خصوصية إجرام الياقات البيضاء
عبد الحليم الزوبع طالب باحث في ماستر العلوم الجنائية والدراسات الأمنية بطنجة الفوج الثاني.
مقدمة
تعتبر الجريمة ظاهرة انسانية وبذلك غير محصورة في فئة اجتماعية واحدة أي لا تنحصر في طبقة الدنيا من المجتمع بينما تتجاوز ذلك لتشمل أشخاص الأكثر نفوذا في المجتمع إذ يرتكبون أعمالا اجرامية تتجاوز في ضخامتها وخطورتها وأثارها وما يقوم به الفئات الضعيفة من اعمال جرمية.
ويدخل في هذا الباب جرائم الياقات البيضاء واستخدم هذا المفهوم للتعبير عن الأنشطة الجرمية التي تقوم بها الفئات الأكثر رخاء في المجتمع مثل التهرب الضريبي، وغسل الأموال بالإضافة إلى جرائم الشركات.
والفضل الكبير يعود للعالم الأمريكي “سترلاند” في ظهور هذ المصطلح سنة 1949 ومن الصعب قياس هذا النوع من الإجرام أو حصرها بمعايير كمية أو نوعية لأنها غالبا لا تظهر في أية سجلات رسمية أو غير رسمية.
غير أنه يمكن تقسيمها إلى فئتين عريضتين، أصحاب المديرون و المسؤولون والمهنيون الذين يشغلون موقع متوسط في المؤسسات العامة والخاصة في حين يقابلها الأنشطة الإجرامية التي يمارسها اصحاب السلطة والقوة والنفوذ الاجتماعي الذين يشغلون موقعهم لأغراض شخصية ،إلا أنه في السنوات الأخيرة ظهر فقهاء الإجرام يتحدثون عما يسمونه بالجرائم الياقات البيضاء التي تشير للأنشطة الاجرامية التي يرتكبها اصحاب الشركات والمؤسسات التجارية والاقتصادية الضخمة في المجتمع.
وبهذا فإن تدخل المشرع في مجال تنظيم هذه الجرائم أمرا مسلما في جل التشريعات الحديثة نظرا لما أصبح يشكله ميدان المال و الأعمال كمجال خصب لنوع جديد من الجرائم تسمى بجرائم ذوي الياقات لبيضاء وترتيب هذه الجرائم من قبل أشخاص يبحثون عن الغنى السريع اعتمادا على وضعيات قانونية تغري بإرتكاب نوع معين من الجرائم المعروفة بجرائم المال و الأعمال ، وبهذا نجد المشرع المغربي خصص لهذا النوع من الجرائم اجراءات خاصة يتم من خلالها التصدي أو مواجهة هذه الافات ولو بشكل جزئي بما أن التصدي التام يصعب نوعا ما من خلال اقراره لبعض العقوبات .
إن جرائم أصحاب الياقات البيضاء بهذا المعنى من الجرائم التي غاب الاهتمام الشعبي والحكومي بتوفر الدعم المالي لمشاريع البحوث العلمية ،إضافة إلى صعوبة حصول على معلومات دقيقة من أجهزة العدالة الجنائية باعتبارها لا تعكس حقيقية هذا الموضوع، وبهذا نجد عالم الإجتماع “سترلاند” قد عرف جرائم ذو الياقات البيضاء بأنها الأفعال التي يقوم بها الأفراد من الطبقة الإجتماعية والاقتصادية العليا والتي تعد مخالفة للقوانين المنظمة للمهنة وهي كذلك تقوم على الازدواجية في استغلال الشخص لسلطاته الشخصية حيث نجد المشرع المغربي نص على مجموعة من صور الجرمية الذي قد يرتكبها أصحاب الياقات البيضاء والتي أعطى فيها لكل جريمة تكييفها القانوني الخاص بها، وهذا ما يجعلنا امام التساؤل التالي.
ماهي مميزات إجرام الياقات البيضاء ؟
دراسة هذا التسائل من خلال النقط التالية.
المحور الأول: خصائص جرائم الياقات البيضاء
يعتبر إجرام الياقات البيضاء من جرائم التي تتميز بالطباع خاص باعتبارها من الجرائم المتطور بخلاف جرائم التقليدية وهذا ما يجعلها تتسم بالمجموعة من الخصائص منها:
جرائم مصطنعة : ونقصد بأنها جرائم وليدة اللحظة وما يميزها أنها لا تتعارض بالضرورة مع القيم الأخلاقية للمجتمع وهي جرائم صنعها المشرع لتصدي لأشخاص وظروف جرمية في فترة زمنية معينة بخلاف الجرائم الدمية التي تعتبر من صنع الطبيعة.
جرائم تقنية : ويمكن القول بأن جرائم ذي الياقات البيضاء هي صورة من صور الجرائم المستحدثة ولكن بصورتها المتقدمة على التشريعات العقابية نتيجة التطورات الهائلة والمتسارعة في الميادين العلمية وذلك نظرا لاستخدام أصحابها وسائل تشويه الحقائق تتمثل في الخداع والغش والاحتيال واستغلال الثغرات القانونية التي اغفالها المشرع في قانون معين.
من الجرائم التي يصعب معرفة مرتكبيها : فهي الجريمة التي يرتكبها أصحاب النفوذ السياسي والوظائف ذات الشأن الرفيع والمتقدم في الدولة باستغلال الوظيفة المناطة لهم.
ويرتكب مثل هذه الجريمة أيضا أصحاب الثروات والمصالح ذوي القدرة العالية لتكوين العلاقات مع المتنفذين في الدولة وقد أطلق هذه التسمية أي الياقات البيضاء عالم الاجرام الأمريكي ( ادوين سترلاند) لأن مرتكبيها هم أغنياء الذين يرتدون القمصان البيضاء تمييزا عن جرائم الطبقة الفقيرة في المجتمع الذين غالبا ما يرتدون القمصان الزرقاء ذات الدلالة على العمل اليدوية وهذا يجعل من الصعب معرفة أصحاب هذه الجرائم.[1]
جرائم لا تخلف ضحايا مباشرين : باعتبار أن هناك جرائم عند حدوثها فهي تخلف ضحايا مباشرين من أمثلها القتل فالضحية يكون هنا هو ذلك الانسان الذي تم الاعتداء على حقه في الحياة بخلاف الجرائم التي يرتكبها أصحاب الياقات البيضاء التي لا تخلف ضحايا مباشرين باعتبار أن الضحية الأساسية تكون هي المصلحة العامة سوء كانت مصلحة اقتصادية أو اجتماعية وذلك راجع لعدم وعي المجتمع بهذا النوع من الجرائم التي من امثلتها التهرب الضريبي وغير ذلك مع العلم أن جرائم التي يرتكبها أصحاب الياقات البيضاء تعتبر أكثر خطورة اجرامية من الجرائم المرتكبة من قبل الأشخاص العاديين.
فهناك فرق كبير في التأثير على المجتمع بين جريمة سرقة بعض النقود من قبل عامل بسيط لحاجته إليها وتلك التي يرتكبها صاحب معمل للمواد الغذائية بسبب الغش المتعمد في صناعة حليب مثلا، أو تلك العقود التي يبرمها اصحاب النفوذ في الدولة مع شركات وهمية بمليارات الدولارات التي تسحب من أموال الشعب.[2]
جرائم ذو طبيعة مالية : يعتبر أصحاب الياقات البيضاء هدفهم من ارتكابهم لبعض الجرائم الوصول إلى الربح المادي الذي يكون الطمع هو أساس ارتكابها والذي يشبعه هو الحصول والاستيلاء على تلك الأموال عبر استغلالهم لمكانتهم الاجتماعية والاقتصادية التي يشغلونها، وبالنفوذ المالي والسياسي الذي يتمتعون به، حيث يكون لهم من الجاه والسمعة ما يؤهلهم الى الاستمرار والاحتفاظ بالإجرام والجاه والسمعة في نفس الوقت حيث يكون الغاية من دمجهم هذا هو الاغتناء وذلك عبر نهج مختلف الأساليب الغير المشروعة كالاحتيال والغش فالجريمة الرشوة مثل التي تعتبر من جرائم استغلال النفوذ التي يعرفها الفقه بأنها اتجار الموظف بوظيفته واستغلالها لحسابه الخاص قصد الاغتناء.[3]
من الجرائم التي لها قابلية ضئيلة للبروز : باعتبار أن الجرائم التي يرتكبها أصحاب الياقات البيضاء غالبا ما يرتكبها بالتكتم الشديد وخلف أماكن موصد تكون غالبا بعيدا عن شكك للأفراد والمجتمع نظرا للمناصب والمكانة التي يحتلوها مرتكبها والتي تكن بمثابة سترة أو رداء يغطي على جرائمهم وهذا ما يجعل اجرام الياقات البيضاء من الجرائم التي لها قابلية ضئيلة للبروز والوصول الى أعين المجتمع وكذلك أجهزة العدالة الجنائية وهذا بخلاف المجرمين العاديين الذين يرتكبون جرائم في أماكن عمومية وأمام أعين المجتمع وبالتالي يكون لها قابلية قوية للبروز والوصول إلى أجهزة العدالة الجنائية.[4]
من الجرائم المتطورة : فالجرائم ذوي الياقات البيضاء من الجرائم التي تتميز بطابع نسبي أي أنها لا تتميز بالاستقرار وثابت فهي متغيرة في الزمان والمكان وذلك لا من حيث الجرائم والأساليب التي ينهجها أصحاب الياقات البيضاء باعتبار أن كلما تطورت المجتمعات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وكذلك العلوم الحديثة من تكنولوجية وغير ذلك أو حتى على مستوى النصوص التشريعية كلما أدى ذلك إلى ظهور جرائم وأساليب متطورة يستغلها أصحاب النفوذ من المركز الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العليا التي يحتلونها بطرق غير مشروعة للوصول إلى هدفهم الأساسي.[5]
المحور الثاني: صفات أصحاب إجرام الياقات البيضاء.
إن المجرم العادي هو الشخص التقليدي الذي اعتادا ارتكب الجريمة العادية أو نوع محدد منها نظرا لظروف أحاطت به كونه غير متكييف اجتماعيا، مستخدما بذلك أدوات تقليدية للوصول الى هدفه حتى لو اضطر إلى استخدام العنف ، على عكس المجرم الحديث الذي سخر التطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وصولا هدفه لهذا فإن المجرم الحديث يتسم ببعض السمات أهمها:
أولا: التخصص النوعي النمطي : ونجد أن اصحاب الياقات البيضاء ينفردون بنوعية معينة من الجرائم التي يرتكبونها وهذا يعود إلى علمهم وثقافتهم السابقة والخاصة بطبيعة ومكونات المادة التي يقع عليها الفعل المجرم والتي أعطت لشخصيته أسلوبا ينفرد فيه عن غيره.[6]
ثانيا: الذكاء والاحتراف: يتمتع أصحاب الياقات البيضاء بقدر كبير من الذكاء حيث يستخدم وسائل التقنية الحديثة من كومبيوتر وأجهزة اتصال وغيرها وكذلك يستعين بأساليب أخرى الاحتيال والغش والخدع كوسائل مساعدة لتنفيذ جريمته، حيث يتميز بالاحتراف أثناء استخدامه لتلك الوسائل بطريقة تفوق الأشخاص العاديين المستخدمين لهذه الوسائل.
وهذا هو مصدر الخطورة لأن المحترفين يرتكبون على درجة كبيرة من المهارة والإتقان والغرض دائما هو المكسب أو الحصول على فائدة معينة.[7]
ثالثا: لا يميل للعنف ولا يستخدمه: لا يلجأ أصحاب الياقات البيضاء إلى استخدام العنف للوصول إلى مبتغاهم فهم في ارتكابهم للجرائم لا يواجهنا شخص حقيقيا بل يتعاملون مع وسائل وأدوات تقنية متطورة يسخرونها في تنفيذ جرائمهم لأنهم ينتمون إلى اجرام الحيلة ولأن الجرائم التي يلجاؤون إليها لا تستلزم أي قدر من العناء للقيام بها بخلاف المجرم التقليدي الذي يلجأ إلى استعمال العنف لتنفيذ جرائمه.[8]
رابعا: التكييف الإجتماعي: حيث هذا النوع من المجرمين يرتكب جرائمهم من خلال استخدامه لتلك الوسائل التقنية، فهو لا يكون ظاهرا في الغالب ويتعايش مع الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه وبالتالي فإن أفراد المجتمع لا يظهر لهم هذا العداء لعدم وعيهم بالطبيعة الجرائم التي يرتكبها وهي جرائم يغلب عليها الطابع المالي، حيث أن هذا النوع من الجرائم تزداد خطورتها الاجرامية على أفراد المجتمع كلما زاد تكييف أصحاب هاته الجرائم في الوسط الاجتماعي الذي يعيشون ضمنه هؤلاء الأفراد .[9]
المحور الثالث: بعض الصور الجرمية التي قد يرتكبها
قد أصبحت الظواهر الاجرامية المستحدثة تتعدد وتتبدل ومنها صور الجرمية التي يرتكبها أصحاب الياقات البيضاء في اطار ما هو مالي وتجاري والتي سنتطرق إليها ضمن هذه المطلب مع تبين الطبيعة القانونية لها.
أولا: جرائم الشركات
إن المشرع يهدف من خلال النص على جرائم الشركات وهو حماية هذه الأخير ونشاطها مما قد يطالها من تصرفات غير مشروعة باعتبار أن جرائم الشركات هي الجرائم التي ترتكب من قبل شركة أو من أفراد يحتلون هذه الشركة من مدراء ومسيرون عامون أو مساهمون من شركاء ودائنين حيث أنه المشرع المغربي خاص كل شركة تجارية بالقانون خاص ينضمها ومنه قانون 17.95 مؤطر للشركة المساهمة وقانون 5.96 المتعلق بتنظيم باقي الشركات،[10] ومن صور الجرمية التي يرتكبها اصحاب الياقات البيضاء في إطار الشركات التجارية ومن أبرزها جريمة اساءة استعمال أموال الشركة التي لم يعرفها المشرع المغربي بل اكتفى بتحديد الأفعال التي تشكل اساءة استعمال اموال الشركة وذلك بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 384 من ق 17.95 المتعلق بشركات المساهمة الذي جاء فيه ما يلي : الذين استعملوا بسوء نية أموال الشركة واعتماداتها استعمالا يعلمون تعارضه مع المصالح الاقتصادية لهذه الأخيرة وذلك بغية تحقيق أغراض شخصية أو لتفضيل شركة أو مقاولة أخرى لهم بها مصالح مباشرة أو غير مباشرة”.[11]
مساهمة ولذلك يمكن تعريف جريمة اساءة استعمال أموال الشركة بأنها كل أوجه الاستعمال الأموال الشركة التي تتم من طرف المسير بسوء نية وبشكل يتعارض مع المصلحة الاقتصادية للشركة ومن صور الاستغلال أموال الشركة، كالقيام الشريك بسحب شيكين دون اذن شريكه أو دفع المرتب صوري من حساب الشركة الى زوجة المدير أو دفع سحوبات من حساب الشركة لتمويل الأنشطة الرياضية للمديرمثلا.
أما فيما يخص الركن المادي لهاته الجريمة فمن خلال إستقرء المادة 384 من قانون 17.95 نجد أن المشرع المغربي أقره في عنصرين أساسيين لقيام هذه الجريمة فيتجلى الأول في عنصر الاستعمال الذي هو كل نشاط يسعى الجاني من ورائه الى الاستئثار المباشر بأموال الشركة أو تسخير ميزانيتها لسداد مصاريف ذات صبغة شخصية حيث يتحقق النشاط المكون للركن المادي للجريمة بمجرد الاستفادة من القرض أو التسهيلات المالية أو الاستخدام الغير المبرر لسيارات الشركة ومعداتها أما العنصر الثاني هو ضرورة أن يتعارض الاستعمال مع المصلحة الاقتصادية للشركة وإلا أن الجريمة تنتفي أمثلة ذلك كاذمج المسير أمواله مع أموال الشركة واستعمالها لحسابه الخاصة فهنا يتابع فيها المسير بجريمة اساءة استعمال امواله الشركة بالرغم من غياب ضرر مادي يلحق بالشركة أو استعماله اموال الشركة دون امتلاكه فهنا يتعارض مع مصلحتها الاقتصادية سوء كان هذا تعارض بشكل مباشر أو غير مباشر
وما يميز الركن المادي في جرائم الشركات أن في بعضها لم يشترط المشرع ضرورة تحقق النتيجة الاجرامية بل فقط اتيان المجرم السلوك الاجرامية.[12]
أما الركن المعنوي في جرائم الشركات وخصوصا في جريمة سوء استعمال أموال الشركة الذي يتطلب القصد الجنائي بنوعيه القصد العام الذي يجب أن يكون فيه المسير علما بأنه في صدد اعتداء على مصلحة الشركة واتجاه ارادته لتحقيق الواقعة الإجرامية ،والقصد الخاص الذي يتمثل في وجود قصد خاص لدى المتهم قوامه تحقيق أغراض شخصية أو تفضيل شركة أو مقاولة له بها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة.
ثانيا: جريمة غسل الأموال
وتعتبر جريمة غسل الأموال عملية يهدف من خلالها أصحاب الياقات البيضاء إلى اخفاء المصدر الحقيقي للدخل الغير المشروع ومحاولة اضفاء الشرعية عليه وإظهاره كما لو كان ناتجا من أنشطة مشروعة وذلك عن طريق القيام بإيداعها في مصاريف دول أخرى أو استثمارها في أنشطة مشروعة للافلات بها من الضبط والمصادرة أو بأي طريق قصد اخفاء عدم مشروعيتها.[13]
وبالرجوع إلى القانون المغربي رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال نجد المشرع المغربي لم يعرف هذه الجريمة ولكنه قام بتعداد بعض الأفعال التي تكون جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في الفصل 574-2 من هذا القانون والتي تتمثل في الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية و المتاجرة بالبشر وتهريب المهاجرين وجرائم الرشوة والغدر واستغلال واختلاس الأموال العامة والخاصة والجرائم الارهابية وتزوير النقود وسندات القروض العمومية أو وسائل الاداء الاخرى وهذا يتعلق بالركن القانوني للجريمة.[14]
ويشترط لقيام هذه الجريمة ركن اخرى وهو المتمثل في العنصر المفترض الذي يقتضي ارتكاب الجاني أو الجناة لجريمة سابقة تدر عليهم أموالا هي التي ستكون بعد ذلك محلا لعملية الغسل بهدف إضفاء الطابع الشرعي عليها وتقديمها في الدورة الاقتصادية كأنها نتاج عمل مشروع بمعنى آخر هو ارتكاب جريمة أصلية تكون هي محل جريمة غسل الأموال التي حدها المشرع المغربي في لائحة حصرية سابق أن ذكرنها المتمثل في الفصل 574-2 من قانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال.[15]
أما الركن المادي لهذه الجريمة الذي لابد لقيامه أن يرد السلوك محل الجريمة ويترتب عليه نتيجة اجرامية معينة مع ضرورة وجود علاقة السببية بين السلوك والنتيجة ولقد حدد المشرع المغربي السلوك المادي لجريمة غسل الأموال في عدة صور نص عليها في الفصل 574-1 التي تتمثل في الاكتساب أو الحيازة أو استعمال او استبدال او تحويل او نقل الممتلكات أو عائدات بهدف اخفاء أو تمويل.
وكذا مساعدة أي شخص متورط في احدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 574-2 أو تسهيله التبرير الكاذب لمصدر الممتلكات أو تقديم المساعدة أو المشورة في عملية حراسة أو توظيف أو اخفاء أو استبدال أو تحويل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة[16].
أما فيما يخص النتيجة الاجرامية في جريمة غسل الأموال تتمثل في صورة الحال الذي يتم الحصول عليه من وسائل غير مشروعة ليصبح كأنه تحصل بطريقة مشروعة ومن ثم ادخال هذا الحال في الدورة الاقتصادية وظهور في مظهر مشروع وهذا ما يكون له تأثير على المصلحة المالية للدولة.
فيما يخص الركن المعنوي فنجد أن المشرع المغربي قام بتعداد الأفعال المكونة لجريمة غسل الأموال في الفصل 574-1 من ق 43.05 فإنه اشتراط أن ترتكب هذه الأفعال عمدا حيث نصت المادة الأولى على ما يلي ” تكون الأفعال التالية جريمة غسل الأموال عندما ترتكب عمدا أي عندما يتوفر القصد الجنائي الذي هو ارتكاب أفعال التمويل الرامية إلى غسل الاموال ذات المصدر الغير المشروع عن علم وبقصد تحقيق هذه النتيجة فلا يمكن تصور تحقق جريمة غسل الأموال عن طريق الخطأ في القانون المغربي.[17]
ثالثا: جريمة التهرب الضريبي
يعتبر المغرب من الدول التي قامت بتجريم التهرب الضريبي أو الغش الضريبي حديثا هذا التجريم الذي لم يكتب له وجود خلال الاصلاح الضريبي العام لسنة 1984 وانتظر ما يزيد عن 13 سنة ليتم اخراجه الى أرض الوجود بمقتضى القانون المالي لسنة 1996 – 1997[18].
ويعرف الغش الضريبي بأنه ينصرف للدلالة على لجوء الملزم الى استعمال مجموعة من المناورات والوسائل الاحتيالية بكيفية غير مشروعة من أجل تقليص الضريبة من جهة أو التستر على مداخيل وعمليات خاضعة للضريبة أو الادلاء بتصريح مزيف تشوبه مناورات تدليسية ويعرف كذلك بأنه التهرب من أداء واجب فرضه القانون باعتبارات الفصل 39 من الدستور أفاد على أن الجميع يتحمل على قدر استطاعته التكاليف العمومية.[19]
ويعتبر التهرب الضريبي صورة من الجرائم التي يرتكبها أصحاب الياقات البيضاء والتي يتمثل ركنها القانوني في مجموعة من المخالفات الضريبية التي يعاقب عليها بغرامات مالية أو بعقوبات جسيمة ويتعلق الأمر بالمادة 192 من المدونة العامة للضرائب التي تفيد على أنه ” يتعرض لغرامة على الأفعال التي يعاقب عليها القانون الضريبي في حالة ارتكابها أو ممارستها ، وذلك قصد الافلات من اخضاعه للضريبة أو التملص من دفعها أو الحصول على خصم منها أو استرجاع مبالغ بغير حق من خلال استعمال احدى الوسائل التالية : تسليم أو تقديم فاتورات صورية وتقديم تقييدات محاسبية مزيفة أو صورية وبيع بدون فاتورات بصيغة مكررة واخفاء واتلاف وثائق المحاسبية المطلوبة قانون واختلاس مجموع أو بعض اصول الشركة أو الزيادة بصورة وتدليسية في خصومها قصد افتعال اعسارها.[20]
أما الركن المادي لجريمة التهرب الضريبي فهو يراد به المظهر الخارجي للتصرف المادي الذي ينص عليه القانون ويقرر له عقوبة وفق لفكرة الركن الشرعي وذلك لأن الملزم الخاضع للضريبة بارتكابه احدى الأعمال أو التصرفات المنهية قانونيا يكون قد ارتكب جنحة في حق الخزينة العامة للدولة والسلوك الاجرامي هنا يتمثل في النشاط المخالف للقانون الذي يرتكبه الملزم من تسليم أو تقديم فاتورات صورية أو تقديم تقييدات محاسبية مزيفة أو صورية أو بيع بدون فاتورات بصفة متكررة أو اخفاء أصول الشركة أو الزيادة بصورة تدليسية في خصومها قصد افتعال إعسارها فهذه الأفعال يترتب عنها التخلص الكلي أو الجزئي من الضريبة المعتبرة قانونيا مما يعتبر اعتداء على حق الخزينة العامة في الحصول على الأموال اللازمة لتنفيذ سياسة الدولة في الميدان الاقتصادي والاجتماعي.
أما الركن المعنوي لجريمة التهرب الضريبي فيمثل في القصد الجنائي حيث إنها جريمة عمدية تتطلب التخلص من عبء الضريبة كليا أو جزئيا ويشترط في الركن المعنوي قصد التحايل ، حيث أن المتملص يكون على علم بارتكابه لفعل من الأفعال المجرمة الذي من شأنه يؤدي إلى الافلات من الخضوع للضريبة أو التملص من دفعها.[21]
لائحة المراجع:
– عبد الكريم الردايدة، كتاب الجرائم المستحدثة واستراتيجية مواجهتها طبعة 2013.
– عبد الله مرقس، جريدة العلوم القانونية.
– ابن خدة رضى، محاولة في القانون الجنائي للشركات التجارية، تأصيل وتفصيل الطبعة الثانية 2012.
– هشام بوحوص، محاضرات في علم الاجرام، الطبعة 2017.
– ادريس النوازلي، الاثبات الجنائي لجرائم الأعمال الوسائل الحديثة، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، كلية الحقوق بوجدة 2013.
– عبد الله بن عبد العزيز اليوسف ، أساليب تطوير البرامج والمناهج التربية لمواجهة الجرائم المستحدثة الرياض جامعة نايف طبعة 2004.
– خالد كردودي، جريمة غسل الاموال على ضوء التشريع المغربي والمقارن، الطبعة الأولى ، 2008.
– نور الدين العراج ، جريمة غسل الأموال من خلال قانون 43.05 بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلوم الجنائية السنة الجامعية 2007 – 2008.
– ادريس بعكوش، بحث حول التهرب الضريبي بالمغرب في ماستر الأعمال كلية الحقوق الدار البيضاء، الجريدة القانونية، عدد 308.
– حميد النهري، المدخل لدراسة النظرية العامة للضريبة والسياسة الجبائية، الطبعة 2017.
– البر الحسين، التهرب الضريبي بالمغرب، سلسلة المغربية للعلوم والتقنيات الضريبية.
– عبد ناصر محمد العيطان، أساليب غسل الأموال ودور النظام المعرفي في مكافحتها دراسة مقارنة، اطروحة دكتوراه كلية ادارة المال والاعمال جامعة الأردن 2008.
الهوامش :
[1] – عبد الكريم الرديدة ، كتاب الجرائم المستحدثة واستراتيجية مواجهتها طبعة 2013 ، ص: 45.
[2] – عبد الله مرقس اجرام علم الاجتماع.
[3] – رضى ابن خدة، محاولة في القانون الجنائي للشركات التجارية، تأصيل وتفصيل ، الطبعة الثانية 2012 ، ص 131 – 132.
[4] – هشام بوحوص، محاضرات في علم الاجرام، الطبعة 2017.
[5] – هشام بوحوص، نفس المرجع.
[6] – عبد الكريم الرايدة، الجرائم المستحدثة واستراتيجية مواجهتها طبعة 2013 ص: 35.
[7] – أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ، تحت عنوان الاثبات الجنائي لجرائم الأعمال الوسائل الحديثة الباحث ادريس النوازل كلية الحقوق بوجدة 2013 ص: 163.
[8] – عبد الكريم الردايدة، مرجع سابق، ص: 35.
[9]– عبد الله بن عبد العزيز اليوسف ، أساليب تطوير البرامج والمناهج التربية لمواجهة الجرائم المستحدثة الرياض جامعة نايف طبعة 2004 ص: 21.
[10] – رضى ابن خدى ، محاولة في القانون الجنائي للشركات التجارية تأصيل وتفعيل الطبعة الثانية 2012 ، ص: 200.
[11] – المادة 384 من ث 17.95 المتعلق بالشركات المساهمة.
[12] – رضى ابن خدى، محاولة في القانون الجنائي للشركات مرجع سابق، ص: 212.
[13]– خالد كردودي جريمة غسل الاموال على ضوء التشريع المغربي والمقارن الطبعة الأولى ، 2008 ص: 12.
[14]– المادة 574-2 من القانون المتعلق بمكافحة غسل الأموال رقم 43.05.
[15]– خالد كردودي ، جريمة غسل الأموال على التشريع المغربي والمقارن الطبعة 2008 ص 28
[16]– المادة 574-1 من قانون 43,05.
[17] – نور الدين الأعراج ، جريمة غسل الأموال من خلال قانون 43.05 بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلوم الجنائية السنة الجامعية 2007 – 2008، ص: 59.
[18] – حميد النهري، المدخل لدراسة النظرية العامة للضريبة والسياسة الجبائية، الطبعة 2017 ص: 257.
[19] – حميد النهري، مرجع سابق، ص: 260.
[20] – المادة 192 من المدونة العامة للضرائب.
[21] – الجريدة القانونية ، حول التهرب الضريبي بالمغرب ، ادريس بعكوش في ماستر الاعمال كلية الحقوق الدار البيضاء تحت عدد 308.
تعليقات 0