انتصار محجر: حماية الدائنين في مرحلة تأسيس شركة المساهمة
انتصار محجر باحثة بصف الدكتوراه بجامعة محمد الخامس، كلية الحقوق السويسي بالرباط.
حماية الدائنين في مرحلة تأسيس شركة المساهمة([1]).
عمل المغرب خاصة مع بداية تطبيق برنامج التقويم الهيكلي في الثمانينيات من القرن الماضي على تحديث ترسانته التشريعية، والتي همت بالخصوص قوانين التجارة والأعمال، ابتداء بإصدار مدونة التجارة وتباعا بصدور القانون المتعلق بالمجموعات ذات النفع الاقتصادي، وقانون المنافسة، وقانون الملكية الصناعية ومدونة تحصيل الديون العمومية ومدونة الاستثمارات ومدونة الشغل و القانون المتعلق بالشركات التجارية على دفعتين والتي وازاها على المستوى العملي إحداث قضاء تجاري متخصص يتسم بالفعالية والسرعة.
وتحظى الشركات بنشاط اقتصادي مرموق في الحياة والأعمال التجارية الهامة، وعليها تقوم أهم الأعمال الصناعية وأهم المشاريع التجارية حتى كان لها سلطان ونفوذ لا يفوقه إلا سلطان الحكومات ونفوذها، وذلك لما تقوم عليه الشركات من التضامن والتعاون بين أعضائها بما لهم من أموال وقوة نظر وتدبير لا يصل مستواه ما للفرد من ذلك([2]).
ومع أن جميع الشركات التجارية على اختلافها، لا غنى عنها لتحقيق التطور الاقتصادي والاجتماعي، فإن شركة المساهمة تعتبر النوع الأول من حيث نشاطها الاقتصادي على اعتبار أنها أداة فائقة الأهمية وضرورية لتعبئة الأموال والمدخرات في ظل اقتصاد السوق الرأسمالي ([3]).
وقد تكاثف هذا النوع من الشركات على الساحة الاقتصادية المغربية رغم بدايته المحتشمة منذ الاستقلال، إذ أخذ يشد إليه أنظار المستثمرين الاقتصاديين، الوطنيين والأجانب([4]).
غير أن تكاثف هذه الشركات وتنامي قوتها الاقتصادية وتعاظم دورها المالي سواء كان ذلك على المستوى المحلي أو العالمي لا يجب أن يخفي الخطر الذي يمكن أن تشكله هذه الشركات، رغم اعتبارها منذ تطورها أدوات ناجعة تمكن من إعطاء الأعمال التجارية كامل امتدادها وعمقها، ولا يتحقق ذلك إلا إذا كانت بين أيادي أمينة، أما إذا كانت بين أيادي غير أمينة فستصبح أداة للإضرار بالدائنين.
إذن، ولما كانت هذه القوة الاقتصادية ـ شركة المساهمة ـ تشكل تهديدا للدائنين، بدت الضرورة ملحة لتدخل المشرع ليكفل لهذه الفئة الوسيلة أو الوسائل الناجعة لحمايتها وإعطائها الثقة بأن هذه المؤسسة تؤسس وتسير بل وتنقضي طبقا للمصلحة العامة، وبالتالي تحقق نوعا من التوازن بينها و بين الشركة، وهو ما تحقق فعلا من خلال سن المشرع المغربي للقانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، الذي يضم بين دفتيه 457 مادة تغطي سائر مراحل حياة الشركة ابتداء بتأسيسها إلى حين تصفيتها والتشطيب عليها من السجل التجاري، مرورا بأشكال إدارتها وتسييرها وأيضا مختلف أوجه الشراكات الممكن حدوثها([5]).
و لضبط العلاقات خاصة في مرحلة تأسيس شركة المساهمة على اعتبار أن هذه الأخيرة ما تزال لم تتمتع بعد بالشخصية المعنوية و حماية للدائنين نجد المشرع نظم العلاقات الداخلية بين المؤسسين تنظيما كافيا بأن جعلها تخضع في النزاعات السابقة على التأسيس، لعقد الشركة، إضافة إلى القواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات و العقود في حالة عدم كفاية عقد الشركة. ويتبين من خلال هذا المقتضى التشريعي تكريس النظرية العقدية في قانون الشركات التجارية بما فيها شركة المساهمة.
وبالموازاة مع ذلك، وحماية لعموم الدائنين، نجده في العلاقات الخارجية التي تجمع بين الشركة في طور التأسيس ممثلة بمؤسسيها و الدائنين المتعاملين معها ، عمل المشرع بالإضافة إلى إقرار المسؤولية الجنائية، مسؤولية اخرى تضامنية ومطلقة تجاه المؤسسين عن تصرفات فترة التأسيس ( المبحث الأول ).
ولما كانت المسؤولية التضامنية و المطلقة لا يتم إعمالها في الغالب، إلا في حالة عدم تأسيس الشركة، أو في حالة تأسيسها مع رفض الشركة التحمل بالإلتزامات في جزء منها أو في كلها، فإن الشركة وغداة تأسيسها هي من يتحمل بالإلتزامات المبرمة بأسماء المؤسسين و لحسابها، وفق ضوابط خاصة بعظها شكلي و بعظها الأخر موضوعي (المبحث الثاني ).
المبحث الأول: حماية الدائنين من خلال إزدواجية مسؤولية المؤسسين عن تصرفات فترة التأسيس
تتراوح مسؤولية المؤسسين تجاه الدائنين بين المسؤولية الجنائية عن خروقات فترة التاسيس، هذه المسؤولية وعملا بمبدا الشرعية، يكون مردها ارتكاب احد الأفعال التي يجرمها المشرع عند تأسيس الشركة و الموزعة بين نصوص القانون الجنائي (ظهير الإجراءات الانتقالية لسنة 1962)، وبين بعض النصوص الأخرى المكملة له و المعروفة في اوساط القانونيين بالقانون الجنائي للأعمال ( المقتضيات الزجرية المضمنة في القانون رقم 17.95 المتعلق بشركة المساهمة و القانون رقم 5.96 المتعلق بباقي الشركات التجارية ومدونة التجارة….)،( المطلب الثاني). وبين المسؤولية التضامنية والمطلقة للمؤسسين – التي تدخل في زمرة المسؤولية المدنية – اتجاه الدائنين متى ظهر هؤلاء بمظهر المؤسس عملا بنظرية الظاهر كما هي مفصلة في القانون التجاري ( المطلب الأول).
المطلب الأول : المسؤولية التضامنية و المطلقة للمؤسسين اتجاه الدائنين.
تتطلب مرحلة تأسيس شركة المساهمة؛ خاصة تلك التي تلجأ إلى الاكتتاب العام، القيام بكثير من الأعمال لحساب الشركة مثل كراء مكاتب لتكون مقرا اجتماعيا، وإبرام عقود الشغل لتشغيل العمال وشراء الآليات والمعدات؛ إقامة خطوط الهاتف وشبكة الانترنيت، فتح حسابات بنكية([6])، فكل هذه الأعمال وما ينتج عنها من علاقات والتزامات لا يمكن ردها إلى الشركة ، لأن هذه الأخيرة لا وجود قانوني لها ولا يمكنها التعاقد مادامت لا تتمتع بعد بالشخصية المعنوية([7]).
من هنا، جاءت المادة 27 من القانون المنظم لشركات المساهمة، لتحدد لنا المبدأ بالنسبة لهذه الأعمال، حيث نصت على أنه :”يسأل الأشخاص الذين قاموا بعمل باسم شركة في طور التأسيس، وقبل اكتسابها الشخصية المعنوية على وجه التضامن، وبصفة مطلقة عن الأعمال التي تمت باسمها، إلا إذا تحملت الجمعية العامة الأولى العادية أو غير العادية للشركة الالتزامات الناشئة عن هذه الأعمال بعد تأسيسها وتقييدها بشكل قانوني.
تعتبر حينئذ هذه الالتزامات كما لو قامت بها الشركة منذ البداية”.
وما يبرر هذه المسؤولية التضامنية والمطلقة، هو حماية الدائنين الذين تعاقدوا مع المؤسسين، معولين على السعة المالية للشركة، لأنه قد يحدث ألا تتأسس الشركة لأي سبب من الأسباب، أو تتأسس فترفض التحمل بالعقود والالتزامات في جزء منها أو في كلها، لذلك تنبه المشرع لهذه الوضعية، وأوجب مساءلة الأشخاص الذين قاموا بعمل باسم الشركة في طور التأسيس أو أنابوا عنهم غيرهم للقيام بذلك في إطار وكالة خاصة، مساءلة تضامنية ومطلقة اتجاه الدائن المتعاقد([8]).
وتبقى التصرفات القانونية المبرمة مع الدائنين لحساب شركة المساهمة في طور التأسيس، وفي غياب شخصية معنوية لهذه الأخيرة، متوقفة على إعارة المؤسسين شخصيتهم لهذه الشركة، بصفة مؤقتة([9])، وعلى سبيل الوساطة([10])، إذ في نيتهم كما في نية الدائن المتعامل معهم، أن آثار التصرفات المبرمة بينهما ستقع على عاتق الشركة عند الانتهاء من تأسيسها([11]).
وبالرجوع إلى المادة 27 من القانون رقم 17.95 السالفة الذكر، نجدها تقوم على مبدأي التراضي والتوفيق بين المصالح، فمن جهة لا يجب إجبار المساهمين المستقبليين عند تأسيس الشركة على تحويل التزامات لا يرغبون فيها إلى الشركة، والتي يمكن أن تؤثر سلبا على وضعيتها المالية. ومن جهة أخرى، لا يمكن حرمان الدائن المتعاقد عن حسن نية من أي حق في الرجوع على طرف معين عند عدم إتمام إجراءات تأسيس الشركة، أو رفضها تحمل مسؤولية الالتزامات المبرمة لحسابها، إذ يكفيه الخطر الذي يحدق به نتيجة قبوله إبرام تصرفات في هذه الوضعية، حيث الذمة المالية للمؤسسين أقل أهمية من تلك التي للشركة. ولعل هذا ما حدا بالمشرع الفرنسي في وقت سابق إلى ترتيب ضمان حقيقي يتمثل في مساءلة الأشخاص الذين تصرفوا باسم الشركة في هذه المرحلة مساءلة تضامنية ومطلقة اتجاه الدائنين ([12]).
وهكذا، وتماشيا مع التوجيهة الأوربية ل 09 مارس 1968، أقر المشرع الفرنسي في قانون 24 يوليوز 1966، المبدأ التالي: “إن الأشخاص الذين قاموا بعمل باسم شركة في طور التأسيس، وقبل تمتعها بالشخصية المعنوية، يتحملون بصفة تضامنية ومطلقة جميع الالتزامات المترتبة على العقود التي يبرمونها، إلا إذا تحملتها الشركة بعد تقييدها وتسجيلها.
تعد هذه الالتزامات في حالة تحملها من لدن الشركة، كما لو قامت بها هذه الأخيرة منذ البداية”([13]).
وإذا كانت العلاقات بين المساهمين في مرحلة تأسيس شركة المساهمة، تبقى خاضعة في تنظيمها لما اتفق عليه هؤلاء المساهمون في عقد الشركة، وكذا إلى المبادئ العامة للقانون المطبقة على الالتزامات والعقود، وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 08 من القانون رقم 17.95 المنظم لشركات المساهمة، فإن المشرع قد لزم الصمت فيما يخص علاقات هؤلاء المؤسسين بالدائن.
وأمام لزوم المشرع الصمت في علاقات المؤسسين بالدائن، يرى بعض الفقه([14]) أنه لا مناص من مراوحة القانون الواجب التطبيق ما بين مدني وتجاري بحسب الطابع الموضوعي للتصرف، بحيث تحل المسؤولية المطلقة، الشخصية والتضامنية تبعا للطبيعة التجارية أو المدنية للمعاملة، رغم الصفة المدنية لعلاقات المساهمين فيما بينهم في هذه المرحلة.
ورغم منطقية هذا الرأي ووجاهته، وأمام لزوم المشرع المغربي الصمت، وكذا غياب مقتضى تشريعي في القانون الفرنسي، و باستحضار ما إذا كان يمكن اعتبار أشخاص المؤسسين تجارا نظرا لمسؤوليتهم الشخصية والتضامنية، ولإبرامهم بصفة اعتيادية ومستمرة لبعض الأنشطة والعقود التي تتطلبها هذه المرحلة، ونظرا لتضارب الاجتهاد القضائي، في بحث هذه الصفة، خاصة الاتجاه الذي يرى بأن المؤسسين وإن كانوا يخضعون في علاقاتهم بالدائن في مرحلة التأسيس للمسؤولية التضامنية والمطلقة، فإنهم لا يكتسبون صفة التاجر، وبالتالي لا يمكن إخضاعهم لمساطر التسوية والتصفية القضائية في إطار المساطر الجماعية([15])، وأخذا بالمعنى القريب، ومسايرة لبعض قرارات محكمة النقض الفرنسية بهذا الخصوص، يبدوا أن الالتزامات المبرمة بين المؤسسين والدائن، تخضع لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين المنصوص عليه في الفصل 230 من ق.ل.ع المغربي.
ويترتب عن ذلك أن لهذه المسؤولية العقدية طابعا شخصيا، بحيث لا مجال فيها للمراهنة على إدخال الشركة لتنفيذ الالتزامات التعاقدية المترتبة خلال فترة التأسيس، وبذلك قضت محكمة روان Rouen الفرنسية([16])، فعدم التحمل يبقي الشركة في حالة تأسيسها في حل من أي التزام([17])، وإلا سيكون حقها وحق المساهمين أيضا مجردا من أية منفعة.
وقد خالفت محكمة النقض الفرنسية([18])، المبدأ الذي سبق وأرسته محكمة روان Rouen غير أن موقفها هذا لقي معارضة شديدة من لدن بعض الفقه الفرنسي([19])، حينما أيدت المحكمة المذكورة حكما قضى بتنفيذ بنود العقد بصفة تضامنية بين كل من المؤسس والشركة موضوع التأسيس، باعتبارهما مسؤولين اتجاه الدائن عن الدين مناصفة، رغم عدم وجود قرار بتحمل الشركة لهذا الدين.
ولعدم متانة هذا الموقف، نجد محكمة النقض، قد تخلت عنه في قرار لاحق([20]).
وفي هذا السياق، أمرت محكمة فيرساي Versailles([21])، المؤسس بتنفيذ الالتزامات المبرمة لحساب الشركة في طور التأسيس، معتبرة إياه مدنيا رئيسيا، لاحق له في التمسك بالتنفيذ على المدين، الذي هو الشركة Bénéfice de discution، كما لا يمكنه الدفع بتقسيم الدين Bénéfice de division لحصر التزاماته في حدود مبلغ حصصه، نظرا لاستبعاد الدفعين بمقتضى المادة 05 من قانون 24 يوليوز 1966 الفرنسي المقابلة للمادة 27 من القانون رقم 17.95 المغربي المتعلق بشركات المساهمة.
وفي هذا الصدد يمكن طرح تساؤل حول مدى جواز الحديث عن قاعدة الإثراء بلا سبب بوصفها مصدرا من مصادر الالتزام طبقا لأحكام الفصول 66 إلى 76 من ق.ل.ع لتحميل الشركة الالتزام المبرم لحسابها، خاصة وأنها تكون المستفيدة من هذا التصرف، أم أن الأمر لا يقبل إلا تغييرا بسيطا، إما أن تتحمل الشركة التصرفات أو لا تتحملها؟
الواقع أن غموض المادة 27 من القانون رقم 17.95 لا يسعف في إعطاء جواب شافي عن هذا الإشكال، وفي محاولة منا الكشف عن قصد المشرع، يبدو لنا أن تحمل شركة المساهمة في طور التأسيس الالتزامات المبرمة مع الدائنين متوقف على إرادة المساهمين، ربما حماية لهم من تصرفات المؤسسين التي يأتونها، والتي لا تدخل في أعمال التأسيس([22])، وبذلك تشكل هذه الآلية للمساهمين، أداة لمراقبة الأعمال التي أجراها المؤسسون لحساب الشركة في مرحلة تأسيسها، وفي ذلك حماية للشركة التي لا تجد نفسها ملزمة بناء على قرار الجمعية العامة إلا بالأعمال التي لا تضر بمصالحها([23]).
لكن قد تستفيد الشركة من عقد أو التزام سابق عن قيدها في السجل التجاري بالرغم من عدم تحملها إياه، كأن تصبح مالكة لأصول أو منافع مستحقة لها، مقيدة أموالها في خانة الأصول من موازنتها المالية، مدرجة في محاسبتها نتائج التصرفات التي أبرمت لفائدتها([24]). وإذا كان هناك من الفقه من يقبل أحيانا باعتبار هذه الحالة تحملا ضمنيا([25])، فإنه لا ينبغي تعميم هذا الحكم. فالأصل أن الشركة ليست ملزمة بهذه التصرفات أمام الدائنين، إلا إذا عادت عليها بإثراء، بحيث تتحمل في حدود ما أثرت به، وكذا ما حصل للدائن من افتقار.
ويرى بعض الفقه على حق([26])، أن استفادة الشركة من العقود المبرمة في فترة التأسيس، وعدم رغبتها تحمل الالتزامات، فإنها تكون ملزمة برد المنافع إلى الملتزم الأول الذي قام بعمل باسمها، ويمكن له مطالبة الشركة بذلك، على أساس دعوى الإثراء بلا سبب، أو على أساس المجهود المبذول في تدبير الأعمال ، وهذا ما نص عليه صراحة الفصل 1375 من القانون المدني الفرنسي.
وبذلك تكون الشركة مسؤولة مع من تصرفوا لفائدتها في فترة التكوين، لكن يجب التنبيه أن هذه المسؤولية تكون محدودة بشكل يمكن معه القول أن التزامها قد يكون أقل بكثير مما التزم به المؤسسون اتجاه الدائنين.
وإذا كانت المادة 27 غير دقيقة في صياغتها، حيث نصت كما سبقت الإشارة إلى أنه :”يسأل الأشخاص الذين قاموا بعمل باسم الشركة في طور التأسيس”، مما يؤكد أن القائمين بهذه الأعمال ليست لهم صفة تمثيل شخص معنوي لم يوجد بعد، والتصرف باسمه ولو مع احتمال تمكن الدائن من معرفة وجود الشركة التي هي في طور التأسيس([27])، إذ ما جدوى هذا الوجود إذا لم تكن للشركة في هذه الفترة أية إمكانية للتمتع بأهلية الالتزام نظرا لافتقادها الشخصية المعنوية؛ التي يسوغ معها وحدها وجود ممثل قانوني للشركة.
فالشخص يتصرف باسمه الشخصي، بحيث أن العلاقة تعاقدية بينه وبين الدائن، ويمكن أن تظل كذلك إذا لم تتحمل الشركة مسؤولية التزامه، فإن صياغة المادة 29 من القانون رقم 17.95 كانت أكثر دقة من سابقتها حينما أورد المشرع عبارات : “الأعمال المنجزة لحساب الشركة التي هي في طور التأسيس” فقرة 1، “الالتزام لحساب الشركة” فقرة2، “الأعمال المنجزة لفائدة الشركة” فقرة 4.
ويبدو لنا أن مسلك المشرع المغربي كان مسلكا محمودا، من خلال تكامل مضمون المادتين 27 و 29 من القانون رقم 17.95 المنظم لشركات المساهمة، المقابلتين للمادة 5 من قانون 24 يوليوز 1966 الفرنسي المنظم للشركات([28]) باعتباره القانون المصدر، والمادة 6 من مرسوم 3 يوليوز 1978 الصادر لتطبيق قانون 04 يناير 1978، اللتين تقران بالمسؤولية الشخصية والتضامنية المطلقة، التي تستغرق بشكل كلي ذمة الأشخاص الذين تصرفوا لحساب شركة المساهمة في طور التأسيس، مما يوفر نوعا من الحماية للدائنين الذين قد تتعرض حقوقهم للإهدار في حالتي عدم تقييد الشركة في السجل التجاري، أو عدم تحملها للالتزامات المبرمة لحسابها غداة تأسيسها.
ومع ذلك فإن هذا المقتضى الحمائي المتمثل في المسؤولية الشخصية، التضامنية والمطلقة لمن تعامل باسم شركة في طور التأسيس على الرغم من إعماله، فإنه لم يحل دون إثارة العديد من المنازعات بشأن تنفيذ الالتزامات والعقود المبرمة في هذه الفترة، ونعتقد مع بعض الفقه الفرنسي([29]) بإمكانية تفادي هذه المنازعات إذا ما أوجد المشرع فترة قصيرة لميلاد الشخصية المعنوية للشركة.
ولعل هذا ما دفع بالمشرع الفرنسي إلى إلزام كاتب الضبط بتقييد الشركة في أجل يمكن وصفه بالقصير جدا، وهو 24 ساعة عند تلقيه الطلب في حالة جاهزية ملفها، كما نوصي بإدراج شرط في العقود المبرمة بين المؤسسين الدائن يقضي بفسخها في حالة عدم تأسيس الشركة داخل أجل معين.
المطلب الثاني : المسؤولية الجنائية للمؤسسين تجاه الدائنين عن خروقات فترة التأسيس
تشجيعا للاستثمارات وإنعاش الاقتصاد الوطني، وانشاء الشركات والمساهمة فيها، وكذا ضمان حماية جنائية فعالة لحقوق كل من الشركات والشركاء أو المساهمين فضلا عن المتعاملين مع الشركة، وعموما النظام العام الاقتصادي والاجتماعي قام المشرع المغربي بإصلاح قانوني تطبع أحكامه الصبغة الزجرية ، وذلك عن طريق النص على جرائم عديدة قد ترتكب في مختلف مراحل حياة الشركة التجارية لتشكل الحماية المذكورة دعامة تشريعية لأموال وحقوق تساندها مخططات الدولة المالية. فتم في هذا السياق فرض مجموعة من العقوبات الزجرية لمنع الإخلال بنظام الشركة في طور التأسيس رغبة في إضفاء المصداقية على هذا النظام. ([30])
ويتضمن القانون المنظم لشركات المساهمة عدة أفعال مجرمة ترتبط بالشركة في طور التأسيس وتكون سببا في المساءلة الجنائية التي قد تقع في هاته المرحلة.
وللإحاطة بهذا الصنف من المسؤولية، سنتطرق بداية إلى بحث الخروقات المتعلقة بتكوين رأس المال (الفقرة الأولى) قبل أن نحاول الوقوف على الخروقات المرتبطة بإجراءات التأسيس (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : خروقات في تكوين رأس المال
تمثل شركات المساهمة أهم الشركات التجارية، كما تعتبر شركات رأسمالية أي أن رأس المال هو أساس وجودها، وما يربط المساهمين بها هي أسهمهم فقط، كما يعد رأس المال الملاذ الوحيد للدائنين في هذا النوع من الشركات التي لا يسأل المساهمون فيها عن ديون الشركة ولا يتحملون أية خسارة إلا في حدود حصصهم.
وقد تصدر أسهم من أجل الاكتتاب فيها وتكوين رأسمال الشركة المزمع تأسيسها، ليتم بعد ذلك تداولها([31]) في ظروف يشوبها الاحتيال والخداع أحيانا، في حين أنه من اللازم في هذه التصرفات أن تتم بكثير من الصدق والنزاهة والأمانة. وأن لا تكون مصحوبة بعمليات الغش([32]) وتتنوع الأفعال التي تتضرر بها أصحاب الأسهم بمناسبة إصدارها أو الاكتتاب فيها([33])، فقد تختلس بسبب الخيانة أو يحتال بها، كما يمكن أن تزور لتطبع منها أسهم مزيفة، وقد تتعرض لمضاربات غير مشروعة([34])، لذلك وحماية للذين تمس مصالحهم المالية، نص المشرع المغربي في ق.ش.م على عقوبات عن عدم قيام المؤسسين وأجهزة التدبير بالالتزامات الرامية إلى الحفاظ على حقوق المساهمين، نقتصر بشأنها على معالجة ما يتعلق بالشركة في طور التأسيس، علما أن المشرع تطرق إليها متفرقة، مرة عند بيانه لمخالفات التأسيس ومرة عند تحديده للمخالفات المرتبطة بالقيم المتداولة.
أولا : الإصدار غير القانوني للأسهم
تم النص على هاته الجريمة في الباب المخصص للمخالفات المتعلقة بالتأسيس، وذلك في المادة 378 من ق.ش.م ويتابع بهذه الجريمة سواء بالنسبة لشركات المساهمة التي تدعو الجمهور للاكتتاب أو التي لا تدعو لذلك مؤسسو الشركة أو أعضاء الجهاز الإداري الأولون. وتجدر الإشارة إلى أن إطلاق وصف الأولين على أعضاء الجهاز الإداري للشركة كتقييد لمجال ترتيب هذه المسؤولية، لم يتم إلا بمناسبة القانون رقم 20.05 المغير والمتمم لقانون 17.95، لتقتصر بذلك المساءلة الجنائية في هذه المادة على من له صلة فعلية بعملية تأسيس الشركة دون أن يتابع المسيرون الذين لم يكن لهم أي دخل في هذه العملية على اعتبار أن محاسبتهم أمر مغال فيه جدا([35]).
ويستشف من مقتضى هذه المادة وجود مسؤولية جنائية للأشخاص المذكورين عند:
- إصدار الأسهم قبل تقييد الشركة بالسجل التجاري.
- إصدار الأسهم عن طريق الغش قبل أو بعد تقييد الشركة بالسجل المذكور.
- إصدار الأسهم دون التقييد بالمقتضيات القانونية المتعلقة بإجراءات التأسيس قبل وبعد تقييد الشركة بالسجل التجاري.
كما تترتب هذه المسؤولية بمقتضى الفقرة الثانية من نفس المادة بسبب خرق أو إهمال مقتضيات المادتين 17 و 21 من ق.ش.م، ويتعلق الأمر بإصدار الأسهم دون أن يتم تحرير الأسهم النقدية عند الاكتتاب بمقدار الربع على الأقل، أو دون أن يتم تحرير أسهم الحصص العينية تحريرا كاملا، قبل تقييد الشركة بالسجل التجاري، وقد كانت العقوبة المحكوم بها بالإضافة إلى الغرامة هي الحبس لمدة تتراوح بين شهر وستة أشهر([36])، غير أن القانون المعدل رقم 20.05 ألغى عقوبة الحبس واكتفى بمضاعفة الغرامة التي يحكم بها عند ارتكاب الأفعال المذكورة في الفقرة الأولى من المادة 378 من ق.ش.م، أي أن العقوبة تصير ما بين 8000 و 40.000 درهم([37]).
وتقضي الفقرة الثالثة من المادة المذكورة بموجب التعديل الأخير بإيقاع العقوبة المقررة في الفقرة السابقة على نفس الأشخاص الذين لم يبقوا على اسمية الأسهم النقدية إلى حين تحريرها كاملة، أي الحكم بغرامة تتراوح بين 8000 و 40.000 درهم، في حين كانت العقوبة قبل التعديل تتحدد في غرامة من 4000 إلى 20.000 درهم و الحبس لمدة تتراوح بين شهر وستة أشهر.
وقد شدد المشرع من العقوبة على جميع هذه الخروقات المذكورة في المادة 378 من ق.ش.م فيما يخص شركات المساهمة التي تدعو الجمهور للاكتتاب وذلك بموجب الفقرة الأخيرة من نفس المادة التي لحقها أيضا التعديل بمقتضى القانون رقم 20.05 حيث كانت العقوبات تضاعف قبل صدور هذا الأخير، فصار التشديد متمثلا في الحكم بالإضافة إلى الغرامة بعقوبة الحبس لمدة تتراوح بين شهر وستة أشهر([38])، ويلاحظ أن جريمة الإصدار غير القانوني للأسهم هي الجريمة الوحيدة التي اكتفى فيها المشرع بعنصر الإهمال أو تعطيل الإرادة([39])
ثانيا: التداول غير القانوني للأسهم
تم النص على جريمة التداول غير القانوني للأسهم في المادة 381 من ق.ش.م ويتعلق الأمر بالتداول المقصود لأسهم لم تكتمل شروط إنشائها القانوني وطال التجريم كلا من مؤسسي وأعضاء أجهزة الإدارة، أوالتدبير أو التسيير لشركة مساهمة وكذا مالكي أو حاملي الأسهم الذين تداولوا عن قصد تلك الأسهم.
وقد كانت هذه المادة([40]) قبل تعديلها تحدد نطاق التداول غير المشروع، فالأسهم التي تتوفر على قيمة اسمية والأسهم النقدية التي لم يتم الإبقاء على اسميتها إلى حين اكتمال تحريرها خرقا للمادة 273 من ق.ش.م المذكورة آنفا، والأسهم العينية قبل انصرام الأجل الذي لا يسمح خلاله بتداولها، والأسهم النقدية التي لم يدفع ربعها على الأقل بخلاف ما تنص عليه المادتين 17 و 21 من ق.ش.م، وأخيرا الوعود بأسهم، ما عدا الوعود بأسهم ستنشأ بمناسبة الزيادة في رأسمال شركة مقيدة أسهمها في بورصة القيم.
وكانت العقوبة هي الحبس من شهر إلى سنة والغرامة من 6000 إلى 30.000 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين.
غير أن القانون المعدل رقم 20.05 اتجه إلى التخفيف من مدة العقوبة السالبة للحرية في حدها الأقصى، بحيث صارت من شهر إلى ثلاثة أشهر، لأن العقوبة المحددة قبل التعديل متشددة مقارنة مع المخالفات المنصوص عليها، كما أقدم على إلغاء بعض مظاهر جريمة تداول الأسهم المعاقب عليها في المادة المذكورة.
ونشير إلى تطبيق نفس العقوبات عند القيام عن قصد بالمشاركة في تداول الأسهم أو تحديد أو نشر قيمتها أو الوعد بالأسهم المذكورة في المادة 381 من ق.ش.م مع مراعاة التعديل القانوني الذي طرأ عليها بطبيعة الحال.
هذا عن الخروقات المرتبطة بتكوين رأس المال، فماذا عن تلك المتعلقة بإجراءات التأسيس ؟
الفقرة الثانية : خروقات في إجراءات التأسيس
لا يتم تأسيس الشركات بشكل عفوي، وإنما تبعا لشكليات وإجراءات معينة وعديدة، خاصة بالنسبة لشركات المساهمة، حددها القانون على أن يرافق ذلك قصد سليم من الغش والتحايل، وإلا اعتبر المؤسسون والأعضاء الأولون لأجهزة الإدارة أوالتدبير أو التسيير مقترفين لأعمال جناية عددها المشرع، ونص على عقوباتها المختلفة بموجب ق.ش.م([41]) الذي عمل من خلاله على فتح المجال للجانب الزجري فيما يهم المخالفات التي ترتكب في طور التأسيس، ويتضح ذلك من خلال توسعه لدائرة الجرائم وتشديده للعقوبات، حماية للمساهمين والدائنين بالإضافة إلى حماية الادخار.
وبالتالي حدد المشرع عدة جرائم منها ما يتعلق بإعداد شهادة الإيداع أو جلب اكتتابات وتقديم تصريحات ووقائع كاذبة في هذا الشأن، ومنها ما يرتبط بخرق حالات التنافي.
أولا: تقديم تصريحات ووقائع كاذبة
فرض المشرع عقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من 8000 إلى 40.000 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين فقط، بسبب ارتكاب مجموعة من الجرائم تقوم على تقديم تصريحات ووقائع كاذبة.
أ: التصريحات الكاذبة في شهادة الإيداع
وتتحقق هذه الجريمة بأخذ الأفعال المنصوص عليها في البند 1 من المادة 379 من ق.ش.م والمتمثلة في إقدام أحد الأشخاص عن قصد، أي بنية العمد لإعداد شهادة المودع لديه التي تثبت الاكتتابات والدفوعات على التصريح بصدق وسلامة اكتتابات يعلم أنها صورية، لأنه من الواجب أن تكون هذه الاكتتابات حقيقية وفعلية باسم الشركة ولفائدتها، أو تصريحه بدفع أموال الشركة في حين أنه لم يتم نهائيا وضعها تحت تصرف هذه الشركة.
وكذا تسليمه للمودع لديه قائمة بأسماء المساهمين، تشير إلى اكتتابات وهمية، أو إلى دفع أموال لم توضع نهائيا رهن إشارة الشركة.
ب : جلب اكتتابات أو دفوعات بطريقة غير مشروعة
يمكن أن تقع أثناء مراحل تأسيس شركة تجارية، تلاعبات معينة([42]).فتستعمل أشكال متنوعة وعديدة من الأساليب لاستدراج الجمهور من أجل شراء الأسهم التي قد تكون لشركة تجارية حقيقية، كما قد تكون لشركة صورية يضمر مؤسسوها نية الكذب والتضليل.
ولهذا لم يتوان المشرع عن ردع من يتلاعب بالاكتتابات الذي يعد مصدر رأس مال ونشاط الشركة وكذا حقوق الاغيار من دائنين وغيرهم، فنص على هذه الجريمة بمقتضى البندين 2 و 3 من المادة 379 من ق.ش.م والتي تتحقق باستعمال اكتتابات أو دفوعات صورية، أو نشر اكتتابات أو دفوعات لا وجود لها، أو لأي واقعة أخرى كاذبة، وكذا العمل بسوء نية قصد سلب اكتتابات أو دفوعات على نشر أسماء للأشخاص بوصفهم مرتبطين بالشركة أو ينتظر ارتباطهم بها، أيا كان نوع الارتباط في حين أن ذلك مخالف للحقيقة([43]).
ويظهر من طبيعة الأفعال المذكورة في المادة 379 من ق.ش.م، أنها جرائم كذب وغش وتدليس تقترف عند التأسيس أو أثناءه، ولا تقوم هذه الجرائم قانونا إلا بوجود الأركان الثلاثة التقليدية للجريمة. وكنتيجة طبيعية لإلغاء التصريح بالمطابقة([44]) الذي تأكد خلوه عن أية جدوى-حذف المشرع المغربي الجرائم المتعلقة بالخروقات التي تطال التصريح المذكور لمساسها بمصداقية هذا الأخير، وذلك بموجب المادة الرابعة من نفس القانون المعدل القاضي بنسخ المادة 380 من ق.ش.م التي كانت تنص على قيام المسؤولية الجنائية عندما يشهد عن قصد مؤسسو الشركة وأعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير بوقائع كاذبة ماديا أو لما يغفلوا سرد العمليات المنجزة لتأسيس الشركة في التصريح الذي كانت تفرضه الفقرة الأولى من المادة 31 من ق.ش.م،قبل أن يتم نسخها بموجب المادة الرابعة المذكورة.
ثانيا: خرق حالات التنافي
من أجل ضمان النزاهة والمصداقية والحياد والاستقلال عند مباشرة مهام تقييم الحصص العينية، عاقب المشرع بالحبس “من شهر إلى ستة أشهر وبغارمة من 8000 إلى 40.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من وافق عن قصد على القيام بمهام مراقبي الحصص أو استمر في مزاولتها على الرغم من حالات التنافي والمنع المنصوص عليها قانونا([45]).
ويلاحظ أن المشرع اشترط عنصر القصد أو العمد أي العلم بخطر الفعل في كافة الأفعال المجرمة التي سلف بيانها، باستثناء ما ورد في المادة 378 من ق.ش.م، إذ لم يستلزم توفر العنصر المذكور، وبالتالي يمكن للمتهم أن ينفي عن نفسه ركن العمد المذكور رغم اقتناع المحكمة بأن ما ارتكبه يشكل فعلا مقصودا، فيبقى لكل من له المصلحة في الدعوى ضد المتهم أن يبرهن عما نسب إلى هذا الأخير، وأنه كان بنية عمدية، وإلا نزعت الصفة الإجرامية عما قام به الأمر الذي يستشف منه أن ما يتطلب لتكوين جريمة معينة قد لا يشترط لتكوين جريمة أخرى([46]).
المبحث الثاني :حماية الدائنين من خلال تحول آثار التصرفات المبرمة خلال فترة التأسيس إلى الشركة.
إن المتتبع لمسار التشريع المغربي منذ ركونه إلى تطبيق القانون الفرنسي لـ 1867 بمقتضى ظهير 11 غشت 1922، حتى صدور القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة كما تم تعديله وتتميمه، يجد بأن المشرع لم يكن حاسما في ضبط العلاقات القانونية التي تجري خلال فترة التأسيس.
ولعل أولى العقبات كانت غياب مفهوم مضبوط للمقصود بالشركة في طور التأسيس، أي بصيغة أخرى إذا كانت نهاية فترة التأسيس تكون سهلة ومعلومة، إذ بقيد الشركة في السجل التجاري وصيرورتها متمتعة بالشخصية المعنوية تنتهي هذه الفترة، غير أن بدايتها كانت ومازالت محل تضارب كبير([47]).
وغني عن البيان أن الغموض الذي ظل يلف العلاقات خلال فترة التأسيس في التشريع المغربي، وكذا غياب مفهوم محدد للمقصود بالشركة في طور التأسيس كان مصدره القانون الفرنسي.
وبإلقاء نظرة على تطور التشريع الفرنسي بهذا الخصوص، نجده ضمن لفظ “الشركة في طور التأسيس” في نص القانون رقم 66.537 الصادر بتاريخ 24 يوليوز 1966 المتعلق بالشركات التجارية في الفصل 5 ف 2، قاصدا بها المرحلة الأساسية التي يتم فيها العزم والتصميم من لدن المؤسسين على خلق الشركة.
غير أن المشكل ظل مع ذلك قائما، وكان يكمن في عدم تدخل المشرع لتحديد عبارة الشركة في طور التأسيس، لا في التعديلات التي طالت قانون 24 يوليوز 1966 ولا في غيره، كما في قانون 1978 المعدل للفصل 1843 من القانون المدني الفرنسي الذي يهم نفس الموضوع([48]).
وقد ظل مشكل معرفة نقطة انطلاق فترة التأسيس غامضا يتم الرجوع فيه إلى قضاة الموضوع على اعتبار أنه مسألة واقع question de fait، ليتحول بعد ذلك إلى مسألة قانون يتم الخضوع فيه لرقابة محكمة النقض à Transformer la question de fait en question de droit، وفي التشريعين الفرنسي و المغربي، لم يتم تحديد فترة أدنى أو أعلى تجرى فيها فترة التأسيس، اللهم إذا استثنينا النص على إرجاع الاكتتابات إلى أصحابها بعد مرور ستة أشهر من تاريخ إيداعها إذا لم تؤسس الشركة.
وبقدر ما كان الغموض يلف فترة التأسيس بقدر ما كانت هواجس الدائن وحاجته إلى الحماية تتعاظم، على الرغم من إقرار المشرع وقبله الاجتهاد القضائي كما مر معنا، بإمكانية تحمل المؤسسين الالتزامات المبرمة مع الدائن لفائدة الشركة في طور التأسيس، إذا لم يكتب لها النجاح، أو أنها تأسست فرفضت التحمل بالالتزامات في جزء منها أو في كلها.
ولما كان الأغيار الدائنون يمثلون الغالبية التي تتعاقد مع المؤسسين في هذه الفترة (موردون، أبناك..)، فإن من مصلحتهم أن يتم التعجيل بتأسيس الشركة، وذلك بقيدها في السجل التجاري حتى يتم توسيع الضمان لصالحهم، وذلك بالانتقال من التعويل على الذمة أو الذمم الفردية للمؤسسين إلى الذمة الاجتماعية للشركة (المطلب الثاني).
وعليه، فإن الشركة وغداة صيرورتها متمتعة بالشخصية المعنوية، فإن ظلاها تمتد إلى الوراء لتشمل التصرفات المبرمة لحسابها وهي مازالت في طور التكوين، غير أن المشرع ومخافة من أن يلزم الشركة ببعض الأعمال التي يؤتيها المؤسسون خروجا عن أعمال التأسيس، والتي من شأنها الإضرار بالذمة المالية لشركة المستقبل، نجده قد خلق بعض الضوابط الموضوعية والشكلية، تروم في أبعادها إلى حماية ضمان الشركة ومن ورائها الدائنين (المطلب الأول).
المطلب الأول : ضوابط تحول آثار التصرفات المبرمة مع الدائنين إلى الشركة
إن أهم أثر ينتج عن القيد في السجل التجاري هو اكتساب شركة المساهمة للشخصية المعنوية، حيث تصير متمتعة بشخصية قانونية كاملة تمكنها من اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، ومن تم تمتد ظلالها إلى الوراء لتشمل التصرفات المبرمة لحساب الشركة وهي مازالت في طور التكوين،([49]) ويمكن تبعا لذلك أن يتنصل من المسؤولية كل من أبرم التزاما مع الدائن لفائدة الشركة في طور التأسيس، كما تستوي بالمقابل ضمانات الدائن في استيفاء حقوقهم، الذي وإن تعاقد مع المؤسسين فإنه يكون معولا على السعة المالية للشركة عند تقييدها في السجل التجاري.
وحتى تتحمل شركة المساهمة غداة صيرورتها متمتعة بالشخصية المعنوية، العقود والالتزامات المبرمة لحسابها؛ لابد من الاحتكام إلى بعض الضوابط التي تطبع مسطرة التحمل بالالتزامات والتي درج تصنيفها إلى ضوابط موضوعية تهم الطبيعة القانونية لهذه الالتزامات(الفقرة الأولى)، وأخرى شكلية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الضوابط الموضوعية
جاءت في المادة 27 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، ألفاظ عامة، حيث نصت على أنه :”يسأل الأشخاص الذين قاموا بعمل باسم الشركة… إلا إذا تحملتها الجمعية العامة الأولى العادية أو غير العادية للشركات الالتزامات الناشئة عن هذه الأعمال بعد تأسيسها…”.
وقد أوردت هذه المادة مصطلح “عمل” بدون تحديد لمحتواه، الشيء الذي يمكن معه التساؤل حول ما إذا كانت الأعمال وكيفما كانت طبيعتها قابلة لأن تكون موضوع تحمل بالالتزامات؟
الواقع أن هذا الإشكال كان مثار جدل فقهي في فرنسا بسبب صياغة المادة 05 فقرة 2 من قانون 24 يوليوز 1966، المتعلق بالشركات التجارية، كما عقبه تضارب في الاجتهاد القضائي بخصوص طبيعة هذه الالتزامات، الشيء الذي ولد اتجاهات يمكن عرض أهم ما جاءت به باختصار كما يلي:
*الاتجاه الأول([50]): ويرى أصحابه أن شركات المساهمة في طور التكوين لا يمكنها ممارسة أي نشاط قبل التسجيل في السجل التجاري، نظرا لتجميد الحصص النقدية المشكلة لرأسمالها؛ بمعنى أن التصرفات المحتمل إجراؤها هي فقط الإجراءات التي فرض المشرع إتيانها من أجل التكوين القانوني ليس إلا.
ويبدو أن هذا الطرح مبالغ فيه، إذ على الرغم من أن المادة 22 من القانون رقم 17.95 توجب على المؤسسين ضرورة وضع الأموال المتحصلة من الاكتتاب في حساب بنكي مجمد باسم الشركة في طور التأسيس، فإن الواقع العملي، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك فيما تقدم، قد أوجد بعض الحلول التي تمكن المؤسسين في هذه الفترة من القيام بمجموعة من العمليات التي تستدعيها هذه الفترة.
فأمام ضغط الحاجة الماسة للتكوين الفعلي لشركة المساهمة، ولتجاوز سلبيات تعليق اكتساب الشركة للشخصية المعنوية إلى حين قيدها في السجل التجاري، واستجابة لما يقتضيه عالم المال والأعمال من سرعة وائتمان، لأجل ذلك تم ابتداع فكرة الاقتراض لتمويل بعض الأعمال التي تقتضيها مرحلة التأسيس، حيث استجابت الأبناك إلى تمويل التصرفات الرامية إلى التحضير للتأسيس، بعدما كانت ترفض في البداية، إذ لجأت إلى تقوية ضماناتها بتوجيه السلفات لأعمال محددة، أو بطلب ضمان شخصي من المؤسسين… إلى غير ذلك من قواعد الحيطة والحذر التي تعاملت بها المؤسسات البنكية مع الشركات في طور التأسيس([51]).
وقد استجاب القضاء الفرنسي بدوره على شاكلة البنوك بعدما كان يرفض بشدة هذه التقنيات البنكية القائمة على تقديم مبلغ يعادل قيمة الرأسمال المجمد، قبل أن يعترف بصحة هذا الأسلوب لاحقا([52]).
*الاتجاه الثاني: ويرى أصحابه([53]) بأن المقصود بهذه الأعمال، تلك الضرورية لشروع الشركة في نشاطها، بحيث تبقى عرضية، سواء أكسبت حقوقا أو رتبت التزامات، فلا تهدف إلى البدء الفعلي للاستغلال، وإلا ضاع مفهوم الشركة في طور التأسيس.
وقد قضت في هذا الاتجاه محكمة الاستئناف برين Rennes([54]) الفرنسية، بمنع شركة تجارية لم تقيد بعد في السجل التجاري من ممارسة نشاط من أنشطة الاستغلال وأجازت ما يتعلق بالأعمال التي تهيء لهذا الاستغلال.
كما جعل بعض الفقه الفرنسي([55]) هذه الأعمال تمتد لتشمل حتى تلك التي من شأنها أن تمكن الشركة من بداية حياتها بشكل طبيعي وفوري ابتداء من يوم قيدها في السجل التجاري كإبرام عقود الشغل مع العمال والأطر وإبرام شبكات وعقود الربط الحديثة إلى غير ذلك، بغرض تجنيب المسؤولين عن الشركة تضييع الجهد والوقت، وإتاحة الفرصة لهم لتنظيم وإعداد مستقبل الشركة، ما دام لا يمكن ممارسة معظم الأنشطة في هذه المرحلة نظرا لغياب الشخصية المعنوية للشركة.
*الاتجاه الثالث: قبل أصحابه بتحمل التصرفات ذات الطابع التجاري المبرمة لفائدة الشركة في طور التأسيس، إيمانا منهم بأن الشركة لا تأتي إلا كغطاء قانوني لاحق ليلف مقاولة تجارية أو أكثر كانت موجودة مسبقا([56]).
وبناء على إحصائيات أجرتها مكاتب التوثيق ببوردو Bordeaux الفرنسية، فإن نسبة الشركات التي كانت في الأصل مقاولات تمارس نشاطا تجاريا قدرت ب 98%، بحيث خلصت الدراسة إلى أن العمل الاقتصادي يسبق دائما التكوين القانوني للشركة([57]).
ومن خلال بسطنا للتوجهات الثلاثة السالفة الذكر، يبدو لنا أن التوجه الأول يعد مبالغا فيه لأجل ذلك يتعين استبعاده، في حين يبقى التوفيق بين الاتجاهين الثاني والثالث ممكنا، وبذلك يكون موضوع تحمل بالالتزامات كل الأعمال التي قام بها المؤسسون سواء أكانت أعمالا متعلقة بعملية التأسيس كاقتناء عقار ليكون مقرا اجتماعيا للشركة، أو كانت أعمال بداية استغلال اقتضتها مرحلة التأسيس كإبرام بعض عقود التوريد أو شراء مواد أولية، دون أن نغفل حالة الشركة التي يقوم وجودها على استغلال أصل تجاري، حيث لا يستقيم قطع استمرار نشاطها لما في ذلك من إضرار بها، وبأصلها التجاري المقدم كحصة في الشركة؛([58]) والذي يحتاج لاستمرار الأعمال اللازمة لاستغلاله، دون أن ننسى وضعية الدائنين الذين ترتبط مصالحهم بسير المقاولة([59]).
كما أن هذه الأنشطة الممارسة خلال هذه الفترة ستلحق وتدمج في نشاط الشركة المستقبلية؛ بحيث تعد استمرارا لها، فقد لا يحل وقت تنفيذها إلا والشركة قائمة.
إلا أن هذا يجب أن يكون مقرونا بالعزم على السير بإجراءات التأسيس إلى نهايتها، وإلا صارت شركة مكونة بفعل الواقع ويبقى وقتها للقضاء مهمة تقدير ذلك حسب ظروف وحيثيات كل حالة على حدة.
وأمام عدم تسجيل الشركة مع بدئها في ممارسة نشاطها، وقيام المؤسسين بالتصرف كشركاء إزاء الدائنين، يفقد هؤلاء المؤسسون صفتهم هاته، ويتأثرون بصفة الشركاء المحاصين أو أعضاء شركة منشأة بفعل الواقع([60]).
وتعد النتيجة واحدة كيفما كان الوصف، ما دام المشرع المغربي ونظيره الفرنسي يطبقان على الشركات المنشأة بفعل الواقع النظام القانوني لشركات المحاصة([61]).
وتدق التفرقة هنا بين الشركة في طور التأسيس والشركة المنشأة بفعل الواقع، ويرى بعض الفقه الفرنسي([62])، أن المادة 210 فقرة 6 من مدونة التجارة، لا يمكن تطبيقها إلا في حالة الشركة في طور التأسيس دون الشركة المنشأة بفعل الواقع، لأن النتائج العملية المترتبة على كل منهما تعد مختلفة.
ففي الشركة المنشأة بفعل الواقع، نرى بأن جميع الشركاء يتحملون المسؤولية المطلقة والتضامنية اتجاه الدائنين، مما يوفر حماية واسعة لهم، أما في حالة الشركة في طور التأسيس فإن المسؤولية لا يتحملها إلا الأشخاص الذين قاموا بعمل باسمها وغالبا ما يكونون هم المؤسسون أنفسهم.
كما أن الشركة المنشأة بفعل الواقع تبدأ نشاطها منذ البداية، أما في حالة الشركة في طور التأسيس فإن ما يبرم من عقود في تلك الفترة لا يعد بداية لممارسة النشاط بقدر ما هو تحضير له([63]).
لكن الصعوبة تكمن في إثبات المرور من شركة مساهمة في طور التأسيس إلى شركة منشأة بفعل الواقع تطبق عليها الأحكام المنظمة لشركة المحاصة، أي تحديد الوقت الذي تفقد فيه الشركة في طور التأسيس هذا الوصف لفائدة وصف آخر؟
مقاربة لهذا الإشكال اقترح بعض الفقه الأخذ بمعيار ممارسة الشركة لنشاطها، فبمجرد الشروع فيه تصبح شركة محاصة أو شركة منشأة بفعل الواقع([64])، غير أن هذا الرأي لا يستسيغه من يرى أنه يمكن للشركة في طور التأسيس أن تمارس نشاطا سابقا عن تسجيلها، كما سبق عرض ذلك عند أصحاب الاتجاهين الثاني والثالث([65]).
لذلك رأى البعض([66]) أنه من الأفضل أن تأخذ المحكمة بعين الاعتبار مجموعة من العناصر والمعطيات المادية، حيث إذا كان شروع الشركة في نشاطها يعد عنصرا جد معبر، فلا ينبغي أيضا تجاوز الأجل المعقول لطلب التسجيل.
ومن تطبيقات ذلك ما سبق وأقره القضاء الفرنسي([67])، حينما اعتبر أن التمييز بين الشركة في طور التكوين والشركة المنشأة بفعل الواقع يأتي من بدء الاستغلال الفعلي، ومرور مدة معينة دون قيد الشركة في سجل التجارة والشركات.
كما حددت محكمة النقض الفرنسية الشروط المتطلبة لتمييز شركة المساهمة في طور التأسيس، عن الشركة المنشأة بفعل الواقع، وتتمثل في تجاوز العقود الضرورية للإنشاء ومتابعة نشاط الشركة وثبوت النية في تكوينها([68]).
وتتحقق حماية الدائنين خلال هذه الفترة من خلال المسؤولية الشخصية والتضامنية للشركاء إزاءهم، سواء ظهر هؤلاء الشركاء كمسيرين لشركة محاصة ظاهرة، أو مكن سلوكهم من إثبات وجود شركة منشأة بفعل الواقع، إذ يتعلق الأمر في كلتا الحالتين بشركة من دون شخصية معنوية.
وعندما يتفق الشركاء على أن يختاروا من بينهم مديرا للمحاصة ليقوم بالتعامل لحسابهم ويتعاقد مع الدائن باسمه الشخصي، لا يمكن للدائن أن يرجع على بقية الشركاء المحاصين ما لم يتخذوا إجراء يفصح عن رغبتهم في إبراز وجود الشركة كشخص معنوي ويسأل فقط الشريك الذي تعامل مع الدائن باسمه الخاص.
أما إذا اتفق الشركاء على اشتراكهم في جميع الأعمال التي تتم لحساب الشركة، فإنهم يلتزمون إزاء الدائنين، ويكون هذا الالتزام تضامنيا، إذا كان نشاط الشركة تجاريا لأن التضامن يفترض في المادة التجارية ولا يرتفع إلا بمقتضى نص صريح([69]).
وبقي أن نتساءل عن إمكانية تطبيق تقنية تحويل آثار الالتزامات الناشئة خلال فترة التأسيس، والتي تكون ناتجة في أساسها عن الجرائم وأشباه الجرائم؟
إذا كانت صياغة المادة 27 من القانون رقم 17.95، تسمح صراحة بأن يكون موضوع تحمل بالالتزامات، تلك التعاقدية أو شبه التعاقدية الناتجة عن الإخلال بمقتضيات العقد المبرم لفائدة الشركة في طور التكوين، فإن الأمر ليس بالسهولة المتصورة حينما يتعلق الأمر بالالتزامات الجرمية وشبه الجرمية، على اعتبار أن صياغة المادة 27 لا تسمح بهذا التمديد، حيث أوردت الأعمال المبرمة لفائدة الشركة في طور التأسيس، مما يعني ضرورة وجود عقد حتى يمكن تطبيق مسطرة التحمل بالالتزامات.
ولعل استبعاد الالتزامات الناشئة عن الجرائم وأشباه الجرائم مرده كون القواعد القانونية التي تحكم المسؤولية التقصيرية توصف بكونها من النظام العام، ولا يجوز الاتفاق على مخالفة أحكامها، وبذلك لا يمكن لمرتكب الفعل الضار عن بينة واختيار أن يتحلل من المسؤولية الناتجة عن هذا الفعل وتحميلها لشخص آخر([70]).
أما في فرنسا فهناك من استساغ إمكانية تحمل الشركة بالالتزامات الناشئة عن الجرائم وأشباه الجرائم، إلا أنه استطرد بذكر صعوبة تصور تنفيذ هذا التحول من الناحية الإجرائية، على اعتبار أن هذه الالتزامات لا يمكن أن تكون محل وكالة، وبالتالي فإن تحملها من طرف الشركة يبقى أمرا مستبعدا، في حين جزم البعض الآخر بعدم جواز هذا التحمل، خاصة وأن النص القانوني يتحدث عن “الأعمال المبرمة لفائدة شركة في طور التأسيس”، الشيء الذي يفهم منه أن هذا التحمل يهم فقط الالتزامات والعقود المكتوبة، ذلك بشكل غير قابل للاحتجاج([71]).
لذلك يستثنى من هذا التحمل الجنح الناتجة عن الأعمال التي يقوم بها المؤسسون، لأنها تدخل ضمن القواعد القانونية المنظمة للمسؤولية التقصيرية التي تعد من النظام العام وبالتالي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها.
ويرى بعض الفقه الفرنسي([72])، أن الشركة ولو بإرادتها، لا يمكنها أن تتحمل أعمال المنافسة غير المشروعة المرتكبة من طرف المؤسسين في فترة تكوينها، كأن تحرض مجموعة أطر تابعة لشركة معينة عمالا لهذه الأخيرة من أجل إنشاء شركة خاصة بها([73])، غير أن فريقا آخر نميل إلى رأيه([74])، يرى بأنه وإن كان يستثنى من هذا التحمل الجنح الناتجة عن بعض الأعمال التي قد يقوم بها المؤسسون، غير أن التعويض المحكوم به على المؤسسين حينما يتعلق الأمر بأعمال ناتجة عن المنافسة غير المشروعة، فيمكن أن تتحمل بها الشركة لأنها هي المستفيدة منها.
ويلتقي الرأيان في كون أن الوحيدة التي يمكن التحمل بها هي العقود المبرمة لحساب الشركة في طور التأسيس، وعلى المؤسسين أن يشيروا فيها إلى أنهم لن يبرموا تلك العقود لمصلحتهم الخاصة، وإنما لمصلحة الشركة في طور التأسيس، حتى يكون الدائن على دراية تامة بحقيقة هذه التصرفات([75]).
ويجب أن تبرم العقود لحساب الشركة في طور التأسيس، وليس كالتزام شخصي للمؤسسين؛ وإلا فإن تحول المسؤولية لن يجد طريقه إلى التطبيق([76])، بل حتى وإن صادقت الشركة لاحقا على هذا التصرف فإن مسؤولية مبرميه سوف لن ترفع([77]).
ويعتبر هذا الشرط مهما بالنسبة للدائنين، لأن من شأنه أن يحفزهم على التعاقد والتعامل مع المؤسسين لحساب شركة المساهمة في طور التأسيس، والتي غالبا ما ستتحمل بآثار هذه التصرفات عند الانتهاء من تأسيسها، كما أنه ضروري لكي يعتبر توقيع هؤلاء الدائنين على العقد قبولا لتغيير الطرف المدين([78]).
لذا وجب على المؤسسين أن يبينوا في العقود التي يبرمونها مع الدائن بأنهم يتصرفون لفائدة الشركة في طور التأسيس وليس لحسابهم الخاص([79])، ويبقى للدائن في حالة عدم إعلامه بذلك، حق الرجوع على المؤسسين الذين تعاقدوا معهم وفقا للقواعد العامة للمسؤولية العقدية، رغم قرار الشركة تحملها بالالتزامات، ودونما حاجة لضمان خاص، لأن هذا المؤسس يعتبر وكأنما تصرف لحساب نفسه فتستمر بذلك مسؤوليته([80]).
بعد تناولنا لهذه الإشارات التي تهم الضوابط الموضوعية الكفيلة بإمكانية إحلال اختيار تحمل الشركة بالالتزامات المبرمة لحسابها وهي في طور التأسيس محل التطبيق؛ سننتقل في الفقرة الثانية لمعرفة الضوابط الشكلية.
الفقرة الثانية: الضوابط الشكلية
باحترام الضوابط الموضوعية التي سبق عرضها فيما تقدم، يمكن للشركة المساهمة أن تتحمل نتائج الأعمال التي أنجزها المؤسسون لفائدتها وذلك عبر شكلين، يقع الأول تلقائيا([81]) يوم قيد الشركة في السجل التجاري، في حين يتوقف الثاني على إرادة الشركاء أو المساهمين عند عقدهم للجمع العام بعد قيد الشركة في السجل المذكور.
أولا: التحول التلقائي
لكي يكون عمل ما قابلا بأن يكون موضوع تحمل بالالتزامات، يجب أن نفرق بين التصرفات المبرمة قبل التوقيع على النظام الأساسي للشركة (أ) وبين تلك التي أبرمت ما بين هذا التوقيع ولحظة القيد في السجل التجاري (ب) وأحيانا بعد قيد الشركة في السجل التجاري لكن وفقا لضوابط خاصة (ج).
أ: التصرفات السابقة لتوقيع النظام الأساسي
تنص المادة 29 فقرة 1 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة على أنه يوضع بيان الأعمال المنجزة لحساب الشركة التي هي في طور التأسيس طبقا للمادة 27، مع الإشارة إلى الالتزام الذي سيترتب عن كل عمل من هذه الأعمال بالنسبة للشركة رهن إشارة المساهمين وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 26 من نفس القانون.
ومن المؤكد أن من يكتفي بقراءة هذا النص يفهم حتما أن الفقرة المذكورة ماهي إلى تفصيل وتطبيق إجرائي للمادة 27 من نفس القانون، ولا تخرج عنها بآلية جديدة للتحمل، حيث جعلت هذه الأخيرة طريقة التحمل مشروطة بموافقة الجمعية العامة الأولى العادية أو غير العادية للشركة على الالتزامات الناشئة عن هذه الأعمال بعد تأسيسها وتقييدها بشكل قانوني.
إذن يبدو واضحا أن التحمل يتم عن طريق الجمعية العامة الأولى، أما الالتزامات المتحمل بها فتهم الأعمال المنجزة في هذه الفترة والمنصوص عليها صراحة في المادة 27 من القانون المذكور، حيث أوردت عبارة “… قاموا بعمل باسم الشركة في طور التأسيس وقبل اكتسابها الشخصية المعنوية…” إذ لم يميز المشرع بين فترات نشوء هذه الالتزامات فهي مشمولة جميعا بالتحمل.
ولعل اللبس الذي يتبادر إلى ذهن القارئ نتيجة عدم اتساق المواد التي تنظم كيفية تحمل الشركة بالالتزامات مرده إلى النقل غير السليم من القانون المصدر لهذه المقتضيات.
وقد أخذت هذه النصوص من مجموعة تراكمات تشريعية حدثت في فرنسا، دونما خلق للانسجام الضروري فيما بينها، حيث اقتبست المادة 29 فقرة 1 من المادة 6 من المرسوم الفرنسي الصادر بتاريخ 3 يوليوز 1978، مع إسقاط عبارة مهمة من كنه هذه المادة، والتي يتوقف عنها رفع اللبس والتغليط([82]).
فالتوقيع على النظام الأساسي الملحق به “بيان الأعمال المنجزة لحساب الشركة التي هي في طور التأسيس (المادة 29 فقرة1)”، يعوض إذن في حالتنا هذه بتحمل الجمعية العامة للشركة، ويرتب أثره في تحمل الشركة بالالتزامات وإخلاء المسؤولية الشخصية لمن أبرم عملا باسمها في طور التأسيس، وذلك بكيفية تلقائية وبمجرد تقييد الشركة في السجل التجاري.
وفي هذا السياق يثار تساؤل حول مدى إمكانية تطبيق الفقرة التي نحن بصددها على شركات المساهمة المفتوحة التي تكتفي بتوصل المؤسسين أو واحد منهم بآخر بطاقة اكتتاب عوض توقيع النظام الأساسي من لدن جميع المساهمين، وهذا ما نصت عليه المادة 17 البند الأول من القانون رقم 17.95؟
إذا كانت هذه الإمكانية غير متاحة في التشريع الفرنسي، نظرا لاحتفاظه بالجمعية العامة التأسيسية L’assemblé général constitutive، التي من اختصاصاتها المصادقة على هذه التصرفات طبقا للمادة 26 من مرسوم 23 مارس 1967([83])، فإن الأمر بخلاف ذلك في التشريع المغربي الذي ألغى العمل بالجمعية العامة التأسيسية، معوضا إياها بتوقيع النظام الأساسي من المساهمين كأصل، والتوصل بآخر بطاقة اكتتاب كاستثناء مكرسا بذلك حق المساهمين في الإعلام L’information des actionnaires.
ويبدو أن طريقة التحمل هاته يمكن تعميمها حتى على شركات المساهمة التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في أسهمها وسنداتها، رغم عدم إلزام توقيع جميع المساهمين فيها. وما يبرر وجهة نظرنا هو ما نجده في المادة 29 فقرة 1 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، من إحالة مطلقة على المادة 26 من نفس القانون، التي جاء فيها توفير معلومات للمساهمين سواء تعلق الأمر بشركات المساهمة المغلقة أو المفتوحة، فنفهم بالتالي شمول هذه الأخيرة أيضا من طرف المشرع الذي يفرض في النوع الأول إيداع بيان الأعمال المعروضة للتحمل والالتزامات التي ستترتب على كل واحد منها بالنسبة للشركة رهن إشارة المساهمين المحتملين بكتابة ضبط المحكمة المختصة خمسة أيام على الأقل قبل توقيع النظام الأساسي من طرفهم، ويفترض في النوع الثاني حصول موافقة المكتتبين ماداموا قد ساهموا في الشركة عن طريق بطاقات الاكتتاب مستندا إلى إتاحة الفرصة لهم للاطلاع على بيان الأعمال لدى كتابة ضبط المحكمة الموجود بدائرتها المقر الاجتماعي للشركة التي هي في طور التأسيس، أو لدى مكتب موثق([84])، كما هو الأمر بالنسبة للموافقة على النظام الأساسي الموقع من طرف المؤسسين، والتي تؤدي إلى إتمام تأسيس الشركة، فتطلب الموافقة بالتوقيع على دخول الشركة هو من باب أولى. نفس الأمر ينطبق على المصادقة على تقرير مراقب أو مراقبي الحصص التي وضعت من أجلها المادة 26 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة.
وبقي أن نتساءل حول مدى جواز تمديد أحكام المادتين 27 و 29 من القانون رقم 17.95 لتطبق على باقي أنواع الشركات التجارية المنظمة بمقتضى القانون رقم 5.96؟
على الرغم من غياب مقتضيات مماثلة لما جاءت به المادتين 27 و 29 من القانون المنظم لشركات المساهمة في صلب القانون رقم 5.96 المنظم للشركات التجارية، اعتقد أنه يمكن تمديد هذه الأحكام لتشمل باقي الشركات التجارية على اعتبار أن قانون شركات المساهمة يعد الشريعة العامة لجميع أنواع الشركات التجارية الأخرى، حتى تلك التي تتقوى فيها مسؤولية الشركاء بسبب الاعتبار الشخصي، لأن رضى شركائها مضمون ما دام أن التوقيع الذي يشترك مع الجمعية العامة في حالة شركة المساهمة في التعبير عن الإرادة واجب على جميعهم بمقتضى القانون رقم 5.96 في كل أنواع هذه الشركات، وهذا ما نصت عليه المادة 5 بند 12، المتعلقة بشركات التضامن والمادة 23 المتعلقة بشركات التوصية البسيطة، والمادة 31 المرتبطة بشركات التوصية بالأسهم، التي تحيل على المادة 5 المذكورة، وكذا المادة 50 البند 12 فيما يتعلق بالشركات ذات المسؤولية المحدودة([85]).
وفي التشريع الفرنسي، فالعقود المبرمة لحساب شركة المساهمة في طور التأسيس قبل التوقيع على الأنظمة الأساسية Actes conclus avant la signature des statuts ، فيشدد بعض الفقه([86]) على ضرورة أن يشار فيها أنها تمت لحساب الشركة، وأنها هي من يجب أن يتحملها، أما الصيغة القانونية فيجب تقديمها للمساهمين المحتملين قبل التوقيع على الأنظمة الأساسية، إذ ترفق بالنظام الأساسي قبل التوقيع عليه، وحينما يتم هذا التوقيع فإن الشركة ستتحمل تلقائيا هذه الالتزامات غداة تأسيسها، وهذا ما نصت عليه المادة 6 من مرسوم 3 يوليوز 1978 الفرنسي.
ونميز في إطار التحمل في التشريع الفرنسي بين الالتزامات المبرمة لفائدة شركة المساهمة المغلقة، حيث تتحمل الشركة الآثار الناتجة عن هذه العقود المرفقة بالنظام الأساسي بمجرد تأسيسها على النحو المتقدم، أما شركة المساهمة التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في أسهمها وسنداتها، فإن قرار التحمل تنظر فيه الجمعية العامة الأولى.
وقد اختلف الفقه الفرنسي حول إمكانية إرجاء البت في تحمل الالتزامات المبرمة خلال فترة التأسيس إلى ما بعد قيد الشركة في السجل التجاري، فهناك من ينطلق من تأويل ليبرالي([87]) مخولا الحق للشركاء في هذا الاختيار، وكأن إنجاز المتصرفين لم يتم إلا بعد توقيع النظام الأساسي، بحيث يمكن تدارك عدم تطبيق هذا الشكل من طرف الشركة بعد تقييدها([88]).
ويرى اتجاه آخر بأن ليس للشركاء إلا اختيار وحيد، معتبرا أن القانون وضع لهم نوعا من التصويت المحصور أو المحدد Vote bloqué، فإن كانوا يرغبون في الاستمرار في تكوين الشركة فعليهم بالتالي قبول الالتزامات، وإلا سيعتبرون أنهم تخلوا عن ذلك.
ويبدو أن الرأي الأول جدير بالترجيح لأنه يستقيم ورغبة المشرع الرامية إلى الحفاظ على مصالح جميع الأطراف من شركة ومساهمين وغير، إذ ليس من مصلحة المؤسسين التقاعس عن المضي قدما في تأسيس الشركة فتجهض بذلك قبل أن تولد. كما أن من شأن عدم إتمام تأسيس الشركة أن يفوت على الدائنين إمكانية حصولهم على ضمان أكبر من الشركة لتنفيذ العقود التي أبرمها معهم المتصرفين لحساب الشركة في طور التأسيس، هذا مع استحضار الحاجيات الاجتماعية والاقتصادية التي من شأن تسهيل ميلاد الشركة أن يساهم في تلبيتها عبر التشغيل والإنتاج.
لأجل ذلك يتعين التشبث ولو ببصيص من الأمل في تكوين الشركة، خاصة وأن عدم تحمل المساهمين للالتزامات قد لا يرجع إلا إلى حالة انتظار وحيطة طبيعيين، إلى حين استكمال الاطمئنان والثقة فيمن أخذوا بادرة التصرف لحساب الشركة من أجل تكوينها.
وفي هذا الإطار، وكما نبه لذلك صاحب الرأي المعارض نفسه([89])، قد يصدر عن المؤسسين خداع بمناسبة قيامهم بإجراءات التحمل بالالتزامات، كأن يتعمدوا الإشارة في البيان الموجه للمساهمين، إلى تصرف أبرموه على أساس أنه لحساب الشركة في طور التأسيس، ليحتفظوا به لمصلحتهم الشخصية، مادام عدم تقديمه للتحمل يبقيه في ذمتهم.
ب: العقود المبرمة مع الدائن بين تاريخ التوقيع على النظام الأساسي وتاريخ قيد الشركة في السجل التجاري.
يمكن لشركة المساهمة في طور التأسيس أن تتحمل تبعات التصرفات القانونية المبرمة مع الدائن، وذلك بعد قيدها في السجل التجاري وبتوافر شروط محددة.
ولهذا الغرض اشترط المشرع في المادة 29 فقرة 2 من القانون رقم 17.95 المنظم لشركات المساهمة أن تتم هذه الأعمال المبرمة لفائدة الشركة في طور التأسيس من طرف مساهم أو عدة مساهمين تم تفويضهم من المساهمين الآخرين بموجب النظام الأساسي أو بموجب عقد منفصل قصد القيام بمهمة الالتزام لحساب الشركة، على أن تكون الالتزامات المبرمة محددة وكيفيتها موضحة في التفويض.
غير أن المشرع استثنى شركات المساهمة التي تدعو الجمهور إلى الاكتتاب في أسهمها وسنداتها من مجال تطبيق المادة 29 فقرة 2 السالفة الذكر، التي نصت صراحة على أنه: “إذا لم تتم دعوة الجمهور للاكتتاب يمكن…”
أما عن إمكانية تمديد أحكام المادة 29 فقرة 2 المشار إليها أعلاه، وأمام سكوت القانون رقم 5.96 المنظم للشركات التجارية، أرى أنه يمكن تمديد أحكام هذه الفقرة لتشمل باقي الشركات التجارية، خاصة وأن تقنية التحمل بالالتزامات تعتمد على تفويض المساهمين بموجب النظام الأساسي، أو بموجب عقد منفصل إلى مساهم أو عدة مساهمين من بينهم مهمة الالتزام لحساب الشركة، بمعنى أن ضمان رضى وموافقة الجميع مكفول هنا أيضا، نظرا لربط التحمل بالتوكيل، والذي يعد ترجمة حقيقية لإرادة الموكلين من خلال النظام الأساسي الموقع من طرف كل الشركاء.
كما وضع المشرع ضمانة أخرى تتعلق بما سينجز من التزامات بحيث ألزم الموكلين بأن تكون محددة وكيفيتها موضحة في التفويض، درءا لتصرف الوكيل أو الوكلاء بما قد لا يوافق رغبة المفوضين، إذ لم يجعلها وكالة عامة، حتى إذا ما تم الخروج عن ما هو مفصل في التفويض فإن ذلك يرتب إخلاء مسؤولية الشركة، ليتحملها المفوض لهم فقط طبقا لمفهوم المخالفة الذي نجده في الفصل 921 من ق.ل.ع :”الوكيل الذي يتعاقد بصفته وكيلا وفي حدود وكالته لا يتحمل شخصيا بأي التزام تجاه من يتعاقد معهم، ولا يسوغ لهؤلاء الرجوع إلا على الموكل”.
وعلى سبيل المقارنة، وفي ظل التشريع الفرنسي يمكن للشركاء إما بمقتضى شرط في النظام الأساسي، أو في إطار عقد منفصل يشكل جزءا من النظام الأساسي، أن يعطوا توكيلا لأحدهم أو للبعض منهم لإبرام عقود والتزامات مع الدائن لفائدة الشركة في طور التأسيس، غير أنه يشترط أن تكون هذه الالتزامات محددة وداخلة في حدود الوكالة، ويؤدي إتمام إجراءات تسجيل الشركة إلى تحمل هذه الأخيرة بهذه الالتزامات([90]).
وما يلاحظ هو أن هذه الشروط على الرغم من ثقلها وشبه قسوتها كما وصف ذلك بعض الفقه الفرنسي([91])، إلا أنها توفر حماية مزدوجة، أولها للمساهمين الذين يعملون بمحض إرادتهم على توكيل أحد أو بعض الأشخاص للقيام بأعمال محددة لفائدة الشركة في طور التأسيس في إطار وكالة خاصة، معدة لهذا الغرض، الشيء الذي يستدعي تحديد بنودها بدقة، وثانيها للدائنين الذين يتعاقدون مع هؤلاء الوكلاء، مطمئنين إلى أن التحمل بهذه الالتزامات سيكون على عاتق الشركة عند الانتهاء من إجراءات تأسيسها، وفي الحالة المعاكسة سيكون المنطق هو الرجوع على هؤلاء الوكلاء لإلزامهم في حدود ما هو مضمن في الوكالة.
ولعل من شأن تقنية الوكالة أن تدفع المعنيين بالأمر إلى تقييد الشركة في أقرب وقت ممكن، لتفادي تضييق وتعقيد سير أعمال الشركة في هذه المرحلة بسبب تطلب وكالات خاصة عن كل تصرف([92]).
وقد تعامل القضاء الفرنسي بصرامة ودقة حيال هذه التقنية، وهكذا قررت محكمة النقض بعدم كفاية بند عام في عقد التوكيل، يقضي بتحمل الشركة بمجرد قيدها في السجل التجاري لجميع الالتزامات التي تعهد بها متصرف لحساب الشركة التي توجد قيد التكوين وفي إطار غرض هذه الأخيرة([93]).
ثم إنه يجب أن يتضمن عقد الوكالة تحديد شخص أو أشخاص الوكلاء، إذ لا علاقة لصلاحية تمثيل الشركاء ـ في شركة لم تحصل بعد على الشخصية المعنوية ـ بتلك التي للمسيرين المستقبليين بالرغم من أن هؤلاء يعينون عند توقيع النظام الأساسي.
وقد يرتب هذا التحديد تصلبا أو جمودا لا يساير تطور الشركة في مرحلة ما بين التوقيع والقيد، فأحيانا تطرأ مستجدات غير متوقعة، وأمثل لما ينتج من صعوبات، بقرار صادر عن الغرفة التجارية بمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 3 أبريل 1973([94])، والذي رفض طلب النقض الموجه ضد حكم محكمة الاستئناف بباريس([95])، ويتعلق الأمر برئيس مجلس إدارة شركة مساهمة توجد في طور التكوين كان يتوفر على وكالة للتصرف لحسابها، وكان من قدره أن يتوفى ما بين نهاية التأسيس والتقييد في السجل التجاري، بحيث اضطر أعضاء المجلس إلى تعيين واحد منهم ليتكلف ببعض الالتزامات المالية، دون إحالة هذه الوكالة على المساهمين للمصادقة عليها، فتعاملت المحكمة بحرفية مع هذه الواقعة، مقررة أن الشركة غير ملزمة بتنفيذ تلك الالتزامات، مضحية بحماية الدائنين من أجل المساهمين، بحيث يبدو أن من يتمسك بوكالة يجب عليه أن يثبت وجودها ومحتواها في الوقت نفسه.
واضح إذن أن شروط هذا الشكل من التحمل قاسية، تعرقل عمل المتصرفين لحساب شركة تنتظر استكمال تكوينها، فحتى مسألة إعادة توقيع جميع الشركاء أو المساهمين قد لا تتيسر تحت وطء ظروف موضوعية، لهذا نتساءل عن سبب عدم ترتيب أثر تعيين المسيرين إلا بعد تقييد الشركة في السجل التجاري([96])، والمفروض أن هذا التعيين دليل على منح الثقة، فمع ذلك يبقى التكليف الخاص ضروريا إلى حين إتمام إجراء القيد.
نفس العراقيل نجدها بسبب تحديد العقود المسموح بإبرامها، فحين تظهر ضرورة التعاقد خارج دائرة التفويض، يلزم الاتصال بجميع الشركاء أو المساهمين لإعطاء وكالة لإنجاز التصرف التجاري الطارئ، وذلك ما لا يعد دائما ممكنا، وفي المقابل قد لا يكون من المناسب إرجاء تصرف مستعجل إلى ما بعد القيد. أمام ذلك يظهر شكل آخر لتحويل المسؤولية، يكون لاحقا للتكوين النهائي للشركة.
ثانيا: تحمل الشركة آثار الالتزامات بعد قيدها في السجل التجاري
يمكن لشركة المساهمة أن تتحمل بالالتزامات التي يبرمها المؤسسون مع الدائن، بعد قيدها في السجل التجاري، وهو الشكل الأخير من أشكال التحمل ويلقبه بعض الفقه الفرنسي بالتحمل المكنسة “Reprise -balai”([97]).
ويشمل هذا الشكل من التحمل ما لم يتم تبنيه بأحد الشكلين السالفي الذكر، وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 29 فقرة 4 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة حيث جاء فيها “سواء تمت دعوة الجمهور للاكتتاب أم لا، يجب أن يتم وبقرار من الجمعية العامة العادية للمساهمين تحمل الأعمال المنجزة لفائدة الشركة الموجودة في طور التأسيس التي لم يقع إعلام المساهمين المحتملين بها وفق ما هو مشار إليه في الفقرات الثلاث السابقة”.
وقد جاء هذا المقتضى التشريعي لتدارك الالتزامات المجراة قبل القيد في السجل التجاري، كأن يتم إغفال ذكر تصرف ضمن التصرفات المعروضة على الشركاء أو المساهمين للمصادقة عليه ضمن النظام الأساسي، أو أن يكون التصرف غير داخل في غرض الوكالة على النحو الذي قاربناه؛ وكذا لتغطية ما استثناه المشرع صراحة من تصرفات كتلك التي تهم شركات المساهمة التي تدعو الجمهور للاكتتاب في أسهمها وسنداتها التي استثناها المشرع من طريقة التحمل بالتوكيل([98]).
وبالرجوع إلى المبدأ العام لتحول تبعات التصرفات المبرمة مع الدائن إلى الشركة المسطر في المادة 27 من القانون رقم 17.95، يتبين أنه صار استثناء يتم طرقه كملجأ أخير بعد اكتساب الشركة للشخصية المعنوية للحصول على قرار صريح بالتحمل، يصدر بموافقة أغلبية المساهمين عبر الجمعية العامة العادية أو غير العادية بالنسبة لشركات المساهمة، وبأغلبية الشركاء في الشركات ذات المسؤولية المحدودة من شريكين أو أكثر، وهذا ما نصت عليه المادة 74 من القانون رقم 5.96، التي جاء فيها: “تتخذ القرارات في الجمعيات العامة أو عند الاستشارة الكتابية من طرف شريك أو أكثر يمثلون أزيد من نصف الأنصبة في الشركة..” وبأغلبية الشركاء الموصون، وبإجماع الشركاء المتضامنين في شركات التوصية بالأسهم على اعتبار أنها تجمع بين خاصيتي الاعتبار المالي والشخصي([99]).
ويشترط المشرع الإجماع في شركات التضامن بصريح ما نصت عليه المادة 9 من القانون رقم 5.96 المتعلق بالشركات التجارية التي جاء فيها : “تتخذ القرارات التي تتجاوز السلطات المخولة للمسيرين بإجماع الشركاء، ما لم ينص النظام الأساسي على خلاف ذلك…”
وتمتد هذه الأحكام التي تهم شركات التضامن لتطبق على شركات التوصية البسيطة، وهذا ما نصت عليه المادة 21 من نفس القانون حيث جاء فيها: “تطبق الأحكام المتعلقة بشركات التضامن على شركات التوصية البسيطة، مع مراعاة القواعد المنصوص عليها في هذا الفصل”.
وإذا كانت ضمانات الدائن تتقوى من خلال مبدأي الأغلبية والإجماع على التصرفات المبرمة لفائدة الشركة في طور التأسيس، فإن هناك حالة استثنائية في غير صالح الدائنين، ويتعلق الأمر بالشركة ذات المسؤولية المحدودة بشريك وحيد، إذ ينفرد هذا الأخير باتخاذ قرار يقضي بتنصله من المسؤولية الشخصية والمطلقة الملقاة على عاتقه، ليضعها على ذمة الشركة مستفيدا من حصر المسؤولية في حدود ما له من رأس مال في الشركة([100]).
ويبدو أن شكل التحمل هذا في الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شريك وحيد، ليس في صالح الدائنين، لأنه إذا كان الأصل أن يتقوى ضمانهم، فإنه في الحالة الراهنة سينتقلون من المساءلة على أساس وحدة ذمة المتصرف، الذي من الطبيعي أن يكون هو صاحب الشركة إلى تجزيئها بناء على ماله لدى الشخص المعنوي.
وبالرجوع إلى التشريع الفرنسي، فإن تحمل الشركة بعد قيدها في السجل التجاري للتصرفات المبرمة مع الدائنà l’immatriculation Reprise postérieur، يبقى أمرا واردا، وذاك عندما لا تجتمع الشروط القانونية في العقود والالتزامات التي يتم عقدها باسم الشركة في طور التأسيس وقبل اكتسابها الشخصية المعنوية على النحو الذي قاربناه.
إذن يمكن للشركة بعد تأسيسها، أن تتحمل هذه الالتزامات طواعية، وذلك بأغلبية المساهمين في شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم، وبإجماع الشركاء في غيرهما من الشركات التجارية، ما لم يرد شرط في النظام الأساسي يقضي بخلاف ذلك، وهذا ما نص عليه الفصل 06 فقرة 4 من قانون 3 يوليوز 1978 الفرنسي.
وفي فرنسا تم استبعاد التحمل الضمني المستشف من تنفيذ الشركة للتصرف محل النزاع، وإن نص بند من بنود النظام الأساسي على هذه الإمكانية([101]).
وفي هذا الصدد تعرض قرار محكمة استئناف باريس بتاريخ 16 يونيو 1980 لانتقاد شديد من لدن بعض الفقه([102])، وفيه أقرت المحكمة التحمل الضمني للتصرفات المبرمة لحساب شركة ذات مسؤولية محدودة حين كانت في طور التأسيس، والتي لم تلحق عبر بيان بالنظام الأساسي للمصادقة عليها؛ بحيث بنت المحكمة قرارها على الموافقة اللاحقة للشركاء على حسابات أول نشاط للشركة، فاعتبرتها من تم موافقة على العمليات التي ترجمتها تلك الحسابات.
وقد أكدت المحكمة بعد ذلك أن مقتضيات قرار 23 مارس 1967 المنظمة لتحمل شركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة للالتزامات المبرمة لفائدتها مع الدائن في مرحلة التأسيس، لا تختلف والقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 5 من قانون 24 يوليوز 1966 (المقابلة للمادة 27 من القانون رقم 17.95 المغربي)، والتي يستخلص منها أن تحمل الالتزامات يمكن أن ينشأ من إقرار الشركاء بعد القيد في سجل التجارة والشركات.
انتقاد آخر وجه هذه المرة لمحكمة النقض الفرنسية([103])، على أساس أن التحمل التلقائي ينتج عن الإشارة في النظام الأساسي إلى أن الشركة ستتحمل جميع التصرفات المجراة من أجل استغلال الأصل التجاري المقدم كحصة في الشركة.
كما لا يمكن إسناد صلاحية هذا التحمل لجهاز آخر في الشركة غير الجمعية العامة للمساهمين([104]). وبالأحرى أن يأتي التحمل بمبادرة شخصية من الممثل القانوني للشركة، إذ ستبقى مجردة من أي أثر([105])، وعلى خلاف ما سبق، يمكن التشدد من خلال إدراج شرط في النظام الأساسي فيما يتعلق بتحويل المسؤولية للشركة كأن تشترط أغلبية معينة أو الإجماع([106]).
والملاحظ أن المشرع الفرنسي على غرار نظيره المغربي، لا يشترط أي أجل لهذا التحمل، إلا أنه من المستساغ أن يتم التسريع به ليأتي مباشرة بعد قيد الشركة في السجل التجاري، حتى يتمكن الأشخاص الذين أبرموا تصرفات لفائدة شركة المساهمة في طور التأسيس من التحلل من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم عن ما أبرموه من تصرفات([107])، وكذا حتى يتسنى للدائنين الذين بادروا إلى إبرام تصرفات مع بعض المتصرفين في هذه الفترة، إلى تحصيل ديونهم في أجل معقول، وإن كانوا في الغالب يتعاملون بحذر شديد، ويظهر ذلك من خلال اشتراطهم مهلة محددة للتحمل مخافة التأخير الذي قد يقع في إجراء قيد الشركة في السجل التجاري، أو في انعقاد الجمعية العامة للمساهمين، والذي لا يستجيب وما يطبع معاملاتهم التجارية من سرعة وائتمان.
وعلى الرغم من كون تقنية التحمل بالالتزامات المبرمة لفائدة شركة المساهمة في طور التكوين تعد إيجابية من حيث حمايتها للدائنين المتعاقدين والمتصرفين على حد سواء، فإن ذلك لا يشفع لنظام تحول المسؤولية للشركة، لما يسجل عليه من تعقيد، لمزجه بين عدة آليات مختلفة كإجماع الشركاء أو المساهمين بالنسبة للعقود المبرمة قبل التوقيع على النظام الأساسي، ونظام الوكالة المعطى لشخص أو بعض الأشخاص لإجراء تصرفات محددة، وإن كانت شركات المساهمة المفتوحة قد استثنيت صراحة من هذا الإجراء، وفي الأخير الإجماع أو الأغلبية حسب كل نوع من أنواع الشركات التجارية بعد التقييد لتحمل الالتزامات التي لم تخضع لإحدى الفرضيتين السابقتين.
إلا أنه، وكيفما كانت الوسيلة، فإن الغاية تبقى واحدة، وهي تحويل المسؤولية للشركة؛ ولهذا فنحن مدعوون لمعرفة نتائج هذا التحول على حقوق الدائن
المطلب الثاني: آثار تحول المسؤولية عن التصرفات المبرمة مع الدائنين إلى الشركة
نشير بداية إلى أن مبدأ تحول المسؤولية إلى الشركة لا يعد أمرا حتميا، بل من الطبيعي ألا يقع هذا التحول بأي شكل من الأشكال التي سبق بحثها، وتستمر تبعا لذلك مسؤولية الأشخاص الذين قاموا بعمل لحساب شركة المساهمة في طور التكوين، وهذا ما كرسه المشرع من خلال المادة — من القانون رقم 17.95، التي جاء فيها :”يسأل الأشخاص الذين قاموا بعمل… إلا إذا تحملت”.
وهو المقتضى نفسه المعمول به في التشريع الفرنسي، فالشركة يمكنها أن تتحمل بالالتزامات المبرمة بمناسبة تأسيسها، وعلى وجه الاستثناء، حينئذ تعد هذه الالتزامات كما لو قامت بها الشركة منذ البداية، وهذا ما نصت عليه المادة 210 فقرة 6 من مدونة التجارة الفرنسية([108]).
ولعل التكريس التشريعي لهذا الاستثناء مرده احترام إرادة المساهمين وتمكينهم من حماية مصالحهم ومصالح الشركة من أي خطر قد يرونه بين طيات التزام غير مرغوب فيه، أو متخذ بغير روية، مما يجعله تحملا تعسفيا Les reprises Abusives، وإن كانت تقريبا جميع التصرفات المبرمة في تلك المرحلة غالبا ما تنفد من قبل الشركة بعد تأسيسها([109]).
ومن النتائج المترتبة عن تحول المسؤولية للشركة، اعتبار التصرفات وكأنها أبرمت منذ البداية من طرفها، فيخول هذا التحول بذلك للشخصية المعنوية أثرا رجعيا يعود إلى تاريخ التعاقد، وهو ما نصت عليه المادة 27 فقرة 2 من القانون رقم 17.95، التي اعتبرت أن مسطرة التحمل بالالتزامات، تكون كما لو قامت بها الشركة منذ البداية.
ويعد مبدأ رجعية التحمل بالالتزامات بالنسبة للشركة في طور التأسيس مبدءا مهما، خاصة على المستوى الجبائي، حيث يقي الشركة من دفع رسوم جبائية جديدة على العلميات التي تم إنجازها لفائدتها وهي في طور التأسيس، وبذلك تتحملها الشركة وحدها، هذا في وقت يتم فيه إخلاء ذمة الشخص الذي قام بعمل باسمها من جميع الديون الجبائية([110]).
ومن تطبيقات مبدأ رجعية الشخصية المعنوية للشركة على الأعمال التي تمت خلال الفترة السابقة عن قيدها في السجل التجاري، حيث تعد هذه الأعمال كما لو قامت بها الشركة منذ البداية([111])، نشير مثلا إلى أقدمية العمال الذين تم التعاقد معهم في إطار عقود الشغل قبل قيد الشركة في السجل التجاري، رغم أن الشركة لم تكن تتمتع وقتها بالشخصية المعنوية([112]).
نفس الشيء فيما يخص اكتساب الأموال التي كانت مؤقتا في ملكية من تصرفوا لحساب الشركة، بحيث تدخل مباشرة في ذمة هذه الأخيرة، وإذا كان محل التحمل مولدا لأرباح، فإنها تلحق بتلك المحصلة من خلال أول نشاط في حياة الشخص المعنوي([113]).
ويتعين التحذير هنا، درءا لعواقب مماثلة من اتباع ما درج عليه الموثقون في فرنسا، عند تحرير العقد المثبت لتصرف من التصرفات المبرمة مع الدائن إبان فترة التكوين، بجعل ملكية المال المستحق تؤول منذ البداية إلى الشركة، وكأنها قائمة قانونا. فإذا كان في غالب الأحيان ما يتم تقييد الشركة في السجل التجاري، بحيث لا يرتب هذا الاستعجال أي حرج، فإن الحالة المعاكسة تبقى كذلك واردة، وبالتالي سنكون أمام فراغ في الملكية Un vide de propriété بمعنى أن المال المكتسب من طرف شركة غير موجودة، لن ينسب لأي مالك، وتحل نفس الإشكالات إذا لم تتحمل الشركة ذلك التصرف بعد قيدها([114]).
ويبقى من أهم نتائج تحول المسؤولية، ذلك المتعلق باختفاء شخصية المتصرفين الذين قاموا بأعمال لفائدة الشركة قبل اكتسابها للشخصية المعنوية، فيتحللون من أي التزام اتجاه الدائن، بحيث تتحول المسؤولية إلى الشخص المعنوي الذي لا يملك أي ضمانة سوى الذمة المالية الاجتماعية، مع إمكانية تعويض هؤلاء المتصرفين عن ما أنفقوه من مصروفات من أجل تكوين الشركة حسب القواعد العامة للوكالة([115]).
وتجدر الإشارة إلى القول، أن هاته المسؤولية هي تعاقبية Alternative، إما أن يتحملها الشخص أو الأشخاص الذين أبرموا عملا لفائدة الشركة في طور التأسيس، أو يتحملها الشخص المعنوي إن قبل بذلك([116])، وليست ضمية بأي حال من الأحوال، أي لا تضامن فيها بين الشخص الذي أبرم الالتزام وبين الشخص المعنوي، وهذا ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في إحدى قراراتها التي أبعدت فيها ضم المسؤوليتين([117])، ومن بين ما جاء في حيثيات القرار: “…إن الفصلين 5 من قانون 24 يوليوز 1966، و 6 من مرسوم 3 يوليوز 1978، لا ينتج عنهما تضامن بين الأشخاص الذين التزموا لفائدة الشركة في طور التأسيس، والشخص المعنوي المؤسس والمسجل في السجل التجاري بكيفية قانونية“([118]).
ومن خلال حيثيات القرار، يتبين أن الشركة تخلف شخص من تصرف لحسابها، وليس للدائن الدائن يد أو رأي في الأمر، ولا حق له في التظلم من إبعاد المتعامل معه الأصلي، لأن هذا الأخير تصرف لحساب شركة في طور التأسيس، ولو لم يكن التحول في شخص المسؤول مفضلا لدى الدائن في بعض الأحيان، خاصة وأنه يترتب عن ذلك تعويض المسؤولية التضامنية والمطلقة للأشخاص الذين قاموا بعمل باسم الشركة في طور التأسيس، بأخرى أقل أهمية منها، تكون محدودة في حدود ما للمساهم لدى الشخص المعنوي.
كما يغيب أي دور للدائن كذلك؛ عندما ترفض الشركة أو تغفل تبني تصرفات أبرمت لحسابها، إذ لا سلطة لهذا الدائن تمكنه من إلزام الشركة بتحمل تصرف ما. وبذلك تبقى تقنية التحمل موضوعة بصفة كلية بين يدي المدين المفترض débiteur supposé، وهو الشركة المقيدة([119]).
وأمام محدودية سلطات الدائن في المواقف المذكورة، نجد القضاء يتدخل بين الفينة والأخرى لضمان حماية حقوق هذا الدائن، كما في حالات الغش والاحتيال، كأن يتم تأخير القيد في السجل التجاري دون مبرر، تتحمل بعده الشركة التزامات من أبرم تصرفا لحسابها، وعقب رفع الدعوى ضد هؤلاء للوفاء بديونهم؛ بحيث يجد الغير الدائن نفسه أمام شركة لا تسمح وضعيتها المالية بتغطية الالتزامات المتحملة. وإحباطا لمثل هذه المحاولة، نجد محكمة باريس قد قضت بعدم التمسك بتحمل الشركة للالتزامات في مواجهة الدائنين رافعي الدعوى([120]).
وعليه، فالدائن، وضمانا لحقوقه من الإهدار، وتحسبا لكل ما من شأنه أن يضعه أمام مفاجأة تتمثل في عدم كفاية الذمة المالية للشركة لتغطية الالتزامات المتحمل بها، يمكنه أن يطلب من الشخص أو الأشخاص الذين أبرموا أعمالا لفائدة الشركة وهي في طور التأسيس، ضمانات شخصية Des coutions Personnelles، ككفالة الشركة التي هي في طور التكوين([121])، وفي هذه الحالة، فإن تحمل الالتزامات يحرر المساهم من المسؤولية بصفته دائنا رئيسيا دون كونه ضامنا([122]).
الهوامش:
([1]) انتصار محجر باحثة بصف الدكتوراه بجامعة محمد الخامس، كلية الحقوق السويسي بالرباط.
([2]) د.علي خفيف : “الشركات في الفقه الإسلامي”، بحوث مقارنة، طبع مطابع دار النشر للجامعات المصرية، جامعة الدول العربية، معهد الدراسات العربية بالعالية 1962، ص: 21.
([3]) France GIRAMAND, et, Alain HERAUD : « Droit des sociétés », 3ème Ed 1995, p : 109 : « ..C’est un instrument remarquable et nécessaire de mobilisation de capitaux dans une économie de marché capitaliste… ».
([4]) Med EL MERNISSI : « Rapport introductif », Colloque sur le projet de réforme de la société anonyme : implication et enjeux, R.M.D.E.D, N° 37, 1996, p : 31 « Au Maroc depuis 1927 jusqu’au 31 décembre 1994, il a été constitué 64.440 sociétés dont 34.433 sociétés anonymes, soit 53, 44%… ».
([5]) يتعلق الأمر بالظهير الشريف رقم 1.96.124 الصادر في 14 من ربيع الآخر 1417 (30 غشت 1996)، بتنفيذ القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، والمنشور ب: ج.ر.ع 4422 بتاريخ 17 أكتوبر 1996، والذي يضم بين دفتيه 454 مادة و المغير والمتمم بالقانون رقم 20.05، الصادر الأمر بتنفيذه بمقتضى ظ.ش رقم 1.08.18 الصادر بتاريخ 23 ماي 2008 منشور بـ ج.ر.ع 5639 بتاريخ 16 يونيو 2008، ص 1359.
وفيما مضى كانت شركة المساهمة منظمة بأحكام ظهير 11 غشت 1922 القاضي بتطبيق القانون الفرنسي الصادر في 24 يوليوز 1867، هذا القانون الذي أصبح قديما ومتجاوزا في ظل ما تشهده البلاد من تغيرات عميقة، إذ لا يتأسف أحد اليوم على إلغاءه، لأنه عمّر مدة طويلة استحق معها الإلغاء.
للاطلاع على نص هذا القانون، يراجع: مجلة القضاء والقانون، ع 79، السنة الثامنة، ماي 1965.
([6]) حول ما يقع من مصروفات في هذه المرحلة، أنظر:
-P.Le CANNU.com. 6 Février 1990 : « La délivrance d’un chéquier à une société en formation n’est pas en soi fautive », Rev.Soc.1990, p : 237.
– Th.Bonneau.RTD.com, 1993, N°2, p : 690.
([7]) B.HATOUX, RTD.com 1990, p : 26, N°2.
– J.DERRUPPE RTD.com 1990, N° 5, p : 400 : « Une société non immatriculée ne peut être titulaire d’un fonds de commerce et ne peut donc pas consentir un nantissement. Elle ne peut pas non plus agir en justice ».=
– Th.BONNEAU, civ 2ème, 30 mars 2000, JCP, Ed « E » 2000, p : 1866.
– civ, 1er Juillet 1989, GAZ.PAL1989, I., p : 634.
([8]) C.LOPEZ : « La responsabilité solidaire et indéfinie des fondateurs : le sort des engagements pris ou non d’une société en formation en cas de défaut de reprise des actes par la société » J.C.P, Ed « E » 1998, p : 408.
– A.VIANDIER : « J.J.COUSSIN, Paris 17 mars 1998 RTD.com 1998, p : 343.
– H.CORVET : « La solidarité légale dans les sociétés de capitaux » Rev.soc 1985, N° spécial (4), p : 383.
-Com. 14 Janvier 1992, Rev.soc 1992, p : 303.
-Com 4 mai 1981, Rev.soc 1982, p : 277/Rev.soc 1996, p : 769.
– J.c.p, Ed « E » 2001, p : 895.
– RTD.com, 1988, p : 455, N°5.
([9]) Bastian DANIEL : « La situation des sociétés commerciales avant leur immatriculation au registre du commerce », Etude de droit commercial à la mémoire de Henry Cabrillac, Librairies Techniques, Paris, 1968, p : 32.
([10]) Alain VIANDIER, et, Maurice COZIAN : « Le droit des sociétés », Litec, 7éme Ed, Paris, 1994, N°267, p : 92.
([11]) Yves. GUYON : « Constitution des sociétés », Juris.Cl. (Sociétés traité) Ed.Tech.1995.Paris.VI-Fasc, 27A.11.1979. N°120, p : 24.
([12])Y.GUYON, op.cit, p : 172.
-Cass.com, 12 Avril 1976, J.C.P. Ed « G » IV, 1976-181.
-CL.CHAMPAUD, Note sous.cass : REV.Trim droit.com1976, p : 366.
([13]) انظر المادة 210 فقرة (6) من مدونة التجارة الفرنسية، وكذا الفصل 1843 فقرة 6، من القانون المدني الفرنسي، معدلة بقانون 03 يوليوز 1978.
([14]) نور الدين الفقيهي : “آثار ربط ميلاد الشخصية المعنوية للشركة بالقيد في السجل التجاري”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، تخصص قانون الأعمال- جامعة محمد الخامس- أكدال – الرباط، السنة الجامعية 2000-2001، ص: 69.
([15]) Com.7 Juillet 1981, RTD.com 1981, p : 844, N°4 OBS, Philippe MERLE.
([16]) 19 Novembre 1971. GAZ.PAL.1972-2-503, note. R.HOUIN RTD.com 1972, p : 914.
([17]) Notes sur.Cass.Paris, 24 Février 1977.
– Y.CHARTIER.J.C.P, 1978, II, 18957.
– Bousquet. D 1978, 32.
– RANDOUX, Rev.Soc 1978, p : 471.
– CL.CHAMPAUD, RTD.com.1978, p : 581.
([18]) Cass.civ. 1er Ch, 16 Février 1971, J.C.P. 1972, II 16772.
– Note .J.HEMARD.Rev.Soc. 1971, p : 381.
([19]) YVES Guyon : « Constitution des sociétés », op.cit, Fax.27A- N° 119, p : 24.
([20]) Cass.com, 3 avril 1973.J.C.P. Ed « G » 1973.IV.203.Rev.Soc 1974, p : 90.
– Note .R.HOUIN. RTD.com 1973, p : 804.
([21]) 24 Novembre 1988, GAZ.PAL-7-, 9 mai 1989.
([22]) R.HOUIN, chronique N°1. RTD.com 1974, N°3-4, Juillet, Décembre, p : 528.
-Bousquet, obs, cass.com, 23 Janvier 1978, D.S.1980, inf.rap, p : 162.
([23]) Michel DAGOT : « La reprise, par une société commerciale, des engagements souscrites pour son compte avant son immatriculation ou registre du commerce », J.C.P 1969, I.2277.
-Paillet : « L’activité de la société en formation » Rev.soc 1980, p : 419.
([24]) DAIGRE, note.cass.Paris, 30 Avril 1980, Rev.soc 1981, p : 63.
([25]) George.DAUBLON : « Validité des actes et contrats réalisés par les sociétés commerciales avant leur immatriculation au registre du commerce », Rép- defrénois, 15 mois 1977-97ème année, N°9, 1er Partie : Doctrine et jurisprudence Art 31393 N° 17, p : 674.
([26]) Phillipe MERLE, et, ANNE Fouchon,, « Droit Commercial : sociétés commerciales « 8 Ed. 2001 . Précis DALLOZ. p : 9.
([27]) J.HEMARD ; F.TERRE ; P.MABILA : « Sociétés commerciales », TI (Introduction, Généralité, société de personnes, société à responsabilité limité, société anonyme : constitution, direction et administration) Librairie. Dalloz, Paris 1972, N°170, p : 153.
([28]) بمقتضى التبويب الجديد الذي قام به المشرع الفرنسي، والمتمثل في صدور مدونة التجارة أصبحت هذه المادة مبوبة تحت رقم 210، فقرة (6) من مدونة التجارة.
([29]) Phillipe, MERLE, et, Anne Fouchon, op.cit, p : 94.
([30]) د- نور الدين الفقيهي ” الشركة في طور التأسيس الوضع القانوني و التدابير الحمائية ” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس كلية الحقوق السويسي الرباط، السنة الجامعية 2011-2012 .ص 442 وما بعدها.
([31]) لا بأس في التنبيه إلى أن إصدار الأسهم يختلف عن تداولها، فإصدارها هو إخراجها إلى الوجود وتسليمها لمن له شهادة المساهمة بسهم أو أكثر في حين أن تداولها هو بيعها، أو رهنها أو التنازل عنها بأي شكل من الأشكال بعد أن تم الحصول على صكها.
([32]) M.Patin, Pcautolle, M.Aydalot et J.M.Robert, « Droit pénal général et législation pénale appliquée aux affaires », Ed, P.U.F, Paris, 1979, p : 275.
([33]) انظر خدوج فلاح: “المسؤولية الجنائية للمسير في شركات المساهمة على ضوء التشريع والفقه والقضاء”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، شعبة العلوم القانونية- وحدة التكوين والبحث: قانون الأعمال، تحت إشراف الأستاذ عز الدين بنستي- جامعة الحسن الثاني- عين الشق، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- الدار البيضاء، السنة الجامعية 2003-2004، ص: 113-114.
([34]) تعرف الفقرة الثالثة من الفصل 289 من القانون الجنائي المغربي المضاربة غير الشروعة قانونا بكونها “عرض أسعار تزيد على ما كان يطلبه البائعون”.
([35]) ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 378 المذكورة كانت تنص على أنه: “يعاقب بغرامة من 4000 إلى 20.000 درهم كل من مؤسسي شركة المساهمة وأعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة مساهمة الذين أصدورا اسمها إما قبل تقييد تلك الشركة بالسجل التجاري أو في أي وقت آخر إذا تم تقييد الشركة عن طريق الغش أو دون التقيد بالنصوص القانونية في القيام بإجراءات تأسيس الشركة المذكورة.
([36]) الفقرة الثانية من المادة 318 من ق.ش.م قبل التعديل: “يمكن فضلا عن الغرامة الحكم بعقوبة الجبس لمدة تتراوح من شهر و 6 أشهر إذا تم إصدار الأسهم دون أن يتم تحرير الأسهم النقدية عند الاكتتاب بمقدار الربع على الأقل أو دون أن يتم تحرير أسهم الحصص تحريرا كاملا قبل تقييد الشركة بالسجل التجاري”.
([37]) تنص الفقرة الثانية من المادة 378 وفق صيغتها المعدلة على ما يلي: “تضاعف الغرامة المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا تم إصدار الأسهم دون أن يتم تحرير الأسهم النقدية عند الاكتتاب بمقدار الربع على الأقل أو دون أن يتم تحرير أسهم الحصص تحريرا كاملا قبل تقييد الشركة بالسجل التجاري”.
([38]) كانت الفقرة الأخيرة من المادة 378 من القانون رقم 17.95 تنص على أنه : “يمكن أن تضاعف العقوبات المنصوص عليها في هذه المادة إذا تعلق الأمر بشركات المساهمة تدعو الجمهور إلى الاكتتاب فأصبحت تنص= =وفق القانون المغير والمتمم رقم 20.05 على أنه : “يمكن فضلا عن الغرامة الحكم بعقوبة الحبس لمدة تتراوح من شهر وستة أشهر إذا تعلق الأمر بشركة مساهمة تدعو الجمهور إلى الاكتتاب”.
وقد كان المشروع الأول للتعديل يقضي بإلغاء العقوبة السالبة للحرية من الجرائم الواردة في المادة 378 من ق.ش.م والإبقاء على الغرامة فقط. أما المشروع الثاني فقد اقتصر على الغرامة فيما يخص شركات المساهمة المغلقة، واحتفظ بعقوبة الحبس بالنسبة للشركات المفتوحة.
([39]) أحمد شكري السباعي: “الوسيط في الشركات والمجموعات ذات النفع الاقتصادي”، الجزء الثالث، شركة المساهمة، الطبعة الأولى 2004 مطبعة المعارف الجديدة الرباط، ص: 208.
([40]) يعاقب بعقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 6000 إلى 30.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من مؤسسي وأعضاء أجهزة الإدارة والتسيير لشركة المساهمة وكذا مالكي أو حاملي الأسهم الذين تداولوا عن قصد:
1.أسهما لا قيمة اسمية لها؛
2.أسهما نقدية لم يبق على اسميتها إلى حين اكتمال تحريرها؛
3.أسهما عينية قبل انصرام الأجل الذي لا يسمح خلالها بتداولها؛
4.أسهما نقدية لم يتم دفع ربعها.
5.وعودا بأسهم، ماعدا الوعود بأسهم ستنشأ بمناسبة الزيادة في رأس مال شركة مقيدة أسهمها القديمة في بورصة القيم”.
([41]) أفرد المشرع للمخالفات المتعلقة بالتأسيس المواد من 378 إلى 383 في الباب الثاني من القسم الرابع عشر من ق.ش.م.
([42]) Voir M.Patin, Pcautolle, M.Aydalot et J.M.Robert, « Droit pénal général et législation pénale appliquée aux affaires », op.cit, p : 256 et s.
([43]) البند 3 من المادة 379 من ق.ش.م وهو نفس مضمون الفصل 15 من قانون شركات الأسهم لسنة 1922 الذي كان يحيل على القانون الفرنسي لسنة 1876 وفي ذلك تطبيق لأحكام جريمة النصب.
ويتحقق ذلك مثلا: عندما يوهم شخص الجمهور بمشروع تجاري كاذب معززا زعمه بوثائق تشهد باطلا باتجاره مع آخرين، فينخدع الناس بذلك ويسلموه الأموال التي طلبها، أو لجوء أشخاص يفترض فيهم الصدق والثقة إلى الكذب والحيل، كأن يتم للاشهار لشركة تجارية كبيرة يسيل رقم معاملاتها لعاب الراغبين في الاستثمار.
انظر: إبراهيم مصطفى مكارم: “الدور الإيجابي للمشرع الكويتي في توفير الحماية الجزائية لسوق الأوراق المالية”، مجلة الحقوق والشريعة، الكويت، دجنبر 1983، ص: 189.
عبد الرحيم صدقي: “قانون العقوبات، القسم الخاص: ط.الثالثة، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1987، ص 245.
([44]) بموجب القانون رقم 20.05 المغير والمتمم للقانون رقم 17.95.
([46]) محمد أعظية: “الحماية الجنائية لمصالح الشركاء في الشركات التجارية” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص جامعة محمد الخامس أكدال السنة الجامعية 2003-2004 ص: 61 و 62.
([47]) فيما يتعلق بمحاولة بعض الباحثين تحديد بداية الشركة في طور التأسيس انظر:
– نبيل أبو مسلم : “النظام القانوني للشركة في طور التأسيس، دراسة تحليلية ونقدية في ظل القانون المغربي والقانون المقارن”، الطبعة الأولى 2011، دار الآفاق المغربية للنشر والتوزيع، مطبعة الأمنية، الرباط، ص: 23.
([48]) حاول الفقه الفرنسي البحث في الطبيعة القانونية للشركة في طور التأسيس، فهناك من أسس لفكرة ما قبل الشركة présociété، وهناك من رأى فيها شركة مدنية تمهيديا Société civil préliminaire.، في حين رأى آخرون بأنها لا تتمتع إلا بشخصية معنوية داخلية، أما اتجاه أخير فقد اعتبرها شركة ذات شخصية معنوية منقوصة.
عن هذه النظريات الفقهية، وعن المقصود بالشركة في طور التأسيس، وتطور مسار التشريع الفرنسي بهذا الخصوص، يرجى الاطلاع على مقال:
– Didier PLANTAMP : « Le point de départ de la période de formation des sociétés commerciales », RTD.com 47 (1) janvier, mars 1994, p : 1 et s.
([49]) عن ضوابط و أشكال التحمل يراجع : د- نور الدين الفقيهي ” الشركة في طور التأسيس الوضع القانوني و التدابير الحمائية ” م.س .ص 353 وما بعدها.
([50]) D.BASTIAN : « La situation des sociétés… », op.cit, p : 29.
([51]) André DALSACE : « S.A.R.L et Sociétés par actions : Rôle des banques lors de leur constitution » Rev Banque- le Droit et la Banque- 1967, p : 594.
([52]) C.a Paris (15èmech), 30 Novembre 1976, Gaz.Pal.1977,I., P : 314.
-Note, Vasseur , D.s 1977, inf. rap, p : 449.
-Vasseur, note, c.a. Aix-en-Provence, 21, Novembre 1980.R.D.S 1981.inf.rap.p : 499.
([53]) G.DAUBLON, op.cit, N° 7, p : 666.
([54]) Rennes (5ème ch), 14 Octobre 1976, GAZ.PAL.1977-79. soc.com, N°15.
([55]) DAUBLON, op.cit, N° 7, p : 667.
([56]) CL.CHAMPAUD, Rev.Trim.dr.com.1969, p : 992.
([57]) E.PAILLET : « L’activité de la société en formation », Rev.soc, 1980. note 37, p : 427.
([58]) حول تقديم الأصل التجاري حصة في شركة، والإشكاليات التي يطرحها أنظر:
-عبد الإله لحكيم بناني: ” تقديم الحصة في الشركة ” منشورات جمعية البحوث وتنمية الدراسات القضائية 1996، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ص 41.
([59]) BURST, note, cass.com, 10 octobre 1984, Rev.soc 1985, p : 821.
([60]) Y.CHARTIER, art. précit, N°123.
([61]) HERVE CORVEST : « La solidarité légale dans les sociétés de capitaux », Rev.Soc, Avril. Juin 1985, N°16, p : 392.
([62]) Phillipe. MERLE, op.cit, p : 95.
([63]) E.PAILLET : « L’activité de la société en formation », Rev.Soc 1980, p : 419.
– Com.7 décembre, et, 26 octobre 1981.Rev.Soc 1982, p : 858.
– Rev.Soc 1997, p : 357.
– Rev.Soc, 2000, p : 512.
([64]) Y.CHARTIER, note, Paris, 24 Février 1977, J.C.P, 1978-II-18957, , N°123.
([65]) E.PAILLET, : « L’activité de la société en formation », Rev.soc, 1980. p : 440.
([66]) H.CORVES : « La solidarité légale dans les sociétés de capitaux », Rev.soc 1985, N° spécial (4)., N° 18, p : 394.
([67]) C.A.Paris, 3èmech, 2 décembre 1982, note, jean pierre SORTAIS, Rev.Soc, 1983, p : 325 à 329.
([68]) Cass.com 26 octobre 1981, note Française DEKELLWER-DEFOSSEZ, Rev.Soc, Octobre –Décembre,1982, p : 866.
([69]) د.امحمد لفروجي: “التاجر وقانون التجارة بالمغرب”، الطبعة الثانية 1998 مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، ص: 389.
([70]) انظر الفصل 77 فقرة 2، والفصل 678 من ق.ل.ع المغربي.
([71]) J.Bonnard : « Le cautionnement des engagements souscrits pour le compte d’une société en formation », Rev.Soc 1992, p : 255.
([72]) A.VIANDIER, et, M.Cozian,: « Le droit des sociétés », Litec, 7éme Ed, Paris, 1994, N°267. 4, N° 271, p : 9.
([73]) Y.CHARTIER, note, Paris, 24 Février 1977, J.C.P, 1978-II-18957.
([74]) Phillipe MERLE, et, Anne FOUCHON.op.cit, p : 95, N°77.
([75]) CL.CHAMPAUD, et, P.Le Floch : « L’engagement en qualité de garant », RTD.com 1988, N°3, p : 64.
– Com 27 octobre 1975, Rev.soc, p : 297.
– Com 18 décembre 1990, Rev.Soc 1991, p : 517, Y.CHARTIER.
– Lyon, 27 Novembre 1998, J.C.P.Ed « E » 1999, p : 1015.
([76]) Monique GUILBERTEAU, note, cass.com, 01 Avril 1974.Rev.Soc 1975, N° 1, Janvier, mars, p : 62.
([77]) Alain POUSSON : « Droit des sociétés », DUNOD- Paris 1993, p : 58.
([78]) D.BASTIAN : « La situation…. », op.cit, p : 31.
([79]) Alain POUSSON, op.cit, p : 59.
([80]) Y.CHARTIER, note, cass.com, 18 décembre 1990, Rev.soc, 1991, p : 517.
([81]) Hassania CHERQUAOUI : « La société anonyme en droit Marocain», 1er Ed. Najah El Jadida. Casablanca, 1997, p : 22.
([82]) يتعلق الأمر بمقتطف من المادة 6 من مرسوم 3 يوليوز 1978، الصادر لتطبيق قانون 04 يناير 1978 الفرنسي:
« …Cet état est annexé aux statuts, dont la signature emportera reprise des engagements par la société, Lorsque celle-ci aura été immatriculée ».
([83]) Alain POUSSON : « Droit des sociétés », Dunod, Paris 1993, p : 58.
([84]) هذا ما نصت عليه المادة 19 من القانون رقم 17.95 التي تحيل عليها المادة 26 من نفس القانون.
([85]) المرجو مراجعة المواد 5 و 23 و 31 و 50 من القانون رقم 5.96 المنظم للشركات التجارية.
([86]) Phillipe MERLE, op.cit, N°78, p : 96.
([87]) Alain Pousson, op.cit, p : 58.
([88]) Bernard SAINTOURENS : « Droit des sociétés », Librairie Vuibert, 2ème Ed, Paris 1998, p : 21.
([89]) Y.GUYON : « Droit des affaires », op.cit, N°167, p : 168.
([90]) CL.CHAMPAUD, com 21 Juillet, 1987, Rev.soc 1987, p : 590.
-P.le CANNU, RTD.com 1990, N°4, p : 399.
([91]) Y.GUYON, OBS, RTD.com 1972, N°3, p : 109.
– R.Houin, obs, RTD.com 1973, N°2, p : 804.
([92]) A.Pousson, op.cit, p : 59.
([93]) P.LECANNU, note, cass.com.21 Juillet 1987, Rev.Soc, 1987, p : 590.
([95]) Y.GUYON, note, Paris, 11 Juin 1971, J.C.P- 1972, II, 16981.
([96]) تنص الفقرتين الأولى والثانية من المادة 20 من القانون رقم 17.95 على أنه: “يتم تعيين المتصرفين الأولين وأعضاء مجلس الرقابة الأولين ومراقبي الحسابات الأولين، إما بموجب النظام الأساسي أو بموجب عقد منفصل يشكل جزءا من النظام الأساسي وموقع وفق نفس الشروط. ويشرعون في ممارسة مهامهم فعليا ابتداء من تقييد الشركة في السجل التجاري”.
([97]) Y.GUYON : « Droit des affaires », op.cit, N°170, p :170.
([98]) تنص المادة 29 فقرة 3 من ق.ش.م على أنه : “في حالة دعوة الجمهور للاكتتاب، يترتب عن تقييد الشركة في السجل التجاري تحملها للالتزامات إذا قررت الجمعية العامة الأولى العادية أو غير العادية ذلك”.
([99]) بحيث تلزم الفقرة 3 من المادة 31 من القانون رقم 5.96 بأن “تطبق على شركات التوصية بالأسهم القواعد المتعلقة بشركات التوصية البسيطة، وأحكام القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، باستثناء ما يتعلق منها بتسييرها وإدارتها، وذلك في حدود ملاءمتها مع الأحكام الخاصة المنصوص عليها في هذا الفصل”.
كما نتوصل إلى نفس الحكم بإعمال القياس على مقتضى الفقرة الثانية من المادة 32 من القانون رقم 5.96، التي جاء فيها: “يعين المسير أو المسيرون أثناء وجود الشركة من طرف الجمعية العامة العادية للمساهمين بموافقة جميع الشركاء المتضامنين، ما لم ينص النظام الأساسي على خلاف ذلك”، وطبعا فإن الجمعية العامة العادية للمساهمين تتخذ قراراتها بأغلبية الأصوات على غرار الجمعية العامة للمساهمين في شركات المساهمة، طبقا للمادة 31 من القانون رقم 5.96.
([100]) نصت المادة 44 فقرة 3 من القانون رقم 5.96 على أنه :”إذا كانت الشركة تتكون حيادا من مقتضيات الفصل 982 من ق.ل.ع، من شخص واحد، سمي هذا الشخص بالشريك الوحيد، ويزاول الشريك الوحيد الصلاحيات المخولة لجمعية الشركاء المنصوص عليها في هذا الباب”.
([101]) E.ALFANDARI, et, M.JEANTIN, note, sous cass.com. 20 Janvier 1987, Rev.Trim.dr.com 1987, N°1, p :214.
– Bernard. SAINTOURENS, Rev.soc 2000, p : 722.
-RANDOUX, J.C.P, 1987, II, 20890.
([102]) M.DAIGRE, Rev.Soc 1981, p : 63.
([103]) J.J.Burst, Note, cass.com.10 octobre 1984.Rev.soc 1985, p : 821.
([104]) R.HOUIN, obs, RTD.com 1979, p : 253.
([105]) Y.Guyon, Note, Orléans, 22 Février 1978, J.C.P, 1978II-19403.
([106]) Y.Guyon, « Droit des affaires », op.cit, N°170, p :170.
([107]) M.DAGOT, chronique, « un texte contestable : l’article 5 de la loi du 24 Juillet 1966 sur les sociétés commerciales » R.D.S. 1974, III, p : 243.
([108]) P.FREMANT : « Acquisitions immobiliers des sociétés non encore immatriculées, Vues sous l’Angle de la publicité foncière » J.C.P.I.1980, p : 393.
([109]) Y.GUYON : « Constitution…. » op.cit, Fasc 27 A N°115, p :23.
([110]) PH.MERLE, et, A.Fouchon, op.cit, N° 79, p : 97.
([111]) CL.CHAMPAUD, Note RTD.com, 1969, p : 991.
([112]) Rép.MIN (Justice), Rev.Soc.1975, p : 171.
([113]) D.BASTIAN : « La situation…. », op.cit. p : 32.
([114]) Michel GERMAIN : « Naissance, et, mort des sociétés commerciales » (Etude dédiées à René Roblot : Aspects actuels du droit commercial français) L.G.D.J, Paris 1984, p : 237.
([115]) Y.GUYON : « Constitution…. », op.cit, Fasc, 27 A N116, p :24.
([116]) A.VIANDIER, et, M.COZIAN, op.cit, N278, p : 98.
([117]) CL. CHAMPAUD, et, D.DANET, Obs, cass.com, 22 mai 1991, Rev.Trim.dr.com 1992, p : 618.
([118]) للتذكير فإن هذين الفصلين مقابلين للمادة 27 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك فيما تقدم.
([119]) A.VIANDIER, et, M.COZIAN, op.cit, N° 273, p :95.
([120]) Paris, 22 Nov 1988, Rev.soc, 1989, somm 88.
-Obs, CL.CHAMPAUD, et, P.LEFLOCHE, RTD.com 1989, p : 241.
([121]) CL. CHAMPAUD, Note, Paris 8 Février 1977, RTD.com 1978, p : 578.
([122]) J.BONNARD : « Le cautionnements des engagements souscrits pour le compte d’une société en formation », Rev.soc, 1992, p : 255.
تعليقات 0