المنازعات المتصلة بالعقود الإدارية : التوظيف بموجب عقود بالتعليم العمومي بالمغرب نموذجا

من إعداد : ذ. جمال أمقران باحث في القانون الإداري وتدبير التنمية،موظف إداري في وزارة التربية الوطنية.

مقدمة :

يكتسي موضوع العقود الإدارية أهمية بالغة تجعله جديرا بالإهتمام والدراسة نظرا لدورها في تدبير المرافق العمومية من أجل إشباع الحاجات المرفقية للمواطنين سواء تعلق الأمر بعقود أشغال أو توريدات أو خدمات . وبالرغم من الترسانة القانونية التي اعتمدها المغرب لتنظيم العلاقة التعاقدية بين الإدارة والطرف الآخر ، فإنها مازالت تطرح الكثير من المشاكل والقضايا بسبب تطور هذه العقود نتيجة تطور الأنماط الاقتصادية والاجتماعية وتطور طرق تدبيرها حيث شملت مختلف القطاعات الحيوية بما فيه قطاع التعليم العمومي الذي لجأت الدولة المغربية في السنوات الأخيرة إلى تدبيره اعتمادا على التوظيف بموجب عقود عبر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كطرف ، وبين الأستاذ متعاقد كطرف ثاني ، لأداء خدمة للمرفق العمومي من أجل تحقيق مصلحة عامة وفق عقد إداري يتضمن مجموعة من البنود تظهر فيه الإدارة ( الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين) كطرف قوي والأستاذ المتعاقد طرف ثاني خاضع لسلطات الإدارة وملتزم بتنفيذ العقد المبرم دون إخلال ببنود العقد المصادق عليه. والمنازعة الإدارية المتصلة بالعقود الإدارية هي في الأصل مخاصمة أمام القضاء الإداري ، وهي الوسيلة القانونية التي يكفلها المشرع للأشخاص سواء كانت طبيعية أو معنوية لحماية حقوقهم في مواجهة الإدارة عن طريق القضاء . وبما أن موضوع البحث يقتضي منا ترابط بين المنازعة الإدارية والتوظيف بالتعاقد فإنه يتعين الإجابة عن الإشكالية الرئيسية التي يطرحها الموضوع حول الطبيعة القانونية لعقود التوظيف في التعليم العمومي ، والجهة القضائية المختصة في حالة نشوب نزاع بين الطرفين بموجب هذ العقود .

للإحاطة بجوانب هذا الموضوع سنحاول التطرق إلى معالجته وفق المنهجية التالية :

  • المبحث الأول : الطبيعة القانونية للتوظيف بموجب عقود في التعليم العمومي
  • المطلب الأول : مفهوم العقد الإداري
  • المطلب الثاني : النظام القانوني للتوظيف بموجب عقود بالتعليم العمومي
  • المبحث الثاني : طبيعة الاختصاص القضائي في حل المنازعات الناشئة بموجب عقود التوظيف
  • المطلب الأول : اختصاص القضاء الإداري في المنازعات الناشئة عن التوظيف بموجب عقود
  • المطلب الثاني : دور القضاء الإداري في حماية حقوق المتعاقد مع الإدارة
  • خاتمة :

المبحث الأول : الطبيعة القانونية للتوظيف بموجب عقود في التعليم العمومي

لجأت الحكومة المغربية في السنوات الأخيرة الى أسلوب التوظيف بموجب عقود بالتعليم العمومي ، مما أثار هذا الأسلوب تساؤلات وردود فعل متباينة لدى فئات عريضة من المجتمع حول مفهوم هذه العقود وطبيعتها القانونية ، ومدى فاعلية مثل العقود في قطاع حيوي يحتاج إلى اصلاح حقيقي للنهوض بالتنمية . وعليه سنتطرق في المطلب الأول لمفهوم العقد الإداري وفي المطلب الثاني للطبيعة القانونية للعقود التوظيف

المطلب الأول : مفهوم العقد الإداري

تعتبر العقود الإدارية من قبيل الأعمال القانونية التي تصدر من جانبين ، هما الإدارة والمتعاقد معها ، حيث يتولد عن اتفاقهما عقود تحدد حقوقهما والتزاماتهما وتخضع لقواعد القانون العام ، وتظهر فيها الإدارة كطرف لها سلطة عامة تظفر بحقوق وتتحلى بامتيازات يحرم منها الطرف الآخر وتظهر هذه الامتيازات في تضمين العقد شروطا غير مألوفة في العقود المدنية ، فضلا أن العقد الإداري تتبع في إبرامه وسائل معينة لا مثيل لها في نطاق التعاقد الخاص [1]، غير أن العقود التي تبرمها الإدارة غير خاضعة لنظام قانوني موحد ، فهنا كعقود تسري عليها قواعد القانون الخاص وهي التي يطلق عليها عقود الإدارة ،وعقود أخرى خاضعة لقواعد القانون العام ويصطلح عليها بالعقود الإدارية، لذلك فالعقد الإداري هو الذي تقوم الإدارة بإبرامه أو أحد الأشخاص المعنوية مع شخص آخر من الأشخاص المعنوية العامة ، أو مع شخص من أشخاص القانون الخاص ، بهدف تسيير مرفق عام أو إنجاز أشغال عامة ، أو تدبير ملك عمومي ، أو استغلاله أو لتوفير أدوات ، أو إبرام خدمات لفائدة الدولة ، أو التعهد ا بالقيام بالدراسات الضرورية لتحقيق بعض المنجزات [2].

إن ما يميز العقد الإداري عن باقي العقود الأخرى أنه ينفرد بشروط استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص ، تظهر فيها نية الإدارة وعزمها على تطبيق أحكام وقواعد القانون العام وتتمثل هذه الشروط فيمايلي :

  • أن يكون شخص معنوي عام طرفا في العقد .
  • أن يتعلق إبرام العقد الإداري بتسيير مرفق عام .
  • أن تسلك الإدارة لتطبيق مقتضياته امتيازات السلطة العامة ، ووسائل القانون العام.

وقد دأب الاجتهاد الفقهي والقضائي بصفة عامة إلى تقسيم العقود الإدارية إلى قسمين : العقود الإدارية بطبيعتها والعقود الإدارية بنص القانون ، فالأولى هي التي لم يرد بشأنها نص قانوني صريح يقضي باعتبارها عقود إدارية وهو ما دفع بالقضاء إلى إيجاد مجموعة من المعايير لتمييزها .أما الثانية فهي ما يطلق عليها الفقهاء بالعقود الإدارية المسماة كعقود الامتياز والتوريد والأشغال العامة و الصفقات العمومية والنقل وايجار الخدمات لكن موضوعها يتعلق بمرفق عمومي والقانون هو الذي يحدد طابعها الإداري[3].

المطلب الثاني : النظام القانوني للتوظيف بموجب عقود بالتعليم العمومي

لم يحدد المشرع المغربي طبيعة العقد المبرم بين الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والأساتذة المتعاقدين ، كما أنه لم يحدد المرجعية القانونية التي اعتمدها لصياغة مثل هكذا العقود ، مما أعاد قرار بعض الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين فسخ العقدة مع عدد من الأساتذة المتعاقدين لأسباب مختلفة ، موضوع التوظيف بموجب عقود إلى طرح أسئلة حول طبيعة العقد المبرم بين الأكاديميات والأستاذة المتعاقدين وحول المرجعية القانونية المعتمدة ، فإذا رجعنا الى القواعد القانونيةالمنظمة للوظيفة العمومية خاصة النظام الأساسي للوظيفة العمومية الصادر سنة 1958نجد أن الفصل السادس مكرر ينص على أنه” يمكن للإدارات العمومية أن تشغل أعوانا بموجب عقود وفق الشروط والكيفيات المحددة بموجب مرسوم ، ولاينتج عن هذا التشغيل في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة [4] ، وبعد قراءتنا للمرسوم الحكومي الصادر في9غشت 2016 المحدد لشروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية ، حيث جاء في المادة الثانية : ” أنه يمكن للإدارات العمومية ، كلما اقتضت ضرورة مصلحة ذلك أن تشغل بموجب عقود ، خبراء لإنجاز مشاريع أو دراسات أو تقديم استشارات أو خبرات أو القيام بمهام محددة ، يتعذر القيام بها من قبل الإدارة بإمكانيتها الذاتية ، أو أعوانا للقيام بوظائف ذات طابع مؤقت وعرضي “.

مقال قد يهمك :   الطفل قبل الولادة بين مدونة الأسرة و القانون الجنائي

كما نصت المادة الثالثة من نفس المرسوم على أنه ” يتم التشغيل بموجب عقود وفق أحكام هذا المرسوم في حدود المناصب المالية الشاغرة ، المحدثة بموجب قانون المالية ، ولا يمكن في جميع الأحوال أن يؤدي هذا التشغيل إلى ترسيم المتعاقد مع الإدارة “[5]، يتضح أن نظام العقدة الذي أبرمته الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لا يندرج ضمن المنظومة القانونية السابقة مما يفتح المجال أمام إمكانية اعتماد بنود العقد المبرم بين الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كمرجعية قانونية لتحديد طبيعة العقد وتحديد الحقوق والواجبات [6].فلقيام عقد إداري يشترط فيه أن يكون أحد أطرافه شخص من أشخاص القانون العام ،وأن يتعلق بتنظيم واستغلال أو تسيير المرفق العام ، وأن يتضمن شروطا استثنائية غير مألوفة في التعاقد العادي ، وأن تكون هذه الشروط ا كلها مجتمعة في العقد لإضفاء الطابع الإداري عليه ، وقد استقر القضاء الإداري على أن العقد الإداري هو كل اتفاق يبرم بين طرفين أحدهما أو كلاهما من أشخاص القانون العام ، وأن يكون متصلا بنشاط مرفق عام من حيث سيره أو تنظيمه ، وتظهر فيه نية تطبيق أحكام القانون العام ، بما يحتوي عليه من شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص [7] ، وبالرجوع الى العقد الذي أبرمته الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين باعتبارها مؤسسة عمومية تتمع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي أسندت إليها مهمة تدبير مرفق عموميي ، ينسجم مع توجه القضاء الإداري الذي استقر في أحكامه إلى المعيار الثلاثي في تمييز العقد الإداري وهو ما أقرته الغرفة الإدارية وحيث : «إن العقد الإداري يعتبر إداريا إذا كان أحد طرفيه شخصا معنويا عاما ومتصلا بمرفق عام ومتضمنا شروطا غير مألوفة في نطاق القانون الخاص ، فإذا تضمن عقد هذه الشروط الثلاثة مجتمعة كان عقدا إداريا يختص به القضاء الإداري»  [8].

والتوظيف بالتعاقد هو توظيف تنطبق عليه مجموعة من الخصائص المرتبطة بالوظيفة العمومية ، وتنطبق عليه أيضا خصائص وشروط العقد الإداري ، فهو عقد إداري لأنه صادر عن مؤسسة عمومية تتمتع بامتيازات السلطة العامة ، وبطريقة أحادية وإلزامية وفورية لا يحتاج إلى مناقشة بنوده .

المبحث الثاني : طبيعة الاختصاص القضائي في حل المنازعات الناشئة بموجب العقود الإدارية

أصبح تدخل القاضي الإداري في المجال التشريعي ضرورة ولا بد من تفهمها ، ليس لسد الفراغ القانوني فقط فيما يتعلق بالمنازعات الإدارية المتصلة العقود الإدارية التي يفصح المشرع عن طبيعتها القانونية كالتوظيف بموجب عقود ( المطلب الأول ) وإنما لدوره في حماية حقوق المتعاقدين مع الإدارة ( المطلب الثاني)

المطلب الأول : اختصاص القضاء الإداري في المنازعات الناشئة عن التوظيف بموجب عقود

جاء في الفصل الثاني من القانون الأساسي للوظيفة العمومية أنه » يعد موظفا كل شخصا يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص باسلاك الإدارة التابعة للدولة «  مما يدل على أن المنازعة الإدارية في مجال الوظيفة العمومية تخضع لاختصاص القضاء الإداري ، إذا كان الأمر كذلك فما موقع الموظف المتعاقد مع الدولة أو المؤسسات العمومية من المنازعات التي تنشأ بينهما في اطار العقد الإداري ؟ ففي غياب نص قانوني خاص بعقود التوظيف يبقى القانون المحدث للمحاكم الإدارية رقم41/90كمحدد رئيسي للجهة المختصة بالمنازعات المتصلة بعقود التوظيف ، وذلك استنادا الى مقتضيات المادة الثامنة من نفس القانون التي تنص على اختصاص المحاكم الإدارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة[9] ، وهو ما سار عليه القضاء الإداري في كثير من أحكامه نذكر منها القرار الصادر عن المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا) في قضية السيد صالح الدين المختار حيث تقدم بتاريخ 29/06/2007 بمقال أمام المحكمة الإدارية بالرباط مطالبا بتسوية وضعيته الإدارية والمادية باعتباره معلما متعاقدا مع الدولة لتدريس اللغة العربية والثقافة المغربية لأبناء الجالية المغربية بالخارج ، حيث دفعت مؤسسة الحسن الثاني للمغربة المقيمين بالخارج باستئناف الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط والقاضي باختصاص هذه الأخيرة ،وهو ما قضى به المجلس الأعلى بتأييد الحكم المستأنف، واعتبر أن النزاعات المرتبطة بالوضعية الفردية للمتعاقدين مع أحد مرافق الدولة هي من صميم اختصاص القضاء الإداري بصريح المادة الثامنة من القانون المحدث للمحكم الإدارية ، مادام عقد العمل المبرم معهم تحكمه مقتضيات القانون العام[10].فإذا كان المجلس الأعلى في الحكم السالف الذكر قد استند إلى المادة الثامنة من قانون المحاكم الإدارية لإسناد الاختصاص للقضاء الإداري في منازعات العقود الإدارية فإن المحكمة الإدارية بالرباط فقد قضت بضرورة توفر شروط العقد الإداري الثلاثة وهي وجود شخص معنوي عام كطرف أساسي في المنازعات الإدارية ، ثم أن يكون هدفها خدمة مرفق عمومي أو تتضمن شروطا غير مألوفة في القانون الخاص ، وهي الشروط التي أكدها المجلس الأعلى في القرار رقم 1127 بتاريخ 11/10/2001 في الملف الإداري عدد 2001/4/1/1366[11].  

وفي موضوع ذي صلة اعتبر ت المحكمة الإدارية بأكادير في حكمها الأولي العقد الذي أبرمته كتابة الدولة المكلفة بمحاربة الأمية والتربية غبر النظامية مع المدعي تحكمه مقتضيات المادة الثامنة من القانون 41/90 المحدث للمحاكم الإدارية وتكون معه بالتالي المحكمة الإدارية هي المختصة [12].

مقال قد يهمك :   قوانين المالية والعقلنة البرلمانية 

وبالرجوع إلى المادة الثامنة من قانون المحاكم الإدارية التي حددت الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية ، يستفاد منها أن اختصاص هذه الأخيرة في مجال النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية منوط بأن تكون تلك الوضعية تهم الموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية ، و التعليم العمومي باعتباره مرفقا عاما يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة ، يدار من الأشخاص المعنوية العامة ، والأكاديمية الجهوية للتربية للتكوين باعتبارها شخص معنوي عام ، فإن العقود التي تبرمها مع المتعاقدين قياسا على الأحكام التي أوردناها سابقا، تندرج ضمن العقود الإدارية وبذلك فإن المنازعات التي تنشأ عنها يختص بها القضاء الإداري .

المطلب الثاني : دور القضاء الإداري في حماية حقوق المتعاقد مع الإدارة

يرتب العقد الإداري مجموعة من الحقوق والإلتزامات المتبادلة بين أفراد العقد ، فالإدارة في ظله باعتبارها سلطة عامة تملك سلطة الرقابة والتوجيه والإشراف وسلطة توقيع الجزاءات وسلطة تعديل العقد بما يكفي من خدمة المرفق العام وسلطة إنهاء العقد ، والمتعاقد بدوره يستفيد بمجموعة من الحقوق والامتيازات مقابل تنفيذه للإلتزامات المترتبة عن بنود العقد ، فالموظف المتعاقد ، حسب نص العقدة بينه وبين الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين ، يستفيد بمجموعة من الحقوق المادية والمعنوية ، ونذكر منها بالأساس الأجرة والعطل والتغطية الصحية والترقية ..الخ إلا أن الإدارة المتعاقدة لم تفصح عن الحقوق الأخرى ، في حالة نشوب نزاع بينها وبين المتعاقدين واكتفت بالإشارة فقط في البند 14 ” الى أن النزاعات الناتجة عن تنفيذ العقد تعرض على المحاكم المختصة “،كحقه في الطعن في القرارات الإدارية التي تمس وضعيته الفردية تماشيا مع الفصل 18 من الدستور المغربي الذي ينص على أن ” كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا يمكن الطعن فيه أمام الجهة الإدارية المختصة ” [13]، وحقه في الدفاع كضمانة لحماية حقوقه من تجاوز السلطة .

وتثار المنازعات الإدارية بين المتعاقد والإدارة أثناء قيام هذه الأخيرة بفسخ العقد الإداري المبرم بينهما كجزاء على إخلال المتعاقد بالتزاماته القانونية أو ارتكاب مخالفات واضحة من شأنها أن تؤثر سلبا على سير المرفق العام ، وتستمد الإدارة سلطتها هاته والمصلحة العامة من المبادئ العامة لسير المرفق العام بانتظام واضطراد بغاية تحقيق المصلحة العامة وتتمتع في هذا الشأن بسلطة تقديرية في انهاء العقد متى قررت أن الصالح العام يقتضي ذلك وحتى ولم يقع أي خطأ من جانب المتعاقد ، غير أن سلطتها في ذلك ليست مطلقة بل مقيدة بعامل المصلحة العامة وتخضع في ذلك لرقابة القضاء الإداري[14] ، و تعتبر عقود التوظيف في التعليم العمومي من بين العقود الحديثة العهد لم تعرض قضياها ولا المنازعات المرتبطة بها على الإجتهاد القضائي لمعرفة التوجه الذي سيسلكه هذا الأخير في أحكامه وقراراته، لذلك سنور د بعض القضايا التي فصل فيها القضاء الإداري لها ارتباط وثيق بعقود التوظيف تطبيقا لمقتضيات المادة الثامنة من القانون 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية و ترسيخاللمبادئ العامة للقانون لحمايةحقوقالموظفين عموميين كانوا أو متعاقدين أو مؤقتين . وعلا قة بالموضوع فقد اعتبرت المحكمة الإدارية بمراكش في حكم عدد 670صدر بتاريخ 24 دجنبر 1997 العون المؤقت الذي لا يخضع للوظيفة العمومية ، لا بد من تطبيق حقوق الدفاع في حقه والذي يعتبر من المبادئ العامة التي يجب احترامها ولو في حالة عدم وجود نص تشريعي أو تنظيمي بشأنها ، وحيث إنه من واجب الإدارة ، أن تحترم هذا المقتضى لتمكن المعني بالأمر من إدلاء بملاحظاته قبل اتخاذ المقرر المطعون فيه بإعفائه من منصبه مما يجعل المقرر مشوبا بالشطط في استعمال السلطة ، وهو نفس التوجه الذي أرسته الغرفة الإدارية في كثير من أحكامها فقد اعتبرت أنه:” وإن كان العون المؤقت لا يعتبر موظفا عموميا ومن ثم لا يستفيد من الضمانات المنصوص عليها في قانون الوظيفة العمومية ومن جملتها الإحالة على المجلس التأديبي ، فإنه ليس معنى ذلك حرمانه من حق الدفاع بالمرة ، إذ من المعلوم فقها وقضاء أن مبدأ حق الدفاع يعتبر من المبادئ القانونية ويتعين احترامها والتقيد بها عند إرادة توقيع أي جزاء تأديبي على إثر ارتكاب مخالفة معينة ولو لم يرد هذا الإلزام في نص قانوني صريح [15].

ويقصد بحق الدفاع ، تمكين المواطن ، عون عمومي كان أم متعاقد مع الإدارة الدفاع عن نفسه قبل الإقدام على اتخاذ القرار من قبل السلطة الإدارية المختصة ، وتهدف هذه القاعدة للسماح للشخص المرتكب الذنب من الاطلاع على مختلف الأضرار المنسوبة إليه كما تهدف أيضا الى فتح باب المناقشة بين الشخص المزمع اتخاذ القرار ضده والسلطة الإدارية لتمكينه من وسائل الدفاع عن نفسه [16] ، وحق الدفاع من الحقوق التي كرسها الفصل 67 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية حيث نص على أن ” للموظف المتابع الحق في أن يطلع على ملفه الشخصي بتمامه وعلى جميع الوثائق الملحقة به كل ذلك يجعل صدور قرار العزل بشكل سابق عن أية متابعة زجرية ودون احترام حقوق الدفاع المكرسة دستوريا مخالفا لقانون وموجبا للإلغاء ” [17]وإذا كان هذا الفصل لا يشمل المتعاقدين مع المؤسسات العمومية إلا أن اجتهاد القضاء الإداري اعتبره من المبادئ الأساسية التي يجب احترامها و على السلطات الإدارية التقيد بها .

وعليه فإذا كان حق الإدارة في فسخ العقود الإدارية بقرارات تصدر عنها بناء على نص العقد كما هو الشأن للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة درعة –تافيلالت ، عندما أقدمت على فسخ العقدة المبرمة مع الأستاذ المتعاقد استنادا إلى البند 13 من نص العقدة وبناء على تقارير مدير المؤسسة التعليمية والمدير الإقليمي ،دون إخطار أو تعويض فإنه كان عليها أن تراعي في ذلك مجموعة من الضوابط والأحكام ا لتي دأب اجتهاد القضاء الإداري على ترسيخها وتكريسها منها حق الدفاع ، ،وحق الموظف المتعاقد الإطلاع على ملفه الشخصي وعلى جميع الوثائق الملحقة به ، مما يطرح أسئلة حول صدقية التقارير المحررة من قبل مدراء المؤسسات التعليمية أو المديريات الإقليمية ومدى مشروعيتها ، ومدى تناسبها مع عقوبة فسخ العقد .

مقال قد يهمك :   عبد الرزاق عريش : قراءة في قرار المحكمة الدستورية رقم 70/18 م.د

وفي موضوع آخر مرتبط بحماية القضاء الإداري لحقوق المتعاقد ين مع الإدارة أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط حكما بتاريخ 28/02/2008 اعتبرت فيه أن العقوبات التأديبية التي يتخذها والي بنك المغرب في حق مستخدمي البنك ، تعتبر قابلة للطعن فيها عن طريق دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة إعمالا للمعيار العضوي وبقطع النظر عن العلاقة التي تربط المستخدم بمشغله ، هل هي خاضعة للقانون العام أم للقانون الخاص ، إن إعمال هذا المعيار يتماشى ومقتضيات المادة الثامنة من القانون 90-41 التي أخذت به عندما نصت على اختصاص هذه المحاكم بإلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة ، وبتها في الوضعية الفردية لجميع الموظفين العموميين والعاملين دون تمييز بين ما إذا كانوا موظفين عموميين أو مؤقتين أو متعاقدين غر رسميين تربطهم بالإدارة علاقة عمل أخرى ، هذا فضلا عن أن وضعية الطاعن ببنك المغرب كعون تنفيذ وإن كانت لا تجعله خاضعا لقانون الوظيفة العمومية فإنها بالمقابل لا تعني أن رابطة العمل التي تجمعه بالإدارة تخضع للقانون الخاص [18]. فالقضاء الإداري له سلطة الغاء القرارات الصادرة لفسخ العقد إذا ثبت له أنها قامت على سبب غير مشروع ، ويوازي سلطة الإدارة الخطيرة في انهاء العقد حق المتعاقد في الحصول على تعويض ، هذا ما ذهبت اليه المحكمة الإدارية بالرباط في حكم صادر عنها أن ثبوت فسخ عقد التوظيف المؤقت من جانب واحد وبصفة غير مشروعة ودون احترام للإجراءات المقررة قانونا ولا سيما تلك المتعلقة بالإخطار بالفسخ قبل مضي أجل شهرين طبقا للبند الثاني من عقد الالتزام يحتم الحكم بتعويض عن الضرر يوازي مدة شهرين من العمل [19].

خاتمة :

أصبحت العقود الإدارية من أهم الأساليب التي تلجأ إليها الدولة لتدبير أنشطة المرافق العمومية وأصبح مجال تطبيقها يتوسع ليشمل مرافق حيوية كمرفق التعليم العمومي ، حيث خضع مؤخرا للتدبير عن طريق التوظيف بالتعاقد الذي طرح إشكالات حول طبيعة النظام القانوني الذي يخضع له والاختصاص القضائي التي تحكم المنازعات الناشئة عنه ، يتم هذا في غياب مرجعية قانونية مؤطرة لمثل هذه العقود باستثناء نص العقدة .

ويبقى الإجتهاد الفقهي والقضائي الذي لعب دورا كبيرا في إنشاء القواعد القانونية والمعايير القضائية لحل مختلف المشاكل الناشئة بين الأطراف المتعاقدة سواء تعلق الأمر بمشاكل التنفيذ أو الفسخ أو التعويض ..الخ

وقد ساهم القضاء الإداري بشكل كبير في إبراز مجموعة من المبادئ القانونية والنظريات للحفاظ على التوازنات بين الأطراف المتعاقدة وحماية حقوقهم .


الهوامش :

  1. – محمد الأعرج : النشاط الاداري منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 104 /2014 ص : 80-81
  2. – محمد يحيا : المغرب الاداري الطبعة الخامسة 2016 ص 334
  3. – يوسف طائف : دور القضاء الإداري في تسوية العقد الإداري http://adala.justice.gov.ma
  4. – الفصل السادس مكرر الذيأضيفإلى النظام الاساسي للوظيفة العمومية بموجب اصدار قانون رقم 50.05 سنة 2011
  5. – المرسوم التطبيقي رقم 2.15.770 بتاريخ 9غشت 2016 الذي يحدد شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية.
  6. – محمد الجناتي -أستاذ القانون الإداري والتشريع المدرسي -الموقع الالكتروني “تربويات ” يوم 16يناير 2018
  7. – محمد الاعرج : مرجع سابق ص 84
  8. – محمد الاعرج مرجع سابق ص : 91
  9. – تنص المادة الثامنة من قانون المحاكم الادارية رقم 41- 90 الصادر سمة 1993على مايلي : ” ….و تختص المحاكم الادارية ، كذلك بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة ، وذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في القانون ”
  10. قرار عدد 6مؤرخ في 07/01/2009 / ملف اداري عدد 970/4/1/2008 ال منشور بمجلة القضاء الاداري العدد الخامس 2014
  11. – محمد الأعرج مرجع سابق ص : 86
  12. الحكم الاولي الصادر عن المحكمة الادارية بأكادير عدد 363 بتاريخ 109/10/2006 بين المدعي والمدعى عليه كتابة الدولة المكلفة بمحاربة الامية والتربية غير النظامية
  13. – الفصل 18 من الدستور المغربي لسنة 2011
  14. – محمد القصري : القاض الاداري ومنازعات الصفقات العمومية – المجلة العربية للفقه والقضاء العدد 46 عن موقع www.bibliotdroit.com
  15. – محمد بوكطيب : مرجع سابق ص : 175
  16. – محمد بوكطب المبادئ العامة للقانون على ضوء الاجتهاد القضائي المغربي الوظيفة العمومية نموذجا – المجلة المغربية للدارة المحلية والتنمية العدد 132 فبراير – يناير 2017 ص 169
  17. – الفصل 67 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية الصادر في24 فبراير 1958
  18. – حكم رقم 426 صادر بتاريخ 28/02/2008 ملف رقم 453/07غ عن المحكمة الإدارية بالرباط / عدالة- البوابة القانونية والقضائية لوزارة العدل بالمملكة المغربية
  19. – حكم رقم 200- 7114/2013 صدر عن المحكمة الادارية بالرباط بتاريخ 3-6-2014 عن موقع العلوم القانونية
error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)