مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيقراءة في بعض مقتضيات القانون 18.18 المتعلق بتنظيم عملية جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية

قراءة في بعض مقتضيات القانون 18.18 المتعلق بتنظيم عملية جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية

عبد الرفيع هشام باحث في العلوم القانونية

بعد المادة 8 من قانون المالية التي اعتبرها القضاة إهانة وتحقيرا لأحكامهم، تلك المتعلقة بمنع حجز أموال الدولة وممتلكاتها والجماعات الترابية وما أثارته من انتقادات، ها هو المشرع المغربي يعود بمشروع القانون رقم 18.18 المتعلق بتنظيم عملية جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، هذا الأخير الذي جاء لمجموعة من الأهداف من قبيل مواكبة التطورات التكنولوجية وتحسين قواعد الحكامة والشفافية، فجميل أن نحقق هذه الأهداف دونما أن نعارض الهدف الحقيقي المتمثل في نية المتبرعين أو المحسنين ذلك أنهم يبتغون وجه الله بهذه الأعمال الخيرية التي يركز عليها ديننا الإسلامي، ولطالما كان ولا زال المجتمع الإسلامي يعرف التضامن والتآزر والتعاون وإن قل مقارنة مع الماضي، إلا أن الخير لن يفنى ولن يزول.

إن القانون 18.18 جاء ليؤطر عملية جمع التبرعات، ونص على مجموعة من المقتضيات المهمة والمنطقية كتلك التي جاءت في منطوق الفقرة الثالثة من المادة الرابعة منه التي “تمنع كل عملية من عمليات توزيع المساعدات لتحقيق الأهداف … أو بقصد استغلال حالة شخص أو أكثر يوجدون في وضعية هشة أو احتياج أو في حالة استغاثة”. وهنا نلمس نية المشرع في محاربة أولئك الذين يرجون من هذه الأعمال النصب والاحتيال وهذا أمر حسن وتوجه سليم من المشرع.

لكن باستقرائنا للباب الثاني من هذا القانون وبالضبط في المادة السابعة نجدها تنص على أنه :”يشترط من أجل دعوة العموم إلى التبرع وجمع التبرعات، الحصول مسبقا على ترخيص بذلك تسلمه الإدارة”. وعاد في الفقرة الثانية لينص على أنه :”يجب على كل من يرغب في الحصول على الترخيص المذكور أعلاه، أن يقدم طلبا بذلك إلى الإدارة ثلاثين يوما على الأقل قبل حلول الموعد المحدد للقيام بتوجيه الدعوة إلى العموم من أجل التبرع ” وقَلص هذه المدة في حالات الاستعجال إلى 24 ساعة وأعد هذه الحالات على سبيل الحصر. وهنا نقول بخصوص المدة المحددة لمنح الترخيص، ألا يمكن في ظل الإجراءات البطيئة في إداراتنا أن تنعكس هذه الشروط سلبا على المتبرعين ؟

مقال قد يهمك :   اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أو التوافق الهش بين البيئة و الاقتصاد.

ثم عاد المشرع في المادة التاسعة لينص كذلك بصيغة الإلزام لا الاختيار على أنه يجب أن يحدد طلب الترخيص من أجل دعوة العموم إلى التبرع وجمع التبرعات ما يلي:

– الوسيلة المراد استعمالها في الدعوة إلى التبرع؛

– تاريخ بداية عملية جمع التبرع وتاريخ الانتهاء منها، والمكان أو الأمكنة المخصصة لها عند الاقتضاء؛

– القيمة التقديرية للتبرعات المتوقع جمعها، مع بيان كيفية استخدامها أو توزيعها، حسب طبيعة وأصناف التبرعات.

ونص في المادة العاشرة على مجموعة من الوثائق التي يجب أن ترفق مع طلب الترخيص. ومنه نعتقد أن نية المشرع جانبت الصواب وستعرقل لا محالة عملية جمع التبرعات بتعقيدها بالإجراءات المذكورة أعلاه مما يجعلنا نَشُك في الأهداف الحقيقة من تنزيل هذا القانون باعتبارها تعارض الأهداف المرجوة من القيام بالأعمال الخيرية، تلك التي خصها الإسلام بأهمية بالغة وسطر مجموعة من الأهداف المرجوة منها، لعل أهمها إرضاء الله وكسب الأجر والثواب، إضافة إلى التنمية ومساعدة الآخرين، ونشر قيم التضامن والتسامح والتعاون وهو ما كرسه القرآن الكريم في العديد من الآيات والسنة النبوية الشريفة في الكثير من الأحاديث.

وما زاد الطين بلة، مقتضيات الباب السادس من القانون 18.18 تلك المتعلقة بالعقوبات، وبداية من المادة 39 التي جاء فيها : “يعاقب بغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم عن كل إخلال بالمقتضيات الواردة في المادة 3 أعلاه”. مما يجعلنا نتساءل مرة أخرى، كيف لشخص أراد أن يتبرع لوجه الله أن يختار بين سلوكه لمسطرة معقدة أو يُعرض نفسه لعقوبة قاسية أن يتقدم للأعمال الخيرية ؟ ألا يعتبر هذا تضييقا على المحسنين والمتبرعين ؟ ثم هل يمكننا أن نعتبر مشروع القانون 18.18 ضربة قاضية للمتبرعين ؟

وأخيرا يبدو لنا من وجهة نظر متواضعة أن هذه المساطر الإدارية ستؤثر سلبا على عزيمة المحسنين والمتصدقين.


المصادر والمراجع المعتمدة:

  • القرآن الكريم
  • السنة النبوية الشريفة
  • القانون 18.18 المتعلق بتنظيم عملية جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية
مقال قد يهمك :   الفرسان الموازنية والقضاء الدستوري المغربي:أية حماية لمبدأ الوحدة الموضوعية لقانون المالية؟
error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]