مجلة مغرب القانونأطروحات جامعيةمستشار بمحكمة الاستئناف بوجدة يقارب “دور الاجتهاد القضائي في تحقيق الأمن العقاري” بأطروحة جامعية

مستشار بمحكمة الاستئناف بوجدة يقارب “دور الاجتهاد القضائي في تحقيق الأمن العقاري” بأطروحة جامعية

ناقش الطالب الباحث توفيق فاطمي (مستشار بمحكمة الاستئناف بوجدة) يومه السبت فاتح اكتوبر 2022 بمدرج الندوات بكلية الحقوق بوجدة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص في موضوع:
“دور الاجتهاد القضائي في تحقيق الامن العقاري”
وقد تكونت لجنة المناقشة من السادة الاساتذة:
  • الدكتور ادريس الفاخوري استاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة رئيسا ومشرفا
  • الدكتورة دنيا مباركة استاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة عضوا
  • الدكتور عبد العزيز حضري استاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة عضوا
  • الدكتور محمد مومن استاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمراكش عضوا
  • الدكتور عبد الصمد عبو استاذ مؤهل بكلية الحقوق بوجدة عضوا
  • الدكتور يونس الزهري عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية الرباط عضوا
وبعد المداولة قررت اللجنة قبول الاطروحة ومنح لقب دكتور في الحقوق للباحث توفيق فاطمي بميزة مشرف جدا مع التوصية بالنشر.

تقرير الأطروحة: 

بسم الله الرحمان الرحيم 

السيد الرئيس المحترم

السادة أعضاء لجنة المناقشة

حضرات السيدات والسادة

الحضور الكريم

سلام الله عليكم

أود في بداية هذا العرض الموجز عن موضوع الأطروحة أن أتقدم بالشكر الجزيل وعظيم الامتنان إلى أستاذي الفاضل فضيلة الدكتور ادريس الفاخوري الذي تفضل بالإشراف على هذه الأطروحة والذي كان له الفضل الكبير في إخراج هذا العمل إلى حيز الوجود، وظل يرعى هذا البحث وصاحبه في عناية فائقة وروح علمية عالية، والذي لم يتوان في تقديم توجيهات سديدة ونصائح قيمة وتكبد عناء تقويم عيوب هذا العمل الشكلية والموضوعية، فجزاكم الله عني خير الجزاء وأدام الله عليكم الصحة والعافية وطول العمر.

كما أتقدم بالشكر والثناء لأستاذتي الجليلة دنيا مباركة على تشريفها لي بأن تكون عضوة مناقشة، فبارك الله لكم في علمكم وجعلكم نبراسا ينير البحث العلمي وجعل الله ما قدمتم للطلبة في ميزان حسناتكم.

والشكر موصول لأساتذتي الأجلاء فضيلة الدكتور عبد العزيز حضري والدكتور محمد مومن والدكتور عبد الصمد عبو والدكتور يونس الزهري الذين أتشرف بقبولهم مناقشة هذه الأطروحة وتشريفي بحضورهم رغم انشغالاتهم المهنية والعلمية ولما تحمله الأستاذين الفاضلين محمد مومن ويونس الزهري من مشقة السفر والانتقال إلى مدينة وجدة من أجل المساهمة في إغناء هذا العمل وإثرائه.

كما لا يفوتني أن أتقدم بشكري الخالص إلى كل الأساتذة الأجلاء كل باسمه الذين سهروا على تأطيري سواء على مستوى الإجازة أو الماستر أو على مستوى مخبر الأنظمة المدنية والمهنية.

وأتقدم أيضا بالعرفان الكبير والثناء لكل من ساهم في دفع هذا البحث نحو التحقق أساتذة أفاضل وزملاء كرام وأصدقاء أوفياء.

وأخيرا أغتنم هذه الفرصة لأتوجه بشكري وامتناني العظيم إلى والدي الكريمين متعهما الله بالصحة والعافية وطول العمر، وإلى زوجتي الغالية وولدي العزيزين وجميع أفراد عائلتي كبيرهم وصغيرهم، ولا أنسى أن أقدم الشكر إلى الحضور الكريم كل باسمه وصفته الذين شرفوني بحضورهم ومؤازرتي خلال هذه المناقشة.

أما بعد، فإن موضوع الأطروحة يتعلق ب “دور الاجـــــتهاد الـــقضائي فـــي تحقيق الأمــــن الـــــعقاري”

يعتبر العقار الركيزة الأساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ووضعيته القانونية تتطلب نظام عقاري مستقر ينعكس إيجابا على الاستقرار والسلم الاجتماعيين، ويشجع الاستثمار الوطني والأجنبي ويحفزه، لذلك فإن تحقيق الأمنين القانوني والقضائي في المجال العقاري يعد ضرورة ملحة. وأضحت الدول تضمنهما في تشريعاتها لاقتناعها الصميم بأن تحقيق الغايات المذكورة مرتبط بوجودهما، بل ذهبت بعض التشريعات – كالمشرع الألماني – إلى الارتقاء به إلى مستوى المبدأ الدستوري.

إن العقار بالمغرب يتميز بتنوع الأنظمة المؤطرة له وازدواجيتها بين عقار محفظ وغير محفظ، وبتعدد القوانين المطبقة عليها، وهو ما دفع المشرع المغربي إلى تحديث ترسانته القانونية لمسايرة التطور الذي يعرفه، وضمان نمو الاستثمار وتشجيعه، وصارت السياسة التي تنهجها الدولة تستهدف تعزيز الأمن العقاري.

ومما لا شك فيه أن تحقيق الأمن العقاري متوقف على الأمن القانوني والقضائي والتوثيقي، فلا يستقيم الحديث عن أحدها بمعزل عن الآخر، وهذا ما حاول المشرع المغربي تحقيقه من خلال المنظومة التشريعية العقارية.

ويرتبط الأمن العقاري بدور القضاء في المجال العقاري، لأن آليات الأمن القانوني وحدها غير كافية لتحقيق الأمن العقاري ما لم تقترن بالأمن القضائي بوصفه الحارس للأمن القانوني والحامي لمبادئه وقواعده. بل إن دور القضاء يمتد إلى إشاعة الثقة بين الناس وطمأنتهم بفعالية القانون في حماية حقوقهم واستقرار معاملاتهم. لذلك؛ يعتبر الأمن القانوني والأمن القضائي وجهين لعملة واحدة، طالما أن الغاية من أحدهما متوقفة على الآخر، ولأن القانون الحي هو ما تصنعه المحاكم. ومن ثم؛ فإن فعالية الأمن القانوني مرهونة بالحرص على تطبيقه قضائيا.

ونظرا لأهمية الأمن القضائي ارتقى به المشرع المغربي إلى مستوى الغاية الدستورية، عندما نص في الفصل 117 من دستور 2011 على أنه: “يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون”.

بيد أن تعدد الأنظمة القانونية المطبقة على العقار بهياكله المتعددة نتج عنه تضارب في القواعد القانونية المنظمة مما أدى إلى بروز اجتهادات قضائية متضاربة ليس فقط أمام محاكم الموضوع، وإنما أمام محكمة النقض مما يتطلب تدخل الاجتهاد القضائي خاصة على مستوى محكمة النقض باعتبارها المرجع الأساسي للاجتهاد القضائي من أجل توحيده، وإزالة الغموض عن النصوص التشريعية التي تحتاج إلى تفسير وتأويل، وتوحيد التوجه في الخلاف السائد بين محاكم الموضوع، خاصة وأن الاجتهاد القضائي يتأثر بتعدد الأنظمة العقارية وتنوعها واختلاف الدعاوى العقارية موضوعا ومسطرة.

لذا؛ يعد الاجتهاد القضائي ضرورة ملحة اقتضته القاعدة القانونية وما تتصف به من عمومية وتجريد، واستوجبته النصوص القانونية وما تتصف به من محدودية، في مقابل لا نهائية الوقائع والقضايا المعروضة على القضاء.

لذلك؛ لابد من الاجتهاد من أجل بعث الروح في النصوص القانونية الجامدة، وإيجاد الحلول المناسبة للوقائع المتجددة التي لا نص قانوني فيها واجب التطبيق أو يوجد فيها نص غامض يحتاج إلى تفسير.

ولما كان موضوع الأطروحة ينصب أساسا على دراسة الدور الذي يقوم به الاجتهاد القضائي في تحقيق الأمن العقاري، فإن الإشكالية المحورية التي يروم البحث معالجتها هي:

إلى أي حد يساهم الاجتهاد القضائي في ضمان الأمن العقاري؟ وهل تساعد المنظومة القانونية العقارية الحالية في تجويد العمل القضائي والمساهمة في تحقيق الأمن القضائي؟

وتتفرع عن هذه الإشكالية عدة أسئلة فرعية نذكر منها:

  • ما آليات تحقيق الأمن العقاري وتكريس العدالة العقارية؟
  • وهل استطاع القضاء المغربي خلق القاعدة القانونية وتحريك الآلية التشريعية للتدخل من أجل تحقيق الأمن القانوني؟
  • وما تجليات مساهمة الاجتهاد القضائي في تحقيق الأمن العقاري؟
  • وهل استطاعت محكمة النقض توحيد العمل القضائي في القضايا العقارية وتحقيق الأمن القضائي؟
  • وإلى أي حد توفق المشرع عند إقراره رسمية التصرفات العقارية من تحصينها وحمايتها؟
  • وهل الآليات القانونية والتنظيمية التي جاء بها المشرع كفيلة بإدخال أملاك الجماعات السلالية في دائرة التداول وتشجيع الاستثمار؟

وللوقوف على مختلف الإشكالات التي يثيرها الموضوع قمنا بتقسيم هذه الأطروحة إلى بابين، خصصنا الباب الأول لدراسة تجليات مساهمة التشريع والاجتهاد القضائي في تحقيق الأمن العقاري وذلك برصد مظاهر تكريس الأمن العقاري في ظهير التحفيظ العقاري ومدونة الحقوق العينية والقوانين العقارية الخاصة

فقد ساهم نظام التحفيظ العقاري في ترسيخ الأمن العقاري في مسطرة التحفيظ التي أحاطها المشرع المغربي بعدة ضمانات بهدف تحصين الملكية العقارية واستقرار المعاملات والحد من المنازعات.

ويعد التعرض وسيلة حمائية وآلية لتحقيق الأمن العقاري تخول لصاحب الحق التدخل لحماية حقوقه من الاستيلاء عليها بالتعرض أمام المحافظ على الأملاك العقارية.

ولقد رسخ الاجتهاد القضائي مجموعة من المبادئ والقواعد التي تحكم مسطرة التحفيظ أهمها أن محكمة التحفيظ ملزمة بالبت في حدود ما يحال عليها من المحافظ على الأملاك العقارية من حيث نطاق التعرض وأطرافه. وأن المحكمة لا تناقش شكليات التعرض التي تعتبر اختصاصا أصيلا للمحافظ على الأملاك العقارية، وإنما تبت فقط إما بصحة التعرض أو عدم صحته. كما اعتبرت المتعرض هو المدعي الملزم بالإثبات ولا تناقش حجج طالب التحفيظ إلا بعد تقديم المتعرض لحجج قوية. ولا تفصل المحكمة بين المتعرضين في مواجهة بعضهم البعض.

ومما يجب التأكيد عليه أن العقار لا يظل جامدا في مسطرة التحفيظ، وإنما يحق لطالب التحفيظ التصرف فيه بجميع أنواع التصرفات بعوض أو بغير عوض، ولصاحب الحق الحفاظ على حقوقه في مسطرتي النشر والإيداع المنصوص عليهما في الفصلين 83 كما نسخ وعوض بالقانون 14.07 و84 من ظ ت ع كما غير وتمم بالقانون 14.07.

ولقد أقر المشرع المغربي في ظهير التحفيظ العقاري بأن تحفيظ العقار يترتب عنه تأسيس رسم عقاري نهائي غير قابل لأي طعن، وتطهير الملك من جميع الحقوق السابقة التي لم يسبق الإعلان عنها وإثارتها أثناء سريان مسطرة التحفيظ، وبالرغم من الآثار السلبية لقاعدة التطهير تجاه أصحاب الحقوق الذين تعذر عليهم التعرض على مسطرة التحفيظ في وقتها لأي سبب من الأسباب، فإنها قاعدة كفيلة بتحقيق الأمن العقاري، وضمانة أساسية للاستقرار، والاستثمار في العقار، والمساهمة في التطور الاقتصادي.

إلا أن الاجتهاد القضائي لطّف من قاعدة التطهير عندما استثنى الخلف الخاص لطالب التحفيظ من الخضوع لها.

ويترتب عن ذلك أن العقار يدخل مرحلة قانونية جديدة تتمثل في إخضاع جميع المعاملات والتصرفات الواردة على العقار بعد تحفيظه وتطهيره للتقييد بالرسم العقاري، حيث يعتبر كل حق عيني منصب على عقار محفظ غير موجود بالنسبة للغير إلا ابتداء من تاريخ تقييده بالرسم العقاري. ويتجلى هنا أيضا دور التشطيب على التقييدات المبنية على التدليس والتزوير وغيرها باعتباره ركيزة أساسية في مجال حماية الملكية العقارية واستقرارها.

إضافة إلى ذلك؛ فإن إسناد المشرع المغربي للموثقين والعدول والمحامين صلاحية تحرير التصرفات القانونية الواردة على العقار طبقا للقوانين العقارية الخاصة ومدونة الحقوق العينية كان بهدف توفير الأمن التعاقدي وحماية الحقوق والمصالح وتشجيع الاستثمار، وبعث الطمأنينة في نفوس المتعاقدين، وتحقيق استقرار المعاملات العقارية وتحصينها من الاستيلاء. ويتجلى في هذا الاطار دور التدخل القضائي في عدة مظاهر منها على وجه الأساس تفسير بعض القواعد القانونية بشكل يحقق التوازن بين طرفي العلاقة التعاقدية، والوقوف عند الإرادة الحقيقة للأطراف بهدف إحقاق الحق وتحقيق الأمن العقاري.

ولقد عمل المشرع المغربي على تنظيم الأحكام المتعلقة بالحيازة الاستحقاقية في المواد من 239 إلى 263 من مدونة الحقوق العينية، وهي أحكام مستمدة من قواعد الفقه المالكي، ومستنبطة من الاجتهاد القضائي المغربي الذي كان له تأثير إيجابي على المشرع المغربي الذي كرس هذه الأحكام والقرارات القضائية والقواعد الفقهية في مدونة الحقوق العينية.

والاجتهاد القضائي المغربي هو الذي رسخ القاعدة التشريعية التي نص عليها المشرع المغربي في المادة 274 من م ح ع عندما أقر أن الحيازة القانونية في التبرعات تغني عن الحيازة الفعلية.

الباب الثاني: مظاهر قصور المنظومة التشريعية العقارية وانعكاسها على تحقيق الأمن العقاري من خلال ابراز مظاهر قصور المنظومة التشريعية العقارية ومحدودية الاجتهاد القضائي وتعدد المنظومة القانونية العقارية وتأثيرها على مرتكزات الأمن العقاري

بالرغم من المجهودات المبذولة تشريعيا وقضائيا من أجل جعل العقار قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتماد مجموعة من الآليات التي تهدف إلى تحصين الملكية العقارية واستقرار المعاملات بشكل يبعث الأمن والطمأنينة في السوق العقارية، فإن واقع العقار مازال يشكو من جملة معيقات وإكراهات تحول دون تحقيق الغايات المنشودة. منها:

– تخويل المشرع المغربي للمحافظ على الأملاك العقارية صلاحيات واسعة منها التقرير بشأن مسطرة التحفيظ إداريا وحتى بعد صدور الأحكام القضائية المتعلقة بمادة التحفيظ العقاري، في مقابل تقليص دور القضاء في نزاعات التحفيظ العقاري.

– محدودية دور المحافظ على الأملاك العقارية والعمل القضائي في اتخاذ قرارات بخصوص مطالب التحفيظ التعسفية والتعرضات الكيدية.

-إن المشرع رغم تنصيصه على جزاءات تتعلق بمخالفة إشهار الحقوق العينية، إلا أن الممارسة العملية والقضايا المعروضة على القضاء أثبتت أن مشكل جمود الرسوم العقارية وعدم تحيينها يشكل عائقا أمام الدولة في سبيل تصفية الوضعية القانونية للعقارات وجعل الواقع مطابقا للمضمن بالرسوم العقارية.

– إن كثرة النصوص القانونية وتشتتها انعكس بشكل سلبي على درجة استيعابها وسهولتها، مما أدى الى تضارب بين القوانيين المنظمة للعقار، وأثر في مؤشرات الأمن القانوني.

– إن تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة في مادة التحفيظ العقاري لها خصوصيتها بحكم تعقد مسطرة استصدار الحكم القضائي وطولها والجهة المختصة بتنفيذه وما تطرحه من صعوبات في التنفيذ تؤثر سلبا على النجاعة القضائية وتمس بشكل مباشر بالأمن العقاري.

– أدى تفشي ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير إلى المساس بالأمن العقاري بالمغرب بسبب اختلال المنظومة العقارية وتداخل عدة أسباب اقتصادية واجتماعية وقانونية وقضائية.

– صعوبة ادماج العقار المتعلق بالأراضي السلالية وضم الأراضي الفلاحية بعضها إلى بعض في العملية الاستثمارية بسبب طرق استغلال هذه الأراضي وتدبيرها وللصعوبات القانونية والاقتصادية والعملية التي تعرفها هذه الأنظمة، وتعترض مسطرة الضم العديد من الصعوبات القانونية والعملية بسبب قدم الترسانة القانونية المنظمة لها وغموضها في أحيان كثيرة وعدم مواكبتها للواقع العملي والتطورات التي أصبح يعرفها القطاع الفلاحي.

وبناء على كل ما سبق ذكره، وجوابا على الاشكال المحوري الذي أسسنا عليه هذه الدراسة والتساؤلات الفرعية التي انبثقت عنه، فإننا توصلنا إلى مجموعة من الاستنتاجات أهمها:

– لم يستغل المشرع المغربي فرصة تحديث ترسانته القانونية المتعلقة بالمجال العقاري للتوحيد الكامل للأنظمة القانونية العقارية وتجميعها في مدونة موحدة تضم جميع الأحكام المتعلقة بالمادة العقارية على اختلاف نظمها القانونية، إذ ليس هناك مسوغ للإبقاء على مختلف القوانين التي تحكم المجال العقاري مشتتة في قوانين خاصة، لما لذلك من أثر سلبي على الأمنين القانوني والقضائي.

  • إن الاجتهاد القضائي كان له دور مهم في تحقيق رهان الأمن القضائي لاسيما في نزاعات التحفيظ العقاري انطلاقا من القواعد التي استنبطها من الفصل 37 من ظ ت ع كما نسخ وعوض بالقانون 14.07، والكفيلة بحماية الملكية العقارية والحقوق العينية المترتبة عنها.
  • كرس الاجتهاد القضائي قبول الوثائق والمستندات المدلى بها أمام محكمة التحفيظ استثناء من قاعدة أن المحكمة ملزمة بالتقيد بما يحال عليها من المحافظ على الأملاك العقارية مما خفف من صرامة الفصل 32 من ظ ت ع.
  • التلطيف من قاعدة اعتبار المتعرض هو المدعي الملزم بالإثبات عندما أعطى القضاء لعنصر الحيازة دورا حاسما في تحديد من يقع عليه الإثبات، إذ اعتبر أن الحائز معفى من الإثبات ولو كان متعرضا ويقع عبء الإثبات على طالب التحفيظ، لأن الحيازة قرينة على الملكية.
  • لم يخرج الاجتهاد القضائي عن القيود المفروضة عليه بموجب الفصل 37 من ظ ت ع، لأن منع محكمة التحفيظ من الفصل بين المتعرضين يعرقل حماية الملكية العقارية، ويربك الاستقرار الاجتماعي. ولئن حاول الاجتهاد القضائي لمحاكم الموضوع توسيع صلاحياته بالبت في النزاع برمته بين المتعرضين في مواجهة مطلب التحفيظ، والتقرير بشأن أحقية المتعرضين في مواجهة بعضهم البعض لاسيما بعد التعديل الأخير للفصل 37 من ظ ت ع كما نسخ وعوض بموجب القانون 14.07، فإنه يقف عاجزا عن خرق القاعدة التي أقرتها محكمة النقض والتي تفيد أن محكمة التحفيظ لا يجوز لها الفصل بين المتعرضين في مواجهة بعضهم البعض.
  • لم يتحلى المشرع المغربي بالجرأة الكافية ليعتبر العقود الواردة على العقار رسمية بشكل مطلق، لإن من شأن إقرار مبدأ الرسمية على شموليته توفير الأمن القانوني للمتعاقدين والتصدي لحالات النصب والاحتيال التي كانت شائعة في هذا المجال باستعمال العقود العرفية، والتخفيف من كثرة المنازعات المثارة أمام القضاء، واستقرار المعاملات العقارية والرقي بها إلى مستوى الثقة والاطمئنان، وتوحيد وسائل الإثبات في مجال المعاملات العقارية، ووضع حد لظاهرة التهرب الضريبي، والتملص من أداء الرسوم والضرائب للدولة، وتشجيع مؤسسات الائتمان على تمكين المستفيد من قروض لتمويل المشاريع التي تتخذ من العقار أرضية لها.
  • إن العقوبات التي جاء بها المشرع المغربي ضمن تعديل الفصلين 352 و353 من القانون الجنائي كما تم تغييره وتتميمه بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 33.18 من أجل توحيد العقوبة بخصوص المهنيين مرتكبي التزوير، لا تحقق الردع العام والخاص، ولا تحد من ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير.
  • إن الوسائل الحمائية التي جاء بها المشرع للوقاية من ظاهرة عدم تحيين الرسوم العقارية، لم تحقق الغاية المرجوة منها في القضاء على الظاهرة، مما يتعين التفكير في إيجاد حلول عملية فعالة لتصفية الملفات العالقة منذ سنوات على مستوى المحافظات العقارية، وتكريس مقتضيات جديدة تقطع مع هذه الظاهرة بالنسبة للعقود التي ستحرر مستقبلا.
  • إن التضخم التشريعي الذي يطبع التعامل في المجال العقاري المتنوع في أنظمته وطبيعة عقاراته ساهم في تكريس ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير.
  • إن التعديلات الأخيرة التي كانت تهدف إلى الحد من ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير بدورها في حاجة إلى إعادة النظر، لاسيما ارتباط المادة 2 من م ح ع بالفصل 66 من ظ ت ع وتعارضهما، وخاصة ما يتعلق بأجل سقوط الحق في المطالبة بالإبطال المكرس بمقتضى المادة 2 المذكورة.

الـــتوصــيات:

بناء على مختلف الاستنتاجات التي حصلناها في هذه الاطروحة ندعو إلى:

  • تعديل الفصل 37 من ظ ت ع والنص صراحة على ضرورة الفصل في الحقوق المدعى بها من كافة المتعرضين تحقيقا للأمن العقاري، وتفعيلا لدور العقار في التنمية.
  • التنصيص على آلية التصدي من قبل محكمة النقض لتجاوز مشكل البطء في تصريف القضايا العقارية وإعمال مبدأ النجاعة القضائية والبت في أجل معقول المنصوص عليه دستوريا.
  • تعديل المادة الرابعة من م ح ع، وجعل مهمة تحرير العقود الواردة على العقارات من اختصاص العدول والموثقين فقط.
  • إعادة النظر في العقوبات المتعلقة بالتزوير، خاصة وقد سبق أن أشرنا إلى قرارات قضائية قضت بعقوبات حبسية موقوفة التنفيذ بخصوص التزوير المرتكب من أحد الموثقين، الأمر الذي يفرغ النص التشريعي من غاياته المتمثلة أساسا في تحقيق الأمن العقاري والتوثيقي.
  • تعديل القانون المتعلق بخطة العدالة، وتوحيد نظام التوثيق في بلادنا، وذلك بإقرار التلقي الفردي خاصة بعد السماح للمرأة بالولوج إلى مهنة العدالة وإلزام العدل على غرار الموثق بالقيام بإجراءات التقييد المتعلقة بالعقود المحررة من قبله.
  • التنصيص على المسؤولية المفترضة للعدل والموثق على صحة العقد المحرر من قبلهما لتعلق الأمر بمهنيين مفروض فيهما الخبرة والكفاءة والخضوع لرقابة النيابة العامة.
  • التنصيص على تجريم فعل الاستيلاء على عقار الغير بسوء نية، وتفعيل الحماية الزجرية، لما تكتسيه من فعالية وسرعة قد لا تتوفر في الحماية القضائية المدنية، بحكم تعقد الإجراءات وطرق الطعن وغيرها من الإكراهات.
  • وضع خطة متكاملة لمؤسسة تنفيذ الأحكام القضائية العقارية، وإدخال تعديلات على قانون المسطرة المدنية، وتبني نظام متطور في مجال التنفيذ عموما، ومنازعاته خصوصا، لأن النظام الحالي لا يتضمن إلا حيزا ضيقا في فصول المسطرة المدنية لا يتلاءم ودور التنفيذ البالغ الأهمية. والتفكير في إسناد مهمة التنفيذ لجهة مستقلة تتولى عملية تنفيذ الأحكام القضائية تحت مراقبة القاضي المكلف بالتنفيذ.
  • توحيد الأنظمة القانونية المنظمة للعقار في مدونة موحدة، باعتماد لجنة محايدة تتكون من أكاديميين ومهنيين ومختصين في المجال العقاري تتولى إبداء الملاحظات والاقتراحات والتوصيات التي تساعد المشرع على بلورتها في نصوص قانونية بعيدة عن التشريع لفئة أو لقطاع معين لتفادي غياب الانسجام والتعارض في التشريعات الصادرة.

وفي الختام أجدد شكري وامتناني لأساتذتي الأجلاء أعضاء لجنة المناقشة وإلى الحضور الكريم.

قال تعالى “وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب”

صدق الله العظيم

والسلام عليكم وشكرا

مقال قد يهمك :   المستشار حسن فتوخ :موقف المحافظ العقاري من تقييد الأحكام والأوامر القضائية.
error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]