو عليه، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يكون مرحلة سابقة لتقييد نهائي تثبت بمقتضاه الحقوق لصاحب التقييد.
ثانيا: شروط إصدار الأمر بعقل العقار
باستقراء المستجدات التشريعية التي جاء بها القانون 18-32 يتضح أن المشرع المغربي ربط إصدار الأمر بعقل العقار من طرف الجهات القضائية المختصة بتوفر شروط موضوعية محددة، فعلى سبيل المثال فقد جاء في المادة 40 من ق م ج أنه “يحق له (أي وكيل الملك) إذا تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية، أن يتقدم بطلب إلى رئيس المحكمة الابتدائية لإصدار أمر بعقل العقار…”، ونفس المقتضى أشارت إليه المواد 49 و104 و299 من ق م ج.
وهكذا يتضح أن شروط إصدار الأمر بعقل العقار تتجسد في شرطين أساسين، يتجلى الشرط الأول في أن يكون العقار قابلا للعقل (أ)، بينما يتمثل الشرط الثاني في أن يتعلق الأمر بجريمة ماسة بحق الملكية العقارية (ب).
أ- أن يكون العقار قابلا للعقل
من المعلوم أن النظام العقاري بالمغرب يتميز بازدواجية نظامه وتعدد هياكله، مما نتج عنه تعدد وتنوع في طبيعة الأملاك العقارية حيث يتميز كل نوع منها بخصائص تميزه عن غيره، وهذا التنوع هو الذي يفضي إلى كون بعض العقارات قابلة للعقل وكون بعض العقارات الأخرى غير قابلة للعقل نظرا لطبيعتها الخاصة.
تأسيسا على ذلك، فإن الإحاطة بهذا الشرط تقتضي منا الوقوف على نطاق إعمال العقل وذلك من خلال تحديد العقارات القابلة للعقل من جهة (1) وتحديد العقارات غير القابلة للعقل من جهة أخرى (2).
1-العقارات القابلة للعقل
غني عن البيان أن العقل الوارد في القانون 18-32 لا يشمل المنقولات مطلقا ولو كانت موضوع فعل جرمي يمس بحق الملكية كالسرقة أو نحوها، وإنما يقتصر على العقارات التي تكون موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية[75].
لذلك، فالعقل يمكن أن ينصب على جميع أنواع العقارات من حيث المبدأ سواء كانت محفظة أو في طور التحفيظ أو غير محفظة، وسواء كانت مخصصة لغرض مدني كالشقق المعدة للسكن أو لغرض تجاري أو صناعي كالمحلات التجارية والمصانع وغيرها، وبغض النظر عن كونها موجودة في المجال الحضري أو في المجال القروي، فكل هذه الاعتبارات لا تحول دون إيقاع العقل[76].
كذلك يستوي أن يكون العقار مملوكا لشخص واحد أو مجموعة من الأشخاص على سبيل الشياع، ففي كلتا الحالتين فإن العقار يكون قابلا للعقل متى تعلق الأمر بجريمة ماسة بحق الملكية العقارية.
وقد يطرح التساؤل بخصوص إمكانية عقل جزء من العقار، كما في الحالة التي يستولي فيها شخص على جزء من قطعة أرضية دون الجزء الآخر، فهل ينبغي عقل العقار كاملا أم الاقتصار على الجزء الذي تم الاستيلاء عليه؟
جوابا على ذلك، يمكن القول -في نظرنا- أن العقل يجب أن ينصب فقط على الجزء المستولى عليه دون غيره، لأن الجزء الذي لم يتم الاستيلاء عليه ليس موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية وعقله يكون غير ذي أساس قانوني لأن المشرع بمقتضى فصول ق م ج المعدلة بالقانون 18-32 ربط عقل العقار بضرورة أن يكون هذا الأخير موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العقل قرر لفائدة صاحب الحق في ملكية العقار لحماية حقه، ومن تم فإنه لا يمكن أن يكون وبالا عليه بحرمانه من التصرف في الجزء الذي لم يتم الاستيلاء عليه.
كما أنه إذا كان العقار المعقول في إطار المسطرة الغيابية يشترط فيه أن يكون مبدئيا مملوكا للمتهم العاصي للقانون حتى تتحقق الغاية من هذا العقل والمتمثلة في الضغط على المتهم المتغيب من أجل تسليم نفسه للعدالة[77]، فإن العقار المعقول بمقتضى القانون 18-32 لا يشترط فيه أن يكون مملوكا للمتهم بارتكاب الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية، بل قد لا يكون مملوكا حتى للمشتكي أو المطالب بالحق المدني، كأن يتقدم شخص بشكاية يدعي فيها أنه مالك العقار الذي تم الاستيلاء عليه والحقيقة أنه ليس مالكا لذلك العقار، ففي مثل هذه الحالة ليس هنالك ما يمنع من العقل، إذ لا يهم أن يكون العقار مملوكا للمشتكي بل كل ما يهم هو أن يكون هذا العقار موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية، وبذلك يكون المشرع قد تصدى لإمكانية أن يقوم المتهم في وقت مبكر من إصدار الأمر بالعقل من نقل ملكية العقار المستولى عليه إلى أحد أفراد أسرته تحايلا على مسطرة العقل[78].
وكما أشرنا سابقا فإن كون العقار موضوع حجز تحفظي أو إنذار بحجز عقاري لا يمنع من عقل العقار المحجوز، على اعتبار أنه يمكن تقييد الأمر الصادر بالعقل ولو كان مسبوقا بتقييد لحجز تحفظي أو إنذار بحجز عقاري دون إمكانية الدفع بمقتضيات الفصل 87 من ظ ت ع السابق الذكر.
ومن الإشكالات التي تثار في هذا الصدد أيضا ما يتعلق بإمكانية عقل العقار بالتخصيص[79] في حالة الاستيلاء عليه نظرا لطبيعته الخاصة، وهذه الإشكالية تجد أساسها في الاختلاف بين المشرع والقضاء في تحديد مفهوم العقار بالتخصيص، فإذا كان المشرع قد اشترط لاعتبار المنقول عقارا بالتخصيص أن يكون المنقول والعقار لمالك واحد بغض النظر عن كون الحائز يحوز بصفة قانونية أم لا وأن يكون مخصصا لخدمة عقار بصفة دائمة، فإن القضاء لا يساير هذا التوجه التشريعي ذلك أنه في الحالة التي يتم فيها سرقة عقار بالتخصيص مثل جرار أو آلة حصاد أو أي منقول مرتبط بالأرض فإنه لا يتم تكييف هذا الفعل على أساس أنه انتزاع عقار من حيازة الغير بالنظر للعقوبة الهزيلة التي حددها المشرع في الفصل 570[80] من م ق ج وإنما يعمل على متابعة المعني بالأمر بجرائم السرقة[81]، بمعنى أن القضاء ينزل العقار بالتخصيص منزلة المنقول في حالة انتزاعه رغم توفر الشرطين السابقين فيتابع الشخص بجريمة السرقة التي تنصب على المنقولات القابلة للتحويل ولا يتابعه بجريمة انتزاع عقار من حيازة الغير التي تنصب على العقارات ولو كانت عقارات بالتخصيص.
وهنا تبرز الإشكالية باعتقادنا، فإذا سايرنا التوجه التشريعي الذي يفرض متابعة الشخص بجريمة انتزاع عقار من حيازة الغير -باعتبارها جريمة تنصب على العقارات- في حالة الاستيلاء على عقار بالتخصيص فإنه يمكن عقل هذا الأخير باعتبار العقل لا يرد إلا على العقارات بكافة أنواعها دون المنقولات، أما إذا سايرنا التوجه القضائي الذي ينزل العقار بالتخصيص منزلة المنقول في حالة الاستيلاء عليه فإن القول بإمكانية عقل العقار يكون من قبيل التناقض إذ لا يجتمع أن يتابع الشخص بجريمة السرقة الواردة على المنقولات وفي نفس الوقت يتم إصدار الأمر بالعقل الذي ينصب فقط على العقارات بما فيها العقار بالتخصيص.
كذلك، فالعقل يمكن أن يرد على الحقوق العينية سواء كانت أصلية أو تبعية كما هي محددة في مدونة الحقوق العينية في المادتين 9[82] و10[83]، وهكذا يمكن أن ينصب العقل على حق الانتفاع أو حق العمرى أو حق الاستعمال أو حق الكراء الطويل الأمد أو حق السطحية أو حق الزينة أو حق الهواء والتعلية، أما فيما يتعلق بحق الحبس فإنه إذا كان الوقف معقبا[84] حسب مدونة الأوقاف[85] فإنه يمكن عقله[86].
والدليل على إمكانية عقل الحقوق العينية أن المشرع في المواد المعدلة بمقتضى القانو18-32 ربط بين العقل والجرائم الماسة بحق الملكية العقارية، هذه الأخيرة تحمل معنى واسعا، فهي تشمل جميع جرائم الاعتداء على الحقوق العقارية بما فيها الحقوق العينية سواء كانت أصلية أو تبعية[87].
ومن أمثلة عقل الحقوق العينية، أن يعمد شخص إلى تزوير مستند يثبت حق انتفاع لشخص معين على عقار ما فيجعل نفسه بواسطة ذلك التزوير صاحب ذلك الحق في الانتفاع، ففي مثل هذه الحالة يمكن عقل الحق العيني من طرف الجهات القضائية المختصة.
غير أن عقل الحقوق العينية قد يطرح إشكالا عندما يرد على حق عيني محدد المدة مثل حق الكراء الطويل الأمد أو حق الانتفاع بحيث ينتهي الحق والعقل لا زال ساريا فيصبح العقل منعدم المحل، وطالما أن العقل لا يمكن أن ينصب على العدم فإنه في هذه الحالة ينقضي بشكل تلقائي بانتهاء مدة الحق العيني المعقول.
2-العقارات غير القابلة للعقل
إذا كان المبدأ أن مختلف العقارات قابلة للعقل إلا أن هنالك مجموعة من الاستثناءات التي ترد على هذا المبدأ والمتمثلة في بعض أنواع الأملاك العقارية التي لا يمكن عقلها نظرا لطبيعتها الخاصة حتى ولو كانت موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية، ما دام أن العقل الوارد في القانون 18-32 لا ينصب إلا على الملكية العقارية الخاصة فقط دون غيرها.
وهكذا فإنه لا يمكن عقل أملاك الدولة العامة باعتبارها أراض مخصصة للاستعمال العام يعهد أمر إدارتها وتسييرها إلى الدولة ومصالحها ولا يمكن أن تكون هذه الأملاك موضوع أي تفويت أو تصرف[88]، ومن أمثلتها الشواطئ والموانئ والطرق وكل ما هو موضوع لخدمة العموم، فطالما أن هذه الأملاك تعود ملكيتها للدولة وغير قابلة للتفويت أو التصرف فيها فلا حاجة إلى عقلها على اعتبار أن الأثر الذي سيترتب عن العقل والمتمثل في منع التصرف هو خاصية ملازمة لهذا النوع من الأملاك.
كذلك تستثنى من نطاق العقل أملاك الدولة الخاصة، على الرغم من أن الدولة تبيح استغلالها للأفراد أو تمليكها لهم بالبيع، فهذه الأملاك وإن كانت قابلة للتصرف فيها من طرف الدولة إلا أنها تبقى غير قابلة للعقل لأنها ملكيتها تعود إلى الدولة، لكن إذا نقلت ملكيتها إلى الخواص عن طريق البيع أو نحوه فإن هذه الأملاك تخرج من نطاق أملاك الدولة الخاصة وتصبح ملكا خاصا، وآنذاك يمكن عقلها متى كانت موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأراضي الموات مستثناة من العقل هي الأخرى ولو تم الاستيلاء عليها على اعتبار أنها تندرج ضمن أملاك الدولة، وهذا ما تؤكده المادة 222 من م ح ع التي جاء فيها “الأراضي الموات التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة ولا يجوز وضع اليد عليها إلا بإذن صريح من السلطة المختصة طبقا للقانون.”.
أيضا، لا يشمل العقل أراضي الجماعات السلالية ولو كان المشتكى به واضعا يده عليها، على اعتبار أنها أراض تعهد وصايتها إلى السيد وزير الداخلية وهي مملوكة للجماعات السلالية وتتميز بكونها غير قابلة للتقادم ولا الحجز ولا البيع إلا للجهات المستثناة قانونا (الجماعات المحلية، المؤسسات العمومية، الجماعات السلالية التي يمكنها اقتناء هذه الأراضي)[89]، وحتى عند تفويتها إلى هذه الجهات فإنها تظل غير قابلة للعقل لأنها لا تصبح بمقتضى هذا التفويت ملكية عقارية خاصة.
كما لا يمكن أن ينصب العقل على أراضي الكيش أو الجيش، وهي أراض فلاحية أو قابلة للفلاحة أو مراع تستغل على وجه الشياع بين أفراد القبائل أو العشائر التي كانت مكلفة بحماية بعض الثغور أو بعض المناطق في المغرب مقابل خدماتهم العسكرية التطوعية لفائدة الدولة[90]، ومرد عدم قابلية أراضي الجيش للعقل يعود إلى كونها في ملكية الدولة حيث تخضع لوصايتها ممثلة في مديرية الأملاك المخزنية، كما أن هذه الأراضي غير قابلة للتفويت بطبيعتها وإنما يقتصر الأمر على الانتفاع بها من طرف الجماعات القبلية، ومن تم فلا حاجة إلى عقلها إذا تم الاستيلاء عليها إذ لا يسع المستولي أن يفوتها أصلا.
وإذا كان أهم ما يميز الأراضي السلالية وأراضي الكيش وأملاك الدولة العامة أنها لا تكتسب بالتقادم ولا تقبل التفويت أو الحجز، فقد يطرح تساؤل مهم مفاده: هل يمكن تطبيق قاعدة “كل ما لا يقبل حجزه لا يقبل عقله ” أم لا؟
الواقع أن هناك فراغا تشريعيا في هذا الصدد ذلك أن النص القانوني لا يسعف في الإجابة على هذا التساؤل لغموض مقتضيات العقل من جهة وغياب نص قانوني يوضح بشكل صريح إمكانية عقل أراضي الجماعات السلالية وأراضي الكيش وأملاك الدولة العامة، لكن على الرغم من ذلك يمكن القول إنه يمكن إعمال القاعدة السابقة لأن المشرع المغربي استثنى هذه الأملاك من نطاق الحجز وبذلك يكون من الأرجح استثناؤها أيضا من نطاق العقل تطبيقا لمبدأ القياس إذ لا يعقل أن تستثنى من نطاق الحجز دون العقل[91].
وبطبيعة الحال فإنه لا يمكن إيقاع العقل على الأماكن الدينية وأماكن ممارسة الشعائر الدينية من قبيل المساجد والزوايا والأضرحة والمقابر فهي لا تقبل العقل نظرا لطبيعتها الدينية، رغم أن المشرع لم يحدد ذلك بنص قانوني صريح إلا أننا إعمالا بالقياس على عدم جواز إيقاع الحجز عليها فإنه بالمقابل لا يمكن أن ينصب عليها العقل، ونفس الشيء يقال بالنسبة للأملاك الوقفية والموقوفة وقفا عاما[92].
ب-أن يتعلق الأمر بجريمة ماسة بحق الملكية العقارية
لا يكفي أن يكون العقار قابلا للعقل من أجل إصدار الأمر بعقله بل لا بد بالإضافة إلى ذلك أن يكون العقار موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية طبقا لمقتضيات القانون 18-32.
وقد أحجم المشرع المغربي عن بيان المقصود بـ “الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية” التي تخول عقل العقار موضوع هذه الجرائم واكتفى بإيراد هذه العبارة في الفصول المعدلة، ولعل استعمال المشرع لهذه العبارة التي تحمل معنى واسعا وفضفاضا يفيد أنه أطلق الإمكانية لإصدار الأمر بالعقل في كل جريمة من جرائم الاعتداء على الحق العقاري[93].
لكن على الرغم من ذلك يمكن القول إن الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية هي كل فعل مجرم بمقتضى القانون الجنائي سواء كان جناية أو جنحة أو مخالفة من شأنه أن يمنع أو يحرم مالك العقار وأصحاب الحقوق المترتبة عليه من مباشرة حقوقهم على نحو ما كان يمكنهم أن يفعلوا في الحالة الطبيعية.
وفي ظل ندرة التطبيق القضائي لمقتضيات القانون 18-32 من طرف الجهات القضائية المختصة بإصدار العقل يصعب الوقوف على التفسير القضائي لمفهوم الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية، غير أنه من بين القرارات القضائية القليلة التي صدرت في هذا الصدد نجد القرار القاضي بعقل العقار طبقا للقانون 18-32 الصادر عن غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بناء على الطلب الشفوي الذي تقدم به المطالب بالحق المدني للمحكمة والرامي إلى عقل العقار موضوع القضية وذلك حفاظا على حقوقه باعتباره مالكا لذلك العقار، حيث جاء في نص القرار ما يلي:
“وحيث إن الطلب قدم في إطار مقتضيات المادة 299 و366 من ق م ج المغير والمتمم بمقتضى القانون 18-32.
وحيث إن المتهم متابع بارتكابه جنايتي التزوير في محرر رسمي واستعماله، وجنحتي التزوير في محرر رسمي واستعماله طبقا للفصول 354 و358 و359 من م ق ج والفصل 104 من ظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12-08-1913.
وحيث إن الجرائم المتابع بها المتهم تمس بحق الملكية العقارية.
وحيث ما دام الأمر يتعلق بجرائم تمس بحق الملكية العقارية فإنه يتعين في هذه الحالة الأمر بعقل العقار ذي الرسم عدد 47/68233.”[94].
وبذلك يلاحظ أن المشرع المغربي يجيز إصدار الأمر بعقل العقار سواء تعلق الأمر بجناية أو جنحة ماسة بحق الملكية العقارية، ومن أمثلة هذه الجرائم جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير طبقا لمقتضيات الفصل 570 من م ق ج، وكذا جريمة التزوير في المحررات الرسمية أو العرفية واستعمالها وغيرها، وما دام أن المشرع لم يحدد الجرائم التي تخول عقل العقار فإن الجهات القضائية المختصة تبقى لها سلطة تقديرية واسعة في تحديد ما إذا كانت الجريمة ماسة بحق الملكية العقارية وبالتالي تستوجب عقل العقار موضوع تلك الجريمة أم لا، كما جاء في القرار القضائي سالف الذكر.
غير أنه بالرجوع إلى كلمة السيد وزير العدل بمناسبة تقديم مشروع القانون 18-32 بتتميم وتغيير بعض مقتضيات ق م ج أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين والتي جاء فيها ما يلي: “… تم إعداد مشروع هذا القانون رقم 18-32 الذي يعطي الحق للسلطات القضائية المختصة لاتخاذ قرار عقل العقار موضوع الاستيلاء والمنع من التصرف فيه إلى حين البت في الدعوى العمومية المتعلقة بالتزوير أو الاستيلاء…”، نجد أن فلسفة المشرع من وراء إصدار القانون 18-32 تتجلى بالأساس في التصدي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير وجرائم التزوير.
ولا ينبغي الاعتقاد أن إصدار الأمر بعقل العقار يقتضي أن تكون الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية واقعة بالفعل، إذ أن الحكم أو القرار الصادر في الدعوى العمومية قد يقضي بأن الجريمة غير قائمة أصلا لعدم توفر أحد أركانها لكن رغم ذلك يكون العقار قد تم عقله من قبل في مرحلة البحث أو التحقيق الإعدادي أو المحاكمة، مما يعني أن عقل العقار يستلزم أن يكون موضوع الدعوى العمومية جريمة ماسة بحق الملكية العقارية بغض النظر عما إذا كان الحكم أو القرار سينتهي إلى أن الجريمة قد وقعت بالفعل أو لم تقع.
وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة الاعتداء المادي للإدارة على العقار عن طريق الاستيلاء غير المشروع عليه دون قيامها باتباع الإجراءات القانونية اللازمة ودون الحصول على إذن من المالك وغير ذلك من أوجه الاعتداء[95] فإن ذلك لا يعتبر مبررا لعقل العقار المستولى عليه، لأن هذا الإجراء مرتبط بارتكاب إحدى الأفعال الإجرامية الماسة بحق الملكية العقارية المعاقب عليها في القوانين الزجرية كشرط لتطبيقه، وهو وما يتعارض واعتبار الدولة شخصا معنويا[96]، وحيث إنه لا يمكن مساءلة الدولة جنائيا فإن فعل الاعتداء المادي من قبلها لا يتخذ طابعا جرميا، وبالتالي لا يتصور عقل العقار في هذه الحالة ما دامت الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية غير قائمة أصلا.
في ختام حديثنا عن شروط إصدار الأمر بعقل العقار لا بد من التأكيد على ملاحظة مهمة مفادها أن المشرع المغربي وإن كان يشترط لإصدار الأمر بعقل العقار أن يكون هذا الأخير من صنف العقارات القابلة للعقل وأن يكون موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية، فإنه قد خول للجهات القضائية سلطة واسعة في تقدير تحقق هذين الشرطين من عدمهما، وحتى عند تحققهما فإن المشرع المغربي لم يلزم تلك الجهات بعقل العقار وإنما ترك لها سلطة تقديرية واسعة في ذلك تبعا للظروف الموضوعية لكل قضية، غير أن عدم الإلزامية وإن كان له وجه إيجابي يتمثل في فسح المجال أمام الجهات المختصة لإيقاع العقل كلما تبين لها جدوى ذلك بما يحفظ في جميع الأحوال حق الملكية العقارية، إلا أن له وجها سلبيا خاصة في حالة تقاعس الجهات القضائية المخول لها صلاحية إصدار الأمر بعقل العقار عن القيام بهذه الإجراء رغم الحاجة الملحة إليه في بعض الأحيان مما قد يؤدي إلى الإضرار بذوي الحقوق[97].
المطلب الثاني: آثار الأمر الصادر بعقل العقار
إذا كان هدف المشرع المغربي من وراء استحداث إجراء عقل العقار بمقتضى القانون 32-18 هو توفير الحماية الجنائية للعقار موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية خاصة في شقها المسطري والإجرائي فإن تحقق هذا الهدف رهين بما يترتب عن إجراء العقل من آثار قانونية من شأنها أن تعمل على حماية حق الملكية العقارية.
لذلك، فإن أهم ما يعطي للأمر بعقل العقار أهميته سواء من الناحية القانونية أو الواقعية هو ذلك الأثر القانوني الذي يترتب عن إصداره والمتمثل في منع التصرف في العقار المعقول طيلة مدة العقل حيث يكون كل تصرف تبرعا أو بعوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر[98].
مع العلم بأن هذا الأثر لا يقتصر فقط على التصرفات العقارية التي ترد على العقار المعقول وإنما يمتد إلى الغير في بعض الحالات التي قد يؤثر فيها العقل على حقوق هذا الغير التي لها علاقة بالعقار محل العقل.
تأسيسا على ما سبق، فإن الإحاطة بآثار الأمر الصادر بعقل العقار تتطلب بيان آثاره على التصرفات العقارية (الفقرة الأولى) ثم تحديد آثاره بالنسبة للغير (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: آثار الأمر الصادر بعقل العقار على التصرفات العقارية
نص المشرع المغربي على الأثر المترتب عن عقل العقار في المواد 40 و49 و104 و299 من ق م ج، حيث نصت الفقرة الحادية عشر من الفصل 40 من ق م ج مثلا على أنه “يترتب عن الأمر الصادر بالعقل منع التصرف في العقار طيلة مدة سريان مفعوله، ويكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر…”، وهو نفس الأثر الذي أشارت إليه باقي المواد السالفة الذكر.
ومن هنا، يمكن القول إن المشرع رتب عن إصدار الأمر بعقل العقار منع جميع التصرفات العقارية التي يمكن أن تنصب على العقار المعقول موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية حيث يكون كل تصرف عوضي أو تبرعي مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر، وذلك سواء صدر الأمر بالعقل عن رئيس المحكمة الابتدائية (الفصل 40 من ق م ج) أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف (الفصل 49 من ق م ج) أو قاضي التحقيق (الفصل 104 من ق م ج) أو الهيئة القضائية (الفصل 299 من ق م ج).
وعلى الرغم من أن العقل يقيد حق التصرف في العقار باعتباره عنصرا من عناصر حق الملكية فإن المشرع لم يبين بوضوح ما إذا كان العقل يمنع التصرف بنوعيه أي سواء كان ماديا أو قانونيا[99] أم يقتصر على هذا الأخير فقط، والذي نعتقده أن المشرع يقصر أثر العقل على التصرف القانوني الذي يؤدي إلى تغيير في المركز القانوني للعقار المعقول بتفويته إلى الغير ولا يقصد التصرف المادي، والدليل على ذلك أن المشرع استعمل في النصوص السالفة الذكر عبارة “ويكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر”، ومن المعلوم أن التصرفات التي قد تكون عوضية أو غير عوضية هي التصرفات القانونية فقط كالبيع أو الهبة بينما لا يتصور ذلك في التصرفات المادية من قبيل إصلاح العقار أو تحويل صورته تحويلا نهائيا.
إذن فالمقصود بالمنع من التصرف هنا هو المنع من تفويت العقار المعقول إلى الغير أي منع نقل ملكيته وإخراجها إلى الغير بعوض أو بغير عوض، وبمقتضى ذلك لا يجوز أن يكون العقار المعقول موضوع مجموعة من التصرفات العقارية سواء كانت بعوض كالبيع أو المقايضة أو بدون عوض كالصدقة أو الهبة على اعتبار أن هذه التصرفات العقارية تؤدي إلى تفويت العقار إلى الغير ونقل ملكيته.
وقد يثار التساؤل حول ما إذا كان العقل يمنع من استعمال العقار واستغلاله كما يمنع التفويت أم أنه مانع للتفويت فقط دون الاستعمال والاستغلال؟
جوابا على ذلك، فإن المواد المشار إليها سلفا لا تتحدث عن منع الاستعمال والاستغلال وإنما تشير فقط إلى منع التصرف وبطلان التصرفات الواردة على العقار موضوع العقل، لذلك فإن قراءة هذه المواد لا تسعف في القول بمنع الشخص من استعمال العقار أو استغلاله بصفة شخصية أو بواسطة الغير كإكرائه أو رهنه أو غير ذلك، وذلك لأن المشرع لم ينص على منع الاستعمال أو الاستغلال ولو أراد ذلك لنص عليه صراحة، ولأن التفويت الذي يؤدي إلى نقل الملكية هو الممنوع وحده بنصوص القانون ولأن الاستعمال لا يؤول إلى نقل الملكية، والاستغلال كعنصر ثان من عناصر حق الملكية لا يؤدي إلى نقلها أيضا، ولأن القول بمنع الاستعمال والاستغلال فيه قياس على المنع من التصرف، وما دام أن القياس لا يجوز في المادة الجنائية إلا إذا كان لمصلحة المتهم فإنه يمكن القول إن العقل يمنع التفويت فقط دون الاستعمال والاستغلال[100].
استنادا إلى ذلك، فلا مانع يمنع الشخص من القيام بكل ما يدخل في دائرة استعمال واستغلال العقار المعقول، فله أن يستعمله عن طريق السكن فيه إذا تعلق الأمر بمنزل أو حرثه إذا تعلق الأمر بأرض فلاحية…، وله أن يستغله عن طريق كرائه أو رهنه أو جني ثماره وغير ذلك.
غير أن اقتصار العقل على منع التفويت دون منع الاستعمال والاستغلال يطرح عدة إشكالات من الناحية العملية، فقد يعمد المتهم إلى إثقال العقار وإرهاقه بتكاليف تبدو في بدايتها عادية غير أنها تؤول في الأخير إلى نقل ملكية العقار ومن ذلك رهنه رهنا رسميا أو إثقاله ببعض الديون العادية التي تؤول في نهايتها إلى مساطر تحقيق الرهون أو إنفاذ الحجوز وبيع العقار تحايلا على مسطرة عقل العقار[101].
كما يلاحظ أن المشرع المغربي استعمل صيغة العموم بشأن الأشخاص الذين يسري عليهم المنع من التصرف، وهو ما يدفع إلى التساؤل: هل المنع من التصرف أو غل اليد يهم المشتكى به فقط أم أي شخص يملك حقا على العقار؟
في الحقيقة، إن فلسفة المشرع وغايته من هذه المسطرة تتمثل في منع التصرف في العقار إلى أن يحكم في الدعوى العمومية المثارة في وجه المتابع، مما يفيد بأن المنع من التفويت كأثر للعقل يسري على الجميع وليس على المشتكى به وحده، كما أن المقتضيات التشريعية في هذا الصدد جاءت عامة، ولا يمكن تخصيص العام إلا بدليل وأمام غياب هذا الدليل فينبغي التمسك بقاعدة التفسير الضيق للنصوص الجنائية وحمل النص على ظاهره، وبالتالي فالمنع لا يقتصر على المشتكى به وإنما يشمل الجميع بما فيهم المالك وأصحاب الحقوق المترتبة على العقار[102].
ومن جملة التصرفات التي ترد على العقار المعقول والتي يمكن أن تطرح إشكالا ما يتعلق بإمكانية تقديمه كحصة عينية[103] في شركة، ولعل الحسم في هذا الإشكال -في نظرنا- يرتبط بما إذا كان العقار المعقول سيقدم كحصة في شركة على سبيل التمليك أم على سبيل الانتفاع.
فإذا تعلق الأمر بتقديم العقار المعقول على سبيل التمليك أي إخراجه من ذمة الشريك المالك بحيث يصبح ملكا للشركة ويدخل في الضمان العام لدائنيها، فإن تقديمه في هذه الحالة غير ممكن على اعتبار أن العقل يمنع تفويت العقار ونقل ملكيته إلى أي كان بما في ذلك الشركات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فعلى اعتبار أن تقديم الحصة العينية على سبيل التمليك شبيه إلى حد كبير بعقد البيع[104]، وطالما أن العقل يمنع بيع العقار المعقول فإنه بالقياس على ذلك يمنع تقديمه كحصة في شركة على سبيل التمليك.
وعلى خلاف ذلك، يمكن تقديم العقار المعقول كحصة في شركة على سبيل الانتفاع، ذلك أن هذا الشكل من تقديم الحصة العينية يدخل في نطاق استغلال المالك لعقاره ولا ينقل ملكية العقار المعقول إلى الشركة بل يظل الشريك هو المالك الحقيقي له ويقتصر حق الشركة على مجرد الانتفاع به طيلة مدة الشركة، ومن أمثلة ذلك أن يضع الشريك تحت تصرف الشركة العقار المعقول الذي يملكه لاستخدامه في أغراضها، كما أن تقديم الحصة العينية على سبيل الانتفاع يقترب إلى حد كبير من عقد الكراء[105]، وطالما أن العقل لا يمنع كراء العقار المعقول فإنه بالقياس لا يمنع تقديمه كحصة في شركة على سبيل الانتفاع.
وتبعا لذلك، فإذا كان العقار المعقول الذي سيقدم كحصة في شركة محفظا فإنه ينبغي على المحافظ على الأملاك العقارية الامتناع عن تقييد هذا التصرف في الرسم العقاري إذا كان العقار المعقول مقدما على سبيل التمليك على اعتبار أن تقييد العقل سابقا يمنع مثل هذا التقييد الناقل للملكية، أما إذا تم تقديمه على سبيل الانتفاع فلا مانع يمنع من تقييده في الرسم العقاري على الرغم من كونه مسبوقا بتقييد العقل.
وفي نفس السياق، يطرح إشكال آخر يتعلق بإمكانية نزع ملكية عقار معقول من أجل المنفعة العامة، فإذا كان يترتب عن العقل منع التصرفات الناقلة للملكية بينما يترتب عن مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة نقل ملكية العقار المنزوعة ملكيته إلى الجهة النازعة، فهل يعني هذا أنه لا يمكن نزع ملكية عقار معقول لأجل المنفعة العامة؟[106]
ونعتقد أن الإجابة على هذا التساؤل تقتضي منا الرجوع في هذا الصدد إلى القانون رقم 18-7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت[107]، حيث إن المشرع حدد على سبيل الحصر في هذا القانون العقارات التي لا يمكن نزع ملكيتها لأجل المنفعة العامة ولم يذكر من بينها العقارات المعقولة ما يفيد أنها ليست مستثناة من هذه المسطرة، فقد نص الفصل 4 من القانون المذكور على أنه “لا يجوز نزع ملكية المباني ذات الصبغة الدينية المعدة لإقامة مختلف الشعائر وكذا المقابر والعقارات التابعة للملك العام والمنشآت العسكرية”.
كما يمكن الاستدلال على إمكانية نزع ملكية العقارات المعقولة من أجل المنفعة العامة بمقتضيات الفصل 37 من نفس القانون، والذي أكد على أنه يترتب عن إيداع الحكم بنقل الملكية لدى المحافظة العقارية تخليص العقار من جميع التحملات المرتبطة به -بما فيها من العقل- حيث جاء في هذا الفصل ما يلي “… إيداع الحكم بنقل الملكية لدى المحافظة العقارية يترتب عليه في تاريخ الإيداع المذكور تخليص العقارات المعنية من جميع الحقوق والتحملات التي قد تكون مثقلة بها…”.
ومن وجهة نظرنا، نرى أن هناك سببا آخر يجيز هذه الإمكانية والمتمثل في كون عقل العقار إجراء قرر لحماية مصلحة خاصة تتمثل في حماية حق المالك في الملكية العقارية[108]، في حين أن مسطرة نزع الملكية قررت من أجل المنفعة العامة، وعلى اعتبار أنه لا يسوغ أن تقف المصلحة الخاصة في وجه المنفعة العامة فإنه لا يمنع كون العقار معقولا من نزع ملكيته من أجل المنفعة العامة.
الفقرة الثانية: آثار الأمر الصادر بعقل العقار على الغير
لا تترتب عن العقل آثار قانونية على التصرفات العقارية التي ترد على العقار المعقول فحسب، وإنما قد تترتب عنه مجموعة من الآثار التي تطال الغير بحيث تؤثر على بعض من حقوقه ومصالحه المتعلقة بالعقار المعقول.
ومما تجدر الإشارة إليه بداية أن مفهوم الغير يعتبر من المفاهيم الأكثر تعقيدا في التشريع المغربي ذلك أنه بالرغم من كثرة استعمال المشرع لهذا المصطلح إلا أنه لا يقصد به دائما نفس الأشخاص[109]، وهذا التعقيد يمتد إلى مفهوم الغير في إطار أحكام عقل العقار في القانون 32-18، فالمشرع لم يكلف نفسه عناء تحديد المقصود بالغير في هذا الصدد مما يطرح صعوبة في حصر هذا المفهوم.
لكن على الرغم من ذلك، نرى أن المقصود بالغير في إطار أحكام عقل العقار كل شخص من غير المشتكي والمشتكى به تكون بينه وبين أحدهما علاقة قانونية ترتبط بالعقار المعقول فتجعل له مصلحة في التمسك بحقه الذي قد يترتب عن هذه العلاقة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك المشتري الذي يبرم عقد البيع من أجل أن تنتقل إليه ملكية العقار المعقول.
على أن آثار عقل العقار على الغير تثير مجموعة من الإشكالات خاصة إذا كان العقار المعقول محفظا نظرا لأن هذا النوع من العقارات يقتضي ضرورة تقييد جميع التصرفات المتعلقة بالعقار، فالحق الذي يتم تقييده يصبح موجودا وثابتا والحق الذي لم يقيد يبقى مؤرجحا بين الوجود والانعدام إلى أن يتم تقييده بالرسم العقاري[110].
وهذا ما يخلق عدة إشكالات من الناحية العملية ترتبط -في نظرنا- بكيفية تعاقب الأحداث التالية: تفويت العقار وصدور الأمر بالعقل وتقييد كل من التفويت والعقل في الرسم العقاري، وهو ما يخلق ثلاث فرضيات محتملة ارتأينا تناولها كالتالي:
الفرضية الأولى: يتعلق الأمر بالحالة التي يقوم فيها الشخص بارتكاب جريمة ماسة بحق الملكية العقارية كانتزاع الحيازة أو التزوير ثم يعمد إلى تفويت العقار إلى الغير وتقييد التصرف في الرسم العقاري قبل صدور الأمر بعقله.
ففي هذه الحالة لا يؤثر العقل على التصرف الذي تم تقييده وذلك لأن المشرع قصر أثر العقل المتمثل في منع وبطلان التصرف على المرحلة المستقبلية التي تلي إصدار الأمر بالعقل بحيث يمتد أثره فقط من تاريخ صدوره إلى تاريخ رفعه أو صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به وليس من تاريخ وقوع الجريمة، بمعنى أنه ليس لعقل العقار أثر رجعي فلا يؤثر على التفويتات السابقة لصدوره، ومن ثم فإن حق المفوت إليه المقيد سابقا لا يتأثر بالعقل[111].
غير أن هذا التقييد يبقى خاضعا للقواعد المتعلقة بحجية التقييدات في الرسوم العقارية حيث أنه يمكن المطالبة بإلغائه إذا تم بسبب تدليس أو زور وذلك داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو التشطيب عليه إعمالا لقاعدة ما بني على باطل فهو باطل[112] حسب مقتضيات المادة 2 من م ح ع التي نصت على ما يلي: “إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية ولا يمكن أن يلحق به أي ضرر إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه.”.
والرأي فيما نعتقد أنه كان حريا بالمشرع المغربي أن يجعل عقل العقار ذا أثر رجعي يمتد من تاريخ وقوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية بحيث يبطل التفويتات التي تمت في الفترة الممتدة من تاريخ وقوع الجريمة إلى حين إصدار الأمر بالعقل تفاديا لكل تحايل على مسطرة العقل على اعتبار أن إغفال التنصيص على الأثر الرجعي للعقل هو تشجيع غير مباشر للمستولين على العقارات على المسارعة إلى تفويتها إلى الغير قبل صدور الأمر بعقلها، وإن كان يمكن تبرير موقف المشرع بهذا الخصوص برغبته في ضمان استقرار المعاملات.
الفرضية الثانية: مفادها أن يقوم المالك بتفويت العقار المحفظ إلى الغير لكن قبل تقييد هذا التصرف في الرسم العقاري تقع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية يتم على أساسها إصدار الأمر بعقله ويتم تقييد هذا العقل في الرسم العقاري، فهنا قد يطرح السؤال عما إذا كان يمكن للمفوت إليه أن يتمسك بحقه الذي سينتقل إليه بمقتضى التفويت رغم أنه لم يقيد في الرسم العقاري بحجة أن التصرف سابق على صدور الأمر بالعقل؟
الحقيقة أنه لا يمكن للمفوت إليه التمسك بحقه في هذه الحالة على اعتبار أن الحقوق لا تثبت على العقارات المحفظة من طرف المفوت إليه إلا بتقييدها في سجلات المحافظة على الأملاك العقارية، لذلك فإن العقار لا يزال في حكم القانون في ذمة المالك[113] طالما أنه لم يتم القيام بعملية التسجيل، فالعبرة ليست بوقوع التفويت وإنما العبرة بتقييده استنادا إلى الفصل 67 من ظ ت ع الذي نص على ما يلي: “إن الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية، الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه، لا تنتج أي أثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ التقييد بالرسم العقاري، دون الإضرار بما للأطراف من حقوق في مواجهة بعضهم البعض وكذا بإمكانية إقامة دعاوى فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ اتفاقاتهم.”، وهو نفس الأمر الذي يؤكده الاجتهاد القضائي[114].
وبناء على ذلك نستنتج أنه لا يمكن تقييد حق المفوت إليه في الرسم العقاري إذا تم تقييد العقل ولو كان التفويت سابقا لصدور الأمر بالعقل.
بيد أنه ليس هنالك ما يمنع المفوت إليه من أن يطلب إجراء تقييد احتياطي على العقار المحفظ محل العقل حماية لحقه وحفظا لرتبته في حالة انقضاء العقل، عملا بمقتضيات الفصل 85 من ظ ت ع الذي أكد على أنه “يمكن لكل من يدعي حقا على عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا للاحتفاظ به مؤقتا.”، وهكذا فإذا تم رفع العقل يتحول هذا التقييد الاحتياطي إلى تقييد نهائي ويصبح المفوت إليه بمقتضى ذلك مالكا للعقار[115].
الفرضية الثالثة: ترتبط بالحالة التي يتراخى فيها تقييد العقل في الرسم العقاري بعد صدوره، وأثناء ذلك يتم تفويت العقار إلى الغير ويتم تقييد التفويت في الرسم العقاري قبل تقييد العقل، وهنا يثار التساؤل حول إمكانية الدفع بمقتضيات الفصل 66 من ظ ت ع الذي ينص على أن “كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده، وابتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية. لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة.”.
فمن المعلوم أن التقييدات بالسجلات العقارية لها قوة ثبوتية في مواجهة الغير حسن النية حيث يفترض بالنسبة لهذا الغير أن التقييد صحيح ويكون هذا الافتراض ذا طبيعة مطلقة بحيث لا يمكن التمسك بأي حال من الأحوال بالإبطال أو التغيير اللاحق للتقييد في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية ولا يمكن أن يلحق به هذا الإبطال أو التغيير أي ضرر[116].
لكن رغم ذلك فإنه لا مجال للاحتجاج بمقتضيات الفصل 66 من ظ ت ع لأن مجال تطبيقه ليس في باب تدابير العقل طالما أن هذا الأخير إجراء تحفظي وليس حقا عينيا وجب تقييده بالرسم العقاري، كما أن حسن نية الغير لا يمكن أن يصحح سوء النية لدى المتهم المتعاقد مع الغير ولا أن يصحح البطلان الذي أشار إليه المشرع عند حديثه عن آثار العقل المانع لكل تفويت والمبطل لكل تصرف والدافع لكل ما يمكن أن يثار من حسن نية المتعاقد الآخر، وعلى هذا فإن كل تفويت في العقار موضوع العقل باطل بمجرد صدور الأمر بالعقل ولو لم يتم تقييده وإشهاره بالرسم العقاري[117].
بالإضافة إلى ذلك، فقد نص المشرع على أثر العقل بموجب نص خاص ما يعني أنه لا يمكن إخضاعه للمبادئ العامة التي تقتضي ضرورة تقييده ذلك أنه بالرجوع إلى فصول ق م ج المعدلة بمقتضى القانون 18-32 يتضح أن المشرع رتب البطلان كجزاء لكل تفويت جاء بعد الأمر الصادر بالعقل ومن تم فما دام التفويت باطلا ومن تم معدوما بنص القانون فتقييده ليس من شأنه أن يصححه أو أن يوجده، ذلك أن ما بني على باطل فهو باطل كما أن العدم لا يمكن أن ينشئ أثرا ولا أن يصحح باطلا[118].
والذي نعتقده أن المشرع لو خول للغير المقيد بحسن نية أن يحتج بحسن نيته فإن ذلك سيؤدي إلى إفراغ العقل من محتواه وتجريده من وظيفته إذ سيكون بإمكان المستولي تفادي الأُثر المترتب عن عقل العقار بتفويته إلى الغير حسن النية، وهو ما يعتبر بمثابة تشجيع له على تفويته إلى هذا الغير مما سيؤدي إلى الإضرار بحق الملكية العقارية بدل حمايته.
كذلك، فإنه لا يمكن للغير حسن النية أن يتمسك بقاعدة “الأسبق قيدا الأسبق حقا” المنصوص عليها في الفصل 77[119] من ظ ت ع، ذلك أن هذه القاعدة تطبق فقط عنما يتعلق الأمر بتقييد الحقوق المتعلقة بالعقار الواحد ولا تشمل العقل باعتباره إجراء تحفظيا وليس حقا عينيا، لذلك لا يسوغ أن يحتج المفوت إليه بأن تقييد التفويت أسبق من تقييد العقل[120].
لكل هذه الأسباب، فإنه إذا حدث وتم تقييد التصرف بالرسم العقاري قبل تقييد الأمر القضائي الصادر بالعقل أمكن لمن يعنيه الأمر المطالبة ببطلان التصرف وبالتشطيب على القيد بمجرد صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به بخصوص المتابعة من أجل جريمة من الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية[121].
وهكذا يتضح أنه إذا كان العقار المعقول محفظا فإنه يثير مجموعة من الإشكالات التي ترتبط أساسا بضرورة التقييد في الرسم العقاري، غير أن مثل هذه الإشكالات لا تطرح عندما يتعلق الأمر بعقار غير محفظ ذلك أنه بمجرد صدور الأمر بعقله فإنه يمنع كل تفويت إلى الغير ويكون هذا التفويت إن حدث باطلا وعديم الأثر، وبالتالي لا يثبت للغير مع وجود العقل أي حق على العقار المعقول.
وفي هذا السياق، قد يطرح الإشكال بخصوص أثر العقل على ورثة مالك العقار المعقول، فإذا كان العقل يمنع انتقال ملكية العقار وكان الإرث يؤدي إلى انتقال هذه الملكية إلى الورثة، فهل يعني ذلك أن العقل يحول دون انتقال ملكية العقار إليهم؟
والرأي فيما نعتقد أن الجواب على هذه الإشكال يقتضي منا الرجوع إلى المادة 323 من مدونة الأسرة[122] التي نصت على أن “الإرث هو انتقال حق بموت مالكه بعد تصفية التركة لمن استحقه شرعا بلا تبرع ولا معاوضة”، وإسقاطا على موضوعنا فإن الحق الذي ينتقل في هذا الصدد هو حق ملكية العقار المعقول، ومادام أن الإرث ليس تصرفا عوضيا ولا تبرعيا وإنما يرتبط بواقعة مادية هي وفاة الموروث، وحيث إن العقل يمنع فقط التصرفات بعوض أو بدون عوض، فإن الإرث لا يندرج ضمن قائمة هذه التصرفات التي يمنعها العقل ويبطلها، ومن تم فإنه لا يحول دون انتقال الملكية من الموروث إلى الورثة، إذ أن الملكية تنتقل بمجرد الوفاة ولو قبل التقييد في الرسم العقاري[123].
والذي نلاحظه كذلك أن المشرع قد حصر بنص القانون الحالة التي لا تنتقل فيها التركة بشكل عام -بما في ذلك العقار المعقول- إلى الورثة، وهي الحالة المنصوص عليها في الفصل 229[124] من ق ل ع والمتمثلة في رفض الورثة للتركة، ولم يشر المشرع إلى أن العقل أو غيره من الإجراءات الأخرى من شأنها أن تمنع انتقال التركة إلى الورثة.
غير أنه إذا كان العقل لا يمنع من انتقال ملكية العقار المعقول إلى الورثة فإنه يمنعهم مثلما كان يمنع موروثهم من تفويت العقار إلى الغير بعوض أو بدون عوض طالما أن العقل ما زال ساريا بعد موت الموروث، وبذلك يسري أثر العقل على الوارث منذ لحظة انتقال الملكية إليه إلى غاية انقضاء العقل برفعه أو صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، على اعتبار أن القاعدة تقضي بأن شخصية الورثة تعتبر استمرارا لشخصية الموروث[125].
كذلك، قد تتأثر مصالح الدائنين بأوامر عقل العقار المملوك لمدينهم لأن العقار المعقول يعتبر من الضمان العام للدائنين من أجل استيفاء ديونهم[126] عن طريق التنفيذ عليه في حالة عدم سداد المدين لما عليه من ديون.
فقد تصطدم أوامر العقل مع محاضر البيع المتعلقة بالمزاد العلني، لهذا جاء في دورية المحافظ العام[127] ما يلي: “إن تقييد محضر البيع بالمزاد العلني برسم عقاري أو مطلب تحفيظ مثقل بأمر قضائي صادر بالعقل أو التجميد، يتوقف على الإدلاء إليكم بما يفيد رفع العقل من طرف الجهة القضائية”.
وبالتالي فالبيع الجبري يتم تجميده إلى حين رفع العقل وينبغي على المستفيد من إجراء البيع بالمزاد العلني الإدلاء للمحافظة العقارية عند المطالبة بتقييد محضر البيع بالرسوم العقارية بما يفيد رفع ذلك العقل ليتسنى للمحافظ على الأملاك العقارية تقييد ذلك المحضر وفي نفس الوقت تقييد رفع العقل المقيد على نفس العقار. ومن تم فإن العقل مادام ساريا يحرم الدائنين من التنفيذ على العقار المعقول واستخلاص ديونهم من ثمنه إلى حين رفعه أو صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به[128].
بعد أن تحدثنا في هذا المبحث ككل عن ماهية عقل العقار سواء من حيث المقصود به وتمييزه عن غيره من المؤسسات القانونية المشابهة ومن حيث طبيعته القانونية وشروط إيقاعه، ثم تحدثنا كذلك عن آثاره القانونية سواء على التصرفات العقارية أو على الغير، فقد صار لزاما علينا من أجل أن تكتمل الصورة أن نتحدث في المبحث الثاني عن الشق المسطري لإجراء عقل العقار.
المبحث الثاني: مسطرة الأمر بعقل العقار ورفعه
إن تحقيق الحماية الجنائية للعقار على الوجه الأكمل باعتبارها الغاية المرجوة من وراء استحداث إجراء عقل العقار لا يمكن أن يتم إلا بتبني مسطرة فعالة وناجعة تقوم على أساس توسيع دائرة الجهات القضائية والإدارية المتدخلة في إيقاع العقل ورفعه لضمان تنزيل العقل من النصوص القانونية المنظمة له إلى الواقع العملي تنزيلا فعليا وسليما بما يضمن تحقيق الأمن العقاري ما أمكن.
لذلك، فإن أبرز مستجد جاء به القانون 18-32 هو إقراره لمسطرة خاصة بعقل العقار تختلف باختلاف الجهة القضائية التي أمرت به، حيث أعطى المشرع لكل من رئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وقاضي التحقيق والهيئة القضائية المعروض أمامها النزاع صلاحية إصدار الأمر بعقل العقار وفق قواعد مسطرية محددة كلما تعلق الأمر بجريمة ماسة بحق الملكية العقارية تستدعي إصدار الأمر بعقل العقار موضوع هذه الجرائم.
وبالرغم من أن القانون 18-32 لم يشر إلى المسطرة الإدارية لتنفيذ الأوامر الصادرة بإيقاع العقل إلا أن ذلك لا يعني أن هذه المسطرة تتم بمنأى عن الجهات الإدارية التي يتصل مجال عملها بالعقارات وعلى رأسها المحافظة العقارية ومديرية أملاك الدولة، حيث إنها هي الأخرى تلعب دورا مهما في ضمان التنزيل السليم للأوامر الصادرة بإيقاع العقل على أرض الواقع.
وما دام أن عقل العقار هو إجراء وقتي لا غير يتخذ بمناسبة الدعوى العمومية فلا بد له من الانقضاء، وذلك عن طريق رفعه من طرف الجهات القضائية التي قامت بإيقاعه والتي خولها المشرع هذه الصلاحية، أو عن طريق صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
استنادا إلى كل ذلك، فإننا سوف نعالج في هذا المبحث مسطرة إيقاع العقل (المطلب الأول) على أن نتحدث بعد ذلك عن انقضائه (المطلب الثاني)
المطلب الأول: مسطرة إيقاع العقل
إن إيقاع العقل يمر أولا بمسطرة قضائية يمكن خلالها لمن خول لهم القانون ذلك إصدار أوامر بعقل العقارات موضوع الأفعال الإجرامية الماسة بحق الملكية العقارية تبعا لكل مرحلة من مراحل الدعوى العمومية، حيث يمكن أن يصدر الأمر بإيقاع العقل في مرحلة البحث التمهيدي أو التلبسي من طرف رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، أو في مرحلة التحقيق الإعدادي من طرف قاضي التحقيق، أو في مرحلة المحاكمة من طرف الهيئة القضائية.
وبعد صدوره، يتم تنفيذ الأمر بإيقاع العقل بموجب مسطرة إدارية تتدخل فيها كل من المحافظة على الأملاك العقارية التي يتمثل دورها الأساسي في تقييد أوامر العقل، ومديرية أملاك الدولة باعتبارها الجهة المكلفة قانونا بالإشراف على الأموال الموضوعة تحت العقل.
وعلى ذلك، تقتضي الإحاطة بمسطرة إيقاع العقل الحديث عن الجهات القضائية المتدخلة في الأمر بعقل العقار (الفقرة الأولى)، ثم الحديث بعد ذلك عن المسطرة الإدارية لإيقاع العقل (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الجهات القضائية المتدخلة في الأمر بعقل العقار
لقد وسع المشرع المغربي من دائرة المتدخلين القضائيين في مسطرة الأمر بعقل العقار حيث منح لكل من النيابة العامة ممثلة في كل من وكيل الملك والوكيل العام للملك صلاحية التقدم بطلب إلى الجهات المختصة من أجل عقل العقار كلما دعت الضرورة إلى ذلك، كما خول لقاضي التحقيق والهيئة القضائية صلاحية الأمر بإيقاع العقل إذا توفرت شروط ذلك.
لذلك سنتطرق بداية إلى دور النيابة العامة في مسطرة الأمر بإيقاع العقل (أولا)، على أن نتطرق بعد ذلك إلى دور قاضي التحقيق والهيئة القضائية في هذا الشأن (ثانيا).
أولا: دور النيابة العامة في مسطرة إيقاع العقل
اهتم قانون المسطرة الجنائية بصفة خاصة بتقوية دور النيابة العامة من خلال إسنادها مهاما جديدة لأجل المساهمة في إحقاق عدالة سريعة وفعالة وناجعة تستجيب لما يصبو إليه أفراد المجتمع من بناء لواقع يسوده العدل والإنصاف ويستتب فيه الأمن والطمأنينة، وهي بهذا أصبحت تقوم بدور حمائي للعقار[129]، وهذا ما يتجسد في الصلاحيات الجديدة التي منحها المشرع للنيابة العامة بمقتضى القانون 18-32 حيث أناطها المشرع بدور مهم في مسطرة إيقاع العقل.
ولقد وصلت أهمية إجراء عقل العقار إلى حد أن رئيس النيابة العامة قام بإصدار دورية[130] في الموضوع يحث فيها وكلاء الملك والوكلاء العامين للملك على تفعيل هذا الإجراء بكل حرص وحزم كلما توفرت شروطه القانونية لما له من دور كبير في حماية حق الملكية العقارية وتحقيق الأمن العقاري.
ويتمثل دور النيابة العامة في مسطرة إيقاع العقل أساسا في الصلاحيات التي خولها المشرع في مرحلة البحث التمهيدي أو التلبسي لكل من وكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية (أ) والوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف (ب).
أ- دور وكيل الملك في مسطرة إيقاع العقل
حدد الفصل 40 من ق م ج صلاحية وكيل الملك في مسطرة إيقاع العقل، حيث جاء في هذا الفصل ما يلي:
“يحق له (أي وكيل الملك) إذا تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية، أن يتقدم بطلب إلى رئيس المحكمة الابتدائية لإصدار أمر بعقل العقار في إطار الأوامر المبنية على طلب، ويقبل هذا الأمر الطعن بالاستئناف داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه، ولا يوقف الطعن وأجله التنفيذ.
لا يقبل القرار الصادر عن محكمة الاستئناف أي طعن.”.
تأسيسا على ذلك، يتضح أن المشرع المغربي أعطى لوكيل الملك بمقتضى القانون 18-32 صلاحية التقدم إلى رئيس المحكمة الابتدائية بطلب يرمي إلى عقل العقار كلما تعلق الأمر بفعل جرمي يمس بحق الملكية العقارية من أجل إصدار أمر بعقل العقار المعني، ويتم إصدار هذا الأمر في إطار الأوامر المبنية على طلب، على أنه يمكن الطعن فيه بالاستئناف داخل أجل ثمانية أيام يبتدئ من تاريخ تبليغه من غير أن يكون للطعن المذكور أو لأجله أي أثر موقف للتنفيذ.
تحليلا لهذه المعطيات، يمكن القول بداية أن المشرع خول لرئيس المحكمة الابتدائية بناء على طلب وكيل الملك إصدار الأمر بالعقل في إطار مسطرة الأوامر المبنية على طلب المنظمة بمقتضى الفصل 148[131] من ق م م، ومن المعلوم أن هذا النوع من الأوامر يندرج ضمن الأعمال الولائية للمحاكم والتي تصدر في غيبة الأطراف المعنيين بالأمر، أي في ظل مسطرة غير تواجهية[132].
ويلاحظ أن الفصل 40 سالف الذكر لا يلزم وكيل الملك بتقديم طلب عقل العقار وإنما يخول له سلطة تقديرية واسعة لتقديمه أو الامتناع عن تقديمه في جميع الأحوال حتى ولو توفرت الشروط الموضوعية لعقل العقار، إذ لا شيء يلزم صراحة وكيل الملك بتقديم هذا الطلب، وهذا ما يستشف من عبارة “يمكن له…” التي وردت في الفصل المذكور والتي لا تدل على الوجوب أو الإلزامية.
كما يلاحظ عدم تقييد وكيل الملك بأية شكليات فيما يخص تقديم الطلب بعقل العقار لرئيس المحكمة الابتدائية، وهكذا يمكن أن يتخذ هذا الطلب أي شكل يوجهه وكيل الملك أو نائبه إلى السيد رئيس المحكمة أو نائبه المكلف بمسطرة الأوامر المبنية على طلب[133] بحيث يتم إيداع الطلب الرامي إلى إيقاع العقل لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة ويتم عرض هذا الطلب فورا من طرف كتابة الضبط على رئيس المحكمة أو أحد نوابه قصد البت فيه وذلك دون الحاجة إلى استدعاء الطرف المعني بالإجراء[134].
ولكن على الرغم من أن المشرع لم يلزم وكيل الملك باحترام أية شكليات معينة بخصوص الطلب إلا أنه ينبغي على وكيل الملك بطبيعة الحال أن يضمن طلبه الحد الأدنى من البيانات الضرورية التي من شأنها أن تساعد رئيس المحكمة أو نائبه على اتخاذ المتعين فيه، فمثلا إذا تعلق الأمر بطلب من أجل عقل عقار محفظ فلا بد من بيان المعلومات المتعلقة بهوية العقار كرقم الرسم العقاري، وكذا طبيعة الفعل الجرمي المنصب على العقار وغير ذلك من البيانات الأخرى الضرورية.
وبعد أن يتوصل رئيس المحكمة الابتدائية بطلب السيد وكيل الملك الرامي إلى عقل العقار فقد يستجيب للطلب إذا تبين له استنادا إلى سلطته التقديرية أن الشروط الموضوعية لإصدار الأمر بالعقل متوفرة، أما إذا تبين له أن الأمر لا يستدعي إصدار هذا الأمر فإنه يصرح برفض طلب السيد وكيل الملك.
غير أنه وإن كان المشرع قد أحال على مسطرة الأوامر المبنية على طلب بالنسبة للأمر الصادر بعقل العقار إلا أنه لم يسقط جميع أحكام هذه المسطرة على الأمر بالعقل، ذلك أن هذا الأخير يتميز بنوع من الخصوصية عن غيره من الأوامر المبنية على طلب بشكل عام، وبيان ذلك كما يلي:
فمن جهة أولى، فإن الأمر الصادر عن رئيس المحكمة بناء على طلب يقبل الطعن بالاستئناف في حالة التصريح برفضه إلا إذا تعلق الأمر بالحالة التي يكون فيها الطلب يرمي إلى توجيه إنذار أو إجراء معاينة طبقا لمقتضيات الفصل 148[135] من ق م م، ولكن هذه المقتضيات لا تسري على الأمر بعقل العقار حيث قضى المشرع الزجري بإمكانية الطعن في الأوامر الصادرة في موضوع العقل بالاستئناف وذلك سواء صدرت بقبول الطلب أو برفضه[136].
وتجدر الإشارة إلى أنه في الحالة التي يصدر فيها الأمر بالعقل وفق الطلب فإنه بالإضافة إلى إمكانية الطعن فيه بالاستئناف فإنه يقبل المراجعة أمام رئيس المحكمة على غرار باقي الأوامر المبنية على طلب حيث إن العقل يبقى خاضعا لهذا المقتضى المتعلق بإمكانية مراجعته على اعتبار أنه يظل في الأول والأخير من الأوامر المبنية على طلب، حيث يمكن اللجوء إلى رئيس المحكمة التي أصدرت الأمر باعتباره قاضيا للمستعجلات من أجل البت في الصعوبات المتعلقة بتنفيذه[137].
ومما يؤكد ما سبق، أن الأمر الصادر بالعقل يختلف عن الأمر الصادر بالحجز التحفظي باعتباره من أهم الأوامر المبنية على طلب، فإذا كان الأمر الصادر في موضوع العقل يقبل الطعن بالاستئناف ولو صدر وفق الطلب فإن الأمر بالحجز التحفظي لا يقبل ذلك وإنما تتم مراجعته بالرجوع إلى رئيس المحكمة في إطار القضاء الاستعجالي من أجل رفع الحجز إذا كان مبررا، وفي هذا الصدد صدر قرار عن محكمة النقض جاء فيه ما يلي:
“الأمر الصادر عن رئيس المحكمة لإجراء حجز تحفظي غير قابل لأي طعن بما في ذلك الطعن بالنقض.
الأمر بالحجز وإن صدر في إطار الفصل 452[138] من ق م م فإنه يأخذ حكم الأوامر المبنية على طلب المنصوص عليه في الفصل 148 من ق م م الذي بموجبه لا تقبل الأوامر الصادرة في إطاره الطعن وإنما تتم مراجعتها بالرجوع إلى رئيس المحكمة في إطار مسطرة تواجهية من أجل رفع الحجز عندما يكون ذلك مبررا.”[139].
ومن جهة ثانية، فإذا كان المشرع قد أتاح إمكانية الطعن بالاستئناف في الأوامر المبنية على طلب في حالة التصريح برفضها داخل أجل خمسة عشر يوما يبتدئ من تاريخ صدور الأمر المذكور حسب الفصل 148 من ق م م، فإنه قلص هذا الأجل بالنسبة للطعن بالاستئناف في الأمر الصادر بعقل العقار إلى أجل ثمانية أيام يبتدئ من تاريخ تبليغه لا من تاريخ صدوره على الرغم من صدوره في إطار مسطرة الأوامر المبنية على طلب حسب الفصل 40 من ق م ج.
ولعل الباعث الذي دفع المشرع إلى تقليص أجل الطعن بالاستئناف من خمسة عشر يوما إلى ثمانية أيام يعود في نظرنا إلى الطابع الاستعجالي لإجراء عقل العقار ورغبة المشرع في تسريع هذه المسطرة ما أمكن، أما باعثه من وراء احتساب أجل الطعن من تاريخ التبليغ لا من تاريخ الإصدار فيعود إلى كون هذا الإجراء يمس بحق من الحقوق الأساسية للفرد وهو حق الملكية العقارية مما يتعين معه إتاحة الفرصة للطعن فيه ابتداء من يوم تبليغ الأمر بإيقاع العقل أو رفض إيقاعه خاصة وأن هذا الأخير يتخذ في غيبة الأطراف.
مع العلم أن الطعن بالاستئناف في الأمر الصادر عن رئيس المحكمة بشأن العقل لا يؤدي إلى وقف تنفيذه حتى داخل أجل الطعن بالاستئناف كما جاء في الفصل 40 من ق م ج، لذلك فإن الأمر الصادر بعقل العقار يرتب أثره بمجرد صدوره فيمنع كل تصرف في العقار المعقول بحيث يكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر كما رأينا سابقا.
ومن جهة ثالثة، فإذا كانت الأوامر المبنية على طلب تقبل الطعن بالنقض في حالة التصريح برفضها حيث إن القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بناء على الطعن بالاستئناف يكون قابلا بدوره للطعن بالنقض في إطار القواعد العامة[140]، فإن الأمر الصادر بعقل العقار لا يقبل الطعن بالنقض طالما أن الفصل 40 نص بشكل صريح على أنه “لا يقبل القرار الصادر عن محكمة الاستئناف أي طعن.”.
وقد أحسن المشرع صنعا في عدم تخويله إمكانية الطعن بالنقض في قرار محكمة الاستئناف، لأن من شأن ذلك أن يحافظ على الطابع الاحتياطي والإجرائي لمسطرة العقل[141].
ب- دور الوكيل العام للملك في مسطرة إيقاع العقل
لقد أشار الفصل 49 من ق م ج إلى صلاحية الوكيل العام للملك في مسطرة إيقاع العقل، حيث نص هذا الفصل على ما يلي:
“يحق له (أي الوكيل العام للملك) إذا تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية، أن يتقدم بطلب إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف لإصدار أمر بعقل العقار، ويقبل هذا الأمر الطعن بالاستئناف أمام غرفة المشورة داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه، ولا يوقف الطعن وأجله التنفيذ.
لا يقبل القرار الصادر عن غرفة المشورة أي طعن.”.
وهكذا فقد أصبحت للوكيل العام للملك بموجب الفصل 49 من ق م ج صلاحية توجيه طلب إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف من أجل إصدار أمر بعقل العقار موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية، على أن الأمر الصادر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في شأن العقل يقبل الطعن بالاستئناف أمام غرفة المشورة وذلك داخل أجل ثمانية أيام يبتدئ من تاريخ تبليغه دون أن يكون الطعن أو أجله موقفا للتنفيذ.
تحليلا لهذه المعطيات، يلاحظ بداية أن المشرع لم يحدد ما إذا كان الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف عندما يبت في طلب الوكيل العام للملك الرامي إلى إصدار أمر بعقل العقار، سيصدر هذا الأمر في إطار مسطرة الأوامر المبنية على طلب على غرار رئيس المحكمة الابتدائية أم لا.
لذلك فإن تأويل سكوت المشرع في هذا الصدد محل خلاف بين الباحثين، حيث ذهب أحد الباحثين[142] إلى القول بأن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف يتخذ الأمر بشأن العقل في إطار مسطرة الأوامر المبنية على طلب أي في غيبة الأطراف وذلك قياسا على الفصل 40 من ق م ج الذي أشار بوضوح إلى أن الأمر الصادر في شأن العقل يتم في إطار مسطرة الأوامر المبنية على طلب وإسقاطا على نص الفصل 148 من ق م م الذي يعقد الاختصاص بشأن إصدار الأوامر المبنية على طلب لرئيس المحكمة الابتدائية، وبالقياس للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الذي يمكن أن يبت في هذه الحالة في الطلب المقدم إليه في غيبة الأطراف.
فيما يذهب باحث آخر[143] إلى تفسير هذا السكوت التشريعي بأن المشرع من خلال صياغته للفصل 49 من ق م ج لم يمنح للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أن يبت في طلب الأمر بعقل العقار بصفته الولائية -أي في إطار مسطرة الأوامر المنية على طلب- ولا بصفته الاستعجالية وإنما بصفته تلك المشار إليها في الفصل المذكور على اعتبار أن المشرع سكت عن ذلك على خلاف رئيس المحكمة الابتدائية الذي يبت بصفته الولائية في الطلب، مما يتعين معه الرجوع إلى القواعد العامة المشار إليها في الفصل 148 من ق م م والتي تعطي لرئيس المحكمة الابتدائية وحده دون غيره اختصاص إصدار الأوامر المبنية على طلب ولا تقر بهذا الاختصاص للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، وبالتالي فإن هذا الأخير لا يصدر الأمر في شأن العقل بصفته الولائية أي في إطار مسطرة الأوامر المبنية على طلب وإنما بالصفة التي يخولها له الفصل 49 من ق م ج.
لكن الرأي الراجح فيما نعتقد هو الرأي الذي يذهب إلى القول بأن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف يصدر الأمر بعقل العقار في إطار الأوامر المبنية على طلب، إذ ليس هنالك ما يمنع من القياس على مقتضيات الفصل 40 من ق م ج حتى وإن كان الفصل 148 من ق م م يعقد الاختصاص لرئيس المحكمة الابتدائية بخصوص إصدار الأوامر المبنية على طلب فهذا لا يترتب عنه بالضرورة القول بأن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف لا يحق له ذلك، خاصة وأننا أمام نص خاص يمكن اعتباره بمثابة استثناء عن القاعدة، لذلك فإن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف يصدر أمره بعقل العقار في إطار الأوامر المبنية على طلب.
على الرغم من أن جانبا من الفقه[144] ينتقد مسألة إصدار رئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الأمر بالعقل في إطار الأوامر المبنية على طلب وذلك لكون إجراء العقل يتسم بنوع من السرعة والمباغتة وينبغي أن تصدر الأوامر المرتبطة به في إطار القضاء الاستعجالي، كما أن الأوامر المبنية على طلب تندرج ضمنها الأوامر الصادرة بالحجز التحفظي، والعقل يختلف عن الحجز وليس من الصائب تطبيق مسطرة الحجز على عقل العقار.
وعلى هذا الأساس، فإن الطلب الذي يتقدم به الوكيل العام للملك الرامي إلى إصدار الأمر بعقل العقار ينطبق عليه ما قلناه سابقا بخصوص الطلب المقدم من طرف وكيل الملك، سواء من حيث السلطة التقديرية الواسعة المخولة له فيما يتعلق بتقديم الطلب وعدم تقيده بأية شكليات معينة، كما أن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف يملك سلطة تقديرية في الاستجابة للطلب أو عدم الاستجابة له على غرار رئيس المحكمة الابتدائية.
إضافة إلى ما سبق، فإن الأمر الصادر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في موضوع عقل العقار قابل للطعن فيه بالاستئناف أمام غرفة المشورة لدى محكمته وذلك داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه لا من تاريخ صدوره دون أن يوقف الطعن وأجله تنفيذ الأمر، وبذلك فالمشرع ينص على مقتضى قانوني جديد يتجلى في إمكانية أن تنظر المحكمة ذاتها في قرار رئيسها إيجابا أو سلبا إذ نص على اختصاص غرفة المشورة بالنظر في استئناف أمر الرئيس الأول إذا صدر برفض طلب العقل أو إيقاعه[145].
كما أن القرار الصادر عن غرفة المشورة بشأن الطعن بالاستئناف في الامر الصادر بشأن العقل لا يقبل الطعن بالنقض في أي حال من الأحوال، وهو ما أكد عليه الفصل 49 من ق م ج بقوله ” لا يقبل القرار الصادر عن غرفة المشورة أي طعن.”.
حاصل القول إن المشرع المغربي خول للنيابة العامة دورا مهما في مسطرة إيقاع العقل، يتجلى بالأساس في منح كل من وكيل الملك والوكيل العام للملك الحق في تقديم طلب العقل إلى رئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف على التوالي، غير أن هذا الدور قد يشوبه بعض القصور من ناحية تنزيله العملي خاصة في ظل الغموض الذي يطبع بعض المقتضيات المتعلقة بالنصوص التي تحدد صلاحيات النيابة العامة في مسطرة إيقاع العقل والتي تتضمن مجموعة من النواقص والإشكالات[146].
ثانيا: دور قاضي التحقيق والهيئة القضائية في مسطرة إيقاع العقل
لقد وسع المشرع من نطاق الجهات المتدخلة في مسطرة إيقاع العقل، إذ لا يقتصر الأمر على النيابة العامة وإنما يشمل كذلك كل من قاضي التحقيق وذلك في مرحلة التحقيق الإعدادي، والهيئة القضائية في مرحلة المحاكمة.
لذلك سنتطرق بداية إلى دور قاضي التحقيق في مسطرة إيقاع العقل (أ) على أن نتوقف بعد ذلك عند دور الهيئة القضائية في هذا الشأن (ب).
أ- دور قاضي التحقيق في مسطرة إيقاع العقل
حدد الفصل 104 من ق م ج دور قاضي التحقيق في مسطرة إيقاع العقل، حيث نص على ما يلي:
” يجوز لقاضي التحقيق إذا تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية، أن يأمر بعقل العقار، ويمكن الطعن في هذا الأمر أمام الغرفة الجنحية داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه، ولا يوقف الطعن وأجله التنفيذ.
ولا يقبل القرار الصادر عن غرفة المشورة أي طعن.”.
ومن تم، فقد سوغ المشرع المغربي لقاضي التحقيق أن يصدر أمرا بعقل العقار إذا تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية، وهو أمر قابل للطعن فيه بالاستئناف داخل أجل ثمانية أيام من تبليغه أمام الغرفة الجنحية دون أن يكون للطعن وأجله أثر موقف للتنفيذ.
وما يلاحظ بداية، أن قاضي التحقيق يمكنه أن يتخذ الأمر بالعقل بصفة تلقائية على خلاف رئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف اللذان يصدران الأمر بالعقل بناء على طلب من وكيل الملك والوكيل العام للملك على التوالي، ولكن على الرغم من كون المادة 104 من ق م ج تتحدث عن المبادرة التلقائية لقاضي التحقيق في اتخاذ هذا الأمر فإن ذلك لا يمنع النيابة العامة من أن تتقدم بطلب من أجل إصدار الأمر بالعقل إلى قاضي التحقيق[147].
كما يملك قاضي التحقيق سلطة تقديرية واسعة في هذا الصدد، حيث يمكنه إصدار الأمر بالعقل إذا تبين له أن الشروط الموضوعية لإصدار هذا الأمر متوفرة، كما يمكنه ألا يقوم بإصداره إذا تبين له أن الأمر لا يستدعي ذلك، فهو في جميع الأحوال ليس ملزما بإصدار هذا الأمر، والدليل على ذلك أن المشرع استعمل في الفصل 104 من ق م ج عبارة “يجوز لقاضي التحقيق…” والتي لا تدل على الوجوب أو الإلزامية.
وقد أتاح المشرع الطعن بالاستئناف في أمر قاضي التحقيق بعقل العقار أمام الغرفة الجنحية داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه، ولكنه لم يحدد الجهات التي يمكنها ممارسة هذا الطعن، لذلك فإنه لا محيد عن الرجوع إلى القواعد العامة المتعلقة باستئناف أوامر قاضي التحقيق والمنظمة بمقتضى الفصول 222 إلى 227 من ق م ج، والتي تخول لكل من النيابة العامة والمتهم والمطالب بالحق المدني الحق في الطعن بالاستئناف في أوامر قاضي التحقيق، غير أن تطبيق هذه القواعد العامة فيما يتعلق بالأمر بالعقل تكتنفه بعض الخصوصيات والإشكالات، وبيان ذلك كما يلي:
بالنسبة للنيابة العامة، فقد نص الفصل 222 من ق م ج في فقرته الأولى على أنه ” يحق للنيابة العامة أن تستأنف لدى الغرفة الجنحية كل أمر قضائي يصدره قاضي التحقيق باستثناء الأوامر الصادرة بإجراء خبرة طبقا لمقتضيات المادة 196.”، وبمقتضى ذلك يمكن للنيابة العامة استئناف كل الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق بما فيها الأمر بعقل العقار باستثناء الأوامر الصادرة بإجراء خبرة.
وإذا كان المشرع قد خول لجهاز النيابة العامة حق استئناف كل أمر قضائي صادر عن قاضي التحقيق باستثناء الأمر بإجراء خبرة -عكس ما هو الأمر عليه بالنسبة للمتهم والمطالب بالحق المدني- فإن ذلك راجع بالأساس إلى الدور المحوري الذي تلعبه النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية ومراقبة سيرها أثناء جميع المراحل القضائية إلى حين صدور الحكم وصيرورته نهائيا، الأمر الذي أوجب تمييزها عن باقي الأطراف الذين خول لهم القانون حق استئناف أوامر قاضي التحقيق[148].
لكن إذا كانت القواعد العامة تحدد أجل الطعن بالاستئناف في أمر قاضي التحقيق بالنسبة للنيابة العامة في اليوم الموالي لإشعارها بصدور الأمر[149]، أي أن لها حق استئنافه طيلة اليوم الذي تم فيه الإشعار بالإضافة إلى اليوم الموالي لهذا الإشعار، فإن الأمر بالعقل الصادر عن قاضي التحقيق لا يخضع لهذا المقتضى ذلك أن المشرع حدد أجل الطعن بالاستئناف المخول للنيابة العامة في ثمانية أيام من تاريخ تبليغه إليها[150].
وإذا كان الطعن بالاستئناف من قبل النيابة العامة في أمر قاضي التحقيق يتميز بطغيان الأثر الموقف له بحيث تكون ممارسة الطعن أمام الغرفة الجنحية في أحد الأوامر غير المنهية للتحقيق (أي الأوامر غير المتعلقة بانتهاء التحقيق) مانعا من تنفيذه خلال الأجل المخول للطعن بالاستئناف وطيلة الوقت الذي يستغرقه النظر فيه من قبل الغرفة[151]، فإن الأمر على خلافه بالنسبة للأمر الصادر بالعقل من طرف قاضي التحقيق والذي لا يؤدي الطعن فيه إلى وقف تنفيذه، وهو الشيء الذي نصت عليه المادة 104 من ق م ج والتي جاء فيها “…ولا يوقف الطعن وأجله التنفيذ.”.
أما بالنسبة للمتهم، فمن المعلوم أن المشرع خول له إمكانية الطعن في الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق التي يفترض أنها تضر بمصالحه، وهي محددة حصرا في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 223 من ق م ج التي جاء فيها ما يلي:
” يحق للمتهم أن يستأنف لدى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف الأوامر المنصوص عليها في المواد 94 و152، و176 و177 و179 و194 (الفقرة الأخيرة) و208 و216 (الفقرات 2 و3 و6 و7).
يحق له كذلك استئناف الأمر الذي يبت في الاختصاص الصادر عن قاضي التحقيق إما تلقائيا وإما بناء على دفع الأطراف بعدم الاختصاص.”.
ومن تم يلاحظ أن المشرع قد حصر الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق والتي يمكن الطعن فيها بالاستئناف من طرف المتهم دون أن يذكر من بينها الأمر الصادر عن قاضي التحقيق بعقل العقار، وهذا ما يدفع إلى التساؤل حول إمكانية الطعن بالاستئناف من طرف المتهم رغم أن المادة 223 من ق م ج لم تمنحه هذه الإمكانية صراحة ولم يتم تعديلها بمقتضى القانون 18-32 أم أن المادة 104 من ق م ج لا تمنع المتهم من هذه الإمكانية لأنها لاحقة بموجب التعديل على نص المادة 223 المذكورة ولا تمنع الطعن بالاستئناف في أمر العقل من طرف المتهم؟
كجواب على هذا التساؤل يرى أحد الباحثين[152] أن الأمر يحتمل رأيين:
الرأي الأول: يذهب هذا الرأي إلى القول بأن المتهم لا يحق له الطعن بالاستئناف في أمر العقل الصادر عن قاضي التحقيق لأن المادة 223 من ق م ج حددت الأوامر القابلة للطعن بالاستئناف من قبل المتهم على سبيل الحصر ولم تأتي على ذكر إمكانية الطعن في الأمر الصادر بالعقل لأنه لم يطلها أي تعديل، مما يفهم منه أن إرادة المشرع لم تتجه إلى تخويل هذه الإمكانية، ولو كان المشرع يرغب في ذلك لقام بتعديل هذه المادة أيضا وخول للمتهم أن يطعن بالاستئناف في أمر قاضي التحقيق بعقل العقار، ومما يعزز هذا الرأي أيضا أن العقل شبيه بالحجز من حيث كونهما مجرد إجراء من إجراءات التحقيق غير القابلة إلا للطعن بالبطلان أمام محكمة الموضوع.
الرأي الثاني: يتجه هذا الرأي إلى القول بإمكانية الطعن بالاستئناف من طرف المتهم في الأمر الصادر عن قاضي التحقيق بشأن العقل، ويحتج هذا الرأي بمقتضيات المادة 104 من ق م ج التي لا تمنع المتهم من الطعن بالاستئناف حيث جاءت صياغة المادة عامة في هذا الصدد دون تحديد للجهات التي يحق لها ممارسة هذا الطعن، إذ جاء في نص هذه المادة أنه “…يمكن الطعن في هذا الأمر أمام الغرفة الجنحية داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه…”، مما يفهم منه أن المشرع يريد بهذه الصياغة العامة إتاحة الإمكانية لكل الجهات بما فيها المتهم للطعن بالاستئناف.
كما أن هذا الاتجاه يأخذ بمقتضيات المادة 104 من ق م ج ويستثني المادة 223 من نفس القانون لكونها سابقة على تعديل المادة 104، فضلا عن أن من قال بحجة لزمه العمل بها، ومن ذلك القول بعدم منع النيابة العامة من الطعن بالاستئناف في أمر قاضي التحقيق الصادر بشأن موضوع العقل احتجاجا بالمادة 104 باعتبارها استثناء، إذ لو كانت الحجة هي المادة المذكورة وأنها استثناء فإنها أيضا حجة للقول بعدم منع المتهم من حق الطعن في أمر قاضي التحقيق لأنها استثناء لفائدته أيضا، ومن تم فإنه من باب المعاملة بالمثل القول بأن للمتهم الحق في الطعن في الأمر الصادر بالعقل، كما أنه لا يجوز الاحتجاج بكون الأمر المذكور ليس إلا إجراء ولا يعتبر أمرا أو قرارا، إذ لو كان كذلك فإنه من باب أولى ألا يسمح للنيابة العامة بالطعن بالاستئناف في الأمر الصادر بشأن العقل لأنها نفس الحجة وتنسحب على النيابة العامة أيضا، وعليه فلا مانع يمنع المتهم من حق الطعن المذكور[153].
ولعل الاتجاه الذي نضم صوتنا إليه هو الاتجاه الثاني، فمن يحتج بالمادة 223 من ق م ج يمكن مواجهته بكون المادة 104 من نفس القانون أحدث من المادة 223 وبالتالي فهي الأحق بأن تعبر عن الإرادة الحقيقية والمستجدة للمشرع وهي التي يتعين الأخذ بها، وقد كان الأحرى بالمشرع من باب إزالة كل غموض أو لبس أن يعدل كذلك المادة 223 فيضيف الأمر بالعقل إلى قائمة الأوامر التي يمكن الطعن فيها بالاستئناف من طرف المتهم.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه إذا كان القانون قد أوجب على المتهم إن هو أراد استئناف أحد الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق التي يمكنه أن يطعن فيها بالاستئناف أن يقدمه في شكل تصريح إلى كتابة الضبط التي يوجد بها مقر قاضي التحقيق خلال الثلاثة أيام الموالية ليوم تبليغ الأمر إلى المتهم حسب المادة 223 من ق م ج، فإن الأمر بالعقل لا يخضع لهذا الأجل حيث يمكن الطعن فيه داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه وليس داخل أجل ثلاثة أيام كما هو الحال بالنسبة لغيره من الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق حسب الفصل 104 من ق م ج.
أما بالنسبة للمطالب بالحق المدني، فإن المادة 224[154] من ق م ج تخوله الحق في أن يطعن بالاستئناف في مجموعة من الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق، وهي: الأوامر القاضية بعدم إجراء تحقيق بعد تقديم الشكاية المرفوقة بالادعاء المدني، الأوامر التي ينتهي فيها قاضي التحقيق لعدم المتابعة، والأوامر التي يبت فيها قاضي التحقيق بشأن اختصاصه وذلك إما تلقائيا أو بناء على دفع أحد الأطراف بعدم اختصاصه، وأخيرا الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق الضارة بالطرف المدني[155].
والملاحظ أن المشرع لم يدرج الأمر الصادر عن قاضي التحقيق بعقل العقار ضمن قائمة هذه الأوامر التي يمكن للمطالب بالحق المدني الطعن فيها بالاستئناف، لكن على الرغم من ذلك يمكن القول إن الأمر بالعقل يندرج ضمن طائفة الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق الضارة بالطرف المدني، ذلك أن هذه الأوامر تتميز بمزية العمومية -خلافا للحالات الثلاث الأخرى- بحيث يمكن اللجوء إليها دوما كلما تعلق الأمر بأمر صادر عن قاضي التحقيق من شأنه الإضرار بحقوق الطرف المدني[156].
حقا، فإن الأمر بالعقل من شأنه الإضرار بمصالح الطرف المدني وذلك على اعتبار أن الأمر بعقل العقار يقيد حق الملكية ويحرم المطالب بالحق المدني من التصرف في عقاره ويبطل كل تفويت يقوم به طيلة مدة العقل حيث يغل يد المالك من أي تصرف فيه بأي طريقة وأي وسيلة كانت وكل تصرف يقوم به يكون باطلا وعديم الأثر[157].
وبذلك فالأمر بإيقاع العقل يندرج ضمن زمرة الأوامر التي من شأنها المساس بمصالح الطرف المدني، وبالتالي يجوز لهذا الأخير الطعن فيه بالاستئناف أمام الغرفة الجنحية.
لكن على الرغم من ذلك، فإن الأمر بالعقل وإن كان يندرج ضمن طائفة الأوامر التي تمس بمصالح الطرف المدني فإنه لا يخضع لما تخضع له هذه الأوامر بخصوص أجل الطعن بالاستئناف، فإذا كانت الفقرة الرابعة من المادة 224[158] من ق م ج حددت هذا الأجل في الثلاثة أيام الموالية لتبليغ الأمر القضائي للطرف المدني في موطنه الحقيقي أو المختار فإن أجل الطعن بالاستئناف في الأمر بالعقل الصادر عن قاضي التحقيق هو ثمانية أيام من تاريخ تبليغه للطرف المدني.
كان كل هذا بخصوص الطعن بالاستئناف في الأمر الصادر بعقل العقار من طرف قاضي التحقيق، أما بخصوص إمكانية الطعن بالنقض في القرار الصادر عن الغرفة الجنحية التي تم استئناف الأمر بالعقل الصادر عن قاضي التحقيق أمامها فقد كان المشرع واضحا في هذا الصدد وقرر عدم إمكانية الطعن بالنقض في هذا القرار، حيث جاء في المادة 104 من ق م ج ما يلي: ” ولا يقبل القرار الصادر عن غرفة المشورة أي طعن.”.
ب-دور الهيئة القضائية في مسطرة إيقاع العقل
لقد أشار المشرع إلى صلاحية الهيئة القضائية في مسطرة إيقاع العقل في المواد 299 و366 و390 من ق م ج.
حيث جاء في المادة 299 من ق م ج أنه ” يحق لها (أي الهيئة القضائية)، تلقائيا أو بناء على ملتمس من النيابة العامة أو طلب من الأطراف، أن تأمر بعقل العقار كلما تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية.”.
وهكذا، فإن المشرع فتح المجال لإمكانية الأمر بعقل العقار من قبل الهيئات القضائية إما بصفة تلقائية على غرار قاضي التحقيق وإما بناء على ملتمس النيابة العامة كما هو الشأن بالنسبة لرئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، أو بناء على طلب الأطراف.
ومما يمكن تسجيله في هذا الصدد أن المادة 299 المذكورة جاءت في الفرع الثالث المتعلق بقواعد سير الجلسات حيث إنها ممهدة فقط لتجهيز الملفات كما أن مضامينها تتعلق بشروط التسجيل القضائي مما يوحي بأن المشرع يستبق كل مناورات المتحايلين على مسطرة العقل والمعتدين على حقوق الملكية العقارية ويباشر إجراء استباقيا، طالما أن المادة المذكورة مسبوقة بمقتضيات المواد 40 و49 و104 من ق م ج التي تعطي إمكانية الأمر بعقل العقار حتى قبل إحالة القضية على هيئة الحكم، فإن حدث وفاتت النيابة العامة أو قاضي التحقيق إمكانية التدخل لعقل العقار فإنه بوسع قضاة الموضوع استدراك الأمر قبل البت في الدفوع الأولية أو الشكلية[159].
على أن المقصود بالهيئة القضائية في منطوق المادة 299 من ق م ج جميع محاكم الموضوع التي تبت في القضية سواء تعلق الأمر بالمحكمة لابتدائية أو بمحكمة الاستئناف بما فيها غرفة الجنايات أو غرفة الجنايات الاستئنافية على الرغم من أن المشرع لم ينص على إجراء العقل عند حديثه عن الأحكام الخاصة بغرفة الجنايات باستثناء ما جاء في باب المسطرة الغيابية في المواد 443 و447 و449 من ق م ج، كما لم ينص على إمكانية إيقاع العقل من قبل غرفة الجنايات الاستئنافية، وذلك على اعتبار أن المادة 299 من ق م ج تشملهما وتسري عليهما لأن المادة المذكورة وردت في الفرع الثالث المتعلق بالقواعد العامة بشأن تسيير الجلسة وهي الواردة في الكتاب الثاني الذي يضم الفرع الأول المتعلق بوسائل الإثبات أمام جميع المحاكم بما فيها غرف الجنايات وغرف الجنايات الاستئنافية، كما أن أحكام الفرع الثالث الذي يتضمن نص المادة 299 من ق م ج المتضمنة لإجراء العقل لا تحوي أحكاما مخالفة للأحكام المطبقة أمام غرفة الجنايات أو غرفة الجنايات الاستئنافية بموجب المواد 416 إلى 456 من ق م ج[160].
ومن تم فإنه يمكن لغرفة الجنايات وغرفة الجنايات الاستئنافية أن تأمر بعقل العقار إذا كان موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية استنادا إلى مقتضيات المادة 299 من ق م ج التي يفهم من تبويبها أنها تفتح هذه الإمكانية، غير أنه إذا تعلق الأمر بمسطرة غيابية فإنه يجب اتخاذ العقل من طرف غرفة الجنايات طبقا لمقتضيات المواد 443 و447 و449 من ق م ج كما أشرنا سابقا.
لذلك فإنه لا مانع يمنع غرفة الجنايات عند رفع العقل في إطار المسطرة الغيابية من إيقاع العقل على العقار بعد ذلك استنادا إلى الفصل 299 من ق م ج شريطة أن تكون الجريمة المتابع بها المتهم من صنف الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية.
ومعلوم أن الأمر الصادر عن المحكمة التي تبت في النزاع بشأن العقل لا يقبل أي طعن إلا مع الحكم الفاصل في الجوهر لكون الأمر يتعلق بأمر وليس بحكم وهو تمهيدي أو عرضي، والمقتضى التمهيدي أو العرضي ولو كان حكما لا يقبل الطعن بالاستئناف إلا مع الحكم في الجوهر[161]، بحيث يقبل الاستئناف شريطة انتظار صدور حكم في الموضوع ليستأنف معه إن هو الراغب في استئنافه وجده ضارا بمصالحه[162]، وذلك طبقا لمقتضيات المادة 401 من ق م ج التي نصت على أنه “لا يقبل استئناف الأحكام التمهيدية أو الصادرة في نزاع عارض أو دفوع إلا بعد صدور الحكم في جوهر الدعوى وفي نفس الوقت الذي يطلب فيه استئناف هذا الحكم…”.
وإذا كان المشرع قد حدد أجل الطعن بالاستئناف في الأمر الصادر بعقل العقار في أجل ثمانية أيام يبتدئ من تاريخ تبليغه في الفصول 40 و49 و104 من ق م ج كما سبق الذكر، فإن أجل الطعن بالاستئناف بالنسبة للأمر الصادر بعقل العقار عن الهيئة القضائية هو نفسه الأجل المخصص للطعن بالاستئناف في الحكم الصادر في الجوهر على اعتبار أن الحكم العارض يستأنف معه في نفس الوقت، فطالما كان استئناف الحكم في الجوهر متاحا فاستئناف الحكم العارض يكون متاحا أيضا، ومن حيث المبدأ فهذا الأجل محدد في المادة 400[163] من ق م ج في عشرة أيام تبتدئ من تاريخ النطق بالحكم إذا هو صدر بعد مناقشات حضورية في الجلسة بحضور الطرف أو من يمثله أو إذا وقع إشعار أحدهما بيوم النطق به.
ولأهمية إجراء العقل في ضمان حق الملكية العقارية ولو بشكل احترازي فإن المشرع سيؤكد مرة أخرى على إمكانية عقل العقار من طرف الهيئة القضائية بموجب المادة 366 من ق م ج التي جاء فيها ” يحق للمحكمة خلال كافة مراحل القضية البت في إجراء عقل العقار إذا تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس الملكية العقارية، ويستمر سريان مفعول هذا الإجراء إلى حين صدور مقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به ما لم يتقرر رفعه.”.
إذ أن المشرع بموجب هذه المادة أجاز للمحكمة إمكانية البحث في موضوع إجراء العقل خلال كافة مراحل القضية سواء في المرحلة الابتدائية أو في المرحلة الاستئنافية، وبذلك يكون قد استزاد فقط على اعتبار أن المادة 299 من ق م ج كافية لتحصين الملكية العقارية في انتظار صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به[164].
وفي نفس السياق، أكد المشرع على استمرارية مفعول الأمر الصادر بعقل العقار من طرف الهيئة القضائية حتى ولو قضت بعدم اختصاصها في البت في القضية حرصا على حماية حق الملكية العقارية ما أمكن طبقا لمقتضيات المادة 390[165] من ق م ج، ومن ذلك مثلا أن تعرض القضية على غرفة الجنايات الابتدائية فتقضي هذه الأخيرة بعدم اختصاصها لكون الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية موضوع الدعوى لا ينطبق عليها وصف جناية، وعلى الرغم من ذلك، يكون الأمر الذي اتخذته بعقل العقار سليما على الرغم من عدم اختصاصها، ويبقى مستمرا إلى حين رفعه أو صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
أما بخصوص إمكانية الطعن بالنقض في مقرر محكمة الاستئناف بشأن العقل فقد سكت المشرع عن بيان ذلك، ولكن يمكن تفسير هذا السكوت استنادا إلى القواعد العامة في هذا الصدد وتحديدا المادة 522 من ق م ج التي جاء فيها ما يلي: ” لا تقبل المقررات الإعدادية أو التمهيدية أو الصادرة بشأن نزاع عارض أو دفع، الطعن بالنقض إلا في آن واحد مع الطعن بالنقض في المقرر النهائي الصادر في الجوهر.”، وبذلك فمقرر محكمة الاستئناف بشأن العقل يقبل الطعن بالنقض مع المقرر النهائي الصادر في الجوهر في نفس الوقت.
الفقرة الثانية: المسطرة الإدارية لعقل العقار
كما هو معلوم فإن الأحكام والأوامر القضائية تحتاج إلى تنفيذها وتطبيقها طبقا لما قضت به، وهنا يبرز دور الإدارة في تنزيل الأوامر الصادرة بإيقاع العقل على العقارات على أرض الواقع، حيث تضطلع كل من المحافظة العقارية ومديرية أملاك الدولة بدور مهم في هذا الصدد.
وبالتالي، سنعمل على إبراز دور المحافظة العقارية في مسطرة إيقاع العقل (أولا)، ثم نتحدث عن دور مديرية أملاك الدولة في هذا الصدد (ثانيا).
أولا: دور المحافظة العقارية في مسطرة إيقاع العقل
تلعب المحافظة العقارية بشكل عام دورا مهما في الإشراف والمراقبة وفرض نوع من الحماية على العقار باعتبارها المزود الرئيس للمعلومة بشأن الأراضي التي يتم الاستيلاء عليها، وهي الجهة الوحيدة المخول لها قانونا مسك المعلومات المتعلقة بالعقارات كيفما كان نوعها[166].
إذ يتم من خلالها إحصاء وجرد لعدد وتحديد نسبة العقارات المحفظة وغير المحفظة، وكذا تحديد نسبة الحقوق العينية الواردة على العقارات المحفظة وتحديد أصحابها وملاكها بشكل دقيق، وذلك عن طريق التقييد بالرسوم العقارية لديها، ما يجعلها قطب الرحى في تنفيذ وتصريف الأوامر والمقررات القضائية -مثل إجراء عقل العقار- التي لها علاقة بالعقارات المحفظة أو تلك التي في طور التحفيظ وعلى الحقوق العينية المنصبة عليها حماية للتصرفات العقارية[167].
حيث تقوم الوكالة الوطنية للمحافظة على الأملاك العقارية والمسح العقاري والخرائطية في مصلحة الخلية المركزية لجرد الممتلكات، بجرد وحصر وعقل الممتلكات العقارية بعدما يتم مراسلتها للقيام بذلك، فبمجرد تبليغها بالمقرر القضائي الذي يقضي بعقل العقار موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية تقوم بالبحث والتأكد والتحقق من بيانات أصحابها وملاكها الحقيقين وكذلك التحقق من رقم وبيانات هوية الملاك المضمنة بالرسوم العقارية لديها، كما تحرص على التأكد من الوثائق المتوصل بها ودقة المعلومات المرسلة، استنادا إلى قاعدة البيانات التي تحتوي على معلومات دقيقة تشتمل على جميع البيانات المتعلقة بالممتلكات العقارية المحفظة لكافة المواطنين عبر تراب المملكة، ثم تقوم بفتح ملف خاص بكل قضية على حدة مقرون باستمارة مفصلة حول هوية الأطراف ومختلف البيانات التي من شأنها المساعدة على تنفيذ المقرر القضائي[168].
بعد ذلك، يتم تعميم رسالة موحدة على كافة المحافظين العقاريين بالتراب الوطني مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو البريد الإلكتروني لضمان السرعة في تنفيذ ا الإجراء المتمثل في البحث والتحري داخل الدائرة الترابية لكل محافظة، وذلك من خلال قاعدة البيانات المتوفرة لدى كل مصلحة حول الممتلكات العقارية التي يمكن أن تكون موضوع جريمة ماسة بحق الملكية العقارية، ومن تم يتم تقييد المقرر القضائي في الرسم العقاري وذلك تطبيقا لقرار عقلها[169].
مع العلم أن هذه المسطرة التي تقوم بتفعيلها الخلية المركزية لجرد الممتلكات تقتصر فقط على العقارات المحفظة والعقارات في طور التحفيظ والحقوق المنصبة عليها مادام أن هذه الأخيرة تتوفر على رسوم عقارية تمكن من ذلك أما العقارات غير المحفظة فما دام أنها لا تتوفر على رسوم عقارية تسمح من مراقبتها من طرف الخلية المركزية، لذلك يعهد أمر جردها وإحصائها وتحديد ملاكها إلى وزارة الداخلية عن طريق السلطات الإدارية للعمالات وولايات الجهات[170].
جدير بالذكر في هذ المقام أن المحافظين على الأملاك العقارية كانوا يرفضون تقييد الأوامر الصادرة بالعقل مبررين ذلك بكون هذا الإجراء غير منصوص عليه في نصوص ظ ت ع، وحتى المحافظون الذين كانوا يقبلون بتقييده كانوا يفعلون ذلك دون سند قانوني ويسيرون عكس التوجه العام للمحافظات آنذاك، مما دفع المحافظ العام للتحرك وتوجيه مذكرة[171] إلى المحافظين على الأملاك العقارية من أجل إعلامهم بوجوب تقييد الأوامر الصادرة بعقل الممتلكات التي يتوصلون بها، حيث جاء في هذه المذكرة ما يلي:
“لا يخفى عليكم أنه في إطار النصوص الجنائية العامة والخاصة، يصدر السادة قضاة الحقيق أوامر بعقل وتجميد وحجز ممتلكات المتهمين المتابعين قضائيا، توجه إليكم قصد تقييدها بالسجلات العقارية.
ومن أجل توحيد العمل بينكم، يشرفني أن أنهي إلى علمكم أنه إذا كان الأشخاص المعنيون بهذه الأوامر المذكورة يملكون عقارات أو حقوق عينية داخلة ضمن نفودكم الترابي، فإن ذلك يقتضي منكم تقييد هذه الأوامر بالرسوم العقارية أو إيداعها بمطالب التحفيظ المتعلقة بالعقارات المذكورة…”.
استنادا إلى هذه المذكرة، أصبح المحافظون يقبلون تقييد الأوامر الصادرة بعقل العقارات دون تحفظ وذلك استنادا إلى مذكرة المحافظ العام، كما يختصون بالتشطيب على الأمر الصادر بالعقل في حالة الأمر برفع العقل.
وحرصا على ضمان التنزيل السليم والفعال لإجراء عقل العقار الذي جاء به القانون 18-32 وضمان قيام المحافظة بدورها كما ينبغي، خص المحافظ العام عقل العقار الذي جاء به القانون المذكور بدورية وجهها إلى المحافظين على الأملاك العقارية في الموضوع، حيث جاء في هذه الدورية ما يلي: “… أطلب منكم الحرص على إيلاء طلبات تقييد الأوامر المتعلقة بعقل العقارات الصادرة طبقا لمقتضيات هذا القانون (أي القانون 18-32) أقصى درجات العناية والبت فيها بالسرعة المطلوبة…”[172].
وإذا كان دور المحافظة العقارية في مسطرة إيقاع العقل يتمثل أساسا في تقييد الأمر الصادر بالعقل في الرسم العقاري المتعلق بالعقار المحفظ موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية فإن التساؤل الذي قد يطرح في هذا الصدد هو كالتالي: ما هي التصرفات والإجراءات التي يمكن قبول تقييدها أو إيداعها بعد قبول تقييد العقل؟
جوابا على هذا التساؤل، يمكن القول إنه إذا كان العقل يمنع التصرف بصفة عامة من طرف الأشخاص الذين يملكون حقا عينيا على العقار حيث يكون كل تصرف بعوض أو بغير عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر فإنه بالرغم من ذلك لا يمنع المحافظ على الأملاك العقارية من قبول تقييد أو إيداع حجز تحفظي لفائدة الدائنين وكذلك الحال فيما يتعلق بتقييد مشروع نزع الملكية من أجل المنفعة العامة الذي يقيد دون إشكال، أيضا فإنه يمكن قبول تقييد الملف الطبوغرافي للبنايات المشيدة على العقار موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية[173].
أما فيما يتعلق باستخراج رسوم فرعية عن طريق الملكية المشتركة أو التجزئة أو التقسيم، فبالرغم من كونها لا تسبب ضررا للمالكين على الشياع أو المستفيدين من حقوق عينية أو شخصية حتى وإن كانت هذه العمليات تضيف قيمة تجارية للعقار وتحمي الدائنين أكثر، فإن السلطة التقديرية للمحافظ العقاري تبقى قائمة لرفض تقييد هذه الطلبات أو قبول تقييدها مع تحويل تقييد العقل في الرسم العقاري الأم إلى الرسوم الفرعية لأنه حسب الاجتهاد القضائي فإن تقييد التجزئة أو نظام الملكية المشتركة ليس فيه ضرر للدائنين وإنما يزيد من قيمة العقار[174].
هكذا يتضح مدى الدور الكبير الذي تلعبه المحافظة العقارية في تنفيذ المقررات القضائية بشأن عقل العقارات موضوع الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية والمتجلي بشكل أساسي في تقييد هذا الأمر في السجلات العقارية عندما يرد العقل على عقار محفظ، وهذا ما يكرس مساهمة المحافظة العقارية في تحقيق الأمن العقاري وحماية حق الملكية العقارية.
ثانيا: دور مديرية أملاك الدولة في مسطرة إيقاع العقل
إلى جانب المحافظة العقارية تلعب مديرية أملاك الدولة دورا مهما في تنفيذ الأمر الصادر بعقل العقار باعتبارها الجهة الإدارية المكلفة قانونا بالإشراف على العقارات الموضوعة تحت العقل.
وإذا كان المشرع الفرنسي قد نص في قانونه الإجرائي على الجهة المكلفة بإدارة الأملاك الموضوعة تحت العقل والتي تعرف “بوكالة تدبير واسترداد الممتلكات المحجوزة” باعتبارها هيئة خاصة تتمثل مهمتها الأساسية في دبير الممتلكات المعقولة[175]، فإن المشرع المغربي لم ينص في ق م ج باعتباره القانون الزجري الإجرائي على الجهة المكلفة بذلك، وهو ما كان من المنتظر أن يفعله المشرع عند إصداره للقانون رقم 18-32 إلا أنه لم يفعل، مما يعني استمرار العمل بمرسوم 1958[176] المتعلق بإدارة وتصفية الممتلكات الموضوعة تحت العقل والذي أوكل مهمة حراسة العقار الموضوع تحت العقل إلى مديرية أملاك الدولة، وهو ما يعني أن العقارات المعقولة طبقا للقانون 18-32 ستخضع لمقتضيات المرسوم المذكور بما يتناسب مع خصوصية هذا العقل.
فقد أناط المشرع المغربي في الفصل الأول من المرسوم المذكور بالمتصرف[177] ومن يعمل تحت إمرته، بعد أداء اليمين القانونية، إدارة وتصفية الأموال الموضوعة تحت العقل، وذلك بتدبير شؤون تلك الأموال بكيفية تضاهي رعاية المالك لملكه تحت طائلة مسائلته شخصيا وماليا في حالة عدم أدائه لمهامه على الوجه المطلوب، وتكون للتصرف في الأموال الصادر بشأنها العقل صبغة مؤقتة إذ يشمل هذا التصرف التدابير العادية للإدارة، وبالأخص على جميع الإجراءات التي تهدف إلى صيانة الذمة المالية المعنية بالأمر والمحافظة التامة عليها، وفي جميع الحالات التي يمكن أن تستلزم فيها هذه ا الإجراءات مقتضيات تتجاوز سلطات الإدارة، فإن المتصرف في أموال العقل والمراقب الناظر والقيم أو الحارس المسؤول يرفع كل واحد منهم إلى المتصرف العام في أموال العقل تقريرا يحتوي على جميع الإيضاحات المفيدة واقتراحاته المدعمة بالأسباب، وفي حالة الاستعجال أي عندما تتطلب المحافظة على الأموال اتخاد مقرر على الفور فإن المتصرف في أموال العقل أو المرقب أو الناظر يمكنه القيام بالعمل أجلا على أن يطلع المتصرف العام فورا على المقرر المتخذ والظروف التي تسببت في اتخاده[178].
وبوجه عام فإن للمتصرفين في أموال العقل والمراقبين النظار القيمين والحراس أن يسيروا أو يحرسوا أو يديروا أو يصونوا الأموال المعهود بها إليهم على غرار ما يقوم به رب الملك في ملكه بعناية[179].
ويمكن إنهاء مهمة مراقبة الناظر في أي وقت خصوصا في حالة ما إذا لقى هذا المراقب صعوبات في مزاولة مهمته فيعوض بمتصرف في العقار المعقول وإذا كان هناك مال لا يستوجب أي عمل للإدارة فيمكن المحافظة عليه بطريق الحراسة المطلقة[180].
كما يتعين على المتصرف في أموال العقل حسب الفصل 5 من نفس المرسوم أعلاه أن يضع قائمة شاملة للأموال التي عهد إليه بتيسيرها وكذا التحقيق من أجل التأكد من التصريحات التي قدمت إليه، كما يتولى إعداد إحصاء مفصل ومدقق عن العقارات الموضوعة تحت العقل فيما يخص نوعها وعددها وقيمتها ومكانها، وذلك كلما اطلع على وجودها طبقا للمقتضيات المنصوص عليها في الفصل السادس، وكل إحصاء يقع تحرير تقرير عنه في ثلاث محاضر أصلية يتعين أن يهيأ بمحضر كاتب للضبط أو موظف من كتابة الضبط ويصادق عليه من طرف المتصرف العام في أموال العقل الذي يمكنه أن يطلب بشأنه جميع الإيضاحات الضرورية فيما يتعلق بنوع أو تعيين الأموال المحصلة وقيمتها، وبعد الموافقة يقع إرسال نسخة من هذا المحضر إلى المتصرف في أموال العقل ويحتفظ بالنسختين الأخريين في ملفات المتصرف العام[181].
وطبقا لمقتضيات الفصلين 10 و14 من المرسوم المذكور فإن العقارات وغيرها من الممتلكات الموضوعة تحت العقل إذا تعرضت للتلف لسبب خارج عن إرادة المتصرفين فإنه يلزم إثبات تلك الوقائع في محضر واتخاذ جميع التدابير المفيدة على سبيل الاستعجال لبيع كل ما هو قابل للتلف أو كل ما يمكن أن يكون عبئا على العقل.
وتجدر الإشارة إلى أنه تحدد مصاريف لتدبير كافة الممتلكات الموضوعة تحت العقل بما فيها العقارات المعقولة وتتم تصفيتها بصفة مؤقتة كل ثلاثة أشهر إلا إذا صدر من المتصرف العام في أموال العقل مقرر بخلاف ذلك لسبب استثنائي، وتقع تصفية مصاريف تسيير التدبير بصفة نهائية عند نهاية العقل، كما أن الإدارة العامة تقتطع من أموال العقل زيادة على مصاريف التسيير مجموع المبالغ المخولة للمتصرفين في أموال العقل والقيمين والمراقبين النظار أو الحراس خارج أجرتهم العادية تطبيقا لمقتضيات الفصول 23 و24 و26 من المرسوم المذكور.
وفي الحالة التي يأمر فيها القضاء برفع العقل تكون إعادة تسليم الأموال المعقولة إلى صاحبها أو ذوي حقوقه موضوع محضر بذلك يوقع عليه الطرفان المعنيان بالأمر ويتضمن لزوما إبراء الذمة بخصوص التصرف الذي يقوم به المتصرف في أموال العقل أو القيم أو الحارس.
وعموما، فالذي نعتقده أنه ليس من المعقول الاستمرار حتى اليوم بالأخذ بهذا المرسوم، فعلاوة على كونه لا يتعلق بقانون المسطرة الجنائية باعتبارها القانون الزجري الإجرائي فهو كذلك مرسوم تطبيقي للظهير103.58.1 الصادر بتاريخ 11 أبريل 1958[182] المتعلق بضبط ممتلكات الخونة المتعاونين مع الحماية الفرنسية والذي أحدثت بموجبه لجنة البحث[183]، وبالتالي فهو مرسوم له سياق خاص ولا ينسجم مع المنظومة الجنائية المغربية الحديثة، كما أن عقل العقار في إطار القانون 18-32 يكتسي خصوصية كبيرة تقتضي إخضاعه لمسطرة خاصة عوض إخضاعه لمقتضيات هذا المرسوم الذي لا يتناسب مع المفهوم الجديد لعقل العقار، ولعل هذا الوضع من شأنه أن يعرقل دور مديرية الأملاك في تنفيذ الأوامر الصادرة بعقل العقارات موضوع الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية، لذلك لا بد من إصدار مراسيم تطبيقية بشكل عاجل توضح كيفية قيام مديرية أملاك الدولة بدورها في تنزيل المستجدات التشريعية في هذا الشأن.
المطلب الثاني: انقضاء الأمر الصادر بعقل العقار
على اعتبار أن عقل العقار إجراء تحفظي وقتي فلا بد له من الزوال والانقضاء طال أجله أو قصر، غير أن هذا الانقضاء حسب القانون 18-32 يكون إما برفعه من طرف مجموعة من الجهات القضائية التي منحها المشرع هذه الصلاحية، وإما بصدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به من طرف الهيئة القضائية التي تبت في النزاع.
مع العلم أنه في الحالة التي ينصب فيها العقل على عقار محفظ فإن الأمر يقتضي تدخل المحافظة على الأملاك العقارية عند انقضاء العقل من أجل التشطيب على تقييد العقل من السجلات العقارية[184].
ومن هنا، فإننا سنناقش في هذا المطلب طرق انقضاء العقل، سواء تم ذلك عن طريق رفعه من طرف من خول له ذلك (الفقرة الأولى)، أو تم ذلك بصدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به (الفقرة الثانية)، على أن نعرض بعد ذلك لعمل المحافظة بشأن انقضاء العقل (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: رفع الأمر الصادر بعقل العقار
باستقراء القانون 18-32 يتضح أن المشرع قد منح لعدة جهات قضائية صلاحية رفع العقل المتخذ من طرفها، وذلك وفق مسطرة محددة تختلف باختلاف هذه الجهات القضائية خلال كل مرحلة من مراحل الدعوى.
إذ خول المشرع هذه الصلاحية لكل من رئيس المحكمة الابتدائية (أولا) والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف (ثانيا) وكذا قاضي التحقيق (ثالثا).
أولا: دور رئيس المحكمة الابتدائية في رفع العقل
إذا كان المشرع قد خول لرئيس المحكمة الابتدائية إصدار الأمر بعقل العقار بناء على طلب من وكيل الملك في إطار الأوامر المبنية على طلب كما رأينا سابقا، فإنه بالمقابل خول له أيضا صلاحية رفعه، حيث جاء في الفصل 40 من ق م ج: “… ما لم يتم رفع العقل من طرف رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات بناء على طلب من النيابة العامة أو من له مصلحة.”.
وانطلاقا من ذلك، يتضح أن رئيس المحكمة الابتدائية يسوغ له رفع العقل الذي أمر به في إطار القضاء الاستعجالي إما بناء على طلب تتقدم به النيابة العامة في الموضوع وإما بناء على طلب من كل شخص له مصلحة في رفع العقل عن العقار موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية[185].
إن أول ما يلفت الانتباه في هذا الصدد، هو أن رئيس المحكمة الابتدائية يبت في طلب رفع العقل باعتباره قاضيا للمستعجلات، أي في إطار الفصل 149 من ق م م الذي يؤصل للجهة المختصة بالنظر في القضايا الاستعجالية أمام المحاكم الابتدائية العادية والمتمثلة في رئيس المحكمة الابتدائية وحده كقاعدة واستثناء ينتقل هذا الاختصاص إلى أقدم القضاة بالمحكمة، حيث جاء في هذا الفصل ما يلي “يختص رئيس المحكمة الابتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا للمستعجلات، كلما توفر عنصر الاستعجال في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ، أو الأمر بالحراسة القضائية، أو أي إجراء آخر تحفظي، سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة أم لا، بالإضافة إلى الحالات المشار إليها في الفصل السابق، والتي يمكن لرئيس المحكمة الابتدائية أن يبت فيها بصفته قاضيا للمستعجلات.
إذا عاق الرئيس مانع قانوني، أسندت مهام قاضي المستعجلات إلى أقدم القضاة.”
ومن المعلوم أن القضاء الاستعجالي هو قضاء يفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت فصلا مؤقتا لا يمس أصل الحق وإنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين، وهو فرع متميز ومستقل عن العمل القضائي العادي وعن التنفيذ القضائي وهو ذو مسطرة مختصرة واستثنائية وسريعة ومصاريف قليلة يسمح للمدعي برفع الدعوى الاستعجالية أمام قاضي الأمور المستعجلة الذي يختص بالبت في الدعوى بصورة مؤقتة ودون المساس بالموضوع في كل نزاع يكتسي صبغة الاستعجال.[186]
وقد أحسن المشرع صنعا بتنصيصه على رفع العقل من قبل رئيس المحكمة الابتدائية في إطار القضاء الاستعجالي، لأن ذلك يتوافق مع القواعد العامة حيث إن رئيس المحكمة يختص بالبت في كل إجراء تحفظي -كما هو الشأن بالنسبة لرفع العقل- بصفته قاضيا للمستعجلات كما ورد في الفصل 149 من ق م م، كما أن هذا النوع من القضاء يتلاءم مع طبيعة إجراء رفع العقل باعتباره إجراء وقتيا لا يرتبط بجوهر النزاع مما يقتضي تدخل قاضي الأمور المستعجلة في هذا الإطار.
تأسيسا على هذا، فإن إتاحة المشرع لرئيس المحكمة الابتدائية إمكانية رفع العقل عن طريق القضاء الاستعجالي تشير إلى وجوب توافر شروط الدعوى الاستعجالية لرفع العقل[187] سواء تعلق الأمر بالشروط الشكلية أو بالشروط الموضوعية التي تتطلب في مختلف الدعاوى الاستعجالية.
فبالنسبة للشروط الموضوعية لدعوى رفع العقل بوصفها دعوى استعجالية فلا بد من توفر شرط الاستعجال أي لا بد من وجود ذلك الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي لا يتحمل الانتظار ولا يمكن أن تتحقق المحافظة عليه أو حمايته عن طريق القضاء العادي ولو بتقصير الميعاد[188]، ومن ذلك أن يغادر المستولي العقار المعقول فيريد المالك تفويت عقاره إلى الغير فيلجأ إلى تقديم طلب إلى رئيس المحكمة الابتدائية يطلب فيه رفع العقل لزوال سببه خشية أن يفوت عليه العقل هذا التصرف، مع العلم أن المشرع لم يبين المقصود بالاستعجال لا في القواعد العامة (الفصل 149 إلى 154 من ق م م) ولا في الفصل 40 من ق م ج مما يفهم منه أنه خول سلطة تقديرية واسعة لقاضي الأمور المستعجلة للتأكد من تحقق هذا الشرط من عدمه وبالتالي رفع العقل أو الامتناع عن رفعه.
بالإضافة إلى عنصر الاستعجال لا بد من توفر شرط موضوعي آخر هو عدم المساس بالجوهر حسب مقتضيات الفصل 152[189] من ق م م، ذلك أن قاضي الأمور المستعجلة الذي يبت في دعوى طلب العقل يجب ألا ينظر في موضوع الدعوى العمومية ولا في أصل الحق وإنما يكتفي فقط بتفحص موضوع الدعوى بشكل عرضي وبالقدر الذي يكفيه لتكوين قناعته[190]، فليس من اختصاصه مثلا أن يبحث في مدى توفر أركان الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية أو أن يفاضل بين المستندات المقدمة إليه التي تثبت أصل الحق وغير ذلك.
وبالنسبة للشروط الشكلية لدعوى فلا شيء يميز دعوى رفع العقل عن غيرها من الدعاوى الاستعجالية حيث أنها تبقى خاضعة لمقتضيات المواد 150[191] و151[192] من ق م م بالإضافة إلى القواعد العامة للترافع المنصوص عليها في الفصول 31 إلى 129 من ق م م.
مع ملاحظة أن المشرع مكن كل من النيابة العامة من تقديم طلب رفع العقل على غرار طلبها بإيقاعه، وكذلك مكن كل من له مصلحة من وراء رفع العقل عن العقار من تقديم هذا الطلب، من قبيل المالك والمشتري والدائنين والورثة وعموما كل من له حق عيني أو حق شخصي مرتبط بالعقار المعقول ويؤثر هذا العقل على حقوقه ومصالحه، ومن تم فإن رئيس المحكمة الابتدائية لا يملك رفع العقل بمبادرة تلقائية منه وإنما يتطلب الأمر تقديم طلب إليه في الموضوع حسب الفصل 40 من ق م ج.
واستنادا إلى ذلك، فإن رئيس المحكمة الابتدائية يملك سلطة تقديرية في هذا الصدد حيث يمكنه الاستجابة للطلب المقدم إذا تبين له أن شروط الدعوى الاستعجالية متوفرة وأن هناك مبررا لرفع العقل، كما يمكنه أن يمتنع عن رفع العقل إذا اتضح له أن أحد شروط الدعوى غير متوفر أو أن الأمر لا يستدعي ذلك وأنه ما زالت هناك حاجة لاستمرار العقل، ولا شيء يمنعه من أن يرفع العقل عن العقار بشكل كلي أو عن جزء منه مع الإبقاء على العقل بالنسبة للجزء الآخر.
أما بخصوص إمكانية الطعن بالاستئناف في الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية برفع العقل فإنه بالعودة إلى ما جاء في الفصل 40 من ق م ج بهذا الخصوص نجد أن المشرع سكت عن بيان ذلك، مما يطرح التساؤل التالي: هل يعني هذا السكوت التشريعي أن الأمر الصادر برفع العقل يقبل الطعن بالاستئناف باعتباره يندرج ضمن القضاء الاستعجالي أم يعني ذلك أن المشرع يقصد من هذا السكوت منع الطعن فيه بالاستئناف؟
يمكن القول أن المشرع قد منع الطعن بالاستئناف في الأوامر الاستعجالية الصادرة عن رؤساء المحاكم الابتدائية في موضوع رفع العقل طالما أن سكوت المشرع عن هذه الإمكانية لا يمكن تفسيره إلا بمنع الطعن المذكور طالما أنه سمح لمن له مصلحة أن يطعن بالاستئناف في أوامر رؤساء المحاكم الصادرة في موضوع العقل بصفتهم قضاة للأوامر المبنية على طلب ولم يحل على كل الأحكام الصادرة في باب القضاء الاستعجالي[193]، وعليه فإن الأمر الصادر برفع العقل لا يخضع لما تخضع له الأوامر الصادرة في إطار القضاء الاستعجالي التي تقبل الطعن بالاستئناف داخل أجل خمسة عشر يوما من تبليغ الأمر إلى المعني به طبقا لمقتضيات الفصل 153[194] من ق م م، وبالتالي لا يمكن الطعن فيه بالاستئناف في أي حال من الأحوال.
ثانيا: دور الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في رفع العقل
إذا كانت المادة 49 من ق م ج قد خولت للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف إصدار الأمر بعقل العقار فإنها بالمقابل أعطته صلاحية البت في طلب رفع هذا العقل، حيث جاء في المادة 49 من ق م ج ما يلي: “… ويمكن رفعه أمام المحكمة التي أمرت به في إطار القضاء الاستعجالي بناء على طلب من النيابة العامة أو من له مصلحة.”.
إن أول ما يمكن ملا حظته في هذه المادة هو عدم دقة الصياغة التي وردت بها، ذلك أن القراءة الأولية لهذه المادة توحي بأن محكمة الاستئناف هي التي أمرت بالعقل وأنه يمكن الرجوع إلى ذات المحكمة لرفعه في إطار القضاء الاستعجالي، مع أن الذي أمر بإيقاع العقل في الحقيقة هو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وليس أية جهة قضائية أخرى، وهذا اللبس في الصياغة أدى إلى تفسيرين متضاربين بخصوص الجهة التي يحق لها رفع العقل:
فالتفسير الأول يذهب إلى أن هذه المادة تقضي بكون القضاء الجماعي بمحكمة الاستئناف هو المختص بإصدار الأمر برفع العقل، فعلى الرغم من صياغة المادة 49 من ق م ج غير الواضحة إلا أن غاية المشرع في الحقيقة هي حصر الاختصاص في رفع العقل بيد قضاء الموضوع لدى محكمة الاستئناف لأن المحكمة التي أمرت بالعقل ليست إلا الرئيس الأول دون سواه وهو من يختص في البت في طلب السيد الوكيل العام للملك بإيقاع العقل طبقا لمقتضيات المادة 49 من ق م ج بموجب أمر قابل للطعن بالاستئناف أمام قضاء الموضوع لدى محكمته دون أن يكون لهذا الطعن ولا لأجله أثر موقف لتنفيذ الأمر الصادر عنه بإيقاع العقل ما لم يتم رفعه بموجب إمكانية ثانية تتمثل في تقدم من له مصلحة بطلب استعجالي لرفع العقل أمام قضاء الموضوع بمحكمة الاستئناف التي أصدر رئيسها الأول أمرا بإيقاع العقل[195].
أما التفسير الثاني فيذهب إلى اعتبار أم المقصود بعبارة “المحكمة التي أمرت به” هو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وهو الذي تنعقد له صلاحية البت في طلبات رفع العقل في إطار القضاء الاستعجالي[196]، على اعتبار أن من أمر بالعقل هو الرئيس الأول وليس القضاء الجماعي بمحكمة الاستئناف، كما أن استعمال المشرع لكلمة “المحكمة” ليس دقيقا وإنما يقصد المشرع من ورائها الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، بالإضافة إلى أن العمل الإداري للمحافظات العقارية يتماشى مع هذا التفسير حيث جاء في دورية المحافظ العام على الأملاك العقارية عدد 2019.11 في موضوع عقل العقار في القانون 18-32 ما يلي: ” يختص رئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف برفع العقل بناء على طلب النيابة العامة أو من له مصلحة طبقا للمواد 40 و49 من قانون المسطرة الجنائية”
ولعل التفسير الثاني هو الأقرب إلى الصواب على اعتبار أن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف هو الذي اتخذ الأمر بإيقاع العقل ومن تم فهو الأعلم بظروف القضية والأحق بأن يرفع العقل متى تبين له أن هذه الظروف التي أصدر على أساسها الأمر بالعقل قد تغيرت مما يقتضي رفعه، كما يلاحظ أن المشرع درج في القانون 18-32 على منح كل جهة مختصة بإيقاع العقل صلاحية رفعه، والأخذ بهذا التفسير يتماشى مع النسق الذي سار عليه المشرع في هذا القانون.
وقد كان حريا بالمشرع أن يكون واضحا على غرار وضوحه في صياغة المادة 40 من ق م ج التي نصت بوضوح على ما يلي: “… ما لم يتم رفعه من طرف رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات”، فينص على أنه يمكن رفع العقل أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الذي أمر بإيقاعه من أجل إزالة كل لبس في هذا الشأن.
هكذا، فإن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف يأمر برفع العقل باعتباره قاضيا للمستعجلات استنادا إلى مقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 149[197] من ق م م، وبالتالي فإن ما قلناه سابقا بخصوص رفع العقل من طرف رئيس المحكمة الابتدائية نعيده بالنسبة لرفع العقل من طرف الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، وخاصة فيما يتعلق بضرورة توفر شروط الدعوى الاستعجالية.
هذا وقد منح المشرع لكل من النيابة العامة وكل من له مصلحة من رفع العقل بأن يتقدم بطلب في الموضوع إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف حسب الفصل 49 من ق م ج، مما يفيد أن هذه الأخير لا يملك أن يرفع العقل من تلقاء نفسه بل لا بد من أن يستند في ذلك إلى طلب في الموضوع، مع الإشارة إلى أن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف يملك سلطة تقديرية واسعة في الاستجابة للطلب المقدم بشأن رفع العقل، فيمكنه أن يرفض رفع العقل كما يمكنه أن يرفعه استنادا إلى ظروف كل قضية[198].
وإذا كان المشرع قد سكت عن بيان ما إذا كان الأمر الذي صدر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بشأن رفع العقل يقبل الطعن بالاستئناف أم لا، إلا أنه يمكن القول إنه لا يمكن الطعن بالاستئناف في هذا الأمر خلافا للقواعد العامة التي تجيز الطعن في الأوامر الاستعجالية داخل أجل خمسة عشر يوما من يوم النطق بها، والدليل على ذلك أن المشرع خول إمكانية الطعن بالاستئناف مسبقا في الأمر الصادر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بشأن إيقاع العقل أمام غرفة المشورة داخل أجل ثمانية أيام من تبليغه قياسا على عدم إمكانية الطعن بالاستئناف في الأمر الصادر رئيس المحكمة الابتدائية برفع العقل على اعتبار أن كلا منهما يصدر هذا الأمر بنفس الكيفية وبالتالي تنطبق عليهما نفس الأحكام في هذا الصدد.
ثالثا: دور قاضي التحقيق في رفع العقل
لقد وسع المشرع من نطاق الجهات القضائية التي يمكنها رفع العقل، فإلى جانب كل من رئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف يمكن كذلك لقاضي التحقيق رفع العقل الذي اتخذ من طرفه في مرحلة التحقيق الإعدادي، وذلك ما تقرره مقتضيات المادة 104 من ق م ج التي جاء فيها: “… ويبقى قاضي التحقيق مختصا لرفعه (أي العقل) تلقائيا أو بناء على طلب من النيابة العامة أو من له مصلحة.”.
إن أهم ما يميز قاضي التحقيق بشأن رفع العقل هو أنه يمكنه اتخاذ هذا الإجراء بشكل تلقائي ولو لم يتم تقديم أي طلب إليه بهذا الخصوص على خلاف رئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف اللذان لا يمكنهما رفع العقل إلا بناء على طلب، وبالإضافة إلى المبادرة التلقائية لقاضي التحقيق لرفع العقل يمكنه القيام بذلك استنادا إلى طلب يقدم إليه إما من طرف النيابة العامة أو من طرف له مصلحة من وراء هذا الرفع كما جاء في المادة 104 من ق م ج.
وفي جميع الأحوال، فإن لقاضي التحقيق كامل السلطة التقديرية في رفع العقل بمبادرة منه أو بناء على الطلب المقدم له في الموضوع تبعا لظروف القضية، كما أنه غير ملزم بالرفع الكلي للعقل ذلك أنه قد يحدث أن يقع العقل على مجموعة من العقارات فيقضي قاضي التحقيق برفع العقل عن بعض العقارات والإبقاء عليه بالنسبة للعقارات الأخرى، لكن إذا تبين له أثناء مواصلة إجراءات التحقيق أنه لا داعي لبقاء العقل موقعا على العقارات الأخرى المعقولة فيمكنه أن يصدر أمره بالرفع الكلي للعقل[199].
أما بخصوص إمكانية الطعن بالاستئناف في الأمر الصادر عن قاضي التحقيق بشأن رفع العقل فإن الفصل 104 من ق م ج سكت عن بيان هذا المقتضى، لكن على الرغم من ذلك يمكن القول في نظرنا أنه يمكن تفسير هذا السكوت التشريعي بعدم إمكانية الطعن بالاستئناف في الأمر الصار عن قاضي التحقيق بشأن رفع العقل لنفس العلة التي أشرنا إليها سابقا بخصوص استئناف أمر رفع العقل الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، وحجتنا في ذلك أن المشرع خول إمكانية الطعن بالاستئناف مسبقا في الأمر الصادر عن قاضي التحقيق بإيقاع العقل أمام الغرفة الجنحية داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه.
ومن تم يلاحظ أن الأمر برفع العقل رغم كونه أمرا من الأوامر التي يتخذها قاضي التحقيق بمناسبة التحقيق الإعدادي إلى أنه لا يقبل الطعن بالاستئناف خلافا للقواعد العامة التي تجيز للنيابة العامة والمتهم والمطالب بالحق المدني هذه الإمكانية كما سبقت الإشارة.
الفقرة الثانية: رفع العقل بصدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به
إن عقل العقار لا ينقضي فقط برفعه من طرف الجهات القضائية السالفة الذكر وإنما يمكن أن يرفع كذلك بصدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به وذلك في الحالة التي يتم فيها إيقاع العقل من طرف الهيئة القضائية، وهذا المقتضى هو الذي أشارت إليه المادة 366 من ق م ج والتي جاء فيها “… ويستمر سريان مفعول هذا الإجراء إلى حين صدور مقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به ما لم يتقرر رفعه.”.
وبذلك يكون المشرع قد خول للهيئة القضائية التي تبت في القضية أن تضع حدا لعقل العقار المتخذ من طرفها عن طريق إصدارها لمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به في الدعوى المعروضة أمامها حيث يؤدي ذلك إلى وقف إنتاج العقل لآثاره، إلا إذا كانت إحدى الجهات القضائية الأخرى قد قامت مسبقا بإصدار الأمر برفع العقل الذي تم إيقاعه من طرفها، وفي هذه الحالة ينتهي العقل بمجرد رفعه دون أن يتوقف ذلك على صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به[200].
علما أن الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به هو الذي لا يقبل الطعن بالطرق الطعن العادية من تعرض واستئناف وإن كان يقبل الطعن بالطرق غير العادية كإعادة النظر والمراجعة والنقض[201].
ولعل السبب من وراء ربط المشرع انقضاء العقل بصدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به -في نظرنا- هو أن الحكم لو لم يكن مكتسبا لقوة الشيء المقضي به لأمكن أن تعرض القضية بجميع عناصرها الواقعية والقانونية على المحكمة التي تنظر في الطعن وكأنها تنظر في القضية من جديد ولأول مرة[202] مما يقتضي إبقاء العقل، وحيث إن الحكم المكتسب لقوة الشيء المقضي به يمنع ذلك فإنه لا حاجة للإبقاء عليه بعد صدور الحكم، بالإضافة إلى ذلك، فعقل العقار هو مجرد إجراء تحفظي ووقتي الغاية منه مساعدة القضاء على الوصول إلى الحقيقة[203] وإصدار حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به في الدعوى، فإذا تحققت هذه الغاية فلا حاجة إلى العقل بعد ذلك.
وارتباطا بهذا، يطرح التساؤل التالي: هل يشترط لانقضاء العقل صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به في الدعوى العمومية أم لا بد من صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به في الدعوى المدنية التابعة أيضا لينقضي العقل؟
الحق أن المشرع لم يبين طبيعة الدعوى التي يشترط أن يصدر فيها حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به، غير أنه يمكن القول إن العقل ينقضي بصدور مقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به في الدعوى العمومية وعند الاقتضاء في الدعوى المدنية التابعة[204] تبعا لظروف كل قضية وما تتطلبه حماية حق الملكية العقارية، وبذلك فإن العقل قد يبقى مفعوله مستمرا إلى غاية صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به في الدعوى المدنية التابعة[205].
وعموما، فإنه سواء انقضى العقل برفعه من طرف رئيس المحكمة الابتدائية أو من طرف الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو من طرف قاضي التحقيق أو انقضى بصدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به فإن الأثر المترتب عن هذا الانقضاء هو وضع حد للمنع من تفويت العقار الذي كان ساريا قبل انقضاء العقل بحيث يصير كل تصرف بعوض أو بدون عوض بعد انقضاء العقل صحيحا ومنتجا لكافة آثاره ولا يسوغ إبطاله بمقتضى العقل، وبالتالي يمكن لأصحاب الحقوق مباشرة حقوقهم على العقار على نحو ما كان يمكنهم أن يفعلوا قبل صدور الأمر بإيقاع العقل.
وفي ختام حديثنا عن الجهات القضائية التي خول لها المشرع صلاحية رفع العقل، نود أن نشير إلى أن هذا التعدد في الجهات القضائية سواء التي تأمر بإيقاعه أو برفعه قد يؤدي في بعض الأحيان إلى نوع من التضارب القضائي، فقد يحدث أن تتخذ إحدى تلك الجهات الأمر بالعقل ثم تأمر برفعه لاحقا ثم تقوم جهة أخرى في مرحلة لاحقة من مراحل الدعوى العمومية بإيقاع العقل من جديد، كأن يأمر الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بعقل العقار ثم يتم رفعه لاحقا ولكن يقوم قاضي التحقيق فيما بعد بإيقاع العقل من جديد، وإن كان لذلك أثر إيجابي يتجلى في إتاحة الفرصة للجهات القضائية المعنية لتدارك الهفوات التي يمكن أن تحدث طيلة مراحل القضية بشأن إيقاع العقل ورفعه.
الفقرة الثالثة: عمل المحافظة العقارية بشأن رفع العقل
إذا كان عمل المحافظة العقارية بخصوص إيقاع العقل يتمثل أساسا في تقييد الأمر الصادر بعقل العقار موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية، فإن دورها بخصوص رفع العقل يتجلى في التشطيب على هذا التقييد استنادا إلى الأمر الصادر برفعه باعتبار العقل تقييدا من التقييدات المؤقتة في السجلات العقارية، وذلك كلما انصب العقل على عقار محفظ أو في طور التحفيظ.
ولعل أول الإشكالات التي يمكن أن تثار في هذا الصدد ما يتعلق بكيفية رفع العقل من طرف المحافظ على الأملاك العقارية وهل هذا التقييد يظل ساري المفعول حتى معرفة مآل القضية أم يتم التشطيب عليه تلقائيا بمجرد مرور مدة معينة.
عموما، فإنه يجب على المحافظ على الأملاك العقارية عدم الاستجابة لطلب التشطيب على العقل إلا إذا استند هذا الطلب إلى أمر استعجالي صادر من رئيس المحكمة التي تنظر في القضية بصفته قاضيا للمستعجلات (أي الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف برفع العقل) ويكون هذا الأمر نهائيا ونافذا فور صدوره طبقا لأحكام الفصل 87[206] من ظ ت ع أو إذا استند طلب الرفع إلى مقرر قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به يبين مآل الدعوى أو استنادا إلى أمر قاضي التحقيق برفع العقل، وعدا ذلك فإنه يجب ألا يستجيب المحافظ على الأملاك العقارية لأي طلب يتعلق بالتشطيب على العقل، ذلك أن أوامر وقرارات الجهات القضائية إذا كانت أوراقا رسمية[207] فإنها تعفي المحافظ من المسؤولية، أما طلبات الرفع المقدمة ممن له مصلحة مباشرة فإنه يتحمل المسؤولية عن كل إخلال يتعلق بالتشطيب على العقل[208].
وإن كان الملاحظ من الناحية العملية أن الأوامر الصادرة عن الجهات القضائية المختصة والتي تقضي بإجراء العقل تشير عادة إلى ضرورة الإبقاء عليه ساري المفعول إلى حين صدور أمر يخالفه لذلك فما على المحافظين العقاريين إلا الاستمرار في عقل تلك الممتلكات إلى حين البت فيما يخالف الأمر الصادر بعقل العقار[209].
غير أنه من أجل عدم استمرار مفعول العقل مقيدا بالرسوم العقارية التي لم يبلغ المحافظ من طرف القضاء بوجوب رفعها فإنه يحق للمستفيد أن يبلغ المحافظ بمآل القضية وبقرار رفع العقل وهنا يجب على المحافظ الاستجابة للطلب المقدم من أجل التشطيب على العقل[210].
هذا وقد أثار المحافظ العام مسألة الرسوم المستحقة على طلبات رفع اليد عن الأوامر بعقل الممتلكات، حيث جاء في مذكرة[211] صادرة عنه في هذا الشأن ما يلي:
“… إن أداء رسوم المحافظة العقارية يمثل القاعدة التي يجب تطبيقها على كافة الطلبات التي ترد على المحافظين أما الإعفاء من الأداء فإنه يشكل الاستثناء الذي لا يمكن الاستفادة منه إلا بموجب نص قانوني صريح يسمح بذلك.
وحيث لا يوجد أي نص قانوني يعفي طلبات رفع اليد عن الأوامر بعقل الممتلكات المقيدة بالسجلات العقارية من الأداء، وحيث أن تلك الطلبات تعتبر من العمليات غير القابلة للتقييم، فإن الرسوم المستحقة عليها 150 درهم كرسم ثابت…
هذا فضلا على أنه إذا كان تقييد الأوامر بعقل الممتلكات بالسجلات العقارية يتم مجانا قياسا على الأوامر بالحجز فإن طلبات رفع اليد عن تلك الأوامر بالعقل يجب أن يؤدى عنها رسم ثابت قدره 150 درهم قياسا كذلك على طلبات رفع اليد عن الأوامر الحجز…”.
وارتباطا بما سبق، قد يطرح التساؤل حول ما إذا كان انقضاء العقل الوارد على عقار محفظ ينتج أثره من تاريخ إصداره على غرار الأمر بإيقاعه أم من تاريخ التشطيب على العقل من السجلات العقارية استنادا إلى الأمر الصادر برفعه أو استنادا إلى صدور حكم مكتسب لقوة الشي المقضي به.
جوابا على هذا التساؤل، يمكن القول في نظرنا أنه إذا كان الأمر الصادر بإيقاع العقل يرتب أثره المتمثل في منع التصرف في العقار وبطلان كل تفويت عوضي أو تبرعي طيلة مدة العقل بمجرد صدوره ولو لم يتم تقييده في السجلات العقارية كما بينا سابقا، فبمفهوم المخالفة فإنه بمجرد صدور الأمر برفع العقل يسوغ التصرف في العقار الذي كان معقولا وتكون جميع التصرفات التي تمت بعد صدور هذا الأمر صحيحة، غير أنه لا يمكن تقييدها في الرسم العقاري إلا بعد التشطيب على العقل من طرف المحافظ على الأملاك العقارية بناء على أمر قضائي صادر برفع العقل أو حكم يبين مآل الدعوى، فعلى سبيل المثال إذا تم بيع العقار بعد رفع العقل وقبل التشطيب عليه فإن البيع يكون صحيحا ولكن لا يمكن الاحتجاج به إلا بتقييده في الرسم العقاري، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا بعد التشطيب على العقل.
خاتمة:
حاصل القول إن القانون 18-32 يعتبر بدون شك خطوة كبيرة إلى الأمام في مجال حماية الملكية العقارية وتوفير الأمن العقاري في المغرب عن طريق التأسيس لآلية قانونية جديدة تتمثل في إجراء عقل العقار موضوع الجريمة الماسة بحق الملكية العقارية الذي يشكل مظهرا من مظاهر الحماية الجنائية للعقار خاصة في شقها الإجرائي والمسطري.
ولعل أهم ما يمكن ملاحظته بخصوص هذه المستجدات التشريعية أن المشرع تبنى منهجا وقائيا واستباقيا يهدف من خلاله إلى التصدي لكل المحاولات الإجرامية الرامية إلى الاعتداء على حق الملكية العقارية وذلك بحرمان المستولين على العقارات من إمكانية تفويتها إلى الغير بما يحفظ في جميع الأحوال حقوق المتضررين من هذه الأفعال الإجرامية.
إن ما يحسب لواضعي القانون 18-32 هو توسيع دائرة الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية التي تستدعي عقل العقار بحيث يمكن اتخاذ هذا الإجراء في كل جرائم الاعتداء على حق الملكية العقارية سواء كانت جنحا أو جنايات وسواء تعلق الأمر بأفعال مجرمة حاليا بمقتضى القانون الجنائي أو بما قد يستجد في المستقبل من أفعال إجرامية تمس بحق الملكية العقارية، ما يجعل هذا القانون شاملا ومسايرا للتطور الكبير الذي يعرفه النشاط الإجرامي في هذا المجال.
ومن حسنات هذا القانون أيضا، إزالة الغموض ولو بشكل نسبي عن إجراء العقل في التشريع المغربي وتنظيمه لأول مرة بمقتضيات مسطرية محددة مما سيخفف من حدة التعقيد الذي كان يعرفه هذا الإجراء قبل إدخال التعديلات.
كذلك، فقد أحسن المشرع صنعا حينما جعل إيقاع العقل ممكنا في جميع مراحل الدعوى العمومية وذلك بتوسيعه من دائرة الجهات التي تتدخل في مسطرة العقل والتي يمكنها أن توقعه أو ترفعه حسب طبيعة ظروف كل قضية، وهذا يشكل ضمانة إضافية ترفع من احتمالات عدم التصرف في العقار المستولى عليه من طرف الجاني والحفاظ على حقوق المتضررين ما أمكن، كما أن هذا التعدد في الجهات القضائية يتيح تدارك تقاعس الجهات المختصة عن إصدار الأمر بالعقل.
لكن على الرغم من هذه الإيجابيات، فإن القانون 18-32 بشكل خاص والتشريع المغربي بشكل عام يكتنفه بعض القصور فيما يتعلق بتوفير الحماية الجنائية اللازمة لحق الملكية العقارية، وهو ما يتطلب استداركا من طرف المشرع من أجل ضمان نجاعة أكبر وتطبيق أوضح للمقتضيات القانونية ذات الصلة، ومن أجل ذلك نقترح ما يلي:
- ضرورة التدخل التشريعي لتجاوز الإشكالات التي تترتب عن مواضع سكوت المشرع في القانون 18-32 كما هو الشأن بالنسبة لسكوته عن تحديد العقارات القابلة العقل وسكوته أكثر من مرة فيما يتعلق ببعض المقتضيات المتعلقة بمسطرة إيقاع العقل ورفعه…، على اعتبار أن كثرة السكوت التشريعي في هذ القانون تفتح المجال أمام مجموعة من الإشكالات العملية التي قد تعرقل التنزيل السليم لمقتضيات هذا القانون.
- التنصيص صراحة على ضرورة تقييد العقل في الرسوم العقارية عندما يرد على عقارات محفظة وبيان كيفية تقييده عندما يرد على عقارات غير محفظة دفعا لكل لبس في الموضوع.
- وضع مسطرة إدارية واضحة وفعالة تتلاءم مع خصوصية العقل في القانون 18-32 وتجنب التعقيدات المسطرية التي من شأنها أن تحول دون تحقيق الغاية المرجوة من العقل.
- توسيع نطاق العقل، وذلك عن طريق تخويل الجهات القضائية المختصة إمكانية إصداره ليس فقط عندما يتعلق بجرائم معينة مثل الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية أو جرائم الإرهاب أو جرائم غسل الأموال وإنما توسيع نطاقه من أجل فتح إمكانية إصداره كلما تعلق الأمر باكتساب الشخص أموالا نتيجة أفعال إجرامية.
أخيرا، لم يبق لنا إلا أن نثمن ما جاء به القانون 18-32 باعتباره طفرة نوعية مهمة في التشريع المغربي من شأنها أن ترقى ولا شك بمستوى الحماية الجنائية للملكية العقارية، ولكن ذلك سيكون رهينا بما سيتخذه المشرع المغربي مستقبلا من إجراءات تشريعية وإدارية ستمكن من تجاوز كل الإشكالات والصعوبات التي يطرحها تنزيل هذا القانون على أرض الواقع.
لائحة المراجع والمصادر
- الكتب:
– الشرقي حراث، الحماية الجنائية للعقار في التشريع المغربي، مطبعة الأمنية، مكتبة الرشاد، سطات، الطبعة الأولى، 2019.
– إدريس الفاخوري، الحقوق العينية وفق القانون رقم 08-39، دار نشر المعرفة، الرباط، طبعة 2013.
– إدريس الفاخوري، الوسيط في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، طبعة 2018.
– جواد أمهمول، الوجيز في المسطرة المدنية، دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع، مطبعة الأمنية، الرباط، 2015.
– حسن فتوخ، التقييد الاحتياطي وعلاقته بالحجوز والإنذارات العقارية، دار نشر الآفاق المغربية للنشر والتوزيع، مراكش، الطبعة الأولى، 2008.
– عبد الرحمان الشرقاوي، القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام على ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي، الجزء الأول، مطبعة العارف الجديدة، الرباط، الطبعة الرابعة، 2017.
– عبد العزيز توفيق، شرح قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي، دون ذكر دار النشر، طبعة 1998.
– عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، مكتبة المعرفة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة التاسعة، يناير 2019.
– عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة السادسة، 2018.
– عمر أزوكار في “التقييد الاحتياطي في ضوء العمل القضائي المغربي”، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، طبعة 2015.
– محمد خيري، العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 2018.
- الرسائل والبحوث:
– رشيد أومالك، عقل العقار آلية لحماية الملكية العقارية الخاصة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان، جامعة عبد المالك السعدي، 2019-2020.
– زكرياء الناجمي، المصادرة في القانون المغربي، دراسة في ضوء مجموعة القانون الجنائي وبعض النصوص الجنائية الخاصة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم الجنائية والأمنية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، جامعة القاضي عياض، 2017-2016.
– سعد بوصولة، استئناف أوامر قاضي التحقيق -محمكة الاستئناف بالعيون نموذجا-، بحث نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء، فوج 36، 2009-2011.
– سهام أوهمو، عقل وتجميد الممتلكات العقارية، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، جامعة القاضي عياض، 2017-2018.
– طارق النالي، دعوى الاعتداء المادي على الملكية العقارية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة عبد المالك السعدي بطنجة، 2015-2016.
– عبد الرحمان حموش، التقييدات المؤقتة على العقار في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، جامعة القاضي عياض، 2002-2003.
– عبد الهادي المودن، مسطرة عقل الممتلكات في التشريع المغربي، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، 2019-2020.
– عمر الخطابي، عقل الممتلكات في المادة الجنائية في القانون المغربي، رسالة لنيل شهادة الماستر في العلوم الجنائية والأمنية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، جامعة القاضي عياض، 2018-2019.
– فاطمة العلمي، القضاء الاستعجالي في المادة العقارية، بحث نهاية التكوين في المعهد العالي للقضاء، فوج 41، 2015-2017.
– فدوى دريال، “المصادرة في النظام القضائي والزجري”، بحث نهاية التمرين بالمعهد العالي للقضاء، فوج 34، 2007-2009.
– ياسر خيتر، عقل الممتلكات في الميدان الجنائي، بحث نهاية التمرين في المعهد العالي للقضاء، فوج 36، 2009-2011.
- المقالات:
– أكرم النيصر، عقل الممتلكات العقارية في ضوء مستجدات القانون رقم 18-32، المجلة المغربية للبحث القانوني، عدد1، 2020.
– امبارك اسباغي، إشكالية عقل الممتلكات العقارية والشخصية في ضوء النصوص التشريعية، مقال منشور بالمجلة المغربية للدراسات العقارية والطبوغرافية، عدد 4، مطبعة الأمنية، الرباط، 2020.
– سعيد الناوي، أحكام عقل العقارات في قانون المسطرة الجنائية، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 167 شتنبر/أكتوبر، 2019.
– عبد الرحمان اللمتوني، أحكام الحجز والتجميد والمصادرة في القانون الوطني والاتفاقيات الدولية، مقال منشور بمجلة محاكمة، عدد 16، مطبعة النجاح الحديدة، الدار البيضاء، 2019.
– عبد الكريم بنحمينا، دراسة في ضوء مقتضيات القانون 18-32 القاضي بتعديل قانون المسطرة الجنائية، مقال منشور على الموقع الإلكتروني www.marocdroit.com.
الهوامش:
[1]– عائشة أمغار، الاستيلاء على عقارات الغير وأثره على الأمن العقاري، رسالة لنيل دبلوم الماستر في الدراسات العقارية، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، السنة الجامعية 2018-2019، ص2.
[2]– ظهير شريف رقم 1.11.91، الصادر في 27 شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1431 (30 يوليو 2011)، ص3600.
[3]– مقتطف من الرسالة الملكية الموجهة إلى وزير العدل والحريات بتاريخ 30 دجنبر 2016.
[4]– قانون رقم 18-32، الصادر بتغيير وتتميم القانون 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية، الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.19.92، الصادر في 5 ذي القعدة 1440 (8 يونيو 2019) المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6796 بتاريخ 15 ذو القعدة 1440 (18 يوليو 2019)، ص 5036.
[5]– ظهير شريف رقم 1.02.255، الصادر في 25 رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) لتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5078 بتاريخ 27 ذي القعدة 1423 (30 يناير 2003)، ص315.
[6]– تجدر الإشارة إلى أنه قبل صدور القانون 18-32 كانت مسطرة عقل العقار فيما يخص الجرائم الماسة بحق الملكية العقارية تعاني من فراغ تشريعي مهول، إذ أن تطبيق إجراء عقل العقار كان مقتصرا على حالات خاصة فقط، كما هو الشأن بالنسبة للقانون 03-03 المتعلق بالإرهاب والذي ربط إجراء العقل بجرائم الإرهاب، وكذا القانون 05-43 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال والذي ربط إجراء العقل بجرائم غسل الأموال، وغيرها من النصوص الخاصة، كما أن قانون المسطرة الجنائية لم يكن يعرف تنظيما مسطريا لعقل العقار وإنما اكتفى المشرع بالتنصيص عليه في إطار المسطرة الغيابية من خلال الفصلين 443 و449 من ق م ج، وهي كلها حالات خاصة لا تتعلق بالجرائم الماسة بحق الملكية العقارية، مما كان من الصعب معه تحريك مسطرة العقل عندما يتعلق الأمر بالجرائم الماسة بحق الملكية العقارية.
[7]– ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، ط 1979، الجزء4، ص69.
[8]– ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط 1، الجزء11، ص 458.
[9]– سعيد الناوي، أحكام عقل العقارات في قانون المسطرة الجنائية، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 167 شتنبر/أكتوبر، 2019، ص53.
[10]– من هؤلاء الباحثين مثلا:
-سهام أوهمو، عقل وتجميد الممتلكات العقارية، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، جامعة القاضي عياض، 2017-2018، ص7 وما بعدها.
-ياسر خيتر، عقل الممتلكات في الميدان الجنائي، بحث نهاية التمرين في المعهد العالي للقضاء، 2009-2011، ص6 وما بعدها.
-عبد الهادي المودن، مسطرة عقل الممتلكات في التشريع المغربي، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة عبد المالك السعدي، 2019-2020، ص13 وما بعدها.
[11]– أكرم النيصر، عقل الممتلكات العقارية في ضوء مستجدات القانون رقم 18-32، المجلة المغربية للبحث القانوني، عدد1، 2020، ص226.
[12]– نظم المشرع المغربي أحكام المسطرة الغيابية من خلال المواد 443 إلى 454 من ق م ج.
[13]– سهام أوهمو، م س، ص8.
[14]– ياسر خيتر، م س، ص11.
[15]– قرار عدد 1155/4 بتاريخ 09-09-2009 في الملف الجنائي عدد 16783/6/4/2007، منشور في مجلة الملف، عدد 17، سنة 2010، ص305.
[16]– القانون رقم 58.11 المتعلق بمحكمة النقض الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.170 صادر في 27 ذي القعدة1432(25 أكتوبر 2011)، المغير بموجبه الظهير الشريف رقم 1.57.223 الصادر في 2 ربيع الأول 1377 (27 شتنبر 1957) بشأن المجلس الأعلى
[17]– أمر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بملحقة سلا، عدد 03-2011، صادر بتاريخ 09-03-2011، أشار إليه أكرم النيصر، م س، ص228.
[18]– عمر الخطابي، عقل الممتلكات في المادة الجنائية في القانون المغربي، رسالة لنيل شهادة الماستر في العلوم الجنائية والأمنية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، جامعة القاضي عياض، 2018-2019، ص40.
[19]– في هذا الصدد نصت الفقرة الثانية من الفصل 446 على ما يلي: ” غير أنه إذا تعذر على المتهم مطلقا أن يحضر شخصيا، فيمكن لمحاميه أو لذويه أو أصدقائه أن يعرضوا على غرفة الجنايات الأسباب المبررة لغيابه.”.
[20]– كما نصت الفقرتان السابعة والثامنة من المادة 104 على ما يلي: ” يجوز لقاضي التحقيق إذا تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية، أن يأمر بعقل العقار، ويمكن الطعن في هذا الأمر أمام الغرفة الجنحية داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ تبليغه، ولا يوقف الطعن وأجله التنفيذ. لا يقبل القرار الصادر عن غرفة المشورة أي طعن.
يترتب عن الأمر الصادر بالعقل منع التصرف في العقار طيلة مدة سريان مفعوله، ويكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر، ويبقى قاضي التحقيق مختصا لرفعه تلقائيا، أو بناء على طلب من النيابة العامة أو من له مصلحة.”.
ونصت الفقرتان الرابعة والخامسة من المادة 299 على التالي: ” يحق لها (أي الهيئة القضائية)، تلقائيا أو بناء على ملتمس من النيابة العامة أو طلب من الأطراف، أن تأمر بعقل العقار كلما تعلق الأمر بجريمة من الجرائم التي تمس بحق الملكية العقارية.
يترتب عن هذا الإجراء منع التصرف في العقار طيلة مدة سريان مفعوله، ويكون كل تصرف بعوض أو بدون عوض مع وجود العقل باطلا وعديم الأثر.”.
[21]– سعيد الناوي، م س، ص54.
[22]– أكرم النيصر، م س، ص224.
[23]– حيث جاء في كلمة السيد وزير العدل بمناسبة تقديم مشروع القانون 18-32 بتتميم وتغيير بعض مقتضيات ق م ج أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين ما يلي: “… تم إعداد مشروع هذا القانون رقم 18-32 الذي يعطي الحق للسلطات القضائية المختصة لاتخاذ قرار عقل العقار موضوع الاستيلاء والمنع من التصرف فيه إلى حين البت في الدعوى العمومية المتعلقة بالتزوير أو الاستيلاء…”. يمكن الاطلاع على كلمة السيد وزير العدل في هذا الصدد ضمن تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان حول مشرع قانون رقم 18-32 يقضي بتغيير وتتميم القانون 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية، على الموقع التالي: www.chambredesconseillers.ma.
[24]– ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447، صادر بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، الجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر، بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974)، ص 2741.
[25]– سعيد الناوي، م س، ص 57.
[26]– عبد العزيز توفيق، شرح قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي، دون ذكر دار النشر، ط 1998، ص65.
[27]– قرار المجلس الأعلى، عدد 2769، المؤرخ في 16-07-2008، ملف مدني عدد 642-1-1-2006، صادر عن الغرفة المدنية، منشور في الموقع الإلكتروني http://ww1.jurisirudencemaroc.com تم الاطلاع عليه بتاريخ 27-04-2021 على الساعة 19:00.
[28]– رشيد أومالك، عقل العقار آلية لحماية الملكية العقارية الخاصة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان، جامعة عبد المالك السعدي، 2019-2020، ص29.
[29]– عمر الخطابي، م س، ص 57.
[30]– ينص الفصل 452 من قانون المسطرة المدنية ما يلي: “يصدر الأمر المبني على الطلب بالحجز التحفظي من رئيس المحكمة الابتدائية، ويحدد هذا الأمر ولو على وجه التقريب مبلغ الدين الذي رخص الحجز بسببه ويبلغ هذا الأمر وينفذ دون تأخير.”.
[31]– ينص الفصل 1241 من ق ل ع على التالي: ” أموال المدين ضمان عام لدائنيه، ويوزع ثمنها عليهم بنسبة دين كل واحد منهم ما لم توجد بينهم أسباب قانونية للأولوية.”.
[32]– سعيد الناوي، م س، ص57.
[33]– القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.03.140 بتاريخ 26 من ربيع الأول 1424 (28 ماي 2003)، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5112، بتاريخ 27 من ربيع الأول 1424 (29 ماي 2003)، ص 1755.
[34]– ظهير شريف رقم 58.7.1 صادر في 19 ذي القعدة 1428 القاضي بنشر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الموقعة بنيويورك في 31 أكتوبر 2003 منشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 17 يناير 2008
[35]– ظهير شريف رقم 1.02.132 الصادر في 9 شوال 1424 (04 شتنبر 2003) الذي يقضي بنشر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة الموقعة بباليرمو في دجنبر 2000 المنشور في الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 12 فبراير 2004 عدد 5186.
[36]– عبد الرحمان اللمتوني، أحكام الحجز والتجميد والمصادرة في القانون الوطني والاتفاقيات الدولية، مقال منشور بمجلة محاكمة، عدد 16، مطبعة النجاح الحديدة، الدار البيضاء، 2019، ص57-58.
[37]– ينص الفصل 524 من م ق ج على أنه “يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم المحجوز عليه الذي يتلف عمدا الأشياء المملوكة له التي سلمت لغيره لحراستها.”.
أما في حالة وضع الأشياء المحجوزة تحت حراسة مالكها فعقوبته الحبس من ستة أشهلا إلى ثلاثة سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم.”.
[38]– ظهير شريف رقم 1.59.413 صادر في 28 جمادى الثانية 1382 (26 نونبر 1962) بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي، منشور بالجريدة الرسمية عدد 2640 مكرر بتاريخ 12 محرم 1383 (5 يونيو 1963)، ص 1253.
[39]– عبد الهادي المودن، م س، ص26.
[40]– عرف المشرع المغربي الممتلكات في الفقرة الأخيرة من الفصل 218-4-2 من م ق ج بقوله: “من أجل تطبيق أحكام الفصلين 218-4 و218-1-4 من هذا القانون ما يلي:
الممتلكات: أي نوع من الأموال والأملاك المادية أو غير المادية، المنقولة أو العقارية، المملوكة لشخص واحد أو المشاعة، وكذا العقود أو الوثائق القانونية التي تثبت ملكية هذه الممتلكات أو الحقوق المرتبطة بها أيا كانت دعامتها بما فيها الإلكترونية أو الرقمية.”
[41]– تنص المادة 19 من القانون 05-43 على ما يلي: يجوز لوكيل الملك أن يأمر خلال مرحلة البحث ولمدة لا تتجاوز شهرا واحدا قابلة للتمديد بما يلي:
1- التجميد بالمنع المؤقت لتحويل أو استبدال ممتلكات أو التصرف فيها أو تحريكها.
2- …”.
[42]– قانون رقم 05-43 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.07.79، صادر في 28 ربيع الأول 1428 (17 أبريل 2007)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5522، بتاريخ 14 ربيع الأخر 1428 (3ماي 2007)، ص1359.
[43]– نصت الفقرة الأولى من المادة 2-595 من ق م ج على أنه “يمكن للسلطات القضائية المذكورة في المادة السابقة (أي قاضي التحقيق وهيئة الحكم) أن تأمر بتجميد أو حجز الأموال المشتبه في أن لها علاقة بتمويل الإرهاب.”.
[44]– سعيد الناوي، م س، ص59.
[45]– هذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 5-574 من م ق ج والذي جاء فيه “يجب دائما الحكم في حالة الإدانة من أجل جريمة غسل الأموال بالمصادرة الكلية للأشياء والأدوات والممتلكات التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الجريمة والعائدات المتحصلة منها أو القيمة المعادلة لتلك الأشياء والأدوات والممتلكات والعائدات مع حفظ حق الغير حسن النية
[46]– ينص الفصل 62 من م ق ج على أن “التدابير الوقائية العينية هي:
1- مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها.
2- …”
[47]– زكرياء الناجمي، المصادرة في القانون المغربي، دراسة في ضوء مجموعة القانون الجنائي وبعض النصوص الجنائية الخاصة، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم الجنائية والأمنية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة القاضي عياض بمراكش، 2017-2016، ص31-32.
[48]– سعيد الناوي، م س، ص59.
[49]– ياسر خيتر، م س، ص25.
[50]– عمر الخطابي، م س، ص51.
[51]– رشيد أومالك، م س، ص35.
[52]– قرار صادر عن غرفة الجنايات لدى محكمة الاستئناف بتطوان، عدد 96/2888 بتاريخ 1996-05-21، أشارت إليه فدوى دريال في “المصادرة في النظام القضائي والزجري”، بحث نهاية التمرين بالمعهد العالي للقضاء، فوج 34، 2007-2009، ص10.
[53]– الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى الظهير الشريف 1.11.177، الصادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) بتنفيذ القانون 14.07، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 من ذي الحجة 1432 (24 نوفمبر2011).
[54]– محمد خيري، العقار وقضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 2018، ص526.
[55]– قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط، بتاريخ 03 نونبر 1934، مجموعة الأحكام حكم رفو، 1525، أشار إليه محمد خيري، م س، ص526.
[56]– ينص الفصل 24 من ظ ت ع على ما يلي: “يمكن لكل من يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ خلال أجل شهرين يبتدئ من يوم نشر الإعلان عهن انتهاء التحديد في الجريدة الرسمية إذا قد قام بذلك من قبل”.
[57]– ينص الفصل 84 من ظ ت ح على التالي: “إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه من أجل ترتيبه والتمسك به في مواجهة الغير أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة لذلك، ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات”.
[58]– عبد الهادي المودن، م س، ص27.
[59]– إدريس الفاخوري، الوسيط في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط2018، ص270.
[60]– أمر قضائي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، عدد 29318-10-12 بتاريخ 24-12-2012، أشار إليه عمر أزوكار في “التقييد الاحتياطي في ضوء العمل القضائي المغربي”، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط2015، ص25.
[61]– جاء في أمر قضائي رقم 14871-2015، ملف رقم 14871-04-2015 صادر عن رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء ما يلي: “وحيث يتبين بالرجوع إلى المادة من قانون 07-14 أنه أسند الاختصاص للبت في طلبات التقييد الاحتياطي لرئيس المحكمة الابتدائية التي يوجد العقار في دائرة اختصاصها، وبالتالي فإن رئيس المحكمة التجارية يبقى غير مختص للبت في الطلب مما يتعين معه التصريح برفضه”، أشار إليه عمر أزوكار، م س، ص265.
[62]– جاء في الفصل 86 من ظ ت ع ما يلي “تحدد في عشرة أيام مدة صلاحية التقييد الاحتياطي المطلوب بناء على سند ولا يمكن خلال هذه المدة قبول أي تقييد آخر لحق يقتضي إنشاؤه موافقة الأطراف.
لا يمكن إجراء أي تقييد احتياطي بناء على سند إذا كانت مقتضيات القانون تمنع تقييده النهائي.
تنحصر في شهر مدة صلاحية التقييد الاحتياطي بناء على إدلاء الطالب بنسخة من مقال دعوى في الموضوع مرفوعة أمام القضاء.
يشطب على هذا التقييد الاحتياطي تلقائيا، بعد انصرام الأجل المذكور، ما لم يدل طالب التقييد بأمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية طبقا لأحكام الفصل 85 أعلاه.
يحدد مفعول التقييد الاحتياطي الصادر بناء على أمر من رئيس المحكمة الابتدائية في ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ صدوره، ما لم ينجز التقييد النهائي للحق، وتكون هذه المدة قابلة للتمديد بأمر من رئيس المحكمة الابتدائية شريطة تقديم دعوى في الموضوع، ويستمر مفعول هذا التمديد إلى حين صدور حكم نهائي.”
[63]– عبد الهادي المودن، م س، ص30.
[64]– رشيد أومالك، م س، ص35.
[65] – سهام أوهمو، م س، ص32
[66]– عمر الخطابي، م س، ص 33.
[67]– عبد الرحمان حموش، التقييدات المؤقتة على العقار في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، جامعة القاضي عياض، 2002-2003، ص34.
[68]– حسن فتوخ، التقييد الاحتياطي وعلاقته بالحجوز والإنذارات العقارية، دار نشر الآفاق المغربية للنشر والتوزيع، مراكش، ط1، 2008، ص34.
[69]– رشيد أومالك، م س، ص38-39.
[70]– مذكرة المحافظ العام عدد 11-2019 الموجهة إلى السادة المحافظين على الأموال العقارية بشأن القانون 18-32 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.00 المتعلق بالمسطرة الجنائية، بتاريخ 09 غشت 2019.
[71]– امبارك اسباغي، إشكالية عقل الممتلكات العقارية والشخصية في ضوء النصوص التشريعية، المجلة المغربية للدراسات العقارية والطبوغرافية، عدد 4، مطبعة الأمنية، الرباط، 2020، ص64.
[72]– عبد الكريم بنحمينا، دراسة في ضوء مقتضيات القانون 18-32 القاضي بتعديل قانون المسطرة الجنائية، مقال منشور على الموقع الإلكتروني www.marocdroit.com، تم الاطلاع عليه بتاريخ 01 أبريل 2021 على الساعة 14:25.
[73]– ينص الفصل 66 من ظ ت ع على ما يلي: ” كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده، وابتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية.”.
[74]– ينص الفصل 67 من ظ ت ع على التالي: “إن الأفعال الإرادية والاتفاقات التعاقدية، الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه، لا تنتج أي أثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ التقييد بالرسم العقاري، دون الإضرار بما للأطراف من حقوق في مواجهة بعضهم البعض وكذا بإمكانية إقامة دعاوى فيما بينهم بسبب عدم تنفيذ اتفاقاتهم.”.
[75]– عبد الكريم بنحمينا، م س، ص2.
[76]– سهام أوهمو، م س، ص37.
[77]– أكرم النيصر، م س، ص226-227.
[78]– عمر الخطابي، م س، ص 40.
[79]– عرف المشرع المغربي العقار بالتخصيص في المادة 7 من م ح ع بأنه “المنقول الذي يضعه مالكه في عقار يملكه رصدا لخدمة هذا العقار واستغلاله أو يلحقه به بصفة دائمة”.
[80]– نص الفصل 570 من م ق ج على ما يلي: “يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم من انتزع عقارا من حيازة غيره خلسة أو باستعمال التدليس.
فإذا وقع انتزاع الحيازة ليلا أو باستعمال العنف أو التهديد أو التسلق أو الكسر أو بواسطة أشخاص متعددين أو كان الجاني يحمل سلاحا ظاهرا أو مخبأ فإن الحبس يكون من ثلاثة أشعر إلى سنتين والغرامة من مائتين إلى سبعمائة وخمسين درهما.”.
[81]– الشرقي حراث، الحماية الجنائية للعقار في التشريع المغربي، مطبعة الأمنية، مكتبة الرشاد، سطات، الطبعة الأولى 2019، ص49.
[82]– نصت المادة 9 من مدونة الحقوق العينية في فقتها الثانية على أن “الحق العيني الأصلي هو الحق الذي يقوم بذاته من غير حاجة إلى أي حق آخر يستند إليه.
والحقوق العينية الأصلية هي: حق الملكية – حق الارتفاق والتحملات العقارية – حق الانتفاع – حق العمرى – حق الاستعمال- حق السطحية – حق الكراء الطويل الأمد – حق الحبس – حق الزينة – حق الهواء والتعلية – الحقوق العرفية المنشاة بوجه صحيح قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ.”.
[83]– نصت المادة 10 من مدونة الحقوق العينية على أن “الحق العيني التبعي هو الحق الذي لا يقوم بذاته، وإنما يستند في قيامه على وجود حق شخصي ويكون ضمانا للوفاء به.
والحقوق العينية التبعية هي: الامتيازات – الرهن الحيازي – الرهون الرسمية.”
[84]– نصت المادة 108 من مدونة الأوقاف على التالي “يعتبر وقفا معقبا ما وقف على ولد أو عقب أو نسل أو ذرية المحبس أو غيره…”
[85]– ظهير شريف رقم 1.09.236 صادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير 2010) يتعلق بمدونة الأوقاف، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5847، الصادرة بتاريخ فاتح رجب 1431 (14 يونيو2010)، ص 3154.
[86]– امبارك اسباغي، م س، ص 64.
[87]– سعيد الناوي، م س، ص62.
[88]– محمد خيري، م س، ص88-89.
[89]– رشيد أومالك، م س، ص48.
[90]– محمد خيري، م س، ص95.
[91]– أكرم النيصر، م س، ص231.
[92]– سهام أوهمو، م س، ص38.
[93]– سعيد الناوي، م س، ص62.
[94]– قرار صادر عن غرفة الجنايات الاستئ