تنظيم التجزيء والتقسيم بالمجال القروي

  مروان حراث طالب في سلك الدكتوراه مختبر القانون الخاص ورهانات التنمية-فاس

من أجل التحكم في عمليات التوسع العمراني، نتيجة الضغط الذي أصبحت تعرفه الأنسجة الحضرية، بسبب النمو الديموغرافي المتزايد والهجرة القروية، وازدياد الطلب على السكن وقلة العرض الذي يغطي جميع فئات المجتمع، وبروز تعمير عشوائي غير منظم[1]، وما نتج عن ذلك من اكتساح للأراضي الفلاحية ، كان لزاما على المشرع التدخل لضبط المجال من خلال وضع ضوابط قانونية قادرة على ضبط حركة العمران في المجالين الحضري والقروي وكذا إنتاج تعمير متناسق وعقلاني.

وقد تجلى هذا التدخل من خلال إصدار المشرع لأول ظهير ينظم المجال القروي وهو 25 يونيو 1960 المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية هذا، الظهير الذي تضمن مجموعة من الآليات التي تهدف إلى تنظيم هذا المجال الحيوي، فبالإضافة إلى إقرار تصميم التنمية كوثيقة تعميرية خاصة بالمجال القروي. عمل كذلك من خلال هذا القانون على إقرار بعض آليات التعمير العملياتي (التجزئة والتقسيم والبناء) التي هدف من خلالها إلى جعل المجال القروي مجال قادر على تحقيق التنمية وبالتالي تحقيق نوع من التوازن المفقود بين المجالين الحضري والقروي.

وهكذا فإن كل التجزئة العقارية والتقسيم العقاري يهمان السطح، وبعبارة أخرى يجري كل منهما في العقارات التي تسري فيها قوانين التعمير[2]، إلا أن التجزئة العقارية المقصود بها إقامة المباني آيا كان الغرض منها، فيتم التقسيم فيها من اجل البناء أو يتم البيع والهبة أو غيرها من طرق التفويت أو الكراء بغرض البناء[3]. بينما التقسيم يقصد به كل قسمة أو بيع يكون هدفها أو يترتب عليها تقسيم عقار إلى بقعتين أو أكثر غير معدة لبناء عليها، وكذا بيع عقار لعدة أشخاص على أن يكون شائعا بينهم إذا كان من شأن ذلك أن يحصل أحد المشترين على نصيب شائع تكون المساحة المطابقة له دون المساحة التي يجب أن لا تقل عنها مساحة البقع الأرضية بموجب وثيقة من وثائق التعمير أو دون 2.500 متر مربع إذا لم ينص على مساحة من هذا القبيل[4].

وعلى هذا الأساس فإنه بالنسبة للأراضي التي تقع بمنطقة مسموح بالبناء بها بمقتضى وثيقة من وثائق التعمير فإنه لا يجوز الإذن بإجراء عملية بيعها آو قسمتها إلى في إطار تجزئة سكنية وبعد الإدلاء بمحضر التسليم المؤقت للتجهيزات وفق ما تقره المادتين 35 و60 من قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجوعات السكنية وتقسيم العقارات.

أما الأرض غير معدة لإقامة البناء عليها، سواء كانت تتواجد داخل الدوائر الترابية المحددة في المادة 58 أو حتى خارجها على قاعدة  ما نصت عليه المادة 9 من قانون 25.90  والمادة 46 من قانون 12.90 المتعلق بالتعمير، فلابد في عملية بيع أو قسمة هذه الأرض  من إذن سابق عن هذه العملية، أو شهادة إدارية تثبت أن العملية لا تخالف مقتضيات قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات[5] .

كما أنه إذا كان التقسيم يتعلق  بعقار موجه للبناء حسب وثيقة التعمير، فإن هذه العملية يجب أن تكون موضوع طلب تجزيء، أما إذا تعلق الأمر بعقار مرصود  بمقتضى نفس وثيقة التعمير لمنطقة زراعية، فإن عملية التقسيم يجب أن تراعي مقتضيات المادة 58 من القانون 25.90 وتكون موضوع طلب لتقسيم عقارات، شرط أن تسلم للمعني بالأمر شهادة من رئيس المجلس الجماعي، تشهد بأن العملية لا تدخل في نطاق تطبيق هذا القانون .

وإذا كان يبدوا أن عمليات التجزيء والتقسيم والبناء بالوسط الحضري أكثر تنظيما لكونه غالبا ما يكون مغطى بوثائق التعمير، فإن هذه العمليات بالعالم القروي، رغم وجود النصوص القانونية قد أفرزت صعوبات ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وعمرانية.الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن :

إلى أي مدى  كان المشرع المغربي  موفقا في تنظيم التجزيء والتقسيم في العالم القروي ؟

إن الاجابة على هذا التساؤل المحوري يقتضي من تناوله في مبحثين على الشكل التالي :

  • المبحث الأول : التجزيء والتقسيم آليتين لتنظيم المجال القروي
  • المبحث الثاني : واقع التجزيء والتقسيم بالمجال القروي

المبحث الأول : التجزيء والتقسيم آليتين لتنظيم المجال القروي

التجزيء والتقسيم والقسمة مفاهيم، قسمها المشترك العقار الذي يخضع لإحدى عمليات تجزئته أو قسمته إلى أجزاء أو أقسام يصبح بها فاقدا لوحدته، وآيلا لوحدات جديدة، إلا أن كلا من التجزئة والتقسيم والقسمة تختلف في المعنى والشروط[6].

ويحكم مفهوم التجزئات العقارية بالوسط القروي كل من 12.90 المتعلق قانون التعمير و قانون 25.90[7] المتعلق بالتجزئات والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، وظهير 1960 المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية (المطلب الأول) بينما يندرج التقسيم العقاري أيضا ضمن أحكام قانون التجزئات العقارية بالإضافة إلى أحكام أخرى خاصة (المطلب الثاني) .

المطلب الأول : التجزئة  العقارية بالوسط القروي

أمام غياب سياسة محكمة تتعلق بتنظيم المجال القروي وما ترتب عن ذلك من الانتشار المتزايد غير المتحكم فيه للمساكن القروية المتفرقة المتسمة بضعف الخدمات الاجتماعية الأساسية والمفتقرة إلى البنيات التحتية الملائمة .

ومن أجل استيعاب مختلف  هذه المشاكل التي يطرحها التعمير بهذا المجال الحيوي، فقد عمل المشرع اعتماد مجموعة من الآليات القانونية والتي من أبرزها تنظيم التجزئات العقارية[8] بالوسط القروي محاولا قدر الإمكان ملائمة القواعد المنظمة لهذه الجزئات مع  خصوصيات المجال القروي .

ويطرح التساؤل: حول الأساس القانوني المنظم  للتجزئة العقارية بالوسط القروي ؟ وما هي الشروط الواجب توفرها قانونا من أجل إحداث هذه التجزئة ؟

الفقرة الأولى : الأساس القانوني للتجزئة العقارية بالوسط القروي :

تجد التجزئات العقارية بالمجال القروي سندها في قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات وذلك في الفقرة الثانية من المدة التاسعة[9]،(أولا) وكذا ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية وذلك من الفصل 9 إلى 12 منه (ثانيا) .

أولا : على مستوى ظهير  25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات :

بالرجوع إلى مقتضيات الفقرة الثانية من المادة التاسعة من  قانون 25.90 نجدها تؤكد على إمكانية إحداث تجزئات عقارية بالمناطق القروية شريطة تخصيصها لإقامة مساكن متفرقة أو نشاطات سياحية أو نشاطات مرتبطة بالزراعة على أن لا تقل مساحة أي بقعة من بقع التجزئة عن هكتار واحد.

ومن الملاحظ أن التجزئة العقارية ترتبط بوظائف تنسجم والوسط القروي على اعتبار أنها بالإضافة إلى كونها مكانا لسكن فهي وحدة للإنتاج والاستغلال الفلاحي[10].

إلا أن الإشكال المثار في هذا الصدد حول شرط الهكتار ومدى إمكانية النزول عنه،وكذلك تعارض مقتضيات هذه المادة التي اشترطت أن تكون المساكن متفرقة حتى يقبل طلب التجزئة مع الهدف الذي يسعى المشرع لتحقيقه من خلال تنظيمه المجال القروي بوثائق التعمير التنظيمي والعملياتي والمتمثل بالأساس في محاربة عمليات البناء المتفرقة من جهة والحفاظ على الأراضي الفلاحية من جهة أخرى.

ثانيا : على مستوى ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية:

تعتبر التجزئة حسب مقتضيات الفصل العاشر من هذا القانون “ كل تقسيم أحد الأملاك العقارية إلى قطعتين أو عدة قطع لتبنى فيها عمارات سكنية أو صناعية أو للتجارة ثم بيع هذه القطع أو كرائها إما دفعة واحة وإما الواحدة بعض الأخرى، ويشترط أن تكون مساحة إحدى القطع أقل من 2500 مترا مربعا “

وما يلاحظ على هذه المادة أن المشرع لم يمدد أهداف التجزئة إلى الأغراض السياحية والحرفية عكس ما ذهب إليه المشرع من خلال قانون 25.90  المشار إليه أعلاه .

هذا مع العلم أن المقتضيات التي تناولت التجزئة العقارية في ظهير 1960 تظل مرنة مقارنة مع تلك الواردة في قانون 25.90 على جميع المستويات بما فيها أعمال التجزيء.

وإذا كان هذا كل ما يتعلق بالأساس القانوني للتجزئة العقارية بالمجال القروي، فما هي الشروط الواجب توفرها لمنح الترخيص بإحداثها ؟

الفقرة الثانية : شروط إحداث التجزئة العقارية بالمجال القروي :

من أجل دعم الإدارة بالوسائل التي تمكنها من مراقبة كل العمليات العقارية التي تنتج عنها تجزئة عشوائية، فإن القانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، وكذا ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية، أكدوا على أن إحداث التجزئات العقارية يتوقف على ترخيص إداري، سواء كان الطالب شخصا طبيعيا أو معنويا، خاصا أو عاما، وحتى يتم قبول الطلب وبالتالي منح الترخيص من طرف الجهة المختصة فإنه يتعين توفر مجموعة من الشروط القانونية والتقنية في العقار المراد تجزئته، والتي من أهمها :

أولا : شرط التحفيظ

المقصود بالتحفيظ العقاري هو مجموع الإجراءات والمساطر الواجب سلوكها لجعل العقار خاضعا لنظام التحفيظ العقاري طبقا لمقتضيات ظهير 12 غشت 1913 كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 14.07 وذلك من أجل إقامة رسم الملكية مسجل بسجل عقاري[11]، ومن جهة أخرى فهو نظام لإعطاء الملكية هوية توضح بدقة معالمها وأوصافها وحدودها وطرق انتقال الملكية إليه، وما يثقل الملكية من حقوق عينية كالارتفاقات، أو الرهن، أو حقوق شخصية خاضعة للتسجيل بالسجلات العقارية[12] .

فشهادة الملكية وثيقة أساسية يعتمد عليها من طرف السلطات الإدارية للـتأكد من الوضعية القانونية للعقار موضوع طلب رخصة التجزيء، ومعرفة حقوق الأغيار ومختلف الارتفاقات، والتحملات التي تثقل الملكية العقارية[13] .

وبالتالي فتحفيظ العقار شرط جوهري لقبول الإذن بإحداث التجزئات العقارية بالوسطين الحضري والقروي، وهذا ما أكدت عليه مقتضيات المادة الخامسة من قانون 25.90 التي جاء فيها لا يقبل طلب التجزئة المنصوص عليه في المادة الرابعة، إذا كانت الأرض المراد تجزئتها غير محفظة ولا بصدد التحفيظ، ولا يكون الطلب مقبولا إلا إذا تعلق الأمر بأرض بصدد التحفيظ إلا إذا كان الأجل المحدد لتقديم التعرضات على التحفيظ قد انصرم دون تقديم أي تعرض على تحفيظ العقار المراد تجزئته”

يستنتج مما سبق أن المشرع لا يسمح بمقتضى قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجوعات السكنية وتقسيم العقارات  بإحداث تجزئة بأرض غير محفظة، إذ لابد حتى يكون طلب إحداث تجزئة مقبولا أن يتعلق الأمر بعقار محفظ أو في طور التحفيظ وفي هذه الحالة الأخير، لا يتم قبول الطلب إلا بعد انصرام الأجل المحددة لتقديم التعرضات على العقار موضوع الطلب ودون أن يتم التقدم بأي تعرض على العقار موضوع طلب التجزئة.   وهذا المقتضى يشمل حتى التجزئات المخصصة لإقامة مساكن متفرقة أو لنشاطات سياحية أو كانت نشاطات مرتبطة بالزراعة والتي تكون خارج دوائر الجماعات الحضرية والمراكز المحددة والمناطق ذات الصبغة الخاصة، ذلك أن مقتضيات المادة الخامسة جاءت شاملة لمختلف التجزئات التي تخضع لقانون 25.90 ولم تميز بين تلك التي تكون داخل المجال الحضري  وتلك التي يكون خارجه.

مقال قد يهمك :   حكم قضائي يأمر عدول مكناس بإصلاح لوحاتهم وحذف صفة "موثق" منها

وعلى خلاف مقتضيات المادة الخامسة من ظهير 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية فإن ظهير  25يونيو 1960 يشرط للحصول على الإذن بإحداث تجزئة أن يتضمن الطلب      ما يلي :

  • كل مطلب للتحفيظ العقاري مغير للتصميم أو متمم له ؛
  • كل مطلب للتسجيل في الدفاتر العقارية أو كل إيداع منصوص عليه في الفصل الرابع والثمانين من الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 الموافق لـ 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري “[14] .

وقد كان هدف المشرع من وضع هذا الشرط إحاطة العمليات المتعلقة بالتجزئة العقارية بضمانات كافية لتجاوز كثرة المنازعات على الحقوق العقارية[15]من جهة،  ومن جهة أخرى إعطاء القطع الأرضية المتفرعة عن أشغال التجزئة دورها الاقتصادي والاجتماعي، وهي سياسة عقارية ناجعة نحو تعميم نظام التحفيظ.

ثانيا : ربط العقار بالتجهيزات الأساسية :

حيث نصت المادة السابعة من قانون 25.90، على أن تسليم الإذن بإحداث تجزئة عقارية رهين بتوفر شرط ربط العقار المراد تجزئته بشبكات الطرق والصرف الصحي وتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء. لكن المادة 21 من نفس القانون أجازت بعد موافقة الإدارة تسليم الإذن بإحداث التجزئات التي تنص مشاريعها على القيام بجميع أشغال التجهيز، إذا لم يكن هناك ما يبرر القيام بتلك الأشغال نظرا للغرض المعد له العقار المراد تجزئته أو موقعه، أو لم يكن في الإمكان إنجاز تلك الأشغال لأسباب فنية كانعدام الشبكة الرئيسية المطلوب وصل الشبكات الداخلية بها .

وإذا كان الربط بشبكات الطرق والتجهيزات الأساسية أمر إلزامي في التجزئات العقارية القروية الخاضعة لمقتضيات المادة التاسعة من قانون 25.90 ، فإن هذه الإلزامية لا نجدها في التجزئات الخاضعة لظهير 25 يونيو 1960. ولعل هذا ما أكدت عليه الفقرة الرابعة من الفصل العاشر عندما أعطت للسلطة المحلية إمكانية أن تدخل جميع التغيرات على تصميم التجزئة، وذلك لفائدة الأمن العمومي والمحافظة على النظافة والصحة والجولان ووضعية البنايات وبهجة منظرها، كما يجوز لها فرض الحرمات المتعلقة بنظام الأزقة أو الجولان كما لها أن تقرر إنجاز بعض أشغال  التجهيز كتفريغ المياه والمواد المتلاشية وتزويد العمارات القروية بالماء الصالح للشرب وكذا استعمال الطرق الضرورية لسير المواصلات بين القطع.

وإن كنا نرى بأنه يتعين على المشرع التدخل من أجل تعديل هذا المقتضى وذلك باعتبار شرط ربط العقار بشبكات الطرق والتجهيزات الأساسية شرطا لازما للحصول لقبول الطلب، خصوصا وأن المجال القروي عرف تطورات مهمة لم تعد مقتضيات ظهير 1960 قادرة على استيعابها. فالمجال القروي اليوم أصبح في حاجة إلى بنية تحتية لا تقل أهمية عن تلك التي يتوفر عليها المجال الحضري.

ثالثا :احترام الشروط المقررة في الأحكام التشريعية والتنظيمية

بحيث لا يمكن تسليم رخصة التجزيء في المجال القروي إلا إذا كان يحترم الشروط المقررة في تصميم النمو، وباقي الوثائق التقديرية والتنظيمية المُنظَمَة بمقتضى قانون 12.90 المتعلق بالتعمير متى كانت هذه الأخير يشمل نطاق تطبيقها مجالا قرويا .

وبما أن وثائق التعمير لا تغطي معظم مناطق المملكة، فإن المشرع قد أجاز تسليم رخصة التجزئة بهذه المناطق غير المغطاة بوثائق التعمير . لكن بعد أخذ رأي الإدارة من جهة، والالتزام بشرطي التخصيص (لأغراض سكنية أو سياحية أو نشطات مرتبطة بالزراعة) والمساحة (ألا تقل مساحة أي بقعة من بقع التجزئة عن هكتار واحد)[16] من جهة ثانية .

وفي الأخير لابد من الإشارة إلى أنه في الواقع العملي يصعب توفر كل هذه الشروط في الأرضي موضوع تجزئة عقارية قروية، خصوصا ما يتعلق بشرط التحفيظ، فالأراضي الموجودة في المجال القروي  أغلبها لا يتوفر حتى على وثيقة تثبت الملكية فما بالك أن تجد أرضي محفظ، ومع غياب بعض الشروط المشار إليها أعلاه ترفض الوكالات الحضرية إبداء الرأي المطابق من أجل التجزئة أو البناء.

المطلب الثاني : تقسيم العقارات بالمناطق القروية

على غرار التجزئات العقارية، يعتبر التقسيم وسيلة أخرى لتفتيت الملكية، غير أنه إذا كانت التجزئات العقارية تؤدي إلى تفتيت العقار بشكل منظم ومحكم بغرض تحقيق أهداف تعود بالمصلحة على الجماعة بحسب نوع التجزئة، فإن التقسيم يشكل في غالب الأحيان عمليات قروية منعزلة يكون دافعها في حالات كثيرة الخروج من الشياع الناجمة عن  الإرث رغبة في فرز الأنصبة[17]، وهو مبدئيا حق من حقوق الملاك العقاريين يمكنهم في أي وقت بطبيعة الحال في حدود ما تسمح به القوانين والأنظمة المعمول بها[18].

وإذا كان قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجوعات السكنية وتقسيم العقارات  قد اهتم بموضوع تقسيم العقارات وذلك بتخصيص خمس مواد من 58 إلى 62 فإن ظهير 25 يونيو 1960 لم يشر لهذا الموضوع .

وعموما وللإحاطة الشاملة والدقيقة بموضوع تقسيم العقارات بالمجال القروي، فإنه لابد من أن نتوقف في (الفقرة الأولى) على نطاق إلزامية الحصول على الإذن، على أن نختم هذا المطلب بالحديث عن الجهة المكلفة منح الإذن بالتقسيم (الفقرة الثانية) .

الفقرة الأولى : نطاق إلزامية الحصول على الإذن بالتقسيم بالمجال القروي

باستقراء مقتضيات الباب الرابع من قانون 25.90[19] المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية، خاصة المادة 58 منه يتبين أن النطاق الترابي لإلزامية الحصول على الإذن بالتقسيم، ينحصر في الجماعات الحضرية  والمراكز المحددة والمناطق المحيطة بها والمجموعات الحضرية والمناطق ذات صبغة خاصة، وكل منطقة تشملها وثيقة من وثائق التعمير موافق عليها كالمخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية أو تصميم تنمية التجمع القروي.

وبالتالي فإن أول ملاحظة يمكن أن نبديها حول نطاق إلزامية الحصول على الإذن بالتقسيم، أنه يتجاوز ويتعدى  النطاق الترابي للقانون25.90، ذلك أن نطاق تطبيق هذا القانون حسب مقتضيات المادة 77[20] منه لا يشمل التجزئات العقارية المراد إنجازها في التجمعات القروية المزودة بتصميم التنمية، والأمر عكس ذلك عندما يتعلق الأمر بتقسيم عقارات تتواجد بداخل الوحدات الترابية[21].

ويبقى التساؤل مطروح حول التقسيم الذي يجري خارج المناطق المذكورة في المادة 58 من قانون 25.90 والتي أشرنا إليها أعلاه؟

لقد انقسم الفقه في الإجابة على هذا التساؤل إلى تيارين :

الاتجاه الأول [22] يرى على أنه خارج المناطق المذكورة في المادة 58 ،لا يمكن إلا تسليم شهادة من طرف رئيس المجلس الجماعي يثبت من خلالها أن العملية لا تخضع في نطاق تطبيق القانون 25.90، ويعتبر أن العملية لا هي بتجزئة ولا هي بتقسيم، وقد استند هذا التوجه في تبرير طرحه على مقتضيات المادتين 60و 61 من قانون 25.90.  مما يعني  أن أحكام المادة 58 لا تشمل الجماعات القروية الواقعة خارج المناطق المحيطة والتي ليس لها تصميم نمو مصادق عليه.

أما الاتجاه الثاني[23] فإنه وإن كان لا يتعارض مع ما ذهب إليه الاتجاه الأول إلا أنه يختلف معه بخصوص الجماعات الترابية التي يخضع فيها نظام البناء لأحكام المادة 46 من قانون 12.90 المتعلق بالتعمير، والتي تشترط مساحة دنيا للبناء في هكتار واحد، ويعتبر أن عمليات البيع والقسمة بهذه المناطق الجغرافية يجب أن تراعي أحكام المادة 46 المذكورة، وتصير بالتالي مندرجة في نطاق تطبيق أحكام المادة 58 من القانون رقم 25.90 .

ونحن بدورنا نؤيد التوجه الثاني باعتباره الأقرب للصواب خاصة وأنه حاول التوفيق بين منظومتين قانونيتين (قانون 25.90 و قانون 12.90) متكاملتين، ذلك أن من شأن الأخذ بالاتجاه الأول أن يطرح مشاكل في المستقبل وذلك من خلال خلق قطع أرضية تقل مساحتها عن الهكتار الذي يعتبر شرط للحصول على رخصة البناء في المجال القروي طبقا لمقتضيات المادة 46 من قانون 12.90 والمادة 34 من مرسومه التطبيقي .

الفقرة الثانية: الجهة المختصة بمنح الإذن بالتقسيم في المجال القروي

تتوقف عمليات بيع أو قسمة العقار حسب مقتضيات المادة 20 من المرسوم التطبيقي للقانون 25.90، على إذن سابق يسلمه رئيس  المجلس القروي، بعد استطلاع رأي كل من ممثلو : 1- العمالة أو الإقليم 2- الجماعة 3- الوكالة الحضرية 4- الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية[24].

ويطرح التساؤل في هذا المقام عن الجدوى جعل المحافظة العقارية عضوا  دائما في لجنة دراسة طلبات التقسيم خصوصا إذا علمنا أن أغلب العقارات في المجال القروي غير محفظة، وحتى وإن كانت محفظة فإن الرسم العقاري هو عنوان الحقيقة للعقار موضوع هذا الرسم؟

وعموما فإن من شأن عدم احترام المقتضيات القانونية المتعلقة بالتقسيم العقارات  سواء على مستوى نطاق الإلزامية أو على مستوى استطلاع رأي الجهات المختصة، أن ينتج عنه اختلالات مجالية وتعميرية

المبحث الثاني : واقع التجزيء والتقسيم بالمجال القروي

لقد افرز الواقع مجموعة من الاختلالات في  مجال التجزيء وتقسيم العقارات القروية، إذ أنه على الرغم من المقتضيات القانونية المهمة التي يتضمنها قانون 25.90 المتعلق بالتجزءات العقارية والمجموعة السكنية وتقسيم العقارات وكذا بعض المقتضيات التي تضمنها ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتنظيم العمارات القروية، إلا أنها لم تستطع ضبط عمليات التجزيء والتقسيم، إذ يلاحظ أن جل المناطق تطغى عليها التقسيمات والتجزئات السرية، بل إن هذه المخالفات تعتبر في أغلب القرى المغربية هي الأصل، في حين تظل  التجزئات والتقسيمات القانونية هي الاستثناء.

ولرصد مختلف المشاكل والصعوبات التي تحول دون بلورة إرادة المشرع في أرض الواقع سنتاول تلك المتعلقة بالتجزيء في المجال القروي (المطلب الأول) لنتناول في (المطلب الثاني) تلك التي تسهم في شيوع التقسيم غير القانوني .

المطلب الأول :واقع التجزيء بالمجال القروي

إن الهدف من تنظيم المشرع للتجزئات العقارية بالمجال القروي، هو تفادي البناء العشوائي المتفرق والمتناثر، وبالتالي خلق مجموعات سكنية يمكن ربطها بالحد الأدنى من التجهيزات الأساسية والبنيات التحتية[25]، ذلك أن وجود بنايات متفرقة ومشتتة لا هو في مصلحة الدولة لأنه سيكلفها الكثير إذا ما أرادت ربط هذه البنايات بالحد الأدنى من التجهيزات، ولا هي في مصلحة المواطن القروي الذي سيكون مضطرا للتنقل لمسافة طويلة إذا ما أراد الاستفادة من أي مرفق .

لكن ونظرا لأن  التجزئات العقارية بالوسط القروي تتصارع فيها المصلحة العامة المتمثلة في جعل السكان يتجمعون في تجزئات، تتوفر فيها متطلبات الأمن والصحة والسكينة العامة، مع المصالح الخاصة للمجزئ الذي لا يهمه إلى تحقيق الربح، فإنها (التجزئة) غالبا ما تحِيد عن الأهداف التي من أجلها تم  تنظيمها خاصة وأنها تصطدم بمجموعة من الإشكالات المرتبطة أساسا بالمنظومة القانونية والتقنية المنظمة لها بالوسط القروي .

مقال قد يهمك :   حماية المستهلك في نطاق التجارة الإلكترونية

ولعل من أهم الإشكالات القانونية التي تعوق تنامي ظاهرة التجزيء القانوني بالوسط القروي، ما تنص عليه مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 9[26] من قانون 12.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، التي اشترطت عدم نزول أي بقعة من البقع المكونة للتجزئة عن هكتار واحد، هذا الشرط الذي لم يشجع على إحداث تجزئات من هذا القبيل وترجمة إرادة المشرع على ارض الواقع[27]،ومن ثم فإن الشروط التي حددتها المادة 9 فيما يتعلق بإحداث التجزئات العقارية بالوسط القروي لا تستقطب المجزئ القروي ولا تحفزه.

كما أن من بين الصعوبات التي تواجهها التجزئة العقارية بالمجال القروي، ما يتعلق بالشواهد الإدارية المنصوص عليها  في المادتين 35و61 من قانون 25.90 والتي من خلالها يمكن لرئيس الجماعة  تسليم المعني بالأمر شهادة إدارية تبين أن العملية المراد مباشرتها لا تخضع لنطاق تطبيق القانون 25.90 دون أي استشارة تقنية أو قانونية مسبقة في الموضوع وهو ما نتج عنه غموض ولبس على مستوى الممارسة، مما أدى إلى مباشرة تجزئات مخالفة للقانون[28].

إذن هي إكراهات قانونية وتقنية وأخرى تدبيرية ترتب عنها مباشرة عمليات تجزئة لا تتوفر فيها أبسط شروط السلامة والصحة، إذ أصبح الأصل بالنسبة للمجال القروي خاصة غير المغطى بأي وثيقة من وثائق التعمير هو إحداث تجزئات عشوائية والاستثناء هو تجزئات قانونية .

بل الأفظع من ذلك أن التجزئات حادت كل الحياد عن الهدف من تنظيمها في المجال القروي وذلك بطبيعة الحال بتواطؤ في كثر من الأحيان مع المجالس الجماعية القروية، إذ وبدل تحقيق الأمن والطمأنينة للمواطن القروي فإنها تعرقل نشاطه وتحرمه من لقمة عيشه ولعل المثال البارز لهذه الممارسة ما جاء في حيثيات قرار المحكمة الإدارية بالرباط[29] إذ في قضية قدم سكان دوار تالوات مقالا للمحكمة الإدارية بوجدة يعرضون فيه أنهم فوجئوا  ببداية الأشغال  التمهيدية لتنفيذ مشروع تجزئة الفرح السكنية بمنطقة تالوات تاوريرت في اسم ورثة ط.م، وقد سبقت للجماعة أن منحت رخصة  التجزئة للمسمى ط.م تحت عدد 05/2004 مؤرخة في 6/4/2004 والتي انتهت مدة صلاحيتها بتاريخ 5/7/2007 قبل أن يشرع صاحبها في الأشغال وأن المجلس القروي قرر بتاريخ 18/01/2008 تمديد الرخصة المنتهية بمقتضى قرار عدد 01/2008 المؤرخ في 18/01/2008، فكان يجب إنجاز ملف قانوني جديد للحصول على رخصة التجزئة، خاصة وأن حدوث عدة متغيرات خلال ثلاث سنوات الماضية تقضي رفض إنجاز هذه التجزئة وذلك حفاظا على مصالح  المدعين وباقي المواطنين المتضررين بسبب الطابع الفلاحي  لهذه  المنطقة وكون سكانها يعشون على ما تدره عليهم أرضهم من منتوج فلاحي  مما شجعهم على إحداث ثقب مائي تم تجهيزه بشراكة مع المصالح المختصة في إطار برامج التنمية البشرية، وأن صاحب التجزئة قد شرع  في إنجاز حفر التصفية لتصريف المياه القادمة وسط التجمع السكني مما سيكون له بلا شك الأثر البالغ على الإنسان والحيوان والفرشة المائية، طالبين إلغاء قرار تمديد الرخصة الصادرة عن الجماعة القروية بملقى الويدان بتاوريرت، إلا أن المحكمة الإدارية بوجدة رفضت بتاريخ 23/04/2008 الطلب بعلة تقديمه خارج الأجل القانوني[30] وهو الحكم الذي أيدته المحكمة الإدارية بالرباط في قرارها الصادر بتاريخ 12/05/2010 .

فهذا إذن مجرد مثال واحد من مجموعة من الأمثلة الحية التي تبرز ما تشكله التجزئة من خطورة على المجال القروي، خاصة في ظل عدم انسجام المعطيات القانونية مع واقع البادية من جهة، وضعف الرقابة من جهة أخرى .

المطلب الثاني : واقع التقسيم بالمجال القروي :

يعتبر التقسيم العقاري وسيلة لتفتيت الملكية، إذ يشكل في غالب الأحيان عمليات قروية متفرقة منعزلة يكون دافعها في حالات كثيرة الخروج من حالة الشياع الناجمة عن الإرث رغبة في فرز أنصبة، وهو مبدئيا حق من حقوق الملاك العقاريين يمكنهم ممارسته في أي وقت[31] -بطبيعة الحال في حدود ما تسمح به القوانين والأنظمة المعمول بها- كما الحال فيما يخص سائر التصرفات في المجال العقاري[32].

وهكذا فإنه متى تعلق الأمر بعملية بيع أو تقسيم لعقار يخضع لنطاق المحدد في المادة 58 من قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات كما عالجناه في المبحث الثاني من الفصل الأول من هذا البحث فإنه يتعين الحصول على إذن سابق يسلمه رئيس المجلس الجماعي.

لكن بالرجوع للواقع العملي نجد عمليات التقسيم والبيع هذه تتم بطرق مخالفة لما هو محدد قانونا خاصة لمقتضيات المواد من 58 إلى 62 من قانون 25.90، إذ إما أنها تتم في كثير من الأحيان  بدون الحصول على رخصة مسبقة ، وإما أن تكون مخالفة للقانون كبيع عقارات أو قسمتها بشكل يؤدي إلى تقسيم العقار إلى بقع متعددة أو بيع عقار لعدة أشخاص على الشياع إذ من شأن ذلك أن يؤدي أن يفرز بقع بمساحات غير قانونية.

هذا وعلى الرغم من أن قانون 25.90  قد وضح مجال ونطاق تسليم الشهادة الإدارية التي تبيح عملية تقسيم العقارات، فإن الممارسة قد أبانت لجوء مجموعة من رؤساء المجالس الجماعية إلى تسليم شواهد إدارية غير قانونية تثبت أن عملية التقسيم المرجوة لا تخضع لنطاق قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، في مناطق تستوجب الإذن بالتقسيم وأحيانا التجزيء، مما نتج عنه تقسيمات عشوائية مرخصة ساهمت في تشويه المجال القروي، ووضعت المدبر القروي أمام واقع سمته تناسل مساحات صغيرة جدا لا تسمح بالبناء[33]

وإذا كان المبدأ القانوني المقرر بشأن تقسيم العقار يعطي لرئيس المجلس الجماعي صلاحية الترخيص بالتقسيم بعد استطلاع رأي الإدارة[34]، فإن الواقع العملي أثبت أن رؤساء الجماعات لا يستطلعون رأي الإدارة ويتخذون قرارات انفرادية، مخالفين بذلك الأحكام القانونية، لهذا يتعين على رؤساء المجالس الجماعية الحرص على عدم تسليم الشهادة الإدارية إلا بعد استطلاع رأي الإدارة كما ينص القانون على ذلك. وهذا ما أكدت عليه مقتضيات المادة 23 من المرسوم القاضي بالموافقة على ضابط البناء العام[35] التي نصت على ”  خلافا لمقتضيات المادة 22 أعلاه، ولدراسة ملفات طلبات الرخص بشأن تقسيم العقارات، فإن الأعضاء الدائمين للجان الدراسة هم ممثلو : العمالة أو الإقليم، الجماعة، الوكالة الحضرية، الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية ” وبذلك فأي طلب لتقسيم عقار يجب أن يكون موضوع ملف يعرض على اللجنة التقنية، وعلى ضوء رأي اللجان يؤسس المجلس الجماعي قراره الإداري إما بمنح شهادة إدارية أو عدم منح هذه الشهادة[36].

هذا وقد يكون سبب في شيوع التقسيمات غير القانونية القضاء ذاته وذلك من خلال البث في دعوى القسمة المرفوعة عليه ممن تعذر عليه سلوك القسمة الرضائية، إذ أن القضاء غالبا ما يبث في طلبات القسمة دون استحضار مقتضيات قانون 25.90، وكمثال لهذه الأحكام التي تتعارض مع قانون التعمير، نستحضر حكم المحكمة الابتدائية بآسفي، والقاضي بإجراء قسمة عينية بين طرفي نزاع في العقارين ذي الرسم العقاري عدد 2549ز والمطلب عدد 24608ج، وتمكين كل شريك بواجبه وفق النسبة المملوكة على الشياع، وذلك رغم كون العقار موضوع هذه القسمة، مخصص حسب تصميم تهيئة مدينة آسفي أبو الذهب لمنطقة العمارات الأمر الذي يتوجب إخضاع القسمة لمقتضيات الباب الأول من قانون 25.90المتعلق بالتجزئة. ولتجاوز مثل هذه الأحكام المخالفة للقانون يقترح أستاذنا مبروك عمر، تضمين جوانب المأمورية الموجهة إلى الخبير، أمرا يتعلق باستصدار رأي الوكالة الحضرية، بخصوص الجانب التعميري لمشروع القسمة. لأنه باستصدار هذا الرأي تكون المحكمة على بينة من مدى تطابق القسمة المنجزة مع مقتضيات وثائق التعمير وضوابط البناء[37].

لكن ومع ذلك فإن القضاء قد يلعب دورا إيجابيا في محاربة التقسيمات العشوائية كما هو الشأن لحكم صادر عن ابتدائية كلميم بتاريخ 23 ماي 2012 في الملف المدني عقار عدد 408/2009 ، حيث جاء في حيثيات هذا الحكم أن المدعي تقدم بدعوى للحكم على المدعى عليهم بتقييد رسم القسمة، وذلك حتى يتمكن المشتري  من تسجيل عقد شرائه، إلا أن المحكمة حكمت بعدم قبول الدعوى وتحميل رافعها الصائر، معللة بـ “وحيث أن القسمة سواء كانت بالتراضي أو بحكم قضائي يجب أن لا تخالف القوانين والضوابط الجاري بها العمل .

وحيث لم يثبت للمحكمة ان القسمة المراد تسجيلها ، جاءت وفق قانون رقم: 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، وأحترم عند إبرامها الإجراءات والشروط المنصوص عليها .

وحيث إن جميع العقود المبرمة ومنها القسمة خلافا لأحكام هذا القانون تكون باطلة بطلانا مطلقا طبقا لمقتضيات المادة 72 “[38].

وعموما وحتى لا تزداد حالات التقسيم العشوائي في المجال القروي، فإنه يتعين من جهة أولى احترام مقتضيات القانون 25.90 خاصة من طرف رئيس المجلس الجماعي الذي عليه أن لا يمنح الشهادة الإدارية إلا بعد استطلاع رأي الإدارة[39]، كما يتعين على السادة العدول والموثقين والمحامين والمحافظين العقارين ومأموري إدارة التسجيل والجهات المخول لها الإشهاد على صحة الأشهاد على الإمضاءات أن يرفضوا تحرير أو تلقي أو تسجيل أو الإشهاد على صحة الإمضاءات المتعلقة بعمليات البيع أو القسمة إلا إذا كان مصحوبا بالإذن المنصوص عليه في المادة 58 أو بشهادة من رئيس المجلس الجماعة القروية تثبت أن العملية لا تدخل في نطاق قانون 25.90، وذلك تحت تحمل المسؤولية .

كما أنه لا بد من استحضار ومراعاة مقتضيات النظام الجزائي المقرر بموجب قانون رقم 66.12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير، الذي جعل الحد الأقصى للغرامة المالية في حالات التقسيم المخالف لأحكام المادة 58 من القانون رقم 25.90 يصل خمسة ملايين درهم ولا يقل عن مائة ألف درهم . مع ضرورة تفعيل مقتضيات المادة 72 من قانون 25.90 التي تقضي ببطلان العقود المخالفة لأحكام القانون 25.90 السالف الذكر.

وعلى كل حال وحتى تخدم التجزئة والتقسيم العقاريين المجال القروي دون الإضرار به، فإن تهيئة المجالات القروية  يجب أن تكون مغايرة لما هو متداول بالمجالات الحضرية، ومن ثم يستلزم بلورة مفهوم جديد للتجزئة والتقسيم  بشكل يستجيب لمتطلبات السكن اللائق أخذا بعين الاعتبار نمط عيش الساكنة القروية ( علاقات الجوار، نوع الأنشطة الفلاحية والرعوية إلخ…) والخصوصيات الترابية للمجال المعني (الطبوغرافيا، الشبكة الطرقية، المشاهد الطبيعية، الولوجيات، إلخ …) ولِما خلق جيل جديد من وثائق التعمير تتلاءم وخصوصيات الوسط القروي.

مقال قد يهمك :   إدارية الرباط تثير الجدل بسبب توسيع صلاحية رئيس كتابة الضبط بخصوص عقود المحامين

فالمجال القروي في حاجة إلى مقتضيات قانونية تتلاءم وطبيعة عيش الساكنة القروية، وإن كانت هذه الملاءة تبقى أمر صعب المنال خصوصا إذا علمنا أن المجال القروي المغربي هو مجال  صعب الإرضاء لأنه مجال يتميز بثقافات متعددة على جميع الأصعدة (طريقة البناء، المواد المستعملة، موارد العيش، المناخ، طبيعة الملكية الشائعة) فالقانون الذي يصلح للتطبيق على المنطقة الصحراوية سيكون صعب التطبيق في منطقة جبالة أو في تخوم الأطلس. إلا أنها  -الملاءمة- تبقى ممكنة إذا استطعنا خلق قانون متكامل يتميز بنوع من المرونة في مقتضياته .


الهوامش:

[1]  مصطفى جرموني : “الرقابة على التجزئات العقارية والأبنية بالمغرب” الطبعة الأولى 1432/2011، الصفحة 18.

[2]   خاصة قانون 12.90 المتعلق بالتعمير و ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية وقانون25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات

[3]   محمد بن يعيش : “التجزئة العقارية والتقسيم العقاري أية شروط؟”، مجلة الاجتهاد القضائي، العدد السادس، سنة 2017 الصفحة 22.

[4]  الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 58 من قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات .

[5]  مبروك عمر : “منح الشواهد الإدارية في مجال تقسيم العقارات بين إلزامية النص القانوني وواقع التطبيق” مداخلة ألقيت بمناسبة أشغال ندوة “العقار والتعمير والاستثمار” المنظمة يومي 25و26 نونبر 2016 ص394.

[6]  محمد بن يعيش :”التجزئة العقارية والتقسيم العقاري : أية شروط ؟” ، م.س الصفحة 7 .

[7]  ظهير شريف رقم 1.92.7 صادر في 15 ذي الحجة 1412 (17 يونيو 1992) بتنفيذ قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات ، ج ر عدد 4159 بتاريخ 14 محرم 1413/ 15 يوليوز 1992.

[8]  يعتبر أول قانون نظم التجزئة العقارية بالمغرب هو ظهير أبريل 1914 المتعلق بتهيئة المدن وتوسيعها، وتلاه ظهير 14 يونيو 1933، ثم ظهير شتنبر 1953 الذي يعتبر أول قانون نظم التجزئة بالعالم القروي، وأخيرا ظهير 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات ّ، بالإضافة إلى ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتوسيع العمارات القروية الذي نظم التجزئة العقارية بالوسط القروي .

  • لمزيد من التفصيل أنظر :
  • المختار العطار : “قانون التحفيظ العقاري والتجزئة العقارية أي ضمان للاستثمار”، أعمال اليوم الدراسي الذي نظمه المجلس البلدي لبلدية المنارة جليز ومركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية ووحدة التكوين والبحث في القانون المدني بكلية الحقوق بمراكش، يوم 17 مارس 2001 ، المنشورة في كتاب التجزئة العقارية والتعمير الطبعة الأولى 2001 الصفحة 22.
  • محمد بن أحمد بونبات : “التجزئة العقارية، دراسة في حق السكن ودور السلطات المحلية والوكالات الحضرية في متابعة عمليات البناء والتعمير والعقود المبرمة على التجزئات العقارية”، الطبعة الرابعة 2005. المطبعة والوراقة الوطنية الدوديات مراكش، الصفحة 50 وما بعدها .
  • رضوان العلمي: “التعمير والتنمية المجالية بالمغرب”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام العلوم السياسية، جامعة محمد الخماس الرباط،كلية العلوم القانونية والاقتصاديةوالاجتماعية سلا، السنة الجتمعية 2014/2015 الصفحة 50 وما بعدها .

[9]  تنص الفقرة الثانية من قانون 12.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات على “خارج الدوائر المشار إليها في البند (1) من هذه المادة :

تسليم الإذن في القيام بالتجزئة إذا كانت التجزئة المراد إحداثها مخصصة لإقامة مساكن متفرقة أو نشاطات مرتبطة بالزراعة بشرط أن لا تقل مساحة أي بقعة من بقع التجزئة عن هكتار واحد.”

[10]  عبد الواحد الإدريسي وأحمد مالكي : “تنظيم المجال بالوسط القروي بين النص والممارسة”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العد 54-55 يناير-أبريل 2004 الصفحة 126 .

[11]  محمد خيري : “حماية الملكية العقارية ونظام التحفيظ العقاري بالمغرب” مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، طبعة 2001. الصفحة 59.

[12]  محمد الوكاري : “العقار بين الازدواجية وتعدد الأنظمة ومتطلبات التنمية”  أعمال الندوة الوطنية حول” الأنظمة العقارية بالمغرب” التي نظمها مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق مراكش، المطبعة الوطنية، مراكش، الطبعة الاولى2003، ص246.

[13]  مصطفى جرموني : “الرقابة على التجزئات العقارية والأبنية بالمغرب بين النصوص القانونية والممارسة العملية” الطبعة الأولى 1432-2011 ص 24.

[14]  الفقرة الثانية من الفصل 10 من ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية .

[15]  ابتسام سكرود : “التسليم المؤقت وحجية التسجيل” أشغال ندوة العقار والتعمير، أعمال اليوم الدراسي الذي نظمه المجلس البلدي لبلدية المنارة جليز ومركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية ووحدة التكوين والبحث في القانون المدني بكلية الحقوق بمراكش، يوم 17 مارس 2001 ، المنشورة في كتاب التجزئة العقارية والتعمير الطبعة الأولى 2001 الصفحة 46.

[16]  المادة التاسعة من قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات .

[17]  تقسيم العقارات : “المحطات التشريعية التي تناولته وإلزامية الإذن” مقال منشور على موقع  www.blog.saeeed.com  تاريخ الزيارة 09/08/2019 على الساعة 18:08.

[18]  سعيد بلعساوي : “الحماية القضائية لتقسيم العقارات الخاضعة لوثائق التعمير” مجلة مسارات في الأبحاث والدراسات القانونية، العدد الأول، سنة 2016 الصفحة 158.

[19]  يلاحظ على هذا المستوى أن قانون 25.90 قد وسع من نطاق إلزامية الحصول على الإذن بالتقسيم بالمقارنة مع ظهير30شتنبر 1953  الذي كان يحصر في مادته الرابعة نطاق الحصول على إذن مسبق للتقسيم في البلديات والمراكز المحددة والمناطق المحيطة بها والمجموعات العمرانية.

[20] ينص الفصل 77 من قانون 25.90 على ”  لا تخضع لأحكام هذا القانون التجزئات العقارية المراد إنجازها في التجمعات العمرانية القروية المزودة بتصميم التنمية تطبيقا لأحكام ظهير 01.60.063 بتاريخ 30 من ذي الحجة 1379 (25 يونيو 1960) المتعلق بتنمية التجمعات القروية” .

[21]  مبروك عمر : “منح الشواهد الإدارية في مجال تقسيم العقارات بين إلزامية النص القانوني وواقع التطبيق” مداخلة ألقيت بمناسبة أشغال ندوة “العقار والتعمير والاستثمار” المنظمة يومي 25و26 نونبر 2016 ص395.

[22]  أحمد مالكي: “التدخل العمومي في ميدان التعمير بالمغرب”، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة السنة الجامعية 2007-2008 الصفحة 91.

[23]  مبروك  عمر : “منح الشواهد الإدارية في مجال تقسيم العقارات بين إلزامية النص وواقع التطبيق” م.س الصفحة 395 .

[24]  المادة 23 من ضابط البناء العام .

[25]  محمد الخلدي : “قضاء المشروعية في رخص التعمير  رخص البناء والتجزئة العقارية” ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-فــاس، السنة الجامعية 2009-2010، الصفحة 65.

[26]  تنص الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة من قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات على “خارج الدوائر المشار إليها في البند (1) من هذه المادة :

تسليم الإذن في القيام بالتجزئة إذا كانت التجزئة المراد إحداثها مخصصة لإقامة مساكن متفرقة أو لنشاطات  سياحية أو نشاطات مرتبطة بالزراعة بشرط ألا تقل مساحة أي بقعة من بقع التجزئة عن هكتار واحد “

[27]  عبد الواحد الإدريسي وأحمد مالكي : “تنظيم المجال بالوسط القروي بين النص والممارسة” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد54-55 يناير-أبريل 2004 ، ص130.

[28] عبد الواحد الإدريسي وأحمد مالكي : “تنظيم المجال بالوسط القروي بين النص والممارسة” م.س ، ص 130-131 .

[29]  قرار صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط عدد: 888 المؤرخ في 12/05/2010، في ملف عدد 167/09/5 (غير منشور) .

[30]  ذلك أن أجل الطعن حسب مقتضيات المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية هو 60 ، ذلك أن المدعي الأول رفع شكاية بداية شهر فبراير 2008 والتي بمقتضها انتقلت لجنة تحت رئاسة قائد قيادة أهل تاوريرت يوم 05/03/2008 فكان على المدعي ومن معه ان يرفعوا الدعوى يوم 05/05/2008 على الأقل .

[31]  نصت المادة 27 من القانون رقم 39/08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية على ما يلي: ” لا يجبر أحد على البقاء في الشياع ويسوغ لكل شريك أن يطلب القسمة، وكل شرط يخالف ذلك يكون عديم الأثر …”

[32]   سعيد بلعساوي : “الحماية القضائية لتقسيم العقارات الخاضعة لوثائق التعمير” م.س، ص157-158.

[33]  أحمد مالكي : “البناء في العالم القروي بالمغرب وإكراهات الواقع” المجلة المغربية للدراسات القانونية والاقتصادية، العدد الافتتاحي يناير 2016 ص119 .

[34]  تنص الفقرة الأولى من المادة 59 من قانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات على ” يسلم رئيس مجلس الجماعة الحضرية أو القروية، بعد استطلاع رأي الإدارة، الإذن المنصوص عليه في المادة 58 أعلاه …”

[35]  مرسوم رقم 2.18.577 صادر في 8 شوال 1440 (12 يونيو 2019) بالموافقة على ضابط البناء العام المحدد لشكل وشروط تسليم الرخص والوثائق المقررة بموجب النصوص التشريعية المتعلقة بالتعمير والتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات والنصوص الصادرة لتطبيقها، الجريدة الرسمية، عدد 6793- 5 ذو القعدة 1440 (8يوليوز 2019) ص4852.

[36]  مبروك عمر : “منح الشواهد الإدارية في مجال تقسيم العقارات بين إلزامية النص القانوني وواقع التطبيق” م.س، ص396.

[37] مبروك عمر : “المنافسة في السوق العقارية بالمغرب” الطبعة الأولى 1437_2016 ،ص235.

[38]  سعيد بلعساوي : “الحماية القضائية لتقسيم العقارات الخاضعة لوثائق التعمير” مجلة مسارات في الابحاثوالدراسات القانونية العدد الالو سنة 2016، ص169-170.

[39] وفي هذا الصدد يقترح الأستاذ أحمد مالكي، سحب اختصاص تسليم الشهادة الإدارية من رئيس الجماعة وجعل الوكالة الحضرية هي المختصة بتسليمها، لكن ومن وجهة نظرنا فإن الاختصاص يجب أن يبقى لرئيس مع تبني مقتضيات زجرية في حقه إذا ما خالف القانون ولم يقم باستشارة اللجنة المحددة في المادة 23 من ضابط البناء العام، لأن تخويل هذا الاختصاص للوكالة الحضرية يمكن أن تنتج عنه نتائج أخطر من تلك التي نعايشها اليوم خاصة وأن عدد الوكلات الحضرية محدود ، وتوجد في مناطق بعيدة خاصة على المواطن القروي الذي يعيش في مناطق نائية، على خلاف المجالس الجماعية التي توجد قرب هذا المواطن .

  • أنظر أحمد مالكي : “البناء في العالم القروي بالمغرب وإكراهات الواقع” م.س ص 119-120.
error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)