مستجدات القوانين التنظيمية الانتخابية بشأن تخليق الحياة السياسية
عدنان بوشان باحث في العلوم القانونية
تــــقــــديــــم
إذا كان يقصد بالديمقراطية عند فلاسفة اليونان حكم الشعب نفسه بنفسه، فإن المقصود منها في عصر القرن الحادي والعشرين هي نظام حكم يقوم على أساس حكم الشعب نفسه بنفسه بواسطة ممثلين يتم اختيارهم بكل حرية، ومن أجل تحقيق هذه الغاية فإنه لابد من توفير الوسائل والآليات الضرورية لذلك، حتى يتسنى للشعب في أن يكون له الاختيار الحر لممثليه الذين يفترض فيهم تدبير الشأن العام وفقا لتطلعات من اختاروهم، وليس وفقا لأهوائهم ومصالحهم الشخصية.
الملاحظ في الآونة الأخيرة أن العلاقة بين الناخبين والمنتخبين صارت تتسم بنوع من انعدام الثقة، وتفشي ظواهر غير أخلاقية، غالبا ما تؤثر على نظرة المحكومين للسياسية بشكل عام، وللسخط والابتعاد عن المشاركة في كل عملية انتخابية أو في أي نشاط سياسي، وهو الأمر الذي بات يعرف اهتماما متزايدا من أجل إرجاع الأمور إلى نصابها، حيث تعتبر الثقة هي أساس أي عمل إنساني خاصة إذا تعلق الأمر بالإدارة والحكم.
وعندما نتحدث عن تخليق الحياة السياسية فإن السؤال يطرح هل فعلا للسياسة أخلاق، وإذا كان الأمر كذلك فمن أين تستمد هذه الأخلاق مرجعيتها، هل يقتضي الأمر إخضاع الحياة السياسية للأخلاق الوضعية المبنية على قيم العلم والمعرفة (العقل)، أم على أساس الأخلاق الدينية التي تجد مصدرها في الدين (النقل)، فإذا كانت المسألة الأخيرة متروكة لضمير السياسي وفق للمرجعية التي ينهل منها أفكاره ومعتقداته، فإن الأمر الأول هو الذي يصب في اهتمام واضعي القوانين، فهل تمت الاستجابة من خلال المستجدات الأخيرة لهذا التطور الذي عرضناه، من خلال وضع مبادئ مؤطرة للحياة السياسية سواء خلال العمليات الانتخابية أو بعدها.
وهو ما سنحاول تناوله من خلال التقسيم مايلي:
أولا: مستجدات القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات التشريعية
جاء المشرع المغربي بمقتضيات مهمة بشأن تخليق الحياة السياسية، وذلك بمقتضى القانونين التنظيميين رقم 04.21 و رقم 05.21 المغيرين والمتممين للقانونين التنظيميين المتعلقين بمجلس النواب وبمجلس المستشارين، ومن خلال قراءة هذه المقتضيات يتبين أنها جاءت معبرة في كنهها عن مبادئ دستورية، تهم بالأساس تخليق العلاقة القائمة بين الناخبين والمنتخبين من جهة، والعلاقة بين المنتخبين والمؤسسات الحزبية أو النقابية التي ترشحوا باسمهما.
1.التوسع في حالات التنافي تحقيق لمبدأ الحكامة الجيدة:
كانت حالات التنافي في القانون التنظيمي السابق أو إن صح التعبير الحالي ما دام أن القانون الجديد لم يصدر الأمر بتنفيذه بعد، تنحصر في عدم إمكانية الجمع بين العضوية في مجلس النواب أو مجلس المستشارين مع صفة عضو في المحكمة الدستورية أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أو رئاسة جهة، وكذلك عدم إمكانية الجمع بين صفة عضو في البرلمان وبين أكثر من رئاسة واحدة لمجلس جماعة أو مجلس عمالة أو إقليم أو غرفة مهنية أو مجلس مقاطعة جماعية أو مجموعة تؤسسها جماعات ترابية، وهو ما كان يسمح لأعضاء مجلسي البرلمان بإمكانية الجمع بين بعض الانتدابات، حيث نجد صفة عضو في البرلمان وصفة رئيس مجلس جماعة أو رئيس مجلس عمالة إو إقليم و غرفة مهنية تجتمع في شخص واحد، فكان يطرح سؤال عن كيفية جمع الشخص لكل هذه المهام وهل يمكنه أن يدبرها التدبير الحسن بما يتماشى ومبادئ الحكامة الجيدة، ذلك أن هذا الجمع بين الانتدابات إذا كان من جهة من شأنه أن يؤثر في نجاعة أداء هذه المؤسسات لمهامها، فإنه من جهة أجرى يشكل جمعا للتعويضات وهو ما يتنافى مع مبدأ ترشيد النفقات ومبادئ الشفافية والنزاهة.
جاءت القوانين التنظيمية الجديدة بحالتين جديدتين للتنافي، يتعلق الأمر بتنافي العضوية في مجلسي البرلمان مع رئاسة مجلس عمالة أو إقليم وكذلك مع رئاسة مجلس جماعة يتجاوز عدد سكانها 300.000 نسمة، وهو أمر وإن كان لا يغير صراحة في الأمر الشيء الكثير، إلا أنه على الأقل سيمكن مجالس العمالات والأقاليم وكذلك الجماعات الكبرى، من ضمان أداء سليم لوظائفها وتحقيق حسن سيرها، كما أن هذا المقتضى سيكون له الأثر الكبير على ضمان نوع من المساواة وتوازن القوى بين رؤساء مجالس العمالات والأقاليم ومجالس الجماعات، ذلك أنه كان في الغالب لكل من يجمع بين صفتي رئيس إحدى هذه المجالس وصفة عضو في البرلمان دائما ما يستغل إحداها لخدمة الأخرى وهو ما كان يشكل خرقا لمبدأ المساواة في توفير نفس الوسائل والحكامة وخرقا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما يشكل هذا المقتضى عقلنة لأداء المؤسسات المنتخبة لمهامها من جهة، وحسن أداء مهام تمثيل الناخبين التي تقتضي التفرغ والقرب من المواطنين الذين اختاروه ووضعوا ثقتهم فيه.
لكن رغم ذلك فإن عضو مجلسي البرلمان يمكنه الجمع بين أحد هاتين الصفتين وصفة رئيس مجلس جماعة لا يتجاوز عدد سكانها 300.000 نسمة أو رئيس غرفة مهنية أو رئيس مجلس مقاطعة جماعية، وكذلك العضوية في أحد مجالس الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث، إذ ليس هناك ما يمنع عضو البرلمان من أن يجمع في نفس الوقت بالإضافة لصفته كنائب أو مستشار لعضو بمجلس الجهة أو حتى نائب الرئيس فيه، ولعضو في مجلس العمالة أو الإقليم أو نائب الرئيس فيه، أو لعضو في مجلس جماعة أو نائب رئيس فيه.
2.محاربة ظاهرة الترحال السياسي تحقيق لمبدأ الوفاء السياسي
ظاهرة الترحال السياسي إن صح التعبير هي في الأساس مشكلة ثقافية وأخلاقية مرتبطة بهشاشة قيمة الالتزام الحزبي والسياسي التي تطبع العلاقة القائمة بين بعض الأحزاب والمنخرطين فيها، وتفشي قيم الارتباط المصلحي والانتهازي المرتبط بطبيعة الظرفية السياسية وتقلباتها.
لقد أرسى المجلس الدستوري سابقا مبدأ مهما بشأن تأطير عملية الترحال السياسي، يتعلق الأمر بمبدأ الوفاء السياسي، حيث اعتبر أن حرية المنتخب في تغيير انتمائه السياسي مقيدة بحقوق الناخبين وحقوق الهيئات السياسية التي رشحته لمهام انتدابية، في نطاق تعاقد معنوي بين الطرفين، بل الأكثر من ذلك اعتبر أن هذا المبدأ يسري أيضا على المنتخبين في مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية، وذلك بموجب القرار رقم 11/818 ملف عدد 1172/11 بتاريخ 20 أكتوبر 2011.
وهو الأمر الذي أكده الفصل 61 من الدستور المغربي الذي جاء فيه أنه “يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها. وتصرح المحكمة الدستورية بشغور المقعد، بناء على إحالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الأمر، وذلك وفق أحكام النظام الداخلي للمجلس المعني، الذي يحدد أيضا آجال ومسطرة الإحالة على المحكمة الدستورية.”
حاول النظام الداخلي لكلا مجلسي البرلمان تكريس هذا المبدأ الدستوري من خلال تأكيده على قاعدة التجريد من الصفة في حالة التخلي عن الانتماء السياسي أو النقابي الذي ترشح باسمه العضو لانتخابات أعضاء أحد المجلسين، إلا أنه جعل من مسطرة إعمال هذه القاعدة أكثر تعقيدا مما جاء به نص الفصل 61 من الدستور المغربي الذي جعل الاختصاص حصرا على المحكمة الدستورية وحدها بشأن التصريح بالتجريد من صفة العضوية، غير أن النظام الداخلي لكلا المجلسين ذهب عكس هذا المقتضى وجعل مسطرة التجريد من صفة العضوية تستوجب عرض الملف على مكتب المجلس الذي يقوم بالتأكد من واقعة التخلي، ليقرر بعد ذلك مدى ثبوت واقعة التخلي من عدمه تم بعدها يتم إحالة الأمر في حالة ثبوت واقعة التخلي على المحكمة الدستورية مرفقا بطلب التجريد العضوية.
وهو ما حاول المشرع تجاوزه من خلال مقتضيات المادتين 12 و 13 المتممتين للقانونين التنظيمين المتعلقين بمجلس النواب ومجلس المستشارين، حيث نصت على تجريد العضو بمجلس النواب أو مجلس المستشارين من صفته إذا ما حصل وتخلى خلال مدة انتدابه عن الانتماء السياسي أو النقابي الذي ترشح باسمه لعضوية أحد المجلسين أو عن الفريق أو المجموعة النيابية التي ينتمي إليها.
لكن الملاحظ أن هذا المقتضى وإن كان من شأنه الحد من ظاهرة الترحال السياسي خلال الفترة الأولى من الانتداب أو أثناء هذه الفترة الانتدابية، فإن ذلك لا يمنع من الترحال السياسي في أواخر هذه الفترة الانتدابية خاصة إبان الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وهو الأمر الذي نشهده حاصلا اليوم، كما أن هذا المقتضى ليس من شأنه أن يحد من الترحال السياسي المعنوي إن صح التعبير، أو الالتزام الأخلاقي والسياسي بتوجهات وتوجيهات و قرارات الهيئة السياسية أو النقابية التي ترشح باسمها العضو المنتخب أثناء ممارسته لمهامه الانتخابية أو الانتدابية.
ولا بد من الإشارة في الأخير إلى مقتضى آخر يتعلق بالحالة التي يتغيب فيها أحد أعضاء مجلسي البرلمان عن أشغال الجلسات العامة، ففي هذه الحالة ما هو جزاء هذا التغيب ؟
يقتصر نظام التأديب المعمول به حاليا حسب مقتضيات النظام الداخلي لكل من مجلسي النواب والمستشارين، على ثلاث عقوبات تراتبية، التنبيه الكتابي، التنبيه الكتابي الثاني مع تلاوة اسم المتغيب بالجلسة العامة الموالية، الاقتطاع من التعويضات الشهرية الممنوحة له، وذلك تكريسا لمقتضيات الفصل 69 من الدستور المغربي الذي جاء فيه أنه “يحدد النظام الداخلي بصفة خاصة واجبات الأعضاء في المشاركة الفعلية في أعمال اللجان والجلسات العامة، والجزاءات المطبقة في حالة الغياب”.
وإذا كان هذا النظام التأديبي قد يتماشى مع التغيبات القصيرة المدة، كالتغيب عن جلسة أو جلستين أو ثلاث، فهو لا يمكن أن ينطبق على التغيبات الطويلة المدة، كغياب العضو البرلماني لمدة سنة أو أكثر، ذلك أن واقعنا يشهد على مثل هذه الخروقات، وهي الحالة التي ينصب حولها المقتضى الجديد الذي جاءت به القوانين التنظيمية، حيث نصت على عقوبة التجريد كجزاء عن مثل هذا التغيب، حيث اعتبرت المحكمة الدستورية أن تغيب العضو البرلماني لمدة سنة تشريعية كاملة عن ممارسة المهام الموكولة له، يعد بمثابة تخلي إرادي عن عضويته، وأن جزاء هذا التخلي الإرادي هو التجريد من هذه العضوية، وذلك تطبيقا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة (قرار المحكمة الدستورية رقم 21/118 ملف عدد 21/067 بتاريخ 07 أبريل 2021).
3.اشتراط حصول اللائحة الفريدة على نسبة من الأصوات تحقيق لمبدأ الشرعية التمثيلية
قد يحصل أن تتواجد في دائرة انتخابية معينة لائحة ترشيح فريدة أو مترشح فريد، ففي هذه الحالة كيف يتم إحصاء الأصوات وما هي معايير توزيع المقاعد والإعلان عن نتائجها، على اعتبار أن الأمر يتعلق بغياب أي منافسة، في هذه الحالة وحسب ما هو معمول به حاليا، فإنه إذا أحرزت لائحة الترشيح الفريدة على النسبة المطلوبة للمشاركة في عملية توزيع المقاعد، فإنه يتم الإعلان عن انتخاب مترشحي اللائحة المعنية برسم المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية.
لكن المستجد الذي جاءت به القوانين التنظيمية هو أنه لا يمكن أن يعلن عن انتخاب مترشحي لائحة الترشيح الفريدة أو مترشح فريد، إذا لم تحصل اللائحة المعنية أو المترشح المعني، على عدد من الأصوات يعادل على الأقل خُمس أصوات الناخبين المقيدين بالدائرة الانتخابية المعنية، وذلك تحقيقا لمبدأ المشروعية التمثيلية، إذ لا يعقل أن تحصل لائحة ترشيح فريدة أو مترشح فريد أمام غياب تنافسية بين اللوائح والمترشحين على مقاعد برلمانية، دون الأخذ بعين الاعتبار لإرادة الناخبين مصوتين أو غير مصوتين في اختياراتهم الانتخابية، وهو ما يقتضي حصول هذه اللائحة الفريدة أو المترشح الفريد على نسبة معينة من أصوات الناخبين بالدائرة الانتخابية المعنية.
ويترتب عن عدم تحقيق اللائحة الفريدة أو المترشح الفريد لهذه النسبة، الإعلان عن انتخابات جزئية من أجل ملء المقاعد أو المقعد الشاغر بموجب الدائرة الانتخابية المعنية.
4. حماية المال الانتخابي تحقيق لمبدأي النزاهة والشفافية
ينص الفصل 11 من الدستور المغربي على ما يلي: “الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين، وبعدم التمييز بينهم. يحدد القانون القواعد التي تضمن الاستفادة، على نحو منصف، من الممارسة الكاملة للحريات والحقوق الأساسية، المرتبطة بالحملات الانتخابية، وبعمليات التصويت. كل شخص خالف المقتضيات والقواعد المتعلقة بنزاهة وصدق وشفافية العمليات الانتخابية، يعاقب على ذلك بمقتضى القانون. تتخذ السلطات العمومية الوسائل الكفيلة بالنهوض بمشاركة المواطنات والمواطنين في الانتخابات”.
نقصد بالمال الانتخابي تلك المساهمة التي تخصصها الدولة للأحزاب السياسية من أجل تمويل حملاتها الانتخابية في إطار الانتخابات العامة الجماعية والجهوية والتشريعية، وحتى يتسنى للدولة مراقبة مدى استعمال هذه المساهمة وفق الشكل المطلوب، بما يتوافق مع مبادئ الشفافية والنزاهة والصدق، وحتى لا تختلط بهذه المساهمة أموال أخرى قد لا يعرف مصدرها، من شأنها أن تأثر على مبدأ التنافسية بين المترشحين، فقد عمد المشرع المغربي إلى وضع آلية المراقبة، هي مراقبة بعدية يتولاها المجلس الأعلى للحسابات من خلال التأكد من أن المال الانتخابي قد تم تدبيره وفق الضوابط المنصوص عليها قانونا.
تقتصر عملية المراقبة وفق القوانين التنظيمية الحالية على مجرد قيام وكيل اللائحة أو المترشح بإيداع جرد للمصاريف الانتخابية، أي أنه يقوم ببيان المصاريف التي صرفها بشأن تدبير حلمته الانتخابية مع وجوب إرفاق ذلك بالوثائق التي تثبت هذه المصاريف، دون أن تتجاوز السقف المحدد لها بموجب القانون، وهي عملية من السهل إيجاد المخارج والتحايل عليها، والجديد الذي جاءت به القوانين التنظيمية موضوع هذه القراءة، هو أنه صار من اللازم على كل وكيل لائحة أو مترشح العمل على إعداد حساب حملته الانتخابية وفق نموذج يحدد بنص تنظيمي، حيث انتقل بنا المشرع من نظام الجرد إلى نظام المحاسبة، بما تحمله هذه الكلمة من معنى التدقيق والتفسير والمقارن.
حيث يتم إيداع هذا الحساب لدى المجلس الأعلى للحسابات، هذا الأخير الذي يتولى بحث هذه الحسابات، حيث يصدر بشأنها تقرير يشير فيه إلى أسماء المترشحين الذين لم يودعوا حساب حملتهم الانتخابية أو الذين لم يبينوا مصادر تمويل هذه الحملات، أو لم يبرروا مصاريفهم، أو لم برفقوا جرد المصاريف بوثائق الإثبات الضرورية، أو أنهم تجاوزا السقف المحدد للمصاريف الانتخابية، فما هو الجزاء الذي وضعته القوانين التنظيمية الجديدة؟
لقد ميز المشرع كمسجد بشأن الجزاء المترتب عن عدم إيداع حساب الحملة الانتخابية، بين المترشحين غير المعلن عن انتخابهم وبين المنتخبين أعضاء أحد المجلسين، فالنسبة للفئة الأولى فإن العقوبة التي حددها المشرع لها هي عدم الأهلية للانتخابات التشريعية العامة والجزئية، والانتخابات العامة والجزئية لمجالس الجماعات الترابية، والغرف المهنية، طيلة مدتين انتدابيتين متتاليتين، ابتداء من تاريخ صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أما بالنسبة للفئة الثانية وهي الفئة التي أعلن عن فوزها في الانتخابات التشريعية، فنجد أن المشرع إذا كان قد جعل من عقوبة التجريد من العضوية عقوبة أصلية، فقد أضاف إليها عقوبة عدم الأهلية بالنسبة للمترشحين المنتخبين،الذين تخلفوا عن إيداع حسابات حملاتهم الانتخابية داخل الأجل المحدد أو لم يبينوا مصادر تمويل حملاتهم أو لم يبرروا مصاريف حملتهم الانتخابية أو لم يرفقوا جرد المصاريف بالوثائق المثبتة، سواء داخل الأجل أو بعد انصرام الأجل بعد إعذارهم، وهو ما يخدم غاية نزاهة الانتخابات وشفافيتها وتكافؤ الفرص بين المترشحين، ويهدف إلى صون المال العام، وإلى تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال التحقق من مدى صرف الدعم العمومي في الأوجه المحددة له قانونا.
ثانيا: مستجدات القانون التنظيمي المتعلقة بانتخاب أعضاء الجماعات الترابية
لا شك أن القانون التنظيمي رقم 06.21 المغير والمتمم للقانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بانتخاب أعضاء الجماعات الترابية، لا يخرج عن الإطار التي وردت فيه باقي القوانين الانتخابية التي جاء بها المشرع، والتي تأتي دائما بجديد قبيل أي استحقاقات انتخابية، تحاول من خلال ذلك ملء الفراغ التشريعي من جهة بشأن بعض الإشكالات التي اعترت العمليات الانتخابية السالفة، ومن جهة أخرى مراعاة بعض الخصوصيات التي تنفرد بها انتخاب أعضاء بعض مجالس الجماعات الترابية.
1.تخليق الإعلانات الانتخابية
تعتبر الإعلانات الانتخابية من أبرز الوسائل المخولة لوكلاء لوائح الترشيح والمترشحين من أجل التعريف بأنفسهم و ببرامجهم الانتخابية، وكذلك من أجل إخبار الناخبين بكل نشاط انتخابي كاللقاءات، والاجتماعات الانتخابية، التي يعقدها وكلاء اللوائح والمترشحين من أجل التواصل مع الناخبين في إطار حملاتهم الانتخابية، ومن أجل ضمان تنافسية شريفة بين هؤلاء عمد المشرع إلى ضبط هذه المسألة من جميع النواحي، سواء من حيث المضمون (أن لا تتضمن ما يخل بثوابت الأمة، أو المس بالكرامة الإنسانية، التحريض على العنصرية أو العنف،استعمال، عدم تضمنها للونين الأحمر أو الأخضر) أو من حيث الشكل(يحدد بمرسوم حجمها) وكذلك الأمكنة التي يجب أن يتم تعليق هذه الإعلانات بها (يتم تعليقها بالأماكن المخصصة لذلك يتم تحديدها بمرسوم).
و حتى يتسنى تطبيق هذه المقتضيات وفق الشكل المطلوب الذي يضمن شفافية ونزاهة العملية الانتخابية وضمان تنافسية شريفة، نجد المشرع قد فرض جزاء يتمثل في غرامة تقدر ما بين 10.000 و 50.000 درهم، وذلك في الحالات التي يعمد فيها كل وكيل لائحة أو مترشح باستعمال المساحة المخصصة لإعلاناته الانتخابية لغرض غير التعريف بترشيحه وببرامجه الانتخابية، أو التخلي لغيره عن المساحة المخصصة له، أو ضبطه متلبسا وهو يستعمل المساحة غير المخصصة له.
الجديد في هذه المسألة يتعلق بالحالة التي تنتهي فيها العمليات الانتخابية، حيث يتغاضى غالبية وكلاء لوائح الترشيح أو المترشحين عن إزالة هذه الإعلانات، وذلك حتى بعد إشعارهم بضرورة إزالتها على اعتبار أن الجزاء الذي كان مفروضا هو قيام المصالح الجماعية بإزالة هذه الإعلانات، حيث أضاف القانون التنظيمي الجديد هذه الحالة إلى الحالات السالف ذكرها والتي يعاقب عليها بالغرامة المشار إليها أعلاه، مع إمكانية إزالتها من طرف مصالح الجماعة على نفقة المعنيين بالأمر.
2.مبدأ الوفاء للانتماء السياسي
من المعلوم قانونا أن انتخاب أعضاء مجالس العمالات والأقاليم يتم بطريقة غير مباشرة، حيث تتألف الهيئة الناخبة من أعضاء مجالس الجماعات التابعة للعمالة أو الإقليم المعني، وهي بذلك هيئة ناخبة محدودة العدد، الأمر الذي يبرر تفريدها ببعض الاستثناءات منها الاقتراع غير المباشر، وكذلك تضمين لوائح الترشيح المقدمة لأسماء أشخاص ينتمون لأكثر من حزب سياسي واحد، أو تضمينها في نفس الآن لترشيحات مقدمة بتزكية حزب سياسي ولترشيحات أشخاص بدون انتماء سياسي.
وما دام أن انتخاب أعضاء هذه المجالس يأتي كنتيجة أو امتداد لانتخاب أعضاء مجالس الجماعات، وتحرزا من أي خروقات وضمانا لشفافية هذه العمليات الانتخابية، خاصة خلال الفترة الفاصلة بين الإعلان عن نتائج انتخاب أعضاء مجالس الجماعات، وفترة الإعلان عن انتخاب أعضاء مجالس العمالات والأقاليم، فإن المشرع عمد إلى وضع بعض الضمانات القانونية المستجدة التي من شأنها أن تضبط وتحافظ على مبدأ الوفاء السياسي، والالتزام الأخلاقي تجاه الحزب السياسي الذي انتخب باسمه المترشح لعضوية مجلس العمالة أو الإقليم، وعليه نجد المشرع قد منع على المترشحين أو المترشح المنتمي حزبيا العمل على تقديم ترشيحه دون تزكية من الحزب السياسي الذي ينتمي إليه، وجعل جزاء ذلك عدم قبول لائحة الترشيح، كما منع على المترشحين المنتسبين لنفس الحزب السياسي تقديم ترشيحاتهم لأكثر من لائحة ترشيح واحدة في نفس العمالة أو الإقليم.
3.اشتراط حصول اللائحة الفريدة على نسبة من الأصوات تحقيق لمبدأ الشرعية التمثيلية
إذا تعلق الأمر بلائحة ترشيح فريدة أو مترشح فريد، ففي هذه الحالة لا يمكن أن يعلن عن انتخاب مترشحي لائحة الترشيح الفريدة أو مترشح فريد، إذا لم تحصل اللائحة المعنية أو المترشح المعني، على عدد من الأصوات يعادل على الأقل خُمس أصوات الناخبين المقيدين بالدائرة الانتخابية المعنية، وذلك تحقيقا لمبدأ المشروعية التمثيلية، إذ لا يعقل أن تحصل لائحة ترشيح فريدة أو مترشح فريد أمام غياب تنافسية بين اللوائح والمترشحين على مقاعد انتخابية، دون الأخذ بعين الاعتبار لإرادة الناخبين مصوتين أو غير مصوتين في اختياراتهم الانتخابية، وهو ما يقتضي حصول هذه اللائحة الفريدة أو المترشح الفريد على نسبة معينة من أصوات الناخبين بالدائرة الانتخابية المعنية.
ويترتب عن عدم تحقيق اللائحة الفريدة أو المترشح الفريد لهذه النسبة، أو إذا تعذر إجراء عمليات الاقتراع أو إنهاؤها بسبب عدم وجود مترشحين، أو رفض الناخبين القيام بالتصويت، أو لأي سبب آخر إجراء اقتراع جديد في ظرف 3 أشهر الموالية.
4.حماية المال الانتخابي
لقد أوجب المشرع على كل وكيل لائحة ترشيح أو مترشح ضرورة العمل على إعداد حساب حملته الانتخابية وفق نموذج يحدد بنص تنظيمي، حيث انتقل بنا المشرع من نظام الجرد إلى نظام المحاسبة، بما تحمله هذه الكلمة من معنى التدقيق والتفسير والمقارن.
حيث يتم إيداع هذا الحساب لدى المجلس الأعلى للحسابات، هذا الأخير الذي يتولى بحث هذه الحسابات، حيث يصدر بشأنها تقرير يشير فيه إلى أسماء المترشحين الذين لم يودعوا حساب حملتهم الانتخابية أو الذين لم يبينوا مصادر تمويل هذه الحملات، أو لم يبرروا مصاريفهم، أو لم برفقوا جرد المصاريف بوثائق الإثبات الضرورية، أو أنهم تجاوزا السقف المحدد للمصاريف الانتخابية، فما هو الجزاء الذي وضعته القوانين التنظيمية الجديدة؟
لقد ميز المشرع كمسجد بشأن الجزاء المترتب عن عدم إيداع حساب الحملة الانتخابية، بين المترشحين غير المعلن عن انتخابهم وبين المنتخبين أعضاء مجالس الجماعات الترابية، بالنسبة للفئة الأولى فإن العقوبة التي حددها المشرع لها هي عدم الأهلية للانتخابات التشريعية العامة والجزئية، والانتخابات العامة والجزئية لمجالس الجماعات الترابية، والغرف المهنية، طيلة مدتين انتدابيتين متتاليتين، ابتداء من تاريخ صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات، أما بالنسبة للفئة الثانية وهي الفئة التي أعلن عن فوزها في انتخاب أعضاء الجماعات الترابية، فنجد أن المشرع إذا كان قد جعل من عقوبة التجريد من العضوية عقوبة أصلية، فقد أضاف إليها عقوبة عدم الأهلية بالنسبة للمترشحين المنتخبين، الذين تخلفوا عن إيداع حسابات حملاتهم الانتخابية داخل الأجل المحدد أو لم يبينوا مصادر تمويل حملاتهم أو لم يبرروا مصاريف حملتهم الانتخابية أو لم يرفقوا جرد المصاريف بالوثائق المثبتة، سواء داخل الأجل أو بعد انصرام الأجل بعد إعذارهم، وتجدر الإشارة إلى أن التجريد من العضوية يقتضي تصريح المحكمة الإدارية المختصة به، بعد إحالة الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات الأمر إليها، وهو ما يخدم غاية نزاهة الانتخابات وشفافيتها وتكافؤ الفرص بين المترشحين، ويهدف إلى صون المال العام، وإلى تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال التحقق من مدى صرف الدعم العمومي في الأوجه المحددة له قانونا.
5.حق الناخبين في الإعلام
عرفت الانتخابات الماضية بعض المشاكل بخصوص إشعار الناخبين بمكاتب تصويتهم، حيث تم الاعتماد خلال هذه الانتخابات على وسيلة الإشعار بواسطة رسالة نصية هاتفية، وهو ما خلق بعض المشاكل حيث كان بعض الناخبين يتوصلون بمكتب التصويت ليس بالمكتب الذي ينبغي أن يصوتوا فيه، وتجاوزا لهذه المشاكل عمد المشرع وبعد أن ألغى نص المادة 14 بموجب القانون رقم 34.15 الصادر سنة 2015، والذي كان يحمل نفس الصياغة التي أعاد التنصيص عليها بموجب التعديل الجديد للقانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، والتي جاء فيها أنه تتم إحاطة الناخب علما بمكتب التصويت الذي سيصوت فيه، بواسطة إشعار مكتوب يتضمن اسميه الشخصي والعائلي، أو أسماء أبويه إن لم يكن له اسم عائلي، وعنوانه ورقم بطاقته الوطنية للتعريف الالكترونية، وعنوان مكتب التصويت والرقم الترتيبي المخصص له في لائحة الناخبين، وتوجه السلطة الإدارية المحلية الإشعار المذكور، إلى الناخبين بأية وسيلة من الوسائل المتاحة، ولا يعتبر هذا الإشعار ضروريا للتصويت.
ثالثا: مستجدات القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية
يبرز من أهم المقتضيات التي جاء بها المشرع المغربي من خلال القانون التنظيمي رقم 07.21 الذي يقضي بتغيير القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، الجانب المالي لهذه المؤسسات سواء على مستوى التمويل أو المراقبة، وكذلك الجانب التنظيمي أي ما يتعلق بتطوير آليات اشتغال هذه المؤسسات، وهي مسائل ترتبط بشكل أو بآخر بتخليق العملية السياسية في مستواها المؤسساتي.
1.نظام تمويل الأحزاب السياسية
لابد حتى تتمكن المؤسسات الحزبية من القيام بالأدوار المنوطة بها بالشكل المطلوب، تمكينها من الموارد المالية اللازمة من جهة، وكذلك من الموارد البشرية المؤهلة ذات الكفاءات العالية من جهة أخرى.
أ.تعزيز تمويل الأحزاب (إضافة موارد جديدة)
كان للنظام المالي للأحزاب السياسية الحظ الكبير من التعديلات، وذلك رغبة من المشرع في بحث سبل النهوض بالعمل السياسي للأحزاب السياسية وتنشيط الدورة السياسية، من خلال تجديد أساليب العمل بما يساهم في الرفع من مستوى الأداء الحزبي ومن جودة التشريعات والسياسات العمومية، وكذلك عودة ثقة المواطن في الأحزاب السياسية والمبادرة في الانخراط في الأنشطة السياسية.
ومن أبرز المستجدات التي تصب في هذا الإطار تلك التي همت تمويل الأحزاب السياسية، وهي كالتالي:
– حيث تم الرفع من قيمة الهبات والوصايا والتبرعات النقدية والعينية التي تستفيد منها الأحزاب من 300.000 إلى 600.000 درهم في السنة لكل واحدة وبالنسبة لكل متبرع.
– بالإضافة إلى تخويل هذه الأحزاب إمكانية استغلال العقارات المملوكة لها وذلك من أجل الاستفادة من العائدات المترتبة عن هذا الاستغلال.
– كما خولها الحق في الاستفادة من عائدات الحساب البنكي الجاري.
– اعتبار المساهمة المالية للمنتخبين باسم الحزب في عداد الموارد المالية لهذا الحزب، على اعتبار أن بعض الأحزاب كانت تطبق هذا الإجراء على منتخبيها.
– كما خولها المشرع إمكانية تأسيس شركة للتواصل والأنشطة الرقمية على أن يكون رأسمالها مملوكا كليا للحزب المؤسس، وذلك من أجل استثمارها في أنشطته وللحصول على عائدات مالية من خدماتها، وذلك بهدف التعريف بالحزب وببرامجه وتسهيل عملية تأطير المواطنين والمساهمة في تكوينهم السياسي وتطوير آليات التواصل الحزبي لاسيما في المجال الرقمي، وهو مقتضى ينسجم مع التطورات التي يعرفها عالم اليوم، بحيث أصبحت وسائل التواصل والرقمنة فاعلا أساسيا في كل المجالات، وإن كانت بعض الأحزاب قد سبقت أخرى في الولوج إلى هذا المجال، كما أن هذا المقتضى من شأنه المساهمة في تقنين وسائل التواصل الاجتماعي وما تعرفه من انتشار للذباب الالكتروني.
لكن في مقابل ذلك تم التقييد من الحق في الاستفادة من الدعم السنوي التي تمنحه الدولة للأحزاب السياسية من أجل المساهمة في تغطية مصاريف تدبير هذه الأحزاب لشؤونها، حيث اشترط المشرع ضرورة مشاركة هذه الأحزاب في الانتخابات العامة التشريعية، وأن تغطي على الأقل ثلث عدد الدوائر الانتخابية المحلية الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس النواب، وأن تكون هذه الدوائر موزعة على الأقل على ثلاثة أرباع جهات المملكة، وأن تغطي على الأقل نصف عدد الدوائر الانتخابية الجهوية المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس النواب، إذ لا يعقل أن يستفيد حزب سياسي من دعم عمومي وهو لا يقدم أي مساهمة لا في تأطير المواطنين ولا في تعزيز انخراطهم في الحياة السياسية وتدبير الشأن العام، بل العكس من ذلك صار العمل السياسي يضعف شغف المواطنين من ولوج المسؤوليات الانتخابية ويقوي عزوفهم السياسي والانتخابي.
ب.تشجيع الأحزاب السياسية على الابتكار
من أجل تشجيع الأحزاب السياسية على الابتكار وإعادة التفكير في منهجية العمل، وعدم الاقتصار على الجانب السياسي المحض وحده، وإنما المزاوجة بينه وبين الجانب النظري الفكري، من خلال توفير خبرة مؤهلة تساهم في إعداد برامجها وتصوراتها والتفكير في السياسيات العمومية، لذلك عمد المشرع محاولة منه تشيع هذه الرؤية إلى تخصيص جزء إضافي من الدعم العمومي للأحزاب السياسية، وهو دعم خاص بالكفاءات التي توظفها هذه الأحزاب في مجالات التفكير والتحليل والابتكار، وذلك من أجل تغطية المصاريف المترتبة عن المهام والدراسات والبحوث التي تنجز لفائدتها من طرف الكفاءات المؤهلة بهذه تطوير التفكير والتحليل والابتكار في المجالات المرتبطة بالعمل الحزبي السياسي، وهو ما من شأنه المساهمة على تشجيع الكفاءات في جميع المجالات على الانخراط في العمل السياسي أولا ككفاءة وثانيا لما لا كفاعل سياسي، وبالتالي ستكون الأحزاب السياسية تزاوج بين الفكر السياسي والفكر التكنوقراطي.
2.نظام مراقبة مالية الأحزاب السياسية
لقد أناط الدستور المغربي بموجب الفصل 147 بالمجلس الأعلى للحسابات تدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية.
إذا كانت الأحزاب السياسية ملزمة بمسك محاسبة يشهد بصحتها خبير محاسب طبقا للشروط المنصوص عليها قانونا، وكذلك وجوب إيداع أموالها باسمها لدى مؤسسة بنكية فإنه في السابق لم يكن ملزما عليها توجيه نظير من محاسبتها إلى المجلس الأعلى للحسابات وهو الأمر الذي تم تجاوزه بموجي التعديلات الأخيرة.
يجب على الأحزاب السياسية التي استفادة من مساهمة الدولة في تمويل حملاتها الانتخابية أن تقوم بفتح حساب بنكي خاص بموارد ومصاريف الحملة الانتخابية، حيث يهدف هذا الإجراء إلى إرساء مقومات تدبير شفاف لمساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية وضمان استخدام الأموال العمومية في الغايات المخصصة والمرصودة لها.
إذا كانت الأحزاب السياسية تستفيد من دعم عمومي سنوي، تساهم من خلاله الدولة في تغطية مصاريف تدبير الأحزاب السياسية لشؤونها(دعم سنوي تدبير)، فإنها في مقابل ذلك تستفيد من مساهمة أخرى من أجل تمويل حملاتها الانتخابية(مساهمة انتخابية)، فما هو النظام الرقابي الذي يتم إتباعه من أجل ضمان صرف هذه الأموال فيما هو مخصصة له ؟.
يجب على كل حزب سياسي أن يرجع تلقائيا إلى الخزينة كل مبلغ لم يستعمله من الدعم السنوي الذي تلقاه كما يجب عليه أن يرجع تلقائيا إلى الخزينة كل مبلغ غير مستحق وكل مبلغ لم يستعمله من المساهمة الانتخابية، وفي حالة عدم إرجاع هذه المبالغ فإن الحزب السياسي يفقد بحكم القانون حقه في الاستفادة من الدعم العمومي.
يجب على الأحزاب السياسية أن توجه للمجلس الأعلى للحسابات الوثائق والمستندات المكونة لحساباتها السنوية، وكذلك حسابات حملاتها الانتخابية، وفي هذه الحالة إذا لم يقم الحزب بتسوية وضعيته بعد انصرام أجل إعذاره بضرورة تسوية وضعيته، فإنه يفقد بحكم القانون وبكيفية فورية حقه في الاستفادة من التمويل العمومي وذلك إلى حين تسوية وضعيته، والجديد هو أنه صار لزاما على الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أن يحيل على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيس النيابة العامة، الاختلالات التي سجلها المجلس في شأن استعمال مساهمة الدولة وذلك لاتخاذ الإجراءات التي يقتضيها القانون.
خـــــلاصـــة
الملاحظ من خلال هذه القراءة المتواضعة للمستجدات التي جاءت بها هذه القوانين التنظيمية، أن المشرع المغربي حاول من خلالها تغطية بعض النواقص، التي لا تتماشى وبعض المبادئ الدستورية المؤطرة لتخليق الحياة السياسية، حيث نجد أن هذه التعديلات قد همت من جهة محاولة تخليق العلاقة بين المنتخب والهيئة السياسية التي ينتمي إليها، وكذلك علاقته بالناخبين الذين صوتوا عليه، ومن جهة أخرى محاولة تخليق العلاقة ما بين المترشحين و المال الانتخابي، وكذلك العلاقة بين الأحزاب السياسية والناخبين والمال الانتخابي ومحاولة النهوض بأدوار هذه المؤسسات الحزبية، حتى تساهم هي الأخرى من الداخل في تخليق نفسها وبالتالي تخليق الحياة السياسية بشكل عام، لكن يبقى عالم السياسة عالم لتدافع وتضارب المبادئ وتزاحم المصالح، وبالتالي يصعب ضبطه بآليات تشريعية محضة، بل لابد من تدخل الأخلاقي والسياسي والثقافي والفكري والفلسفي حتى يمكن النهوض بهذا المجال وإرجاع ثقة الناخبين بالحياة السياسية ومؤسساتها بما فيها الدولة باعتباره الفاعل الرئيسي في هذه العملية.
لائحة المراجع المعتمدة:
الكتب:
- طه عبد الرحمان، ثغور المرابطة، مطبعة أمين كراف، سلا، الطبعة الأولى، 2018.
- عبد الله العروي، من ديوان السياسة، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية، 2010.
- الحسن اللحية، مسارات النخب السياسية بالمغرب، أفريقيا الشرق، بيروت، 1998.
- محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت، يونيو 1997.
المجلات:
- مجلة مسالك، في أفق استحقاق 2016 أنماط الاقتراع وتأثيرها في الحياة السياسية المغربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، عدد خاص 41/42، 2016.
الرسائل الجامعية:
- الحسين شيكار، الجريمة الانتخابية في التشريع المغربي، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، جامعة ابن زهر، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، السنة الجامعية 2016-2017.
النصوص القانونية:
- القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، كما تم تعديله بموجب القانون التنظيمي رقم 04.21 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.39 بتاريخ 21 أبريل 2021، الجريدة الرسمية عدد 6987 بتاريخ 17 ماي 2021.
- القانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين، كما تم تعديله بموجب القانون التنظيمي رقم 05.21 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.40 بتاريخ 21 أبريل 2021، الجريدة الرسمية عدد 6987 بتاريخ 17 ماي 2021.
- القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية كما تم تعديله بموجب القانون التنظيمي رقم 06.21 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.41 بتاريخ 21 أبريل 2021، الجريدة الرسمية عدد 6987 بتاريخ 17 ماي 2021.
- القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، كما تم تعديله بموجب القانون التنظيمي رقم 07.21 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.37 بتاريخ 21 أبريل 2021، الجريدة الرسمية عدد 6987 بتاريخ 17 ماي 2021.