سعدون: قراءة في وثيقة المطالبة بالتحصين الاقتصادي والاجتماعي للقضاة

أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب 

قراءة في وثيقة المطالبة بالتحصين الاقتصادي والاجتماعي للقضاة

أصدر المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب، مؤخرا، “وثيقة المطالبة بالتحصين الاقتصادي والاجتماعي لاستقلالية السلطة القضائية”، والتي سيطرحها للتوقيع عليها من طرف القضاة في اجتماع مجلسه الوطني، المقرر صبيحة يوم السبت 29 يونيو 2019، بالمعهد العالي للقضاء.

الوثيقة طالبت الحكومة باتخاذ جملة من التدابير الاقتصادية والاجتماعية للنهوض بالوضع الاجتماعي للقضاة، كما نادت بضرورة الإسراع بتنزيل مراسيم التعويضات عن الأعمال الإضافية، والتي ظلت معلقة لمدة تجاوزت ثلاث سنوات من تاريخ نشر قوانين السلطة القضائية في الجريدة الرسمية.

الاستقلال المالي للسلطة القضائية في المعايير الدولية، محاولة أولية للتأصيل

تؤكد مختلف الصكوك الدولية على حاجة القضاء إلى تلقي التمويل الكافي، وقد ذكرت المبادئ الأساسية للأمم المتحدة أنه: “من واجب كل دولة عضو أن توفر الموارد الكافية لتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة سليمة”. ونص الميثاق الأوروبي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة على أنه “من واجب الدولة تأمين الوسائل اللازمة للقضاة لإنجاز مهامهم على الوجه الصحيح، لا سيما في القضايا المستعجلة”.

وقد أعادت مبادئ بكين التأكيد على هذا المطلب، وذكرت أنه: “من الضروري توفير الموارد الكافية للقضاة لتمكينهم من أداء مهامهم”. وفي هذا الصدد أيضاً، تضمنت “مبادئ مجلس لاتيمر” التي وافق عليها قضاة دول الكومنولث، نصاً مفصلاً عن التمويل جاء فيه أنه: يتعيّن توفير التمويل الكافي والدائم لتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها وفق أعلى مستوى من المعايير. ويتعيّن حماية صناديق تمويل القضاء من السلب وإساءة الاستعمال منذ لحظة إقرار السلطة التشريعية بمنح هذا التمويل. هذا، ولا يجوز استخدام هذه المخصصات أو حجب التمويل كوسيلة لممارسة الرقابة على السلطة القضائية”.

وفي السياق الإفريقي، نصت المبادئ التوجيهية المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة في إفريقيا على أن “تقوم الدول بإمداد الهيئات القضائية بالموارد الكافية لأداء وظائفهم. ووجوب استشارة القضاة بشأن إعداد الميزانية وتنفيذها”.

والجدير بالذكر أن المعايير الدولية تسمح لكل دولة بتحديد أفضل طريقة لضمان حصول القضاء على الأموال الكافية؛ فالتمويل الكافي هو أحد المكونات الأساسية لاستقلال القضاء، وينبغي أن يدرج هذا المبدأ في الأنظمة القانونية لكل دولة، لا سيما في الدساتير حيث يتعين أن تتضمن هذه الدساتير أحكاماً بتخصيص نسبة ثابتة من ميزانية الدولة للنظام القضائي من أجل الامتثال لهذا المطلب. وإذا كانت بعض الدول، ولاسيما النامية منها، غير قادرة على إمداد القضاء بالموارد الكافية، والضرورية لأداء الوظائف بشكل جيد. فقد تطرقت مبادئ بكين إلى هذه الوضعية ونصت على أنه:“في الحالات التي تحول المعوقات الاقتصادية دون تخصيص موارد كافية لمرافق أنظمة المحاكم، والتي من شأنها أن تمنع القضاة من أداء وظائفهم، تتطلب المحافظة على سيادة القانون وحقوق الإنسان إبلاء درجة عالية من الأولوية لتخصيص الموارد للجهاز القضائي والمحاكم”.

مقال قد يهمك :   محكمة النقض توضح مدى إمكانية خضوع الكتاتيب القرآنية لأحكام مدونة الشغل

المراجعة الدورية لأجور القضاة، مطلب غير مسبوق لنادي قضاة المغرب

دعت وثيقة المطالبة بالتحصين الاقتصادي والاجتماعي لاستقلالية السلطة القضائية” الحكومة إلى الوفاء بالتزامها الدولي بخصوص تفعيل المبدأ الكوني القاضي بـ “المراجعة الدورية لأجور القضاة” بما يتلاءم مع المؤشرات المعيشة على أرض الواقع، وهو إحياء لمطلب قديم لطالما رفع في تاريخ القضاء المغربي؛ لكنه لم يجد له آذانا صاغية من طرف الحكومة .

وقد استند نادي قضاة المغرب، لتدعيم مطلبه غير المسبوق، على عدد من المعايير الدولية ذات الصلة بالاستقلال المالي للقضاة؛ وفي مقدمتها المادة 21 من إعلان موريال المؤرخ بـ 10 يونيو 1983 حول استقلال العدالة، والتي نصت على ما يلي: “تكون رواتب القضاة ومعاشاتهم ملائمة ومناسبة لمركزهم وكرامة ومسؤولية منصبهم”.

وأضافت الفقرة الثانية من المادة نفسها التأكيد على أنه: “تعاد تسوية هذه الرواتب والمعاشات نظاميا بشكل يجعلها مواكبة تماما لارتفاع معدل الأسعار”.

كما استند على ما نص عليه إعلان “سينغفي” في بنده 18-ب، والذي جاء فيه: “يجب أن تكون رواتب القضاة ومعاشاتهم التقاعدية كافية ومتناسبة مع المركز الوظيفي والكرامة ومسؤوليات المنصب القضائي، على أن تخضع للمراجعة بصفة دورية لمواجهة أثر التضخم المالي أو التقليل من آثاره”.

التعجيل بتنزيل النصوص التنظيمية المتعلقة بالتعويضات

أشارت الوثيقة إلى التأخر غير المبرر للحكومة في تنزيل النصوص التنظيمية المتعلقة بالتعويضات المتعلقة بالديمومة، والتنقل، والإقامة، والإشراف على التسيير، ومهام المسؤولية، والانتداب، وهي تعويضات تجد سندها في النظام الأساسي للقضاة الذي دخل حيز التنفيذ في أبريل 2017، وظلت معلقة على صدور نصوص تنظيمية، لم تصدر رغم الإعلان عن عدة مشاريع، عرض بعضها على أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية في إطار طلب الرأي الاستشاري .

إقرار تعويضات أخرى عن الأعمال الإدارية

مقال قد يهمك :   رضوان بنسليمان : صلاح الوديع و رؤيته الاستشرافية للقضاء المغربي.

إلى جانب التعويضات المقررة قانونا، طالب نادي قضاة المغرب بإقرار تعويضات عن الأعمال الإدارية؛ ومنها رقن الأحكام، والتنفيذ الزجري، والتعويض عن المسؤولية.

فمن جهة أولى، طالب النادي الحكومة بصرف تعويضات عن رقن الأحكام، لما في هذه العملية من أعباء إضافية على عمل القضاة، معتبرا أن عملية الرقن تعتبر عملا إداريا محضا، تتولى تصريفه الإدارة في إطار تدبيرها للنجاعة القضائية كما هو معمول به في عدة تجارب مقارنة.

واقترح نادي قضاة المغرب اقتطاع مبلغ التعويض المتعلق برقن الأحكام من الحساب الخاص لوزارة العدل، والذي يسهم فيه عمل القضاة بأكثر من نسبة 60%؛

وقد استند النادي في مطلبه على ما ورد في البند 3-4 من مبادئ مجلس “بيرغ” بشأن استقلال السلطة القضائية الدولية، الذي ينص على ما يلي:

“يحصل القضاة على المكافآت المناسبة، والتي ينبغي تعديلها دوريا بما يتفق مع أي زيادات في تكاليف المعيشة حيث يوجد مقر المحكمة”.

في السياق نفسه طالب النادي بتخويل القضاة تعويضات ومكافآت عن التنفيذ الزجري بالنسبة لقضاة المادة الزجرية وقضاة النيابة العامة، على غرار ما هو مقرر لأطر كتابة الضبط المكلفة بالتنفيذ؛

من جهة ثالثة، تشبث نادي قضاة المغرب بضرورة تمديد التعويض عن المسؤولية ليشمل إلى جانب رؤساء المحاكم ووكلاء الملك في المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف ونوابهم الأوائل، كلا من رؤساء أقسام قضاء الأسرة، والقضاة المكلفين بمراكز القضاة المقيمين، بالنظر “لما يطبع هذه المهام، من الناحية الواقعية والقانونية، من مَزجٍ بين التسيير الإداري والعمل القضائي “.

تعويضات أخرى للنهوض بالوضعية الاجتماعية للقضاة

أعاد نادي قضاة المغرب إحياء مطلب تمكين القضاة من أجرة الشهر الثالث عشر والرابع عشر، كما هو معمول به في عدة قطاعات لتجاوز العديد من الإكراهات والضغوط الاقتصادية التي قد تؤثر سلبا على الاستقرار المالي للقضاة.

مقال قد يهمك :   السعدية مجيدي: وجهة نظر في موضوع تقادم العقوبات في المادة الجنائية

كما طالب بإعادة النظر في التعويض عن السكن الممنوح للقضاة والذي لا يتجاوز حاليا مبلغ 250 درهما (حوالي 25 دولارا)، بما يتلاءم مع الارتفاع المهول الذي تعرفه أسعار العقارات سواء المخصصة للإيجار أو للبيع.

دعوة إلى جمع عام موسع للقضاة لدعم الملف المطلبي

لم يكتفِ نادي قضاة المغرب بتسطير ملف مطلبي عاجل يخص الوضع الاجتماعي للقضاة، وإنما قرر دعوتهم إلى جمعية عمومية موسعة يوم السبت 29 يونيو 2019، بالمعهد العالي للقضاء بالرباط، قصد تدارس واقتراح الأشكال الاحتجاجية الكفيلة بالدفاع عن الملف المطلبي للقضاة وكذا التعبئة لها لضمان نجاحها.

مناشدة المجلس الأعلى للسلطة القضائية دعم الملف المطلبي للقضاة

بقيت الإشارة في الأخير إلى مسألة ذات دلالة ورمزية كبيرة وردت في مبادرة نادي قضاة المغرب، تتعلق بدعوته الصريحة المجلسَ الأعلى للسلطة القضائية، “من موقعه كمؤسسة دستورية أوكل إليها، دستورا وقانونا، تنزيل ضمانات استقلالية السلطة القضائية”، بأن يتبنى هذه المطالب ويساند الدفاع عنها، لما في تحقيقها من دعم لتحصين القضاة.

وكان تقرير حديث لرئاسة النيابة العامة قد أشار إلى المعوقات التي تواجه القضاة في عملهم، وعلى رأسها ضعف الموارد البشرية، وقلة التحفيزات، إذ إن عدد القضاة في المغرب لا يتجاوز بحسب آخر الإحصائيات الرسمية لسنة 2018، 4000 قاض، حوالي 1000 منهم يزاول عمله في النيابة العامة، بينما يزاول 3000 قاض عملهم في قضاء الحكم، ويشمل هذا الرقم أيضا القضاة الملحقين بالإدارة المركزية، والقضاة العاملين في محكمة النقض، وقد بلغ عدد القضايا المعروضة على أنظار القضاء سنة 2018، ما يزيد عن 3 ملايين قضية.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)