مجلة مغرب القانونالقانون العامهل لا يزال القانون الإداري المغربي مناسبا لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين؟

هل لا يزال القانون الإداري المغربي مناسبا لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين؟

محمد عواد باحث في ماستر القانون العام والعلوم السياسية : تخصص التدبير الإداري والمالي كلية العلوم القانونية اكدال – جامعة محمد الخامس الرباط

ملخص تنفيذي:

لقد ظلت الوسائل القانونية التي يشتغل بموجبها القانون الإداري، وما يدور في فلكها من امتيازات السلطة العامة جوهر القانون الإداري المغربي، إن تكوينها البسيط، ومنطق قوتها المبرر بحجة الحفاظ على النظام العام وتحقيق المصلحة العامة، كلها مزاعم وجب إعادة تمحيصها ونقدها من جديد داخل الجامعات المغربية، نظرا لكون علاقة الدولة وفرعها التنفيذي بالحياة الاقتصادية اليوم يفرض نهجاً أخر. إن مسألة نجاة القانون الإداري من عدمه معطى مرتبطة بمفاضلة الدولة بين خيارين لا ثالث لهما، الأول أن تتوخى الحياد تجاه الاقتصاد، ومن تم، أمكن لها استعمال امتيازات السلطة العامة، أما الخيار الثاني فهو التدخل في الحياة الاقتصادية؛ منطق هذا الاختيار يحتم على الدولة وإدارتها مجابهة الخواص والخضوع لقانونهم، مع التخلي عن امتيازات السلطة العامة، أما الإسرار على المزاوجة بين أدوات القانون الخاص والقانون الإداري مع غلبة الأول على الثاني نظرا لما تحتمه الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، واقع قد يجعل من القانون الإداري، قانون للحالات الاستثنائية، مع الإشارة لما يمكن أن يستتبع ذلك من توظيف غير سليم لهذا الأخير.

كلمات المفاتيح: القانون الإداري – التحليل الاقتصادي للقانون

Executive Summary:

The legal means of administrative law, and its reliance on the prerogatives of public authority, remained the core of Moroccan administrative law. These legal means and their extraordinary power were justified under the pretext of maintaining public order. These are all allegations that must be criticized within the Moroccan University, given that the relationship of the state and its executive branch with the economy imposes other approaches. The question of whether or not the administrative law will survive? Is a question related to the state’s trade-off between two options, the first one in which the state seeks neutrality towards the economy; in this case the state can use the privileges of the public authority. The second option is for the state to intervene in the economy. This choice forces the state to submit to private law, while giving up the privileges of public authority. As for the continuation of the situation as it is, where the state uses the tools of private law and administrative law, with preference to the first over the second, is a reality that may make administrative law Similar to a law that may be used in exceptional cases, (with reference to the damages that may result from this exceptional administrative law).

Key words: Administrative law – Economic Analysis of Law


مقدمة:

     تجدر الإشارة إلى أن موضوع الدراسة لم يسلط عليه الضوء بشكل كافي داخل كليات الحقوق المغربية، ولم ينيل اهتمام الباحثين والمهتمين بالقانون الإداري، لدى لا يسعفنا الرأس المال المعنوي وتراكم المعرفة على تأصيل لهذا الموضوع بشكل مرضي، ومن تم محاولة تقديم إجابة شافية عن ما إذا كان القانون الإداري المغربي مناسبا لمواجهة تحديات القرن الحادي و العشرين؟، في مقابل ذلك سنكتفي باستعراض التحديات المعاصرة التي يواجهها هذا القانون، واختبار فرضية القانون الإداري الجديد، خاصة وأن أدبيات السنوات العشر الماضية داخل الجامعات الأوربية احتوت على إشارات عديدة بهذا الخصوص يمكن أن نحددها في اتجاهين متعارضين: من جهة، “نهاية القانون الإداري”، ومن جهة أخرى، “القانون الإداري الجديد”. وفقًا للطرح الأول الذي يتبناه الباحثون الفرنسيون والبلجيكيون، فإن القانون الإداري فقد خصائصه الأمر الذي أدى لزيادة الصعوبة في تحديد وضعه ونطاقه؛ لقد أصبح هجينا، وهو الآن في حالة خراب.[1] هذا الوضع – حسب هذه الرواية – هو نتاج أسباب مختلفة ومتضاربة: العولمة، الأوربة، الخوصصة،[2] على العكس من ذلك، ووفقًا لوجهة النظر الثانية، التي يتبناها بشكل أساسي الباحثون الألمان، فإن قانونًا إداريًا جديدًا آخذ في التطور[3]، بسبب عملية التغيير والتحديث والإصلاح، هذا القانون الإداري الجديد، أو ما بعد الحداثي، أكثر انفتاحًا من القانون الإداري القديم[4]، يركز على “التوجيه” بدلاً من الأمر، هذا القانون الإداري الجديد – من وجهة النظر هذه – هو نتاج الدور الجديد للدولة، كميسر ومشجع للاقتصاد والمجتمع[5]، ومنظم للمخاطر.

مقال قد يهمك :   قانون الحق في المعلومة .. هل تتصالح الإدارة مع المواطن

 هل نشارك الرأي القائل بأن القانون الإداري قد وصل إلى المرحلة النهائية من حياته، أم أنه على العكس من ذلك يمر بعملية تغيير وتجديد؟، ماذا يسود الآن: الاستمرارية أم التطوير والتحديث؟

يقدم الجزء الأول من هذا المقال بعض الأفكار حول التحديات المعاصرة التي تواجه القانون الإداري في النمط المغربي على غرار التعقيد ومخاوف الاندثار، أما الجزء الثاني يختبر محاولات التنظير لما يعرف بـ “القانون الإداري الجديد”، وإمكانية قياس هذه الفرضية وإسقاطها على التجربة المغربية. 

أولا: أفول القانون الإداري المغربي

نبتدئ هذا الجزء بطرح مجموعة من تساؤلات هي كالآتي:

 لماذا نسلم بأن القانون الإداري يعيش أزمة؟ هل يرجع ذلك لكونه قانونا سحيقا؟، لم يعد مناسبا للغرض بسبب قدم آليات اشتغاله وبطئها؟، هل الوسائل القانونية التي يوفرها القانون لإداري لكي تشتغل الإدارة، والحديث هنا عن القرارات والعقود الإدارية وما يختلج ها من امتيازات السلطة العامة هي سبب الأزمة؟ على سبيل المثال هل يصح الحديث عن الانفرادية كمعيار للقرارات الإدارية ودستور المملكة المغربية لسنة 2011[6]، يؤكد على تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية؟.

إن هذه الأسئلة تجعلنا نفترض جدلا، أن أزمة القانون الإداري في الحقيقة هي أزمة القانون الإداري لامتيازات السلطة العامة، إذا كان القانون الخاص ينظم العلاقات بين الأشخاص بشكل متكافئ، حيث يمكن إلزام جميع الأفراد أو تمكينهم بنفس الطريقة، فعلى النقيض من ذلك، يتم تعريف القانون الإداري إلى حد كبير من خلال نظام التبعية حيث تكون امتيازات السلطة العامة ممكَّنة في جانب واحد (الإدارة)، وملزمة للمخاطبين من قبل هذه الأخيرة في قراراتها وكذا المتعاقدين معها.

يعتبر التمييز بين القانون الإداري والقانون الخاص من المسلمات لدى طلبة القانون في المغرب، لكن في الآونة الأخيرة أصبح هذا المعطى مثيرًا للجدل بسبب حكومة العصر الحديث، التي تتميز بالعديد من الأشكال “الهجينة” للعمل والتدخل حيث تستعمل ثارتا أدوات القانون العام و ثارتا أخرى أدوات القانون الخاص، رغم أن دستور29  يوليو 2011 يفترض التمييز بين القانون الخاص والقانون الإداري، لكنه يجرد القانون الإداري من دلالاته وانعكاساته السلطوية التاريخية.[7]

مقال قد يهمك :   سماع دعوى إسقاط الحضانة من جديد بعد زوال المانع القائم في الدعوى السابقة وعلاقته بسبقية البت

تمتد مسألة الاختيار بين القانون الخاص والقانون الإداري إلى الشكل التنظيمي للمرافق العامة وطبيعة العلاقة القانونية بين الأجهزة الإدارية الساهرة على تدبيرها والمواطنين، لكن هذا المعيار يبقى مبهما وغير واضح، لتبقى بذلك الخطوط غير واضحة بين المجالات التي يجب أن تتضمن القانون الإداري و تلك التي يجب أن تتضمن القانون الخاص، فما كان يحكمه سابقا القانون الإداري يتم تنظيمه الآن من خلال فروع محددة من القانون الخاص. لقد أدت مسألة تغلغل القانون الخاص في القانون الإداري العديد من الأبحاث لمحاولة التفكير في إنشاء قانون خاص يتم وضعه خصيصًا للإدارة.[8]

ثانيا:  نحو قانون إداري جديد

   أصبحت إشكالات التعقيد و مخاوف اندثار القانون الإداري المغربي جراء مزاحمة قواعد القانون الخاص له، الأساس الجدلي “لـلقانون الإداري الجديد”، ومع ذلك، ومن الناحية الواقعية، فإن الانتقاد القائل أن القانون الإداري المغربي بدلالاته التاريخية قد عفا عليه الزمن ليس مقنعا، خاصة وأن بعض الباحثين يرون أن الإدارة غير مستعدة لمنافسة الخواص، والاحتكام لمنطق السوق، وهي مطالبة في نفس الوقت بتحقيق المصلحة العامة، ومراعاة ما تقتضيه المبادئ التقليدية لسير المرافق العام كالمجانية،[9] بدلاً من ذلك، يجب البحث عن نهج جديد يكون مدركًا للتطور التاريخي للقانون الإداري المغربي، ومستعدًا أيضًا لتنفيذ الابتكارات اللازمة لتشمل متطلبات اليوم، على سبيل فقد وسع علم الإدارة تركيزه ليشمل الجوانب الاقتصادية،[10] والاجتماعية، والنفسية، والجغرافية للنشاط الإداري، وبالتالي يمكن لتجربة “القانون الإداري الجديد” الاستعانة بعلم الإدارة، وتحويل تركيزها من الوسائل القانونية التقليدية إلى نهج عملي موجه نحو المشكلة من خلال التساؤل عما إذا كان حلها عمليًا على الإطلاق؟. إن هذه المقاربة الجديدة توسع التركيز إلى ما وراء النهج القانوني الصرف، حيث يؤدي هذا الاختيار إلى تنفيذ الحلول غير القانونية.[11]

إن تسمية كل هذا بـ “الجديد” يعني ضمنياً أنه تم تطوير نظام بديل يتجاوز النظام القديم، ومع ذلك، لم يتم العثور على هذا القانون الإداري الجديد، أو بالأحرى ليس له وجود، فالدول التي وفقت في الاستعانة بعلم الإدارة في تدبير قطاعها العام على غرار انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية ترفض مسبقا فكرة القانون الإداري ذو القوة القانونية الغير العادية، كما أنها لا تعترف بإدارة لا تخضع للقانون الخاص والقضاء العادي.[12]

مقال قد يهمك :   محمد براو: في العلاقة بين الديموقراطية والحكامة والتنمية

  • [1] Sabino Cassese, New paths for administrative law: A manifesto, Published by: International Journal of Constitutional Law, Volume 10, Issue 3, July 2012, p 603.
  • [2] Jean-Bernard Auby, ETUDES – La bataille de San Romano. Réflexions sur les évolutions récentes du droit administratif, Actualité juridique. Edition droit administratif Vol. 57(2021).p921

[3] Matthias Ruffert. The Transformation of Administrative Law in Europe/La mutation du droit administratif en Europe. Munich: Sellier : European Law Publishers , 2007.

[4] Becker Florain. The Development of German Administrative Law. George Mason Law Review. 2017. p453.

 [5] من الصعب فهم التحولات الحاصلة في القانون الإداري بمعزل عن دراسة النظريات الاقتصادية الكبرى، من أجل فهم العلاقة الوطيدة بين هذين الحقلين المعرفيين نقترح على القارئ، مؤلف الأستاذين حسن توراك وعمر الغليمي،”تطور القانون الإداري الفرنسي على مقياس اللبرالية الاقتصادية”، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2020.

[6] ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1432 (30 يوليو).

[7] إن سجال القانون الدستوري والقانون الإداري، وسؤال مدى تأثر قواعد القانون الإداري بالدستور؟، صراع بدأت تظهر إرهاصات بشكل جلي وواضح مع دستور المملكة لسنة 2011، في هذا الصدد يرى الأب المؤسس للقانون الإداري الألماني الحديث، أوتو ماير Otto Mayer، أن قواعد القانون الدستوري لا تمارس سوى تأثير ضئيل على نظيرتها قواعد القانون الإداري، يقول Mayer في مقدمة الطبعة الثالثة من أطروحته الشهيرة،Deutsches Verwaltungsrecht (1924)(القانون الإداري الألماني): “يأتي القانون الدستوري ويذهب؛ القانون الإداري هنا لكي يبقى”.

  • [8] Pierre van Ommeslaghe, Le droit public existe-t-il? [Does Public Law Exist?], Revue de la Faculté de droit Université libre de Bruxelles. (2006).

[9] Poirier, Johanne, Le droit public survivra-t-il à sa contractualisation ?: Le cas des accords de coopération dans le système fédéral belge. Revue de droit de l’ULB, 33, Publié, 2006. p289.

[10] يرى الأستاذ الجامعي وعالم الاقتصاد الألماني لورينز فونشتاين (Lorenz von Stein )‏ (1815 – 1890 م)، أنه يمكن تجنب الأخطاء الإدارية من خلال تخفيف الطابع القانوني للقانون الإداري، وجعله أشبه بالاقتصاد.

[11] Mahendra P. Singh , German Administrative Law : In Common Law Perspective. Springer-Verlag Berlin Heidelberg 1985. p35.

[12] يقول فقيه القانون الدستوري البريطاني لبيرت فين دايسي (1835-1922)، “هدفي هو دراسة القانون الإداري بقدر ما تتعارض مبادئه الأساسية مع الأفكار الإنجليزية الحديثة لسيادة القانون”.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]