أثر تطبيق الآليات الإلكترونية على حسن سير عمل إدارة المحافظة العقارية في زمن فيروس كورونا

محمد صالحي باحث بسلك الدكتوراه -فاس –

أثر تطبيق الآليات الإلكترونية على حسن سير عمل إدارة المحافظة العقارية في زمن فيروس كورونا [1]

 مـــقــــدمــة :

لقد ارتبط نشاط الإنسان منذ بداية التاريخ بمجموعة من المخاطر التي شكلت على الدوام تهديدات تواجه حياته وممتلكاته ومقومات بيئته. وتتعدد أنواع هذه المخاطر بحسب مصدرها، حيث إن بعضها لا يد للإنسان فيه، وتسمى المخاطر الطبيعية، و بعضها الأخر غالبا ما يكون للانسان فيه دخل، سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وتسمى المخاطر الصناعية أوالتكنولوجية…[2]

وهكذا نجد المخاطر الطبيعية – مخاطر  الأوبئة والأمراض- قد أثارت خلال العشرين سنة الأخيرة العديد من الإشكالات ذات الأبعاد القانونية والاقتصادية والاجتماعية في ارتباطها بالأمن الصحي العالمي وبالعوائق والإكراهات الناجمة عنها في مجال تبادل السلع والخدمات، وذلك مرورا بوباء SRASسنة 2003 و(H1N1) سنة 2009 أو (EBOLA)سنة 2014 ليتجدد النقاش اليوم على المستوى الدولي بخصوص آثار فيروس(CORONA)المستجد على بعض المعاملات التجارية والعقود الشغلية والالتزامات المالية والضريبية[3].

وأمام الانتشار السريع لفيروس كورونا- كوفيد 19- المستجد والمستشري في كل أنحاء العالم بداية سنة ألفين وعشرون وتحوله إلى جائحة – إن لم نقل مصيبة-، لم تجد دول العالم سوى سبيلا واحدا للنجاة منه عن طريق الثقة في شعوبها من خلال تلبية دعوة الحجر الاختياري في المنازل  -في أفق تطبيق الحجر الإجباري – وذلك للوقاية  والتقليص من الإصابة بالفيروس والحد من انتشاره المرعب.

وعلى المستوى الوطني، لا زالت أعناق الكثير من المغاربة المشتغلين في مختلف قطاعات الدولة تشرئب وتترقب في وجل وفزع بلاغا قد يأتي من هنا أو هناك يعلق أنشطة المرافق والإدارات العمومية التي تشتغل بها إلى إشعار آخر كتدبير احترازي هدفه الحد من العدوى وانتشار وباء كورونا العالمي (كوفيد 19)، وذلك كما حصل مع بلاغ وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي الذي قرر توقيف الدراسة بجميع الأقسام والفصول انطلاقا من يوم الاثنين 16 مارس 2020 حتى إشعار آخر.[4]

وفي هذا الإطار، تعد الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية – خصوصا المحافظة العقارية- من أهم وأبرز الإدارات المغربية التي تعرف اكتظاظا وازدحاما  وإقبالا من زبنائها داخل مقراتها بالرغم من انتشار فيروس كورونا.

مع العلم أنها تتوفر على العديد من الآليات  الإلكترونية التي من الممكن للزبناء الاستفادة منها دون الحاجة إلى التنقل أو التواجد المادي مما سيؤدي إلى الحد من التفاقم المهول لفيروس كورونا.[5]

واستجابة لهذه التطورات التي بات يفرضها الواقع المعاش، فإن الأساس القانوني لتنظيم مختلف المعاملات -وخصوصا العقارية، نظرا لما يلعبه العقار من دور سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي ..- و تطبيق آليات إلكترونية هي العديد من  القوانين نذكر أهمها المرسوم الصادر بتاريخ 10 ديسمبر 2018 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة بها[6].

وفي هذا النسق، بذلت الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية مجهودات كبيرة من أجل تحديث وسائل عملها سواء داخليا أو خارجيا وملاءمتها مع التطورات التقنية، حيث قامت خلال السنوات الأخيرة بإطلاق مجموعة من المشاريع يأتي في طليعتها مشروع المعالجة المعلوماتية لجميع مراحل سلسلة إنتاج الخدمات المقدمة من قبلها حيث عمدت على تحسين جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين من قبيل إحداث عدة خدمات كخدمة محافظتي الشهادة الإلكترونية، الإشهار العقاري من خلال البوابة الإلكترونية،  البرنامج الإلكتروني لتدبير الوثائق المودعة للدراسة (R1).

 وعلى هذا الأساس نتساءل عن نجاعة تطبيقها على حسن سير العمل الإداري في هذه الظرفية العصيبة  [7]؟

للإجابة عن هذا التساؤل ، سيتم تقسيم الحديث عن الخدمات المقدمة من قبل المحافظة العقارية  على النحو التالي:

  • أولا:  خدمة محافظتي
  • ثانيا: خدمة الإشهار العقاري
  • ثالثا:  البرنامج الإلكتروني لتدبير الوثائق المودعة للدراسة (R1).
  • رابعا: خدمة المنصة الإلكترونية

أولا:  خدمة محافظتي

لقد انخرطت المحافظة العقارية بشكل قوي في مجال التحولات الإلكترونية والتزمت برقمنة مهامها وخدماتها، وذلك تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه الموجه للمشاركين في المناظرة الوطنية للسياسة العقارية المنظمة يومي 08 و 09 دجنبر 2015 بمدينة الصخيرات بالمغرب، وما جعلها تستغل بشكل تصاعدي فضاء الخدمات الرقمية تلك السمات العديدة التي تتميز بها كسهولة الولوج إليها وشدة تامينها وجودة خدماتها وفعاليتها من خلال تمكين المرتفقين والمهنيين من تتبع العمليات، وهذه المميزات تعد بحق الرهانات الجوهرية التي تقوم عليها منظومة الرقمنة[8]

وفي إطار تعزيز آليات التواصل مع المرتفقين، أصدر المحافظ العام إلى المحافظين على الأملاك العقارية مذكرة[9] يحث فيها على ضرورة الإدلاء بأرقام الهواتف المحمولة وعناوين البريد الإلكتروني للمعنيين بالإجراء المطلوب سواء تعلق الأمر بمطالب التحفيظ أو الرسوم العقارية وأن أي  تغيير يطال رقم الهاتف المحمول وعنوان البريد الالكتروني يجب الإخبار به لدى المحافظة العقارية، وهذا المقتضى يجد أساسه القانوني في المادة 12 من المرسوم المؤرخ في 10 دسمبر 2018 الذي ينص على أنه يتعين على المعني بالأمر تضمين الاستمارة برقم الهاتف أو عنوان البريد الإلكتروني.

 ولعل الغاية من هذا الإجراء هو إخبار الملاك بكل التصرفات والعمليات العقارية التي ترد على ممتلكاتهم من خلال مراسلتهم سواء عن طريق الهاتف المحمول أو البريد الإلكتروني، وهو ما يشكل آلية قانونية لتحقيق مفهوم الأمن العقاري والصحي  ووسيلة للتخفيف من تفشي فيروس كورونا من خلال الاستفادة من الآليات الإلكترونية وإخبار الملاك دون تحمل عبء الانتقال إلى مقرات المصالح الخارجية للمحافظة العقارية.

مقال قد يهمك :   رسالة إلى  لجنة  بنموسى: من أجل أمصال قادرة على علاج الأعطاب التنموية والجروح المفتوحة على  المستقبل

وفي طليعة الخدمات الإلكترونية التي تقدمها المحافظة العقارية نجد “خدمة محافظتي” والتي تروم إلى إطلاع المالكين المنخرطين فيها بالتقييدات المنجزة على رسومهم العقارية، حيث أنها تتسم بعدة مزايا من قبيل تمكين المالكين من تتبع وضعية أملاكهم العقارية وتوفير الحماية القانونية المطلوبة لهذه الأملاك من خلال تدبير وقائي يرمي إلى محاربة عمليات الاستيلاء على عقارات الغير.

وحرصا على ضمان الاستفادة الواسعة من هذه الخدمة، أصدر المدير العام مذكرة للمحافظين على الأملاك العقارية[10] يحث فيها أطر المحافظة العقارية العاملين بمكتب استقبال القضايا على تنبيه طالبي التقييد بأهمية الانخراط  في “خدمة محافظتي” مع مطالبتهم بالتسجيل في هذه الخدمة عبر البوابة الإلكترونية، وكذا حث المهنيين على إخبار المالك المقيد أو الشخص الذي ستنتقل إليه ملكية العقار بالعمل على الانخراط في هذه الخدمة، مع العلم أنه تم فتح فضاء خاص بالموثقين على مستوى “خدمة محافظتي” بالبوابة الرسمية للمحافظة العقارية على شبكة الانترنيت من أجل تمكينهم من تعبئة طلبات الانخراط في الخدمة المذكورة نيابة عن الأطراف المعنية وذلك بمناسبة تحرير العقود المتعلقة بالعقارات المحفظة سواء أكانت التصرفات ناقلة للملكية أم غير ناقلة لها.

وفي المقابل من ذلك، واعتبارا للدور المهم الذي تلعبه “خدمة محافظتي” في تحقيق أمن عقاري فإنه يتعين على المحافظين على الأملاك العقارية الحرص على مايلي:

  • التذكير باستلزام الإدلاء برقم الهاتف والبريد الإلكتروني عند الاقتضاء بمناسبة طلب أي تقييد أو إجراء يرد عليكم، سواء قدم الطلب من طرف مهني أو المعني بالأمر شخصيا أو من ينوب عنه؛
  • تحصيل البيانات المتعلقة برقم الهاتف والبريد الالكتروني عند الاقتضاء بقاعدة البيانات المتعلقة بتدبير الرسوم العقارية LOGICF.
  • تفعيل خدمة محافظتي على مستوى برنامج تدبير الرسوم العقارية LOGICF بمجرد تحصيل المعلومات المطلوبة بمناسبة معالجة الطلبات التي ترد على المحافظة العقارية  من خلال الخانة المخصصة لذلك[11].

وغني عن البيان، أنه بعد صدور قرار المدير العام للوكالة المؤرخ في 24/01/2019 القاضي بالشروع في العمل بخدمة تتبع الإيداعات والتقييدات المضمنة بالسجلات العقارية “محافظتي المنظمة بموجب المادتين 23 و 24 من المرسوم المتعلق بتحديد شروط وكيفية التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة به ابتداء من 11/02/2019، فإنه أصبح لزاما تحصيل البيانات المتعلقة برقم الهاتف والبريد الإلكتروني بقاعدة البيانات المتعلقة بتدبير الرسوم العقارية LOGICF وذلك وفق المذكرة عدد 6674 المذكورة آنفا وذلك تحت طائلة إثارة المسؤولية الإدارية؛ مع قيام المصالح المركزية بعمليات التفتيش والمراقبة للتأكد من تفعيل هذه الخدمة[12].

ثانيا: خدمة الإشهار العقاري

في سياق توسيع عملية الإشهار عن طريق الوسائل التقنية الحديثة، وفرت المحافظة العقارية خدمة تسمى بـ “الإشهار العقاري” من خلال بوابتها الإلكترونية وذلك للاطلاع على الإعلانات الخاصة بمطالب التحفيظ وبالرسوم العقارية ما دامت آجالها سارية دون التنقل إلى مقرات المحافظة العقارية.

ولإنجاح هذه الخدمة أصدر مدير المحافظة العقارية مراسلة للمحافظين على الاملاك العقارية يحثهم للحرص على تحيين قواعد البيانات العقارية لإنجاح خدمة الإشهار العقاري[13].

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المادة 2 من المرسوم المؤرخ في 10 دسمبر 2018 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات التدبير الإلكتروني تنص على أن المقصود بعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة بها والتي يمكن تدبيرها بطريقة إلكترونية هي:

  • تلقي مطالب التحفيظ والتعرضات والقيام بجميع الإجراءات المتعلقة بمسطرة التحفيظ العقاري وباقي المساطر الأخرى الخاصة بالتحفيظ؛
  • تأسيس الرسوم العقارية ونظائرها؛
  • إشهار الحقوق العينية والتحملات العقارية المنصبة على العقارات المحفظة أو التي في طور التحفيظ؛
  • طلب وتسليم الشهادات ونسخ الوثائق العقارية؛
  • المساطر المتعلقة بالسندات المنجمية، وفقا للتشريع المنظم لها؛
  • إيداع الملفات التقنية الطبوغرافية ومعالجتها وتتبعها؛
  • إنجاز تصاميم المسح العقاري ووثائق المسح الوطني وحفظها؛
  • إنجاز الخريطة الطبوغرافية بالمملكة بجميع مقاييسها والخرائط المبحثية؛
  • إنجاز أشغال البنية الأساسية المتعلقة بالشبكة الجيوديزية وقياس الارتفاع؛
  • استيفاء وجيبات المحافظة العقارية وباقي الواجبات الأخرى المتعلقة بخدمات المسح العقاري والخرائطية؛
  • التبادل الإلكتروني للمعطيات والوثائق مع الإدارات والمهنيين والهيئات المعنية بعمليات التحفيظ العقاري والمسح العقاري والخرائطية؛
  • حفظ الربائد والوثائق العقارية، ووضع المعلومات المضمنة بها رهن إشارة المهنيين والمعنيين بها بناء على طلبهم، حسب الحالة ووفق المساطر والشروط المقررة من قبل إدارة الوكالة؛

فعلى مستوى مطالب التحفيظ، نجد المادة 11 من المرسوم تنص على إمكانية تقديم الطلبات المتعلقة بعمليات التحفيظ العقاري عبر المنصة الإلكترونية ولا سيما:

  • طلب إيداع مطلب التحفيظ؛
  • طلب إيداع أو تقييد السندات والوثائق بالسجلات العقارية؛
  • طلب التعرض أو رفع اليد عنه؛
  • طلب استئناف عملية التحديد؛
  • طلب إنجاز التحديد التكميلي أو استئنافه.

وفي هذا المقام، ذهب أحد الباحثين[14] إلى القول أن عملية الإيداع هاته لا تعفي الشخص المعني من ضرورة الانتقال إلى مصالح المحافظة العقارية في حالة قبول طلبه من أجل إتمام إجراءات الإيداع؛ وهذا ما دفعه إلى التساؤل حول المغزى من تبني هذا النوع من الإيداع الإلكتروني ما دام إن إيداع الوثائق الأصلية، وأداء واجبات الإيداع ينبغي أن يتم بمصالح المحافظة العقارية.

مقال قد يهمك :   الحماية المؤسساتية للمصنفات الأدبية و الفنية: المكتب المغربي لحقوق المؤلفين نموذجا

وإن كان لي رأي في هذا المقام، فإن الأمر يتعلق بمرحلة تمهيدية، للانتقال من الإيداع الورقي إلى الإيداع الإلكتروني، في أفق الاستغناء النهائي عن الحامل الورقي لصالح السند الإلكتروني، كما هو الشأن بالنسبة للأداء الإلكتروني الذي تم حصره على الموثقين في أفق تعميمه على كل المرتفقين.

ثالثا:  البرنامج الإلكتروني لتدبير الوثائق المودعة للدراسة (R1):

استكمالا لبرنامج تطوير وتجديد الخدمات المقدمة من طرف المحافظة العقارية، تم إعداد برنامج إلكتروني جديد لتدبير الوثائق المودعة للدراسة (R1) والذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من 22 أبريل 2019 ليعوض سجل الإيداع الورقي المعمول به حاليا، إذ أنه يتميز بمجموعة من السمات أهمها:

  • إسناد رقم ترتيبي للقضية بطريقة تلقائية حسب التاريخ والتوقيت اللذين يتم فيهما الإيداع مما سيساعد على حصر القضايا حسب تاريخ ووقت ورودها بكل دقة.
  • توحيد مناهج العمل بين سائر المحافظات العقارية.
  • ربح الوقت وتخفيف العبء على المستخدمين، إذ أن البيانات المضمنة به سيتم استغلالها بباقي قواعد البيانات المتوفرة لدى الوكالة.
  • سهولة التتبع والمراقبة وكذا الحصر اليومي من قبل المحافظ للقضايا المودعة من أجل الدراسة.
  • طبع وصل الإيداع بطريقة إلكترونية من أجل تسليمه لطالب الإجراء.
  • إتاحة المحافظ العقاري تضمين اسباب عدم قبول طلبات التقييد من أجل استغلالها في استصدار أسباب وقرارات الرفض على شكل مطبوعات موحدة.
  • وفي هذا الإطار، وجه مدير المحافظة العقارية مراسلة للمحافظين على الأملاك العقارية[15] حثهم على اعتماد هذا البرنامج والتقييد بما يلي:
  • الحرص على إعداد الأوامر بالأداء ببرنامج CF RECEETE بالنسبة لجميع القضايا الواردة عليهم قبل الشروع في العمل رسميا ببرنامج تدبير إيداع الوثائق للدراسة.
  • استعمال هذا البرنامج حصريا في كافة القضايا الواردة عليكم ابتداء من تاريخ دخوله حيز التنفيذ.
  • الحرص على الحصر اليومي من قبل المحافظ للقضايا المودعة من اجل الدراسة.

ولا يعزب عن الأذهان، أن بداية العمل ببرنامج تدبير إيداع الوثائق من أجل الدراسة -R1- كان ممهدا لإمكانية إخضاع طلبات التقييد بالرسوم العقارية لآلية الأداء الإلكتروني والذي دخل حيز التنفيذ رسميا بتاريخ 01/10/2019. إلا أن إمكانية الأداء الإلكتروني كتجربة أولية تم حصرها في طلبات التقييد المقدمة من طرف السادة الموثقين وكذا الطلبات المقدمة قصد الحصول على شواهد الملكية سواء من قبل المهنيين أو الخواص )المرتفقين عموما(.

رابعا: خدمة المنصة الإلكترونية

لقد أكد المدير العام[16] على أن الموثق لن يحتاج إلى التنقل للمحافظة العقارية لكونها أعدت منصة مشتركة للتبادل الإلكتروني؛ من خلالها يمكن له إيداع العقد المعد مسبقا ومعالجته وقبوله أو رفضه ثم أداء وجيبة المحافظة العقارية والكل بشكل إلكتروني، بل أكثر من ذلك؛ إذ له مكنة الولوج إلى قاعدة معطيات المحافظة العقارية لأخذ المعطيات والمعلومات الضرورية لإبرام العقد؛ وهذا ما سيشكل إجراء جوهريا لتحقيق مفهوم الأمن العقاري من جهة ومحاربة ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير من جهة أخرى.

فبعد الإيداع الإلكتروني من طرف الموثق وقيام المستخدم المكلف بالمراقبة اللازمة له يتم التأشير بواسطة منصة التبادل الإلكتروني المسيرة من قبل المحافظة العقارية، ليتسنى للموثق القيام بالأداء الإلكتروني متى شاء وفي أي وقت شاء، إلا أنه إذا أدى داخل أيام العمل وابتداء من الساعة التاسعة صباحا إلى غاية الساعة الثالثة وثلاثون دقيقة بعد الزوال فإن القضية تأخذ رتبتها في التقييد في نفس اليوم، أما إذا أدى خارج هذه الأوقات أو في أيام العطل فتأخذ القضية رتبتها في التقييد ابتداء من يوم العمل الموالي.

وهكذا، فإن خدمة المنصة الإلكترونية متطورة للغاية وتهدف إلى تسريع المردودية والإنتاجية وتقليص آجال البت في الملفات المودعة بالمحافظة العقارية، والغاية من ذلك هو تحقيق وضمان الشفافية والتتبع الجيد للقضايا والكل من أجل ضمان أحسن خدمة للمواطنين[17].

وتجدر الإشارة إلى أن القضايا التي تودع عبر البوابة الإلكترونية والمتوقفة على دعامة ورقية لا يسمح إيداعها بسجل التقييدات الإلكتروني إلا بعد مراقبتها والتأشير عليها إلكترونيا من طرف المحافظ وإيداع الدعامة الورقية لاحقا كآخر إجراء لقبول العملية.

وفي سياق الحديث، لا بد من التأكيد على مسألة أساسية تتمثل في إطلاق خدمة جديدة تتعلق بطلب وتسليم شهادات الملكية المتعلقة بالرسوم العقارية بطريقة إلكترونية ابتداء من 14/02/2018، حيث تم تمكين طالب الشهادة من تحميلها بعد توصله تلقائيا برسالة نصية عبر هاتفه المحمول بمجرد توقيع الشهادة إلكترونيا من طرف المحافظة العقارية المعنية، وآنذاك يمكن له تقديمها مطبوعة على ورقة بيضاء عادية (A4) إلى أقرب مصلحة للمحافظة العقارية وإن لم تكن هي المصلحة التابع لها العقار وذلك من أجل وضع خاتم المحافظة العقارية وتوقيعها ووضع عبارة “هذه الشهادة أنجزت بطريقة إلكترونية من طرف مصلحة المحافظة العقارية بـ …، وسلمت من طرف مصلحة المحافظة العقارية بـ …”[18].

وحاصل القول، أن جل الخدمات الإلكترونية التي تسهر المحافظة العقارية على تقديمها للمرتفقين والمهنيين تعد بحق طفرة نوعية للعمل الإداري الرصين المتسم بالسرعة في الإنتاج وحسن المردودية وجودة الخدمات في ظل هذه الظرفية العصيبة التي تعرف تفشي فيروس كورونا المستجد والكل في فلك تحقيق مفهوم الأمن العقاري.

مقال قد يهمك :   صعوبات تنفيذ الأحكام القضائية وأهم إشكالاتها القانونية

الخاتمـة:

إن تطبيق الآليات الإلكترونية من طرف المحافظة العقارية في المجال العقاري من شأنه تحقيق مفهوم الأمن العقاري والصحي في هذه الظرفية الخطيرة وذلك بسبب نجاعة الأنظمة المعلوماتية التي تعتمد عليها داخليا وجودة الخدمات التي تقدمها للمرتفقين والتي تؤدي إلى التيسير عليهم وتقديم أحسن خدمة إدارية بجودة عالية.

وكمثال على جودة الخدمات المقدمة من قبل المحافظة العقارية: مواطن مغربي مقيم بالرباط  وله عقار بمدينة وجدة ؛ يمكن له أن يطلب شهادة الملكية العقارية بمقر سكناه الرباط؛ وذلك عن طريق البوابة الإلكترونية للمحافظة العقارية .

وفي الختام، لا بد من التنويه برقمنة الوثائق المودعة لدى المحافظة العقارية  والتي ستساهم بلا شك في تحقيق الغاية المرجوة ألا وهو مفهوم الأمن العقاري، على اعتبار أن المحافظة العقارية تتضمن أكثر من 230 مليون وثيقة تمت رقمنتها، كما أن الرصيد الوثائقي لها مرقمن بـنسبة 85%، وأن المحافظة العقارية ستقوم باستثمارات كبرى رصدت للأمن المعلوماتي وكذا النسخ الإلكتروني للوثائق والتخزين في قواعد المعطيات إلخ…[19]


الهوامش:

[1] – تعتبر إدارة المحافظة العقارية من أهم إدارات الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية؛ إذ أنها تهتم بالشأن القانوني من خلال ممارسة مهام التحفيظ العقاري (الإشهار العقاري) عن طريق تدبير ملفات الرسوم العقارية ومطالب التحفيظ وملفات الشركات، إلى جانب المسح العقاري الذي يختص بما هو هندسي، وقد تم إحداث هذه الوكالة بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.02.125 الصادر في 13/06/2002 بتنفيذ القانون رقم 58.00 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5032 بتاريخ 22/08/2002، ص 2405.

[2]  حسن أبو القاسم، مسؤولية الجماعات الترابية في محاربة فيروس covid-19 ، مقال منشور بموقع مغرب القانون www.maroclaw.com تاريخ الزيارة 19 مارس 2020

[3]  محمد الخضراوي، الآثار القانونية لفيروس كورونا المستجد على الالتزامات التعاقدية، مقال منشور بموقع مغرب القانون www.maroclaw.com  تاريخ الزيارة 19 مارس 2020

[4]  ابن مسعود ياسين، المحاماة في زمن الكورونا، مقال منشور بموقع مغرب القانون www.maroclaw.com  تاريخ الزيارة 19  مارس 2020

[5] – لقد ساهمت الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية  بمليار درهم في الصندوق المحدث لمكافحة فيروس كورونا، مع العلم أن المدير العام أصدر مذكرة بتاريخ 16/03/2020 في شأن التدابير الاحترازية للحد من تفشي هذا الفيروس من خلال إلزام المهنيين وحث المرتفقين على استعمال الخدمات الإكترونية.

[6] – مرسوم رقم 2.18.181  مؤرخ في 10 ديسمبر 2018 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات التدبير الإلكتروني لعمليات التحفيظ العقاري والخدمات المرتبطة بها، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6737 المؤرخة في 24 ديسمبر 2018، ص 9743.

[7] – تجدر الإشارة إلى أن هذه الوكالة تشرف على تطبيق نظام التحفيظ العقاري بالمغرب، مع العلم أن النظام العقاري المغربي مزدوج في هيكله؛ إذ يوجد نظام خاص بالعقارات غير المحفظة والذي أصبح يخضع لأحكام مدونة الحقوق العينية+، بعدما كان يستمد مبادءه من أحكام الشريعة الإسلامية، وهناك نظام التحفيظ العقاري والمنظم بواسطة ظهير التحفيظ العقاري المؤرخ في 12 غشت 1913 والمعدل بمقتضى القانون رقم14.07*.

– للتوسع أكثر يراجع أستاذنا إدريس الفاخوري، الوسيط في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب -دراسة لنظام التحفيظ العقاري والفقه الإداري والعمل القضائي-، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، طبعة 2018، ص 7 و 8.

+ القانون رقم 39.08 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.11.178 صادر في 22 نوفمبر 2011 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نوفمبر 2011، ص 5587.

* القانون رقم 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 المؤرخ في 22 نوفمبر 2011، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24/11/2011، ص 5575 وما بعدها.

[8] – Karim Tajmouati , intitulé de nouvelle dynamique, Nouvelle vision stratégique, meilleure gouvernance, Article publié du magazine le temps N° 482 le 13/19 Décembre 2019, p :  24.

[9] – مذكرة عدد 24/2017 مؤرخة في 01/11/2017.

[10] – مراسلة المدير العام تحت عدد 9156 المؤرخة في 28/07/2017.

[11] – مراسلة المدير العام تحت عدد 6674 المؤرخة في 10/05/2019.

[12] – مذكرة عدد 06/2019 المؤرخة في 17/05/2019.

[13] – مراسلة تحت عدد 7279 مؤرخة في 08/06/2017.

[14] -عبد العالي دقوقي، نظام التحفيظ العقاري بالمغرب بين النظرية والتطبيق –دراسة في الاجتهاد القضائي والإداري-، مكتبة الرشاد سطات، طبعة 2020، ص 200.

[15] – مراسلة تحت عدد 5364 مؤرخة في 17/04/2019.

[16] – Karim Tajmouati, op.cit,P 22.

[17] – Karim Tajmouati, op.cit,P 22.

[18]– مذكرة المدير العام تحت عدد 2100 والمؤرخة في 24/02/2018.

[19] — Karim Tajmouati, op.cit,P 22

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)