المسؤولية المدنية للمنعش العقاري

12 أبريل 2023 - 7:17 م المنبر القانوني , في الواجهة
  • حجم الخط A+A-

وليد كواس طالب باحث حاصل على شهادة  الماستر في قانون العقار والتعمير بجامعة محمد الخامس بالرباط السويسي

المقدمة:

لقد عرف قطاع الاستثمار بالمجال العقاري بالمغرب تطورات هامة، راجعة من جهة إلى ضرورة مواجهة أزمة السكن، و من جهة أخرى إلى تلك  الضمانات التي أرساها المشرع من خلال القوانين الحديثة للمستثمرين في المجال العقاري والتي تشجعهم على استثمار أموالهم في قطاع البناء.

وأمام تزايد النمو الديمغرافي والتوسع العمراني الذي أدى إلى تزايد الطلب على السكن في المغرب، اضحت الدولة غير قادرة على التكفل بهذا القطاع وتمويل وانجاز كل المشاريع التي يحتاج إليها الأفراد، أصبحت الدولة مضطرة إلى توسيع دائرة التدخل في الإنجاز والتمويل، ففتحت مجال التدخل للمنعشين العقاريين والعموميين والخواص من خلال اشراكهم في تنفيد المشاريع السكنية.

وأمام هذا الوضع لم تعد عملية البناء اليوم تقتصر على تدخل فرد واحد، بل أصبحت غاية في التعقيد نتيجة عدد المتدخلين في هذه العملية، حيث كانت في الماضي تنحصر في شخص واحد يتولى القيام بالإنجاز والاشراف معا، مما كان يسهل معه تحديد المسؤولية التي قد تنتج عن تقصير هذا الشخص في أداء واجبه المهني أو عيب في البناء، فاضحت اليوم عملية البناء الواحدة تنجز من قبل العديد من المتدخلين، الأمر الذي أدى إلى تعدد المسؤولين في هذا الميدان .

ونظرا للأهمية التي يحظى بها المنعش العقاري كأحد أهم المتدخلين في قطاع البناء باعتباره ذلك الجهاز الذي يقوم بإنجاز مشاريع البناء والاستثمار العقاري سواء الموجه للسكن أو للاستعمال الصناعي أو التجاري أو المهني أو السياحي، حيث ينكب اهتماهم على عملية البناء من حيث التنظيم والإشراف والمتابعة والقيام بما يلزم من إجراءات إدارية وقانونية ومالية وتقنية، الأمر الذي يجعل تحديد مسؤوليته الشخصية والموضوعية ضروريا بالموازاة مع حجم المخاطر التي تعرفها عمليات البناء.

والمسؤولية لكل شخص كما هو معلوم إما أن تكون مسؤولية مدنية أو جنائية، والمسؤولية المدنية هي المؤاخذة أو المحاسبة عن فعل أو سلوك معين يضر بالغير وذلك بالزام المخطئ في حدود القانون بأداء التعويض للغير المتضرر من الضرر الذي أصابه نتيجة ما لحقه من تلف مال أو ضياع منافع أوعن ضرر جزئي أو كلي أو مادي أو معنوي، حادث بالنفس أو نتيجة إخلال بالتزام عقدي، والمسؤولية بهذا المعنى تكون إما عقدية ناتجة عن الإرادة ويكون مصدرها العقد، أو تقصيرية مصدرها القانون تنشأ إذا كان الالتزام الذي وقع الاخلال به مصدره العمل غير المشروع.

والمنعش العقاري لا يخرج عن هذه القواعد العامة المؤطرة للمسؤولية والمنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود، بحيث يمكن اثارة المسؤولية اتجاهه سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا حين ارتكابه للفعل أو الخطأ الموجب لذلك.

ولعل تحديد الفعل الموجب لمسائلة المنعش العقاري يعد من الصعوبة بمكان نظرا لتعدد الانشطة التي يقوم بها، وتعدد المتدخلين في قطاع البناء، لكن تحديد هذه المسؤولية له أهمية بالغة لما توفره من حماية للمتعاقد مع المنعش العقاري، وذلك من خلال حصوله على التعويض، وحماية عامة نظرا لما قد تشكله أنشطة المنعش العقار في مجال البناء بشكل عام من المخاطر التي قد تصيب الغير بالضرر.

وبناء على ذلك فان الموضوع يطرح العديد من التساؤلات من قبيل:

ماهي انوع المسؤولية التي يتحملها المنعش العقاري؟ وما هو اساسها القانوني ؟

وما هو نطاق مسؤولية المنعش العقاري؟ وما هو دور القضاء والفقه في تحديد هذه المسؤولية؟.

وبنسج خيوط كل هذه التساؤلات التي يطرحها الموضوع يمكن صياغة اشكالية محورية كالتالي:

إلى أي مدى يمكن مسائلة المنعش العقاري في اطار القواعد العامة  المنظمة للمسؤولية المدنية؟

وللإجابة على هذه الاشكالية وكل التساؤلات المتفرعة عنها سنعتمد التصميم التالي :

  • المطلب الاول : المسؤولية العقدية للمنعش العقاري وأساسها القانوني
  • المطلب الثاني : المسؤولية التقصيرية للمنعش العقاري وأساسها القانوني

المطلب  الاول : المسؤولية العقدية  للمنعش العقاري واساسها القانوني

يُقصد بالمسؤولية العقدية أنّه الجزاء الذي يترتب على الإخلال بالالتزامات التعاقدية، لأن العقد يعد شريعة المتعاقدين، فإنه من الواجب احترام مضمونه وعدم الإخلال به،(1) ويجب تحميل المسؤولية للطرف الذي أقدم على الإخلال بشروط العقد، ويترتّب عليه التعويض بسبب عدم الوفاء أو التأخّر في الوفاء بالالتزام، فللعقد قوة ملزمة للأطراف، وعلى المدين تنفيذ جميع الالتزامات الناشئة عنه، وللدائن الحق في المطالبة بالتعويض أمام الجهات القضائية عن الضرر الذي لحق به بسبب إخلال المدين بالتزاماته الناشئة عن العقد، ولو لم تتوفر سوء النية في المدين، ويجب أن تتوفر جميع أركان المسؤولية العقدية حتى يستحق الدائن التعويض عن الضرر الذي لحق به.

مقال قد يهمك :   العلمي المشيشي: بدائل التدابير السالبة للحرية

وعليه فإن المنعش العقاري يتحمل مسؤولية عند اخلاله بالالتزامات التعاقدية طبقا للقواعد العامة المنظمة للمسؤولية التعاقدية، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن الأخطاء الموجبة للمسؤولية العقدية للمنعش العقاري وأساسها القانوني .

الفقرة الاولى: الاخلالات الموجبة للمسؤولية العقدية للمنعش العقاري

يعتبر العقد شريعة المتعاقدين، لذلك نجده ينشئ التزامات من جانب المنعش العقاري، وكذا من جانب المشتري، وعليه يكون المنعش العقاري ملزما باحترام بنود العقد، خصوصا فيما يتعلق باحترام الآجل المحدد للأشغال، و كذا السهر على حسن تنفيذها مع وجوب وضع دفتر التحملات بين يدي  المشتري .

ويحدد آجل الأشغال باتفاق بين أطراف العقد، وعند سكوتهم يتولى القاضي تقديره حسب كل حالة وتبعا لأهمية الأشغال وفي حالة إخلال المنعش العقاري بهذا الالتزام عن طريق التأخر في تنفيذ مشروع البناء، فإنه يترتب على ذلك إثارة مسؤوليته عن هذا التأخير الذي يتخذ في غالب الأحيان إحدى الصورتين:

تتمثل الاولى في التأخر الجزئي والذي يتعلق بالتأخر في تنفيذ أحد مراحل المشروع كما هي  محددة في الفصل 618.6 من ق ل ع ، وتتمثل  الثانية في التأخر الكلي الذي ينصب إما على مواعيد التنفيذ المادي لمشروع البناء مع كامل التجهيزات أو على مواعيد التنفيذ القانوني كالتماطل في استصدار رخصة السكنى أو شهادة المطابقة حسب الأحوال طبقا للفصل 618.15 من ق.ل.ع .

بالإضافة إلى الالتزام بتنفيذ العمل داخل الآجل المتفق عليه يقع على عاتق المنعش العقاري  التزام آخر وهو التنفيذ السليم للأشغال أي تنفيذ أعمال البناء طبقا للتصاميم التي وضعها المهندس من جهة، و لرخصة البناء التي تسلمها السلطات الادارية من جهة أخرى، كما نص على ذلك الفصل7-618 من ق ل ع، تحت طائلة قيام مسؤوليته عن كل إخلال بذلك.(2)

كما يعتبر التسليم من أهم الالتزامات الملقاة على عاتق المنعش العقاري باعتباره بائعا بعد إبرام العقد، وقد عرفه المشرع في الفصل 499 من ق .ل .ع الذي ينص على ما يلي ” يتم التسليم حين يتخلى البائع أو نائبه عن الشيء المبيع و يضعه تحت تصرف المشتري بحيث يستطيع هذا حيازته بدون عائق”.(3)

هذا والمشرع لم يشترط شكلا خاصا للتسليم إذ أن المهم هو أن يصبح العقار تحت تصرف و حيازة المشتري، ويترتب عن أي إخلال بهذا المقتضى قيام المسؤولية في حق المنعش العقاري، وهذا ما جاء في حيثيات أحد قرارات محكمة الاستئناف بمراكش”…إلا أن المدعى عليها تراخت في تسليمها الشقة المبيعة رغم توصلها بأنظار، مما تسبب في ضرر يتجلى في عدم انتفاعها بالشقة موضوع الشراء وأن البائعة استغلت المبالغ التي أوصلت بها بدون مقابل، طالبين الحكم لهما بأدائها لهما غرامة يومية قدرها 500 درهم عن كل يوم تأخير من تاريخ 27/5/2006 إلى تاريخ تسليم الشقة، وأن تؤدي لهم الفوائد التي جنتها على حسابهما ….

كما أن بيع العقار في طور الإنجاز يلزم البائع، أن يضع رهن إشارة المشتري دفتر التحملات الذي يحتوي مكونات المشروع و نوع الخدمات والتجهيزات طبقا للفصل 4-618 من ق ل ع وعدم احترام البائع لهذه الالتزامات القانونية ، موجب لإقرار المسؤولية المدنية.

يتبين من خلال ما سبق أن المنعش العقاري قد يتحمل المسؤولية العقدية نتيجة اخلاله بواحد من البنود والالتزامات الملقاة على عاتقه المتضمنة في العقد كما أشرنا إليها أعلاه، وبناء على ذلك نتساءل حول أساس هذه المسؤولية .

الفقرة الثانية : أساس المسؤولية العقدية للمنعش العقاري   

يتخذ الخطأ العقدي طبقا للفصل 263 (4) من قانون الالتزامات والعقود أكثر من مظهر قانوني يختلف باختلاف نوعية الإخلال الذي ارتكبه المدين، فهو قد يتمثل في امتناع أحد المتعاقدين عن الوفاء بالالتزامات التي تعهد بها، وقد يكون ذلك في شكل تأخر في التنقيد كما أشرنا سابقا، الأمر الذي قد يسبب الضرر للطرف الأخر، وهكذا قد تقوم مسؤولية المنعش العقاري كلما تماطل في تنفيد التزاماته الناشئة عن العقد، كما لو رفض اتمام البيع داخل الآجال القانوني، حيث يمكن فسخ العقد بقوة القانون طبقا لما ورد في الفصل 260 من ق ل ع مع الحق في التعويض المنصوص عليه في المادة 618.14 من قلع وهو ما اشارله الفصل 19-618 من ق ل ع في فقرته الثانية.

وفي هذا الصدد جاء في قرار لمحكمة النقض بتاريخ 06/05/2009″ حيث ان البائع ملزم بتسليم المبيع وفق مواصفات والمساحة الموجودتين في عقد الوعد بالبيع والتصميم المرفق به، ولما تبين للمحكمة اختلاف واضح بين القطعة الارضية موضوع عقد الوعد بالبيع يكون حكما معللا.(5)

  وهو ما أقرته محكمة الاستئناف التجارية بفاس في قرار لها عن مسؤولية شركة العمران و الذي جاء فيه ما يلي:

مقال قد يهمك :   أحمد الزيتي :ضمان العدالة التعاقدية و الأمن القضائي من خلال المقتضيات الجديدة لقانون الكراء التجاري 49.16

 “بيع شقة للمشتري بمواصفات معينة و محددة من أجزائها ومواصفاتها ومساحتها، تلزم البائع تسليم المبيع وضمانه طبقا للفصل 498 من ق.ل.ع تحت طائلة مسؤوليته عن كل ما من شأنه الإضرار بالمشتري … حكم القاضي بالتعويض عن تباث المسؤولية يعد في محله و يتعين  تأييده…(6).

لكن ومع ذلك إذا كان عدم التسليم راجع لقوة قاهرة و حادث فجائي لا دخل للمنعش العقاري فيه ففي هذه الحالة لا يتحمل أي مسؤولية، كما هو الشأن مثلا في حالة تهدم البناء قبل التسليم بسبب قوة قاهرة إذ هنا يجب الاحتكام إلى مقتضيات الفصل 493 من ق.ل.ع الذي يحمل المشتري تبعة هلاك المبيع ولو قبل حصول التسليم .

و لابد من الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية، هي أنه لا يمكن للمنعش العقاري أن يدفع ببذل عناية الشخص المعتاد لتملص من المسؤولية إذ أن التزام المنعش العقاري هو التزام بتحقيق نتيجة وتطبق عليه بذلك مقتضيات الفصل  254 من ق.ل.ع المتعلقة بمطل المدين.

ولكن هذا لا يحول دون إمكانية الدفع بالمسؤولية إذا كان إخلال المنعش العقاري بهذا الالتزام راجع لسبب أجنبي خارج عن إرادته حيث تطبق هنا مقتضيات الفصل 335 من ق.ل.ع  الذي ينص على أنه” ينقضي الالتزام إذا نشأ ثم أصبح محله مستحيلا، استحالة طبيعية أو قانونية بغير فعل المدين أو خطأه وقبل أن يصير في حالة مطل”.(7)

المطلب الثاني : المسؤولية التقصيرية للمنعش العقاري

المسؤولية التقصيرية بشكل عام هي الحالة التي تنشأ خارج دائرة العقد ويكون مصدر الالتزام بها هو القانون، فإذا سلك الشخص سلوكًا سبب ضررًا للغير يلتزم بالتعويض لذلك فهي تقوم على الإخلال بالتزام قانوني واحد لا يتغير هو الالتزام بعدم الاضرار. وهنالك ثلاث أركان للمسؤولية التقصيرية وهي: الخطأ التقصيري، والضرر، ثم العلاقة السببية .

وبالنظر إلى الصفة المهنية التي يكون عليها المنعش العقاري في الغالب، قد أثار العديد من التساؤلات حول الأساس القانوني للمسؤولية التقصيرية للمنعش العقار، هل تخضع للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود أم وفق قواعد خاصة كما هو الشأن بالنسبة لقانون 24.09 المسؤولية المدنية على المنتجات المبيعة ؟.

الفقرة الاولى : الخطأ التقصيري للمنعش العقاري

يمكن اثارة مسؤولية المنعش العقاري التقصيرية بناء على الخطأ التقصيري كلما ألحق ضررا بالغير، وبناء على ذلك يمكن مساءلة المنعش العقاري بصفته حارسا للشيء أو بناء على تهدم البناء .

يمكن مسائلة المنعش العقاري كحارس للشيء، سواء أكان عقار أو منقول  أي أخد مفهوم الشيء بمدلوله الواسع، وذلك تطبيقا للفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود، كلما تبين أن الشيء هو المتسبب في الضرر، ما لم يرجع الضرر إلى حدث فجائي أو قوة قاهرة أو لخطأ المضرور.

كما يمكن باعتبار المنعش العقاري مالكا للبناء إلى غاية انتهاء الأشغال فإنه أي ضرر يكون نتيجة تهدم البناء سواء أكان جزئي أو كلي فإنه يتحمل مسؤوليته وهو ما أكده الفصل 89 من قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه أنه “يسأل مالك البناء عن الضرر الذي يحدثه انهياره أو تهدمه الجزئي، إذا وقع هذا وذلك بسبب القدم أو عدم الصيانة أو عيب في البناء … “.(8)

بالإضافة إلى ذلك يمكن مساءلة المنعش العقاري في إطار القانون 24.09 عن الضرر الناتج عن عيب في المنتوج باعتباره منتجا يوفر منتوجا عقاريا مع العلم أن المشرع المغربي أخذ بالمفهوم الواسع للمنتوج على خلاف المشرع الفرنسي الذي اقتصر على المنقول دون العقار تطبيقا لما ورد في نص الفصل 2-106 من قانون 24.09  في فقرته الاولى الذي جاء فيها ” يراد بمصطلح “منتوج” كل شيء تم عرضه في السوق في اطار نشاط مهني أو تجاري أو حرفي، بعوض أو بدون عوض، سواء كان جديد أو مستعملا، وسواء كان قابلا للاستهلاك أو غير قابل له، أو تم تحويله أو توضيبه وإن كان مدمجا في منقول أو عقار”.

وهكذا قد نص الفصل 106-3 الذي يستوجب ترتيب المسؤولية المدنية على ” ينطوي منتوج على عيب عندما لا يتوفر على السلامة التي من المعقول توخيها منه وذلك أخذ بعين الاعتبار كل الظروف، ولاسيما  تقديم المنتوج الاستعمال المرتقب من المنتوج، وقت عرض المنتوج في السوق، ولا يمكن اعتبار منتوج ينطوي على عيب لكون منتوج آخر أكثر اتقانا عرض لاحقا في السوق “.، وذلك خلافا لتعريف الوارد في الفصل 549 من ٌق ل ع. (9)

الفقرة الثانية : الأساس القانوني للخطأ التقصيري  للمنعش العقاري            

مقال قد يهمك :   نص الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة بمراكش

تقوم مسؤولية المنعش العقاري كحارس للشيء على أساس قرينة الخطأ المنصوص عليها في الفصل 88 ق ل ع ‎.، وهو أن يكون الضرر قد الحق به دون أن يكون اشترك في استعمال الشيء، و تجدر الإشارة إلى أن مسؤولية حارس الشيء تنتقل من مسؤولية تقصيرية إلى مسؤولية عقدية إذا وجد عقد بين المضرور و الحارس و كان الضرر قد حصل بمناسبة تنفيذ هذا العقد، فالناقل يكون مسؤولا عن سلامة الركاب في حالة الضرر فتكون مسؤولية عقدية لا مسؤولية تقصيرية، وتتقادم دعوى المسؤولية ب 15 سنة حسب الفصل 387 من ق ل ع .(10)

من خلال قراءة نص الفصل 89 ق ل ع يتبين أن هذه المسؤولية مبنية على خطأ مفترض في جانب المالك أو من يتولى رعاية العقار، إلا أن افتراض هذا الخطأ في صف المالك لا يعني أن المضرور يعفى من كل إثبات، إذ يجب عليه أن يقيم الدليل على أن الضرر الذي أصابه كان نتيجة لتهدم البناء كليا أو جزئيا، و أن هذا التهدم كان بسبب القدم أو نقصان الصيانة أو عيب في البناء، و تحمل المضرور لهذا العبء في الإثبات هو الذي جعل جانب مهما من الفقه المعاصر يتردد في قبول فكرة الخطأ المفترض كأساس لهذه المسؤولية و يحق للمالك أن يدفع عنه هذه المسؤولية بإثبات أحد الأمرين:

الأمر الأول: أن يقدم الدليل على أن التهدم سواء كان كليا أو جزئيا لم يكن وليد العيب في البناء أو نقصان في الصيانة بل لأسباب أخرى غير تلك المذكورة في الفصل 89 ق ل ع، كأن يثبت أن التهدم كان نتيجة اندلاع حريق.

الأمر الثاني: يتعلق بالأحوال التي يقع فيها التهدم بسبب أجنبي كالزلزال أو انجراف التربة وكل ما يدخل في إطار القوة القاهرة و الحدث الفجائي.(11)

من خلال ما أسلفنا ذكره، يتبين انه يقع على عاتق المنعش العقاري مجموعة من الالتزامات الواجب عليه احترامها تحت طائلة قيام مسؤوليته سواء على اساس القواعد العامة (ق ل ع)، أو القواعد الخاصة (ق حماية المستهلك)، إلا انه ومع ذلك لا بد من التنبيه إلى ضرورة تدخل المشرع  بإصدار قانون ينظم هذه المهنة  الحيوية ويميز مسؤولية المنعش العقاري عن غيرها من المسؤوليات التي يمكن أن تطال بعض المهن المرتبطة بالبناء و التي يمكن ان تختلط بمهنة المنعش العقاري .


الهوامش:

(1) مسرور يوسف: “مسؤولية المنعش العقاري”، مقال منشور بالمجلة الالكترونية “مجلة القانون والاعمال الدولية”،2018.

(2) القانون رقم 107.12 بتغيير وتتميم القانون رقم 44.00 بشأن بيع العقارات في طور الانجاز، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.05 بتاريخ 23 من ربيع الأخر 1437(3 فبراير 2016)، الجريدة الرسمية عدد6440 بتاريخ 9 جمادى الأولى1437(18 فبراير2016) ص 932.

(3) ظهير شريف 9 رمضان 1331(12 اغسطس 1913)، بمثابة قانون الالتزامات والعقود، المعدل بالقانون 43.20 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.20.100 بتاريخ 16 من جمادى الأولى 1442(31 ديسمبر2020)، الجريدة الرسمية عدد 6951 بتاريخ 27 جمادى الأولى 1442(11يناير2021) ص 271.

(4) ينص الفصل 263 من قانون الالتزامات والعقود على انه” يستحق التعويض، اما بسبب عدم الوفاء بالالتزام، إما بسبب التأخر في الوفاء به وذلك ولو لم يكن هناك اي سوء نية من جانب المدين”.

(5) قرار محكمة النقض عدد 1632 بتاريخ 6/05/2009، ملف مدني عدد 2678/1/6/2007، منشور بمجلة المحاكم المغربية، العدد المزدوج:128-129 دجنبر 2010 ص 198.

(6) قرار رقم 1571، الصادر بتاريخ 2012/09/20، ملف عدد 1229/2012، منشور في مجلة القانون التجاري، العدد الأول، 2014 ص 270 .

(7) الفصلين 254 و 335 من قانون الالتزامات والعقود.

(8) المعزوز البكاي: ” محاضرات في المسؤولية المدنية”، مطبعة سيجلماسة، الزيتون مكناس، طبعة 2017/2018، ص84/85..

(9) ظهير شريف رقم 1.11.140 صادر في 16 من رمضان 1432( 17 اغسطس2011) بتنفيذ القانون رقم 24.09 المتعلق بسلامة المنتوجات والخدمات وتتميم الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331(12 اغطسطس1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود، الجريدة الرسمية عدد 5980 بتاريخ 23 شوال 1432(22 سبتمبر2011)، ص 4678.

(10) المعزوز البكاي: ” محاضرات في المسؤولية المدنية”، مطبعة سيجلماسة، الزيتون مكناس، طبعة 2017/2018، ص88 و 89.

(11) الفصل 89 من قانون الالتزامات والعقود.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)