أوامر قاضي التحقيق على ضوء قانون المسطرة الجنائية المغربي

  •  من إعداد : عبد الإله هريش، طالب بسلك الماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة.

تمهيد : 

يتخذ قاضي التحقيق مجموعة من الإجراءات تقتضيها طبيعة مسطرة المتابعة، كما يقوم بتصريف أشغاله ومهامه عن طريق إصدار مجموعة من الأوامر.

وقد حدد المشرع مسطرة تفعيل هذه الإجراءات والأوامر، أغلبها بشرط التعليل، وبين كيفية الطعن فيها، وذلك بالاستئناف أمام الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف، وآجال هذا الطعن، والجهات المخول لها ممارسته. [1]

فبعد إحالة القضية على قاضي التحقيق إما بناءً على ملتمس النيابة العامة أو بناءعلى شكاية المطالب بالحق المدني، فإن قاضي التحقيق يقوم بجميع إجراءات البحث التي يراهاصالحة للكشف عن الحقيقة، والتعرف على مرتكب الجريمة والالمام بشخصيته، والاجراءات التي يلجئ إليها قاضي التحقيق في سبيل الحصول على أدلة الإثبات تعرف اصطلاحاًبالاستدلال الذي ينصب إما على الأشخاص أو على الأشياء، فالاستدلال المتعلق بشخص المتهم يتجلى في إجراء بحث حول شخصية المجرم وإخضاعه للعلاج، واستنطاقه ومواجهته مع الغير، أما الاستدلال المتعلق بباقي الأدلة فإنه يتمثل في الاستماع إلى الشهود ومواجهتهم مع بعضهم البعض أو مع المتهم، وانتداب الخبراء إذا كان الأمر يتعلق بمسألة فنية أو تقنية، وتفتيش المنازل أو الأماكن وحجز ما بها من أشياء أو وثائق لها علاقة بالجريمة موضوع التحقيق، بالإضافة إلى التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، كما يصدر قاضي التحقيق مجموعة من الأوامر المتعلقة بسير التحقيق، والتي تتمثل في بعض التعليمات التي تخص المتهم، كإلزامه بالمثول أمام قاضي التحقيق طواعية أو جبرا أو بإيداعه السجن أو إخضاعه للمراقبة أو اعتقاله احتياطيا أو كذلك التي تخص الأشياء كسحب جواز السفر أو إرجاع الحيازة، هذا بالإضافة إلى الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق بمناسبة انتهاء التحقيق والتي تتمثل إما بالأمر بعدم الاختصاص أو الأمر بعدم الإحالة أو الأمربإحالة القضية ومتابعة المتهم.

وعليه، فإننا سنقف في هذه الفقرة عبر نقطتين أساسيتين، الأولى نخصصها لعرض أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بالاستدلال سواء تلك التي تنصب على شخص المتهم، أو التي تنصب على باقي الأدلة، بينما سنخصص النقطةالثانية لأوامر قاضي التحقيق المتعلقة بسير التحقيق وانتهائه.

أولا : أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بالاستدلال

إن أوامر قاضي التحقيق تعتبر عديدة، وقد جاء في المادة [2]142 من قانون المسطرة الجنائية عدة تدابير يتخذها قاضي التحقيق تتعلق بشخص المتهم، بالإضافة إلى إجراءات الإستدلال المتعلقة بشخص المتهم، فإن المشرع المغربي خول لقاضي التحقيق القيام بمجموعة من إجراءات الاستدلال.

1 – الأمر بخضوع المتهم للفحص الطبي

لقد خول قانون المسطرة الجنائية للمتهم الحق في إجراء فحص طبي، والغاية من هذا الأمر هو تخويل المتهمين حماية أجسادهم من الهالك أو التعذيب الذي قد يمارس عليهم خصوصا في المراحل السابقة على المرحلةالقضائية خاصة في البحث التمهيدي، مما يضمن لهم زيادة على حقهم في اللجوء إلى فحص طبي تحديد المسؤوليات الممكن ترتيبها  على أحسن وجه [3]

حيث جاء في الفقرة الرابعة من المادة 134 من ق.م.ج أنه: <<يجب على قاضي التحقيق أن يستجيب لطلب المتهم الذي كان موضوعاً تحت الحراسة النظرية أو لطلب دفاعه الرامي إلى إخضاعه لفحص طبي، ويتعين عليه أن يأمر به تلقائيا إذا لاحظ على المتهم علامات تبرر إجراءه، ويعين لهذه الغاية خبيرا في الطب.>>

ويعتبر هذا الإجراء من مستجدات قانون المسطرة الجنائية (02.01)، حيثكان لقاضي التحقيق السلطة التقديرية الواسعة في إخضاع المتهم للفحص الطبي سواء كان وضع تحت الحراسة أم لا! وهو الأمر الذي تداركه المشرع بجعل الأمر لمن له مصلحة في الإجراء وخاصة المتهم، وذلك ضمن عدة مستجدات هامة جاءت في ق.م.ج، من اجل توفير ظروف مثلى للمحاكمة العادلة وتدعيم مبادئ حقوق الإنسان في المحاكمة العادلة، وحماية حقوق الأفراد متهمين كانوا أم ضحايا أو شهود، وكـﺫا إعطاء نظام العدالة الجنائية الوسائل الضرورية لمكافحة الجريمة وفقا لمبادئ حقوق الإنسان والقانون، أخذا بعين الاعتبار خصوصيات المجتمع المغربي والإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة لنظام العدالة الجنائية ببلادنا. [4]

كما أكد على ذلك الفصل 88[5] ،وهو ذاته الذي يتعلق بإجراء بحث حول شخصية المتهم، والتي تكمن أهميتهفيالاطلاع على العناصر التي كان لها دور في الظاهرة الإجرامية في الواقع المادي الخارجي، والتي لولاتظافرها لماكان الماثل أمام قاضي التحقيق متهما في الجريمة، كما أنهذا الإجراء يبين الظروف العينية والشخصية التي أدت إلى وقوعه طبقا للفصول من 141 إلى 162.[6]

2-استنطاق المتهم

جاء في المادة 134 من قانون المسطرة الجنائية«عند الاقتضاء يمكن أن يأمر بكل التحريات للتحقق من هوية المتهم، بما في ذلك عرضه على مصلحة التشخيص القضائي أو إخضاعه للفحص الطبي.«

بحيث خول المشرع لقاضي التحقيق استنطاق المتهم، غير أنه حدد موضوعات استنطاق بشكل محكم. ويختلف استنطاق المتهم حسب مسطرة الاستنطاق، بحيث ان مسطرة الاستنطاق ليست على صنف واحد، بل إنها  تختلف حسب ما إذا كان استنطاق المتهم يتم في إطار الاستنطاقرالابتدائي أو الأولي أو ما يعرف باستنطاق المقابلة الأولية، أو حسب ما إذا كان هذا الاستنطاق يتم في إطار شكليات ومسطرة الاستنطاقات اللاحقة للاستنطاق الأولي و الابتدائي وهي ما يعرف بمسطرة الاستنطاق التفصيلي. [7]

وقد نظم المشرع المغربي إجراءات استنطاق المتهم ومقابلته ضمن الباب السابع من القسم الثالث من قانون المسطرة الجنائية، وتتمثل مرحلة الاستنطاق في ثلاث مراحل :

  • مرحلة الاستنطاق الابتدائي؛
  • مرحلة الاستنطاق التفصيلي؛
  • مرحلة مواجهة المتهم مع الغير.[8]

ثانيا: أوامر قاضي التحقيق المتعلقة بسير التحقيق وانتهائه

تعتبر عملية التحقيق من أهم المراحل، لذلك منح المشرع لقاضي التحقيق حق إصدار مجموعة من الأوامر المتعلقة بسير التحقيق، أو تلك المتعلقة بانتهاء التحقيق.

1-أوامر المتعلقة بضمان امتثال المتهم أمام قاضي التحقيق

بالعودة لقانون المسطرة الجنائية نجد المشرع قد حدد مجموعة من الأوامر الرامية إلى ضمان امتثال المتهم أمامه.

مقال قد يهمك :   يوسف زرهوني: قراءة أولية في مرسوم بقانون رقم 2.20.503

  • الأمر بالحضور :

الأمر بالحضور ويجد سنده القانوني في (144-145 من ق.م.جسابقا 137 و138)

تقضي المادة 144 بأن الأمر بالحضور إنذار المتهم بالحضور أمام قاضي التحقيق في التاريخ والساعة المبينين في نص الأمر.

ويقوم بتبليغه عون قضائي أو ضابط أو عون للشرطة القضائية أو أحد أعوان القوة العمومية.

ومنه فالأمر بالحضور لم يبق مجرد إخطار كما في النص السابق (م 137) أي استدعاء عادي يصدره قاضي التحقيقبل اصبح إنذارا بالحضور يتم بوسائل التبليغ القانونية.

وأوجبت المادة 145 على قاضي التحقيق استنطاق المتهم فورا، كما كان الأمر في الفصل السابق إلا أن المشرع أعطى إمكانية الاستعانة بمترجم إذا كان المتهم يتكلم لغة أو لهجة لا يفهمها قاضي التحقيق، أو بمن يحسن التخاطب مع المتهم في حالة كونه أصم أو ابكم. كما أضافت المادة حق محامي المتهم في حضور الاستنطاق. ويعتبرالأمر بالحضور شبيها بالاستدعاء الذي توجهه المحكمة والذي يقيد حرية المتهم، غير أنه في حالة عدم امتثال المتهم له، فلقاضي التحقيق أن يلجأ إلى إصدار أوامر أخرى أشد لإحضاره بالقوة، فهو بمثابة إنذار بالحضور قبل استعمال وسائل أخرى لإجباره على الحضور، ويعتبر الأمر بالحضور أشد قوة من الاستدعاء، كماأنه ليس هناك ما يمنع قاضيالتحقيق من توجيه نفس الأمر بالحضور إلى الشاهد وحتى قبل توجيه أي استدعاء إليه إذا ما  دعت الضرورة إلى ذلك.[9]

  • الأمر بالإحضار :

عرفت المادة 146 الأمر بالإحضار بكونه الأمر الذي يصدره قاضي التحقيق للقوة العمومية لتقديم المتهم أمامه في الحال. وهو نفس التعريف الذي كان يتضمنه الفصل القديم. ولم تتضمن باقي النصوص أية مستجدات اللهم ما نص عليه بخصوص الحق في حضور محام المتهم والاستعانة بالمترجم أو بمن يحسن التخاطب مع المتهم عند الاقتضاء، كما هو الشأن بالنسبة للأمر السابق، ويجد الأمر بالإحضار سنده القانون في الفصول من (146 إلى 151 من ق.م.ج).

ويأتي إصدار الأمر باستقدام المتهم في حالة توصل هذا الأخير بالأمر بالحضور ولم يحضر بدون مبرر مقبول، وكذلك في الحالة التي يخشى فيها فرار الظنين، وكذلك في حالة الاستعجال خوفا من تلف الأدلة، وهذا لا يمنع من تحدد جميع البيانات الواردة في أصل الأمر بالحضور بدقة.

ونظرا لطبيعة الأمربالإحضار المتجلية في التنفيذ المادي بتقييد حرية المتهم وإلزامه بالحضور، فإن القانون أو كل أمر تبليغه وتنفيذه إلى أعوان القوة العمومية المؤهلين قانونا لضبط الأشخاص ونقلهم جبرا ولو لم يكونوا ينتمون إلى جهاز الشرطة القضائية.

  • الأمر بإلقاء القبض [10] :

عرفت المادة 154 من قانون المسطرة الجنائية الأمر بإلقاء القبض بأنه:

”… الأمر الصادر للقوة العمومية بالبحث عن المتهم ونقله إلى المؤسسة السجنية المبينة في الأمر حيث يتم تسلمه واعتقاله فيها، “.

وعليه فهو لا يختلف عن الأمر بالإيداع في السجن إلا في كون الأمر الأخير يتخذ ضد المتهم الحاضر أمام قاضي التحقيق في حين يصدر الأمر بإلقاء القبض ضد المتهم الفار من وجه العدالة أو مقيم خارج المغرب.

وقد تطرق المشرع للحالة التي يلقى فيها القبض على المتهم فيحالة فرار أو يقدم نفسه إلى قاضي التحقيق بعد صدور قراره النهائي بانتهاء التحقيق،إذ نص في الفقرة الرابعة من الفصل 156: واجب على وكيل الملك أو الوكيل العام للملك للدائرة التي ضبط فيها المتهم أن يسأله عن هويته،وأن يشعره علاوة على ذلك بأنه يمكنه أن يتلقى منه تصريحاته،وأنه حر في الإدلاء بأي تصريح. وينص على هذا الإشعار في المحضر. ويتعين داخل 24 ساعة أن يوجه هذا المحضر إلى النيابة العامة لدى المحكمة المختصة.

ويمكن اجمال الاختلاف بينهما أن الأمر بإلقاء بإلقاء القبض يتم اتخاذه ضد المتهم الذي يوجد في حالة فرار، بينما الأمر بالإيداع في السجن يتم اتخاذه في حق المتهم الماثل أمام قاضي التحقيق.

ويصدر الأمر بإلقاء القبض بعد استشارة الوكيل العام للملك وبشرط أن تكون الجريمة أيضا جناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس، وينفذ الأمر بإلقاء القبض طبقا المسطرة المقررة لتنفيذ الأمر بالاستقدام.

وجاءت المادة  157 لتبين كيفية تنفيذ الأمر بإلقاء القبض ومنعت على العون المكلف أن يدخل منزلا لضبط متهم قبل الساعة السادسة صباحا وبعد التاسعة ليلا،في الوقت الذي كانت فيه المادة150 من المسطرة القديمة لا تجيز ذلك قبل الخامسة صباحا. إلا انه إذا كان الفصل السابق قد أوجب توجيه الأمر بإلقاء القبض مع المحضر إما إلى قاضي التحقيق الصادر عنه الأمر وإما إلى كتابة الضبط  بالمحكمة، فإن النص الحال قد عوض كتابة الضبط بالنيابة العامة المختصة.

هذا ويظهر لنا أن هناك فرق بين الأمر بالايداع في السجن والأمر بإلقاء القبض، فكلاهما يهدفان إلى وضع المتهم رهن الاعتقال الاحتياطي وبقائه رهن إشارة التحقيق وهو على هذه الحالة.[11]

  • الأمر بالايداع في السجن :

يعد الأمربالإيداع في السجن من أخطرالأوامر على الإطلاق التي يصدرها قاضي التحقيق. إذ بموجبه يتلقى مديرالسجن المتهم ويحبسه بعد استنطاقه من طرف قاضي التحقيق، ويبقى هذا الأمر ساري المفعول إلى أن يصدر ما يلغيه ويتضمن تاريخ الوضع تحت الحراسة لما له من الأهمية بالنسبة لتاريخ العقوبة.[12] فإذا تسلم مدير السجن المتهم أرجع إلى قاضي التحقيق قصاصة هذا الأمر، وعليها طابع السجن ورقم اعتقال المتهم، وهذا الإشعار يسهل التعرف على المتهم. وقد حرص المشرع المغربي على تحديد شروط إصدار الأمربالإيداع في السجن. فطبقا لنص المادة 153 من قانون المسطرة الجنائية لا يمكن لقاضي التحقيق إصدار هذا الأمرإلا وفقا للضوابط الآتية:

  • أن يصدر هذا الأمر بعد استنطاقه المتهم.
  • أن تكون الأفعال المرتكبة جناية أو جنحة يعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية.

2-الأوامر المتعلقة بحسن سير التحقيق

مقال قد يهمك :   اللغة التشريعية بين مأزق الإزدواجية و جدية العدالة: دراسة مونادولوجية في شجون التشريع و اجتهاد المجلس الأعلى

يلجأ قاضي التحقيق أحيانا إلى اتخاذ بعض التدابير الاحترازية ضمانا لحسن سير إجراءات التحقيق، وتوفير الشروط الملائمة لحضور المتهم أمامه أو تدبير بعض الإجراءات عن طريق الانابة القضائية.

  • الوضع تحت المراقبة القضائية :

عالج المشرع المغربي أحكام الوضع تحت المراقبة القضائية في الفصول 159 إلى 174 من قانون المسطرة الجنائية، ويعتبر هذا الإجراء من المستجدات التي استحدثها المشرع في قانون المسطرة الجنائية، وقد أكدت المادة 159 على الصفة الاستثنائية للوضع تحت المراقبة القضائية، كونها تدبيرا يعمل به في الجنايات والجناح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية. [13]

ومنه تلتقي المراقبة القضائية والاعتقالالاحتياطي في كونهما تدبيران استثنائيان لا يعمل بهما إلا في الجنايات والجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية، طبقا للمادة 159 من قانون المسطرة الجنائية.

غير أن المراقبة القضائية تختلف عن الاعتقالالاحتياطي في كونها تبقى مجرد تدبير وإن كان من شانه الحد من حرية المتهم أو من بعض حقوقه، فإنه يتيح له أن يبقى حرا في حين يؤدي الاعتقالالاحتياطي إلى حرمان المتهم من حريته والزج به في السجن، كما أن المراقبة القضائية لا يمكن أن تمس بحرية الرأي بالنسبة للأشخاص الخاضعين لها، ولا بمعتقداتهم الدينية أو السياسية ولا بحقهم في الدفاع.

وقد حدد نص المادة 160 من قانون المسطرة الجنائية مدة الوضع تحت المراقبة القضائية في شهرين قابلة للتجديد لخمس مرات فقط.

والملاحظ هنا أن هذه المدة هي نفس مدة الاعتقالالاحتياطي في الجنايات. والأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية قابل للاستئناف من قبل النيابة العامة والمتهم خلال اليوم الموالي لصدوره، طبقا للشكليات المتعلقة باستئناف  أوامر قاضي التحقيق بشأن الإفراج المؤقت وتبت الغرفة الجنحية داخل أجل خمسة أيام من تاريخ الإحالة. ويجوز أن يأمر قاضي التحقيق بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية في أي  مرحلة من مراحل التحقيق.[14]

إلا أن هذه السلطة التقديرية المخولة لقاضي التحقيق تخضع لشروط معينة حدد بعضها نص الفقرة الأولى من المادة 160 ويمكن بسط هذه الشروط كالتالي:

  • -أن يتخذ قاضي التحقيق هذا التدبير لأجل ضمان حضور المتهم.
  • -أن لا تتطلب ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص أو النظام العام اعتقال المتهم اعتقال احتياطيا.
  • -أن تكون الجريمة موضوع المتابعة جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية.
  • -أن يكون أمر قاضي التحقيق معللا.

 

  • الاعتقال الاحتياطي :

إلى جانب الوضع تحت المراقبة القضائية، يعقد الاعتقال الاحتياطي بدوره تدبيرا استثنائيا بصريح الفصل 159 من قانون المسطرة الجنائية. وقد نظمه المشرع في الفصول من 175 إلى 188 من قانون المسطرة الجنائية، ويهدف إلى الزج بالمتهم في السجن لمدة قد تطول أو تقصر دون أن تتعدى المدة التي قررها المشرع.

ويعرف الاعتقالالاحتياطي بأنه إجراء هدفه حرمان المتهم من حريته واتصاله بالعالم الخارجي عن طريق إيداعه في مؤسسة سجنية لمدة محدودة وذلك مبــاشرة بعد الاستنطاقالابتدائي، وهو نتيجة حتمية للأمر بإلقاء القبض والأمربالإيداع في السجن.

ورغم أن المشرع حـــاول حصر الاعتقال الاحتياطي باعتباره تدبيرا استثنائيا في حالات المادة 160 من قـانون المسطرة الجنائية وهي ضرورات التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص أو النظام العام، فإن هذا الحصر جاء فضفاضا لعموميته، وبالتالي يبقى اللجوءإلى الاعتقالالاحتياطيموكولا للسلطة التقديرية لقـاضي التحقيق وهو ما يفسر اللجوء إليه بكثرة، ويفسره كذلك العدد المهول للمعتقلين احتياطيا بالسجون المغربية.

ويتم اعتقال المتهم احتياطيا لمدة شهر واحد في الجنح، وإذا تطلبت ضرورة التحقيق الاستمرار في ذلك بعد انصرام هذه المدة، أصدر قـاضي التحقيق أمرا قضائيا معلال بنــــاء على ملتمس النيابة العامة بتمديد فترة الاعتقالالاحتياطي مدة شهر واحد ولمرتين فقط،أيأن مدة الاعتقالالاحتياطي في الجنح كحد أقصــى هو ثلاثة أشهر.

أما في الجنايات فإن مدة الاعتقالالاحتياطي ال تتجاوز شهرين، ويمكن تمديدها لنفس الأسباب وعلى نفس النحو لمدة شهرين خمس مرات، أي أن مدة الاعتقالالاحتياطيلا تتجاوز في الجنايات كحد أقصى سنة واحدة، ويجب على قاضي التحقيق عند اتخـاذه قرارا بالاعتقالالاحتياطي أن يبلغه حالا وشفاهيا للمتهم، كما يقــوم بتبليغه إلى النيابة العامة داخل أجل 24 ساعة الموالية لاتخاذه القرار المذكور. وينتهي مفعول الاعتقالالاحتياطي بقوة القانون بعد انتهاء مدته طبقا للمادتين [15]176 و177 من قـــانون المسطرة الجنائية سواء تم إنهاء إجراءات التحقيق أم لم تنته حيث يتم إطلاق سراح المتهم بقوة القـانون ويستمر التحقيق.

ويمكن لقاضي التحقيق أن يضع حدا لإجراءالاعتقالالاحتياطي قبل انتهاء مدته القانونية إما بالإفراج المؤقت تلقـــــائيا بعد استشارة النيابة العامةبنــاء على ملتمس من المتهم أو دفاعه، ويمكن لهذين الأخيرين تقديمه في أي وقت وعدة مــرات ولو بعد رفضه، ويمكن تقديمه ولو مباشرة بعد اتخاذ قـــاضي التحقيق الأمربالاعتقال.

  • الإنابة القضائية : 

لقد أباح المشرع لقاضي التحقيق ان ينيب عنه غيره من قضاة وضباط الشرطة القضائية وقضاة التحقيق وأحاط هذه الانابة بكثير من الشروط تضمنتها الفصول من 189 الى193 التي تعتبر نسبيا مماثلة للنصوص السابقة في المسطرة القديمة، وقد ادخل عليها المشرع بعض الإضافات خاصة الفصل 189 تتجلى في إضافة الفقرة الثانية من الفصل190التي اعطت لقاضي التحقيق امكانية ان يطلب تنفيذ الانابة القضائية خارج نفوذ محكمته لأي قاض آخر من قضاة التحقيق أو قضاة الحكم.

وكذا الفقرة الثالثة التي تضمنت الاشارة في الانابة إلى نوع الجريمة موضوع المتابعة وتأريخ القاضي وتوقيعه ووضع الطابع عليه.

بالإضافة إلى الفقرة الأخيرة التي أوجبت على قاضي التحقيق تحديد الأجل الذي يجب ان يوجه اليه خلاله ضابط الشرطة القضائية المحاضر التي يحررها، فان لم يحدد ذلك الاجل توجه اليه المحاضر في ظرف 8 ايام الموالية ليوم نهاية العمليات المنجزة بموجب الانابة القضائية.

ومجمل القول ان الشخص الذي اسندت اليه الانابة قد خوله القانون نفس السلطات المخولة لقاضي التحقيق غير انه  لا يستطيع اجبار الشاهد على الحضور بواسطة القوة العمومية الا بأمر من قاضي التحقيق الصادرة عنه الانابة. كما انه يمنع عليه استجواب المتهم  ومواجهته مع غيره و الاستماع إلى الطرف المدني الا بطلب منه.

مقال قد يهمك :   الدفع بعدم الإختصاص في التشريع المغربي: قراءة تحليلية في الفصول المنظمة

وتجدر الاشارة إلى ان الاستماع إلى الشهود في حالة الانتداب يتميز بأداء اليمين القانونية. كما ان الشخص المنتدب يقيد بموضوع الانتداب واذا طرا ما يستوجب تجاوزه فيجب اخبار القاضي الصادرة عنه الانابة.[16]

ونصت المادة 193 على حالة الأمر بالقيام بعدة إجراءات في أماكن مختلفة من تراب المملكة على إمكانية توجيه نظائر أو نسخ مطابقة للأصل إلى السلطة المكلفة بالتنفيذ. أضافت الفقرة الأخيرة من نفس الفصل على استعمال جميع الوسائل في حالة الاستعجال شريطة أن توضح البيانات الأساسية المضمنة في الأصل خصوصا نوع التهمة واسم القاضي الصادرة عنه  الإنابة وصفته. عكس المادة القديمة 170 التي استعملت كلمة إذاعة نص الإنابة القضائية.

و الجدير بالذكر أن الانتداب القضائي داخل المملكة المغربية يختلف عن الانتداب القضائي الموجه خارج الوطن والذي نظمه الفصلان 714 و 715 من قانون المسطرة الجنائية والذي كانت تنظمه الفصول 759و760.

إذ تتم الإنابة عن الطريقة الدبلوماسية بواسطة وزير العدل إلا في حالة الاستعجال فإنها ترسل مباشرة إلى الجهة المختصة لتنفيذها وفي هذه الحالة يتعين توجيه نسخة مصحوبة بجميع الوثائق الى وزير العدل لتبليغها بالطرق الديبلوماسية.


الهوامش :

[1]عبد الرحيم بنبو عيدة: الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية (الشرطة القضائية، النيابة العامة، التحقيق الإعدادي) سنة 2015، ص167

[2] المادة 142 منقانون المسطرة الجنائية المغربية: << يمكن لقاضي التحقيق في القضايا الجنائية أو الجنحية أن يصدر حسب الأحوال أمراً بالحضور أو أمراً بالإحضار أو أمراً بالإيداع في السجن أو أمرا بإلقاء القبض.

تتم هذه العمليات تحت إشرافه ومراقبته.

يمكنه لضرورة البحث الأمر بإغلاق الحدود وسحب جواز السفر لضمان عدم فرار المتهم طيلة فترة البحث. كما يحق له تحديد كفالة مالية أو شخصية لضمان حضور المتهم.

وله متى قامت دلائل كافية على جدية الاتهام في جرائم الاعتداءات على الحيازة أن يأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.

يجوز له في حالة عدم وجود منازعة جدية، أن يأمر برد الأشياء التي ضبطت أثناء التحقيق لمن له الحق فيها ما لم تكن لازمة لسير الدعوى أو خطيرة أو محلا للمصادرة.

يجوز لقاضي التحقيق أن يأمر ببيع الأشياء المحجوزة التي يخشى فسادها أو تلفها أو لتعذر الاحتفاظ بها. >>

[3]عبد الواحد العلمي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الخامسة، 2017، ص 28.

[4]احمد شوقي بنيوب : دليل حول الضمانات القانونية المحاكمة العدالة / منشورات مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان طبعة الأولى 2004 ص 17/18.

[5]المادة 88 من ق.م.ج : << يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر في أي وقت باتخاذ جميع التدابير المفيدة وأن يقرر إجراء فحص طبي أو يكلف طبيبا بالقيام بفحص طبي نفساني.

يجوز له بعد تلقي رأي النيابة العامة أن يأمر بإخضاع المتهم لعلاج ضد التسمم، إذا ظهر أن هذا الأخير مصاب بتسمم مزمن ناتج عن تعاطي الكحول أو المخدرات أو المواد ذات المؤثرات العقلية.

يباشر هذا العلاج إما في المؤسسة التي يوجد فيها المتهم رهن الاعتقال وإما في مؤسسة متخصصة حسب الشروط المنصوص عليها قانوناً، وتتوقف مسطرة التحقيق أثناء مدة العلاج ويحتفظ سند الاعتقال بمفعوله.

إذا طلب المتهم أو محاميه إجراء فحوص عليه أو إخضاعه للعلاج، فلا يمكن رفض الطلب إلا بأمر معلل. >>

[6]محمد عياظ، دراسة في المسطرة الجنائية المغربية، طباعة شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع،1991 ،ص: 80.

[7]مقال حول الاستنطاق التفصيلي، منشور عبر البوابة الإلكترونية http://www.startimes.com/?t=11706160 تم الولوج بتاريخ 2018/11/02

[8]أحمد قيلش، الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية “الطبعة الثالثة 2017، مطبعة الأمنية – الرباط، ص 210.

[9]طارق السباعي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، “الدعوى العمومية، السلطات المختصة بالتحري عن الجرائم “، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل العدد 2 ،2004 ،الطبعة الثانية، ص 264.

[10]نظم المشرع المغربي إجراءات الأمر بإلقاء القبض في المواد 154 إلى 158 من قانون المسطرة الجنائية

[11]الشرح العملي لقانون المسطرة الجنائية، مرجع سابق ص 222

[12]محمد الجريد، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص تحت عنوان” مركز قاضي التحقيق في الدعوى العمومية“، السنة الجامعية 2016/2017 ص 71.

[13]سفيان البوهالي ، مؤسسة قاضي التحقيق في النظام القضائي المغربي، السنة الجامعية 2015/2016، ص 37

[14]محمد الجريد، مركز قاضي التحقيق في الدعوى العمومية، مرجعسابق ص:72/73.

[15]تنص المادة 176 من قانون المسطرة الجنائية :

<< لا يجوز في القضايا الجنحية أن يتجاوز الاعتقال الاحتياطي شهراً واحداً.

إذا ظهرت عند انصرام هذا الأجل ضرورة استمرار الاعتقال الاحتياطي، جاز لقاضي التحقيق تمديد فترته بمقتضى أمر قضائي معلل تعليلا خاصاً، يصدره بناء على طلبات النيابة العامة المدعمة أيضا بأسباب.

لا يمكن تمديد فترة الاعتقال الاحتياطي إلا لمرتين ولنفس المدة.

إذا لم يتخذ قاضي التحقيق خلال هذه المدة أمراً طبقاً لمقتضيات المادة 217 الآتية بعده، يطلق سراح المتهم بقوة القانون ويستمر التحقيق. >>

[16]مقال إلكتروني حول أوامر قاضي التحقيق على ضوء قانون المسطرة الجنائية، منشور عبر البوابة: ثم الولوج بتاريخ 02/11/2018 اضغط هنا 

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)