ضعف النخب المحلية وتطلعات الجهوية المتقدمة
- هشام ورقيا حاصل على ماستر الدراسات الدستورية والسياسية.
يشكل مفهوم النُّخبة منطلقا منهجيا في كل فهم حصيف لحركة التاريخ الإنساني وما يعتمل فيه من صيرورات وأحداث، ويعوّل عليه كثير من المفكرين في مقاربة التكوينات السوسيولوجية للمجتمع، والخوض في عمق الظواهر الأيديولوجية للحياة السياسية الطبقية في سياق تفاعلها وتكاملها. فالتاريخ الإنساني بما ينطوي عليه من تعقيدات، وما يكتنفه من صيرورات لا يمكنه أن يُرصد ويحلل ويفهم دون الخوض المعمق في دور النخب التي تحرك المجتمع الإنساني وتتحرك فيه في الآن الواحد لتشكل بفعاليتها ملمحا جوهريا من ملامح الحركة التاريخية في المجتمعات الإنسانية[1].
وضمن هذا التصور لا يمكن للنخبة أن تنجح، في أداء مهامها ووظائفها وأدوارها، إلا إذا كانت نخبة مثقفة ومبدعة ونزيهة، وتجعل المصلحة العامة قبل مصلحتها الشخصية. بمعنى أن النخبة لا تكتسب قيمتها المجتمعية إلا بخدمة الدولة والمواطنين، وتسعى إلى التضحية والوفاء والتجلد والصبر، مع التطلع إلى تحقيق الأهداف التي سطرتها في برامجها السياسية أو النقابية، وتكون ملتزمة بما نادت به من شعارات سياسية أو إدارية أو اقتصادية أو مجتمعية، مع تطبيقها على أرض الواقع، بشكل عاجل أو متدرج، حسب أهمية المشاريع والقرارات والأولويات[2].
وبفعل واقع اللامركزية الذي عايشه المغرب، والذي تميز بمحدودية المستوى التكويني والمعرفي للمنتخبين، دخل المغرب في ما سمي بتجربة المناظرات الوطنية للجماعات المحلية منذ السبعينات تقريبا، هذه المناظرات التي هي حلقات دراسية يتوقف من خلالها المنتخبون على ثغرات اللامركزية ومستلزمات النهوض بها، ما يتيح أمامهم فرصة للتكوين الضروري لممارسة مهامهم الانتدابية[3].
ويعتبر ضعف المستوى المعرفي لدى النخب من الصعوبات التي يعاني منها العمل السياسي جهويا، ذلك أن المشرع لم يشر إلى شرط الكفاءة التعليمية في المترشحين للمجالس الجهوية مما يشكل عقبة أمام تسيير هذه المجالس، فكيف للمنتخبين ذوي المستوى التعليمي المتواضع أو المنعدم أحيانا، أن يحللوا وثائق ذات الطبيعة التقنية، ومما لاشك فيه أن عدم إشتراط المشرع لمستوى تعليمي ومؤهلات علمية في المنتخبين أن يسقط المجالس الجهوية في أيدي الهواة بدل المختصين أو المؤهلين لذلك[4].
والاعتقاد بأن اشتراط مستوى تعليمي معين أو عنصر الكفاءة من شأنه أن يمس بالديمقراطية، يجانب الصواب، فعنصر التعليم والكفاءة شرط لفعالية الديمقراطية، إذ من غير المعقول في ظل تعقيدات الشأن المحلي أن يتولى قيادته لا يتوفرون على الحد الأدنى من التعليم والكفاءة.
فالمشرع حين يسند للمجالس الجهوية مهام واختصاصات، كبيرة وخطيرة كإعداد مخططات التنمية وتصاميم تهيئة التراب وغيرها من الاختصاصات التي يغلب عليها الطابع التقني الدقيق، لا يمكن لذوي المقدرات المعرفية المتواضعة القيام بها خاصة في ظل الحديث عن الإدارة الإلكترونية، وكان عليه أن ينص على ضرورة المترشحين لهذه المراكز مستوى تعلمي يمكنهم من القيام بهذه المهام.
وعلى العموم فإن محدودية التكوين المعرفي في المجالس الجهوية حاليا يضعنا أمام صورتين، إما مجالس تعيش إخلال في تدبير الشأن الجهوي، وإما تدخل سلطات الوصاية للقيام باختصاصات هذه المجالس، وفي كلا الصورتين مساس بمبادئ الديمقراطية المحلية وتطاول على مصالح الجماعة والفرد على السواء[5].
إذا فنجاح أو بالأحرى تفعيل وتنزيل مشروع الجهوية على ارض الواقع يستدعي وجود نخبة سياسية وصلت إلى الفئة المجتمعية الحاكمة بواسطة كفاءتها، وليس بسبب أصلها النبيل أو لمكانتها الإجتماعية. لأن مشروع الجهوية المتقدمة التي ينوي المغرب تحقيقها لتدبير الشأن المحلي وحلحلة قضية الصحراء. يعد فعلا مشروعا واقعيا قادرا على تحقيق التنمية وسبل العيش الكريم للمواطن المغربي. لكن هذا المشروع في المغرب يبقى رهين النخبة السياسية القادرة على بلورته، ونمذجته في صورة ديمقراطية بواسطة الإيمان بالمبادئ الديمقراطية و بعيدا عن الوسائل التي تعكر صفو الممارسة الديمقراطية .[6]
إذاً، لابد من وجود نخب متفوقة وكفأة ومتميزة لإدارة الدولة سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وإداريا. ولابد من انتخابها وانتقائها واصطفائها في ضوء معايير محددة بدقة، مثل: العلم، والذكاء، والشهادة، والتقنية، والكفاءة، والقدرات الذاتية، والنجاح في العمل… مع إبعاد معايير أخرى لاعلاقة لها بتنخيب الفئات وانتقائها واصطفائها، مثل: الحسب، والنسب، والثروة، والولاء، والزاوية، والدين. فهذه المعايير، في الحقيقة، لاتقدم لنا نخبا معاصرة ناجحة بامتياز، بل تقدم لنا نخبا تقليدية محافظة، تحول دون تقدم الدولة وتطورها وتنميتها[7].
وفي هذا السياق ينبغي أن تعمل الأحزاب السياسية بجهد اكبر لتطوير وتأهيل المستوى المعرفي والعملي لمنتسبيها المدبرين لشؤون الجماعات الترابية، بالشكل الذي يجعل المنتخبين أكثر قابلية للتعامل مع متطلبات التنمية وأساليب التدبير الحديثة وتقنيات التواصل بما يواكب حاجيات وإنتظارات المواطنين.
وتبقى مساهمة الأحزاب إلى الآن محدودة للغاية في تأطير و تأهيل المنتخبين التابعين لهم وهو دور ينبغي أن يكون أكثر بروزا لكون تكوين وتأهيل النخب المحلية هو في الواقع شأن عام لا يهم الدولة أو الجماعات الترابية فقط، حيث يمكن للمساهمة الايجابية للأحزاب أن تشكل إضافة نوعية في هذا الشأن[8].
[1] طارق مخنان، “أزمة غياب دور النخبة المثقفة الجزائرية في التغيير”، رسالة لنيل شهادة الماجستير في علم الاجتماع، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم العلوم الاجتماعية، السنة الجامعية 2011-2012، ص 16.
[2] جميل حمداوي، سوسيولوجيا النخب (النخبة المغربية نموذجا)، الطبعة الأولى، بدون ذكر دار النشر، 2015،
ص 62-63.
[3] علي أمجد، الموارد المالية والبشرية مقومات أساسية للامركزية الجهوية ووسيلة لتطويرها، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 74، ماي ـ يونيو 2007، ص 32.
[4] المرجع نفسه، ص 36.
[5] مصطفى قريشي، “الجهوية المتقدمة ورش مفتوح للحكامة الترابية”، مجلة مسالك للفكر والسياسة والاقتصاد ، العدد 30/29 السنة 2015، ص 33.
[6] نصر الدين اليزيدي، “النخبة والجهوية: أية علاقة؟”، مقال منشور على الموقع الإلكتروني www.nadorcitiy.com .
[7] جميل حمداوي، سوسيولوجيا النخب (النخبة المغربية نموذجا)، مرجع سابق، ص 62.
[8] تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تدبير وتنمية الكفاءات البشرية رافعة أساس لنجاح الجهوية المتقدمة، 2013، ص 73.
ﻛﺎﻟﻌﺎﺩﺓ ﺍﺑﺪﺍﻉ ﺭﺍﺋﻊ
ﻭﻃﺮﺡ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﻤﺘﺎﺑﻌة .ﺷﻜﺮﺍً ﻟﻚ
ﺑﺎﻧﺘﻈﺎﺭ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﻘﺎﺩﻡ ﺩﻣﺖ ﺑﻜﻞ ﺧﻴﺮ رفيقي هشام