مجلة مغرب القانونالقانون الخاصنورالدين الأودي :شرط الصفة في مواصلة الدعوى في ضوء قانون المسطرة المدنية و العمل القضائي

نورالدين الأودي :شرط الصفة في مواصلة الدعوى في ضوء قانون المسطرة المدنية و العمل القضائي

  • الأستاذ نورالدين الأودي : باحث بسلك الدكتوراه و عضو بالودادية الحسنية للقضاة.

مـــقــــدمـــة :
إذا كانت غاية كل إجراء مسطري هو حماية الحقوق وصيانة المصالح المتضاربة داخل المجتمع، فإن ذلك يبقى رهينا بما يسنه المشرع من نصوص إجرائية، قادرة فعلا على بت الروح في القواعد الموضوعية لتضعها بين يدي العدالة عن طريق المطالبة القضائية . وعادة ما تتم هذه المطالبة في شكل دعوى يلجأ إليها كل من يدعي مساس الغير بحقه، أمام الجهة المختصة بذلك قانونا وهي مؤسسة القضاء.
وبديهي أنه لا يمكن قيام دعوى دون وجود مدع، وهو مقدم الطلب الرامي إلى استصدار حكم قضائي، حماية لحق من حقوقه التي تم الاعتداء عليها أو مهددة بالاعتداء. ويستوي في ذلك أن يكون المدعي شخصا طبيعيا أو اعتباريا.
والدعوى تكون موجهة ضد شخص وهو المدعى عليه، وقد توجه ضد أشخاص مدعى عليهم. لذلك لابد من تعيين الشخص المدعى عليه، إذ لا تسمع الدعوى المدنية ضد مجهول .
غير أنه قد يحدث بعد رفع الدعوى أمام المحكمة وفاة أحد أطرافها، أو يقع تغيير وضعية المدعي أو المدعى عليه بالنسبة إلى الأهلية. الأمر الذي جعل المشرع يتدخل لرسم الإجراءات الواجبة الاتباع في هذا الصدد ضمن الفصول 115-116-117 و 118 من قانون المسطرة المدنية.
وتنطوي هذه الفصول على تنظيم حالة وفاة أحد أطراف الدعوى، أو عندما تتغير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية. وكيف ينبغي إشعار الخلف أو النائب بمواصلة الدعوى، والجزاءات المترتبة على حضور أو تخلف من لهم الصفة في القيام بذلك.

والحقيقة أن موضوع شرط الصفة في مواصلة الدعوى، يعد من المواضيع المسطرية المهمة التي لم تحظ بالدراسة المعمقة. حيث تجد في أغلب الكتب التي تناولت بالشرح قانون المسطرة المدنية إشارات مقتضبة و محتشمة إلى مقتضياتها دون الغوص في الإشكالات العملية التي تثيرها.

المبحث الأول:الشروط المتطلبة لمواصلة الدعوى

إذا كان يلزم لبسط الدعوى أمام مجلس القضاء، مراعاة أحكام الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية الذي تقضي فقرته الأولى بأنه ” لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة، والأهلية، والمصلحة لإثبات حقوقه”. بالإضافة إلى تقديمها في شكل مقال مكتوب وموقع عليه من طرف المدعي أو نائبه ، ومستوف للبيانات المقررة قانونا . فإنه قد يحدث أثناء سيرها- وفاة أحد أطرافها أو تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية- ما يوجب تطبيق مقتضيات الفصل 115 من القانون المذكور، قصد تأخير البت فيها إلى حين إشعار من يملك الصفة في مواصلتها.

وقد تضمن الفصل 115 التنصيص على ما يلي:
يستدعي القاضي بمجرد علمه بوفاة أحد الأطراف أو بتغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية سواء شفويا أو بإشعار يوجه وفق الشروط المنصوص عليها في الفصول 37-38-39 من لهم الصفة في مواصلة الدعوى للقيام بذلك إذا لم تكن الدعوى جاهزة للحكم”.
لذلك ينبغي بحث هذه الشروط التي استلزمها المشرع لمواصلة الدعوى (المطلب الأول) وتوضيح ملامح من يملكون الصفة للقيام بهذا الإجراء المسطري (المطلب الثاني)

المطلب الأول : شروط مواصلة الدعوى.
باستقراء الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية ،يمكن الوقوف على أهم الشروط المتطلبة لمواصلة الدعوى وهي كالأتي:
1- وفاة أحد الأطراف أو تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية.
2- ألا تكون القضية جاهزة للحكم فيها.
وسنعمل على توضيح هذه الشروط وفق النقط التالية، مع بيان كيفية تعامل القضاء معها:

الفقرة الأولى: وفاة أحد الأطراف أو تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية.
تطرقت المادة 206 من مدونة الأسرة للأهلية ، وجعلتها إما أهلية وجوب أو أهلية أداء. و يقصد بالأولى “صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات التي يحددها القانون، وهي تبقى ملازمة له طول حياته ولا يمكن حرمانه منها”. فيما يراد بالثانية “صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته، ويحدد القانون شروط اكتسابها وأسباب نقصانها أو انعدامها”.
و الذي يعنينا في هذا المقام هو أهلية الأداء لأنها هي المقصودة في الفصل الأول والفصل 115 من قانون المسطرة المدنية .
وقد سارت محكمة النقض في هذا الاتجاه حين قررت ما يلي:

” حيث إن التقاضي طبقا للفصل الأول من قانون المسطرة المدنية لا يصح إلا ممن كان شخصا موجودا يتمتع بالأهلية: والأهلية تدور مع الشخص وجودًا و عدمًا والطعن بالنقض ثبت انه رفع باسم غير موجود فكان غير مقبول”.

ومما لا جدال حوله أن أهلية الأداء تتدرج بتدرج الإدراك أو التمييز، وتدور معه وجودًا وعدما ونقصانا. فكلما كان الإدراك أو التمييز كاملا كانت الأهلية كاملة، ومتى كان ناقصا كانت ناقصة ،وكلما كان مفقودًا أو منعدما كانت الأهلية كذلك منعدمة .
وغني عن البيان أن أهلية الشخص الطبيعي بالمغرب تخضع لقانون أحواله الشخصية طبقا لمقتضيات الفصل الثالث من ظهير الالتزامات والعقود، وأهلية الشخص المغربي كما حددتها المادة 209 من مدونة الأسرة تتم ببلوغه 18 سنة شمسية كاملة.
وهكذا فكل شخص بلغ سن الرشد ولم يثبت سبب من أسباب نقصان أهليته أو انعدامها، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه وتحمل التزاماته. وبمعنى أكثر وضوحًا فمن بلغ هذه السن كان له أن يباشر كل تصرفاته بدون قيد أو شرط ما لم يكن محجورا عليه لسفه أو جنون .
ذلك أنه قد يبلغ الشخص سن الرشد القانوني، ورغم ذلك لا يمكنه التقاضي لعارض من عوارض الأهلية ،حيث يحل محله نائبه الشرعي في التقاضي كما هو الحال مثلا بالنسبة لحالة العته والجنون والسفه. خاصة وأن التقاضي يدخل في دائرة التصرفات التي تدور بين النفع والضرر، إذ يحتمل ربح أو خسارة المتقاضي، ومن ثم كان لزاما أن يتوفر كل من أراد التداعي أمام القضاء على الأهلية الكاملة. أما إذا كان قاصرًا سواء لنقصان في الأهلية كالصغير المميز والسفيه أو لفقدانها شأن الصغير غير المميز والمجنون فلا بد من رفع الدعوى من طرف نائبه القانوني أو الشرعي .
أما المحكوم عليه بالحجر القانوني فإن حقوقه المالية تباشر عن طريق وكيل أو وصي تحت إشراف الوصي القضائي المعين طبقا لأحكام الفصل 39 من القانون الجنائي.
وفي هذا الإطار وجب أن نتساءل عن المقصود بعبارة:” تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية ” التي تضمنها الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية ؟
كإجابة على هذا التساؤل انبرى جانب من الفقه للقول بأنه في الحالة التي يصبح فيها القاصر راشدًا أو يرفع فيها الحجر عن ناقص الأهلية أو بانتهاء عقوبة من أشار إليه الفصل 39 من مجموعة القانون الجنائي المذكور ، وذلك أثناء النظر في الدعوى أو قبل رفع الطعن، فإنه لا يجوز أن تتابع الدعوى أو يرفع الطعن من قبل النائب الشرعي الذي كان يمثل القاصر أو ناقص الأهلية ،بل يجب أن يقع ذلك من قبل من أصبح يتمتع بأهليته.
وفي هذا الاتجاه قررت محكمة النقض ما يلي :
” إذا كانت البنت بالغة سن الرشد فإنه لا يصح للأم رفع الدعوى باسمها للمطالبة بنفقتها في مواجهة الأب دون ثبوت نيابتها عنها اتفاقا ،وليس من شأن مقال تدخل البنت الراشدة في الدعوى أمام محكمة الدرجة الثانية أن يجيز أو يصحح الدعوى ،والحال أنها قدمت بالنسبة إليها معيبة منذ البداية”.
وينبغي لفت النظر من جهة أخرى إلى أنه بالنسبة لأهلية الأشخاص المعنوية، فإنها تنبني على التمثيل القانوني . إذ تكون الأهلية متوافرة متى رفعت الدعوى من قبل من يمثل الشخص المعنوي قانونا.
وفي هذا الصدد يمكن أن نتصور المثال التالي :
تقدمت الشركة “أ” بمقال أمام القضاء، ترمي من خلاله الحكم لها على المدعى عليه “ب” بإتمام إجراءات البيع وأثناء سريان الدعوى اجتمع مسيروا الشركة وعقدوا جمعا استثنائيا اتخذوا فيه مقررًا إداريا بحل الشركة لأسباب يعتبرونها وجيهة…
بخصوص هذه النقطة قررت محكمة النقض ما يلي :
” الشركة المنحلة كالإنسان الميت لا يكون لهما أهلية التقاضي وإنما تكون لخلفائهما”.
وهذا على خلاف ما لو أن هذه الشركة وخلال جريان الدعوى ،صدر في مواجهتها حكم يقضي بإخضاعها للتسوية القضائية. ذلك أنه بمطالعتنا للمادة 576 من مدونة التجارة، نخلص إلى أن التسوية القضائية لا تقيد من أهلية رئيس المقاولة وبالنتيجة فهي لا تغل يده بشأن التقاضي بخصوص أموال الشركة.
وعلى هذا الأساس ينبغي القول أنه لا عارض يلحق أهلية رئيس المقاولة، وبالتالي لا موجب لتطبيق مقتضيات الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية في هذه الحالة،وذلك على خلاف الحالة التي تم فيها حل الشركة.
هذا ،أما بخصوص وفاة أحد أطراف الدعوى فلزمت الإشارة إلى أن المقصود بها هي الوفاة التي تطرأ أثناء سريان الدعوى لا قبلها أو بعدها.وهذا ما يؤخذ من قرارات محكمة النقض بخصوص هذه النقطة :

  1. ” حقا: انه كان على المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه أن توجه الإشعار بإصلاح المسطرة لورثة المستأنف الذي ثبتت لديها وفاته بعد استئنافه لا إلى محاميه حسبما نصت عليه في حكمها وذلك للمقرر فقها وقانونا من أن الوكيل يعزل بمجرد موت موكله وبذلك لم تبق له الصفة لمتابعة الدعوى أو إشعار الورثة لأنه ليس بوكيل عنهم وبذلك يكون الحكم غير مرتكز على أساس وبالتالي يكون مانعاه الطاعنون في الوسيلة الأولى في محله”.
  2. “إذا حصلت وفاة أحد الأطراف قبل صدور القرار الاستئنافي المطعون فيه بالنقض فان الطعن بالنقض حتى يكون مقبولا يجب تقديمه من طرف ورثته كخلف عام له لا من طرفه شخصيا والحال انه متوفى كما أن تدخل ورثته لمواصلة الدعوى المقدمة من طرفه والحال انه متوفى غير مقبول لان الدعوى المرغوب في مواصلتها قدمت باطلة ومن عديم الأهلية فضلا على أن مواصلة الدعوى لا تتم إلا إذا حصلت الوفاة خلال سريان الدعوى أو إذا كانت القضية غير جاهزة للحكم فيها لا أن تتم الوفاة قبل تقديم الطعن بالنقض”.
  3. “المطالبة بالتعويض عن الأضرار البدنية الناتجة عن حادثة سير تنصب على حق شخصي مرتبط بالمتضرر،الذي له وحده الحق في إقامة الدعوى للمطالبة بالتعويض عنه،ما دام هذا الحق لا يعد حقا ماليا ينتقل عن طريق الإرث ،وبالتالي ليس من حق ورثته المطالبة بالتعويض المذكور،إلا إذا كان موروثهم قد رفع الدعوى قيد حياته ،فيبقى لهم الحق في مواصلتها “.

وقد سارت محاكم الموضوع في هذا الاتجاه وهي تقضي بما يلي :
“بناء على مقال المدعي الافتتاحي المسجل بكتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 20/09/1990 والذي تعرض فيه طلبها بالحكم باستحقاقها شفعة الحصة المبيعة في الدار الكائنة بعنوان المدعى عليها.
وبناءا على الإجراء المسطري في الملف.
وحيث إن المدعى عليها متوفاة بتاريخ تقديم الدعوى، إذ أنها دفنت بمقبرة المصلى حسب رخصة الدفن المؤرخة في 27/07/1989.
وحيث إنه من المقرر أنه لا تصح الدعوى في حق عديم الأهلية،وأن أهلية الشخص تنمحي بوفاته طبقا لمقتضيات الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية.
وحيث إن الإجراء المقرر في الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية لا يكون لازما إلا في حالة تغيير الأهلية والمسطرة جارية لا قبلها.
وحيث إنه و للعلل أعلاه تكون الدعوى معها غير صحيحة وينبغي لذلك التصريح بعدم قبولها”.
ننتهي من كل ما سبق إلى ترتيب الخلاصات التالية :
أولا : ان الإجراء المسطري المتعلق بإشعار من لهم الصفة في مواصلة الدعوى إذا لم تكن هذه الأخيرة جاهزة للحكم،لا تكون المحكمة ملزمة به إلا إذا حدث أثناء سير الدعوى ما يوجبه،كأن يثبت للمحكمة وفاة أحد أطراف الدعوى أو تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية. ومن مثال ذلك : أن يبلغ القاصر سن الرشد القانوني أثناء سريان الدعوى الممثل فيها بواسطة نائبه الشرعي ، أو أن يصدر حكما بالتحجير أو برفعه على أحد الأطراف…الخ.
أما إذا ثبت للمحكمة أن الدعوى المنظورة أمامها رفعت مثلا من ميت أو عليه، أو وجهت من ناقص أهلية أو عليه. فإنها تسلك ما نصت عليه الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية التي جاء نصها كالآتي:
” يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة أو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا وينذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده ،إذا ثم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة،وإلا صرح القاضي بعدم قبول الدعوى”.
وفي هذا الاتجاه قضت المحكمة الابتدائية بالجديدة بما يلي :
“حيث إن الطلب يهم قسمة عقار محفظ تحت عدد5571 د.
وحيث إنه عملا بالفصل 1 من قانون المسطرة المدنية فإنه لا يجوز مقاضاة عديم الأهلية أو ناقصها إلا في شخص من يتقدم عنه وعند عدمه في شخص السيد قاضي شؤون القاصرين بصفته وليا شرعيا لمن لا ولي له.
و حيث إن المدعي يقاضي هؤلاء القاصرين في شخصهم دون ممثلهم القانوني أو الشرعي حسبما تقدم والقاعدة أنه لا تصح الدعوى في حق فاقد الأهلية أو ناقصها في شخصه،وحيث وجب التذكير بأن المدعى عليها فاطمة قد أثارت بجلسة 23/03/1989 واقعة قصور من تقدم وعلى إثر ذلك كلفت المحكمة المدعي بتصحيح المسطرة فلم يفعل .
لأجل ذلك تكون الدعوى قد قدمت بصفة غير نظامية فهي غير مقبولة”.
ثانيا: أن المحكمة ليست ملزمة دائما بتطبيق الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية إذا حدث أثناء سير الدعوى ما يستدعي ذلك،متى كانت تنظر الدعوى المقامة أمامها بوصفها محكمة تحفيظ.
ومن بين القرارات التي سلكت فيها محكمة النقض هذا المسلك نورد ما يلي :
“إن محكمة التحفيظ تبت في القضايا المعروضة عليها كما أحالها عليها المحافظ على الأملاك العقارية ،وترجعها إليه بعد أن يصبح الحكم نهائيا لتنفيذ ما قضت به. ويصحح الحالة الناشئة عن وفاة أحد أطراف الدعوى بطلب ممن يعنيهم الأمر.
الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية المتعلق بإدخال ورثة أحد أطراف الدعوى لا يطبق أمام محكمة التحفيظ التي يتعين عليها أن تبت في القضية المحالة عليها من طرف المحافظ.
المحكمة التي قضت بإلغاء الحكم المستأنف، وبعد التصدي الحكم بعدم قبول الطلب بعلة أن موروث المستأنفين توفي أثناء نظر الدعوى ولم يصحح المستأنف عليهم المسطرة بإدخال ورثة الهالك تكون قد عللت قضاءها تعليلا فاسدا وعرضته للنقض”.
“إن طالب التحفيظ لا يجبر على أن يدخل ورثة أحد المتعرضين المتوفى بعد إحالة الملف على المحكمة ،لأن أي تغيير في هوية أطراف النزاع بعد هذه الإحالة يكون المحافظ ملزما بتنفيذه بعد إرجاع الملف إليه من المحكمة بعد أن يصبح الحكم نهائيا.
إن مسطرة التحفيظ مسطرة خاصة لا تخضع لأحكام الفصل 115 من المسطرة المدنية .
يتعرض للنقض القرار الذي قضى بعدم قبول استئناف طالب التحفيظ الذي لم يدخل ورثة أحد المتعرضين الذي توفي بعد إحالة الملف على المحكمة “.
ثالثا: أن الحق في مواصلة الدعوى يعد من بين الآثار التي تترتب بالنسبة للخصوم على تقديم الطلب إلى المحكمة، سواء كان هذا الطلب أصليا أو عارضا.
ذلك أن رفع الدعوى إلى القضاء يرتب توارث بعض الحقوق في حالة وفاة المدعي أثناء النظر فيها. ذلك أن صاحب هذا الحق مادام قد طالب به في حياته وأظهر إرادته في الاستفادة منه، فإن مقتضيات العدل والإنصاف تتطلب ألا يحرم الورثة من الحلول محل موروثهم نتيجة بطء الإجراءات القضائية. بل يجب أن يعتبر الحكم الصادر فيما بعد وكأنه صدر يوم تقديم الطلب وأصبح منذ ذلك الوقت من تركة الموروث وعنصرا من عناصرها، ومن هنا كان الرأي المعمول به والذي أخذت به التشريعات الحديثة، يكمن في الحق في التعويض عن الضرر المعنوي وهو حق يتعلق بشخص المضرور ينتقل إلى الورثة إذا طالب به الدائن أمام القضاء .

مقال قد يهمك :   سعد بوجناني : الشرط الجزائي بين مطلب العدالة التعاقدية و هاجس ضمان تنفيذ الالتزام

الفقرة الثانية : ألا تكون القضية جاهزة للحكم فيها

ينص الفصل 114 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي :
“لا تؤخر وفاة الأطراف أو تغيير وضعيتهم بالنسبة إلى الأهلية الحكم في الدعوى إذا كانت جاهزة”.
كما أن مضمون الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية جرى سياقه إلى أنه متى تبت للمحكمة وفاة أحد أطراف الدعوى المنظورة أمامها، أو حدث تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية. لزمها أن تستدعي سواء شفويا أو بإشعار يوجه وفق الشروط المنصوص عليها في الفصول 37-38-39 من لهم الصفة في مواصلة الدعوى للقيام بذلك إذا لم تكن الدعوى جاهزة للحكم.
ويثور التساؤل بعد قراءة هذين الفصلين بخصوص معرفة الوقت الذي تعتبر فيه القضية جاهزة للحكم ؟
مما لاشك فيه أن الإجابة على هذا التساؤل تقتضي حتما مطالعة الفصل 335 من قانون المسطرة المدنية الذي نص في فقرته الأولى على ما يلي :
“إذا تم تحقيق الدعوى أو إذا انقضت أجال تقديم الردود واعتبر المقرر أن الدعوى جاهزة للحكم أصدر أمرا بتخليه عن الملف وحدد تاريخ الجلسة التي تدرج فيها القضية”
فالقاضي المقرر يصدر أمرا بالتخلي عن ملف القضية عندما يعتبرها جاهزة للبت فيها ، ويعتبر كذلك إذا أسند الأطراف النظر للمحكمة، أو إذا سكت أحد الأطراف عن الجواب أو التعقيب أو إذا انقضى أجل الرد ، ولم يدل الخصم بمذكرته الدفاعية أو إذا أدلى الخصم بمذكرة لا تتضمن عنصرا جديدا ، ولم تظهر للمقرر ضرورة تبليغها للخصم الآخر إلى غير ذلك من الحالات التي يستقل القاضي المقرر بتقديرها.
ولذلك وجب القول في سياق التعليق على الفصلين المذكورين أن المشرع حسنا فعل ،

ذلك أنه إذا كانت القضية قد نوقشت من الأطراف وأدلى كل منهم بما عنده ، وتوفي أحدهم أو طرأ تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية فإنه لا مبرر لتأخير القضية لاستدعاء الورثة أو ممثل من عرفت أهلية تغييرا لأن المحكمة استمعت إلى الأطراف وكونت قناعتها من دفوعهم وهم متمتعون بصفتهم وأهليتهم، وان أثر الحكم الصادر على السلف يسري على الخلف ، كما أن الحكم الصادر في حق من طرأ على أهليته تغيرا يسري عليه كذلك لأنه أدلى بكل ما عنده.

غير أنه يمكننا أن نتصور سلوك مسطرة مواصلة الدعوى في هذه الحالة ، وذلك إذا أعيدت القضية من جديد إلى القاضي المقرر وذلك في الحالتين التاليتين :

  • أ-إذا طرأت بعد أمر الإحالة واقعة جديدة من شأنها أن تؤثر على القرار .
    ب-إذا تعذرت إثارة واقعة قبل أمر الإحالة خارجة عن إرادة الأطراف.

وفي هذا الصدد يطالعنا رأي على قدر كبير من الوجاهة للأستاذ نور الدين لبريس والذي أشار من خلاله إلى أنه إذا كانت الغاية من تحقيق الدعوى هي البحت عن الحقيقة وأن الإجراءات المسطرية تبقي في ذاتها مجرد إجراءات لتنظيم عملية تحقيق الدعوى، لذلك لم يكن مناسبا جعل الأمر بالتخلي نهاية قاطعة ولا رجعة فيها للمناقشات ، بل يمكن للمحكمة بعد الأمر بالتخلي وإحالة القضية عليها ، إذا ما طرأت واقعة جديدة من شأنها أن تغير نظرها وتؤثر على القرار ، أن تعيد القضية إلى القاضي المقرر . وهو ما يعني تراجعا عن الأمر بالتخلي وطرح القضية للمناقشة من جديد.
وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها وهي تقضي بأن :

“العدول عن الأمر بالتخلي إمكانية مخولة لمحكمة الموضوع متى ثبت لها أن هناك واقعة جديدة من شأنها أن تؤثر على القرار وأنها خارجة عن إرادة الأطراف وتعـذر إحـالتها قبل الإحالة “.
وبديهي أننا نكون إزاء هذه الصورة ، حيث تعتبر القضية جاهزة للحكم ، متى تعلق الأمر بكون القضية المعروضة على المحكمة تدخل في زمرة القضايا التي تطلب المشرع أن تسلك بخصوصها المسطرة الكتابية دون تلك التي استثناها المشرع في الفصل 45 من قانون المسطرة المدنية .
حيث يؤخذ من هذا الفصل أنه تطبق أمام المحاكم الابتدائية وغرف الاستئنافات بها قواعد المسطرة الكتابية المطبقة أمام محاكم الاستئناف غير أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية :

  •  القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وإنتهائيا .
     قضايا النفقة والطلاق والتطليق.
     القضايا الاجتماعية
     قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء
     قضايا الحالة المدنية.

وغني عن البيان أنه في مثل هذه القضايا التي تخلو من مسطرة القاضي المقرر ،فإنه بمجرد ما يقدم المقال ويقيد في السجل المعد لذلك ، وتؤدى عنه الرسوم القضائية في صندوق المحكمة ، تعين لها الجلسة ويحال الملف على رئيس المحكمة الذي يعين القاضي المكلف . ويروج الملف أمام المحكمة ويتبادل أطراف الدعوى المذكرات والردود والمستنتجات إلى أن تصبح القضية جاهزة للحكم فيها ويحجز الملف للمداولة إذا تعلق الأمر بهيئة جماعية أو التأمل إذا تعلق الأمر بقاض منفرد.
ذلك أن المسطرة الشفوية لا تتم إلا بحضور الأطراف بأشخاصهم بمجلس القضاء لمناقشة الدعوى شفويا.
وفي هذا السياق ينص الفصل 118 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي :
“إذا حضر الأشخاص الذين لهم الصفة في مواصلة الدعوى الجلسة التي أثيرت فيها القضية تعتبر الدعوى سارية بهذا الحضور إذا لم يصدر عنهم تصريح صريح بذلك “
وهكذا إذا كانت القضية جاهزة للحكم فيها عندما علمت المحكمة بوفاة أحد أطراف النزاع أو حدوث تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية، فإنها تبت في الملف ولا تؤخره لاستدعاء من له الصفة في مواصلة الدعوى. فإذا حضر من له الصفة من تلقاء نفسه واختار مواصلة الدعوى سرت آثارها في حقه كسلفه ، وإذا لم يحضر أو حضر ولم يصرح بشيء ولم يطلب تأخير القضية لتقديم دفوعه أو الحجج التي يؤيد بها طلب موروثه سلبا أو إيجابا صدر الحكم في القضية. ويكون ساريا في حق من حضر ومن توصل ولم يحضر شرط أن تكون له الصفة في خلافة السلف ، ومن جملة آثار الحكم أنه يبلغ إلى الخلف الذي حضر أو استدعي ولم يحضر ويسري أجل الطعن ابتداء من توصله ولا يستفيد من مهلة الورثة المنصوص عليها في الفصل 137 من قانون المJسطرة المدنية.

المطلب الثاني : الصفة في مواصلة الدعوى

يلاحظ بهذا الخصوص أن محكمة النقض استقرت في أغلب القرارات الصادرة عنها، أن المقصود بمن لهم الصفة في مواصلة الدعوى المشار إليهم في الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية . هم ورثة الهالك أو نائبه الشرعي ليتدخلوا في الدعوى أصالة بالنسبة للورثة ونيابة بالنسبة للنائب الشرعي ، أي أن الذي فقد الصفة في الدعوى هو من مات أو طرأ تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية، أما الطرف الآخر فلم يفقد صفته وبقيت الدعوى قائمة وسليمة في حقه سواء كان مدعيا أو مدعى عليه.

وقد سارت محكمة النقض في هذا الاتجاه حين قررت ما يلي :

“حيث إن الحكم الابتدائي المستأنف ورد في منطوقه كما بنسخة الحكم المطلوب نقضه وصدر الحكم على المدعى عليه بإشهاد البيع لورثة المدعي …. الخ ،في حين أنه ورد في منطوق حكم الغرفة ما يأتي : وثانيا بإلغاء المدعي شراء المدعى فيه على الصفة التي ذكرها في مقاله . وببطلانها للتناقض الواقع بين حجته ومقاله في قدر الثمن . وللمدعي الحق في طلب ما اعترف به المدعى عليه من الثمن…. الخ مما ينتج معه صحة مانعاه المعترض على الحكم الاستئنافي من عدم قيامه بالإجراءات الواجبة لتأخذ الدعوى مجراها الطبيعي من توجيه الاستئناف على من وقع الحكم عليه وهم الورثة الذين خلفوا والدهم وصدر الحكم الابتدائي لصالحهم . إذ يكون الحكم لا يرتكز على أساس”.
كما اتجهت نفس المحكمة إلى تقرير ما يلي :
“حيث صح ما عابه الطاعنون على القرار ذلك أن رد دفعهم الرامي إلى عدم قبول الدعوى لكون موروثهم البائع للمطلوب توفي قبل إقامة الدعوى ضده : بان الشهادة العقارية المؤرخة في 29/01/1992 تفيد بأنه مازال حيا بالرسم العقاري ومسجلا به ولذلك فإن إقامة الدعوى سليمة لأن المسجل بالرسم العقاري يعد حيا إلى أن تسجل إراثته في حين أن الدعوى تهدف إلى رفع الحجز التحفظي المسجل على الرسم العقاري المبيع وهو التزام لا يتأتي تنفيذه من هالك وإنما من طرف ورثته وفي حدود أموال التركة والقرار لما رد دفعهم بالعلة المذكورة يكون فاسد التعليل المنزل منزلة انعدامه ومعرضا للنقض” .
من ناحية أخرى اعتبرت محكمة النقض في قرارات كثيرة لها أن الطعن كالدعوى لا يرفع من ميت أو عليه. ومن ذلك القرار الصادر عنها بتاريخ 19/11/08 تحت عدد 1484 والذي جاء فيه:

“إذا حصلت وفاة أحد الأطراف قبل صدور القرار الاستئنافي المطعون فيه بالنقض فإن الطعن بالنقض حتى يكون مقبولا يجب تقديمه من طرف ورثته كخلف عام لا من طرفه شخصيا والحال أنه متوفى “

وإذا كانت محكمة النقض كما أشرنا ، اعتبرت أن من لهم الصفة في مواصلة الدعوى وفق أحكام الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية هم الورثة باعتبارهم خلفا عاما للطرف الذي حصلت وفاته، أو النائب الشرعي بالنسبة لمن عرفت وضعيته تغييرا بالنسبة إلى الأهلية. فقد لزم بيان المقصود بالخلف العام والنائب الشرعي من الناحية المسطرية على النحو الآتي :

-الخلف العام : هو من يخلف السلف في ذمته المالية كلها أو في جزء شائع منها باعتبارها مجموعة أموال . كالوارث الذي يخلف الموروث في تركته أو الموصى له بقدر منها كالربع أو الخمس .
ويعتبر الخلف العام ممثلا في الحكم الابتدائي عن طريق سلفه ،ولذلك يحق له استئناف هذا الحكم بعد وفاة موروثه. وبمعني آخر فإن الخلف العام والورثة خاصة يعتبرون طرفا ممثلا في الدعوى التي كان موروثهم طرفا فيها ، ويمكنهم استئناف الحكم الصادر فيها. لكن حقهم في هذا الاستئناف يبقى مع ذلك مشروطا بكون الحق موضوع النزاع الابتدائي قابل للانتقال للورثة من حيث طبيعته، فإن كان حقا مرتبطا بشخص المتوفى كطلب تعويض عن الضرر المعنوي، فإن الحكم الصادر بشأنه لا يقبل الاستئناف من الورثة ، لأن الحق في التعويض المعنوي خاص بشخص المتوفى وغير قابل للانتقال للورثة .

-النائب الشرعي : باستقراء المادة 229 من مدونة الأسرة يتبين أن النيابة الشرعية عن القاصر إما ولاية أو وصاية أو تقديم وفي هذا السياق ينبغي إبداء الملاحظات التالية :
باستقراء المادة 211 من مدونة الأسرة نجد أنها قررت خضوع فاقدي الأهلية وناقصيها بحسب الأحوال إلى أحكام الولاية أو الوصاية أو التقديم، وفقا للشروط والقواعد المقررة في هذه المدونة للنيابة عنهم في شؤونهم الشخصية وتسيير أموالهم واستثمارها والحفاظ عليها من الضياع.
يؤخذ من المادة 218 من مدونة الأسرة أن الحجر ينتهي عن الصغير بمجرد بلوغه سن الرشد القانوني (18سنة شمسية كاملة )، إلا إذا سبق الحكم باستمرار التحجير عليه لسبب من الأسباب الموجبة لذلك كالجنون أو السفه، فحينئذ لا ينتهي الحجر عليه وإنما يستمر.كما يمكن للمحجر عليه بسبب إصابته بإعاقة ذهنية أو بسبب السفه أن يطلب من المحكمة رفع الحجر عنه إذا أنس من نفسه الرشد، كما يحق ذلك لنائبه الشرعي .
إذا رأى النائب الشرعي (الأب أو الأم أو الوصي أو المقدم ) قبل أن يبلغ المحجور سن الرشد القانوني أنه مصاب بجنون أو إعاقة ذهنية أو خلل عقلي أو عته أو سفه، فإنه يجب عليه-حفاظا على شؤون هذا المحجور –أن يرفع الأمر إلى المحكمة ويطلب منها الحكم باستمرار الحجر عليه.
يستفاد من المادة 220 من مدونة الأسرة أنه إذا لحق الشخص عارض من عوارض أهلية الأداء كالجنون والسفه والعته، فإن المحكمة تحكم عليه بالتحجير من وقت ثبوت حالته بذلك لديها، ويرفع عنه الحجر أيضا ابتداء من تاريخ زوال السبب.
للنائب الشرعي الولاية علي شخص القاصر وعلى أمواله إلى بلوغه سن الرشد القانوني، وعلى فاقد العقل إلى أن يرفع الحجر عنه بحكم قضائي. وتكون النيابة الشرعية على السفيه والمعتوه مقصورة على أحوالهما إلى أن يرفع الحجر عنهما بحكم قضائي .
  نـخلص مما سبق إلى القول أنه سواء تم الحكم باستمرار التحجير على القاصر الذي بلغ سن الرشد القانوني لعارض من عوارض الأهلية، أو رفع الحجر عمن سبق الحكم عليه بالتحجير. فإن كل ذلك يشكل تغييرا يهم وضعية الطرف المتقاضي بالنسبة إلى الأهلية، بحيث يكون مثلا بالنسبة لمن رفع عنه الحجر أن يواصل الدعوى المرفوعة من نائبه أو الموجهة ضد هذا النائب انسجاما مع مقتضيات الفصل 115 وما يليه من قانون المسطرة المدنية .

مقال قد يهمك :   بيان استنكاري للموثقين بسبب ما اعتبروه "تراميا" للعدول على اختصاصهم (وثيقة)

المبحث الثاني :إجراءات مواصلة الدعوى

يقصد بإجراءات مواصلة الدعوى، قيام القاضي الذي ثبتت له وفاة أحد أطراف الدعوى أو تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية، بإشعار من يملكون الصفة في مواصلتها وإمهالهم الآجال الكافية لتنصيب محام وتهييئ أوجه دفاعهم .
ويثير هذا الإجراء المسطري التساؤل بخصوص مجال تحرك القاضي في تسيير الدعوى؟
ذلك أنه إذا كانت الدعوى المدنية في جانب واسع منها ملك لأطرافها، منذ انطلاقها بواسطة الطلب الأصلي وتوجيهها عبر الطلبات العارضة أو تركها عن طريق التنازل. فهل يشكل ذلك مدعاة للقول بأن القاضي يجب أن يبقى على حياده وأن لا يحكم بأكثر مما طلب منه؟
الواقع أن دور القاضي في تسيير الدعوى تنازعه رأيان، الرأي الأول يذهب إلى تقليص دور القاضي في تسيير المسطرة ويحصره في تلقي المقالات والأجوبة والمذكرات دون تفحصها والوقوف على مكامن الخلل فيها. فدوره محدود بما يرتبه القانون على ما يقدمه الخصوم من أدلة قانونية. ومن هنا وجب على القاضي أن يلتزم السلبية في تسيير الدعوى المعروضة عليه، فلا يقوم بتقصير أمدها ولا تطويله ولا يبحث عن الأدلة ولا يقوم بتوجيه الخصوم.
أما التيار الثاني فيقول بإعطاء الفرصة للقاضي لتسيير الدعوى ليس في اتجاه مصلحة هذا الطرف أو ذلك، ولكن في اتجاه الوصول إلى الحقيقة. ويستند هذا الاتجاه في رأيه على أن الدعوى وإن كانت حقا متعلقا بالخصوم أساسا، فإن ذلك لا ينفي أنها تتعلق أيضا بمرفق عمومي ألا وهو القضاء. وأن القاضي مكلف من طرف الدولة بحسن تسيير هذا المرفق وفق مقتضيات المصلحة العامة.
وأيا كان الأمر، فإن الحديث عن الدور الإيجابي للقاضي في تسيير الدعوى، لزم لفهم مضمونه الاستعانة بالسياسة التشريعية العامة التي توخاها المشرع من قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 بعد إلقاء قانون 12 غشت 1913. حيث جسدت بعض فصوله مظهرا أساسيا لدور القاضي المدني في تسيير الدعوى. ومن الأمثلة على ذلك نشير باقتضاب إلى ما استلزمه المشرع من إنذار الطرف بتصحيح المسطرة، وبتحديد البيانات غير التامة والتي وقع إغفالها من غير أن يعتبر ذلك مسا بنزاهة القاضي أو تحيزا منه لأحد أطراف الدعوى. كما أنه بالإضافة إلى ذلك، يمكن للقاضي أن يأمر تلقائيا قبل البت في جوهر الدعوى بإجراء خبرة أو الوقوف على عين المكان أو بحث أو تحقيق خطوط أو أي إجراء آخر من إجراءات التحقيق الذي يراه مناسبا للوصول إلى الحقيقة.
وإلى جانب إمكانية الأمر تلقائيا بهذه الإجراءات، فإن القانون خوله أيضا تقدير قيمتها الثبوتية. ففي مجال الخبرة مثلا، فالخبير عندما يضع تقريره فإن القاضي يعبر عن موقفه إزاء هذا التقرير. فله أن يأخذ به أو يستبعده، وله أن يأمر الخبير بالحضور أمامه لتقديم الإيضاحات اللازمة، وله أن يرجع له تقرير الخبرة ليتدارك ما اعتراه من نقص، وله أن يقرر استبداله.
والجدير بالتنبيه هنا أن القاضي وهو يمارس دوره التنقيبي في الدعوى، يكون متقيدا ببعض الضوابط :أهمها ألا يكون الهدف من اتخاذ هذه الإجراءات إقامة حجة للطرف الآخر. فالمحكمة عندما تتدخل في مجال الإثبات بالأمر بإجراء من إجراءات التحقيق، إنما يقوم القاضي فيها بتوجيه الخصوم إلى ضرورة تكملة دليل موجود ولكنه ناقص. أما إذا لم يقم الخصم بالإدلاء بأي دليل فإن المحكمة لا تحل محله وإنما تنذره بإثبات دعواه تحت طائلة عدم قبولها.
نخلص من كل ما سبق إلى القول أنه إذا كانت العدالة تعتبر الجوهر أكثر من الشكل.وأنه كثيرا ما تكون الأوضاع الشكلية سببا في ضياع وإهدار الكثير من الحقوق، فإن المشرع توفق إلى حد مهم وهو ينتصر للرأي القائل بتوسيع سلطات القاضي في تسيير الدعوى بما ينسجم وحسن تسيير مرفق القضاء
وإذا كان الأمر على النحو الذي تقدم، فيجدر بنا طرح السؤال بخصوص سلطة المحكمة في إدخال الورثة لمواصلة الدعوى. خاصة أنه وباستقرائنا للفصل 108 من قانون المسطرة المدنية نخلص إلى تقرير ما يلي:
إذا أدخل مدعى عليه أمام المحكمة بصفة وارث لشخص هلك منحه القاضي بطلب منه أجلا كافيا لتقديم دفاعه مع مراعاة ظروف الدعوى.
ولعل ما يبرر هذا التساؤل هو أن هذا الفصل جاء ضمن الفرع الأول من الباب الرابع من القسم الثالث من قانون المسطرة المدنية الذي يحمل عنوان إدخال الغير في الدعوى.
ويقصد بإدخال الغير في الدعوى تكليف شخص خارج عن الدعوى بالدخول فيها،ومثال ذلك: أن يقوم الدائن المدعي بإدخال المتضامن مع المدعى عليه أو الكفيل المتضامن معه ليصدر الحكم في مواجهتهم،كما قد يرى المشتري الذي أقام على بائعه دعوى مطالبا إلزامه بتسليم البضاعة المبيعة أن يطلب إدخال بائعه في الدعوى ليحكم عليه بتسليم البضاعة إليه وهو المدعى عليه ليتمكن بدوره من تسليمها للمدعي.
و الواقع أن إدخال الغير في الدعوى يؤدي حتما إلى توسيع نطاقها الشخصي. واعتباره كطلب عارض يفترض أن هناك خصومة قائمة بالفعل أمام القضاء، وأن تكون من الخصومات التي يمكن أن تكون متعددة الأطراف تعددا اختياريا ،ولكنها لم تبدأ كذلك. ولهذا سمح المشرع لأحد أطرافها أن يختصم بعد رفعها من كان يصح اختصامه فيها ابتداء.
ومهما يكن فإن المشرع لم يورد نصا صريحا يعطي للمحكمة إمكانية إدخال الغير في الدعوى. ذلك أنه في الحالة التي تأمر فيها المحكمة تلقائيا من لهم الصفة في مواصلة الدعوى، إذا ما توفي أحد الأطراف أثناء النظر فيها أو طرأ تغيير في وضعيته بالنسبة إلى الأهلية.لا ينبغي معه حسب بعض الباحثين اعتبار هذا الأمر يتعلق بالإدخال بقدر ما هو إشعار من القاضي بإصلاح المسطرة لتوجيهها ضد أصحاب الصفة الحقيقيين، ذلك أن هذه الحالة لا تخلو من فرضيتين :

-الفرضية الأولى : أن الإدخال هنا واقعي ، فهو إجراء جوهري يمكن ذوي الصفة من الاستمرار في الدعوى .
-الفرضية الثانية : أن سير المسطرة يقتضي صحتها توافر شروطها من صفة وأهلية ومصلحة.

فالأمر فيه شقين يمكن الإدخال الواقعي وتحري شروط الدعوى ما لم تكن جاهزة للحكم.
ومن هنا لزم القول بأن الفصل 108 من قانون المسطرة المدنية لا يعدو أن يكون سوى تكريسا لما نص عليه الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية، على الرغم من وروده في الفرع الخاص بإدخال الغير في الدعوى كطلب عارض.
وقد سارت محكمة النقض في هذا الاتجاه حين قررت ما يلي :
“الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية ينص على أن يستدعي القاضي بمجرد علمه بوفاة أحد الأطراف من لهم الصفة في مواصلة الدعوى، ولما كان الطاعنون قد تبثث لهم الصفة بمقتضى إراثتهم ولم تقم محكمة الاستئناف باستدعائهم ،فإن اعتمادها الفصل 142 من قانون المسطرة المدنية يجعل تعليلها فاسداُ يعـرض قـرارها للنـقــــض “.
وسنتولى فيما يلي التعرض للإجراءات الواجبة الإتباع من طرف القاضي الذي ثبتت له وفاة أحد الأطراف، أو تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية كما رسمها الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية. والتي تتمثل في إشعار ذوي الصفة لمواصلة الدعوى (المطلب الأول)،وكذا كيفية تبليغ هذا الإشعار (المطلب الثاني).

المطلب الأول : الإشعار بـمواصلة الدعوى

يـجري سياق الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية على أنه متى علم القاضي بوفاة أحد الأطراف أو بتغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية، يستدعي سواء شفويا أو بإشعار يوجه وفق الشروط المنصوص عليها في الفصول37،38،39 من قانون المسطرة المدنية من لهم الصفة في مواصلة الدعوى للقيام بذلك إذا لم تكن الدعوى جاهزة للحكم. كما نص الفصل 116 من نفس القانون على أنه :

” إذا لم يقم الذين أشعروا بمواصلة الدعوى بذلك في الأجل المحدد يصرف النظر ويبت في القضية “.

ويلاحظ من خلال صياغة الفصل 115 المذكور أن المشرع قصد المدعي أو المدعي عليه الذي يتوفى أو يفقد أهليته مباشرة بعد رفع الدعوى أمام القضاء أو أثناء سيرها.
ويدق الأمر من خلال مطالعتنا للجزاء الذي رتبه المشرع في حالة عدم استجابة من اشعروا بمواصلة الدعوى، سيما إذا كان الذي توفى أو فقد أهليته هو المدعي.
ومثال ذلك: تقدم شخص بمقال مؤدى عنه الرسوم القضائية ، غير أنه عندما استدعي أثناء تحقيق هذه الدعوى ،رجع طي تبليغه بعبارة متوفى ،فأشعرت المحكمة من لهم الصفة أي ورثته لمواصلة الدعوى. إلا أن هذا الإجراء بقي دون جدوى .الأمر الذي وجب معه طرح السؤال بخصوص الإجراء الواجب اتخاذه من جانب المحكمة، فهل تصرف النظر وتبت في القضية وفقا لأحكام الفصل 116 أم تصرح بعدم قبول الدعوى ؟
يبدو أن الجزاء الذي ينبغي تقريره في هذه الحالة هو عدم قبول الدعوى وليس صرف النظر عن إجراء مواصلتها ، وذلك انسجاما مع القاعدة القائلة أنه لا يجوز التقاضي من ميت أو عليه،كما أن عدم تدخل الورثة لمواصلة الدعوى يفهم منه ضمنيا أنه إهمال من جانبهم. وبذلك فإنه لا يمكن الفصل في نزاع أهمله أطرافه ولم يعيروه أي اهتمام.
كما ينبغي طرح السؤال بخصوص الجزاء الذي ينبغي تقريره في حالة وفاة المدعى عليه.
ينبغي لفت الانتباه إلى أن المحكمة ملزمة في هذه الحالة من التأكد مما إذا كانت الوفاة حصلت قبل رفع الدعوى، أم خلال سريانها؟
وفي هذا الصدد قضت المحكمة الابتدائية بالجديدة بما يلي :
” بناء على مقال المدعي الافتتاحي المسجل بكتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 20/09/1990 والذي تعرض فيه طلبها بالحكم باستحقاقها شفعة الحصة المبيعة في الدار الكائنة بعنوان المدعى عليها.
وبناء على الإجراء المسطري في الملف.
وحيث إن المدعى عليها متوفاة بتاريخ تقديم الدعوى إذ أنها دفنت بمقبرة المصلى حسب رخصة الدفن المؤرخة في 27/07/1989.
وحيث إنه من المقرر أنه لا تصح الدعوى في حق عديم الأهلية ، وأن أهلية الشخص تنمحي بوفاته(الفصل 01 ق.م.م)
وحيث إن الإجراء المقرر في الفصل 115 من ق. م.م لا يكون لازما إلا في حالة تغيير الأهلية و المسطرة جارية لا قبلها حيث تكون الدعوى معها غير صحيحة وينبغي لذلك التصريح بعدم قبولها.
كما ذهبت في حكم أخر لها إلى ما يلي :
حيث إن طلب المدعي يهدف في جوهره الحكم على المدعى عليه بأدائه له مبلغ 600.000 درهم مع 5000 درهم تعويض والكل مع النفاذ المعجل والإكراه في الأقصى.
وحيث استظهر المدعي باعتراف بدين وترجمة له وذلك تعزيزاً للطلب.
وحيث استدعي المدعى عليه للحضور بجلسة 16/01/2012 إلا أن استدعائه رجع بملاحظة أن المعني بالأمر متوفى فالتمست ذة/ماجي عن ذ/الولد أجلا لإصلاح المسطرة فأمهلت لجلسة 19/03/2012.
وحيث لم يقم المدعي بإصلاح المسطرة رغم إمهال نائبه مما تبقى معه الدعوى مختلة من الزاوية الإجرائية الشيء الذي لا يسع معه المحكمة سوى التصريح بعدم قبول دعواه شكلا.
وحيث يتعين إبقاء صائر الدعوى على رافعها. ”
من خلال هذين الحكمين يتضح أنه إذا رفعت الدعوى ابتداء، وثبت للمحكمة أنها مرفوعة في مواجهة ميت. فإنها تنذر المدعي بإصلاح المسطرة دون أن تكون ملزمة بالإجراء المقرر في الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية الذي لا يعمل به إلا إذا حصلت هذه الوفاة أثناء سير الدعوى.
ويتضح ذلك من خلال قرار محكمة النقض الآتي :
” حيث تبين صحة ما عابته الوسيلة ،ذلك أن قيام حالة من حالات الفقرة الثانية من الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية قبل التقاضي ابتدائيا واستئنافيا يوجب على القاضي إنذار الطرف بإصلاح المسطرة حيادا عن سابق علم هذا الطرف أو عدم علمه بقيام تلك الحالة .
وقيامها أثناء إحدى المسطرتين يوجب على القاضي بمجرد علمه بذلك ،وبناء على الفصل 115 من نفس القانون إذا لم تكن الدعوى جاهزة،استدعاء من لهم الصفة في مواجهة الدعوى حيادا على علمهم أو عدم علمهم بقيام تلك الحالة. والقانون لم يرتب جزاء عدم القبول بالنسبة للفصل الأول ولا جزاء صرف النظر والبت في القضية بالنسبة للفصل 116 بعد بقاء الإجراء المذكور بدون أثر. والقرار المطعون فيه الذي قضى بعدم قبول مقال الاستئناف وبدون إنذار الطرف الرافع له بتصحيح المسطرة بعلة أنه رفع ضد شخص يعلم رافعه أنه ميت قبل رفع الاستئناف يكون قد أخل بالإجراء المتطلب بمقتضى الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية وبالتالي معرضا للنقض”.
وأيا كان الأمر، فإن المحكمة التي ثبتت لها الوفاة أثناء سير الدعوى تستدعي إما شفويا أو بإشعار يوجه وفق الشروط المنصوص عليها في الفصول 37-38-39 من قانون المسطرة المدنية من لهم الصفة لمواصلة الدعوى.
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض بما يلي:
“حقا : بأن موروث الطاعنين كان قد استأنف الحكم الابتدائي وأخبر محاميه المحكمة الاستئنافية بأنه توفى و خلف محاجير من ورثته، وأدلى بإراثته حسب وصل 8 عدد 9 المؤرخة ب27/01/1985 من توثيق تيفلت وحينما كلفت المحكمة نائب المستأنف بتقديم مقال لمواصلة الدعوى بإدخال ورثته ولم يفعل قضت بعدم قبول الاستئناف بانية قرارها على الفصل 142 المسطرة المدنية في حين أن الفصل 115 من ق.م.م ينص على أن يستدعي القاضي بمجرد علمه بوفاة احد الأطراف من لهم الصفة في مواصلة الدعوى. ولما كان الطاعنون قد ثبتت لهم الصفة بمقتضى إراثتهم ولم تقم محكمة الاستئناف باستدعائهم فإن اعتمادها على الفصل 142 من ق.م.م يجعل تعليلها فاسدا يعرض قرارها للنقض”.
من ناحية أخرى ،وجب طرح السؤال بخصوص معرفة ما إذا كانت من خصوصية تميز الإشعار المنصوص عليه في الفصل 115 عن الإنذار بإصلاح المسطرة الذي تضمنه الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية؟
باستقراء الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية يتضح أن القاضي يثير انعدام الصفة أو المصلحة أو الأهلية أو الإذن بالتقاضي إذ كان ضروريا، وينذر الطرف المعني بتدارك وتصحيح المسطرة داخل اجل معين وإلا حكم بعدم القبول. وهو الجزاء الذي قرره المشرع على عدم تصحيح المسطرة.
وهذا ما يتضح من الفقرة الثالثة من الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية التي تنص على أنه :
“إذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة و إلا صرح القاضي بعدم قبول الدعوى”.
وقد سارت محكمة النقض في هذا الاتجاه حين قررت ما يلي :
“إن الفقرة الثانية من الفصل الأول من ق.م.م تنص على أن القاضي يثير تلقائيا انعدام الصفة أوالأهلية أو المصلحة أو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا وينذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده. وأن المشرع قد اعتبر الإجراء المسطري بتوجيه إنذار شرطا أساسيا قبل التصريح بعدم القبول ،وأنه لا يمكن بالتالي أن يغني عن الإجراء المذكور مجرد تبليغ الطرف بمذكرة الخصم التي يتمسك فيها بانعدام الصفة”.
وقد جاء في قرارآخر لمحكمة النقض ما يلي :
” إن الإجراء المسطري المتعلق بتوجيه إنذار للطرف المعني بتصحيح المسطرة داخل أجل معين، يعتبر شرطا أساسيا قبل التصريح بعدم القبول. لا يغني عن الإجراء المذكور تبليغ الطرف المعني بمذكرة الخصم التي يقع فيها التمسك بانعدام الصفة ،إذ من الضروري توجيه إنذار بأجل معين لتصبح المسطرة وفق الكيفية التي نص عليها الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية”.
وجاء في قرار أخر لها ما يلي :
” حقا لئن كان الفصل 34 من قانون المحاماة الجديد لم يشر إلى وجوب توجيه الإنذار بتصحيح المسطرة الذي كان الفصل المقابل له من قانون المحاماة القديم يعتبره إجراءا أساسيا يجب القيام به قبل التصريح بعدم قبول الاستئناف فإن المبررات التي كانت توحي بهذا الإجراء والمتمثلة على الخصوص في فكرة احتكار الدفاع على مستوى محاكم الاستئناف والمجلس الأعلى لا زالت قائمة ولهذا ينبغي القول بأن المشرع لم يتخل نهائيا عن فكرة الإنذار هذه وإنما أراد أن يجعل مكانها ضمن نصوص المسطرة المدنية باعتبار المكان الطبيعي لمثل هذه الإجراءات المسطرية فقد أورد المشرع فكرة الإنذار في الفصلين الأول والثاني والثلاثين من قانون المسطرة المدنية فأوجب إشعار الأطراف لتصحيح المسطرة قبل اتخاذ أي موقف من الإجراءات وأنه بالرغم مما يوحي به الفصل الأول من خصوصية فإنه يجب القول بتعميم هذا الإنذار ليشمل حالة الاستئناف شخصيا وذلك بإشعار المستأنف بأن يقدم طلب الإذن بالترافع أو ينصب محاميا يتولى الدفاع عنه خلال أجل تحدده له المحكمة ولهذا فإن المحكمة تكون قد خرقت قاعدة مسطرية أضرت بالطرف الطاعن لما صرحت بعدم قبول الاستئناف قبل أن تنذرهما بتصحيح المسطرة وعرضت قرارها للنقض”.
ويتضح مما سلف أنه سواء تعلق الأمر بالإنذار بإصلاح المسطرة أو إشعار من له الصفة في مواصلة الدعوى،يعد إجراءا مسطريا لا غنى عنه قبل تقرير الجزاء الذي يرتبه المشرع أي عدم القبول عندما يتعلق الأمر بالفصل الأول من قانون المسطرة المدنية أو صرف النظر بالنسبة للفصل 115 من نفس القانون.
غير أن ما يجب استحضاره هنا، هو أن الإشعار بإصلاح المسطرة يوجه للمدعي طبقا لمقتضيات الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية أما الإشعار بمواصلة الدعوى فإنه يوجه لورثة أو نائب من توفي أثناء سريان الدعوى.

مقال قد يهمك :   وزارة العدل : الإعلان عن مباراة توظيف 140 ملحقا قضائيا

الـمطلب الثاني: تبليغ الإشعار بـمواصلة الدعوى.

باستقراء الفصول من 115 إلى 118 من قانون المسطرة المدنية، والتي يستخلص منها انه إذا ثبت للمحكمة وفاة أحد الأطراف أو تغيير وضعيته بالنسبة للأهلية. فإنها تستدعي شفويا أو بإشعار يوجه وفق الشروط المنصوص عليها في الفصلين 37-38-39 من لهم الصفة في مواصلة الدعوى للقيام بذلك إذا لم تكن الدعوى جاهزة للحكم ،وإذا لم يقم الذين أشعروا بمواصلة الدعوى بذلك في الأجل المحدد يصرف النظر ويبت في القضية. أما إذا حضروا الجلسة التي أثيرت فيها القضية، فان الدعوى تعتبر سارية بهذا الحضور إذا لم يصدر عنهم تصريح بذلك.
وتتم مواصلة الدعوى طبقا للشكليات المشار إليها في الفصل 31 المتعلق بتقييد الدعوى .
وهكذا فإذا مات احد أطراف النزاع استدعى ورثته بدون ذكر أسمائهم،لأن المفروض أن الورثة لا يعرفون إلا بعد وفاة الموروث،وبذلك يكتفي في الاستدعاء بورثة “فلان الفلاني”في نفس عنوان الموروث المسجل في مقال الدعوى وإذا توصل أحدهم يعتبر التوصل ساريا عليهم جميعا.
هذا بالنسبة لمن توفي أثناء سريان المسطرة ،أما من تغيرت وضعيته بالنسبة إلى الأهلية فانه بمطالعتنا للفصل 521 نجد بان الموطن القانوني لفاقد الأهلية هو موطن حاجره.

وفي هذا الصدد اتجهت محكمة النقض إلى تقرير ما يلي :
” حيث يعيب الطاعنون على القرار المطعون فيه مخالفة القانون بدعوى انه اعتبر انه ليس من اللازم تضمين الإنذار بالإفراغ أسماء الورثة سواء كانوا فرادى أو مجتمعين. واعتبر الإنذار موضوع الدعوى صحيحا رغم عدم تضمينه أي اسم واعتمد الفصل 38 من ق.م.م للقول بان الإنذار يعد صحيحا مع أن ذلك الفصل يخص الشخص المعني بالأمر وموطنه وأقاربه أو خدمه وكل شخص يسكن معه ولا يتضمن أية إشارة إلى أن التبليغ الموجه للورثة دون ذكر أسمائهم يعتبر تبليغا قانونيا. بل ينص على وجوب تضمين الاستدعاء الإسم الشخصي والعائلي للمعني بالأمر.والقرار خلط بين حالة الاستدعاء المنصوص عليها في الفصل 38 من ق.م.م وبين حالتين خاصتين منصوص عليهما في الفصل 115 و137 من ق.م.م لان الفصل الأول مخصص لفئة معينة من الأشخاص وهم المدعى عليهم أو المطلوبون في الإنذارات وهؤلاء لابد من بيان أسمائهم الشخصية والعائلية أما الفصلان 115 و137 فالأول يتعلق بمواصلة الدعوى بعد وفاة احد الأطراف الأصليين وهو صريح في ضرورة ذكر الاسم العائلي والشخصي والثاني يتعلق بوقف اجل الطعن في حالة وفاة احد الأطراف والذي يعتبران اجل الاستئناف لا يسري إلا بعد تبليغ الحكم للورثة دون التنصيص على أسمائهم وهي حالة خاصة لا يمكن تعميمها على الإنذارات والإستدعاءات. لأن الإجراءات العادية للتبليغ المنصوص عليها في الفصل 137 مرده إلى أن الورثة يفترض فيهم العلم بالدعوى التي سبق لموروثهم أن أقامها أو أقيمت عليه ،وانه بناء على نظرية الوارث الظاهر فانه كان يكفي في الإنذار تضمين الاسم الشخصي والعائلي للوارث أو الورثة الظاهرين. ويكون الإنذار صحيحا أن لا يذكر أي اسم بالمرة والاكتفاء بذكر فلان فذلك مخالف للقانون .
لكن، حيث انه إذا تعلق الأمر بورثة المكتري فان المكري موجه الإنذار يمكنه توجيه الإنذار في إسم الورثة في حالة جهله لهويتهم. ويعتبر الإنذار مبلغا تبليغا قانونيا إذا تسلمه واحد منهم وينتج آثاره بالنسبة لهم جميعا،وان التسليم المذكور خاضع لمقتضيات الفصل 38 من ق.م.م الذي ينص على انه يعتبر التسليم صحيحا إذا تم للشخص أو في موطنه إلى أقاربه أو خدمه أو لكل شخص آخر يسكن معه وكذا الفصل 39 من نفس القانون الذي يعتبر أن التسليم يكون صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض الحاصل من الشخص نفسه أو ممن له الصفة في ذلك. وانه من الثابت أن التبليغ بالإنذار الموجه باسم الورثة رفض من السيد حسن المستخدم بالفندق مما يعتبر معه تبليغا صحيحا في اليوم العاشر الموالي للرفض الصادر عنه طبقا للفصلين 38 و 39 المذكورين وينتج أثاره بالنسبة لجميع الورثة والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي اعتمدت مجمل ذلك يكون قرارها غير خارق لأي مقتضى.

خــــاتـــمـــة :

لقد كان هاجس هذه الدراسة المتواضعة هو ملامسة الخصوصيات المرتبطة بإجراءات مواصلة الدعوى، وبحث مختلف الأسئلة التي قد تثار بصدد تطبيقات الفصول المنظمة لها.
وقد انتهينا من بحث هذا الموضوع إلى ترتيب الخلاصات التالية:
يستدعي القاضي بمجرد علمه بوفاة أحد أطراف الدعوى أو بتغيير أهليته ورثته أو نائبه ليتدخلوا في الدعوى أصالة بالنسبة للورثة ونيابة بالنسبة للنائب الشرعي، ويوجه هذا الاستدعاء طبقا لمقتضيات الفصول 37 ،38، 39 إلى الورثة دون ذكر أسمائهم، بعلة أن الورثة لا يعرفون الا بعد وفاة الموروث. وعلى هذا الأساس يكتفى في الاستدعاء بورثة” فلان الفلاني” في نفس عنوان الهالك المسجل في مقال الدعوى، وإذا توصل أحدهم اعتبر التوصل ساريا عليهم جميعا.
ويبدو أن تبليغ الإشعار بمواصلة الدعوى وفق هذه الكيفية، ينطوي على مخاطر تهدد حقوق الدفاع بالنسبة للورثة، لاسيما أمام انعدام أية ضمانة نطمئن إليها بخصوص مدى حرص من تسلم الاستدعاء على تبليغ مضمونه إلى باقي الورثة. الذي ربما قد يكون بينهم من يتوفر على وثائق حاسمة للبت في النزاع المعروض على المحكمة، ويفوته الإدلاء بها تعزيزا لطلب الموروث أو دحضا لمزاعم الطرف الآخر في النزاع.
كما أن تبليغ الإشعار بمواصلة الدعوى على النحو الذي تقدم، تثور معه صعوبة حصر الورثة الذين سيصدر الحكم في مواجهتهم أو لصالحهم. لذلك يتعين القول أنه حبذا لو تدخل المشرع لتعديل الفصل 115 من قانون المسطرة المدنية بما يتيح للمحكمة إنذار المدعي في حالة وفاة المدعى عليه بإصلاح المسطرة، كما هو الحال بالنسبة للفصل الأول من قانون المسطرة المدنية.
أما إذا أشعر ورثة المدعي بمواصلة الدعوى، وبقي هذا الإجراء بدون جدوى. فنرى أن تحكم المحكمة بعدم قبول الطلب، وذلك انسجاما مع القاعدة القائلة أنه لا يجوز التقاضي من ميت أو عليه. كما أن عدم تدخل الورثة لمواصلة الدعوى، يفهم منه ضمنيا أنه إهمال من جانبهم، وعلى ذلك فإنه لا يمكن الفصل في نزاع أهمله أطرافه ولم يعيروه أي اهتمام.
لا يستلزم وفاة أحد الأطراف أو تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية من المحكمة إشعار ذوي الصفة في مواصلة الدعوى متى كانت القضية جاهزة للحكم فيها.
ونرى في هذا الصدد أن المشرع حسنا فعل بتقريره لهذا المقتضى، ذلك أنه إذا كانت القضية قد نوقشت من الأطراف وأدلى كل منهم بما عنده، وتوفي أحدهم أو طرأ تغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية، فإنه لا مسوغ لتأخير القضية لاستدعاء الورثة لأن المحكمة استمعت إلى الأطراف وكونت قناعتها من دفوعهم وهم متمتعون بصفتهم وأهليتهم.
غير أنه يمكننا أن نتصور سلوك مواصلة الدعوى في هذه الحالة، إذا أعيدت القضية من جديد إلى القاضي المقرر متى طرأت بعد الأمر بالإحالة واقعة جديدة من شانها أن تؤثر على القرار أو إذا تعذرت إثارة واقعة قبل أمر الإحالة خارجة عن إرادة الأطراف.

لائحة المراجع:

الكتب الفقهية:
 عبد الكريم الطالب،الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية،المطبعة والوراقة الوطنية الحي المحمدي-مراكش،الطبعة الخامسة 2008.
 وجدي راغب فهمي: مبادئ القضاء المدني- قانون المرافعات- دار الفكر العربي ط1/1986.
 خالد الحبيب ، الطلبات العارضة في قانون المسطرة المدنية المغربي ، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية،سلسلة الدراسات والأبحاث ، العدد 4، ماي 2008.
 محمد الأزهر ، الدعوى المدنية ، مطبعة دار النشر المغربية ، عين السبع الدار البيضاء ، الطبعة الأولى ،2010 .
 الأستاذ مامون الكزبري ،نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي،الجزء الأول –مصادر الالتزامات ،تاريخ ومكان الطبع غير مذكورين .
 عبد الواحد العلمي ،شرح القانون الجنائي المغربي ،القسم العام ،طبعة 2002.
 إدريس العلوي العبدلاوي و مأمون الكزبري،شرح المسطرة في ضوء القانون المغربي،الجزء الثاني،طبعة1973.
 عبد العزيز توفيق ، موسوعة قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي الجزء الثاني الطبعة الثالثة سنة 2011 .
 نور الدين لبريس ، نظرات في قانون المسطرة المدنية ،مطبعة الأمنية ، الرباط ، الطبعة الأولى ، سنة 2012 .
 عبد العزيز حضري ،استئناف الأحكام المدنية في التشريع المغربي ، مطبعة الأمنية ،الرباط، الطبعة الأولى ،2009 .
 الدليل العملي لمدونة الأسرة ،منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية ،سلسلة المعلومة للجميع ، العدد 1 ،طبعة أبريل 2007.
 المعطي الجيوجي، القواعد الموضوعية والشكلية للإثبات وأسباب الترجيح بين الحجج، مكتبة الرشاد، 6 قيسارية الهرادي، ساحة محمد الخامس، سطات، الطبعة الأولى، لسنة 2002.
 أمنية النمر , أصول المحاكمات المدنية ، الدار الجامعية ، تاريخ الطبع غير مذكور .
 أحمد أبو الوفا ، التعليق على نصوص قانون المرافعات ،منشأة المعارف بالإسكندرية ، الطبعة السادسة ،2000.

المجــــلات:

 نشرة قرارات محكمة النقض،العدد 10.
 المجموعة الكاملة لمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد46.
 المجموعة الكاملة لمجلة قضاء المجلس الأعلى،عدد32.
 المجموعة الكاملة لمجلة قضاء المجلس الأعلى،عدد 70 .
 التقرير السنوي لمحكمة النقض لسنة 2011.
 المجموعة الكاملة لمجلة قضاء المجلس الأعلى ،العدد 12، لسنة 1969.
 المجموعة الكاملة لمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 59/60 لسنة 2002.
 مجلة قضاء المجلس الأعلى ،العدد 46 ،نونبر 1992 .
 المجموعة الكاملة لمجلة محكمة النقض. العدد 61.
 المجموعة الكاملة لمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 24 .
 مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد70 .
 مجلة الإشعاع ، العدد 33 –يونيو 2008 .

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]