16 مارس قصة الظهير الذي أظهر حقيقة دستور 2011
صهيب صريف باحث في القانون العام.
بعد سنتين من اعفاء رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران و59 سنة عن اعفاء القاضي “عبد الحميد الروندا”نتسأل هل للقرارات الملكية حصانة ضد الطعن أم أن مواقع الملك الدستورية من تحصنها، فبينما لم يكن القاضي الإداري يتجرأ على النظر في الطعون الموجهة ضد القرارات الملكية بحكم أن شخص الملك شخص مقدس في الدساتير السابقة نجد أن الفرقاء السياسيين غلت أيديهم عن تقديم طعن ضد قرار ملكي أو حتى التلميح الى أنه غير دستوري أو حتى التشكيك في دستوريته “اعفاء بنكيران مثلا”
هل انتقلنا من قداسة الملك الصريحة في الدساتير السابقة الى قداسة القرارات الملكية الضمنية في ظل دستور 2011؟
تعود أطوار قصتنا الى يوم 18 يونيو 1960 حيت قضت الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى أنداك “في قضية طعن القاضي عبد الحميد الروندا في قرار اعفائه من طرف الملك” بعدم اختصاصها في القضايا المتعلقة بالطعون الملكية بدعوى عدم صدورها عن سلطة إدارية ليطرح سؤال عريض ماهي طبيعة سلطة الملك؟ وبعد 10 سنوات من الحادث الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تستنجد بالدستور لتحاول تفسر عجزها عن النظر في الطعون من هذا النوع “قضية ضم مزارع عبد العزيز” وتقول بصريح العبارة “أن القرارات الملكية غير قابلة للطعن طالما أن دستور 1962 لم يعهد الى أي هيئة معينة في النظر ضد هذه القرارات“ نعم يمكن أن نقبل هذا التحفظ بالنظر الى الظروف التي كانت تعيشها الدولة في تلك المرحلة -محاولات الانقلاب , إضرابات , قلاقل , لم تتضح معالم الدولة بشكل واضح , أيضا كان المغرب يسعى الى استكمال وحدته الترابية, لكن بعد دستور 2011 والدي يعتبر قفزة ديمقراطية والتي يجمع السياسيون كما المواطنون على أنها خطوة نوعية نحو تكريس دولة القانون -الدولة التي تحمي نفسها بالقانون ويحاسبها رعاياها بالقانون- ظن الجميع أن رفع القداسة عن شخص الملك هو من أهم مكتسبات حراك 20 فبراير الدي توج هذا الدستور الجديد, وأنه في المتغيرات الراهنة أصبح بإمكاننا الطعن في القرارات الملكية لاسيما وأن الفقرة الثانية من الفصل 118 من الدستور تنص على أن“كل قرار أتخد في المجال الإداري, سوء كان تنظيميا أو فرديا, يمكن الطعن فيه أمام الهيئة الإدارية المختصة”.
لكن سرعان ما ظهر عكس ذلك ففي السنة السادسة بعد تفعيل دستور 2011 وفي مثل هدا الشهر وبالضبط يوم 16 مارس 2016 صدم كل متتبعي الشأن السياسي بالمغرب بقرار إعفاء رئيس الحكومة رغم أن كل السناريوهات لم تتوقع هذا نظرا لأن منطوق الدستور لم يصرح ابدا بإمكانية اعفاء رئيس الحكومة, قد يقول قائل أن من له سلطة التعين له سلطة الاعفاء, نرد عليه ونقول أننا نناقش اختصاصات دستورية بمعنى العقد الاجتماعي الذي يجب أن يفصل في مثل هذه المسائل والا فلماذا نتكلم عن سلطة تعين الوزراء وكذلك سلطة اعفائهم, أيضا ادا علمنا ان تعيين رئيس الحكومة يكون وجوبا من الحزب الفائز في الانتخابات فهذا خير دليل على ان الملك الممثل الاسمى لإرادة الامة بمفهوم الشرعية التاريخية-رغم أن لي جون جاك روسو تعقيب حول تمثيل إرادة الامة- سيعين ممثل إرادة الشعب بمفهوم ديمقراطية الصناديق.
الأكثر والامرٌ والدي يجب التنبيه له أن المتابع لإصدارات الجريدة الرسمية لن يجد بتاتا ظهيرا يتكلم عن اعفاء أو اقالة رئيس الحكومة السابق عبد الاله بنكيران نعم فتعيين السيد سعد الدين العثماني كان بظهير 1.17.04 والذي يتضمن في مادته الثانية قرار نسخ الظهير 1.16.04 الذي تم تعين عبد الاله بنكيران بموجبه هذا ان دل على شيء فهو يدل على مستوى عال في حياكة الظهير وبعناية منقطعة النظير -لطالما ما أشدت بحنكة رجال الديوان الملكي كما أكدت دائما أنه المكان الوحيد الذي تمارس فيه السياسة بمعناها الحقيقي – وبهذا لن يكون أثر لإعفاء رئيس الحكومة في أرشيف الأمانة العامة لهذه الاخيرة, لكن دعنا نسأل دوي الحقوق لماذا تعامل حزب العدالة والتنمية بهذه السلبية مع هذا القرار لماذا لم يتم الطعن بعدم دستورية القرار أو التشكيك أو حتى التلميح الى ذلك, نعم “ يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية،“الفصل 115 و كذلك “الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي،” الفصل 42 فالملك يسهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية قبل أن يكون رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية, كما أننا يجب أن نستحضر في موضوعنا اننا نناقش قرار أمير المؤمنين وهنا نستحضر قصة أمير المؤمنين “خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: ألا لا تغلوا في صداق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحدساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، ثم نزل، فعرضت له امرأةمن قريش، فقالت: يا أمير المؤمنين، أكتاب الله أحقأن يتبع أو قولك ؟ قال: بل كتاب الله تعالى، فما ذاك ؟قالت: نهيت الناس آنفًا أن يغالوا في صداق النساء، والله تعالى يقول في كتابه: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا [النساء: 20]، فقال عمر رضي الله عنه:كل أحد أفقه من عمر، مرتين أو ثلاثًا، ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء ألا فليفعلرجل في ماله ما بدا له.“
لذلك فلا مشكلة دينية أو دستورية في الطعن في قراراته شرط أن تكون النية طيبة والغاية سليمة ومادام أصحاب الحقوق لم ينادوا بحقوقهم وقبلوا الوضع وحيت أن القاضي لا يقضي الا بما طلب منه, فمازلنا في دولة الحق والقانون وليس من حق أحد أن يقول أن قرار الملك غير دستوري مادام صاحب الحق لم يطعن في مدى دستورية القرار, المشكل أن الفاعل المدني كما الفاعل الحزبي لازال يتعامل مع الملكية بمنطق الخوف رغم أن الملك أمير المؤمنين سليل رسول الله صل الله عليه وسلم لطالما نادى بقيم عظيمة كالحكامة والإخلاص ونجاعة الأداء والشفافية والتضامن والملكية المواطنة التي تضع أمامها تطلعات رعاياها كأولوية لكن دون جدوى فاليد الواحدة لا تصفق وهذا أكده في خطاب أكتوبر 2018 “والواقع أن المغرب يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين، وهمهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم؛ وإلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات.”
تجدر الإشارة الى انه ادا كانت الملكية تسعى الى ترسيخ دولة الحق والقانون فعلى جميع الفرقاء السياسيين العمل على ذلك جملة وتفصيلا كذلك فالحق في التقاضي لا يفسد في الود قضية لاسيما في دولة الحق والقانون لكن ربما التعامل السلبي مع قرار 16 مارس فوت على المغرب قفزة كانت ستكون الأقوى من نوعها في تنزيل دولة المؤسسات الى أرض الواقع, نكتب غيرة على هذا الوطن وختاما قال تعالى : “ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء”. صدق الله العظيم.
تعليقات 0