موسى بن داود : النظام القانوني للتجارة الإلكترونية

  • من إعداد :  موسى بن داود طالب باحث في ماستر القانون المدني و الأعمال.

مقدمة :

      كان لنمو التجارة الإلكترونية، وازياد التعامل بها الأثر البالغ في حجم المبادلات التجارية حيث وصلت مليارات الدولارات حتى أن كثيرا من المنشآت التجارية الدولية لم تعد تقبل بالفعل التعامل مع أعضاء جدد إلا إذا استطاعوا أن يبرهنوا مقدرتهم على التعامل بأسلوب التجارة الإلكترونية للبيانات[1]. كما تمثل التجارة الإلكترونية أحد موضوعات ما يعرف بالإقتصاد الرقمي، حيث يقوم هذا الإقتصاد على حقيقتين: التجارة الإلكترونية وتقنية المعلومات، فهذه التقنية الأخيرة أو صناعة المعلومات في عصر الحوسبة والإتصال هي التي خلقت الوجود الواقعي والحقيقي للتجارة الإلكترونية باعتارها تعتمد على الإتصال ومختلف الوسائل التقنية للتنفيذ وإدارة النشاط التجاري.

والتجارة الإلكترونية هي تنفيذ وإدارة الأنشطة التجارية المتعلقة بالبضاعة والخدمات بواسطة تحويل المعطيات عبر شبكة الأنترنيت وعرفتها منظمة التجارة الدولية بأنها “إنتاج وتسويق وبيع وتوزيع المنتوجات من خلال (شبكة الإتصال)”[2].وفي تعريف آخر عرفت التجارة الإلكترونية بأنها “كافة الأنشطة التجارية للمنتجات والخدمات التي تتم باستخدام تكنولوجيا المعلوميات وعبر شبكة إتصال دولية، وباستخدام التبادل الإلكتروني للبيانات لإبرام أو تنفيذ العمليات التجارية، سواء تمت بين الهيئات أو بين الأفراد والهيئات، وسواء تمت على المستوى المحلي أو الدولي”[3].

وقد إكتفى القانون النموذجي للأمم المتحدة حول التجارة الإلكترونية (UNCITRAL أو CNUDCI )، في مادة 2 بتعريف التجارة الإلكترونية بأنها “يراد بمصطلح تبادل البيانات الإلكترونية نقل المعلومات من حاسوب إلى حاسوب آخر باستخدام معيار متفق عليه لتكوين المعلومات”[4]. كما أورد الفقه عدة تعريفات للعقد الإلكتروني، فمنهم من عرفه على أنه “العقد الذي يتم ابرامه عبر الأنترنيت”، والملاحظ على هذا التعريف أنه حصر وسيلة أبرام العقد الإلكتروني في شبكة الأنترنيت متجاهلا الوسائل الأخرى لإبرامه مثل التيلكس والفاكس[5].

مما سبق، يتضح أن هذا الموضوع يكتسي أهمية قصوى وذلك على مختلف الأصعدة، الشيء الذي يحتاج لدراسته إلى مقاربة متتعدة التخصصات. فمن الناحية الإجتماعية والسياسية تعتبر التجارة الإلكترونية نظاما ينتج نمطا من السلوك والقيم ويترتب عنه بناء نظام إجتماعي وسياسي جديد عماده الأساس الشفافية. ومن الناحية الإقتصادية فإن التجارة الإلكترونية تعني الإنفتاح على العالم واختفاء الحدود، الشيء الذي يؤجج روح المنافسة[6].

ومن هذا المنطلق يكننا طرح مجموعة الإشكالات، فما هو النظام القانوني للتجارة الإلكترونية على كلى المستويين الدولي والوطني ؟ وكيف ساير المشرع المغربي تطور التجارة الإلكترونية خصوصا في الآونة الأخير ؟ وما هي الترسانة القانونية التي وفرها التشريع الدولي والوطني لتحقيق إستقرار المعاملات ؟ كلها إشكالات إرتأينا أن نتطرق إليها من خلال دراسة هذا الموضوع فقمنا بتقسمه إلى مبحثين عالجنا في المبحث الأول القوانين المنظمة للتجارة الإلكترونية على الصعيد الدولي ثم عرجنا في المبحث الثاني إلى تنظيم التجارة الإلكترونية في التشريع المغربي.

  • المبحث الأول: القوانين المنظمة للتجارة الإلكترونية على الصعيد الدولي
  • المبحث الثاني: القوانين المنظمة للتجارة الإلكترونية في التشريع المغربي

المبحث الأول: القوانين المنظمة للتجارة الإلكترونية على الصعيد الدولي

ربما يكون الإهتمام ببعض المستلزمات القانونية للتجارة الإلكترونية، قد ظهر مبكرا نسبيا من دون أن يسفر ذلك عن تغيير الكثير من المفاهيم القانونية السائدة آنذاك، بيد أن الأمر اختلف منذ عقد التسعينات من القرن الماضي، عندما انتشرت التجارة الإلكترونية وأصبحت ظاهرة ذات أهمية وأبعاد واسعة، مما استدعى الأمر وقفة قانونية للتصدي لتنظيمها، فكانت النتيجة ظهور محاولات لوضع تنظيم قانوني شامل لها، أو على الأقل لبعض دوانبها الملحة سواء من قبل المجتمع الدولي بشكل جماعي، من خلال جهود المنظمات الدولية أو الإقليمية أو المتخصصة، أم من قبل الدول بشكل منفرد في إطار تشريعات وتدابير ذات طابع وطني.

وهكذا ظهرت للوجود معالم تنظيم قانوني للتجارة الإلكترونية، وإن كان غير متكامل ولا مكتمل النضوج، إلا أنه يشكل بنية تحتية وأساسا من أجل إرساء البناء القانوني المتكامل للتجارة الإلكترونية [7].

وبالتالي لم يقتصر الإهتمام بالجوانب القانونية للتجارة الإلكترونية على هيئة أو منظمة دولية أو إقليمية معينة بالذات، بل اهتمت بذلك الكثير منها ذات العلاقة، سواء ما كان منها ذات طابع عالمي أم إقليمي، إلا أن جهودها ونتائج هذه الجهود قد تفاوتت. وبغية تسليط الضوء على ذلك، سنحاول البحث في المنظمات الدولية (المطلب الأول)، ثم المنظمات الإقليمية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: المنظمات الدولية

من أبرز المنظمات الدولية والتي برزت في الساحة الدولية والتي أحدثت أرضية قانونية إن صح التعبير للتجارة الإلكترونية نجد لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي “الأونسترال” (الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى منظمة التجارة العالمية وغرفة التجارة الدولية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسترال)

بالرغم من إصدار اللجنة عقدا نموذجيا لاستخدام المعطيات الإلكترونية، فإنها كانت تعمل بشكل متواز، وفي ذات الوقت، على إيجاد قانون موحد بشأن التجارة الإلكترونية، وقد اتفق على أن يكون ذلك في صورة (قانون نموذجي)، وذلك لتهيئة مجموعة شاملة من القواعد التي تنظم جميع جوانب التجارة الإلكترونية، وتعديل القواعد الإلكترونية القائمة التي تشكل عقبة أمام إستخدام وسائط غير ورقية للإتصال والإبلاغ وتخزين المعلومات.

وفعلا كرست اللجنة جهودها بهذا الإتجاه طيلة الدورات من الخامسة والعشرين إلى التاسعة والعشرين. وأقر مشروع قانون بهذا الشأن من قبل الفريق المكلف بذلك واعتمدته اللجنة ابان دورتها الثامنة والعشرين عام 1995 وكان يتضمن المواد من (1-11)، ومن ثم تم اعتماد ما تبقى من المواد في الدورة التاسعة والعشرين في العام 1996 مع دليله التشريعي، هكذا توجت هذه اللجنة أعمالها وجهودها بإصدار القانون النموذجي في مجال التجارة الإلكترونية، والذي سمي بشكل نهائي ب “قانون الأونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية”، والذي تم اعتماده في 16/12/1996 وذلك بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم (51/162) في 16/12/1996.

وقد تضمن هذا القانون النموذجي جزأين من الأحكام القانونية موزعة على 17 مادة فضلا عن الدليل التشريعي لهذا القانون والذي أعدته الأمانة العامة للجنة الأونسترال. ويتضمن الجزء الأول 15 مادة موزعة على فصول ثلاثة الأول خصص للأحكام العامة والثاني سمي ب (تطبيق الإشتراطات القانونية على رسائل البيانات) والثالث بعنوان (إبلاغ رسائل البيانات).

وقد نصت المادة الأولى من هذا القانون والمخصصة لتحديد نطاق تطبيقه على أن يطبق على أي نوع من المعلومات يكون في شكل رسالة بيانات مستخدمة في سياق أنشطة تجارية وقد تضمنت هذه المادة حواش أربعة لتوضيح منطوق النص الوارد فيها. فقد أشارت الحاشية الأولى إلى أن هذا القانون من حيث المبدأ ينطبق على كلا الإستعمالين الدولي والمحلي لرسائل البيانات، ويجوز يقييد ذلك في النطاق الدولي فقط، أما الحاشية الثانية فتشير إلى أن هذا القانون لا يمنع تطبيق أية قواعد قانونية تستهدف حماية المستهلك، مع ترك أمر حماية المستهلك إلى تشريعات كل دولة، أما الحاشية الثالثة فتشير إلى إمكانية تطبيق هذا القانون خارج نطاق المجال التجاري، وهذا يكون مفيدا للبلدان التي ليست لديها مجموعة من القوانين التجارية المستقلة، وأخيرا فإن الحاشية الرابعة تتعلق ببيان المقصود بمصطلح (الأنشطة التجارية) الواردة في متن المادة، وتؤكد أنه ينبغي تفسير هذا المصطلح تفسيرا واسعا بحيث يشمل جميع المسائل ذات الطابع التجاري سواء أكانت تعاقدية أم غير تعاقدية، وقد أشارت هذه الحاشية إلى بعض هذه الأعمال أو الأنشطة التي تعد تجارية على سبيل المثال.

أما الجزء الثاني من هذا القانون فقد جاء تحت عنوان “التجارة الإلكترونية في مجالات متعددة” وتتضمن فصلا واحدا عنوانه “نقل البضائع” يتكون من مادتين. ومما يلاحظ على هذا الجزء أنه يوحي إلى إمكانية إضافة مجالات أخرى، ونصوص أخرى إلى هذا الجزء، ومما يؤكد ذلك أنه تضمن فصلا واحدا سمي بالأول مما يعني إمكانية إستحداث فصلا ثانيا وثالثا… وهكذا.

وكما سبقت الإشارة، فقد اشفع هذا القانون بدليل سمي “دليل تشريع قانون الأونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية 1996” وذلك لمساعدة الدول في سن هذا القانون وتطبيقه، وذكر أيضا أن هذا الدليل الذي يستمد في الجانب الأكبر منه من الأعمال التحضيرية لمشروع القانون يمكن أن يفيد أيضا مستعملي التبادل الإلكتروني للبيانات والباحثين في هذا المجال، مما أتاح للفريق العامل الذي تولى صياغة القانون عدم حسم عدد المسائل في متن القانون وإنما أودعت في الدليل لغرض إرشاد الدول. مما يجعله مكتملا للقانون النموذجي.

وقد حقق هذا القانون النموذجي نجاحا كبيرا لاستخدامه والإسترشاد به في غالبية الدول التي سنت قوانين بشأن التجارة الإلكترونية [8].

الفقرة الثانية: منظمة التجارة العالمية وغرفة التجارة الدولية

سنتطرق في بادئ الأمر إلى منظمة التجارة العالمية (أولا)، ثم غرفة التجارة الدولية (ثانيا).

أولا : منظمة التجارة العالمية

      تعتبر هذه المنظمة حديثة النشأة – كمنظمة – وتظم الآن دول عديدة ومختلفة تشكل النسبة الأكبر لاقتصاد العالم[9]. أما بصدد جهودها في مجال التجارة الإلكترونية، فقد صدرت عن هذه المنظمة في العام 1998 دراسة خاصة حول التجارة الإلكترونية ودور المنظمة في هذا الميدان، وتناولت هذه الدراسة التي جاءت تحت عنوان (التجارة الإلكترونية ودور منظمة التجارة العالمية) آليات التجارة الإلكترونية باستخدام الأنترنيت.

وفي إطار جهود هذه المنظمة في دعم التجارة الإلكترونية، فقد تبنت اتفاقية خاصة بتقنية المعلومات والتجارة في منتجاتها والتي تهدف إلى إزالة مجموعة من الرسوم الجمركية من عدد كبير من هذه المنتجات – أو الأجهزة – وتعتبر هذه المنتجات هي البنية الأساسية للتجارة الإلكترونية، كما وجهت المنظمة توصية إلى الحكومات بتسهيل النفاذ إلى الأسواق الدولية المفتوحة والذي يعتبر ضروريا لتحقيق المنافع المرجوة التجارة الإلكترونية.

ودعت هذه المنظمة إلى العناية والإهتمام بتأثير تقنيات شبكات المعلومات على بعض حقوق الملكية الفكرية (كحق الطبع) الذي قد يتعرض للإعتداء والسرقة وذلك لسهولة وانخفاظ تكلفة عمليات الإستنساخ عبر الشبكة، وكذلك الإهتمام بحماية العلامة التجارية على شبكات المعلومات.

  ثانيا : غرفة التجارة الدولية

تعد غرفة التجارة الدولية، ومقرها باريس منظمة عالمية ذات طابع مهني ومتخصصة في الشؤون التجارية، وتتصدى لمهمتين أساسيتين إحداهما: وضع وصياغة قواعد قانونية موحدة في الميدان التجاري، من خلال نشراتها، والأخرى: القيام بفض المنازعات التجارية الدولية عن طريق التحكيم، إذا تضم هذه الغرفة محكمة للتحكيم تضم 63 عضوا.

ومن الطبيعي أن تكون لها إسهامات في تطوير القواعد المنظمة للتجارة الإلكترونية، ومن أهم أعمالها في هذا المجال، فضلا عن إقرارها للقواعد التي وضعتها (الأونسترال)، انها كونت في عام 1990 مجموعة عمل تختص ببحث الجوانب القانونية والتجارية لتبادل البيانات الإلكترونية، وكان من مهام هذه المجموعة متابعة الأعمال التي قامت بها المنظمات الدولية الأخرى في ذات الإتجاه، لكي تقدم في النهاية وضعا أو موقفا عاما ومشتركا للمنظمات الحكومية والمنظمات (القطاع الخاص) ذات الصلة.

مقال قد يهمك :   جـــــــــواز التــلقيـــــح بين المقتضيات التنظيمية والزجرية

وفيما بعد قامت غرفة التجارة، وتحت تسمية (EIOO) بتطوير مشروعين مهمين في مجال التجارة الإلكترونية، الأول: يهدف إلى معالجة وتوحيد المفردات والمصطلحات المستخدمة في التجارة الإلكترونية، والثاني: فيهدف إلى إعداد قواعد موحدة حول الممارسات المتعلقة بالتصديق والتوثيق والإثبات الإلكتروني[10].

المطلب الثاني: المنظمات الإقليمية (المنظمات الأوروبية)

      إن القوانين الدولية التي اهتمت بالتجارة الإلكترونية إبتدأت بتوجيهات مجلس دول أوروبا المؤرخة في 11 دجنبر 1981 والتي تهدف إلى دفع الدول إلى توحيد قوانينها، لاسيما في اتجاه إعتماد وسائل الإثبات المعلوماتي والإعتراف بحجية التسجيلات[11].       

وتعد الجهود التي تبذلها المنظمات الأوروبية هي الأبرز في هذا المجال، فظلا عن ريادتها في هذا المضمار. إذ يعتبر المجلس الأوروبي من أولى الهيئات الدولية التي بحثت في مسألة قبول المستندات المأخوذة من الحواسيب الآلية في الإثبات، فقد تم ذلك من خلال دراسة اعدتها لجنة خبراء تابعة للمجلس، وبناء عليها توصلت لجنة الوزراء في المجلس عام 1981 إلى توصية دولية مهمة، موجهة إلى دول الأعضاء تتعلق بضرورة التنسيق بين تشريعاتها في مجال الإثبات (الكتابي)، ودعت إلى إعتماد النسخ والتسجيلات المعلوماتية في الإثبات، وطلبت كذلك من الدول الأعضاء أن تحدد الكتب والوثائق والمستندات والبيانات التي يمكن تسجيلها على الحاسوب، ومن ثم إجراء عملية المراجعة عليها على الأقل كل خمس سنوات، ما عداها يكون إثباته بالكتابة. وسوف تقبل هذه الوثائق في الإثبات أمام المحاكم، ويفترض أن تكون مستنسخة وتمثل تسجيل سليمة وكاملة للمستند الأصلي والمعلومات التي يتضمنها ما لم يثبت العكس. وكانت قد دعت هذه التوصية الدول أن تحدد فترة زمنية لا تتجاوز العشر سنوات كمهلة للإحتفاظ الإجباري بالكتب والمستندات والوثائق.

إن هذه التوصية تعتبر رائدة، ولها أهمية بالنسبة للمؤسسات، وخاصة ذات النشاط الدولي، باعتبارها تعترف بالقيمة القانونية للتسجيلات المعلوماتية كإثبات المعاملات التجارية، وتطالب بالتوفيق والتنسيق بين الدول الأعضاء. غير أن هذه التوصية لم يتبعها أي تدبير تشريعي على مستوى الدول ويرجع ذلك على رأي البعض، إلى أنها كانت توصية مبكرة نسبيا باعتبارها أن ظاهرة استخدام الحاسوب والمعلومات المستخرجة منه في التجارة كانت لا تزال في التكوين ولم تتبلور بشكل نهائي بعد.

وفي إطار الجماعات الإقتصادية، تم وضع برنامج عمل اطلق عليه (انظمة التبادل في المعلومات الخاصة بالتجارة الإلكترونية) ويعرف ب (TEDIS)[12]، وذلك بناء على قرار من مجلس الجماعات الأوروبية في العام 1987، وقد قد تم إنجازه على مرحلتين الأولى من عام 1988 إلى 1989 وتبعتها مرحلة ثانية تم البدء بتنفيذها في العام 1991، وانتهى البرنامج في العام 1994، وكان يهدف إلى ضمان بدء إنشاء أنظمة وقواعد التبادل الإلكتروني للبيانات في المجموعة الأوروبية بشكل أفضل. وعلى المستوى القانوني فقد كانت هناك حوالي ثمانية أعمال فيما يخص التجارة الإلكترونية.

هذا وقد أظهرت التقارير والدراسات التي تمت من قبل الدول والجماعات الأوروبية آنذاك، أن هناك ثلاثة صعوبات قانونية رئيسية في مجال التبادل الإلكتروني للبيانات وهي: مدى صلاحية وامكانية قبول المستندات الإلكترونية غير المادية، ومدى حجية هذه المستندات، ومسألة تكوين وابرام العقود الإلكترونية.

وضمن هذا التوجه فقد أصدر المجلس الأوروبي في 19 تشرين الأول عام 1994 توصية تدعو الممثلين الإقتصاديين والمنظمات التي تستفيد من تبادل البيانات الإلكترونية إلى إستخدام نموذج العقد الذي تم نشره من قبل المجلس، كما تضمت التوصية هذه شرح وتفسير لبعض المفردات، إضافة إلى تضمنها لبعض الفقرات التي يستوجب إكمالها من قبل أطراف عقد التبادل الإلكتروني للبيانات، وتعتبر هذه التوصية موجهة إلى مجموعة من الدول من أجل تسهيل التبادل الإلكتروني للبيانات التجارية [13].

 المبحث الثاني: القوانين المنظمة للتجارة الإلكترونية في التشريع المغربي  

ساهم الإنتشار السريع لإستعمال وسائل الإتصال الحديثة في التأثير على المنظومة القانونية من خلال ظهور مفاهيم جديدة وعلى رأسها مفهوم التجارة الإلكترونية، الذي فرض نفسه بين المصطلحات القانونية.

ذلك أنه يقوم على أساس عرض البضائع والخدمات والقيام بإجراءات البيع والشراء من خلال شبكة الأنترنيت، وظهرت المحلات التجارية الإفتراضية مرفوقة بأنشطة التزويد والخدمات المالية والبنكية الإلكترونية، بل تطور الأمر إلى تدفق المعلومات وبيعها وشرائها، وزاحمت في ذلك العمليات التقليدية التعاقدية (البيع والشراء)[14].

والمغرب بدوره واكب هذه التطورات عن طريق توفير ترسانة قانونية ملائمة لعصر ثورة المعلومات تمثلت في صدور قانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية (المطلب الأول) بالإضافة إلى قوانين الأخرى وبعض القرارات الوزارية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: القانون 53.05 المنظم للتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية

لقد أظهر المشرع المغربي إصرار نحو تبني إسترتيجية سليمة في التعامل مع تحديات القانون في عصر التقنية، وقد صدر عنه مجموعة من التشريعات ذات الصلة الوثيقة بالمعاملات الإلكترونية[15]، من أهمها القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.

يتكون هذا القانون من 43 مادة، ولذلك فالتطرق لمضمون القانون أعلاه يقتضي منا تناول المحررات المعدة بشكل إلكتروني أو الموجهة بطريقة إلكترونية (الفقرة الأولى)، على أساس تبيان النظام القانوني المطبق على التوقيع الإلكتروني المؤمن، والتشفير، والمصادقة الإلكترونية(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المحررات المعدة بشكل إلكتروني أو الموجهة بطريقة إلكترونية

لقد نصت المادة الأولى من القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية على أنه “يحدد هذا القانون النظام المطبق على المعطيات القانونية التي يتم تبادلها بطريقة إلكترونية وعلى المعادلة بين الوثائق المحررة على الورق، وتلك المعدة على دعامة إلكترونية، وعلى التوقيع الإلكتروني.

كما يحدد الإطار القانوني المطبق على العمليات المنجزة من قبل مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية وكذا القواعد الواجب التقيد بها من لدن مقدمي الخدمة المذكورين ومن لدن الحاصلين على الشهادات الإلكترونية المسلمة”.

إن من أهم المقتضيات التي جاء بها القانون 53.05 هو توفير إطار قانوني لتبادل المعطيات بشكل إلكتروني، حيث تم إحداثه نتيجة التطور الذي عرفته وسائل الإتصال الحديثة، وخاصة الأنترنيت الذي يعد اليوم أهم وسيلة إتصال إلكترونية جد متطورة يمكن بواسطتها إرسال عدد من المعطيات والبيانات والصور والأرقام وتبادل المعطيات دون تدوينها على الورق وقد وجدت هذه الوسيلة الحديثة في الإتصال مجالها الخصب في التبادل التجاري وفي التعاقد بالبيع والشراء وتحويل الأموال بالإضافة إلى الأنترنيت إذ أصبح بالإمكان الإستغناء عن الورق واللجوء إلى التوثيق الإلكتروني أي توثيق وكتابة الرسائل والبيانات والخطابات على حوامل إلكترونية[16].

وما يهمنا في هذه الفقرة هو تحديد الإيجاب الإلكتروني أو العرض (أولا)، ثم إلى إبرام العقد الإلكتروني (ثانيا)، على أساس التطرق إلى الإثبات في المحررات الإلكترونية (ثالثا).

      أولا: العرض أو الإيجاب الإلكتروني

أطلقت معظم القوانين على الإيجاب إسم “العرض” وهو مصطلح إقتصادي يقابله مفهوم “الطلب” واشترطت في هذا العرض أن يأتي باتا وواضحا ومتضمنا العناصر الجوهرية لعقد البيع حتى نكون بصدد عقد بيع عبر الأنترنيت وإلا فإنه ليس إلا دعوة إلى التعاقد.

وعلى خلاف العرض الموجه إلى شخص محدد أثارت مسألة العرض الموجه إلى الجمهور إختلافا فقهيا فيما إذا كان إيجابا أم مجرد دعوة للتعاقد، كما تم التأكيد على أن تكون مجموعة البيانات المطروحة عبر الأنترنيت كاشفة عن طبيعته وصحيحة وواضحة ليستطيع المستهلك التعامل معها بسهولة ويستند أصحاب هذا الإتجاه على المقتضيات التي جاءت بها إتفاقية الأمم المتحدة (14/2) التي نصت على: “إن العرض الذي يوجه إلى شخص أو أشخاص غير معنيين لا يعتبر إلا دعوة إلى الإيجاب ما لم يكن الشخص الذي صدر عنه العرض قد أبان بوضوح عن إتجاه قصد إلى خلاف ذلك”.

وبما ورد في العقد النموذجي المقترح من لجنة اليونسترال في الفقرة 1-2-3 بقولها: “لا يعتبر إيجابا الرسالة المتاحة إلكترونيا ما لم يشر إلى غير ذلك”[17].

ونظرا لطبيعة التجارة الإلكترونية والفضاء الإلكتروني الذي تتم من خلاله، مع إدراجه من الناحية التشريعية ضمن طائفة العقود التي تبرم عن بعد، فإن الإيجاب يجب أن يتم تعريفه ضمن هذه الخاصية.

ومن هذه التعريفات ما جاء به التوجه الأوروبي الخاص بحماية المستهلكين، حيث عرف الإيجاب بأنه “كل إتصال عن بعد يتضمن كل العناصر اللازمة، بحيث يستطيع المرسل إليه من أن يقبل التعاقد مباشرة، ويستبعد من هذا النطاق مجرد الإعلان”[18].

وحتى يكون الإيجاب صحيحا من الناحية القانونية فقد ألزم المشرع المغربي الموجب أن يوضح للمستهلك الذي سيتم التعاقد معه من خلال الفصل 65-4 من ق ل ع مجموعة من البيانات لتبصيره بخصوص السلعة أو الخدمات المراد التعاقد بشانها.

وتجدر الإشارة ان الموجب يبقى ملتزما بإيجابه خلال المدة المحددة في الإيجاب، وفي حالة عدم تحديدها يظل ملتزما بإيجابه ما دام أن ولوج العرض متيسرا بطريقة إلكترونية بفعل الموجب نفسه وهذا ما تمت الإشارة إليه في الفصل 65-4 من ق ل ع[19].

     ثانيا: القبول الإلكتروني

إذا كان القبول في العقد التقليدي يتم بشكل مباشر، ونهائي في مجلس العقد، أو بشكل غير مباشر، ونهائي عن طريق ما يعرف بمجلس العقد الحكمي، فإن الأمر خلاف ذلك كلما تحدثنا عن الإيجاب الإلكتروني بحيث لا يصبح نهائيا إلا إذا إستوفى مرحلتين إثنتين: الأولى يعبر فيها الزبون عن رغبته في التعاقد، والثانية يؤكد فيها هذا الأخير الإذن الصادر عنه بعد تحققه من ثلاثة أمور رئيسية[20] ويتعلق الأمرب:

1 – تفاصيل إذنه

2 – السعر الإجمالي

3 – الأخطاء المحتملة[21].

ولكي ينعقد العقد بطريقة إلكترونية صحيحة لا يكفي الإعلان عن القبول وإنما لا بد من تصديره وهذا ما أشار إليه الفصل 65-5 من قانون المعطيات القانونية 53.05 أي إرساله إلى الموجب وذلك عن طريق تأكيد الموجب للأمر بواسطة النقر مرة ثانية [22].

ثالثا: الإثبات في المحررات الإلكترونية

نص المشرع المغربي في المادة 417/1 من القانون 53.05 على أن المحرر الإلكتروني يقبل كحجة على غرار المحرر المنشأ على دعامة ورقية، وهو نفس الإتجاه الذي أخذ به القانون الفرنسي [23] والقانون النموذجي للتجارة الإلكترونية، من خلال ذلك يتضح أن المشرع المغربي قد أعاد تعريف الدليل الإلكتروني ولم يجعله مرتبطا بدعامته وجعله مستقلا عنها. ويسمح هذا القانون بإدماج الوثائق الإلكترونية كيفما كانت التكنولوجيا المستعملة، وهو ما يسمى بالحياد التكنولوجي، كما جعل قبول المحرر الإلكتروني كوسيلة إثبات خاضعا لشرطين، فمن جهة يجب التاكد من هوية الشخص الذي صدرت عنه، ومن جهة اخرى تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها ضمان تماميته [24].

مقال قد يهمك :   وثائق مهمة للتحميل حول ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير و الأجانب pdf

الفقرة الثانية : النظام القانوني المطبق على التوقيع الإلكتروني المؤمن والتشفير والمصادقة الإلكترونية

سنحاول من خلال هذه الفقرة التطرق لنظام التوقيع الإلكتروني والتشفير (أولا)، وخدمات المصادقة الإلكترونية (ثانيا)، للتعرف على موقف المشرع المغربي من هذه الأنظمة من خلال التنصيص عليها في القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.

      أولا: التوقيع الإلكتروني والتشفير

سنتطرق بداية بالتوقيع الإلكتروني ثم التشفير

    (أ) – التوقيع الإلكتروني :

بالرجوع إلى نص المادة الثانية في فقرتها الإولى من قانون الأونسترال النموذجي للتوقيعات الإلكترونية الصادر عن الأمم المتحدة[25] نجدها تعرف التوقيع الإلكتروني بأنه “البيانات الإلكترونية الموجودة في رسائل البيانات والمرتبطة منطقيا بها والتي تستخدم للتحقق من شخصية الموقع في إطار هذه الرسائل وتشير إلى قبوله المعلومات التي تتضمنها”.

وقد سارت التشريعات الوطنية المنظمة للتوقيع الإلكتروني على نهج قانون الأمم المتحدة في تعريف التوقيع الإلكتروني، سيما وأن مدلول التعريف يترتب عليه آثار قانونية محددة حسب التشريع الوطني وإن كان ليس بالضرورة أن تتوحد هذه التعريفات بين بلدان العالم، وهي مسألة نبه إليها القانون النموذجي المشار إليه أعلاه حيث لم يرتب آثار قانونية على التفرقة بين تقنية وأخرى أو بين شكل وآخر من أشكال التوقيع الإلكتروني وإنما العبرة بتوافر شروط الثقة أو المصداقية في ذلك التوقيع على نحو يوفر حجية تماما مثل حجية التوقيع الكتابي.

ومما تجدر الإشارة إليه أن تعريف التوقيع الإلكتروني في التشريعات الوطنية المنظمة له والمنظمة للتجارة الإلكترونية واحد تقريبا مع اختلاف الألفاظ لكن مع وحدة المضمون، فقد اختلفت الأساليب، التي يتم وضعها للتعريف دون أي تغيير في مضمونه ذاته وهو ما يعني أن التوقيع الإلكتروني لم ينم الإختلاف على تعريفه في جميع التشريعات لتنظيمه وتقنينه.

فعلى سبيل المثال جاء تعريف التوقيع الإلكتروني في المادة 1316 في فقرتها الرابعة من القانون المدني الفرنسي المعدل بقانون رقم 2000- 230 بتاريخ 13 مارس 2000 المتعلق بالإثبات بأنه “التوقيع ضروري لاكتمال التصرف القانوني الذي يجب أن يميز هوية صاحبه كما يعبر عن رضى الأطراف بالإلتزامات الناشئه عنه … وإذا ما تم التوقيع في شكل إلكتروني وجب إستخدام طريقة موثوق بها لتمييز هوية صاحبه واتجاه إرادته للإلتزام بالعمل القانوني المقصود” [26].

أما بخصوص المشرع المغربي رغم إدخاله التعديلات الجديدة على ق ل ع وخصوصا قواعد الإثبات، إلا أنه لم يقم بتعريف التوقيع الإلكتروني مكتفيا بذكر شروط التوقيع العادي[27] والتوقيع الإلكتروني [28] والتوقيع الإلكتروني المؤمن [29].

  (ب) – التشفير

هو عملية التغيير في البيانات بحيث لا يستطيع قراءتها سوى الشخص المستقبل وحده باستخدام مفتاح فك التشفير من هنا تظهر العلاقة بين التوقيع الرقمي والتشفير فالتوقيع الرقمي هو ختم رقمي مشفر يتضمن عدم تعرض الرسالة للتعديل والإختراق وتستخدم التوقيعات الإلكترونية ما يعرف بنظام شفرة المفتاح الشفري العام والذي يستخدم منهجا معينا مستعينا بمفتاحين مختلفين ولكنهما مترابطان حسابيا واحدا لتحويل البيانات إلى أشكال تبدو وكأنها لا يمكن فهمها والمفتاح الآخر للتثبت من صحة التوقيع الإلكتروني ولإعادة الرسالة إلى شكلها الأصلي وهو ما يسمى بنظام التشفير اللاتماثلي Asymmetric.

ولم يعرف المشرع المغربي التشفير ولكن تحدث عن وضائفه ووسائله وعرف خدمته تعريفا موجزا في المادة 12 بقوله أنها عملية تهدف إلى إستخدام وسائل التشفير لحساب الغير فهي خدمة تقدمها بحجة معينة حددها القانون لفائدة جهة أخرى مستفيدة من تلك الخدمة[30].

ثانيا: المصادقة الإلكترونية

تعتبر مرحلة التصديق على التوقيع الإلكتروني أهم مرحلة في إبرام العقد الإلكتروني على إعتبار أن لها دور في إثبات إنعقاد العقد، والتأكد من صحة ما ورد به من بيانات[31]. وقد حدد القانون 53.05 جهات المصادقة الإلكترونية في المادة 15 حيث نص على أنه: “يعهد إلى السلطة الوطنية المكلفة باعتماد ومراقبة المصادقة الإلكترونية المسماة بعده السلطة الوطنية …”.

المطلب الثاني: إدماج التجارة الإلكترونية في بعض القوانين والقرارات الوزارية

نظرا للطبيعة المعقدة للعقد الإلكتروني، فإن المشرع وضع مقتضيات وآليات قانونية ملائمة لهذه الطبيعة[32]، حيث إضافة إلى القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية والمنظم في بعض جوانبه للتجارة الإلكترونية نجد بأن المشرع المغربي عمل أيضا على تنظيم هذه الأخيرة في قوانين أخرى تحقق هذه الغاية (الفقرة الأولى)، وذلك بالإضافة إلى بعض القرارت الوزارية تم إصدراها في هذا الشأن (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : القوانين الأخرى المنظمة للتجارة الإلكترونية

لقد سعى المشرع المغربي من خلال بعض التشريعات أن يبرهن بالملموس أنه مصر على الإنتقال من مرحلة التعامل الورقي إلى مرحلة التعامل الإلكتروني وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرص المشرع على تهيئة بيئة قانونية ملائمة للتطورات التقنية في المعاملات الإلكترونية[33].

ومن قبيل هذه التشريعات نجد قانون حماية المستهلك 31.08، والقانون 07.03 المتعلق بالإخلال بنظم سير المعالجة الآلية للمعطيات، والقانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين إتجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، بالإضافة إلى مدونة الجمارك، والقانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، والقانون الجنائي.

أولا : قانون حماية المستهلك 31.08

نظرا للمخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها العملية الإستهلاكية في جميع مراحلها لوقاية المستهلك من مخاطر ما يقتنيه من سلع وخدمات ولوقايته من شر الوقوع ضحية لنزعته الإستهلاكية، لذلك وجب على القانون أن يتعرض لحماية المستهلك في العاملات الإلكترونية لإستخراج الآليات اللازمة لإعادة التوازن في العلاقات الإستهلاكية بما يرفع الضرر والخطر عن المستهلك، مما يستدعي توحيد النظام القانوني الدولي بهدف التنسيق بين المراكز القانونية للمتعاقدين واتساع نطاق الحماية القانونية للمستهلك[34]. وهذا ما تاتى من خلال تدخل المشرع المغربي عبر قانون 31.08 وسن مجوعة من النصوص القانونية المنظمة للتجارة الإلكترونية، والتي تهدف أساسا إلى حماية المتعاقد إلكترونيا[35].

      ثانيا: القانون رقم 07.03 والقانون 09.08

(1) – القانون 07.03 المتعلق بالإخلال بنظم سير المعالجة الآلية للمعطيات :

إن ظهور الجريمة المعلوماتية لبرامج الحاسوب جعل القضاء في غياب أي تشريع خاص محاولة تطويع قواعد القانون الجنائي التقليدي الشيء الذي أثار جدل من حيث إختلاف الآراء فقها وقضاء بين مؤيد ومعارض فخرج للوجود قانون 07.03، وبموجبه عاقب المشرع المغربي في الفصل 607.3 كل من دخل إلى مجموعة أو بعض نظم المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الإحتيال تماشيا مع التوجه الفرنسي من خلال المادة 323 الفقرة الأولى منه، خلافا للمشرع الأمريكي والإنجليزي اللذان إعتبرا جرما من دخل نظام المعالجة بطريقة غير مشروعة حيث ربط الدخول بسوء نية المقترف.

وشدد العقوبة أكثر من خلال الفصل 607.6 كل من أخذ معطيات في نظام المعالجة الآلية للمعطيات أو أتلفها أو حذفها منه او غير المعطيات المدرجة فيه أو غير طريقة إرسالها عن طريق الإحتيال.

وعلى كل يجب تأمين البيانات والمعلومات الشخصية عند الإتصال فيما بين أطراف العلاقة التعاقدية وعدم السماح للأخرين بالإطلاع عليها. وإن تردد العملاء في إستخدام شبكة الأنترنيت قد يؤثر سلبا على التجارة الإلكترونية بسبب عدم توفر الأمان في تداول البيانات بدرجة كافية. وفي هذا الصدد جاء في حكم قضائي جنحي إبتدائي تلبسي (إبتدائية مراكش حكم غير منشور) عدد 3221 بتاريخ 15/11/2005 “وحيث أخفى الظنين ملفا به وثائق مزورة عند المسمى (ل.ذ) دون أن يطلع على فحواها وأضاف أنه تعرف على الأجنبية عن طريق الأنترنيت وصار يلتقي بها ووعدها أنه سيبحث لها عن شغل بثمن باهض بإحدى الشركات التي يديرها، ويقوم باستنساخ بعض الوثائق الخاصة بالشركة التي يعمل بها باسمه ولصالحه تستعمل في عملية التزوير كما قام بتزوير شواهد البكالوريا وشواهد جامعية في إسمه الحقيقي وإستعملها في ملفاته الطبية. وحيث أنه قام يتزوير بطاقة تعريف وطنية ووضع بها صورته واستعملها في فتح حسابات بنكية واخرط بها بإتصالات المغرب وميديتل الشيء الذي أوقع الشركة في الخطأ أضرت بمصالحها المالية”[36].

(ب) – القانون 09.08 :

أما القانون 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين إتجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، يثير مجموعة من الإشكالات خاصة تلك المتعلقة بحماية المتعاقد إلكترونيا من الإطلاع على بياناته الإسمية، أو الشخصية التي يقدمها قبل أو أثناء عملية التعاقد، وقد سار المشرع المغربي مع التوجه التشريعي للعديد من الدول التي تهدف إلى تحقيق حماية فعالة للبيانات الشخصية، وتبدوا أهمية هذا القانون – 08.09 – في كونه سيساهم بقوة في تقوية ثقة المتعاقد المغربي في المعاملات الإلكترونية، وسيشكل هذا التشريع أداة هامة لحماية الحياة الخاصة والبيانات الشخصية للمواطن المغربي خصوصا في مجال المعلومات[37].

ثالثا: مدونة الجمارك

من خلال ما ورد بالفصل الأول [38] من مدونة الجمارك حاول المشرع المغربي أن يعطي للوثيقة أو المحرر مفهوما يتناسب مع المجتمع الرقمي. ويظهر من خلاله أن المشرع كرس مفهوما جديدا يستجيب للمتطلبات الراهنة وفي هذا الإطار جاء الفصل 203 من نفس القانون[39] ينظم طريقة إيداع التصاريح وأوراق الطريق والإبراءات المكفولة والأوراق المتعلقة بها بكيفية إلكترونية و معلوماتية [40].

الفقرة الثانية: على مستوى بعض القرارات الوزارية

من خلال ھذه الفقرة سنتطرق لبعض القرارات الوزارية التي جاءت مواكبة لنظام التجارة الإلكترونية ومن بينها نجد قرار لوزير الإقتصاد والمالية والمحدد لشروط مسطرة الإقرار، والأداء الإلكتروني للظريبة على الشركات (أولا)، بالإضافة إلى قرار وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيا الحديثة الذي يتعلق باعتماد الأشخاص الذين لا يتوفرون على الإعتماد بصفتهم مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية، والذين يرغبون في توريد خدمات التشفير الخاضعة للترخيص (ثانيا).

      أولا: قرار وزير الإقتصاد والمالية رقم 1214.08

صدر هذا القرار في 13 رجب 1429 موافق ل 17 يوليوز 2008، والمحدد لشروط مسطرة الإقرار، والأداء الإلكتروني للظريبة على الشركات، فمن خلال هذا القرار يتضح بأن الخاضع للضريبة يمكن له إيداع الإقرارات، والأداءات المنصوص عليها في الضريبة على الشركات لدى مديرية الضرائب بطريقة إلكترونية، وذلك عن طريق تقديم طلب الإنخراط في الخدمة الإلكترونية للإقرار، والأداء الإلكتروني لدى إحدى المؤسسات البنكية التي أبرمت إتفاقية لهذا الغرض مع مديرية الضرائب. حيث تصدر هذه الأخيرة شهادات إلكترونية للإقرار، والأداء والتي يجب أن تحمل توقيعا إلكترونيا يقوم به الخاضع للضريبة، وعند توصل هؤلاء بوصولات، وإشعارات عليهم القايم بالإقرارات، وأداءات داخل الأجل النصوص عليه في القانون، وإذا تعذر الولوج داخل الأجل توجب عليهم القيام بواجباتهم الضريبية بالوسائل المعتادة [41].

مقال قد يهمك :   قراءة في النظام القانوني لقضاة المحاكم المالية، أية خصوصية ؟

ثانيا: قرار لوزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيا الحديثة

هذا القرار صدر في 5 ربيع الثاني 1431 الموافق ل 22 مارس 2010 يتعلق باعتماد الأشخاص الذين لا يتوفرون على الإعتماد بصفتهم مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية، والذين يرغبون في توريد خدمات التشفير الخاضعة للترخيص، فمن خلال إطلاعنا على هذا القرار يتبين لنا أن التشفير يهدف بالخصوص إلى ضمان سلامة تبادل المعطيات الثقانونية بطريقة إلكترونية، أو تخزينها بكيفية تمكن من ضمان سريتها، ومصداقيتها، ومراقبة تماميتها[42].

خاتمة :

      بموجب هذه الدراسة السطحية للنظام القانوني للتجارة الإلكترونية يتبين لنا أن هذا الموضوع يعرف اشكالات عديدة ومتشعبة سواء على المستوى النظري أو التطبيقي بالخصوص لا سيما أنه يعد من مواضيع الساعة التي تسعى مجمل التشريعات على مواكبة التطورات التي تعرفها لتحقيق الأمن القانوني عموما والأمن التعاقدي خصوصا وتحقيق ما يسمى ب “الحكومة الإلكترونية” وكذا الإنفتاح على التجارة العالمية الإلكترونية.

ومن الإشكالات التي تطرح نفسها والتي واكبناها من خلال هذه الدراسة نجد إشكال تنازع القوانين في التجارة الإلكترونية ولما يعرفه هذا الموضوع بالخصوص من إشكالات سواء على مستوى معرفة القانون الواجب التطبيق في المنازعات التي تنشئ عن العقد الإلكتروني والتي قد تتصل بإبرام العقد أو تنفيذه أو تفسيره، أو على مستوى المعاملات الإلكترونية بصفة عامة في الساحة الدولية.

كما نجد أيضا إشكالات على مستوى تحديد طبيعة العقد الإلكتروني، والتوقيع الإلكتروني، وحجية الوثائق الإلكترونية في الإثبات…،

كلها مواضيع تحتاج لدراسة دقيقة عن طريق التعمق في خصوصيات التجارة الإلكترونية ومحاولة إيجاد مقاربة قانونية للإشكالات التي تطرحها لتحقيق الغاية المرجوة والمتمثلة في تحقيق التوازن القانوني بين مختلف الجهات المتدخلة في التجارة الإلكترونية بشكل عام.


المراجع المعتمدة

 1 – المؤلفات :

  • عبد الرحيم بحار – القضاء التجاري والمنازعات التجارية – مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء – الطبعة الأولى 2014.
  • محمد إبراهيم أبو الهيجاء – عقود التجارة الإلكترونية – الطبعة الثانية 2011.
  • إدريس النوازلي – حماية عقود التجارة الإلكترونية في القانون المغربي – مطبعة الداوديات – مراكش – الطبعة الأولى 2010.
  • ضياء علي أحمد نعمان – المسؤولية المدنية الناتجة عن الوفاء الإلكتروني بالبطائق البنكية – مطبعة الداوديات – مراكش – الطبعة الأولى 2010.
  • العربي جنان – التعاقد الإلكتروني في القانون المغربي (دراسة مقارنة) – مطبعة الداوديات – مراكش – الطبعة الأولى 2010.
  • هادي مسلم يونس البشكاني – التنظيم القانوني للتجارة الإلكترونية – مطبعة دار الكتب القانونية – مصر.
  • جميلة العماري – الوجيز في عقد البيع – مطبعة السليكي أخوين – طنجة – طبعة 2013

 2 – المقالات والمجلات :

  • نور الدين الرحالي – برامج الحاسوب: على ضوء التداخل الحاصل بين الملكية الصناعية والملكية الأدبية – مقال منشور بمجلة القانون التجاري – العدد الأول – طبعة 2014.
  • محمد لمسلك – القانون الواجب التطبيق على منازعات التجارة الإلكترونية – مقال منشور بمجلة القضاء التجاري – العدد الثالث – طبعة 2014.
  • أحمد العبدوني – التجارة الإلكترونية في دول المغرب العربي (التطور القانوني والعوائق) – مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية – طبعة 2010.
  • هشام البخفاوي – تسوية المنازعات الإلكترونية – مقال منشور بمجلة المحاكمة – العدد الثالث – طبعة 2006.
  • مقال حول التنظيم القانوني للتجارة الإلكترونية بالمغرب – منشور على الرابط التالي : w.w.masterdroitfes.blogsport.com

3 – عروض :

  • زينب بنعومر – الحجية القانونية للمستندات الإلكترونية في التشريع المغربي – عرض في إطار التكوين المستمر بمحكمة الإستئناف التجارية بمراكش في 27 – 11 – 2010.

4 – رسائل وأطروحات :

  • محمد السعيد بوخليفي قويدر – النظام القانوني لعقود التجارة الإلكترونية – رسالة لنيل شهادة الماستر في الحقوق – تخصص قانون أعمال – السنة الجامعية 2015/2016.

 


الهوامش: 

[1]  – هشام البخفاوي – تسوية المنازعات الإلكترونية – مجلة المحاكمة – العدد 3 – مطبعة دار أبي رقراق – الرباط – طبعة 2006 – ص: 187.

[2]  – عبر الرحيم بحار – القضاء التجاري والنازعات التجارية – مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء – الطبعة الأولى 2014 – ص: 116.

[3]  – محمد لمسلك – القانون الواجب التطبيق على منازعات التجارة الإلكترونية – مجلة القضاء التجاري – العدد الثالث – طبعة 2014 – ص: 123.

[4]  – محمد سعيد بوخليفي قويدر – النظام القانوني لعقود التجارة الإلكترونية – رسالة لنيل شهادة الماستر – السنة الجامعية 2015/2016 – ص: 10.

[5]  – نفس المرجع – ص: 13.

[6]  – أحمد العبدوني – التجارة الإلكترونية في دول المغرب العربي – المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية – مطبعة دار النشر المغربية – طبعة 2010- ص: 126.

[7]  – هادي مسلم يونس البشكاني – التنظيم القانوني للتجارة الإلكترونية – مطبعة دار الكتب القانونية – مصر – ص: 71.

[8]  – هادي مسلم البشكاني – مرجع سابق – ص: 80.

[9]  – المغرب بدروه إنظم الى هذه المنظمة بالإضافة الى دول عربية أخرى مثل مصر والأردن ودول الخليج ما عدا العراق.

[10]  – هادي مسلم يونس البشكاني – مرجع سابق – ص: 85.

[11]  – العربي جنان – التعاقد الإلكتروني في القانون المغربي (دراسة مقارنة) – المطبعة الوطنية الوداديات – مراكش – الطبعة الأولى 2010 – ص: 41.

[12]  – وهي اختصار لعبارة “Trede Electronic Data Interchange Systems” .

[13]  – هادي مسلم يونس البشكاني – مرجع سابق – ص: 88.

[14]  – نور الدين الرحالي – برامج الحاسوب – على ضوء التداخل الحاصل بين الملكية الصناعية والملكية الأدبية – مجلة القانون التجاري – العدد الأول – مطبعة الأمنية – الرباط – طبعة 2014 – ص: 117.

[15]  – زينب بنعومر – الحجية القانونية للمستندات الإلكترونية في التشريع المغربي – عرض في إطار التكوين المستمر بمحكمة الإستئناف التجارية بمراكش في 27-1-2011 – ص: 5.

[16]  – عبد الرحيم بحار –مرجع سابق– ص: 115.

[17]  – جميلة العماري – الوجيز في عقد البيع – مطبعة السليكي أخوين – طنجة – طبعة 2013 – ص: 33.

[18]  – محمد ابراهيم أبو الهيجاء – عقود التجارة الإلكترونية – مطبعة دار الثقافة – طبعة2011 – ص: 81.

[19]  – جميلة العماري – مرجع سابق – ص: 35.

[20]  – وهذا ما تطرق إليه المشرع في المادة 65.5 في فقرتها الأولى: ” يشترط لصحة إبرام العقد أن يكون من أرسل العرض إليه قد تمكن من التحقق من تفاصيل الإذن الصادر عنه ومن السعر الإجمالي ومن تصحيح الأخطاء المحتملة، وذلك قبل تأكيد الإذن المذكور لأجل التعبير عن قبوله “.

[21]  – مقال منشور بموقع : w.w.w.masterdroitfes.blogspost.com      تاريخ الإطلاع عليه 6 – 11 – 2017 على الساعة 18:30 .

[22]  – جميلة العماري – مرجع سابق – ص: 37.

[23]  – المادة 1316/3 من القانون المدني الفرنسي.

[24]  – زينب بنعومر – مرجع سابق – ص: 7.

[25]  – صدر هذا القانون عن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي عام 2001 ويسمى قانون الأونسترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية.

[26]  – ضياء علي نعمان – المسؤولية المدنية الناتجة عن الوفاء الإلكتروني بالبطائق البنكية – مطبعة الداوديات – مراكش – الطبعة الأولى 2010 – ص: 78.

[27]  – أنظر الفقرة الأولى من الفصل 417/2 من ق ل ع والمتمم بموجب المادة 4 من القانون رقم 53.05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية.

[28]  – وذلك بموجب الفقرة الأخيرة من الفصل 417/2 من ق ل ع .

[29]  – بموجب نص الفصل 417/3 من ق ل ع، الفقرة الأخيرة من نص الفصل 426 من ق ل ع والمواد 6 الى 11 من القانون 53.05.

[30]  – زينب بنعومر – مرجع سابق – ص: 33.

[31]  – مقال مشار إليه سابقا حول التنظيم القانوني للتجارة الإلكترونية بالمغرب.

[32]  – أحمد العبدوني – مرجع سابق – ص: 131.

[33]  – زينب بنعومر – مرجع سابق – ص: 13.

[34]  – إدريس النوازلي – حماية عقود التجارة الإلكترونية في القانون المغربي – المطبعة والوراقة الوطنية – مراكش – الطبعة الأولى 2010 – ص: 55.

[35]  – مقال أشير إليه سابقا حول التنظيم القانوني للتجارة الإلكترونية بالمغرب على الرابط التالي: w.w.w.masterdroitfes.blogspost.com

[36]  – إدريس النوازلي – مرجع سابق – ص: 147.

[37]  – مقال أشير إليه سابقا حول التنظيم القانوني للتجارة الإلكترونية بالمغرب على الرابط التالي: w.w.w.masterdroitfes.blogspost.com

[38]  – ينص الفصل الأول من مدونة الجمارك ” يقصد في هذه المدونة و النصوص المتخذة لتطبيقها من : …… د : الوثيقة كل حامل يتضمن مجموعة من المعطيات أو المعلومات كيفما كانت نوعية الطريقة التقنية المستعملة مثل الورق و الاشرطة الممغنطة و الاسطوانات و الاسطوانات اللينة و الأفلام الدقيقة ”

[39]  – ينص الفصل 230 من مدونة الجمارك على أنه ” في مكاتب الجمرك المجهزة بالنظم المعلوماتية للاستخلاص الجمركي يباشر بطريقة إلكترونية أومعلوماتية طريقة إيداع التصاريح المفصلة و الموجزة و سندات الاعفاء مقابل كفالة و يمكن بإذن من الإدارة أن يباشر بطريقة معلوماتية أو إلكترونية إيداع الوثائق المرفقة بالتصريحات المفصلة و الموجزة و سندات الاعفاء مقابل كفالة ”

[40]  – زينب بنعومر – مرجع سابق – ص: 13.

[41]  – قرار لوزير الإقتصاد والمالية رقم 1214.08.

[42]  – مقال أشير إليه سابقا حول التنظيم القانوني للتجارة الإلكترونية بالمغرب.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)