الإجراءات الضريبية الجديدة في مشروع قانون المالية رقم 76.21

المرحلة الإدارية لمنازعات الجبايات المحلية وفق القانون 47.06

التلقيح الإجباري في ظل احترام حقوق الإنسان

28 أكتوبر 2021 - 7:32 م في الواجهة , متفرقات قانونية
  • حجم الخط A+A-

شكيب الخياري باحث في العلوم القانونية

تعالت عدد من الأصوات المعارضة لمضمون البلاغ الحكومي الأخير المنشور عبر وسائل الإعلام والذي أعلن من خلاله عن إلزامية الإدلاء بجواز التلقيح الخاص بكوفيد 19 من أجل التمكن من الولوج إلى الإدارات العمومية وشبه العمومية والخاصة والمؤسسات الفندقية والسياحية والمطاعم والمقاهي والفضاءات المغلقة والمحلات التجارية وقاعات الرياضة والحمامات، وذلك ابتداء من الخميس الماضي.

وقد استند عدد من المعارضين للقرار في تعليل موقفهم على أن التدابير التي أعلن عنها تخالف الدستور وتنتهك حقوق الإنسان من خلال انتهاك الحق في التنقل والحق في الحياة الخاصة (الحق في عدم التلقيح)، لكن يبدو جليا على أن هذه الفئة لا تبذل جهدا في الشرح عبر تبيان الأساس القانوني والحقوقي الذي يعضد موقفها، كما أن كثيرا من الآراء المعبر عنها في هذا الصدد لا تأخذ بعين الاعتبار الطبيعة الخاصة والاستثنائية لحالة الطوارئ، كما أنها تحمل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ما لا تحتمل وتقولها ما لم تقله.

لقد سبق لمنظمة الصحة العالمية، يوم الخميس 30 يناير 2020، أن أعلنت على أن تفشي فيروس كورونا المستجد يشكل حالة طوارئ صحية عالمية، ما يعني أن جملة من الالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان يمكن أن تخضع لعدم التقيد بها بسبب هذه الحالة وفق شروط معينة حددتها المادة 4 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

فوفق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، يحق للدول في حالة الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة أن لا تتقيد بالتزاماتها الحقوقية ما عدا الحقوق التالية التي يجب الالتزام بها دوما وهي المحددة حصرا كما يلي:

1- الحق في الحياة (المادة 6)؛

2-  الحق في عدم الإخضاع للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة (المادة 7)؛

3- الحق في عدم الاسترقاق والرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما والحق في عدم الإخضاع أحد للعبودية (المادة 8)؛

مقال قد يهمك :   المختصر المفيد في أعطاب نظام LMD الفريد

4- الحق في عدم سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي (المادة 11)؛

5- الحق في عدم الإدانة خارج مبدأ الشرعية الجنائية (المادة 15)؛

6- الحق في الاعتراف بالشخصية القانونية (المادة 16)؛

7- الحق في حرية الفكر والوجدان والدين ( المادة 18).

وقد جاء في التعليق العام رقم 29 اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة على أنه يجب على الدولة أن تتصرف في حدود أحكام قانونها الدستوري وغيرها من الأحكام المنظمة لإعلان الطوارئ ولممارسة السلطات الاستثنائية، هذه الأخيرة تتعلق في حالة المغرب بمرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الصادر وفق أحكام الدستور، والذي على أساسه تم إعلان التدابير المذكورة سابقا.

إن الادعاء بكون فرض جواز التلقيح للولوج إلى فضاءات معينة هو مس بالحياة الخاصة للأفراد لكونه إجراء ينطوي في جوهره على فرض التلقيح بالإكراه وبالتالي فهو ينتهك حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، أمر غير صحيح، ولعل ما أقرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سيكون مسعفا في فهم هذا الجانب.

ففي هذا الصدد، عرضت في أبريل الماضي قضايا على المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (الطلب رقم 47621/13 وخمسة طلبات أخرى) ضد جمهورية التشيك، تتعلق بالتلقيح الإجباري لأطفال على اعتبار أنه يشكل انتهاكا للمادة 8 (الحق في احترام الحياة الخاصة) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والتي تنص على أن”1- لكل إنسان حق احترام حياته الخاصة والعائلية ومسكنه ومراسلاته. 2- لا يجوز للسلطة العامة أن تتعرض لممارسة هذا الحق إلا وفقاً للقانون وبما تمليه الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصالح الأمن القومي وسلامة الجمهور أو الرخاء الاقتصادي للمجتمع، أو حفظ النظام ومنع الجريمة، أو حماية الصحة العامة والآداب، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم”.

فالقانون في جمهورية التشيك يفرض تلقيح المقيمين بشكل دائم ولمدد طويلة محددة، وبالنسبة للأطفال فإن أولياء أمورهم ملزمون بالتقيد بهذا الالتزام تحت طائلة غرامة مالية، كما أن المؤسسات التي تستقبل هذه الفئة سواء تعلق الأمر بالرياض أو المدارس فهي ملزمة بعدم قبول غير الملقحين منهم إلا الذين يتوفرون على شهادة تثبت حصلوهم على المناعة بأي وسيلة أخرى أو أن هناك موانع دائمة لا تسمح لهم بتلقي التلقيح.

مقال قد يهمك :   حدود اختصاص القاضي الاستعجالي الإداري في دعوى الإذن بالحيازة مقابل أداء أو إيداع التعويض الاحتياطي (تعليق على قرار)

وفي هذا الصدد قررت المحكمة في حكم نهائي، بأغلبية 16 صوتا مقابل صوت واحد، على أنه لا يوجد أي انتهاك للمادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وجاء في تعليلها بأن سياسة التلقيح التي تبنتها الجمهورية التشيكية تسعى إلى تحقيق الأهداف المشروعة المتمثلة في حماية الصحة وحقوق الآخرين، إذ أنها تحمي كل أولئك الذين يتلقون اللقاحات المعنية وأولئك الذين لا يمكن تطعيمهم لأسباب طبية والذين يعتمدون على المناعة الجماعية للحماية من الأمراض المعدية الخطيرة المعنية، وبالتالي فإن الدولة تتمتع بهامش كبير من التقدير في هذا السياق الذي أملته الضرورة في مجتمع ديمقراطي، خاصة وأن ذلك يحظى بدعم قوي من السلطات الطبية المختصة على اعتبار أنه يشكل استجابة للحاجة الاجتماعية الملحة لحماية الصحة الفردية والعامة من الأمراض المعنية ولتجنبها.

وفي ذات السياق، اعتبرت المحكمة على أن المصالح الفضلى للأطفال يجب أن تسود في جميع القرارات التي تتعلق بهم، بحيث يجب أن يكون الهدف من التلقيح هو ضمان حمايتهم من الأمراض الخطيرة من خلال التلقيح أو المناعة الجماعية، ولذلك فهي تلاحظ أن السياسة الصحية لدولة التشيك تتماشى بالتالي مع المصالح الفضلى للأطفال.

وفيما يتعلق الغرامة الإدارية التي فرضت على أولياء الأطفال فقد اعتبرت المحكمة أنها لم تكن مفرطة وأنه على الرغم من أن رفض الأطفال المتقدمين للالتحاق بدار الحضانة يعني بالنسبة لهم تفويت فرصة لتنمية شخصيتهم، إلا أنه كان تدبيرا وقائيا وليس عقابيا وكانت آثاره محدودة في الزمن.

لقد بنت المحكمة حكمها على علة غاية في الأهمية ويتعلق الأمر “بالتضامن الاجتماعي” حيث جاء في تعليلها أنه “على الرغم من أن المسلم به هو أن جعل التطعيم التزاما قانونيا يمكن أن يثير أسئلة حساسة، إلا أنه لا ينبغي أن يقتصر ذلك على وجهة نظر أولئك الذين يعارضون الالتزام بالتلقيح ولكن يجب النظر إليه من وجهة نظر أهمية التضامن الاجتماعي، الهدف من الالتزام المعني هو حماية صحة جميع أفراد المجتمع، ولا سيما أولئك المعرضين بشكل خاص لأمراض معينة حيث يتم تشجيع بقية السكان على تحمل مخاطر أقل من خلال التلقيح”.

مقال قد يهمك :   خطاب الملك بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية برسم الولاية العاشرة للبرلمان المغربي

وفي ملف آخر، أكدت ذات المحكمة في 8 يناير 2009 (الطلب 3270/09) على أنه في حال حدوث عدد ضئيل من الحوادث الجسيمة في سياق حملة تلقيح يكون هدفها الوحيد هو حماية صحة المجتمع من خلال القضاء على الأمراض المعدية، فإنه لا يمكن إلقاء اللوم على الدولة على اعتبار أن ذلك يعتبر فشلا في حماية السلامة الجسدية للأفراد.

إن الظروف التي يمر منها العالم بسبب جائحة كوفيد 19 هي ظروف استثنائية لا يمكن تجاوزها باستعمال أدوات قانونية وتنظيمية عادية ولهذا وجد عدم التقيد ببعض حقوق الإنسان وفق العهد الأممي المذكور، ويندرج ضمن ذلك أيضا، في حالة المغرب، منح مرسوم بقانون حالة الطوارئ للحكومة الحق في إعلان التدابير المتعلقة بهذه الحالة بمجرد بلاغات إعلامية مع معاقبة المخالفين.

ولهذا فإنه سيكون من المهم فتح نقاش وطني حول مفهوم “التضامن المجتمعي” في علاقته بإلزامية التلقيح بعيدا عن الفهم غير السليم لحقوق الإنسان الغارق في الطوباوية.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)