قريبا: حذف الصفة المادية لتقييم المترشحين لامتحان نيل رخصة السياقة خلال الاختبارات التطبيقية

تقرير تركيبي حول أشغال ندوة “واقع تطبيق المادة 53 من مدونة الأسرة وسبل تدارك الثغرات”

مدونة الأخلاقيات القضائية ضرورة واقعية أكثر مما هي مطلب مهني

2 يوليو 2021 - 6:12 م متفرقات قانونية
  • حجم الخط A+A-

المصطفى العضراوي نائب رئيس المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالرباط

إذا كان الجسم القضائي في حاجة ماسة إلى معرفة حدود تصرفه بين ما هو مباح وما هو محظور، فإن مدونة القيم والأخلاقيات القضائية حاولت رسم الحدود الفاصلة بين ذلك. لكن هل وفقت في ذلك أم زادت الأمر  تعقيدا و غموضا؟ و ألا يغنينا الموروث التاريخي لقضائنا الإسلامي عامة و المغربي خاصة عن هذه المدونة؟ طالما لم تأت بجديد حول هذه القيم و الأخلاقيات و قامت فقط بتجميع تلك القيم و الأخلاقيات و تبويبها؟ و إلى أي حد ساهمت المجالس السابقة في غرسها و تكريسها في الجسم القضائي؟ و ألا تتحمل هذه المجالس جزءا من المسؤولية فيما وصل إليه الجسم القضائي من انعدام الثقة فيه باعتبارها هي من كانت تدير الشأن القضائي عن طريق تعيين المسؤولين القضائيين بالمحاكم، و الذين يتولون التدبير الفعلي للمحاكم عن طريق ما يضعونه من برامج و تصورات و توجهات عبر الجمعيات العمومية للمحاكم؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير سنحاول الإجابة عنه من خلال المحورين التاليين.

المحور الأول نتناول فيه المدونة ضرورة فرضها الواقع و ليس مطالبا مهنيا.

و نتناول في المحور الثاني دور المجالس السابقة في تكريس القيم والأخلاقيات القضائية.

المحور الأول: المدونة ضرورة فرضتها إكراهات الواقع أكثر مما هي مطلب مهني.

إن المراهنة على نبض المجتمع و ردوده في تقييم عمل القضاة و مدى التزامهم بالقيم و الأخلاقيات القضائية فيه كثير من التجني على القضاة، فبالرغم من الإقرار بوجود بعض الظواهر بالجسم القضائي وفقت ما أثبتته العديد من التقارير الوطنية بدءا من تقرير لجنة الانصاف و المصالحة و مرورا بتقرير لجنة إصلاح منظومة العدالة والتقارير الدولية في هذا المجال إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتماد ردود فعل المجتمع كأساس في التقييم بالنظر إلى كون نصف المجتمع أعداء للقاضي و إن عدل، و اعتبارا لكون هذا المرتفق ليست له دراية بالقانون و بالكيفية التي يبت بها القضاء في القضايا المعروضة عليه، و لا المساطر المتبعة في ذلك و التي قد تغيب على الممارس فبالأحرى المرتفق الذي غالبا ما يكون جاهلا بالقانون. و من تم فإن أي تقييم لمدى التزام القضاة بتلك القيم ينبغي أن يعتمد بالأساس على دراسات علمية و موضوعية بعيدة كل البعد عن الهواجس الشخصية و الانفعالات و ردود الأفعال والشعبوية المنتشرة في مختلف وسائل الإعلام و وسائل التواصل الاجتماعي سواء بهدف أو بدونه، و التي تسيئ للقضاة و للمؤسسات القضائية أكثر مما تبني.إذ لو كان القضاء بالصورة المتحدث عنها لما احتكم المواطن إليه و لما سجل بالمحاكم العدد المهول من القضايا الذي يتم الإعلان عنه سنويا. فإذا كانت كل العروض المقدمة من طرف كافة الفعاليات المشاركة في ندوة مدونة الأخلاقيات القضائية المنظمة من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية من منطلق أن القضاء شأن مجتمعي و أن استقلال القضاء هو حق للمواطن و ليس للقاضي قد أجمعت و أشادت بأن تاريخ قضائنا الإسلامي عامة و المغربي خاصة زاخر بالعديد من القيم و الأخلاقيات؛ و أن العديد من القضاة الأعلام الذين ألفوا مدونات في هذا الباب، و أصبحت تشكل مناهج و سبل يستنير و يهتدي بها القضاة في عملهم اليومي، و ظلت منهجا متبعا حتى يومنا هذا. إلا أنه بسبب التحولات التي عرفها و يعرفها المجتمع لم يعد بمقدور الممارس معرفة حدود بعض هذه القيم و الأخلاقيات بالنظر لحمولتها و مدلولاتها الفضفاضة و التي أضحت تشكل أساسا لتحريك المتابعة التأديبية بشأن أي سلوك يأتيه القاضي بدعوى خرق واجب التحفظ و التجرد و الحياد و و و. و المدونة بالصورة التي جاءت عليها، قامت بتجميع هذه القيم و الأخلاقيات، و عملت على تبويبها و إعطاء بعض التطبيقات لها، و سهلت على الممارس خاصة المبتدأ التعرف على الإلتزامات التي يتعين مراعاتها. لكن ما يؤاخذ عليها أنها لم تحل الإشكال المطروح بل أبقت على نفس الغموض و اللبس الذي يكتنف هذه القيم و الأخلاقيات، و لم تحاول إعطاءها مدلولا واضحا و محددا بحيث يستطيع الممارس معرفة ما هو مسموح به و ما هو غير مسموح به، و زادت الإشكال الذي كان مطروحا استشكالا أكبر، و لك بعدم أخذها بعين الاعتبار التحولات الفكرية و الحقوقية التي عرفها المجتمع المغربي ، و اعتبرت أن القاضي مستثنى من كل هذه التحولات، و لم تبق له و لو جزءا يسيرا من حياته الشخصية و الخاصة و اعتبرت أن كل حياته سواء خلال ممارسته المهنية أو خارجها حياة مهنية و أحاطتها بهالة تلك القيم و الأخلاقيات، و لم تقر له بأنه فرد من أفراد المجتمع له ما لهم و عليه ما عليهم، و أن له أسرة لها نفس الحقوق التي تتمتع بها كافة الأسر. و من تم فهي لم تأت بجديد، و ظل الإشكال المطروح قائما في انتظار ما ستفرزه الممارسة العملية لعمل المجلس و ستستقر عليه من مدلولات لتلك القيم و حدود كل منها و التي يكاد بعضها يستغرق بقية القيم، و لا تجد فواصل لتمييز بعضها عن البعض الأخر، و يدخل جميع السلوكيات و التصرفات ضمن خانته، و اعتبارها ضمن ما هو محظور.

مقال قد يهمك :   قــرار تاريخي: المحكمة العليا الأميركية تــلغي حق المرأة في الإجهاض

المحور الثاني: المجالس القضائية السابقة و دورها في تكريس القيم و الأخلاقيات القضائية.

فإذا كان من بين أدوار المجلس الأعلى للسلطة القضائية تدبير الوضعية الفردية للقضاة من تعين لهم في مناصبهم القضائية بين قضاة للنيابة العامة و قضاء للموضوع و تعيين لهم بمناصب المسؤولية. فإنه قبل هذا و ذاك فإن الجهة المشرفة على مباراة الملحقين ينبغي عليها القيام بما يكفي من الأبحاث و التحريات حول سيرة الملحقين الذين اجتازوا المباراة، و حول ظروفهم الاجتماعية و النفسية. و على أن تقوم إدارة المعهد العالي للقضاء بعد ولوجهم إليه بتلقينهم القيم و الأخلاقيات القضائية بالحد الكافي الذي يؤهلهم لأن يكونوا في مستوى القاضي الذي يريده المجتمع و بالشكل الذي يحول دون وقوعه في المحظور، و محاولة تغيير بعض الحمولات الفكرية و النظرة الخاطئة لبعض الأمور التي تهم الشأن القضائي لديهم أو على الأقل سقلها بالشكل الذي يجعل منهم قضاة للمستقبل بحمولة القاضي الذي يرتديه المجتمع.

و هذا لن يتحقق إلا بوضع برنامج متكامل قادر على أن يعطينا قاضيا بالمواصفات التي نرغب فيها ،قاضيا بضمير حي و يقظ و مسؤول بهدف خلق و إرساء عدالة مواطنة قادرة على الانصاف.و بعد هذا الدور يأتي دور المجلس الذي يرسم الخريطة القضائية بتوزيع القضاة وفق حاجيات كل محكمة عن طريق مختلف التعيينات التي يقوم بها، هذه الآلية التي بواسطتها يدير المرفق القضائي بطريقة مباشرة أو غير مباشر، و من تم فعليه الاحتكام للمبادئ التي تحكم سير المرفق العمومي، و التي من بينها مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب اعتمادا على معايير الكفاءة المهنية و الإستقامة و النزاهة و الإستقلالية و الجرأة و غيرها من المعايير، و بهكذا منهج يمكننا إحداث التغيير المنشود، و بدونه لا يمكن تغيير الواقع في شيئ مهما اجتهدنا في تجويد النصوص  القانونية المؤطرة للعدالة و توجيه الكتب و المناشير ، و لذلك فنجاح أي مرفق عمومي رهين بأهلية و استحقاق ذلك الشخص لذلك المنصب و الإشراف على ذلك المرفق دون محاباة أو مجاملة أو محسوبية أو زبونية. كما أن المجلس باحجامه عن نشر قراراته في المجال التأديبي ساهم بشكل أو بآخر في تكريس هذا الغموض الذي يكتنف هذه القيم، إذ لو قام بنشر قراراته لحد من إتيان العديد من السلوكات التي يعتبرها خرقا لهذه القيم و الأخلاقيات، و لشكلت فواصل بين ما هو مباح و ما هو محظور على القضاة و لعملوا بمقتضاها تجنبا المساءلة.

مقال قد يهمك :   تاجموعتي يقر الرقمنة الشاملة لعلاقة المحافظة العقارية مع الموثقين (قــــرار)

و في الأخير نتمنى أن تشكل هذه المدونة بعد أخذها بعين الاعتبار جميع الملاحظات المثارة بشأنها من لدن الممارسين الذين خبروا الإكراهات التي تواجههم في عملهم اليومي، و ملاحظات باقي الجمعيات المهنية العاملة في المجال، و باقي الهيئات الحقوقية و المدنية المهتمة بحقوق الإنسان تجسيدا للمقاربة التشاركية و إن جاءت متأخرة بعد إقرار المدونة لتفادي ما شابها من قصور حدثا فارقا بين عهدين ما قبل المدونة و ما بعدها، و إطارا مرجعيا للسلوك القضائي، و سبيلا لإحداث التغيير المأمول في الجسم القضائي، و أداة لتحقيق الانصاف لجميع أفراد المجتمع بمن فيهم القضاة أنفسهم، و بالموازاة مع ذلك يتعين وضع مدونات للسلوك يخضع لها باقي أطراف منظومة العدالة كل فيما يخصه، على اعتبار أن العمل القضائي هو سلسلة تجمع عمل باقي أطراف المنظومة، و أن أي إخلال في عمل أية حلقة من حلقاتها يرتد و ينعكس سلبا على العمل القضائي الذي يشكل جوهر الإصلاح المنشود و الذي لم يتم الخوض فيه بعد.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)