مجلة مغرب القانونالقانون الخاصالأثـــر الإجرائي لعبارة “تحت سائر التحفظات”

الأثـــر الإجرائي لعبارة “تحت سائر التحفظات”

رضى بلحسين باحث في العلوم القانونية

لا يكاد يخلو ذيل مقال افتتاحي، أو طعن ، أو مذكرة دفاعية من العبارة المعتادة و النمطية الموسومة بـ : « تحت سائر التحفظات» أو « تحت كل التحفظات»، و هي عبارة ينصرف معناها في الغالب إلى الدلالة عن حفظ حق أحد الأطراف أو دفاعه في تغيير موقفه من المحتوى المحرر لاحقا و عدم إلزامه به بصفة قطعية ، كما قد تعبر أحيانا عن عدم تحمل المسؤولية إزاء صحة الوقائع المذكورة أعلى العبارة .

و استنادا على هذا المعنى التقريبي، قد لا نرى فائدة عملية من هذه العبارة في شقها المتعلق بثبات المحتوى المكتوب، فوجودها يظل كعدمها طالما أن للطرف أو المحامي مكنة تقديم مقال إصلاحي أو إضافي قبل اعتبار المحكمة القضية جاهزة ، بل و له أيضا حق تقديم طلبات جديدة أثناء المرحلة الإستئنافية بشروط خاصة ، أو تغيير سبب الدعوى حتى ، شريطة احتفاظه بنفس الطلبات المقدمة أثناء المرحلة الإبتدائية .

و بالتالي يبقى التساؤل مشروعا عن جدوى إقحام هذه العبارة بشكل شبه تلقائي ، و عن مدى إمكانية إعمال أثر إجرائي عليها يعود بالنفع على حقوق أطراف الخصومة خاصة و على حسن سير العدالة عامة ، حتى لا تصنف في إطار« البغبغة التعبيرية psittacisme stylistique»، أو كوسم تعبيري وجوده كعدمه ؟
للقضاء المقارن اجتهادات متفردة مع هذه العبارة، فالقضاء الفرنسي كان لا يتوانى في إعمال أثرها الإجرائي كلما تمسك بها أحد الأطراف لغاية ذات تأثير على محصلة النزاع .

ففي نازلة تتعلق بالدفع بعدم قبول طعن بالنقض -أثير في مواجهة طرف بادر إلى تبليغ قرار إستئنافي بدون تحفظ – رأت محكمة النقض الفرنسية بأن هذا الدفع مردود بعلة مفادها أن طلب التبليغ كان مشفوعا بعبارة «تحت سائر التحفظات» ، و هي عبارة كافية في نظرها لتأكيد التحفظ في التبليغ المذكور (Cass. civ2 12 juillet 1962).

مقال قد يهمك :   محمد شيلح : دور الميتودولوجية القانونية في تحسين اللغة القانونية

وفي نازلة أخرى تتعلق بالإقرار القضائي ، نقضت محكمة النقض الفرنسية قرارا لمحكمة الإستئناف بمونبوليي فيما قضت به من استبعادها لأحقية أحد الأطراف في التراجع عن إقراره، معللة ذلك بأن المذكرة التي كانت تتضمن هذا الإقرار كان مشفوعة بعبارة «تحت سائر التحفظات»، و من تم لا يمكن للمحكمة أن تَجُبَّ حقه في المنازعة في الطلب عبر إثارة دفوع موضوعية في شأن علاقته الإلتزامية مع المطلوبة في النقض (Cass. com 14 fev. 1995 – 93- 13.158).

بالنسبة للقضاء المغربي ، تكاد تنعدم الإجتهادات التي تطرقت للموضوع ، و ذلك راجع بالأساس لعدم تمسك الأطراف بعبارة التحفظ المذكورة ، و من الطبيعي ألا تثير ذلك المحكمة من تلقاء نفسها.

سمعنا من أحد كبار القضاة الذين تدربنا على أيديهم باجتهاد «مفقود» للمجلس الأعلى سابقا (لم نتوفق في العثور عليه ) سبق و أن أعطى أثرا وظيفيا لعبارة «تحت سائر التحفظات» ، و ذلك في نازلة تتعلق بطلب تعويضات «تكميلية» لحادثة سير ، بعد أن أخطأ دفاع الضحية في حسابها خلال الخصومة السابقة التي انتهت بصدور حكم نهائي قضى بأقل ما هو مستحق قانونا تقيدا بما طُلِب فحسب.

و قد تم رد الدفع بسبقية البت بالرغم من توفر كل شروطه بعلة أن طلب الضحية في الدعوى الأصلية كان مشفوعا بعبارة «تحت سائر التحفظات»، و من تم فهو يبقى ذي مصلحة في توظيف تحفظه في دعوى لاحقة لاستدراك حقه في التعويض.

في جميع الأحوال و سواء كان لهذا الإجتهاد وجود أم لا ، فالاتجاه يبقى له نصيب من الإعتبار وقابل للإعمال في نوازل مشابهة التي تعرف أخطاء في احتساب التعويضات المستحقة، و التي تواجه بمبدأ البت في حدود الطلب في الدعوى الأولى، و بسبقية البت في الدعوى الثانية مما قد تتفرع عنها خصومة إضافية حول المسؤولية المدنية للمحامي .

مقال قد يهمك :   صلاحيات جديدة للمديريات المركزية التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني

صحيح أن اجتهاد محكمة النقض قار في إعمال سبقية البت و قد أكد في قرارمبدئي بأن : « ..العبرة في سبق البت هو اتحاد الأطراف و السبب و الموضوع ، و موضوع الدعوى هو التعويض عن نفس الحادثة بقطع النظر عن كون التعويض السابق يشمل كل المستحق أو يقل عنه و لهذا فإن توفر شروط الفصل 451 من ق.ل.ع يجعل القرار فاسدا و معرضا للنقض» (قرار عدد 389 بتاريخ 19/05/2015 ملف عدد 6224/1/5/2014).

لكن مع ذلك فهذا الإجتهاد لم يستبعد لا صراحة و لاضمنا فكرة توظيف التحفظ في دعوى استدراكية لاحقة، و التي تبقى في نظرنا «وصفة قضائية» ذات أهمية للتطبيق العادل للقانون إنصافا لحقوق المتقاضين، الذين لم يقصدوا قط التفريط في ما طالبوا به بتحفظ صريح من المفروض إتاحة فرصة استدراكه لاحقا.

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]