وضعية المرأة المغربية على ضوء منهاج عمل بيجين
أسدل الستار يوم الجمعة 28/07/2007 على السنة الجامعية بكلية الحقوق بطنجة بمناقشة أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في القانون الخاص تقدم بها الطالب الباحث أنس سعدون العضو النشيط في نادي قضاة المغرب والعضو المؤسس للمرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية، ونائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بأزيلال سابقا، وبسوق الأربعاء حاليا.
مشروع الأطروحة التي استغرقت مدة إعدادها ما يناهز عشر سنوات من البحث الجاد تمحورت حول موضوع:
“وضعية المرأة المغربية على ضوء منهاج عمل بيجين”
تحت إشراف نائب عميد كلية الحقوق بطنجة الدكتور عبد الخالق أحمدون، وقد ضمت لجنة المناقشة أيضا كلا من الدكتور محمد الكشبور أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وأحد أقطاب قانون الأسرة والقانون المدني بالمغرب، فضلا عن الدكتورة وداد العيدوني أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة، وعضوة في المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، إلى جانب عضوية كل من الدكتور عبد الله أشركي أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة، والدكتور أحمد الجباري الأستاذ المؤهل بنفس الكلية .
أطوار المناقشة التي استمرت إلى وقت متأخر من الليل شهدت حضور مسؤولين قضائيين وقيادات بارزة في نادي قضاة المغرب وعدد كبير من القضاة والمحامين والباحثين وفاعلين من المجتمع المدني والاعلام ، وقد قررت اللجنة العلمية بعد المداولة، قبول الأطروحة شكلا، وفي الموضوع منح الباحث أنس سعدون لقب دكتور في الحقوق، مع تنويه خاص بالأطروحة.
الباحث أنس سعدون خلص في أطروحته الى ان النهوض بأوضاع المرأة المغربية لن يتحقق بمجرد اقرار مساواة ميكانيكية بينها وبين الرجل، فتحويل المرأة من كائن تابع مستلب لنمظومة فكرية ومؤسسة ذكورية تحاصره قيم مزدوجة المعايير إلى انسان حر مستقل لن يتم دون اعادة النظر في المفاهيم السائدة، والوقوف عند العراقيل الايديولوجية والمنهجية التي تحول دون الاعتراف بدور المرأة ليس فقط داخل المجتمع المغربي بل داخل المجتمعات العربية والاسلامية.
كما اعتبر أن النهوض بأوضاع المرأة يتطلب الانتقال من مجرد الاكتفاء بتحديد الأهداف إلى وضع الوسائل الكفيلة بتمكين المرأة وتنمية قدراتها وبالأساس الاشتغال على نفس الوسائل التي لطالما استغلت لترسيخ دونية المرأة واستلابها وعلى رأسها النظام التعليمي الذي لا يزال ورغم كل الجهود المبذولة يسهم في انتاج نفس القيم والأنماط السلوكية المنتقدة، بل ويؤدي إلى ذات الظواهر السلبية التي لطالما أسهمت في دونية المرأة وعلى رأسها استفحال ظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي وتزويج القاصرات.
في نفس السياق طالب الباحث أنس سعدون بالتركيز على استهداف المجال الاعلامي بالإصلاح العميق والشامل من أجل اعادة انتاج صورة المرأة في وسائل الاعلام المختلفة وتجاوز الصورة النمطية المنتشرة عنها، والتي تحصرها في كونها مجرد وسيط تجاري أو أداة اعلانية.
وقد تضمنت خلاصة الأطروحة عددا من التوصيات أهمها:
- دعم تجربة قضاء الأسرة : بإنشاء محكمة الأسرة مستقلة عوض الاكتفاء بأقسام تابعة للمحكمة الابتدائية من أجل تمكين الأسر المغربية من الضمانات التي يخولها القضاء المتخصص، مع الاهتمام بالبنيات التحتية وتأهيل الموارد البشرية وتوفيرها بشكل يجعلها تتلاءم مع متطلبات القضايا المعروضة وتفادي البطء، ودعم التكوين المستمر للقضاة وكافة المتدخلين في المجال، وتوفير برامج الزامية في مجال حقوق الانسان والنوع الاجتماعي.
- تقوية آلية مؤسسة الصلح وادماج الوساطة : من خلال تعميم الصلح على المستوى العملي ليشمل كل النزاعات المتعلقة بتطبيق مدونة الأسرة، ومأسسة آلية الوساطة واعتبارها مرحلة غير قضائية الزامية قبل اللجوء إلى المرحلة القضائية عملا بأفضل التجارب الدولية في هذا المجال.
- تقوية دور النيابة العامة في قضايا الأسرة : وتحويل الأدوار المنوطة بها على مستوى القانون إلى اجراءات تمارس على أرض الواقع من خلال ضمان تأهيل الموارد البشرية بها من قضاة وموظفي كتابة الضبط ، وضمان التخصص والتكوين المستمر لأعضائها.
- احداث مكاتب الارشاد والتوجيه داخل محاكم الاسرة ومراكز للإرشاد القانوني والقضائي خارج فضاءات المحاكم: ويستحسن أن تكون هذه المبادرة بشراكة بين القضاء والمجتمع المدني والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل والجامعة، من أجل توفير المعلومة القانونية للمتقاضين ودعم ولوجهم اليسير للعدالة .
- مراجعة قانون الأسرة وإدخال تعديلات تستهدف تقوية القواعد الحمائية للمرأة والطفل من أهمها وذلك من خلال :
- الغاء المادة 21 من مدونة الأسرة المتعلقة بزواج القاصرات التي تحولت الى نافذة لشرعنة تزويج الطفلات ؛
- الغاء المادة 16 من مدونة الأسرة لأنها تفتح الباب للتحايل على القانون.
- تعميم المادة 156 المتعلقة بنسب الأطفال المزدادين خلال فترة الخطبة لتشمل أيضا حالات أخرى من بينها الأطفال الناتجين عن حالات اغتصاب، أو تغرير بقاصر، أو وعد بالزواج.
- إلزام الأب البيولوجي بتحمل مسؤولية سلوكه الجنسي من خلال تحمل واجبات نفقة ابنه المولود نتيجة علاقة غير شرعية سواء كانت فسادا أو اغتصابا، إلى حين بلوغه سن الرشد القانوني، وفي هذا الاطار ينبغي تقنين الاجتهاد القضائي الحديث الصادر عن محكمتي طنجة وزاكورة في سنة 2017 والذي اعترف لأول مرة بحق الطفل الطبيعي في الهوية ومعرفة أبيه البيولوجي من خلال دعوى بنوة.
- اعادة النظر في المادة 49 من المدونة بخصوص توزيع الأموال المكتسبة أتناء قيام العلاقة الزوجية ووضع الأسس لتقدير وتقييم عمل ربات البيوت كعنصر مساهم في تنمية ثروة الأسرة.
- على مستوى القانون الجنائي لا بد من التعجيل بإصدار قانون جنائي جديد يستجيب للتحولات التي طرأت على المجتمع المغربي والتي همت وضع المرأة والأسرة على حد سواء والتعجيل باصدار قانون شامل لمناهضة العنف ضد المرأة .
- على مستوى قانون الشغل تبدو الحاجة ملحة لإصدار المراسيم التطبيقية لقانون العمال المنزليين الذي نشر مؤخرا في الجريدة الرسمية مع الغاء الاستثناء الذي يسمح بتشغيل الأطفال كعمال منزليين خلال فترة انتقالية.
أما على مستوى قانون الصحافة فينبغي مراعاة النوع الاجتماعي في إصلاح قانون الصحافة وعلى الخصوص حرصه على تحسين وضعيات النساء في المؤسسات الإعلامية وتوفير إمكانيات تعزيز قدرات النساء الصحافيات بما يضمن وصولهن إلى مراكز القرار داخل فضاء الإعلام ، ومحاربة الصورة النمطية السلبية للمرأة في المشهد الإعلامي.