هشام التزكيني : مثلث التمييز ضد المسلمات والمسلمين بأوربا- مجتمع و قانون وقضاء-
- هشام التزكيني، إجازة في القانون الخاص، خبير قانوني متخصص لدى مكتب للدراسات.
أعرض على القارئ العربي موضوعا يصب في صميم حياة المسلمين و المسلمات في أوربا. وهو موضوع حساس إذ يبرز التضييق على حرية التدين وتبعاته على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للجالية المسلمة وتداعياتها على الدول الأم. إذ من منا من ليس له بالأوطان الأوربية أخ أو أخت، أو ابن أو بنت، أو أب أوأم، أو فرد من العائلة، أو جار أو جارة، أو صديق أو صديقة. وفضلا عن القرابة الدموية والإنسانية، فالمقاربة الاقتصادية تعزز واجب الاهتمام بهذه الفئة من المواطنين خاصة إذا استحضرنا دورها في دعم ميزانيات الأسر الفقيرة بموارد مالية وعينية وميزانيات الدول بالعملة الصعبة، ومساهمتها فيالاستثمار المنتج للشغل بشكل مباشر أو غير مباشر. وإضافة لكل ذلك، فهي تعتبر أحد روافد التلاقح الثقافي ومظاهر التعايش المشترك مع الآخر.
أقارب هذا الموضوع من زاوية قانونية من خلال التعليق على قرار قضائي أصدرته محكمة العدل الأوربية في 14 مارس 2017 حول نزاع طرفاه مشغل ببلجيكا وأجيرة مسلمة تعرضت للطرد من العمل بسبب ارتدائها للحجاب[1]. قضية تبدوا للوهلة الأولى سهلة لكنها مشحونة بمجموعة من الأسئلة المقلقة من قبيل:
- هل يحق للمشغل أن يطرد أجيرة دون تعويض لرفضها نزع الحجاب عن رأسها؟
- وهل من حق الأجيرة أن تطالب بالتعويض عن الطرد على أساس أنه قرار تمييزي قائم على أساس ديني؟
- وهل الجواب على السؤالين مطلق ومبدئي أم نسبي ويحتمل الاستثناء؟
- أوليس للمشغل حق مكفول تحت مسمى حرية المقاولة؟
- أو ليس للأجيرة ولكل إنسان حق في التدين وحق في العمل مكفولان بالقانون؟
- هل للمشرع كلمة واضحة في ترتيب درجة قوة هاته الحقوق المتنازعة؟
- هل حرية التدين تقتصر على ما يختلج صدر الإنسان أم تتجاوزه إلى حدود التعبير الخارجي عن التدين؟
- هل تعتبر المقاولة خارج الحدود القانونية لحرية التدين بحيث يصبح للمشغل الحق في التدخل في تدين الأجيرات ومنعهن مثلا من ارتداء الحجاب؟
- كيف يعرف التمييز في القانوني الأوربي؟ وما العلاقة بين التمييز والمساواة في التعامل؟
- وكيف قام القضاء بتطبيق مبدأ عدم التمييز ومبدأ المساواة في ميدان الشغل؟
- كيف تنتقل نازلة من هذا النوع من دائرة اختصاص المحاكم الوطنية إلى محكمة العدل الأوربية؟
- ما العلاقة القانونية والوظيفية أو العضوية التي تربط قوانين ومحاكم دول الأعضاء وقوانين ومحاكم الاتحاد الأوربي؟
أعرض، فيما يلي من فقرات، خلاصات بحث قانوني حر أتناول فيهالقرار الذي أصدرتهمحكمة العدل الأوربية بتاريخ 14 مارس 2017حول نزاع يتعلق بطرد مشغل بلجيكي لأجيرة بسبب ارتدائها للحجاب. إذ خلصت المحكمة الأوربية إلى استنتاج قاعدة عامة ملزمة لقضاء المحاكم الوطنية تمكن في جوهرها المشغلين من حق تقييد حرية تدين الأجيرات والأجراء دون ان يتابعوا بمخالفة قوانين عدم التمييز. الملف في حقيقة الأمر شائك؛ معقد بالنظر إلى الأبعاد القانونية والمؤسسية للقضية، وهو حساس بالنظر لطبيعة موضوعه المرتبط بحقوق الإنسان، والملف أيضا خطير باستحضار تبعاته المباشرة أو الغير مباشرة على حق التدين وحق العمل وحق المقاولة. لذلك تطلب البحث فيه وقتا طويلا ثم انتهى العمل إلى خلاصات قانونية من شأنها المساعدة على نقد الأسس التي ارتكز عليها قرار محكمة العدل الأوربية في جوانب متعددة. علما أن أهم عناصر البحث منشورة على الأنترنت باللغة الفرنسية[2]وهي تتضمن في ثناياها أجوبة عن الأسئلة المطروحة سابقا. وأحاول من خلال تلخيص البحث وترجمتهبمجهود شخصي إلى اللغة العربيةأن أوسع رقعة المستهدفين بالتحسيس لتشمل الناطقين بهذه اللغة. ويبقى الهدف العام من عرض هذا الموضوع هو إثارة إشكالية التمييز القائم على الدين أمام الباحثين والمتخصصين وتحسيس عموم المواطنين بها من أجل تكتيف المبادرات الفردية والعمل الجماعي للتصدي لهذا القرار الذي من جهة يقوض مبدأ المساواة -وهو النواة التي تمخض عنها القانون الدولي الإنساني بكل حرياته وحقوقه الذي يحتكم إليه الغرب والعالم بأسره- ومن جهة أخرى يخرق حق التدين وحق العمل المنصوص عليهما ضمن دائرة الحقوق الأساسية التي يكفلها هذا القانون.
صدر القرار القضائي الأوربي موضوع البحث في سياقات سياسية ومجتمعية وقانونية تراكمت وتسارعت عبرها مظاهر التخوف وحتى العداء اتجاه المواطنين والمواطنات بأوربا من المرتبطين بالدين الإسلامي، خاصة في فرنسا وبلجيكا. وبالرغم من أن السياقات السياسية والمجتمعية تخرج عن نطاق موضوع البحث، فلا ضير من الإشارة السريعة لأنها تشكل أحد أعضاء مثلث التمييز الذي حُشر المسلمون بأوربا داخل أضلاعه الثلاث:
الضلع الأول : يمثل تحالف السياسة والإعلام والمجتمع لإبراز تنازع حق التدين عامة والحجاب على وجه الخصوص مع الأسس الحضارية الغربية القائمة على المساواة (الفصل الأول)
الضلع الثاني : يمثل التطورات القانونية التي تعيد تشكيل العلاقة بين حق التدين وحرية المقاولة بمجال العمل (الفصل الثاني)
الضلع الثالث : وهو جوهر المقال ولبه، ويمثل جملة من العيوب التي شابت قرار محكمة العدل الأوربية المذكور؛ وهي عيوب يصعب،في نظري، قبول تصنيفها ضمن خانة الأخطاء وتشعر الباحث بانطباع حول مخاطر تماهي القضاء مع الوضع الاجتماعي والسياسي الجديد المتحامل على حرية التدين.
الفصل الأول : السياسة و الإعلام و و المجتمع
واسعة الانتشار هي اللعبة التي تقول أن الرجل (والمرأة) السياسي يخلق الرأي العام [3] أو على الأقل يؤثر فيه، والإعلامي يروج لهذا الرأي والمجتمع ينساق أو يتماهى معه عن قصد أو عن غير قصد أو يقاومه برأي معارض. لن أتحدث طويلا عن الجانب السياسي لأني لست بخبير لكن العين لا تخطئ تمدد التيارات السياسية المناهضة للمهاجرين في أوربا وتمكنها من سلطة القرار السياسي كما تبرزه نتائج الانتخابات. بل حتى التيارات السياسية التي تقوم فلسفتها على الدمقراطية والحرية تتأرجحا مواقفها حول الحجاب مثلا ولا تستقر على فلسفتها إلا على مضد. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعتبر ارتداء الحجاب مخالف للتحضر بمفهومه الفرنسي وشكل من اشكال عدم المساواة بين الجنسين [4]. كما لا تخطئ العين أيضا تغول التمييز الديني وحتى العنصرية في اوربا مع اختلاف في درجاتها بين دولة وأخرى. إذ سجلت دراسة طلبتها اللجنة الأوربية سنة 2012، حول إدراك التمييز القائم على الدين والمعتقدات، مستويات مرتفعة في فرنسا (66 في المائة) وفي بلجيكا (60 في المائة)، في حين سجلت المستويات المنخفضة في كل من لتوانيا وجمهورية التشيك (10 في المائة) [5]. كما سبق لمنظمة العفو الدولية أن أنجزت سنة 2012 بحثا ميدانيا [6]كشف مختلف أشكال التمييز التي يتعرض لها المسلمون والمسلمات في أوربا بميادين حيوية كسوق الشغل والساحة الأكاديمية ودور العبادة. وإن كان لا يسع المرء إلا أن يحيي الروح الإنسانية لهته الجهات الغربية، الرسمية والغير حكومية، التي تنوب عن نظيراتها داخل المجتمعات المسلمة في تقصي ودراسة هاته الظواهر المجتمعية، إلا أن الواقع لا يتغير، بل إن التمييز الديني، بالخصوص ضد المسلمات، تطور بشكل متسارع ومتراكم خلال العقد الأخير. هل كان من الممكن تخيل إمكانية منع المربيات والمعلمات من ارتداء الحجاب في المؤسسات التعليمية والتربوية، ومنع التلميذات والطالبات من حقهن في التعلم بسبب الحجاب، ومنع النساء من الاستجمام في الشواطئ والمسابح بدريعة ارتداء “البوركيني” [7]. أكثر من ذلك، لقد بلغ الاستخفاف بقضية حرية التدين إلى درجة منع الأمهات المحجبات من المشاركة في الخرجات المدرسية مع أبنائهن، كما تتعرض الأمهات لحضر ارتداء الحجاب أثناء حضورهن إلى أبواب المدارس الفرنسية لمرافقة أبنائهن من وإليها. [8].
إن التمييز ضد المسلمات، ينفلت يوما بعد يوم عن جوهر القاعدة القانونية و يتحلل من الضمير الإنساني طالقا العنان للأهواء والنزوات الفاشية أو العنصرية التي كانت بالأمس القريب (القرن التاسع عشر على الخصوص) سببا في الاقتتال بين الدول الأوربية وعولمت حروبها وإزهاق أرواح الملايين عبر العالم.
والملاحظ أن المستوى التعليمي والوظيفي للمرأة المسلمة لا يغير من الواقع شيئا بخلاف ما هو رائج في الوسط العربي مثلا. فقد سجل القضاء الأوربي لوحده على الأقل ثلاث قضايا حول الطرد بسبب الحجاب تتعلق كل منها بمستقبلة في شركة لخدمات الحراسة، أو مديرة مساعدة لدى روض أطفال، أو مهندسة إعلامية لدى مكتب دراسات [..]ولا يزال التاريخ يسجل حوادث التمييز الديني كل يوم في أوربا [9].
أما الإعلام الغربي، فقد ألهب شرارة هذا الاجتهاد القضائي في 14 من مارس 2017 على إثر نشر بلاغ صحفي من قبل محكمة العدل الأوربية حول القضية[10] . تلا هذا البلاغ موجة إعلامية ترويجية واحتفالية ضربت كل دول الأعضاء؛ صخب إعلامي [11]وحملة ترويجية تنتصر للمشغل وتقتصر على قراءة اختزالية مفتقدة بالمجمل إلى رأي محللين، مبرزين في العلوم الإنسانية خاصة القانونية منها، من شأنهم أن ينوروا المواطن الأوربي كيفا ما كان موقعه حول حيثيات القرار وتبعاته المحتمل على الفرد والمجتمع.
بالمقابل، اكتفت غالبية من اهتم بالموضوع من وسائل الإعلام العربي بنقل الخبر بشكل يتماهى ضمنيا -عن غير قصد بطبيعة الحال- مع الموجة الإعلامية الغربية، بحيث لم يتم التصدي لهذا القرار بالشكل المطلوب؛ وهو القرار المؤثر بشكل سلبي على حياة المسلمات والمسلمين بأوربا. ويمكن الرجوع إلى كبريات المنابر الإعلامية المسموعة والمقروءة للوقوف على هذه الملاحظة [12].كمالم نقرأ عن ردود جهات رسمية [13] فضلا عن مبادرات أو تحركات تصحيحية أو تدابير تروم التخفيف من وقع مثل هذه القرارت على الجالية المسلمة بأوربا.
الفصل الثاني : القانون
في سياق رصد التطورات القانونية، أود أن أشير على هامش البحث إلى نقطة حساسة تتعلق بنشر قانون جديد صدر في فرنسا سنة 2016 [14] يتعلق بإصلاح مدونة الشغل. هذا القانون أثار جدا كبيرا في فرنسا إذا تمخضت عن عرضه ومناقشته والتصويت عنه العديد من المظاهرات، وتدخل المجلس الدستوري، واعتماد مساطر استثنائية للمصادقة البرلمانية عليه [15]. هذا القانون المثير للجدل صدر بمبادرة من وزيرة الشغل ذات الأصول المغربيةمريم الخمري وعرف القانون باسمها (قانون الخمري)[16].
الشاهد الذي يهمنا في تشكل الظلع الثاني في مثلث التمييز هو المادة 2 من هذا القانون التي تضيف إلى مدونة الشغل الفرنسية مادة جديدة تنص على أنه ” يمكن أن يتضمن النظام الداخلي (للمقاولة) مقتضيات تنص على مبدأ الحياد وتحد من إظهار معتقدات الأجراء إذا ماكانت هاتهالمحظورات مبررة بممارسة حريات وحقوق أساسية أخرى أو بضرورات حسن سير المقاولة ومتناسبة مع الهدف المقصود”[17]. تبقى فرنسا من الدول المتفردة بقانون لا يراعي مبدأ عدم التمييز باسم مبدأ دستوري هو اللائكية؛ لكن ظل هذا المبدأ الأخير لعقود يستوجب حياد الدولة والمرافق العمومية والجماعات الترابية دون أن يعني المقاولة في شيء. الانعطاف القانوني كبير و المقاولة، باسم قانون الخمري أو قانون الشغل لسنة 2016، أضحت معنية بإمكانية تطبيق مبدأ الحياد المستمد من اللائكية على أجرائها[18].
منعطف قانوني يضيق الخناق على الجاليات المسلمة وعلى المعتقدات الشخصية بشكل عام. هذا المنعطف يطرح على ضوء ما سبق وما سيأتي إشكالية -وهذه دعوة للباحثين المتخصصين من أجل التدقيق فيها- هل مجال الحريات الذي يدخل ضمن مجال التشريع المخصص للبرلمان يمكن أن يكون موضوع مقتضيات نظام داخلي للمقاولة؟ هل سيتحول رب العمل إلى مشرع والمقاولة إلى برلمان في هذا المجال؟ أم هي مناورة سياسية تشريعية تروم تفريغ المقتضيات القانونية التي تكفل حق التدين بتفويت شيء من السلطة التشريعية إلى رب المقاولة؟
تجدر الإشارة أن سياق تمرير مثل هذه المقتضيات القانونية صادفته (أو عززته ربما) مستنتجات المدعي العام في الملف موضوع البحث والتي نشرت في 31 ماي 2016[19]. مستنتجات المدعي العام المذكور برأت قرارات منع الحجاب من أي تمييز مباشر أو غير مباشر مادام المشغل يتصرف باسم “سياسة الحياد” التي تتبعها مقاولته. بالنسبة لبحثي، تعليلات المدعي العام قامت على مقتضيات غير قانونية جعلت من مستنتجاتها غير مستندة على أساس قانوني صحيح وليس من الصعب نقد كل جهود المدعي العام في تعاطيها مع القضية خاصة في مسألة التمييز الغير مباشر كما سنعرض في الفصل التالي المخصص لاجتهاد محكمة العدل الأوربية.
الفصل الثالث: اجتهاد محكمة العدل الأوربية
لكل دولة من دول أعضاء الاتحاد الأوربي منظومتها القانونية القضائية الخاص بها. والمشرع كما المحكمة الوطنية للدولة العضو ملزمان باحترام القانون الأوربي الذي يسموا على القوانين الوطنية. والقانون الأوربي يكون له، حسب طبيعته، أثر مباشر أو غير مباشر على المنظومة التشريعية لدول الأعضاء. فهناك من النصوص الأوربية التي تنظم بشكل مباشر العلاقات القانونية داخل الدول الأعضاء كالأنظمة [20]ومنها ما ينظم هذه العلاقات بشكل غير مباشر بحيث يكل إلى المشرع الوطني أن يترجم أهداف ومقتضيات القانون الأوربي، ومنها المقررات [21]كمقرر رقم 2000/78 بتاريخ 27 نونبر 2000المحدث لإطار عام لفائدة المساواة في التعامل في ميدان التشغيل والعمل؛ والذي يعتبر قطب رحى نظام عدم التمييز القائم على مختلف الاعتباراتفي ميدان التشغيل والعمل[22]. فهذا النص يحدد للدول أهداف ومقتضيات تروم إلى ضمان تجانس تشريعات دول الأعضاء في مادة المساواة من خلال تحديد مجال التطبيق وصياغة تعاريف وتحديد استثناءات وشروط الاستفادة منها؛ وهي مقتضيات تلزم جميع دول الأعضاء باحترامها أثناء تقنين علاقات العمل من خلال مدونات الشغل.
وإلى جانب وجوب احترام القانون الأوربي، فالقاضي في أي دولة من دول أوربا ملزم أيضا بتبني تفسير محكمة العدل الأوربية لأي مقتضى من المقتضيات التي دعيت إلى تفسيرها بمبادرة من أي محكمة وطنية. بمعني آخر أن المحكمة الوطنية إذا اتجهت إلى محكمة العدل الأوربية بطلب تفسير أي مقتضى غامض من القانون الأوربي استشكل عليها تطبيقه على النازلة المعروضة عليها فإن التفسير سيكون ملزما على السواء لهذه المحكمة الوطنية ولجميع محاكم الدول الأعضاء.وهذا ما يجعل مخرجات قرار محكمة العدل الأوربي موضوع البحث بالغة الأهمية ليس فقط من حيث حساسية موضوعها( تعلقه بحق التدين وحق العمل ..) بل أيضا من حيث مجال تطبيقها الواسع والذي قد يشكل بالتالي منصة لانطلاق تعديلات قانونية كالتي سارعت لها فرنسا قبل ذلك سنة 2016 عبر “قانون الخمري” السابق الذكر.
وهذا ما وقع في مسطرة التقاضي في ملف الدعوى، موضوع البحث، حيثاعتبرت الأجيرة قرار الفصل تعسفي ولا يحترم مبدأ عدم التمييز الذي تنص عليه المادة2 من المقرررقم 2000/ 78 بتاريخ 27 نونبر 2000. ففي إطار نظره في وقائع ووسائل القضية استشكل على محكمة النقض البلجيكية تطبيق مقتضيات الفصل 2 المذكور الذي في مضمونه يعرف “مبدأ المساواة في التعامل” ويكيف الحالة التي تشكل “تمييزا مباشرا” والحالة التي تشكل “تمييزا غير مباشر” ويحدد لهذا الأخير استثناء. وبالتالي، أحال القاضي البلجيكي طلبا إلى محكمة العدل الأوربية من أجل تقديم تفسيرها للمقتضى الغامض على ضوء أحاث القضية المعروضة عليه. ونشير في هذا الصدد ان القضية استدعت أيضا تفسير مقتضيات المادة 4 من المقرر المذكور والذي بدوره يمنح للدول الأعضاء إمكانية التنصيص على استثناء ثاني ينطبق على كل من التمييز المباشر والتمييز الغير مباشر.والواقع أن رحى القضية وجوهرها وسر نجاحها سبب إخفاقها يرجع بالأساس إلى تفسير المواد 2 و4 من مقرر 2000/78. والتفسير الذي صاغته محكمة العدل الأوربية شابه، في نظري، الكثير من الأخطاء التي سأحاول عرض شيء منها.
في تفاصيل القضية نجد أن الأجيرة المطرودة تشتغل منذ2003 بمقتضى عقد غير مدد المدةكموظفة استقبال لدى شركة متعددة الجنسياتمتخصصة في خدمات الحراس والأمن، وفي سنة 2006 اختارت بارتداء الحجاب. اعترض المشغل على ارتدائها للحجاب وبعد تمسكها به، قام بطردها بدون تعويض بتاريخ 12 يونيو 2006 بتضمين النظام الداخلي لمقتضى جديد بتاريخ 13 يونيو 2006 “يمنع ارتداء الرموز السياسية والفلسفية والدينية الدينية والقيام بأي شعيرة تتعلق بها” .
غير راضية على قرار المشغل توجهت الأجيرة منذ 26 أبريل 2007بطلب التعويض من أجل الطرد التعسفي وعدم احترام التشريع المكرس لعدم التمييز إلى القضاء الفرنسي بمختلف درجاته. هذا الأخير الذي أحال، في مرحلة النقض، القضية على محكمة العدل الأوربية من أجل استيضاح الوقائع على ضوء القانون الأوربي. استغرق مسلسل القضية أكثر من عشر سنوات -نعم عشر سنوات- لم ينصفها لا القضاء الوطني بكل درجاته ولا القضاء الأوربي، هذا الأخير حكم في القضية بتاريخ 14 مارس 2017 مبرء في الجوهر قرار الطرد من مخالفة مقتضيات عدم التمييز. ويمكن تلخيص مستنتجات قرارها في أن ” منع الأجيرات ارتداء الحجاب الإسلامي لا يشكل تمييزا مباشرا؛ وحتى إذا ما تم تكييفه تمييزا غير مباشر، فهو في النازلة المعروض كما في غيرها، يمكن تبريره بحق رب المقاولة في إرساء “سياسة حيادية“ في علاقته مع زبنائه”
إن قرار محكمة العدل الأوربية، موضوع البحث، والذي اجتهد ضمنيا في مسألة تنازع حرية التدينوحرية المقاولة، يعتبر أول قرار تصدره هذه المحكمة، في مادة مبدأ عدم التمييز القائم على الدين، حول ارتداء الحجاب في ميدان التشغيل والعمل، وإلا فالمحكمة سبق أن تعرضت لعشرات من القضايا حول رموز دينية تهم ديانات أخرى أو تهم التمييز القائم على أسس غير دينية كالعمر والإعاقة وغيرها من أسباب التمييز المحضورة بقوة القانون الأوربي أو قوانين دول أعضائه وكذلك الشأن بالنسبة للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان [23].
وفي ما يلي سأتناول القرار بالتحليل في فقرتين :
- الأولى مخصصة لمستنتجات المدعي العام لدى محكمة العدل الأوربية،
- الثانية مخصصة لمستنتجات محكمة العدل الأوربية.
أولا :مستنتجات المدعي العام لدى محكمة العدل الأوربية
قبل أن تنظر هيئة الحكم (الغرفة المجتمعة) لدى محكمة العدل الأوربية في ملف القضية عينت مدعي عام من أجل أن يبحث القضية ويصيغ مستنتجاته؛ وقد قدمها لهيئة الحكم في جلسة 31 ماي 2016. إجمالا يمكن أن نميز بين مستنتجاتها التي تخص نظام التمييز المباشر ونظام التمييز الغير مباشر كما عرفهما المشرع الأوربي.
من جانب التمييز الغير مباشر، يمكن ملاحظة أن المدعي العام لم تنف أن قرار الطرد يمكن أن يشكل مخالفة لمبدأ التمييز الغير مباشر[24]، لكنها صرفت جهودها في تبرره وفق مقتضيات الفقرة 1 من المادة 4[25] من المقرر الأوربي رقم 2000/78 [26].ومن وجهة نظر المدعي العام، فإن الحالة المعروضة عليها تستجيب لكل الشروط التي استجوبتها المادة 4 وبالتالي فإن المشغل لم يرتكب خطأ حين طرد أجيرته بناء على حجابها لأن قراره كان مبررا بقاعدة في النظام الداخلي للمقاولة تنص على أنه “يمنع ارتداء الرموز السياسية والفلسفية والدينية الدينية والقيام بأي شعيرة تتعلق بها”.
بالنسبة لي، سوف لن أضيع الوقت في مناقشة تقييم المدعي العام للشروط المنصوص عليها في المادة 4، حيث أن وسيلتي في نقد كل جهودها في هذا الباب أسستها على ما يلي :
لقد استندت المدعي العام على الفقرة 1 من المادة 4 من المقرر الأوربي 2000/78،في حين أن القضية المعروضة عليه لا تتلاءم مع التطبيق المباشر لمقتضيات هاته الفقرة. لقد سبق أن قلت أن من النصوص الأوربية من ينظم العلاقات القانونية داخل دول الإتحاد بشكل غير مباشر ومنها المقرر الأوربي رقم 2000/78. فالفقرة 1 من المادة 4 ليست آمرة وتتطلب أن تدرجها كل دولة حسب رغبتها في نظامهما القانوني أو لا تدرجها دون أن تحاسب على ذلك. فهذه الفقرة تمنح للدول الأعضاء إمكانية تبرير عدم المساواة في التعامل في الحالات التي تستجيب لمجموع الشروط يحددها المقرر الأربي في نفس الفقرة المذكورة. بالتالي، المنهجية القانونية تقتضي قبل إدراج هذه الفقرة 1 من المادة 4 المذكورة في الإطار القانوني للقضية وجب التأكد من أن المشرع الوطني قد رغب فعلا في تفعيل هذه المادة ونص عليها في قوانينه. هذا الشرط لا يتحقق بالنسبة لدولة بلجيكا التي لم يشأ حينها المشرع نقل مقتضيات الفقرة المذكورة.
الحقيقة أن المدعي العام كانت منتبهة لهذا الشرط، لكنها اعتبرت المادة المذكورة قابل للتطبيق حتى لو لم ينص عليها المشرع البلجيكي. اجتهدت مع وجود نص واضح، فأسست مستنتجاتها على سند قانوني غير موجود، مما يجعلها في حكم المستنتجات الغير قانونية. وفي قضية مماثلة ومعروض على المحكمة في نفس التوقيت، اعتبر مدعي عام آخر أن تطبيق هذا النص يستوجب وجود نص قانوني ينقل مقتضياته في النظام التشريعي للدول الأعضاء وهو ما تحقق من وجوده فعلا في حالة دولة فرنسا [27].
والكارثة أن المدعي العام في ملف دولة بلجيكا اعتبرت أن النظام الداخلي للمقاولة يكفي ليمنح حق الاحتجاج بالمادة 4 دون وجود ضرورة لتدخل السلطة التشريعية لدولة[28]. غامرت المدعي العامة في اجتهادها، طلبا لتبرئة قرار الطرد من مخالفة مبدأ عدم التمييز الغير مباشر القائم على الدين. ومغامرتها نسفت كل جهودها، والدليل، كما سنعرض في الفصل التالي، أن قضاة محكمة العدل لم يتبنوا مقاربتها للإطار القانوني للقضية وإن استفادوا من تقييمها للشروط المنصوص عليها في المادة 4.
أما من جانب التمييز المباشر، فقد خلصت من حيث المبدأ إلى أن قرار الطرد لا يمكن البتة أن يشكل تمييزا مباشرا قائما على الدين؛ وأقول خصلت، لكن، في نظري، على غير أساس قانوني او واقعي مقبول. فقد أسس المدعي العامالخلاصات على تمثلات شخصية حول مفهوم الدين في حين أن القانون الأوربي يحدد بتركيز شديد حدود هذا المفهوم؛ وقد نقلت هذا التعريف في تقريرها لكنها لم تلتزم به واعترت من تلقاء نفسها أن “ارتداء الحجاب هو تصرف يقوم على قرار أو عقيدة مجردة وليس على خاصية ملموسة لا يمكن فصلها عن الشخص أو أو مميزات مرتبطة بالشخص كالنوع، والسن، الميول الجنسي [29]وبالتالي بإمكان المشغل أن يحشر نفسه في مسألة تدين أجرائه وأن يفرض عليهم محظورات بهذا الخصوص [30]وهي بهذا التعليل الانطباعي الخالي من أي أسس قانونية تخالف القانون الأوربي الذي عرضت مقتضياته في نفس التقرير [31]
سأكتفي بهذه الملاحظة، وللتعرف على ملاحظات أخرى أحيل القارئ على النسخة الفرنسية من البحث المنشورة على الأنترنت[32].
تجدر الإشارة إلى أن مبرراتها، خاصة فيما يخص التمييز الغير مباشر، لا تبقى دون جدوى، وهي مبررات تفرغ المقرر الأوربي 2000/78 من محتواه وتنزع عن حق التدين أي حماية قانونية. ولا شك أن هيئة الحكم بمحكمة العدل الأوربية استفادت من أعمال المدعية العامة دون أن تنجرف إلى خطئها في الإستناد إلى الفقرة 1 من المادة 4 التي لم تلتفت إليها المحكمة ولم يتضمن قرارها أي إشارة إليها. في حين أن مستنتجات المحكمة استندت إلى المادة 2 [33]والاستثناءالذي نصت عليه بخصوص التمييز الغير مباشر.
ثانيا: مستنتجات محكمة العدل الأوربية
بعد أن أنهت المدعي العام مستنتجاتها تعرضها على هيئة الحكم دون أن تكون هته الأخيرة ملزمة بها. ففي النهاية يتخذ قضاة هيئة الحكم القرار ويبرزون حكم القانون في القضية. وبالنسبة لاستنتاجات هيئة الحكم، وبغض النظر عن مناقشة قانونيتها، فهي بالنهاية تتقاطع مع مستنتجات المدعي العام في كونهما يفرغان المقرر الأوربي 2000/78 من محتواه، وتنزع بالخصوص عن حق التدين أية حماية قانونية. والأدهى، كما سبق أن أشرت، أن قرار محكمة العدل الأوربية في هذا الملف حساسلتعلقه بحق التدين وتداعيات على حق الشغل من جهة،وحاسم بالنظر إلى كونه يلزم ليس فقط محكمة النقض في بلجيكا بل يلزم جميع محاكم دول أعضاءالإتحاد الأوربي بكل درجاتها التي تنظر في قضايا تتطلب تطبيق مقتضيات المقرر الأوربي 2000/78 من جهة أخرى.
وقد ناقشت القرار على الأقل في عشر ملاحظات ملتزمين بنفس التقسيم السابق مميزين بين المستنتجات التي تخص نظام التمييز المباشر ونظام التمييز الغير مباشر كما عرفهما المشرع الأوربي. وإليكم بعض هذه الملاحظات يومكن الرجوع إلى التفاصيل في البحث الأصلي.
ففيما يخص التمييز مباشر، أشير بداية أن خلاصة هيئة محكم العدل الأوربية مطابقة لخلاصة المدعي العام مع اختلاف في التعليلات. وحول هاته الأخيرة أقدم ملاحظة حول حجم نص المبررات التي ساقها القضاة. فللجواب عن طلب الإستفسار الذي رفعته محكمة النقض البلجيكية[34]، صاغ القضاة ما يناهز 210 كلمة يمكن اختزالها في الجوهر في 80 كلمة أو حتى 10 كلمات. نص رسالة قصيرة عبر الهاتف تكفي لحمل هذا التعليل. بالتالي، مستنتجات المحكمة بخصوص التمييز المباشر فاقد للتعليل سيما بالنظر إلى حساسية القضية المعروضة على أنظارها.
بعدها، أشير إلى تناقض يشوب عمل القضاة بخصوص التمييز المباشر. فمن أجل نفي التمييز المباشر اعتمد القضاة على أن منع ارتداء الحجاب مؤسس على قاعدة في النظام الداخلي للمقاولة تنص على حضر ارتداء الرموز الدينية وغيرها[35]. بالمقابل، التكييف القانوني للتمييز المباشر كما حدده البند أ) من الفقرة 2 من المادة 2 لا يشير إلى ضرورة وجود قاعدة. في حين أن البند ب) من الفقرة 2 من المادة 2، المتعلقة بالتمييز الغير مباشر هي التي تشترط وجود مقتضيات أو قاعدة، مقياس أو ممارسة محايدة. من التناقض في نظري أن تستند إلى البند باء في إطار تكييف عمل يتطلب تطبيق البند ألف.
سأكتفي بهذا القدر من الملاحظات حول مستنتجات المحكمة بخصوص التمييز المباشرة.
أما بخصوص التمييز الغير مباشر، فعمل القضاة لا يخلو كذلك من ملاحظات. تجدر إلى ان عمل القضاة حول هذا التمييز الغير مباشر خارج عن إطار طلب الاستفسار الذي قدمته لهم محكمة النقض البلجيكية بل هو عمل قائم على افتراض أنه بالإمكان اعتبار أن النزاع يقع في نظام التمييز الغير مباشر[36]. وهذا في حد ذاته ليس عيبا يشوب قرار المحكمة. لكن العيب -وهنا آتي على الملاحظة الأولى- أن المحكمة لم تكلف نفسها الجواب عن سؤال افتراضي طرحته بنفسها بلقامت بتكليف المحكمة البلجيكية الجواب عنه[37]. غريب. أي فائدة ترجى من إعادة طرح سؤال على محكمة النقض الوطنية وهو يدخل في صميم اختصاص محكمة العدل الأوربية؛ أي تفسير نصوص القانون الأوربي.
بعدها، استكملت فرضيتها بالقول حتى لو أن التكيف القانوني انتهى بالقضية في إطار مخالفة التمييز الغير مباشر، فإن المحكمة تفترض من جديد أنه بالإمكان تبرير هذه المخالفة بالاستنادإلى الاستثناء الذي يلي البند ب) من الفقرة 2 من المادة 2[38]. والمنتظر- وهنا آتي على الملاحظة الثانية- حسب منطق محكمة العدل الأوربية في الافتراض الأول، أن يكلف القضاة المحكمة البلجيكية بفحص تحقق شروط هذا الاستثناء. لكن شيء من هذا لم يكن، إذ تفرغت هيئة المحكمة للتصدي للجواب عن هذاالافتراض[39]. ومن ناحية الأثر، فهذا الافتراضكما المساعدة (الاجتهاد) التي تمخضت عنهيخدم بشكل مباشر المشغل المتهم في قضية التمييز ولا يفيد في شيء الأجيرة الضحية. من الآن فصاعدا يكفي المشغل في أوربا أن ينص في نظامه الداخلي على “حيادية” مقاولته حتى يستطيع فرض قرارات تحد من حق التدين كمنع الحجاب مثلا. وفي فرنسا، فهذا التوجه سبقه إليه “قانون الخمري” السابق الذكر إلا أنه أصبح الآن معززا بنص قضائي ملزم. أي تبخيس هذا لحقوق الإنسان.
وقبل التوسع في التبريرات المقدمة، من المفيد التذكير بأن نظام التمييز الغير مباشر يخضع لاستثنائيين:الاستثناء المنصوص عليه في البند الذييلي البند ب) من الفقرة 2 من المادة 2 والاستثناء المنصوص عليه في الفقرة 1 من المادة 4 السالفة الذكر. اختارت إذا المحكمة -هنا آتي على ملاحظة ثالثة- الاستناد على الاستثناء الوارد في المادة 2 عوض الاستثناء المنصوص عليه في المادة 4 دون تقديم تفسير لاختيارها؛ في حين أن الاستثناء الأخير، في نظري، هو الأنسب للنازلة. وإذا كان للمحكمة رأي آخر فهي لم تفص عنه فارضة إطار قانوني للقضية دون الحسم في ملائمته لحيثياتها[40].
ولا يخفى عليكم الآن، أنه ما كان للمحكمة أن تنظر إلى المادة 4 لأنها تعلم مسبقا أن المشرع البلجيكي لم يقم بنقل مقتضياتها، متجنبة الوقوع في الخطأ الذي سقطت فيه المدعي العام. علما أن تحقق الاستثناء الوارد في المادة 4 أكثر صعوبة من الاستثناء الوارد في المادة 2. بعبارة أخرى، الاستثناء الأخير يفيد أكثر المشغل المتهم بالتمييز أكثر من الأجيرة الضحية.
سأكتفي بهذا القدر وإن كان هناك مزيد يمكن الرجوع إليه في الصيغة الفرنسية للبحث.
خلاصة :
كيف لقرار حاسم وحساس في نازلة تتعلق بالحقوق الدينية للإنسان ومؤثرة مباشرة في حقوقه الاقتصادية أن يصاغ بهاته الخصائص (خفة في التعليل، تناقض ظاهري، خدمة القضاء للمشغل المتهم في حين أن الضحية هي الأولى لأنها مسلحة بترسانة قانونية واضحة …). لما لم يقدروا-خارجة أية مقاربة قانونيةـ ويدققوا في التبعات المحتملة لقرارهم على الجالية المسلمة من قبيل تغذي عدم التسامح الديني، وتقويض فرص التعايش، وتضييق مجال التنوع، وتضييع فرص العمل… كيف لو أن دول الاتحاد الأوربي تلقت معاملة بالمثل من قبل الدول الإسلامية استنادا لمبدأ المعامل بالمثل؟ أو تعرضت لردود فعل مجتمعية من قبيل المقاطعة الاقتصادية وحضر استهلاك منتجات مقاولات الإتحاد الأوربي التي لا تحترم حقوق الجالية المسلمة وحقوق الإنسان عموما.
من نفل القول أن الجاليات المسلمة بأوربا تعاني في سوق الشغل قبل سنوات من صدور القرار موضوع البحث وسن قانون الخمري بالنسبة لفرنسا [41]، لكن من المرجح أن يتكرس هذا التمييز بعد أن أضحى المشغلون بأوربا يتوفرون على سند قانوني يتيح لهم تقييد الحرية الدينية في مجال العمل، خاصة إن لم يتم العمل على التصدي السلمي، العلمي والقانوني والسياسي والمجتمعي، لمثلث التمييز، الذييضرب بأضلاعه الثلاث (مجتمع، قانون، واجتهاد قضاء محكمة العدل الأوربية) حدود حركة المسلمين والمسلمات في أوربا و يعكر حياتهم خاصة فيما يتعلق بالتضييق على حقوقهم الأساسية في التعلم والعمل والعيش المشترك مع نظرائهم الغربيين الذي يصون كرامتهم وحرياتهم وثقافتهم.
وإن كان من توصيات يمكن الخروج بها فقد تكون واحدة منها موجهة إلى المؤسسات الرسمية للدول الإسلامية التي تعنى بأوضاع جاليات كل بلد، من أجل خلق اتحاد بين هاته المؤسسات أو على الأقل تنسيق الجهود فيما بينها من أجل التعامل المشترك والمتكاثف مع هكذا قضايا أفقية والتي تتجاوز الحدود القطرية لكل دولة. والتوصية الثانية موجهة للباحث القانوني وجمعيات حقوق الإنسان،والإعلام وجموع المواطنين،وهم مدعوون، كل من موقعه، إلى تكثيفالبحث القانوني، والنقاش العلمي، والتغطية الإعلامية خدمة لحقوق الجاليات المسلمةسعيا إلى فك حصار مثلث التمييز. وإن لم يفعلوا، فسيقع أقرباؤهم وجيرانهم وأصدقاءهم من الجالية المسلمة أسرى مربع التمييز بدلا من مثلث التمييز وذلك إذا ما احتسبنا الضلع الرابع تحت عنوان الفراغ الأكاديمي والمجتمعي والرسمي الذي يتركه العالم العربي والإسلامي إزاء هذه التحديات.
الهوامش :
[1] قرار تحت رقم C-157/15
[2] عنوان الموقعالذي نشر البحث: www.venezpenser.blogspot.com
[3]بالمقابل قد يكون المواطن هو من يخلق التيار السياسي ويؤثر فيه.
[4] صرح بهذا الرأي في حوار تلفزي يمكن مرجعته على الرابط :
Port du voile et mamans accompagnatrices hors de l’école : les réponses d’Emmanuel Macron
[5] مستنتجات المدعي العام في ملف C-188/15 بتاريخ 13 يوليوز 2016 الفقرة 35 . للإشارة هذا الملف مماثل للملف موضوع البحث. لكن نتيجته مخالفة إذ أصدرت فيه محكمة العدل الأوربية قرارها بتاريخ 14 مارس 2017 في الجوهر لصالح الأجيرة المطرودة معتبرة قرار طردها بسبب حجابها يشكل تمييزا دينيا. لكن هذا القرار لا يغير الاجتهاد القضائي موضوع البحث بل يعززه.
[6] يمكن الرجوع إلى نتائج البحث الكاملة على رابط المنظمة التالي :
https://www.amnesty.org/fr/press-releases/2012/04/muslims-discriminated-against-demonstrating-their-faith-1/
[7]قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 26 غشت 2016 ألغى العمل بمقرر البلديات التي تحضر لباس البركيني لمخالفته للحقوق الأساسية المكفولة بالقانون. والممارسات على أرض الواقع تختلف.
[8]رأي مجلس الدول بتاريخ 24 دجنبر 2013 اعتبر الأمهات المرافقات لأبنائهنمرتفقات ولسن متعاونات مع المرفق العام يمكن إلزامهن بمدأ الحياد، ضدا عن ما يدعيه مناصروا المنع. هذا الرأي قدم بناء على طلب من مؤسسة دستورية تعنى بحقوق والمساواة. وهو رأي قانوني غير ملزم لكنه هام ويمكن تحميله على هذا الرابط
http://www.observatoire-collectivites.org/IMG/pdf/Etude_du_Conseil_d_Etat_sur_la_laicite_rendue_le_19_Decembre_2013_sur_commande_du_Defenseur_des_droits.pdf
[9] من أواخرها من أواخرها الجدل حول ترأس طالبة ترتدي الحجاب لجهاز تمثيلي للطلبة داخل الجامعة بفرنسا. للتعرف على المزيد يمكن تتبع أعمال بعض الجمعيات التي تنشط في رصد ظاهرةالإسلاوفوبيا وتقديم الدعم والمساعدة للضحايا، والدفاع عن حقوق الإنسان و معالجة الصورة النمطية للمرأة المرتدية للحجاب من قبيل:
– جمعية التجمع ضد الإسلامو فوبيا بفرنسا : https://bruxelloiseetvoilee.com/
– تجمع « les Cannelles » ببلجيكا : https://bruxelloiseetvoilee.com/
[10]بلاغ صحفي رقم 30/17 بتاريخ 14 مارس 2017 صادر عن محكمة العدل الأوربية
[11]يمكن الرجوع إلى كبريات الصحف بمختلف المنابر الإعلامية الأوربية ابتداءا من تاريخ 14 مارس 2017
[12] قناة الجزيرة الإخبارية وموقعها الإخباري نموذج
[13]وقفت على بلاغ لمؤسسة إسيسكو التي رفضت القرار ودعت إلى العمل على نقضه. البلاغ منشور على موقعها الرسمي.
[14]قانون 2016-1088 بتاريخ 8 غشت 2016
[15] استعملت الحكومة الفرنسية صلاحية حمل البرلمان على قراءة واحدة لمشروع قانون الشغل من أجل المصادقة عليه
[16]loi Al Khomri
[17] الترجمة بمجهود شخصي والصيغة الفرنسية تنص عل ما يلي :
« Art. L. 1321-2-1.-Le règlement intérieur peut contenir des dispositions inscrivant le principe de neutralité et restreignant la manifestation des convictions des salariés si ces restrictions sont justifiées par l’exercice d’autres libertés et droits fondamentaux ou par les nécessités du bon fonctionnement de l’entreprise et si elles sont proportionnées au but recherché. »
[18]بلاغ صحفي مزدوج لمرصد اللائكية واللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان بتاريخ 19 يوليوز 2016 الذي يدعو إلى سحب مقتضيات المادة المشار إليها قبله لمخالفتها لمقتضيات الدستور وللإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والقانون الأوربي.
[19] مستنتجات المدعي العام في ملف C-157/15
[20] ترجمة عربية مقترحة لكلمةRèglements
[21] ترجمة عربية مقترحة لكلمة Directives
[22] تنص المادة الأولى في صيغتها لافرنسية على ما يلي :
Article premier : objet
« La présente directive a pour objet d’établir un cadre général pour lutter contre la discrimination fondée sur la religion ou les convictions, l’handicap, l’âge ou l’orientation sexuelle, en ce qui concerne l’emploi et le travail, en vue de mettre en oeuvre, dans les États membres, le principe de l’égalité de traitement. »
[23]عينة من هذه القرارات العديدة:
Arrêt du 13 septembre 2011, Prigge e.a. (C‑447/09, EU:C:2011:573, point 38).
Cour EDH, 24 janvier 2006, Kurtulmuş c. Turquie (CE:ECHR:2006:0124DEC006550001)
Cour EDH, 26 novembre 2015, Ebrahimian c. France (CE:ECHR:2015:1126JUD006484611)
[24] فقرة 57 من مستنتجات المدعي العام في ملف C-157/15
[25] تنص هذه المادة في صيغتها الفرنسية على ما يلي :
Article 4 : Exigences professionnelles
« 1. Nonobstant l’article 2, paragraphes 1 et 2, les États membres peuvent prévoir qu’une différence de traitement fondée sur une caractéristique liée à l’un des motifs visés à l’article 1er ne constitue pas une discrimination lorsque, en raison de la nature d’une activité professionnelle ou des conditions de son exercice, la caractéristique en cause constitue une exigence professionnelle essentielle et déterminante, pour autant que l’objectif soit légitime et que l’exigence soit proportionnée. »
[26] فقرات 58 إلى 129 من مستنتجات المدعي العام في ملف C-157/15
[27] المدعي العام في قضيةC-188/15 بتاريخ 13 يوليوز 2016 الفقرة 91
[28]الفقرة 67 من مستنتجات المدعي العام في ملف C-157/15 بتاريخ 31ماي 2016
[29]فقرة 45 من مستنتجات المدعي العام في ملف C-157/15
[30]فقرات رقم116 و120 من مستنتجات المدعي العام في ملف C-157/15
[31]فقرات رقم 35 و36 من مستنتجات المدعي العام في ملف C-157/15
[32] تذكير بعنوان الموقعالذي نشر البحث: www.venezpenser.blogspot.com
[33] تنص هذه المادة في صيغتها الفرنسية على ما يلي :
Article 2 : Concept de discrimination
« 1. Aux fins de la présente directive, on entend par “principe de l’égalité de traitement” l’absence de toute discrimination directe ou indirecte, fondée sur un des motifs visés à l’article 1er.
- Aux fins du paragraphe 1:
- a) une discrimination directe se produit lorsqu’une personne est traitée de manière moins favorable qu’une autre ne l’est, ne l’a été ou ne le serait dans une situation comparable, sur la base de l’un des motifs visés à l’article 1er;
- b) une discrimination indirecte se produit lorsqu’une disposition, un critère ou une pratique apparemment neutre est susceptible d’entraîner un désavantage particulier pour des personnes d’une religion ou de convictions, d’un handicap, d’un âge ou d’une orientation sexuelle donnés, par rapport à d’autres personnes, à moins que:
- i) cette disposition, ce critère ou cette pratique ne soit objectivement justifié par un objectif légitime et que les moyens de réaliser cet objectif ne soient appropriés et nécessaires, ou que (…) »
[34] الفقرة 22 من قرار محكمة العدل الأوربية في ملف C-157/15
[35] الفقرة 29 من قرار محكمة العدل الأوربية في ملف C-157/15
[36] الفقرات 33 و34 من قرار محكمة العدل الأوربية في ملف C-157/15
[37] الفقرة 34 من قرار محكمة العدل الأوربية في ملف C-157/15
[38] الفقرة 35 من قرار محكمة العدل الأوربية في ملف C-157/15
[39] الفقرة 36 إلى 42 من قرار محكمة العدل الأوربية في ملف C-157/15
[40] الفقرة 35 من قرار محكمة العدل الأوربية في ملف C-157/15
[41]ففي سنة 2006 بلغت نسبة تشغيل المغربيات في هولاندا تناهز 27 في المائة في حين تبلغ بالنسبة للهولانديات 56 في المائة حسب تقرير منظمة العفو الدولية المسار إليها سابقا.
تعليقات 0