الإدارة القضائية الإلكترونية بالمغرب : الواقع و الآفاق
- بحاجة نجيب طالب باحث بسلك الماستر المتخصص في المهن القانونية و القضائية.
مقدمة :
مما لا شك فيه أن تأهيل الإدارة القضائية كان ولا يزال الشغل الشاغل للرقي بجودة الخدمات وتخليق المرافق القضائية، في كل بلدان العالم، والمغرب بدوره لم يكن في غنى عن هذا المرمى الأساسي الذي يعد أحد أبرز مداخل إصلاح الإدارة القضائية ومنظومة العدالة بصفة عامة. فمنذ دخول أول قانون متعلق بالتنظيم القضائي حيز التنفيذ بالمغرب سنة 1974 عمل ( المغرب ) على إيجاد وسائل عدة للنهوض بالإدارة القضائية ورفع مستوى أدائها،
ذلك أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن قضاء ناجع وشفاف في منأىً عن نسق إداري محكم وفعال يُبعد كل أشكال الممارسات غير المشروعة التي تضرب في صلب أخلاقيات ومبادئ المرفق القضائي.
ومن هذا المنطلق تبرز أهمية دراسة موضوع الإدارة الإلكترونية في ارتباطها بالتنظيم القضائي سواءً على المستوى العلمي على اعتبار أن موضوع الإدارة الإلكترونية أصبح يشكل هاجساً للكتابة والنقاش لدى جل الباحثين في الشأن القانوني وفقه الإدارة بصفة خاصة، أو على المستوى العملي خصوصاً إذا ما علمنا أن المحاكم المغربية بكل درجاتها وتصنيفاتها تقوم على شق إداري وشق قضائي، وما للشق الأول من أهمية في تجويد وتحسين عمل الخدمة القضائية بصفة عامة، بيد أنه لا يمكن الحديث عن تأهيل الإدارة القضائية في شتى جوانبها بعيداً عن الواقع التشريعي والمستجدات الهامة التي تؤثث هذا المشهد، يتعلق الأمر بالقانون رقم 38.15 الجديد المتعلق بالتنظيم القضائي وما يحمله من مستجدات مهمة في هذا الجانب، إلى درجة يمكن معها القول أن هذا القانون سيضع الأسس الأولى للإدارة القضائية الإلكترونية في التنظيم القضائي المغربي.
فما هو إذن واقع الإدارة الإلكترونية بالمغرب؟ وما هي آفاق هذا الورش في صلب التنظيم القضائي المغربي؟
لمقاربة هذه الإشكالات والتزامات منا بالمنهج العلمي في البحث والمناقشة، ارتأينا أن نتناول هذا الموضوع وفق منهجية ثنائية نخصص الشق الأول منها لتشخيص واقع الإدارة الإلكترونية بالمغرب، على أن نحاول في الشق الثاني التطرق للآفاق الإدارة الإلكترونية القضائية بالمغرب، وذلك وفق التصميم التالي :
- المبحث الأول : واقع الإدارة الإلكترونية بالمغرب
- المبحث الثاني : آفاق الإدارة القضائية الإلكترونية بالمغرب
المبحث الأول : واقع الإدارة الإلكترونية بالمغرب
عرف العالم في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحالي ثورة إلكترونية كبيرة، فكان لابد من أدماج هذه الثورة مع الإدارة التي تعتبر مظهرا أساسيا لنشاط الدولة الرامي إلى تلبية مختلف حاجيات الأفراد، والمغرب كغيره من الدول بادر إلى الإستفادة من هذه الطفرة ومحاولة إدماجها مع ما تتطلبه الإدارة من تحيين وتحسين ولو بشكل محتشم نوعا ما، لما يستلزم ذلك من تعبئة شاملة تبدأ من توفير الأرضية المناسبة من وسائل وأدوات، ومن هنا سنحاول تشخيص واقع الإدارة الإلكترونية بالمغرب من خلال تبيان مفهوم هذه الأخيرة ( الفقرة الأولى ) وتجلياتها في المغرب ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى : مفهوم الإدارة الإلكترونية وأهميتها
إن الثورة الرقمية التي عرفها العالم في الآونة الأخيرة أدت إلى بروز مجموعة من المفاهيم الجديدة سواء في المجال الإقتصادي أو الإجتماعي و الإداري بالخصوص ولعل أبرز هذه المفاهيم ما يصطلح عليه بالإدارة الإلكترونية، فما المقصود إذن بالإدارة الإلكترونية ؟.
تعددت تعاريف الإدارة الإلكترونية وحاصلها، أن الإدارة الإلكترونية هي منهجية جديدة تقوم على الاستخدام والاستيعاب الواعي لتقنية المعلوميات والاتصال في ممارسة الوظائف الأساسية للإدارة، في المنظمات التي تتميز بالتطور والتغيير المستمر بقصد تحسين فعاليتها ونتائجها وكذلك جودة الخدمات المقدمة.
كما تعرف الإدارة الإلكترونية ( Electronic management ) بأنها منظومة حديثة تعتمد على التكنلوجيا الإلكترونية وتهدف إلى تحويل الإدارة التقليدية إلى إدارة إلكترونية تعتمد على استخدام الحاسوب وتطبيقاته، وتعرف كذلك بأنها كافة الوظائف والمهام التي تحددها الإدارة للموظفين من خلال الاعتماد على وسائل اتصال حاسوبية، وتشمل رسائل البريد الإلكتروني و قنوات الاتصال الرقمي [1].
وهكذا فإن الإدارة بالمفهوم أعلاه تتميز الإدارة التقليدية في مجموعة من النقاط أهمها :
- إعادة النظر في العلاقة الهرمية بين الهياكل الإدارية
- الحد من التعقيد الإدارية
- تطوير عمل الإدارة والذي يؤدي إلى استبدال الأدوات المستخدمة في الإدارة التقليدية.
- المساهمة في تعزيز التواصل والتعاون بين الموظفين من خلال إنشاء بيئة من الحوار المشترك
- تقليل المصاريف المخصصة لمكونات الإدارة التقليدية.
ويبقى في نظرنا أهم ما يميز الإدارة الإلكترونية هو السرعة في أداء الخدمة وما يستتبع ذلك من تخليق للحياة العامة، وتجويد للخدمات الإدارية في ظل البطء الذي تتسم به الإدارات الورقية التقليدية، ينضاف إلى ذلك تفادي الالتقاء المباشر بين الأشخاص وما يرافق ذلك من إتاحة فرص للفساد والإرتشاء.
الفقرة الثانية : تجليات الإدارة الإلكترونية بالمغرب.
بعدما تعرفنا على مفهوم الإدارة الإلكترونية وأهميتها سنعرج على استجلاء تمثلاتها في الواقع العملي مادام أنه لا فائدة من دراسة هذا المعطى دون التطرق لتجسيداته على أرض الواقع في شكل أوراش تستوعب فلسفة الإدارة الرقمية، يتعلق الأمر في هذا المنحى بخدمتين إلكترونيتين أساسيتين تعمل على تقديمهما الإدارة المغربية عبر مواقع إلكترونية وهــي :
- بوابة الخدمات العمومية :
التي تتخذ كشعار لها الإدارة في خدمة المواطن، وتعد هذه البوابة مرجعا أساسيا للولوج عبر الإنترنت لمجموعة من الخدمات الإدارية المغربية، كما تتوفر هذه البوابة على كل المعلومات المتعلقة بالمساطر الإدارية والخدمات العمومية الإلكترونية باللغتين العربية والفرنسية، كما تندرج في إطار البرنامج المغربي للإدارة الإلكترونية، وكل ذلك بغية تحسين علاقة الإدارة بالمرتفقين.
وهذه البوابة تعتبر التجسيد الأمثل لرقمنة الخدمات الإدارية بالمغرب، لما تقدمه من خدمات متعددة وشامل وكذا لما توفره من معلومات وبيانات.
- خدمة الشباك الإلكتروني لطلب الوثائق الإدارية :
تعتبر كذلك خدمة الشبابيك الإلكترونية من أهم تجليات تنزيل ورش الإدارة الإلكترونية في الواقع، حيث تمكن المواطن من الحصول على مختلف الشواهد الإدارية التي يحتاج إليها في حياته اليومية، وفي نظرنا يبقى دور هذه الشبابيك وأدائها محدوداً إذا ما قارناه بمتطلبات الحكامة الإدارية الفعالة، خصوصاً وأن هذه المنصات غالبا مايتعذر التعامل معها لأسباب أو لأخرى.
عموما فإن تجليات الإدارة الإلكترونية كثيرة وغير محدودة، حاولنا من خلال هذا المحور أن نختار جزءا منها عبر ما تقدمنا به سلفاً.
المبحث الثاني : آفاق الإدارة الإلكترونية القضائية بالمغرب.
سنعمل على تناول هذا المحور بتقسيمه إلى فقرتين أساسيتين، نخصص الأولى للحديث عن الإدارة القضائية الإلكترونية كمدخل للحكامة القضائية، على أن نعرج في الفقرة الثانية على الإدارة القضائية الإلكترونية من خلال القانون رقم 38.15.
الفقرة الأولى : الإدارة القضائية الإلكترونية كمدخل للحكامة القضائية
لقد أشار ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي تم إطلاقه في 30 يوليوز 2013 إلى مقاربة هامة وهي الحكامة القضائية من خلال توصياته والتي جاء فيها بخصوص الرؤيا العامة لإصلاح منظومة العدالة ما يلــي:
… 9 – وضع أسس ” محكمة رقمية ” منفتحة على محيطها وعلى المتقاضين والتعميم التدريجي لاستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في إدارة المحاكم وفي علاقاتها بالمتقاضين والمهنيين، مع سن المقتضيات القانونية اللازمة لذلك لاسيما من أجل.
* إنجاز الإجراءات وتبادل المستندات والتواصل مع المتقاضين والمحامين وباقي مساعدي العدالة بالطرق الإلكترونية المضمون، بما في ذلك اعتماد التوقيع الإلكتروني.
* إحداث الملف القضائي الإلكتروني[2].
يمكن القول إذن أن مسألة تأهيل الإدارة القضائية ورقمنتها شكلت هدفا أساسيا وتوصية هامة من توصيات ميثاق اصلاح منظومة العدالة في بلورتها لمفهوم الحكامة القضائية في مجملها، فالارتباط الوثيق للإدارة القضائية، كونها المنفذ الأول للاستفادة من الضمانات التي يقرها القانون، مع طبيعة ولولج الأفراد لحقوقهم، لم يكن إلا جزءا من مساعي إصلاح منظومة العدالة، اتخذ من القانون الجديد – 38.15 – حيزا له، لينتظر بذلك دخوله حيز التنفيذ، مشكلا بذلك مدخلاً مهما من مداخيل التدبير الفعال والناجع لمرفق القضاء.
الفقرة الثانية : الإدارة القضائية الإلكترونية من خلال القانون 38.15.
إن منطق إصلاح منظومة العدالة يفرض تحديث الإدارة القضائية وتطوير أدائها وجعلها مواكبة للتطورات الحاصلة في شتى المجالات على رأسها المجال المعلوماتي التكنولوجي وقد بدى ذلك جليا من خلال مقتضيات المادة 22 من القانون الجديد 38.15 التي تنص على أنه :
تعتمد المحاكم الإدارة الإلكترونية للأجراءات والمساطر القضائية وفق برامج تحديث الإدارة القضائية التي تتخذها الوزارة المكلفة بالعدل.
فهذا المقتضى يشير بحق إلى تبني المشرع لمقاربة طموحة تهدف إلى حوكَمة القضاء وتجويد خدماته، ولا أدل على هذا التوجه الرائد خير من ورش المحكمة الرقمية الذي يعد أهم المشروعات التي تعمل عليها وزارة العدل والحريات تنزيلا لمخرجات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة وكذا ترجمة للمادة 22 السالفة الذكر، هذا المسعى الحضاري الذي سيخلص المحاكم بشكل نهائي من السجلات والملفات الورقية بكيفية تضمن الشفافية والسرعة والحكامة الجيدة، وفي انتظار تنزيل هذا الحلم يبقى السؤال المطروح هل قطاع العدل ببلادنا قادر على تحقيق محكمة رقمية ضمن الدائرة الزمنية الموعود بها ؟ وهل التجربة العملية التي حققتها بعض المحاكم التجارية ببلادنا كتوظيق الإنترنت في تمكين الشركات من حجز مواعيد إيداع ملفاتها بالمحكمة كافية لبت الاقتناع بأننا دخلنا فعلا عالم المحاكم الرقمية [3].
[1] مجد خضر، مفهوم الإدارة الإلكترونية، مقال منشور بموقعmawdoo3.com تم الإطلاع عليه بتاريخ 18/01/2019
[2] الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة، ميثاق اصلاح منظومة العدالة ،يوليوز 2013 ص: 51.
[3]عبد الجبار بهم، المحكمة الرقمية بين الحلم والواقع، مقال منشور بموقع، alhoriyatmaroc.yoot.com، تم الإطلاع عليه بتاريخ 18/01/2019.
تعليقات 0