الأستَاذ مُحمّد الشّافِعي .. الخِزَانَة المُتنقِلة
- محمد رياض : باحث أكاديمي.
الدكتور: محمد الشافعي.
الخِزَانة المتنقلة، أو كمَا يحب أَن يُلقبه طُلابُه وزُملاؤه عن حَق..
الأستاذ الجَامِعي الذي أَلَّفَ الكُتب، وتَآلَفَ مع نفسه وغيره، فَأَلِفَهُ طلابه وزملاؤه عالماً متنورًا، وإنسانًا وديعًا متواضعًا.. يَستقبلك بابتسامته الوردية التي تقطع عنك كل الحرج في تحية رجل عِلمٍ له هَيْبَتُهُ وَوَقَارُه. وسرعان ما يجد مُحدثوه ضَالَّتَهم عنده. ذلك أنّه كرَّس حياته كما اختَار وأرَاد، خدمة للعلم ولطلابه.. وإلاّ فما معنى أن يُنفق عمره في القراءة والتأليف والتأطير؟ وقد تجاوزت كتبه الثلاثين كتابا؟ وهو الذي منذ أن وَلج كلية الحقوق بالمدينة الحمراء أستاذًا باحثًا في القَانُون الخَاص، أَي مُنذ ثَمَانينيات القَرنِ المَاضي، لم يتغيب عن طلابه في المحاضرات وَلو يومًا واحدًا؟
لقد كَان -ولا زَال- كُلُّ همِّه أن يَبنِي جيلاً واعياً متعلّماً مثقفا، قادراً على الاختيَار الحُر، وعلى التّمييز بين الحقيقة والوهم، بين المَعرفةِ والجَهل، بين الصّواب والخطأ.. أفلا يستحق منا رجل من هذه الطِّينة، وبِهَذه الحُمولة الثقافية والإنسَانية أن نَحتفيَ به عَلَنًا، كي نَطْمَئِن ونُطَمْئِنَ المغاربة بأن الجامعة المغربية العمومية لا زالت تقاوم، وأنّها -مع كُل العِلَلِ التي تَنخُر جسدها العَاري- تتلمّس طرِيقها نحو الأَفضَل؟
وَمِن مَحاسن الصُدف الجمِيلة، أنني عَايشت الرّجل طالباً عِنده قبل عِدة سَنواتٍ من الآن، وقد خَبِرتُ فيه ما كنَّا نسمعه عنه، بل وأكثر زِيادة. وأذكر أنّني عندما سألته يومها عن جواب لسُؤالي الذي طًرحتهُ محاوِرُ محاضرته، أرشَدنِي لقراءة مقالٍ منشورٍ بإحدى المجلات مَعَ تحدِيد عدَدِ المجلّة، وصفحة المقال، واسم كاتبه! وقد سَألت زميلاً لِي بدهشة كيفَ لهُ أن يتذكر كلّ هذِه التفاصيل عَن المَقال؟ فكانت الإجابة أن يقضي في المكتبة أكثَرَ مَا يقضِيه مِن ساعات يومه في منزله..
هَكذا عَلَّمَ الأستاذ محمّد الشّافعي طلاّبَهُ في كليّات الحقوق بالمَغرب. وقد جَعَلَت طَرِيقَتُه الكثير من طلابه وزملائه يتأثّرون به وبفكره، وبأخلاقه النبيلة، حتى أنّهم عندما يتحدّثون عنه وعن مناقبه، وكأنهم يتحدثون عن رجل من الرِجالات السبع للمدينة الحمراء.. وهُو كذلك…
يَتكلّم عَنهُ الأستاذ النَّقِيب إبراهيم صادوق يوم تَكرِميه من طرف إِدَارَة وإدَارِيي وأسَاتذة كلية الحقوق بمراكش قائلاً: “عرفتُ الرَّجُل الذي تَحتفون به اليوم فِي لفتة حضارية مُتميزة من أساتذة وطلبة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، يوم جاء الفتى إلى مراكش وكان عقله يَنْحَثُ من جَسدِهِ الطّري، رُفقة صَديق دربه الدكتور عبد اللّطيف الخَالفي، وكنَّا شباباً نحمل همَّ الوطن، وتسكننا أسئلة التقدم والحداثة والمعرفة.
يومها عرفتُ العَالِم الأصيل، والمُثقَّف الحدَاثي العائِدِ من جامعات باريس، المسكون بثقافة فقهاء القرويين وعلمَاء ابن يوسف، كُنْت حِينها أتلمّس طريقي في اكتساب اللغة القانونية التي تخولني الدفاع عن حقوق المظلومين والمضطهدين والمعذّبين في الأرض.
وكَان الشّافعي “ابنُ الشَّعْب” يسعَى إلى تعميم المعرفة القانونية بالطرق المعرفية الحديثة إيماناً منه بأن هذه المعرفة هي أسَاسُ حِماية الحقوق والنمو والتقدم.
ومن باب الاعتراف بالفَضل لأهله، لَقد تَعلَّمْتُ من الشَّافعي كما تعلم منهُ غَيْري فضائل كثيرة، منها الحكمة والعفة وشجاعة الرأي وإحكام العقل والقسط والعدل في كُلِّ الأمور…”
هَكذا كَان، ولا زَال، وسيَظلُّ عالمًا أُنمُوذجًا فِي قوله وعَمَله، مُتربعًا على عرش التواضع، شعاره الدائم كما حَفظناه “اقرأ، تعلم، ثقف نفسك”. وللتارِيخِ نَشهَدُ أنّه عَمِل فأتقنَ وأخلصَ بِكُل حياد وتجرد ونزاهة، وأنّه أعطى وأبلَى الحسن والأحسن، وساهم في بناء الإنسان كقيمة اجتمَاعية وثَقافية..إِنّه إِن أرَدنا إيجازَهُ سنقول: “الشَّافِعِيُّ مَدرَسَةً لِلاستِثمَار في القِيَم الإنسَانية المُثلَى”.
تعليقات 0