خطاب الملك بالبرلمان…خطاب التعبئة الوطنية الشاملة
- من إعداد : حكيمة ماهير باحثة في علم السياسة و القانون الدستوري.
خلال الدورة الأولى من كل سنة تشريعية، يلقي جلالة الملك خطابا توجيهيا لنواب الأمة، وذلك تطبيقا لمضامين الفصل الخامس والستين من دستور 2011، حيث يحدد فيه الخطوط العريضة التي يتعين على البرلمان بمجلسيه أن يسير على نهجها خلال كل سنة تشريعية. ولقد شهدت هذه الدورة بدورها، اهتماما كبيرا من قبل الباحثين والمهتمين والرأي العام، نظرا لأن الخطاب الملكي يشكل خارطة طريق لرسم المعالم الكبرى والمحددات الرئيسية للسياسات العمومية ببلادنا.
وتعرف السنة التشريعية الثالثة من الولاية العاشرة، رهانات سياسية وتشريعية، تتجلى أولها في اعادة تشكيل الغرفة الثانية وانتخاب رئيس مجلس المستشارين، وتتمثل الثانية في مناقشة قانون المالية لسنة 2019، الذي يعتبر من أهم المشاريع التي ينكب البرلمان على الإشتغال عليها، وهي محطة أساسية للتفاعل بين مختلف الفاعلين والمتدخلين الرسميين. كما تحمل هذه السنة أيضا خصوصية هامة كونها ستناقش مجموعة من الملفات والقوانين التي ظلت عالقة لعدة سنوات، ومنها ترسيم اللغة الأمازيغية، و قانون الإضراب… إضافة الى مناقشة مشروع قانون الخدمة العسكرية.
إن هذه الرهانات لا تقل أهمية عن الرهانات الاجتماعية والاقتصادية، التي يعيشها المغرب، حيث شهدت بلادنا تراجعا خطيرا على جميع المستويات، وتجسد ذلك من خلال المراتب المتدنية التي يحتلها المغرب في سلم التنمية المستدامة، وكذلك من خلال الإحتقان الداخلي الناتج عن ارتفاع البطالة وتدني الأوضاع المعيشية للمواطنين.
و على هذا الأساس، ركز جلالة الملك في خطابه على تعبئة الروح الوطنية الشاملة، باعتبارها المدخل الأساسي للتغيير، فهي من جهة سوف تحافظ على التماسك الإجتماعي، ومن جهة أخرى سوف تفشل مخططات أعداء الوحدة الترابية والانتهازيين، وهذه التعبئة والتحلي بالروح الوطنية كانت واضحا من خلال النقط التالية:
أولا : الخطاب الملكي وتعبئة الروح الوطنية
لقد شكل الخطاب الملكي بمناسبة الدخول البرلماني، مناسبة لتجديد اللقاء مع نواب الأمة وحثهم على التشبع بروح المسؤولية، والتعبئة الشاملة والعمل الجاد والجماعي، من أجل المساهمة في الإصلاح وتحسين الأوضاع الإجتماعية لبلادنا، كما ذكر الخطاب على أن المغرب يحتاج الى وطنيين ورجال دولة صادقين يدافعون على مصلحة الوطن والمواطنين.
إن تذكير الملك نواب الأمة بواجباتهم اتجاه الوطن لم يأت من فراغ، وإنما جاء نتيجة الصراعات والتطاحنات التي شهدتها النخبة السياسية خلال السنوات الماضية، نهيك عن تراجع مستوى الأحزاب السياسية في القيام بالأدوار المنوطة بها، مما أدى إلى فقدان الثقة بالأحزاب السياسية، وعزوف الشباب عن المشاركة السياسية.
لقد حرص جلالة الملك في خطابه على تعزيز الروابط التي تجمع المغاربة، حيث دعى الى تبسيط المساطر من اجل تشجيع مختلف اشكال التبرع والتطوع والاعمال الخيرية ودعم المبادرات الاجتماعية والمقاولات، ووضع اليات لاشراك ودعم القطاع الخاص من اجل تسهيل الخدمات المقدمة للمواطنين، ولقد اكد هذا الخطاب ايضا على ضرورة تعزيز وتسهيل الولوج للعقارات وجعلها أكثر انفتاحا على المستثمرين سواء الأشخاص او المقاولات.
ثانيا : التشغيل ودعم الكفاءات في قلب اهتمامات الخطاب الملكي
زيادة على التحلي بالروح الوطنية الصادقة ونكران الذات، فقد شكل التشغيل المحور الرئيسي للخطاب الملكي، نظرا للاوضاع المتأزمة التي يعيشها الشباب المغربي في الآونة الاخيرة، حيث شهدت البلاد اكبر موجة للبطالة مقارنة بالسنوات السابقة،الشيء الذي ادى بالشباب الى ركوب قوارب الموت من اجل تغيير وضعيتهم الاجتماعية، ونظرا لهذه المتغيرات الاخيرة، دعى جلالة الملك المسؤولين اكثر من مرة بالاهتمام بفئة الشباب عن طريق توفير مناصب العمل وفرص الشغل، والعناية بالتكوين المهني باعتباره رافعة للشغل وخلق توازن بين التكوين النظري والتدريب التطبيقي داخل المقاولات، كما اكد على فتح بعض القطاعات والمهن الغير المرخصة للأجانب، شريطة المساهمة في نقل الخبرات.
وفي هذا الصدد دعى الملك الى الرفع من الدعم العمومي للاحزاب مع تخصيص جزء منه لفائدة الكفاءات التي توظفها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار، وذلك من اجل الرفع من مستوى الاداء الحزبي، وجودة التشريعات والسياسات العمومية، لذلك فان الاحزاب السياسية مدعوة اليوم الى القطيعة مع الافكار الجاهزة والممارسات التقليدية، التي اتسمت بالعجز عن استقطاب الكفاءات، ووضع تصور فعال وجديد لتوظيف الاطر المؤهلة والقادرة على الرفع من مستوى النخب السياسية من اجل الحد من المشاكل التي تعيق عمل نواب الامة.
كما اكد الخطاب الملكي على ضرورة الاهتمام بالقطاع الفلاحي، لكونه يشكل خزانا للتشغيل وخلق فرص للعمل والدخل وتحسين ظروف العيش والاستقرار خاصة بالنسبة لفئة الشباب القروي من جهة، ومن جهة اخرى اكد على تعزيز المكاسب المحققة في الميدان الفلاحي، وذلك من خلال بلورة اليات مبتكرة لمواصلة تحفيز الفلاحين على المزيد من الانخراط في التجمعات والتعاونيات الفلاحية ومتابعة التكوين في المجال الفلاحي.
وفي نفس السياق تطرق الخطاب الملكي الى الخدمة العسكرية معتبرا اياها فرصة لتعزيز روح المسؤولية والانتماء الوطني كما انها تفتح المجال للشباب من اجل الحصول على التكوين والاندماج المهني والاجتماعي، ورفعا لاي لبس في هذا الاطار اكد جلالة الملك، على أن الخدمة العسكرية هي مشروع يهم المغاربة وهو موجه للجميع بمختلف فئاتهم ومستوياتهم الاجتماعية والتعليمية دون استثناء، وسوف يشكل هذا المشروع لا محال فرصة للشباب من اجل توظيف قدراتهم وطاقاتهم لخدمة الوطن.
ثالثا : الخطاب الملكي و النموذج التنموي الجديد
من اجل الحد من الفوارق والتفاوتات الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية، دعى جلالة الملك الى اعادة النظر في النموذج التنموي، حيث كلف لجنة خاصة، بمهمة جمع المساهمات والدراسات التي أعدتها بعض المؤسسات والهيئات في هذا الاطار، واعادة ترتيبها وهيكلتها من اجل بلورة خلاصات في اطار منظور استراتيجي شامل ومندمج، وان يقدم هذا المشروع في ضرف ثلاثة أشهر المقلبة، حيث يتم فيه تحديد الاهداف والحلول المقترحة وكذلك طرق تفعيلها واعمالها، كما شدد جلالة الملك في خطابه على توفير الفرص للمواطنين واستفادة جميع المغاربة على قدم المساواة بخيرات وثروات البلاد.
لقد اولى جلالة الملك اهتماما بالغا للمشاريع التنموية منذ توليه سدة الحكم، والتي انطلقت مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكذلك قيامه بعدة تدشينات وزيارات ميدانية همت مختلف المجالات، وبالتالي فان هذا النموذج التنموي الجديد سوف يشكل اضافة نوعية ورافعة قوية، ستنضاف الى رصيده التنموي.
تعليقات 0