بوعزة بوطرفة: التحكيم ضمانة موضوعية للمتعاقد مع الإدارة

رشيد فطوش: جريمة إعطاء أو تأييد مراقب الحسابات لمعلومات كاذبة

بوعزة بوطرفة: مشروعية التحكيم في العقود الإدارية في النظام الفرنسي

20 أكتوبر 2023 - 3:41 م مقالات , القانون العام , مقالات
  • حجم الخط A+A-

بوعزة بوطرفة دكتور في الحقوق 

             لطالما كانت المنازعات التي تكون الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة التابعة لها  طرفا فيها موضوعا لمناقشات قانونية فقهية وقضائية مستفيضة، منذ أن اعترف للتحكيم في صورته الحديثة بالصفة الشرعية لنظر هذه المنازعات وإصدار الأحكام بشأنها. إذ تطورت المسالة من الرفض الصريح من قبل التشريعات التي وضعت في بادئ الأمر لتنظيم أحكام التحكيم من خلال استثناء منازعات الدولة صراحة من ضمن نطاق المنازعات التي يمكن أن تنظرها محكمة التحكيم، سواء كانت هذه المنازعات ذات طبيعة عامة تتصرف فيها الدولة بما لها من سيادة من خلال اتخاد القرارات الادارية السيادية والسياسية أو كانت ذات طبيعة خاصة تتصرف فيها الدولة كما يتصرف فيها أي شخص من أشخاص القانون الخاص فتبرم العقود الاقتصادية والتجارية والخدماتية وغيرها مع الأفراد والشركات والدول الأخرى.

     ومن هنا أصبحت إشكالية اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية تفرض نفسها شيئا فشيئا على الدول وهيئاتها، وذلك بفعل تطور الحياة الاقتصادية وتحرير التجارة الدولية وتدفق رؤوس الأموال وهيمنة الشركات المتعددة الجنسيات على الاقتصاد العالمي، ودخول الدول طرفا في عمليات التبادل الدولي بصفة عامة، وهو ما نتج عنه قيام علاقات بين الدول وأشخاص القانون الخاص، الذين أصبحوا يفضلون في الغالب أسلوب التحكيم لحل النزاع الذي قد يطرأ أثناء إبرام العقد أو تنفيذه أو تفسيره بدل اللجوء إلى القضاء الوطني. وهو ما ألزم الأنظمة القانونية الوطنية وخاصة في فرنسا، إلى الاهتمام بالتحكيم وتنظيمه، والإقرار بإمكانية اللجوء اليه في العقود الادارية كطريق استثنائي من الأصل العام والمتمثل في خضوع المنازعات الإدارية للقضاء الإداري وذلك في حالات معينة. غير أن خصوصية هذه العقود أملت التنصيص على شروط وضوابط وقواعد خاصة للقبول بالاتفاق على اللجوء إلى التحكيم[1] وليس فقط إرادة المتعاقدين، فمن يتصرف في الشأن العام، يتصرف في شأن الجماعة لذلك يجب أن يكون مفوضا لذلك، وحق التصرف هذا يأتيه من مستند عام، أي مستند شرعي هو الذي يحدد أهليته في التصرف ولكون موضوع مشروعية التحكيم في العقود الإدارية قد أثار جدلا كبيرا سواء على الصعيد الدولي أو على الصعيد الداخلي حيث المشرع من جهة والفقه والقضاء من جهة ثانية لذا فقد ارتأينا ان تتطرق الى هذا الموضوع في النظام الفرنسي الرائد على مستوى الأنظمة اللاتينية، وذلك بسرد مواقف كل من المشرع ، القضاء والفقه، فقد أثارت فكرة القبول بالاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية جدلا فقهيا وقضائيا وتشريعيا فانقسم الرأي إلى اتجاهين، فثمة من يرى في القبول بفرضية الاتفاق على التحكيم من أجل حل هذه المنازعات تعديا على اختصاص القضاء والقضاء الاداري بالخصوص، وتخلي الدولة عن مركزها السيادي باضطرارها إلى الوقوف أمام المحكم على قدم المساواة مع غيرها من الأشخاص الخاصة وقد عبر عن هذا الراي Laferriere   مند أمد بعيد بقوله: ” لايمكن للدولة أن تتفق على تسوية منازعاتها بطريق التحكيم بسبب النتائج السلبية وغير المتوقعة التي قد تترتب عليه”. وأضاف قائلا: “كيف يمكن تصور إمكانية لجوء الدولة إلى محكم خارجي لحسم منازعاتها في الوقت الذي تنكر فيه إمكانية اللجوء إلى القضاء العادي لفصل هذه المنازعات[2]“. بينما يؤيد آخرون إعمال نظام التحكيم في العقود التي تبرمها الدولة أو أحد هيئاتها العامة، ويرون أنه ليس هناك مانع يمنع الإدارة من اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية وذلك انطلاقا من أهمية التحكيم في حسم المنازعات في ضوء تغير الدور الذي تضطلع به الدولة في الوقت الراهن، ولكونه أنسب طريق لحل النزاع الذي قد ينشأ بمناسبة إبرام أو تنفيذ هذه العقود، الأمر الذي انعكس على تنظيم أشكال وشروط التحكيم في العقود الإدارية، من خلال تدخل المشرع لحسم الخلاف حول مشروعية اللجوء إلى التحكيم في هذه العقود؛ وهذا ما نهجه المشرع الفرنسي، إن الأصل في التحكيم في مجال القانون العام في فرنسا هو الحظر، إذ ظل النظام الفرنسي رافضا لكل أشكال التحكيم في العقود الإدارية التي تبرمها الدولة أو أحد هيئاتها العامة مع الأشخاص الخاصة، وللوقوف على تفاصيل وحيثيات اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية في فرنسا، سنتطرق إلى موقف المشرع الفرنسي من هذه المسألة رغم أنه توجد هناك عدة استثناءات (الفقرة الأولى)، ومن ثم موقف الفقه (المتأرجح بين المعارض والمؤيد) والقضاء(القضاء العادي، مجلس الدولة)   من نفس المسالة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: موقف المشرع الفرنسي من التحكيم في العقود الإدارية.

للتحكيم دور هام في حسم المنازعات الإدارية، ونتيجة لذلك اصطدمت هذه الأهمية العملية للتحكيم بموقف المشرع[3]، فالمبدأ العام في القانون الفرنسي هو عدم جواز لجوء أشخاص القانون العام للتحكيم لحسم منازعاتهم، ويستند هذا المبدأ إلى نصوص تشريعية لاتجيز لأشخاص القانون العام الاتفاق على التحكيم لحل منازعاتهم، ومن هذه النصوص ما نص عليه المشرع الفرنسي في المادتين (83) و(1004) من قانون الإجراءات المدنية الصادر في عام 1803 اللتين حظر فيهما التحكيم في المنازعات التي ترتبط بالدولة أو الأشخاص المعنوية العامة[4].

وتأكد هذا الحظر في المادة (2060) من القانون المدني الحالي الصادر عام 1972 المعدل بالقانون الصادر في 9/7/1975 الذي أورد فيه كافة المنازعات التي تكون الأشخاص العامة طرفا فيها حتى لو تعلق الأمر بعقد من عقود الإدارة التي تختص بها المحاكم المدنية أو التجارية وهذا الحظر متعلق بالنظام العام ولا يجوز مخالفته[5]. فالقاعدة العامة التي وضعتها هذه النصوص هي منع الأشخاص المعنوية للقانون العام من الاتفاق على التحكيم، ولايمكن أن يكون هناك استثناء على هذه القاعدة العامة إلا بناء على قانون[6]. إلا أن المشرع قد خرج عن هذا الأصل العام وأورد استثناءات تهدف إلى تخفيف تكدس القضايا لدى القضاء الإداري وتقريب التنظيم الإداري من التنظيم التجاري، وإن كانت هذه الأهداف لم تتحقق عمليا إلا قليلا[7].

يمكن تحديد مجال هذه الاستثناءات على الشكل التالي:

1) التحكيم في ظل قانون 17/4/1906:

سمح المشرع الفرنسي في المادة (69) من القانون الصادر في 17/4/1906 باللجوء إلى التحكيم لإنهاء المنازعات المتعلقة بتصفية نفقات الأشغال العامة والتوريد ومن ثم لا يتعدى ذلك إلى المنازعات التي تنشأ عن هذه العقود ولا تتصل بهذه المشكلة.كذلك حدد القانون نطاق التحكيم بعقود الأشغال العامة والتوريد التي تبرمها الدولة والمديريات واعتبر مجلس الدولة الفرنسي هذا التعداد على سبيل الحصر، وعليه استبعد من نطاق التحكيم عقود الأشغال والتوريد التي تبرمها المرافق العامة وبدأ المشرع توسيع نطاق التحكيم ليشمل عقود الأشغال العامة والتوريد التي تبرمها البلديات والنقابات المشتركة وغيرها[8].

2) التحكيم في ظل قانون 9 يوليوز 1975:

استثنى المشرع الفرنسي بصدور قانون 9 يوليوز 1975 بعض أنواع المؤسسات العامة ذات الطابع الصناعي والتجاري من حظر التحكيم الوارد بقانون 5 يوليوز عام 1972، غير أن هذه المؤسسات التي سمح لها باللجوء إلى التحكيم لم تلجأ إليه في حل منازعاتها إلا نادرا رغم أن بعض منازعاتها تتعلق بعقود إدارية[9].

3) التحكيم في ظل قانون 19 أغسطس 1986[10] (جواز التحكيم في العقود الدولية):

تدخل المشرع الفرنسي بمقتضى قانون 19 أغسطس 1986 حيث أجاز للدولة وللمقاطعات والمؤسسات العامة أن تقبل شرط التحكيم في العقود الدولية المبرمة مع شركة أجنبية من أجل تحقيق نفع قومي وذلك استثناءا من أحكام المادة (260) من القانون المدني[11].

4) التحكيم في ظل قانون 2 يوليو 1990:

وهو القانون الخاص بهيئة البريد والاتصالات الفرنسية:

فقد نص هذا القانون في المادة (22) منه على إمكانية هذه الهيئة اللجوء إلى التحكيم لتسوية المنازعات التي قد تنشأ عن العقود التي تبرمها مع الغير[12].

5) التحكيم في ظل قانون رقم 587 لسنة 1999:

أجاز القانون رقم 587 لسنة 1999 في المادة (2) منه، والخاص بالابتكار والبحث العلمي للمؤسسات التي تساهم في التعليم باللجوء إلى التحكيم[13].

ولتنفيذ هذا القانون كان لابد من إصدار مرسوم يوضح الشروط العملية للجوء إلى التحكيم، وبالفعل تم إصدار المرسوم رقم 764 لسنة 2000 حيث اشترط تصديق مجلس إدارة المؤسسة على اللجوء إلى التحكيم في جميع منازعات العقود سواء كانت الإدارية منها أو المدنية[14].

ويتضح مما سبق أن الاتجاه الغالب في فرنسا هو الأخذ بنظام التحكيم في العقود الإدارية سواء كان ذلك في صورة شرط أو مشارطه. وقد تم تجميع هذه لاستثناءات وإدراجها في قانون القضاء الإداري الصادر عن الحكومة الفرنسية بالمرسوم رقم 387 سنة 2000[15]، الا أن هناك حساسية من جانب مجلس الدولة في تطبيق النصوص التشريعية التي تقرر ذلك.

الفقرة الثانية: موقف الفقه والقضاء بفرنسا من التحكيم في العقود الإدارية.

لرصد موقف الفقه والقضاء من التحكيم في العقود الإدارية، فإن الأمر كان يتعلق إلى زمن غير بعيد بالبحث في أسباب حظر لجوء الأشخاص العامة للتحكيم، بما في ذلك المنازعات العقدية التي تكون الإدارة طرفا فيها؛ غير أنه وبالرجوع إلى الدراسات الفقهية الحديثة والآراء الإفتائية لمجلس الدولة الفرنسي، فإنه من الملاحظ أن النقاش الفقهي( أولا) والعمل القضائي(ثانيا) قد تجاوزا مرحلة الحديث عن أسباب الحظر والمنع ليصلا إلى مناقشة كيفية إعمال الطرق البديلة للتقاضي عموما والتحكيم خصوصا وفي المنازعات الإدارية بصفة عامة ومنازعات العقود الإدارية بصفة خاصة.

 أولا: موقف الفقه الفرنسي من التحكيم في العقود الإدارية.

 ومن أجل ملامسة الموقف الفقهي من التحكيم في المادة الإدارية عموما والتحكيم في منازعات العقود الإدارية خصوصا، فإننا سوف نتطرق في الفقرة (أ) إلى الموقف التقليدي للفقه من التحكيم في العقود الإدارية أي رصد أسباب المنع والحظر، على أن نخصص الحديث في الفقرة (ب) للموقف الفقهي المؤيد للتحكيم في العقود الإدارية بفرنسا.

أ) الموقف الفقهي التقليدي من التحكيم في العقود الإدارية:

     لقد تساءل ادوارد لافريير Edouard Laferriere الذي كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الدولة الفرنسي ومؤلف كتاب حول القضاء الإداري ومساطر المنازعات سنة 1896،” كيف يمكن قبول خضوع الدولة للمحكمين في قضايا لا يمكن قبول خضوع الدولة فيها حتى للقضاة المدنيين؟ بل الأكثر من ذلك فإن التمييز بين القضاء العادي والقضاء الإداري هو من النظام العام في الدولة[16]؟

ولعل هذا الموقف هو الذي تم تبنيه بعد 90 سنة من طرف مجلس الدولة الفرنسي في فتواه الصادرة بتاريخ 6/3/1986، هذه الفتوى التي خلصت إلى حظر لجوء الأشخاص العامة للتحكيم دون موافقة تشريعية وصريحة، وذلك اعتمادا على مقتضيات المادة 2060 من القانون المدني الفرنسي، هاته المادة التي تستثني أشخاص القانون العام من الخضوع للقواعد المسطرية التي تحدد اختصاص المحاكم الوطنية الفرنسية في حالة صدور مقررات تحكيمية.

وبالرغم من أن الفقيه ادوارد لافريير Edouard Laferriere[17] قد ضمن في مقولته الشهيرة جميع أسباب منع وحظر اللجوء إلى التحكيم في المادة الإدارية، فإن من تبعه من فقهاء القانون والقضاء الإداري أرجعوا أسباب هذا الحظر والمنع إلى الأسباب القانونية المباشرة، والمتمثلة في مقتضيات المادة 2060 وقبلها المادتين 1004 و83 من قانون المسطرة المدنية الملغی، وأهم هذه المبادئ هي:

1-تعارض التحكيم مع مبدأ سيادة الدولة والاختصاص الأصيل لقضائها:

حيث يؤكد المعارضون للأخذ بنظام التحكيم في مجال العقود الإدارية أن التحكيم يتعارض ويصطدم مع سيادة الدولة، فمن المعروف أن الدولة تتمتع بالشخصية القانونية، شأنها في ذلك شأن جميع التجمعات التي يعترف لها بالشخصية المعنوية، إلا أنها تختلف عن هذه الأشخاص في كونها تتمتع بالسيادة، وهو ما يعني أن سلطتها أصيلة، فالدولة ذات السيادة هي التي تتصرف بحرية واستقلال[18].

2-تطبيق قانون آخر غير قانون الدولة على النزاع:

        وهو أمر يتعارض مع سيادة الدولة؛ فالدولة باعتبارها سلطة عامة يجب ألا تخضع إلا لأحكام القضاء الذي قامت هي بإنشائه والقانون الذي أعدته.

ولما كان التحكيم يعني اتفاق أطراف علاقة ما على إنشاء قضاء خاص يختارون أعضاءه لتولي الفصل في المنازعات القائمة أو التي تنشأ بينهم في المستقبل، ويكون ذلك بقرار ملزم يفرض على الطرفين، فإن ذلك يمثل اعتداء على سيادة الدولة[19].

وهكذا يحظر على الدولة اللجوء إلى التحكيم لتسوية منازعاتها مع غيرها، باعتبار أن السيادة التي تتمتع بها الدولة تقتضي عدم خضوعها لهيئات التحكيم، وعدم جواز تطبيق قانون أجنبي عليها، وبالتالي عدم جواز مقاضاتها إلا أمام القضاء الرسمي الذي تم إنشاؤه من قبلها.

وفي الأخير، فإن ما يمكن قوله عن أساس حظر اللجوء الى التحكيم في العقود الإدارية وكما لاحظ ذلك الأستاذ Jarrosson، أنه يكتسي طابعا مركبا، (فتارة نجد أن النصوص القانونية تدعمه وتارة أخرى يعززه النص القانوني)[20].

ب) الموقف الفقهي المؤيد للتحكيم في العقود الإدارية:

بالرغم من تطميناته بخصوص مستقبل المحاكم الإدارية بفرنسا، اعتبر “بيير ديلفولفيه” Pierre Devolve في التقرير الختامي الذي أعده بمناسبة ندوة مستقبل المحاكم الإدارية بفرنسا، بأنه ” وبالرغم من حظر لجوء الأشخاص العامة للتحكيم، فإن ذلك لم يمنع المشرع من إقرار استثناءات تبيح اللجوء إلى التحكيم، وذلك انطلاقا من قانون 17/4/1906، ومرورا بمقتضيات المادة 317 من قانون 6 من مدونة المحاكم الإدارية، وكذلك لجوء السلطة التنفيذية إلى الأوامر (عقود الشراكة: أمر 17/6/2004) وأحيانا بواسطة مرسوم ( مرسوم 3/6/2004 المنظم للأركيولوجية الوقائية)، وهذا ما يشكل موضوع تحفظات من جانب نقابة المحاكم الإدارية “

غير أن مجال التحكيم يبقى محصورا، وذلك لعدم إمكانية امتداده إلى قضاء المشروعية واقتصاره على المسؤولية العقدية.

كما أن اللجوء إلى التحكيم لا يعني استبعاد تدخل القاضي الإداري، هذا الأخير الذي يتدخل سواء فيما يتعلق بتقدير مدى مشروعية اللجوء إلى التحكيم أو رقابته على المقررات التحكيمية عند النظر في الطعن بالاستئناف في حالة عدم استبعاد هذا الطعن بواسطة نص في القانون أو عن طريق النظر في البطلان، ليقرر في الأخير بأن الطرق البديلة لحل النزاعات لا يمكنها طرد القضاء الإداري ولا يمكنها عدم اللجوء إليه، لأن هذه الطرق البديلة لا يمكن لها الإفلات من قضاء الدولة.

مقال قد يهمك :   محمد أوزيان : خصوصية القواعد المسطرية في مادة نزع الملكية

أما بخصوص النقاش الدائر حول التشريع المقترح بخصوص التحكيم في العقود الإدارية، فإنه وبالرجوع إلى الكتابات التي تمخضت عن تقرير لابوتول، فقد اعتبر بعض الفقه بأن هذا التقرير يقترح شكلا مشوها من التحكيم، ذلك أنه قد أعطى الاختصاص للمحاكم الإدارية للنظر في الطعون المترتبة عن التحكيم الداخلي في العقود الإدارية، وكذلك الشأن فيما يتعلق بالتحكيم الدولي المنصب على العقود الإدارية[21].

وسند هذا الجانب من الفقه هو كون التمييز بين القضاء العادي والقضاء الإداري الذي يميز النظام القضائي الفرنسي لا مثيل له في الأنظمة القانونية الأنكلوساكسونية؛ وهذا ما سيشكل ضربة قوية للجاذبية الاقتصادية والتجارية لفرنسا، ومن جهة أخرى فإن اعتماد هذا الشكل من شأنه الدخول في متاهات الاختصاص وتنازعه بين القضاء العادي والقضاء الإداري وطرح الأمر على محكمة التنازع وهذا من شأنه ضرب مصداقية التحكيم في مقتبله.[22]

 ثانيا: موقف القضاء الفرنسي من التحكيم في العقود الإدارية:

انقسم العمل القضائي بفرنسا بين موقف القضاء الإداري من جهة والذي ظل متشددا بخصوص حظر التحكيم في العقود الإدارية الداخلية والدولية (أ)، رغم إتاحة الفرصة مؤخرا لمحكمة التنازع الفرنسية لإبداء موقفها من التحكيم في العقود الإدارية كذلك (ب)، ومن جهة ثانية موقف القضاء العادي والذي حاول الخروج عن قاعدة الحظر، وذلك من خلال محاولاته للتمييز بين العقود الإدارية الوطنية والعقود الإدارية ذات الطابع الدولي، والاكتفاء بإقرار حظر التحكيم في العقود الداخلية فقط دون الدولية منها (ج).

أ) موقف القضاء الإداري من التحكيم في العقود الإدارية بفرنسا:

وإذا كان الموقف التقليدي لمجلس الدولة الفرنسي من التحكيم في العقود الإدارية يتسم بالتشدد فإن المواقف التقليدية لمجلس الدولة الفرنسي قد عرفت تطورا مهما.

  • الموقف التقليدي لمجلس الدولة الفرنسي:

 انطلاقا من تفسيره لمقتضيات المادة 2060 من القانون المدني الفرنسي[23] والتي تمنع وضع شروط تحكيمية في العقود الإدارية، ظل مجلس الدولة الفرنسي ملتزما بمنع اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية بنوعيها الداخلي والخارجي، مطبقا بذلك قواعد القانون المدني في المجال الإداري باعتباره الشريعة العامة.

بل أن مفوض الحكومة Gazier قد ذهب في أحد الأحكام، إلى أن حظر التحكيم في منازعات الأشخاص العامة هو مبدأ من المبادئ العامة للقانون العام الفرنسي[24].

ويتبين الموقف المتشدد لمجلس الدولة الفرنسي من حظر اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية من خلال العديد من الأحكام والفتاوى الصادرة عنه.

ففي أحكامه[25] السالفة سبق له وأن قضي منذ زمن طويل بعدم مشروعية التحكيم من قبل أشخاص القانون العام، وذلك انطلاقا من مقتضيات المادتين 83 و1004 من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1806 الملغي.[26]

وفي حكمه الصادر في 13/12/1957 بخصوص قضية الشركة الوطنية لبيع الفضائل[27] قرر بأنه بناء على مقتضيات الفصلين 83 و1004 من قانون المسطرة المدنية فان المؤسسات العامة يمنع عليها اللجوء إلى حل نزاعاتها عن طريق التحكيم إلا إذا سمح لها القانون بذلك.

وتتلخص وقائع هاته القضية في أنها أثارت أمام محكمة الاستئناف بباريس مسألة مدى قانونية وشرعية المادة 10 من المرسوم الذي يجيز لمجلس إدارة الشركة الوطنية لبيع الفضائل باعتبارها مؤسسة عامة لإبرام عقد تحكيم، فقررت محكمة الاستئناف بباريس إيقاف البت في النزاع إلى حين البت من قبل مجلس الدولة الفرنسي في هاته النقطة القانونية.

وحين عرضت المسألة على أنظار مجلس الدولة الفرنسي، قضى هذا الأخير بأن المرسوم الذي يجيز لهذه الشركة اللجوء إلى التحكيم مشوب بعيب عدم المشروعية، وذلك بالرغم من الطابع التجاري الذي يلازم هاته المؤسسة[28].

كما أن مفوض الحكومة Gazier اعتبر في تقريره المقدم ضمن وثائق هاته القضية، بأنه وبالرغم من الطابع التجاري والصناعي للمؤسسة العمومية، فإن هذا غير كاف ليكون سببا في إخضاع النازلة لمقتضيات الفصل 631 من القانون التجاري الفرنسي، بل يجب أن يكون هناك تمييز يتماشى مع طبيعة ارتباط هاته المؤسسات بالمرفق العام، وأن من بين أشكال هذا التمييز الذي يجب أن تحظى به المؤسسات العامة ذات الطابع الصناعي والتجاري يتمثل في عدم إخضاع منازعاتها للتحكيم.[29]

أما فيما يتعلق بالفتاوى الصادرة عن المجلس، فإنه من الملاحظ بأن هذا الأخير قد حافظ على النهج نفسه المتشدد بخصوص حظر اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية.

ففي الفتوى الصادرة عن مجلس الدولة الفرنسي 6/3/1986 شعبة الأشغال العمومية، اعتبر فيها بأن أشخاص القانون العام لا يمكنها الإفلات من القواعد القانونية التي تحدد اختصاص المحاكم الوطنية والخضوع إلى أحكام المحكمين لحل نزاع يرجع اختصاص البت فيه إلى المحاكم الوطنية.[30]

كما أن فتواه في قضية ديزني لاند 1986 المعارضة للتحكيم في العقود الإدارية، كانت وراء صدور قانون 1986، والذي بموجبه يمكن اللجوء إلى التحكيم إذا اقتضت المصلحة الوطنية ذلك، ولقد اضطرت فرنسا عندها لإصدار قانون في 19 غشت 1986، يعتبر أنه ليس هناك ما يمنع من إدخال شرط التحكيم في العقود ضمن إطار الشروط التالية: 1-أن يكون العقد دوليا، 2-أن يكون العقد ذا نفع قومي عام، كما أنه لا بد من الحصول على ترخيص بقبول هذا الشرط بمرسوم ولكل حالة على حدة.

وبموجب حكمه الصادر بتاريخ 3/3/1989، استبعد مجلس الدولة الفرنسي خضوع منازعات العقد الإداري لأية جهة أخرى عدا لولايته.[31]

  • الموقف الحديث لمجلس الدولة الفرنسي:

في إحدى القضايا الحديثة التي عرضت عليه للنظر في الطعن بإلغاء المقتضيات المتعلقة بالتحكيم التي تضمنها القانون المتعلق بعقود الشراكة، قضى مجلس الدولة الفرنسي برفض الطعن بالإلغاء، وأقر بذلك بصحة المقتضيات المتعلقة بالتحكيم في العقود الإدارية.

وهنا يتعلق الأمر بقضية “Sueur et autres[32]، هاته القضية التي بت فيها بتاریخ 29/10/2004 وبغرفتين مجتمعتين واعتبر فيها بأن الجانب الاقتصادي في عقود الشراكة يستوجب حل النزاعات المترتبة عن هاته العقود عن طريق التحكيم؛ كما أن هذا القانون قد جاء محترما لجميع مقتضيات الرقابة الواجب ممارستها من طرف المجالس التداولية خصوصا للجماعات المحلية، وكذلك لواجبات الإعلام اتجاه المرتفقين، ليخلص في الأخير إلى القول بصحة الشروط والمقتضيات التي جاء بها هذا القانون.[33]

وبعد هذا الموقف الأخير للمجلس من موضوع التحكيم في العقود الإدارية، جاءت قضية Inserm»، وبت فيها بغرفتين مجتمعتين كذلك، حيث عاد مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 31/7/2009 إلى موقفه المتشدد من جديد.[34]

فقد قضى بمناسبة نظره في الطعن بالبطلان المقدم من طرف‘Inserm’ في تاريخ 31/7/2009 بإحالة القضية على محكمة التنازع، للنظر فيما إذا كان الطلب المقدم من طرف ‘Inserm’ يندرج أم لا ضمن اختصاص القضاء الإداري.[35]

وتتلخص وقائع القضية، في أن المعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية ” Inserm”،[36] وهي شخص من أشخاص القانون العام قد أبرمت عقدا مع الشركة Lebten. F.Saugistad طبقا للقانون النرويجي.

ونتيجة لخلاف عقدي بين الطرفين، عمدت ” Inserm” إلى تقديم طلب أمام رئيس المحكمة الابتدائية بباريس قصد تعيين محكم.

وعند إصدار المحكم المعين لحكمه في هذا الصدد، قضى ضد مصالح ” Inserm ” الشيء الذي حدا بهذه الأخيرة إلى تقديم دعوى ترمي إلى بطلان هذا المقرر التحكيمي.

وإذا كان قرار مجلس الدولة الفرنسي هذا يشكل إعلانا عن عودة هذا الأخير إلى موقفه التقليدي والمتسم بالتشدد من التحكيم في العقود الإدارية، فإنه يكون بقراره هذا رمى بالكرة في مرمى محكمة التنازع الفرنسية، هاته الأخيرة التي سوف تكون ملزمة بإصدار قرار سيكون له أهمية قصوى، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كون أن محكمة الاستئناف بباريس قد استقر اجتهادها على إعطاء الأولوية للطابع التجاري الدولي للعقد على حساب طبيعته الإدارية.

وإضافة إلى المواقف القضائية الحديثة الصادرة عنه، فإنه يمكن رصد المزيد من المواقف الحديثة له من التحكيم في العقود الإدارية، كذلك من خلال المزيد من المواقف والعديد من المؤشرات، ولعل أبرزها ما جاء في المداخلة التي تقدم بها نائب رئيس مجلس الدولة الفرنسي بالندوة المتعلقة بالتحكيم وأشخاص القانون العام والتي انعقدت بتاريخ 30/9/2009[37].

هاته المداخلة تضمنت العديد من المواقف المدافعة عن تقرير لابوتول بخصوص مسألة التحكيم في المادة الإدارية عموما وفي العقود الإدارية خصوصا.

وموقف مجلس الدولة الفرنسي هذا، نادى بتكييف مقتضيات التحكيم مع متطلبات خصوصية المنازعات الإدارية، وذلك بضمان احترام المصلحة العامة ومهام المرفق العام.

ولن يتأتى ذلك إلا من خلال إسناد الاختصاص للقاضي الوطني وتحديدا القاضي الإداري، للنظر في مدى مشروعية القرارات الانفرادية للإدارة؛ أما فيما يتعلق بالتحكيم في العقود الإدارية فإنه قد وضع شروطا محددة لذلك.

ويمكن اجمالا تلخيص الموقف الحديث لمجلس الدولة الفرنسي من التحكيم في العقود الإدارية فيما يلي:

– إمكانية خضوع أشخاص القانون العام للتحكيم يجب ربطها بالضمانات اللازمة للحرية العقدية والمساواة أمام الطلبات العمومية والأمن القضائي؛ كما أن هذا النوع من التحكيم يجب أن يضمن لأشخاص القانون العام الشفافية المطلوبة وحماية المال العام.

– إذا كانت السرية واجبة بخصوص المنازعات التجارية، فإنه وفيما يتعلق بالعقود الإدارية فإن هذه السرية يجب ألا تتجاوز مرحلة إجراءات التحكيم في حين أن المقررات التحكيمية يجب أن تكون علنية.

– التحكيم في العقود الإدارية يجب أن يكون محاطا بالضمانات القضائية، ويجب أن يأخذ بعين الاعتبار التزام أشخاص القانون العام بالقاعدة القانونية، لاعتبار ذلك من مقتضيات النظام العام.

– المحكم يجب أن يكون محايدا، كما أن أتعاب المحكمين فيما يتعلق بالتحكيم في العقود الإدارية يجب أن تراعي كون أن الأمر يتعلق بمال عام وبالتالي يجب أن تتسم بعدم المغالاة.

ب-موقف محكمة التنازع من التحكيم في العقود الإدارية:

بعدما سبق لمجلس الدولة الفرنسي أن قضى بتاريخ 31/7/2009 بإحالة القضية على اختصاص محكمة التنازع للنظر فيما إذا كان الطلب المقدم من طرف” Inserm ” يندرج أم لا ضمن القضاء الإداري وذلك بمناسبة نظره في الطعن بالبطلان المقدم من طرف “Inserm “، جاء حکم محكمة التنازع الفرنسية الصادر بتاريخ 17/5/2010، وشكل مناسبة لمعرفة موقف محكمة التنازع الفرنسية من التحكيم في العقود الإدارية[38]؛ هذا الموقف الذي أثار نقاشات فقهية حادة[39]، كما أنه أثار حفيظة مناصري التحكيم في فرنسا.[40]

وبالرجوع إلى حكم محكمة التنازع هذا، فإنه من الملاحظ بأنه قد حاول التوفيق بين المواقف الفقهية المناصرة للتحكيم في مجال العقود الإدارية من جهة، ومن جهة ثانية بين المواقف الفقهية التي تنادي بوحدة التحكيم وتنادي بتغليب الطابع التجاري للتحكيم في العقود الإدارية ونفي أية خصوصية للتحكيم في العقود الادارية، مع ما يترتب عن ذلك من إنكار حق القضاء الإداري في لعب أي دور في مجال التحكيم ولو تعلق الأمر بعقد إداري.

ولقد اعتبرت محكمة التنازع في حكمها هذا، بأنه وبالرغم من أن الاتفاق المبرم بين INSERM وهي مؤسسة عمومية وخاضعة لمقتضيات القانون العام الفرنسي من جهة والمؤسسة الأجنبية الخاضعة للقانون الخاص من جهة أخرى، قد انصب على القيام بتشييد بناء مخصص للبحث العلمي لفائدة المؤسسة العمومية الفرنسية، إلا أن هذا العمل يندرج تحت طائلة أعمال التجارة الدولية، ولا يكتسي أية صبغة إدارية ولا يتعلق بمقتضيات القانون العام الفرنسي، مما يعود معه اختصاص النظر في الطعون المنصبة على المقرر التحكيمي إلى جهة القضاء العادي وليس القضاء الإداري.[41]

وبموجب هذا الحكم، حاولت محكمة التنازع إيجاد حل للتمييز بين اختصاص القضاء الإداري في مجال التحكيم في العقود الإدارية من جهة، ومن جهة ثانية حددت مجالات تدخل القضاء العادي في مجال التحكيم في العقود الإدارية، ذلك أن هذا الحكم اعتبر في تعليله فيما ذهب إليه بأن الطعن المنصب علی المقررات التحكيمية الصادرة بفرنسا والمبنية على اتفاق تحكيمي والمتعلقة بنزاع حول تنفيذ أو فسخ العقود المبرمة بين أحد أشخاص القانون العام الفرنسي من جهة، ومن جهة ثانية بين أحد أشخاص القانون الخاص بالأجانب والمتعلقة بمصالح التجارة الدولية، يعود اختصاص الطعون فيها إلى القضاء العادي. في حين أنه وإذا تعلق الأمر بالطعون المنصبة على المقررات التحكيمية الصادرة بفرنسا والمبنية على اتفاق تحكيمي والمتعلقة بنزاع حول تنفيذ أو فسخ العقود المبرمة بين أحد أشخاص القانون العام الفرنسي من جهة، ومن جهة ثانية بين أحد اشخاص القانون الخاص الأجانب والمتعلقة بعقود الشراكة وعقود احتلال الملك العام وعقود التدبير المفوض والصفقات العمومية، يعود الاختصاص للقضاء الإداري للنظر في هذه الطعون.[42]

ولعل محكمة التنازع بحكمها هذا قد تبنت نفس الموقف الذي عبر عنه مفوض الحكومة commissaire du gouvernement Mattias Guyomar في تقريره المقدم بمناسبة النزاع.[43]

وإذا كانت محكمة التنازع في حكمها هذا قد حاولت إيجاد حلول قضائية للجدل الدائر حول موضوع التحكيم في العقود الإدارية واتخذت موقفا وسطا لإرضاء جميع الأطراف، إلا أن هذه الحلول التي تبنتها بموجب حكمها هذا لن تستطيع الإجابة عن جميع المشاكل التي يطرحها التحكيم في العقود الإدارية، خصوصا العقود الإدارية الدولية، ذلك أن الحل الذي تبنته المحكمة، إن كان صالحا في مجال عقود القانون الخاص، فإن الأمر مختلف تماما عند تعلق الأمر بالعقود الإدارية، وذلك بالنظر إلى أن هذه الأخيرة ليست عقودا مسماة بطبيعتها، بل إن القول بوجود عقد إداري من عدمه هو نتاج لتوفر شروط شكلية وموضوعية تحدد الطبيعة القانونية للعقد.

ونقول هذا بالرغم من الاتجاه المتزايد بفرنسا نحو تقنين وتحديد أنواع العقود الإدارية وتسميتها، وذلك من أجل تحديد الاختصاص بين القضاء العادي والاداري.

ج-موقف القضاء المدني الفرنسي من التحكيم في العقود الإدارية:

لقد سبق لمحكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 14 أبريل 1964، أن أكدت على أن الحظر الوارد في المادتين 1004 و83 لا يسري على العقود الإدارية الدولية، بل يهم العقود الإدارية الداخلية فقط[44].

ولقد اعتمد القضاء العادي الفرنسي على النصوص التشريعية السابقة في حظره لجوء الدولة وأشخاص القانون العام للتحكيم، وذلك فيما يتعلق بالتحكيم الداخلي في العقود الإدارية فقط دون التحكيم الدولي، ” فقد كان الواقع يبين أن الدولة أو إحدى المؤسسات العامة تضطر إلى إبرام عقود يقبل فيها شرط التحكيم ولاسيما عقود التجارة الدولية والتي أصبحت في أغلبها عقودا نموذجية، لا يملك المتعاقدان تغييرا جوهريا لشروطها ومن ذلك شرط التحكيم[45].

مقال قد يهمك :   د.إدريس الفاخوري: مسؤولية المحافظ على الأملاك العقارية.

وقد استقر القضاء العادي بفرنسا على موقفه هذا وذلك من خلال العديد من القرارات والأحكام الصادرة عنه.

ففي حكم صادر عن محكمة استئناف باريس بتاريخ 10 أبريل 1975 بخصوص قضية «Myrtoon Steamship»، اعتبرت المحكمة بأن منع الدولة من اللجوء إلى التحكيم ينحصر في العقود الإدارية الداخلية، ولا يمتد هذا المنع إلى العقود موضوع الاتفاقيات ذات الطابع الدولي[46].

وعلى النهج نفسه سارت محكمة النقض الفرنسية وهي بصدد الحكم في قضية «San carlo»، ذلك أن إحدى المؤسسات العامة الفرنسية قامت برفع دعوى تعويض على قبطان سفينة San carlo عن أضرار لحقت ببضاعة لها، تنقلها من إثيوبيا إلى فرنسا؛ أمام المحاكم الفرنسية دفع صاحب السفينة بعدم اختصاص المحكمة الفرنسية بنظر النزاع، حيث إن وثيقة الشحن التي وقعت عليها المؤسسة الفرنسية تقضي, بخضوع المنازعات الناشئة عن العقد للتحكيم طبقا لأحكام القانون الإيطالي، وقررت المحكمة في هذا النزاع بأن حظر التحكيم المقرر في نصوص قانون المرافعات يقتصر فقط على التحكيم الداخلي دون الدولي[47].

وبمقتضى الحكم الصادر في Galakis، قررت محكمة النقض الفرنسية أن الحظر الوارد في القانون الفرنسي في (المادة 2060) على أهلية الأشخاص الاعتبارية الفرنسية في قبول شرط التحكيم لا يعمل به في إطار العلاقات الدولية، أي أن كل شرط تحكيم وافقت عليه هيئة عامة فرنسية يعتبر صحيحا، طالما كان الشرط موجودا في عقد أبرم بخصوص التجارة الدولية[48].

ولم يكتف القضاء الفرنسي بهذا الأمر، بل مدد هذه القاعدة المادية إلى جميع القوانين الأجنبية التي تتميز بنفس المنع الموجود في القانون الفرنسي، وهناك قضايا عالجها القانون الفرنسي في هذا الشأن، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

قضية «Frères Bec»:

وتتمحور هذه القضية حول قيام دولة تونس بالقيام بالمناقصة لإنشاء الطرق وغيرها في تونس، وتم إبرام العقد بين تونس والشركة الفرنسية Frères Bec. وقد أدرج العقد شرط التحكيم ومفاده أنه في حالة التعذر للوصول لحل ودي يتم اللجوء إلى التحكيم حسب غرفة التجارة الدولية في باريس – أي أنه تحكيم مؤسسي، وعندما حصلت المشكلة بين تونس والشركة الفرنسية أصدرت هيئة التحكيم في باريس حكما ضد الوزارة التونسية للتجهيز والإنشاء، هذا الحكم تم الطعن فيه بالبطلان أمام القضاء الفرنسي لأنها مقر التحكيم[49]، وقد استندت وزارة الأشغال التونسية في طعنها بالبطلان على حكم التحكيم إلى أن هذا الحكم صدر باطلا بسبب بطلان الاتفاق على التحكيم ذاته، لأنه وفق نصوص قانون أصول المحاكمات التونسي يمنع على الأشخاص الاعتبارية العامة قبول شرط التحكيم.

وقد ذكرت محكمة الاستئناف الفرنسية ما يلي: ” إن الحظر الوارد على الأشخاص الاعتبارية في قبول شرط التحكيم حظر يعمل به في العلاقات الداخلية البحتة، وأن هذا الحظر غیر متعلق بالنظام العام، وأنه يكفي القول بصحة شرط التحكيم أن يكون هذا الشرط قد ورد في عقد أبرم للوفاء بالعلاقات الدولية وتم إبرامه وفقا للمقتضيات التجارية الدولية والأعراف السائدة[50].

– قضية «Gatoil»:

وتتلخص وقائع هاته القضية في أن الشركة الإيرانية الوطنية للبترول أبرمت عقداً بينها وبين شركة Gatoil، والعقد موضوعه أن تقوم الشركة الإيرانية بإمداد الشركة البانامية، مقابل أن تقوم الشركة البانامية بإمدادها بما تحتاجه من مواد إنتاج.

ولما قامت الشركة الإيرانية بتخفيض الحصة المتفق عليها من البترول المفروض تسليمه، قامت الشركة البانامية بحبس الأموال المستحقة للشركة الإيرانية ونشأت المنازعة، فعرضت القضية على التحكيم وفقا لقواعد غرفة التجارة الدولية، وصدر الحكم لصالح الشركة الإيرانية ضد شركة Gatoil، وتم الطعن في هذا الحكم لأنه صدر بناءا على شرط تحكيم باطل، لأن الشركة الإيرانية قامت بالتوقيع على شرط التحكيم دون الحصول على ترخيص من مجلس الشعب الإيراني حيث القانون الإيراني يفرض هذا الترخيص.

وعند نظرها لهاته القضية، قضت محكمة استئناف باريس بتاريخ 17/12/1997 برفض الطعن بالبطلان، معتبرة بأن الحظر الوارد على الدولة في قبول شرط التحكيم، يعمل به في إطار القانون الداخلي ولا يعمل به في إطار العلاقات الخاصة الدولية، وهو غير متعلق بالنظام العام، ولا يجوز للدولة للتنصل من اتفاقية على التحكيم أن تتمسك بقانونها الداخلي، كما أنه لا يجوز للشخص الأجنبي أن يلجأ إلى النصوص الداخلية في قانون الدولة المتعاقدة معها من أجل أن يتنصل من اتفاق التحكيم في المنازعة الناشئة بينه وبين هذه الدولة[51].

قضية L’Inserm:

في حكمها الصادر بتاريخ 13/11/2008[52]، اعتبرت محكمة الاستئناف بباريس بأن مبدأ حظر لجوء الأشخاص العامة الى التحكيم لا يعتبر مسا بالنظام العام الفرنسي مادام أن الأمر يتعلق بعقد ينصب على مصالح التجارة الدولية، لتخلص في الأخير إلى رفض طلبات L ‘ INSERM والتصريح بصحة المقرر التحكيمي الصادر في موضوع النزاع، بل انها ذهبت أبعد من ذلك حين قضت برفض طلب إيقاف تنفيذ المقرر التحكيمي إلى حين بت مجلس الدولة الفرنسي، معتبرة بأن الطعن أمام جهة القضاء الإداري ليس له من أثر على دعوى بطلان المقرر التحكيمي.

ولعل موقف المحكمة هذا قد تم تبنيه لاحقا من قبل محكمة النقض[53]، وذلك بعد أن أصدر مجلس الدولة الفرنسي وكذا محكمة التنازع الفرنسية حكمهما في النازلة.

وفي الأخير، فإذا كان الحظر يعد هو القاعدة في حين أن الإباحة تعتبر الاستثناء فيما يخص التحكيم في العقود الإدارية خصوصا والتحكيم في المادة الإدارية عموما، فإن هاته المعادلة أصبحت تتجه نحو الاتجاه المعاكس، وبمعنى آخر فإنه من المنتظر أن تصبح الإباحة هي الأصل في التحكيم في العقود الإدارية وأن يتحول الحظر إلى استثناء. ونقول هذا كله انطلاقا من المؤشرات التي تمخضت -وما زالت-عن النقاشات الفقهية والمواقف الأخيرة لمجلس الدولة الفرنسي وإعداد مشروع التحكيم في المادة الإدارية عموما والعقود الإدارية خصوصا.

وظاهر النص يجيز التحكيم في جميع العقود حيث أطلق عبارة جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين، يستوي في ذلك أن يكون عقدا مدنيا أو إداريا[54]. لكن الإدارة ظلت تقبل شرط التحكيم عند إبرام العقد لاسيما في عقود الأشغال العامة وعقود الاستغلال، وعند حدوث نزاع تلجأ الإدارة إلى القضاء زاعمة بأن التحكيم لا يجوز في العقود الإدارية وهو موقف في حقيقة الأمر يبعث على الحيرة والدهشة[55]، ومخالف لمبدأ عام هو عدم دفع الدولة والأشخاص العامة بعدم أهليتها في إبرام شرط التحكيم.


الهوامش:

[1]– مصطفى بونجة: التحكيم الداخلي والدولي في العقود الإدارية، دراسة مقارنة، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة المغرب سنة 2014، ص 140.

[2] Edouard laferriere traite de la juridiction administrative et des recourscontentieux Paris 1888. Tome2 p.145 et 152.

[3]– أنظر: أحمد محمد عبد البديع، مرجع سابق، ص51.

[4]-أنظر: جابر جاد نصار، مرجع سابق، ص41.

[5]– أنظر: عبد العزيز عبد المنعم، مرجع سابق، ص343.

[6]– أنظر: جورجي شفيق، مرجع سابق، ص157.

[7]– أنظر كل من: نجلاء حسن السيد، مرجع سابق، ص130. وماجد راغب الحلو، مرجع سابق، ص176.

[8]– أنظر كل من: عبد العزيز عبد المنعم، مرجع سابق، ص344، وعصمت عبد الله الشيخ، مرجع سابق، ص190.

[9]– أنظر: ماجد راغب الحلو، مرجع سابق، ص178.

[10]– وجاء إصدار هذا القانون على خلفية إصدار شركة والت دزني (walt Disney) الأمريكية المنفذة لمشروع إقامة ملاهي مدينة مارن الافالييه الفرنسية على نسق ملاهي والت دزني في الولايات المتحدة الأمريكية. أشار إليه جورجي شفيق، مرجع سابق، ص 203-204.

[11]– أنظر: جابر جد نصار، مرجع سابق، ص203-204.

[12]– أنظر: جورجي شفيق، مرجع سابق، ص205.

[13]– أنظر: عصمت عبد الله لشيخ، مرجع سابق ص193.

[14]– أنظر: نجلاء حسن السيد، مرجع سابق ص137.

[15]– أنظر: جابر جاد نصار، مرجع سابق ص 52.

[16]-35 Michel rousset: Arbitrage en droit Public، AJDA , 1997، P 30.

[17]– «les exigences d’ordre public، requièrent que l’Etat ne soit soumis qu’aux juridictions constituées par la loi; la compétence des juridictions administratives est d’ordre public de même que la compétence de l’ordre judiciaire. Et s’il n’appartient pas aux juridictions de l’ordre judiciaire de statuer sur des questions qui relèvent de la compétence de l’ordre administratif comment dès lors admettre que les arbitres puissent statuer sur ces questions ? E. La ferrière, Contentieux administratif, 1888, t. 2, p. 145 146.

[18]– A. de Laufradere، F. Moderne et P. Devolve، Traite des contrats administratifs، op. cit.، p. 955-956.

[19]-c. Jarrosson: «L’arbitrage en droit public» AIDA ,16-24, 1997، p. 17.

[20]-C. arrosson «L’arbitrage er7 droit public»، op. cit.، p. 16،

[21]– طبقا للقانون الفرنسي، فإن محكمة الاستئناف بباريس تعتبر مختصة من حيث المبدأ للبث في دعاوي الاعتراف والإبطال الناتجة عن التحكيم الدولي في سائر العقود الدولية.

[22]-Thomas Clay: Arbitrage pour les personnes morales de droit public: le grand bazar!، in chronique de droit de l’arbitrage n°2، Petites affiches, 25 mars 2008 n°60، p. 3.

Serge Lazareff, Paris place d’arbitrage : menacee, « Les Cahiers de l’arbitrage » N° 2008/1, Gazette du Palais, 28-29 mars 2008 N° 88a 89, p. 3.

-T. Clay, Arbitrage et modes alternatifs de règlement des litiges, Recueil Dalloz, Panorama 2008 n°3 du 17 janvier 2008. p.180.

-JL Delvolvé, Une véritable révolution…  Inaboutie (remarques sur le projet de réforme de l’arbitrage en matière administrative). Revue de l’arbitrage. 2007, n°3 p.373.

[23]-M. Boisseson: interrogation et doutes sure une évolution législative paris, 1987، p. 3.

[24]-Concl. Gazier sur cet Ass. 13 décembre 1957, Société nationale de vente des surplus, Leba, p.677, D.1958.

CE, Ass., 13 décembre 1957, Société nationale de vente des surplus, p. 677, concl F. Gazier.

[25]-CE Avis 14 aout 1823، cité in Leb, 1824 p.633.

GE 17 novembre 1824, Ouvrard c Ministre de la guerre, Leb. p.631.

CE 23 décembre 1887, de Dreux-Breze, eveque de Moulins, Leb. p.842. 102.

[26]-RAPPORT Groupe de travail sur l’arbitrage، op cit، p3.

[27]-Conseil d’état ,13 décembre 1957، société nationale de vente des surplus.

[28]-CE avis n°339710 du 6 mars 1986، EDCE 1987، n°38، p. 178: «d résulte des principes généraux du droit public français، (…)، que les personnes morales de droit public ne peuvent pas ses soustraire aux règles qui déterminent la compétence des juridictions nationales en remettant à la décision d’un arbitre la solution des litiges auxquels elles sont parties»

[29]-Concl. Gazier Sur cet Ass. 13 décembre 1957, Société nationale de vente des surplus, Leb. p, 677,0.1958.

[30]-C. E avis ,6 mars 1986، les grands avis du conseil d’état p.175.

[31]-Conseil d’Etat Section, 3 Mars 1989، Société des Autoroutes de la région Rh6ne-Alpes. « Considérant que la construction des routes nationales a le caractère de travaux publics et appartient par nature à l’Etat […] quel que soit le statut du concessionnaire ; que le contentieux survenu ressortit dès lors à la compétence de la juridiction administrative ».

[32]-100 CE, 72 Section du contentieux Séance du 27 octobre 2004 Lecture du 29 octobre 2004 N°269814271119-271357-271362 -M. SLEUR et autres، rec، concl. D. Casas,

[33]-109….. En ce qui concerne les autres dispositions de l’ordonnance attaquée :

Considérant qu’aux termes de l’article 11 de l’ordonnance attaquée:  “Un contrat de partenariat comporte nécessairement des clauses relatives:  (…) 1) Aux modalités de prévention et de règlement des litiges et aux conditions dans lesquelles il peut, le cas échéant, être fait recours à l’arbitrage, avec application de la loi française”; qui des dispositions similaires figurent au ) de l’article L 1414-12 du code général des collectivités territoriales, dans sa rédaction issue de l’ordonnance attaquée ; qu’en habilitant le Gouvernement à “créer de nouvelles formes de contrats conclus par des personnes publiques ou des personnes privées chargées d’une mission de service public” dans les limites qu’il définit, l’article 6 de la loi du 2 juillet 2003 doit être regardé comme ayant entendu permettre aux auteurs de l’ordonnance attaquée de définir dans son ensemble le régime juridique de ces nouveaux contrats, y compris les conditions de prévention et de règlement des litiges susceptibles de naître à l’occasion de leur exécution ; que, compte tenu de la complexité des contrats en cause, liée notamment au caractère global de la mission confiée au cocontractant de l’administration, à la durée des engagements souscrits et aux mécanismes de financement à mettre en œuvre, rendant nécessaire la mise en place de modalités adaptées de règlement des litiges, les auteurs de l’ordonnance attaquée ont pu, sans méconnaître la portée de cette habilitation et sans qu’y fasse obstacle aucune règle ou aucun principe de valeur constitutionnelle, déroger, par les dispositions précitées, au principe général du droit en vertu duquel les personnes morales de droit public ne peuvent pas se soustraire aux règles qui déterminent la compétence des juridictions nationales en remettant à la décision d’un arbitre la solution des litiges auxquels elles sont parties et qui se rattachent à des rapports relevant de l’ordre juridique interne ;… …..»).

مقال قد يهمك :   مبادئ المعاملة الإنسانية للسجين :آلية فعالة للتأهيل وإعادة الإدماج الاجتماعي

[34]-CE, 31 Juilly, 2009، n°309277, 7ème et 2ème sous-sections réunies.

[35]– « Considérant que l’INSERM demande l’annulation d’une sentence arbitrale rendue dans le cadre d’un litige relatif à l’application du protocole d’accord signé avec la Fondation Saugstad, association de droit norvégien ; que ce protocole prévoit en particulier que la fondation participera pour un montant limitatif de 25 millions de francs à la construction d’un bâtiment dédié à la recherche en neurologie à édiffer à Luminy sur un terrain appartenant à l’Université d’Aix-Marseille dont la maîtrise d’ouvrage et la gestion incomberont à l’INSERM dans le cadre de sa mission statutaire de recherche sur la santé ; qu’à l’appui de sa requête, l’INSERM fait valoir que le Conseil d’Etat est compétent pour se prononcer en appel sur une sentence arbitrale relative à un litige opposant une personne publique à un cocontractant dès lors que le contrat en cause revêt le caractère d’un contrat administratif ; que l’Institut soutient notamment que la convention le liant à la fondation consiste en une « offre de concours » en vue de la réalisation d’un travail public dont la juridiction administrative est seule compétente pour connaître et que cette dévolution de compétence n’est pas affectée par la circonstance que l’acte contesté est une sentence arbitrale portée en vertu de l’article 1505 du Code de procédure civile devant la Cour d’appel dans le ressort de laquelle la sentence a été rendue ; que, toutefois, la Cour d’appel de Paris s’est par un arrêt en date du 13 novembre 2008, reconnue compétente et a rejeté la demande d’annulation de cette sentence arbitrale présentée par l’INSERM ; que ces questions soulèvent des difficultés sérieuses de nature à justifier le recours [au Tribunal des conflits) ; qu’il y a lieu, par suite, de renvoyer au Tribunal des conflits la question de savoir si l’action introduite par l’INSERM relève ou non de la compétence de la juridiction administrative >>

[36]– وهو مؤسسة عمومية ذات طابع تقني وعلمي خاضعة للوصاية المزدوجة لوزيري الصحة والبحث العلمي أنشئت سنة 1964.

[37]-L’arbitrage et les personnes morales de droit public Intervention de M. Jean-Marc Sauvé Vice-président du Conseil d’Etat Texte écrit en collaboration avec M. Timothée Paris، conseiller de tribunal Colloque du 30 septembre 2009 organisé au Conseil d’Etat par la Chambre Nationale pour l’Arbitrage Privé et Public. Administratif et de cour administrative d’appel, chargé de mission auprès du Vice-président du Conseil d’Etat.

[38]TRIBUNAL DES CONFLITS N° 3754 Seare du 12 avril 2010 Lecture du 17 mai 2010 Institut national de la santé et de la recherche médicale c/Fondation Letten F. Saugstad.

[39]Avis du Comité français de l’arbitrage dans l’affaire INSERIM/ Fondation, Rev. Arb. 2010. 401.

-M. Audit, Le nouveau régime de l’arbitrage des contrats administratifs internationaux (à la suite de l’arrêt rendu par le Tribunal des conflits dans l’affaire} NSERM), Rev. Arb. 2010, p. 256-257.

۔ M.  Laazouzi, Rey.  ar. 2010.  653 ; D. 2010. 2633, notes. Lemaire 2330, obs. S. Bollée, et ,2944

Obs.T. Clay; RDI 2010. 551, obs. S. Braconnier:  RFDA 2010. 959, conct. M. Guyomar, et 971, note F. Delvolve ; Rev. Crit. DIP 2010. 653, étude M. Laazouzi ; RTD com. 2010. 525, obs. E. Loquin ; AJDA 2010. 1564, étude P. Cassia.

[40]-Thomas Clay، Les contorsions byzantines du Tribunal des conflits en matière d’arbitrage LA SEMAINE JURIDIQUE -ÉDITION GÉNÉRALE -N° 21 LA SEMAINE JURIDIQUE Juris-Classeur Periodique (JCP) 84e année -24 MAI 2010، P.1045.

[41]-……Considérant que le protocole d’accord conclu entre l’INSERM، établissement public rational a.  caractère scientifique et technologique, et la fondation Letten F. Saugstad, association de droit privé norvégienne, dont l’objet est la construction en France d’un bâtiment destiné à abriter un institut de recherche juridiquement et institutionnellement intégré à l’INSERM et qui en prévoit le financement partiel par la fondation, met en jeu les intérêts du commerce international, que, dès lors, le recours en annulation formé contre la sentence arbitrale rendue dans le litige opposant les parties quant à l’exécution et à la rupture de ce contrat, lequel n’entre pas au nombre de ceux relevant du régime administratif d’ordre public ci-dessus défini, relève de la compétence de la juridiction judiciaire ;

DECIDE :

Article 1er:  La juridiction judiciaire est compétente pour connaître du recours en annulation formé par l’INSERM à l’encontre de la sentence arbitrale rendue dans le litige qui l’oppose à la fondation Letten F. Saugstad ainsi que de la demande en paiement dirigée contre celle-ci.

Article 2 : La présente décision sera notifiée au garde des sceaux, ministre de la justice et des libertés, qui est chargé d’en assurer l’exécution.

[42]Considérant que le recours formé contre une sentence arbitrale rendue en France, sur le fondement d’une convention d’arbitrage, dans un litige né de l’exécution ou de la rupture d’un contrat conclu entre une personne morale de droit public française et une personne de droit étranger, exécuté sur le territoire français, mettant en jeu les intérêts du commerce international, fût-il administratif selon les critères du droit interne français, est porté devant la cour d’appel dans le ressort de laquelle la sentence a été rendue, conformément à l’article 1505 du code de procédure civile, ce recours ne portant pas atteinte au principe de la séparation des autorités administratives et judiciaires ; qu’il en va cependant autrement lorsque le recours, dirigé contre une telle sentence intervenue dans les mêmes conditions, implique le contrôle de la conformité de la sentence aux règles impératives du droit public français relatives à l’occupation du domaine public ou à celles qui régissent la commande publique et applicables aux marchés publics, aux contrats de partenariat et aux contrats de délégation de service public; que, ces contrats relevant d’un régime administratif d’ordre public, le recours contre une sentence arbitrale rendue dans un litige né de l’exécution ou de la rupture d’un tel contrat relève de la compétence du juge administratif ;-

[43]– «Compte tenu de leur qualité particulière، les personnes publiques françaises ne peuvent s’évader du respect d’un certain nombre de règles impératives -dont le champ correspond à celui des lois de police dont la convention de Rome réserve l’applicabilité de plein droit aux situations contractuelles. […] Une fois identifiée l’existence d’une telle poche de dispositions impératives, reste à en préciser les contours. Il nous semble pouvoir en définir le contenu au regard des « exigences constitutionnelles inhérentes à l’égalité devant la commande publique, à la protection des propriétés publiques et au bon Usage des deniers publics » Consacrées par le Conseil constitutionnel dans sa décision n 2003-473 DC du 26 juin 2003. Afin de définir les règles impératives de droit public dont l’applicabilité de plein droit constitue la condition indispensable à la garantie de ces exigences constitutionnelles, vous pourrez retenir les deux critères suivants:  régimes légaux de passation des contrats qui mettent en œuvre les principes généraux de la commande publique, relatifs notamment aux marchés publics, aux contrats de délégation de service public ou aux contrats de partenariat; règles de fond indélogeables relatives notamment à l’occupation du domaine public ou à l’exécution du service public »… T. confl. 17 mai 2010, concl. Guyomar, Rey. Arb. 2010. p 275.

[44]-Cass. Civ. 1. 14 avril 1964, * San Carlo », Rev. Crit. DIP 1966,

[45]-CH JARROSSON، La notion d arbitrage، paris, 1987، P 200.

[46]-CA Paris, 10 avril 1957، «Myrtoon Stewardship

[47]-Cass. Civ. 1, 14 avril 1964, « San Carlo » , op. cit.,

[48]-cass. Civ., 2 mai 1966, « Galakis ». « Les grands arrets de la jurisprudence française de droit international privé », Dalloz, 4eme édition, 2001, n°44,401.

[49]– العبرة بالطعن بالمكان الذي اتفق الأشخاص على أن يتم التحكيم فيه وليس مكان عقد الجلسات فيه.

[50]– المزيد حول وقانع هاته القضية انظر: حفيظة السيد الحداد: «العقود المبرمة بين الدول والأشخاص الأجنبية “، الإسكندرية، بدون دار نشر، الطبعة الأولى، 1996. ص 126

[51]-La cour d’appel de Paris، dans son arrêt du 17 décembre 1991، «Gatoil» ; Revue de l’arbitrage.

[52]-La cour d’appel de Paris، arrêt du 13 novembre 2008، Revue de l arbitrage 2009 12، p.389.

[53]-Cour de cassation Chambre civile 26 janvier 2011 Ne: 09-10198 Publié au bulletin

…….ALORS QUE l’appréciation de la validité d’une clause compromissoire figurant dans un contrat à caractère administratif relève de la seule compétence des juridictions administratives, que ce contrat mette ou non en cause les intérêts du commerce international, et l’exception de nullité d’une telle clause constitue, devant le juge judiciaire saisi d’un recours en annulation d’une sentence rendue en matière d’arbitrage international, une question préjudicielle imposant qu’il soit sursis à statuer dans l’attente de la décision de la juridiction administrative compétente ; qu’en rejetant la demande de sursis à statuer présentée par l’Inserm, qui invoquait la nullité de la clause compromissoire figurant dans le contrat, à caractère administratif, conclu par l’Inserm et la fondation Letten et en se prononçant sur la validité de cette clause, la cour d’appel a violé le principe de la séparation des pouvoirs, la loi des 16, 24 aout 1790, et a commis un excès de pouvoir ;………

AUX MOTIFS QUE d’après l’article 1492 du code civil, est international l’arbitrage qui met en cause des intérêts du commerce international ; que l’internationalité de l’arbitrage fait exclusivement appel à une définition entièrement économique selon laquelle il suffit que le litige soumis à l’arbitre porte sur une opération qui ne se dénoue pas économiquement dans un seul Etat, et ce indépendamment de la qualité ou de la nationalité des parties, de la loi applicable au fond ou à l’arbitrage, ou encore du siège du tribunal-arbitral ; que l’objet du protocole d’accord était, aux termes de son préambule, de mettre en commun les efforts de l’Inserm et de la Fondation Letten pour « favoriser la réalisation d’un projet de construction d’un pôle de recherche en neurobiologie » avec construction d’un bâtiment « exclusivement affecté à la recherche en neurobiologie et à la formation de cliniciens et de chercheursen ce domaine » avec un financement pour la plus grande partie par la Fondation, ce qui implique des mouvements de fonds de la Fondation norvégienne au-delà des frontières ; qu’au demeurant, ainsi que l’énonce l’ordonnance rendue le 15 mai 2006 par le président du tribunal de grande instance de Paris, « les parties s’accordent à considérer qu’il s’agit d’un arbitrage international » et que dans l’acte de mission les parties sont convenues expressément du caractère international de l’arbitrage ; que le recours en annulation de la sentence arbitrale rendue en Franc en matière d’arbitrage international est, en vertu de l’article 1505 du code de procédure civile, porté devant la cour d’appel dans le ressort de laquelle la sentence a été rendue ; que la voie de recours contre la sentence rendue à Paris, en matière d’arbitrage international, a donc été exercée à juste titre devant la cour d’appel de Paris; qu’en conséquence, la procédure engagée devant les juridictions de l’ordre administratif et pendante actuellement devant le Conseil d’Etat est sans incidence sur le recours en annulation formé devant la cour d’appel de Paris de cette sentence arbitrale ; que, par suite, la demande de sursis est rejetée ; que la prohibition pour un Etat de compromettre est limitée aux contrats d’ordre interne sous réserve de disposition législative contraire, ; qu’au vu du principe de validité de la clause d’arbitrage international, le moyen unique pris de la nullité de la convention d’arbitrage en vertu de l’article 15021° du code de procédure civile et partant le recours en annulation sont rejetés ;

[54]– مرجع سابق، ص 57.

[55]– أنظر: أحمد أبو ألوفا: التحكيم الاختياري والإجباري، مرجع سابق، ص 79.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)