فكرة النظام العام بين القانون الدولي الخاص ومدونة الأسرة

شهدت رحاب كلية الحقوق بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة يوم الجمعة 28/07/2007، مناقشة أطروحة دكتوراه في القانون الخاص، حول موضوع :

فكرة النظام العام بين القانون الدولي الخاص ومدونة الأسرة.

تقدم بها الطالب الباحث والمحامي بهيئة طنجة محمد الشيخ محند، تحت إشراف الدكــتور محمد الكشبور، وقد تشكلت اللجنة العلمية أيضا من الدكتور عبد الخالق أحمدون أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة، والدكتور بلال العشيري أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بالدار البيضاء، والدكتورة وداد العيدوني أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بطنجة، والدكتور أحمد الجباري أستاذ مؤهل بنفس الكلية.

انطلق الباحث في مشروع أطروحته من واقع يتمثل في تواجد نسبة مهمة من المغاربة المقيمة بالديار الأوروبية، تتطلب دراسة وضعيات أحوالهم الشخصية، وعلى رأسها القضايا المتعلقة بإبرام عقود الزواج وانحلالها والآثـار المترتبة عن ذلك، ومعرفة مدى قدرة المشرع المغربي على تبني مقاربة توفيقية للنظام العام المغربي بناء على المصالح المرسلة للمغاربة المقيمين بالمهجر، لكن دون الخروج عن الثوابت الوطنية، فضلا عن تقييم مدى قدرة نصوص مدونة الأسرة على تجاوز الإشكالات القانونية التي تعترض الأسر المغربيـة المقيمة بالخارج.

وهكذا تحددت أهداف اختيار الموضوع في هدفين أساسيين أحدهما نظري يتجلى في الرغبة في إثراء البناء المعرفي لفكرة النظام العام، والآخر عملي يتمثل في المساهمــة في تقديم حلول للمشاكل الواقعة بسبب ازدواجية المرجعية المحددة للنظام العام في مدونة الاسرة والقانون الدولي الخاص المغربي.

أما إشكالية البحث فتجلت في الإجابة على السؤال التالي : ما مدى جدلية تأثير وتأثر النظام العام المغربي في علاقته بمدونة الأسرة والقانون الدولي الخاص في ظل قضية الهوية المغربية، ثم مدى قدرة النظام العام المغربي على المحافظة على الهوية الإسلامية في ظل “تطور” التشريعات المغربية والاجتهادات القضائية بشكل يتلاءم مع الاتفاقيات الدولية، ويتماشى مع رفع كافة التحفظات على هذه الاتفاقيات التي انخرط فيها المغرب والمحافظة على المصالح المتشابكة للمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج.

مقال قد يهمك :   مراد المدني: أطروحة جامعية تناقش مظاهر التوجيه التعاقدي وأثرها على مبدأ القوة الملزمة للعقد

منهج البحث

اعتمد مشروع الأطروحة على التحليل النسقي لمناهج البناء، من خلال المزاوجة بين المنهج التاريخي لتتبع فكرة النظام العام وتطوره، والمنهج الوصفي التحليلي، لابراز مدى مركزية الشريعة الإسلامية في بلورة النظام العام في مجال الأسرة، ثم المنهج التجريبي عند دراسة الجانب التطبيقي للنظام العام في القانون والقضاء. كما اعتمد أيضا على طريقة “:la bête à corne، وهي طريقة تمكن من التحليل وبشكل ملموس القيمة أو الحاجة التي تبرر المشروع وذلك بطرح ثلاثة تساؤلات: على ماذا يؤثر؟ من المستفيد؟ بأي هدف؟

خطة البحث

تم تقسيم الأطروحة الى بابين : خصص الباب الأول لتأصيل فكرة النظام العام، أما الباب الثاني فقد خصص لدراسة موقع النظام العام في مدونة الأسرة المغربية وفي القانون الدولي الخاص المغربي.

وقد انتهت هذه الدراسة الى النتائج التالية:

  • فكرة النظام العام تقع بين مختلف المجالات المعرفية كعلوم السياسة والاجتماع والاقتصاد، وكذا علوم القانون. فهي لا تقتصر على نوع معين من القوانين، أو مجال معين من العلاقات. حيث تجد مجالها الخصب والأوسع في العلاقات الأسرية ذات الطابع الدولي الخاص، حيث تسود. النزعة الوطنية وتتلاقح القوانين والثقافات والمرجعيات والاتفاقيات الدولية المختلفة.
  • النظام العام المغربي يعتبر من أكثر الآليات القانونية استجابة للمتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهو وإن كان ولا يزال الأكثر ارتباطا بقواعد الشريعة الإسلامية، إلا انه تأثر بالاتفاقيات الدولية أيضا وأعطى لها حيزا كبيرا لم يكن لها من قبل.
  • الدفع بالنظام العام في العلاقات الدولية الخاصة دفع استثنائي، وليس تطبيقا لقاعدة عامة. ويترتب على الطابع الاستثنائي لفكرة النظام العام في مجال القانون الدولي الخاص، انكماش مقتضيات النظام العام، بحيث لا يستبعد القانون الأجنبي كلما خالف القواعد الآمرة في القانون الداخلي، بل لا يلجأ إليه إلاّ في حالة الضرورة.
  • إن القضاء في ظل القانون الدولي الخاص يلعب دوراً مهماً وحاسماً ، فأحكامه تقريرية وليست تقويمية، وهذه الفعالية التي يملكها القضاء في إطار هذا القانون تجعله هو الذي يعطي حدود النظام العام المغربي.
  • تبعاً لذلك فان القضاء يستطيع أن يحد أو يطور من حدود النظام العام، نظرا لتوسع دوره مقارنة من دور القوانين.
  • توزع القانون الدولي الخاص المغربي على العديد من القوانين، وتواجد قواعده الأساسية في القانون المدني وقانون الأسرة وقانون الجنسية، وظهير الوضعية المدنية للأجانب، وقانون المسطرة المدنية وفي الاتفاقيات الدولية التي وقعها المغرب، يستلزم من القاضي جهداً كبيراً في البحث والتدقيق في كل تلك القوانين للوصول إلى حل في قضايا ذات طابع دولي خاص، كما يستلزم جهداً أكبر من المواطن المغربي لمعرفة حقوقه والتزاماته، فكيف يكون الحال بالنسبة للأجانب. من الضروري تجميع المواد المتعلقة بالقانون الدولي الخاص المغربي في قانون واحد.
  • المغرب في تطويره لقوانينه قدم التنازلات تلو الأخرى في تطويع نظامه العام بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية التي وقعها المغرب، بينما الدول التي ارتبطت معه بهذه الاتفاقيات فتتعامل بتعالي وبعدم اكتراث بالنظام العام المغربي.
  • مدونة الأسرة تستلزم مراجعة مستعجلة لتفعيل الخبرة الجينية، وتستلزم تعديلا لقواعد نسب الأبناء الناتجين عن الاغتصاب.
مقال قد يهمك :   الدليل العملي للاستفادة من صندوق التكافل العائلي

لكن رغم كل ذلك تظل العديد من الاشكاليات غير محلولة. كيف ذلك؟

فالمؤسسات الغريبة والشاذة على قيمنا وحضارتنا حظيت بقبول المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. ثم تبنتها معظم قوانين الدول الأوروبية، مما يمكن معه الجزم بأن التنافر والتضاد بين القانون المغربي مع القوانين الغربية، سيفرض نفسه من جديد على صعيد العلاقات القانونية بل والاجتماعية بين المغرب وأوربا.

في ظل ما سبق يبقى التساؤل قائما حول ما مصير الهوية والخصوصية المغربية للجالية المغربية في أوربا؟ وهل بإمكان قانون الأسرة المغربي أن يقف في وجهها؟

 

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)