المرصد الوطني للظاهرة الإجرامية: نحو عدالة جنائية متبصرة
بـــدر حــدجـــامي إطار بوزارة الــعـــدل طـالب باحـث بسـلك الدكتوراه جامـعة محمد الخامس الرباط
“يقاس مستوى تحضر نظام أخلاقي واجتماعي ما، بمستوى العدالة الذي يمكِّنُ منه خصومه وأعداءه أنفسهم”.
-فرانــســوا ماري أروويه :فــــولتـــــير –
مــــقـــدمــة:
المغرب المعاصر،كغيره من دول العالم اليوم، ما فتئ يحقق وعيا قويا بأهمية العدالة الجنائية التي باتت مقياسا لتقييم مستوى تحضر الأنظمة السياسية وقاعدة للتأكد من مدى ترسيخها للمبادئ الكونية لحقوق الإنسان في منظومتها الزجرية والعقابية.
ومن تجليات الوعي المغربي بمسألة العدالة الجنائية الارتقاء بهذه العدالة إلى مبدأ دستوري ووضع آليات خاصة لحمايتها[1]وسن أحكام لتنظيمها[2]، إضافة إلى الإقدام على فتح حوار وطني معمق قصد إصلاح منظومة العدالة بشكل شامل وجذري، وهو ما تمخض عنه مجموعة من التوصيات ذات الصلة بموضوع العدالة الجنائية منها ما تم تنزيله فعليا وشُمِلَ بالتأطير القانوني، ومنها ما يزال قيد الدراسة والتحليل والنقاش.
ولئن كان الارتقاء بمقومات العدالة الجنائية داخل الدولة[3]، يفرض قراءة فاحصة وتحليلية لنجاعة وفعالية آلياتها[4]، فإنه يفرض من ناحية أخرى تطوير النظرة التقليدية للتعامل مع الجريمة ونهج مقاربة علمية وتقنية في تحليل ودراسة النزوع الإجرامي، بُغية بلورة تصورات لمحاربة الظاهرة الإجرامية.
ويصنّف علم الإحصاء الجنائي[5]ضمن العلوم المُساهمة في تطوير فكرة التتبع والرصد الإجرامي ومحاربة الجريمة، من خلال وضع مقاربات حديثة في السياسة الجنائية[6] من جهة،وتطوير المنظومة القانونية الجنائية وضمان مواكبتها للتحولات الاجتماعية والحقوقية من جهة أخرى .
بيد أن الوصول إلى الأهداف المنشودة من الاشتغال بالإحصاء الجنائي رهين بإنشاء إطار مؤسساتي يشتغل بضوابط علمية وتقنية، وهو ما دفع إلى التفكير في إحداث مرصد لتتبع الظاهرة الإجرامية.وقد انخرطت بلادنا في هذا التوجه وشكلت الخطب الملكية السامية أُسُسا مرجعية لإنشاء نواة مرصد وطني للإجرام،كما تم وضع مقاربة تهمُّ مقومات تأسيسه وكيفيات اشتغاله، وكذلك سبل استثمار مكتسباته في تحقيق الحكامة الرشيدة لآليات العدالة الجنائية.
وسنحاول في هذه الدراسة ملامسة الرؤية العامة لتأسيس المرصد الوطني للظاهرة الإجرامية،ومظاهر مساهمته في تشخيص واقع العدالة الجنائية ببلادنا، ومقومات تطويرها[7]،وهوما يقودنا إلى طرح السؤال التالي:
ما حدود إسهام مؤسسة المرصد الوطني للظاهرة الإجرامية في تحقيق حكامة جيدة لآلــيات العـــدالـــة الجنــــائــــيـــة؟
سنحاول تحليل هذا السؤال من خلال تأصيل فكرة الرصد والتتبع الإجرامي،عبر تبيان مكانة الإحصاء الجنائي كأحد أساليب البحث الإجرامي التي طورها علم الإجرام،ثم الوقوف عند المقاربة الوطنية لإحداث المرصد الوطني للظاهرة الإجرامية من خلال مرتكزاته التأسيسية وكذا أدواره الفاعلة في منظومة العدالة الجنائية.
المطلب الأول: رؤية في المرتكزات التأصيلية لفكرة الرصد والتتبع الإجرامي[8]
الفقرة الأولى : مساهمة علم الإجرام في إنماء أساليب دراسة الظاهرة الإجرامية
لعبت نظريات علم الإجرام دورا جوهريا في تطوير فكرة تتبع الظاهرة الإجرامية من كل جوانبها وإيجاد حلول وقائية وعلاجية لها،بيد أن الفضل يعود إلى علماء النظرية الاجتماعية[9]التي استندت في تحليلها إلى العوامل الاجتماعية المحيطة بالجريمة والمجرم،واعتبرت أن أسباب النزوع الإجرامي تُردُّ إلى خليط من العوامل الفردية ذات النسبة الضئيلة، والعوامل الاجتماعية ذات النسبة العالية،كالوسط الاجتماعي والمحيط والبيئة التي توجد بها الجريمة وتؤثر فيها بشكل كبير؛وقد طور رواد هذه النظرية دور الإحصاء الجنائي وحوَّلوه من مجرد أسلوب تقليدي يعرض حجم الجريمة بالأرقام ويقارن بين السنوات لتبيان الزيادة والنقصان في معدلها، إلى دور حديث يرتكز على تحليل علمي لأسبابها الحقيقية ويحدد طرق مقاومتها.
الفقرة الثانية : موقع الإحصاء الجنائي قياسا إلى أساليب البحث الإجرامي
الإحصاء الجنائي هو آلية من آليات[10]البحث الجماعي في الظاهرة الإجرامية ويرتكز على دراسة البيانات الأساسية المتعلقة بالجريمة وتحليلها والوقوف عند مدى ارتباطها بالظروف الشخصية للمجرم، كالسن والجنس والمهنة والدين والظروف الاجتماعية للجريمة، كالفقر والهشاشة والحالة العائلية والأحوال الاقتصادية والسياسية والمناخية والموقع الجغرافي والمستوى الثقافي.[11]وعليه، فإن الإحصاء الجنائي هو علم يبين مدى ارتباط الظاهرة الإجرامية بمختلف الظروف المحيطة بجماعة من الجماعات.[12]وتعد فرنسا[13] أول دولة تشتغل على الدراسات الإحصائية للجريمة وهو ما دفع الدول إلى الاشتغال عليه من زاوية علمية وجعله مواكبا للتطور العلمي والتكنولوجي.وترتكز الدراسة العلمية للظاهرة الإجرامية في علم الإحصاء على مقومات مختلفة[14]؛ وقد وجهت مجموعة من الانتقادات لعلم الإحصاء الجنائي [15]غير أنه يبقى علما مهما يساهم في دراسة الظاهرة الإجرامية ويساعد في تقويم سياسة التجريم والعقاب، وينبغي العمل به في إطار مؤسساتي، وهذا الأمر هو ما دفع المغرب إلى التفكير في إنشاء مؤسسة المرصد الوطني للظاهرة الإجرامية.
المطلب الثاني: المقاربة الوطنية لإحداث المرصد الوطني للظاهرة الإجرامية[16]
الفقرة الأولى: المرتكزات المرجعية للتأسيس
أولا، على مستوى الخطب الملكية السامية:
يعتبر الخطاب الملكي السامي20غشت 2009المحتفي بذكرى ثورة الملك والشعب محطة فاصلة في إحداث مرصد وطني للإجرام، حيث اعتبرت مضامين الخطاب هذا المرصد آلية ستساهم في تأسيس العدالة الجنائية الوطنية على مرتكزات علمية وقانونية وحقوقية، بل ونظرت إليه كأداة من شأنها المساعدة على تحديث المنظومة القانونية وتأهيل المؤسسات الإصلاحية والسجنية [17]، بشكل يضمن تحقيق مبادئ المحاكمة العادلة ويدفع نحو تطوير السياسة الجنائية للمغرب وتحديد أولوياتها وتوجيه بوصلتها نحو تحقيق الحكامة الجنائية.
وإيمانا من جلالة الملك بأن الإحصاء أصبح علما قائم الذات يساهم في تطوير السياسات العمومية للدولة،أكد في الرسالة التي وجهها للمشاركين في الندوة العلمية المنعقدة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للإحصاء على أن هذا العلم أضحى علما لا محيد عنه في تطوير وتقييم وتوجيه السياسات العمومية داخل الدول بشكل عام والسياسة الجنائية بشكل خاص،وذلك من خلال مساهمة المرصد الوطني للظاهرة الإجرامية في تحقيق نجاعة وفعالية آليات العدالة الجنائية[18].
ثانيا، على مستوى ميثاق إصلاح منظومة العدالة[19]
يعتبر ورش إصلاح منظومة العدالة بالمغرب من أهم الدعائم الهادفة إلى توطيد الشفافية والمصداقية وتثبيت لبنات دولة الحق والقانون والمؤسسات، وانطلاقا من التوجيهات الملكية السامية تم وضع “ميثاق إصلاح منظومة العدالة” كمرجع لتحديد المبادئ الكبرى للإصلاح، وقد شكل الخطاب الملكي السامي لـ 08 ماي 2012 الملقى بعد صدور دستور2011 بمناسبة حفل تنصيب الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، خريطة طريق وانطلاقة فعلية لمسار الإصلاح بمشاركة جميع الفاعلين في منظومة العدالة وفق خطة واضحة المعالم تستقي وجودها من مخطط دقيق قائم على ستة أهداف رئيسية[20]. وقد شدد الهدف السادس منها،والمعنون بـ”تعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات” على ضرورة مراجعة السياسة الجنائية،من خلال إعادة النظر في سياسة التجريم والعقاب والارتقاء بالعدالة الجنائية وإحداث مرصد وطني للظاهرة الإجرامية، باعتباره إطارا مؤسساتيا لرصد وتتبع مؤشرات الجريمة على المستوى الوطني واقتراح السبل الكفيلة للحد من مخاطرها والمساهمة في رسم معالم السياسة الجنائية[21].
الفقرة الثانية:الأدوار الكبرى للمرصد ومسألة حكامة آليات العدالة الجنائية
أُسند للمرصد الوطني للظاهرة الإجرامية، باعتباره محطة للرصد والتتبع والتقييم،مجموعة من المهام،وقد أكد وزير العدل[22] على أن إحداث هذه المؤسسة سيمكن من تطوير آليات العدالة الجنائية وسيساهم في توجيه علمي للسياسة الجنائية بالمغرب من خلال ستة مهام رئيسة وهي:
أ)-رصد الظاهرة الإجرامية من خلال جمع المعطيات الإحصائية بتعاون وتنسيق مع باقي الجهات المتدخلة في مجال العدالة الجنائية، كالمؤسسات القضائية والأمنية والإدارية[23] ووضع مؤشرات تتبع تطور الجريمة ودراستها بشكل يسمح بوضع صورة شمولية حقيقية وواقعية عنها وعن مؤشرات نموها والأسباب المساهمة في ذلك.
ب)-إعداد قاعدة بيانات خاصة بالمعطيات الإحصائية والقيام بأبحاث ودراسات علمية حول الجريمة بشكل يساعد على بلورة تصورات شاملة للتعامل مع الظاهرة الإجرامية ويعزز الأبحاث العلمية والتقنية حولها.
ت)-تتبع تطور مؤشرات الجريمة وتشخيص واقعها ودراسة أسبابها وآثارها واقتراح السبل الكفيلة للوقاية منها،والوقوف عند الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمناخية المؤثرة فيها، وكذا تأثير عامل البعد والقرب من مراكز المدن الكبرى على وقوع بعض الأنواع من الجرائم واعتماد معطيات السن والجنس والبيئة الاجتماعية في الظاهرة الإجرامية وسبل مكافحة النزوع الإجرامي.
ج)-دراسة حالة العود واقتراح الحلول الكفيلة لمعالجتها باعتبارها ظاهرة تطرح نقاشا علميا وثقافيا وقضائيا كبيرا حول تقييم الأهداف الرئيسة من العقوبة، المتمثلة في الإصلاح والتأهيل وإعادة الإدماج في المجتمع[24].
ح)-المساهمة في التخطيط الجنائي من خلال تحديد المرتكزات والمقومات التي تنبني عليها السياسة الجنائية بالمغرب،[25]وتوجيهها في مرحلة الوضع من السلطة التشريعية أو التنفيذ من السلطة القضائية[26]،بشكل يحدد أولوياتها[27] ويبيّن مكامن قوتها لتطوريها ونقاط ضعفها لمعالجتها.
خ)-تقديم مقترحات حول المنظومة القانونية الجنائية[28] وجعلها مواكبة للتطورات الحقوقية وللمبادئ الكونية للمحاكمة العادلة،وكذلك لتطور الظواهر المجتمعية الواجب إما تجريمها أو رفع الصفة الجرمية عنها.
لائحة المراجع
المراجع العامة
باللغة العربية:
1) رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب، مطبعة دار الفكر العربي الطبعة الرابعة السنة 1977.
2) الجيلالي الغازي، أساسيات في علم الإحصاء الجنائي، مطبعة منشورات النور الجزائرية سنة 2013.
3) أسامة عبد الغفور، نظرات في علم الإحصاء الجنائي، مطبعة دار الثقافة العربية طبعة 2006 .
4) سعد حماد صالح القبائلي، مبادئ علمي الإجرام والعقاب، مطبعة دار النهضة العربية، الطبعة الأولى سنة 2008.
5) مأمون محمد سلامة، أصول علم الإجرام والعقاب، مطبعة دار الفكر العربي القاهرة طبعة 1979.
6) محمد رمضان بارة،مبادئ علم الأجرام، مطبعة مطابع عصر الجماهير الخمس، الطبعة الثانية السنة 2000.
7) فوزية عبد الستار، مبادئ علم الأجرام وعلم العقاب، مطبعة دار النهضة العربية للطباعة والنشر، الطبعة الخامسة السنة 1985.
8) عبد الفتاح مصطفى الصيفي، أساليب دراسة الظاهرة الإجرامية، مطبعة دار النهضة المصرية طبعة 1992.
9) فؤاد عبيد، فلسفة الإحصاء في المجال الجنائي، المجلة الجنائية القومية المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، المجلد الرابع عشر، العدد الثالث 1971.
10) مأمون محمد سلامة أصول علم الإجرام والعقاب مطبعة دار الفكر العربي القاهرة طبعة 1979.
باللغة الفرنسية:
11)Rvouin-Jleaute droit pénal et criminologie, paris, 1956.
12)MAURICE CAPTINAT,introduction à la criminologie, paris, 1999.
المراجع الخاصة
1)-بدر حدجامي، الحكامة القضائية في ضوء ميثاق إصلاح منظومة العدالة،مقال منشور في مجلة البحوث العدد المزدوج 16-17 سنة 2019.
2)-معالم على درب الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة، منشورات وزارة العدل والحريات سنة 2015.
3)-مداخلة السيد وزير العدل محمد أوجار بتاريخ 24 يناير 2018 في الندوة الدولية حول موضوع “المراصد الدولية للإجرام الخبرات والتجارب في مجال رصد وتحليل ظاهر الجريمة”،نشرت بالموقع الرسمي لوزارة العدل.
4)-تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة لسنة 2017
5)-تقرير الندوة الوطنية التي نظمتها جامعة مولاي إسماعيل بمكناس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتاريخ 2 أبريل 2020 في موضوع “السياسة الجنائية المغربية في مواجهة الأنماط الحديثة للإجرام واليات المواجهة”.
6)-المرسوم رقم 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة.
7) قرار المجلس الدستوري سابقا المحكمة الدستورية حاليا رقم 991.16.
الهوامش:
[1] – لقد جاء دستور 2011 بمجموعة من المؤسسات الدستورية أطلق عليها اسم مؤسسات الحكامة؛ وعلاقة بموضوع العدالة الجنائية يمكن تحديد المؤسسات الدستورية المرتبطة به في مايلي:1)المجلس الوطني لحقوق الإنسان الفصل 161 وما بعده. 2)المجلس الأعلى للسلطة القضائية الفصل 113 وما بعده.3)المحكمة الدستورية الفصل 129 وما بعده .
[2]– نذكر من هذه المبادئ على سبيل المثال: أولا،استقلال السلطة القضائية والضمانات الدستورية لحماية هذه الاستقلالية. ثانيا،حق التقاضي وحق الدفاع وحق الطعن في جميع القرارات الإدارية والأحكام القضائية وفق القانون. ثالثا،الحق في محاكمة عادلة وفق الضمانات الدولية لحقوق الإنسان وفي أجل معقول وبشكل مجاني وفي جلسة علنية.رابعا،الحق في التعويض عن الخطأ القضائي وتنفيذ الأحكام القضائية .
[3]-اعتمد الإحصاء الجنائي رسميا في فرنسا باعتباره أحد وسائل رصد الجريمة سنة 1826،أما بريطانيا فقد استندت إليه رسميا سنة 1856 وفي الولايات المتحدة الأمريكية تم الاشتغال به لأول مرة سنة 1933 من طرف مكتب التحقيقات الفدرالي وفي العراق اعتمد سنة 1959 مع إحداث وزارة التخطيط ومديرية الإحصاء المركزي.
[4]– يمكن إجمال آليات العدالة الجنائية في العناصر التالية: أولا،النظام القضائي الجنائي؛ ثانيا،المنظومة القانونية الزجرية؛ ثالثا،السياسة الجنائية.
[5]-بيَّن القرآن الكريم أهمية الإحصاء في مجموعة من الآيات الكريمة نذكر منها: الآية 49 من سورة الكهف حيت قال تعالى:”يَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً”.وقال أيضا في سورة النبأ الآية 78: “وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا”. وقال أيضا: في سورة الجن الآية28: “وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا”.
[6]– لم يحدد المشرع مفهوما قانونيا للسياسة الجنائية، غير أن الفقيه الألماني لدوفيغ فيورباخ Ludwig Feuerbach1830عرفها بكونها «التدابير الزجرية التي تستعملها الدولة لمحاربة الجريمة ».وعليه فإن المقاربة الحديثة للسياسة الجنائية ترتكز على إعمال منهج مزدوج يقوم على الأسلوب الوقائي الذي يستند إلى دراسة أسباب الظاهرة الإجرامية ومحاولة تحليلها من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؛ وأسلوب علاجي يقوم على تمديد أدوار العقوبة وجعلها آلية فعالة للإصلاح والتأهيل وإعادة الإدماج في المجتمع.وللتوسع أكثر بخصوص هذه النقطة،أنظر تقرير رئيس النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة لسنة 2017 ص:58.أنظر أيضا تقرير الندوة الوطنية التي نظمتها جامعة مولاي إسماعيل بمكناس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتاريخ 2 أبريل 2020حول موضوع “السياسة الجنائية المغربية في مواجهة الأنماط الحديثة للإجرام وآليات المواجهة”.
[7]– وعليه، فإننا نستبعد في هذه الدراسة كل الإشكالات المرتبطة بوضع وتنفيذ السياسة الجنائية وواقع المنظومة القانونية الزجرية، وإن كان ذلك لا يفيد أننا لم نعد إليهما في بعض النقاط للمقارنة والتوضيح.
[8].:–إن فكرة دراسة الظاهرة الإجرامية وتتبع أسبابها ومحاولة إيجاد حلول لها ومحاربتها هي إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها علم الإجرام، فهو علم يتخذ من الجريمة مادة له ويعمل على تبيان أسبابها ودوافعها؛وقد تناولت كل مدرسة من مدارس علم الإجرام أسباب ودوافع الجريمة من زاوية تخصصها والعلم الذي ينتمي إليه علماؤها، حيث ربطها بعضهم بالخصائص العضوية، وارتكز البعض الآخر في دراستها على علم النفس، فيحين ذهب آخرون إلى ربطها بعوامل اجتماعية وعوامل بيئية،وبعضهم اتخذ موقفا وسطا من كل ذلك، واعتبر أنه لا يمكن القول بعامل دون الآخر وأن العوامل الفردية والعضوية والاجتماعية كلها خليط يمكن أن يساهم في حدوث الجريمة،وبالتالي تطور الظاهرة الإجرامية.للتوسع في هذه النقطة أنظر رؤوف عبيد “أصول علمي الإجرام والعقاب”، مطبعة دار الفكر العربي، الطبعة الرابعة لسنة 1977، القاهرة، ص: 19 وما بعدها.أنظر أيضا الجيلالي الغازي “أساسيات في علم الإحصاء الجنائي”، مطبعة منشورات النور الجزائرية، سنة، 2013 ص:5.
[9]– لقد شكل المد الاجتماعي للنظرية الوضعية،والتي انبثق عنها علماء يؤمنون بتأثير العوامل الاجتماعية والفردية في الظاهرة الإجرامية دافعا لعلماء اجتماع والإجرام في الولايات المتحدة وفرنسا من أجل بناء دراسة الظاهرة الإجرامية على العوامل الاجتماعية أساسا، ونذكر منهم الأمريكيين روبرت ميرتون و ادوين سادرلاند والفرنسيين إميل دوركايم وغابرييل تارد؛ ويعتبر عالم الاجتماع والإجرام الأمريكي إيدوين ساترلاند هو مؤسس علم الإحصاء الجنائي الذي وضع لبناته الأولى من خلال نظريته القائمة على اعتبار الجريمة ظاهرة اجتماعية ينبغي النظر إليها ودراسة أسبابها من خلال وضع مؤشرات وأرقام ولوحة قيادة توضح وتبين منحى ومؤشرات النزوع الإجرامي.أنظر لمزيد من التفصيل أسامة عبد الغفور “نظرات في علم الإحصاء الجنائي”، مطبعة دار الثقافة العربية، طبعة 2006،ص:26.
[10]– إلى جانب الإحصاء الجنائي اعتمدت النظرية الاجتماعية على أساليب أخرى للبحث في الظاهرة الإجرامية اجتماعيا وهي:أولا، الاستبيان؛ثانيا،المقابلة؛ ثالثا،المسح الاجتماعي؛رابعا؛دراسة الحالة. للتوسع أكثر في دراسة الأساليب الاجتماعية المتبعة في تحليل الظاهرة الإجرامية أنظر سعد حماد صالح القبائلي “مبادئ علمي الإجرام والعقاب”، مطبعة دار النهضة العربية، الطبعة الأولى سنة 2008، ص:48.أنظر أيضا مأمون محمد سلامة “أصول علم الإجرام والعقاب”، مطبعة دار الفكر العربي، القاهرة، طبعة ،1979 ص:91 وما بعدها .
[11]-MAURICE CAPTINAT, introduction à la criminologie, paris, 1999, P : 21-23.
[12]-يرى توجه فقهي أن الإحصاء الجنائي هو علم يبين مدى ارتباط الظاهرة الإجرامية بمختلف الظروف المحيطة بالبيئة التي تحيط بالجريمة . وقد أضحى علما مُهما تعتمده الدول في مؤسسات خاصة من أجل رصد وتتبع الظاهرة الإجرامية ارتكازا على منطق الأرقام والإحصائيات المبينة لارتفاع وانخفاض الجريمة ووضع مؤشرات التنبؤ بها وطرق مقاومتها ووضع استراتيجيات تخطيطية طويلة، استنادا إلى مجموعة من المرتكزات من أجل محاربتها وتوجيه السياسة الجنائية للدول ومساعدتها في تطوير منظومتها القانونية في مجال التجريم والعقاب. أنظرمحمد رمضان بارة “مبادئ علم الأجرام”، مطبعة مطابع عصر الجماهير الخمس، الطبعة الثانية،سنة 2000،ص:46 وما بعدها. أنظر أيضا فوزية عبد الستار “مبادئ علم الأجرام وعلم العقاب”، مطبعة دار النهضة العربية للطباعة والنشر، الطبعة الخامسة، سنة1985،ص: 28.أنظر أيضا عبد الفتاح مصطفى الصيفي “أساليب دراسة الظاهرة الإجرامية”، مطبعة دار النهضة المصرية، طبعة 1992،ص:30.أنظر أيضا فؤاد عبيد “فلسفة الإحصاء في مجال الجنائي”، المجلة الجنائية القومية، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، المجلد الرابع عشر، العدد الثالث،1971 ص: 421.
[13]-وقد تشبعت بعض الدول بفكرة الإحصاء الجنائي وتتخذ فرنسا موقع أول دولة اعتمدت على نشر إحصاء سنوي مفصل للجرائم،حيث قامت وزارة العدل الفرنسية سنة 1827 بالإعلان الرسمي عن الجرائم المرتكبة في مجموع ترابها الوطني سنة1825،وقد كان السبق في دراسة هذه الإحصائيات للعالمين الفرنسي جيريGUERY والبلجيكي كتليهQUETE.
للتوسع أكثر انظر:Rvouin-Jleaute, droit pénal et criminologie, paris, 1956.
[14] -الإحصائيات الأمنية إحصائيات تنجز من طرف السلطات المكلفة بالبحث عن الجرائم وضبط مرتكبها وجمع الأدلة عنها، أي أنها الإحصائيات المرتبطة بالمهام المنجزة إما قبل وقوع الجريمة من خلال التتبع والمراقبة أو بعد ارتكاب الجريمة عبر جمع الأدلة عنها وضبط مرتكبها.
الإحصائيات القضائية : وهي المرتبطة بمهام القضاء عند إصدار الأحكام المُدينة لمرتكبي الفعل الجرمي.
الإحصائيات التنفيذية: هي المرتبطة بتنفيذ العقوبات المحكوم بها بمقتضى الأحكام الصادرة عن القضاء والقاضية بعقوبات سالبة للحرية، أي أنها تلك الإحصائيات المنجزة من طرف المؤسسات العقابية.
الإحصائيات المبنية على الموقع الجغرافي: وهي المرتبطة بتأثير الموقع الجغرافي على انخفاض الجريمة وارتفاعها بالمدن الكبرى والمتوسطة والبوادي وكذا أنواع الجرائم المرتكبة في كل منها، علاوة على دور القرب والبعد عن السلطات والمؤسسات في تحديد مستوى الظاهرة الإجرامية.
على مستوى الجنس استقر علماء الإجرام على أن هناك فرقا واضحا بين إجرام الرجل وإجرام المرأة سواء من حيث الكم أو النوع: فمن ناحية الكم إجرام الرجل يفوق إجرام المرأة أما من ناحية الكيف فتؤكد الإحصائيات أن هناك جرائم تكاد تكون حكرا على المرأة كالدعارة والإجهاض… أما من حيث السن فيربط علماء الإجرام المراحل التي يمر منها الإنسان ببعض أنواع الجرائم، وهي كالتالي: أولا،مرحلة الطفولة وتمتد حتى سن 12 ، تتميز بقلة الجرائم نظرا لضعف التواصل الاجتماعي وضعف الأطفال الجسدي، علاوة على انعدام مسؤوليتهم الجنائية لفقدانهم الإدراك والتمييز في هذا السن، ولغياب دوافع الجريمة؛ثانيا، مرحلة الشباب ، 18-25 سنة، تبين إحصائيات هذه المرحلة ارتفاع جرائم الأموال بسبب البطالة وجرائم التحرش، تتميز بانتهاء أعراض المراهقة وازدياد متطلبات بناء المستقبل و قوة في البنية الجسمية ونضج في الغريزة الجنسية وعدم الاكتراث والاندفاع والتهور وتكون جرائم الإجهاض في ذروتها عند المراهقات والشابات.
رابعا،مرحلة النضج ، 25-50 سنة:إحصائيات هذه المرحلة تبين ارتفاعا في جرائم النصب والاحتيال وجرائم الاختلاس وجرائم الفساد وجرائم خيانة الأزواج وجرائم الشذوذ الجنسي وجرائم السرقة وخيانة الأمانة والاختلاس؛ ثم نجد جرائم النصب في سن 35 فما فوق، أما جرائم الاعتداء على الشرف كالسب والشتم فنجدها ما بين 40-50 سنة حيث يكون الشخص ضعيفا بدنيا.
خامسا،مرحلة الشيخوخة، من 50 فما فوق،وتتميز بالضعف في القدرات البيولوجية، وأغلب جرائم هذه السن ترتبط بالحيلة والذكاء بعيدا عن استخدام القوة البدنية حيث يتعرض الجسم للأمراض وتخبو الغريزة الجنسية وتضعف القوة الذهنية، فنجذ جرائم السب والقذف، جرائم اغتصاب الأطفال، جرائم خيانة الأمانة، جرائم التشرد وجرائم التسول.أنظر بخصوص هذه المعطيات: عبد الفتاح مصطفى الصيفي، مرجع سابق، ص:50 وما بعدها.
[15]– اعتبر بعض الباحثين أن الإحصاء الجنائي هو أسلوب يتسم بالسطحية لأنه لا يلامس حجم الإجرام الفعلي بل يشتغل على العينات المرتبطة بنشاط أجهزة العدالة الجنائية، فهناك مجموعة من الجرائم لا تصل إلى علم سلطات البحث والتحري عن الجرائم، وهناك أخرى تقع ولا تكتشف وبالتالي فنتائج الإحصاء تبقى نسبية وتؤخذ على سبيل الاستئناس فقط. أنظر لمزيد من التفصيل: أسامة عبد الغفور “نظرات في علم الإحصاء الجنائي” مطبعة دار الثقافة العربية، طبعة 2006،ص:28.
[16]-يرتبط التصور الوطني لتأسيس مرصد للظاهرة الإجرامية بالمغرب بقناعة وطنية مبنية على رؤية عميقة تؤسس لمفهوم علمية آليات العدالة الجنائية، وقد شكلت الخطب الملكية السامية باعتبارها محطات توجيهية تقوم الأوراش الكبرى المفتوحة ببلادنا بشكل عام وورش الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة بشكل خاص، مرجعا أساسيا وخريطة طريق من أجل وضع اللبنات التأسيسية لهذا المرصد وتحديد المعالم الكبرى لمهامه والارتقاء به إلى مؤسسة علمية تساهم في تحقيق حكامة آليات العدالة الجنائية ببلادنا.
[17]– مقتطف من الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2009 “تحديث المنظومة القانونية ولاسيما ما يتعلق منها بمجال الأعمال والاستثمار وضمان شروط المحاكمة العادلة وهو ما يتطلب نهج سياسة جنائية جديدة تقوم على مراجع وملائمة القانون والمسطرة الجنائية ومواكبتها للتطورات بإحداث مرصد وطني للإجرام وذلك في تناسق مع مواصلة تأهيل المؤسسات الإصلاحية والسجنية”.
–[18]مقتطف من الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك للمشاركين في الندوة الدولية حول: الإحصاء في خدمة التنمية بتاريخ 20 أكتوبر 2010ما يلي: “لقد أصبح علم الإحصاء(…)أداة مرجعية في تنوير صناعة القرار وتحديد واختيار برامج التنمية(…)كما يعد آلية منهجية لا غنى عنها لتقييم السياسات العمومية (…)بل إن ما يطلع به الإحصاء اليوم من مهام يجعل منه خدمة عمومية حقيقية اتخذت بحكم عولمة الاقتصاد والقيم أبعادا دولية”.
[19]-كان من إرهاصاته الأولى صدور دستور سنة 2011 والتنصيص في الباب السابع منه على حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة ثم أعقبه خطاب تنصيب الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة بالدار البيضاء في 8 ماي 2012.للتوسع أكثر في هذه النقطة أنظر بدر حدجامي “الحكامة القضائية في ضوء ميثاق إصلاح منظومة العدالة”،مقال منشور في مجلة البحوث العدد المزدوج 16-17،سنة 2019، ص: 179 وما بعدها .
[20]– بدر حدجامي مرجع سابق، ص: 181.
[21]: معالم على درب الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة منشورات وزارة العدل والحريات سنة 2015 ص 55
[22]– أنظر مداخلة السيد وزير العدل محمد أوجار بتاريخ 24 يناير 2018 في الندوة الدولية حول موضوع “المراصد الدولية للإجرام الخبرات والتجارب في مجال رصد وتحليل ظاهر الجريمة”،نشرت الندوة على الموقع الرسمي لوزارة العدل.
[23]-ينص الفصل الأول من دستور2011على مايلي: “يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها…” وقد أكد قرار المجلس الدستوري سابقا المحكمة الدستورية حاليا رقم 991.16بمناسبة تناوله لمدى دستورية المادة 54 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية رقم 100.13 في حيثياته:”وحيث إن النظام الدستوري للمملكة لا يقوم فحسب على أساس فصل السلط بل ينبني أيضا على توازن هذه السلط وتعاونها(…)وحيث إن مبدآ التعاون بين السلط يقتضي عند الحاجة إقامة علاقة تنسيق بينها قصد تحقيق غايات مشتركة من خلال تسهيل كل سلطة لممارسة السلطة الأخرى لوظائفها خدمة للصالح العام”.
[24]– نعتبر أن حالة العود ظاهرة خطيرة تبين قصور منظومة العقاب ببلادنا وتبرهن على عدم تحقيق الأهداف الكبرى للعقوبة وهي الإصلاح والتأهيل وإعادة الإدماج في المجتمع،علاوة على أن الواقع يبين أن المؤسسات السجنية أصبحت بالنسبة لبعض نزلائها مدرسة لتطوير الفكر الإجرامي وتشجيع النزوع إليه حيت إن حالة العود في بعض الأحيان تكون نتيجة لأسباب أخطر من التي عوقب عليها في المرة الأولى .
[25]– أضحى موضوع السياسة الجنائية يكتسي أهمية بالغة في السياسات العمومية بالمغرب بعد تنزيل الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية بالمغرب، وذلك لكونه من نقطة تماس بين اختصاصات السلطة التشريعية والقضائية سواء من حيث الوضع أو التنفيذ.ويعتبر المرصد الوطني للظاهرة الإجرامية المرجع العلمي والتقني الذي ستستند على تقاريره جميع سلطات الدولة، وبالتالي فإن خصوصية موضوع السياسة الجنائية وتعدد المتدخلين فيه وواجب التعاون والتوازن بين السلطات يفرض على الجميع الارتكاز في اشتغاله على المعطيات العلمية الدقيقة لرصد وتتبع تطور مؤشرات الجريمة على المستوى الوطني واقتراح السبل الكفيلة للوقاية منها والحد من مخاطرها، وذلك في إطار التنسيق التام مع جميع الجهات المتدخلة في المنظومة الجنائية بغية الارتقاء بالسياسة الجنائية وتطويرها وتحديد أولوياتها.
[26]– تنص الفقرة الأولى والثانية من الفصل 70 من دستور 2011الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91على التالي:”يمارس البرلمان السلطة التشريعية.يصوت البرلمان على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية”. يستشف من هذا النص أن تقييم السياسة العامة للدولة اختصاص حصري للسلطة التشريعية، وبما أن السياسة الجنائية هي جزء من السياسة العمومية للدولة، فإن وضعها اختصاص حصري للسلطة التشريعية. أنظر مقتضيات المرسوم رقم 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة.أنظر أيضا قرار المجلس الدستوري سابقا المحكمة الدستورية حاليا رقم 991.16 بمناسبة تناوله لدستورية المادة 110 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي أكد على أن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض يقوم بصفته رئيسا للنيابة العامة على تنفيذ السياسة الجنائية ورفع تقرير حولها وحول النيابة العامة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
[27]– يمكن تلخيص أبرز اهتمامات السياسة الجنائية الوطنية في الوقت الراهن في حماية الأشخاص والممتلكات، وحماية الأمن والنظام العام، وحماية الأخلاق العامة والحريات والحقوق الفردية، ومحاربة الفساد المالي وحماية المال العام، وحماية الاستثمار والمناخ الاقتصادي والاجتماعي، وحماية الصحة العامة ومحاربة المخدرات كما تركز السياسة الجنائية على بعض الظواهر الإجرامية بالنظر لأهميتها داخل المجتمع، كمحاربة الإرهاب والفساد المالي وحماية المرأة والطفل والأشخاص في وضعيات صعبة ويتطلب تفعيل السياسة الجنائية في المجالات المذكورة الاستخدام الصارم لعدة قوانين تنظم الحياة العامة في تلك الحالات وترتب على مخالفتها العقوبات الزجرية. للتوسع أكثر أنظر تقرير رئيس النيابة العامة، مرجع سابق، ص: 62 وما بعدها.
[28]-من المعلوم أن المنظومة الجنائية ببلادنا لا تتجسد فقط في القانون الجنائي بشقه الموضوعي والإجرائي، بل تشمل لنصوص أخرى، غير أن النقاش المجتمعي والحقوقي المفتوح يركز عليهما بشكل كبير لارتباطهما بمبادئ المحاكمة العادلة، ويمكن إجمال المنظومة القانونية الجنائية الحالية في النقاط الآتية:1- مجموعة القانون الجنائي؛ 2- قانون المسطرة الجنائية؛ 3- القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.وسيضاف إلى القانون الجنائي في أفق المصادقة ودخولها حيز التنفيذ، قانون البنك الوطني للبصمات الجينية وقانون تنظيم الطب الشرعي.