ER-RAFIK Najoua: The Legal Challenges of the Digital Age: Cybersecurity and Implications for Economic Criminal Law

توفيق فاطمي: إصدار جديد يرصد دور الاجتهاد القضائي في تحقيق الأمن العقاري بالمغرب

إصلاح مدونة الأسرة والأسئلة الغائبة :  ماذا نصلح ؟ وكيف نصلح ؟

4 فبراير 2024 - 2:48 م في الواجهة , وجهة نظر
  • حجم الخط A+A-

ذ.حسن مالكي باحث في قانون الأسرة  جامعة محمد الخامس

ثمة سؤالين جوهرين بحاجة إلى إجابة شفافة عليهما من طرف المعنين بإصلاح مدونة الأسرة: هل اصلاح قانون الاسرة يجب أن ينصب على ما بعد تكوين الاسرة أم قبلها ؟ السؤال الثاني :هل اصلاح مدونة الاسرة هو اصلاح قانوني محض ؟ بمعنى أدق هل إيجاد قانون جيد للأسرة سيفضى بالضرورة إلى إقامة فضاء أسرى جيد يهنأ بالأمان والاستقرار ؟

السؤال الأول هو سؤال منهجي يجيب عن سؤال: ماذا نصلح ؟ والسؤال الثاني سؤال معرفي يجيب على  اليات اصلاح قانون  الاسرة ؟

السؤال الأول : ماذا نصلح ؟ اعتقد أن كل المبادرات التشريعية التي عرفها اصلاح نظام الاسرة بالمغرب بدءا من تاريخ اصدار اول نظام للأحوال الشخصية المغربي سنة 1957والتعديل الذي عرفه بتاريخ 1993 مرورا بإصدار مدونة الأسرة والتعديلات التي عرفتها كانت كلها تشرع للأسرة بعد تكوينها أي بعد انعقاد الزواج وولادة الأبناء وما يترتب عن ذلك من اثار قانونية ، فعلى  طول فصول مدونة الأسرة سنجد بأن المشرع يسعي إلى حماية مراكز قانونية قائمة: تحصين رضا الزوجين ، تحصين النسب ، تحصين وحماية الأطفال بعد الطلاق ، تحصين وحماية المرأة بعد الطلاق ….الخ  لكن المشرع وهو يقعد للقواعد المنظمة  للأسرة  هو يقعد وهو يضع نصب عينه ” حالة النزاع” فهو يفترض ما يمكن ان يقع من نزاعات او ما قد يقع من شنان بين الزوجين  مما أفرزته الممارسة العملية من نوازل هنا وهناك ويبحث عن إيجاد حلول تشريعية لها .

وبالتالي يمكن ان نقول أن المشرع في كل المحطات التشريعية التي عرفها اصلاح نظام الأحوال الشخصية المغربي كان يلعب دور الإطفائي   ، فكلما استجد مستجد ، وكلما تعالت الأصوات الحقوقية هنا او هناك من أجل اصلاح هذا البند او ذاك  إلا و وجدنا  المشرع يهرول من أجل إطفاء الحريق من خلال تعديل هذا الفصل او ذاك ( تزويج القاصرات ، مشكل تنفيد أحكام النفقة ، تعدد الزواجات ، الحضانة ، تقسيم الأموال المشتركة …وهلمجر) والحال أن المشرع ليس دوره ان يقوم بدور الإطفائي أو المنقذ   وإنما في مجال الاسرة على وجه التحديد يجب ان يقوم المشرع بدور ” المصلح” و “دور الواقي من المنازعات قبل وقوعها “

وهنا يمكن ان نعطي مثلا بسيطا للفهم ، ولو ان الأمر يتعلق بفارق في القياس لكن دواعي البسط النظري تستجويه ، ففي مجال صعوبات المقاولة  هناك مساطر وضعها المشرع في الكتاب الخامس من مدونة التجارة  سماها ب: مساطر الوقاية من الصعوبات وهي اليات تشريعية  تستعين بها أجهزة التسيير في المقاولة غايتها رفع الصعوبات  التي من شأنها الاخلال باستمرارية الاستغلال في المقاولة والحيلولة تبعا لذلك بينها وبين الوصول إلى حافة الخط الحمر وهو : التوقف عن الدفع .

ما ينطبق على المقاولة ينطبق أيضا على مجال الأسرة، فإذا كان المشرع في الكتاب الخامس قنن لمساطر للوقاية لتفادي وصول المقاولة إلى حافة ” التوقف عن الدفع ” مع ما يستتبع ذلك من إمكانية خضوعها للتصفية القضائية، فإن المشرع أولى به واحرى أن يسلك نفس المسلك مع ” الأسرة” من خلال التفكير في اليات تشريعية وقانونية دات طابع وقائي  تحول بين الأسرة و و وصولها  إلى حافة الخط الأحمر وهو : الطلاق ، لأن ما يستتبع الطلاق كله تكلفة غالية ترهن حاضر ومستقبل المجتمع برمته.

نقول بالضرورة التفكير في اليات تشريعية ذات طابع وقائي في مجال الأسرة أي قبل تشكيلها ، لأن   بوادر المشكل وبوادر حصول النزاع وبوادر وقوع عدم التوافق والانسجام بين زوجي المستقبل  تكون في الغالب الأعم  قائمة قبل بناء ” الاسرة” وقبل إبرام عقد الزواج  وهي كلها بوادر  يمكن تشخصيها علميا وبالتالي الوقاية منها والحيلولة دون تفجرها أثناء انشاء الأسرة وبالتبعية  تجنب التكلفة  الغالية التي كان يمكن أن يؤدي ثمنها الزوجين والأبناء والمجتمع برمته  ، والتقعيد لهذه الاليات التشريعية ذات الطابع الوقائي  ستجنب المشرع ومعه القضاء من الدخول في مرحلة العلاج ( الوساطة الأسرية ، التحكيم وغيرها ) التي في غالب الأحيان لا تقود لنتيجة مرضية .

مقال قد يهمك :   الشطب من اللوائح الانتخابية -المبررات والضمانات-

لكن للأسف الوضع الحالي لا يقوم على هذا التصور فالمقترحات التي صاغتها المنظمات المهتمة بمجال الأسرة والهيئات السياسية  ، عدا بعض المقترحات التي تقدم  بها الحزب الاشتراكي الموحد ،   كلها تركز على  المرحلة التالية لقيام الزوجية وانشاء الأسرة  ، وهذا في اعتقادي خطأ منهجي قاتل ، لأن ، الأسرة ،خلافا للمقاولة ، إذ حصل فيها الشقاق وعدم الانسجام والنزاع فإن أي نص قانوني كيفما كان مستوى صياغته، وكيفما كانت الضمانات الواردة به ،وكيفما كان مستوى الامتيازات التي يحققها لهذا الطرف او ذاك  ، لا يمكن ان يجبر الضرر الفادح الذي وقع وهو ” الطلاق” فالمقتضيات المتعلقة بالحضانة او النفقة او قسمة الأموال او نحوها لا يمكن أن تصلح ما أفسدته واقعة  “الطلاق”، فالطلاق في حد ذاته ولوحده يعتبر خسارة للجميع ، للرجل والمرأة والأبناء والمجتمع برمته ، والقانون لا يمكنه أن يجبر هذا الضرر الفادح ، وبالتالي فإن المشرع مدعو إلى أن يفكر في كيفية عدم الوصول إلى هذه النقطة ، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بالتفكير في اليات حمائية و وقائية تقنن فترة ما قبل  ” الزواج” أي ما قبل تشكيل ” الأسرة “.

وحيث في هذا الإطار ندعو للتفكير في أمرين :

أولا : التفكير في إمكانية تقنين إجبارية الحصول على تكوين نفسي وعلمي قبل الزواج ، وهنا لا بد ان نستحضر بعض المقترحات التي أخدت بها بعض التشريعات المقارنة كالتشريع الاسري الاندونسي الذي فرض على الزوجين قبل زوجهما الحصول على تكوين ، وعلى ” رخصة للقيادة الأسرية” قبل الزواج .

بعض الباحثات أشادت بمثل هذا الإجراء وطالبت من المشرع تبنيه موردة ما يلي ” مقولة ” الوقاية خير من العلاج ” مقولة صائبة في مجال الاسرة أيضا، فبدلا من السقوط في  ظاهرة الارتفاع المهول لحالات الطلاق ، وما ترتبه من أعداد كبيرة من الأطفال  بدون تأطير تربوي وعاطفي ونفسي، مع ما يشكله ذلك من خطر محدق على المجتمع برمته  ، وبدلا  من السقوط في ظاهرة العنف الزوجي وما ترتبه من جنوح للأطفال ومظاهر البؤس الاجتماعي والتردي الأخلاقي والسلوكي الذي يمكن أن يتم إغراق المجتمع برمته فيه ، وبدلا من التوسل بحلول “الوساطة الأسرية ” و” التحكيم الأسرى ” وغيرها من المؤسسات التي أثبتت فشلها ، لا بأس أن يكون تدخل المشرع بتأطير العلاقة الزوجية المستقبلية قبل اتخاد قرار الزواج في حد ذاته وقبل تشكيل ” الأسرة ” نفسها ، وذلك بتمكين الأشخاص المقبلين على  الزواج من دورات تكوينية تبصرهم  من جهة بمعطيات يجب استحضارها قبل اتخاد قرار الزواج ، ومن جهة ثانية تمكنهم من معرفة نفسية وسلوكية حول كيفية التعاطي مع إكراهات مؤسسة الزواج  ، وتمكينهم من حد أدنى من الوعي الأسري في كيفية التعامل مع العلاقة الزوجية ، ومع تربية الأطفال ، و الأهم من كل ذلك انضاج سقف التوقعات لدى كل طرف وتقنينها علميا ومعرفيا .

مقال قد يهمك :   النقيب الجامعي يرد على القاضي الوردي : أزمَة انتاج العَدَالة.. وليس "أزمة تلقي العدالة"

في هذا الإطار تأتي ضرورة التفكير في تقنين المشرع لوثيقة جديدة يجب أن تكون ضمن الوثائق الواجب توفرها قبل الزواج وهي ” رخصة القيادة الأسرية “، تمنح للمقبلين على الزواج بعد استيفاء عدد معين من التكوينات تتولى مؤسسات يمكن إحداثها لها الغرض توفيرها، مع إعطاء هذه المؤسسات وصف ” المهن الحرة ” .( ذة.عبد المولى مريم : حول الحاجة لتعديل المادة 65من مدونة الأسرة  : إلزامية إقرار ” رخصة القيادة الأسرية ”  ضمن وثائق الزواج منشور بالموقع الالكتروني Maroc Droit)

ثانيا :ادماج ” التربية الأسرية ” في المقررات الدراسية ابتداء من التعليم الثانوي ، وهذه المادة ضرورية لأنه للأسف الكثير من زيجات اليوم لديها تصور خاطئ للعلاقة الزوجية ، وهو تصور تشكل من خلال الاحتكاك اليومي  بثقافة الصورة وثقافة وسائل التواصل الاجتماعي وثقافة ما تبته الصناعة السنمائية ، وهذه كلها تعطي تصورات خاطئة  حول حقيقة العلاقة بين الزوجين ، وتؤدي إلى  حقن الشاب بمنسوب كبير من التوقعات خلال فترة الزواج  الشيء الذي يؤدي بدخول الكثرين منهم على هذه المؤسسة وهو محمول بأوهام كثيرة ، لا تلبث ان تنكسر أمام صخرة ” الزواج” الصلبة  التي لها منطق اخر ، وفهم اخر لا يمكن استيعابه إلا في إطار “معرفة ” مؤطرة ومقننة .

الخلاصة أنه  يجب إعادة النظر في البرادغيم الذي يؤطر ” منهجية اصلاح مدونة الأسرة” بجعل اصلاح هذه الأخيرة  يشمل ليس فقط المرحلة التالية لإنشاء الأسرة التي تبدأ بلحظة إبرام عقد الزواج وإنما قبلها بإيجاد أرضية تشريعية ومناسبة تسمح بإدامة مؤسسة الأسرة وحفظ كيانها من خلال توفير أرضية مناسبة لأزواج المستقبل

السؤال الثاني : كيف نصلح ؟ للأسف هذا أيضا سؤال مغيب أو بالأحرى وقع تغييبه  ، إذ في كل المحطات التشريعية التي عرفها تعديل او صياغة قواعد للأحوال الشخصية بالمغرب ، كانت الهواجس الايدولوجية سواء الدينية منها أو الحداثية هي التي تقود ” الإصلاح” وليس ما تقتضه الدراسة العلمية والمعرفية الدقيقة لحال الأسرة المغربية و واقعها ، فكل التفسيرات والمبررات حاضرة في تعديل “مدونة الأسرة ” عدا العلمية منها ، فكل الداعين إلى لمنع تزويج القاصرات ، او المساواة في الإرث ، أو تقسم الأموال ، أو توحيد سن الزواج ، او تحصين النفقة …وغيرها من المواضيع الخلافية إما ينطلقون في صياغة مقترحاتهم مما تمليه” ايدلوجية الحداثة” او ” إيديولوجية الدين” ونعتبر الانتصار لآراء الفقهاء المسلمين  بشكل دوغمائي بدون تبصر ولا جرأة في الاجتهاد هي أيضا ” أيديولوجية ” ، وبهذا غابت الدراسات العلمية  الدقيقة ، والاحصائيات ، والأبحاث الاجتماعية التي كان من المفروض الانطلاق منها في صياغة أي تصور ممكن للأسرة المغربية المستقرة ، وأن تقود قاطرة ” الإصلاح المنشود” ، وفي أحسن الأحوال يقع التوسل بهذا الرأي العلمي أو الفقهي او ذاك لتبرير نتيجة مرسومة مسبقا .

وفي الواقع هذه المنهجية في صياغة “المقترحات التشريعية ” مسألة في غاية الخطورة من وجهين، من جهة لأنها تزيد من حدة التقاطب والتشنجات ذات الطابع الايديولوجي والانقسام السياسي والحزبي في كل مرة يكون فيها الأمر متعلق بتعديل او صياغة مدونة الأسرة ومن جهة ثانية لأنه يؤدي إلى انتاج حلول تشريعية بنفس أيديولوجي وفئوي  ضيق  قد لا تكون فعلا حلولا واقعية وعلمية يمكن ان تحقق الغاية منها ، لأن الحلول المطبوعة ب”طابع الايدولوجيا” تنتهى في الغالب بأن تتصادم مع الواقع ومع احتياجات الناس ومصالحهم الحقيقة .

مقال قد يهمك :   رئيس النيابة العامة يتابع المفسدين بخط هاتفي للتبيلغ عن الرشوة

وفي الواقع فإن تأثيرات  الطابع الأيديولوجي في اصلاح ” مدونة الأسرة ” الحداثية منها والدينية تظهر جليا في منطق المنع والالغاء القاطع التي يعتمدها “الحداثي” كما  ” المتدين” ، فالحداثي لا يرى حلا للتزويج القاصرات سوى ” المنع المطلق” ولا يرى حلا لمشكل تعدد الزوجات سوى ” المنع المطلق” ولا يرى حلا لمشكل الإرث سوى ” المساوة المطلقة ” وبنفس المنطق يتعامل التيار الديني فهو لا يرى سوى” المنع المطلق” في المساس بأحكام الإرث ، والمنع المطلق في المساس بالمرجعية المذهبية للفقه المالكي في مدونة الأسرة ، والمنع المطلق في المساس بما يسميه  بأحكام الشريعة ، مع العلم أن أغلبية أحكام مدونة الأسرة الحالية لا علاقة لها بالشريعة الإسلامية وإنما هي مجرد اجتهادات فقهية مذهبية تقبل الصواب والخطأ ، وهذا موضوع اخر.

وكما هو معلوم فإن  منطق ” الإلغاء ” القاطع او ” الإبقاء” التام بدون تعديل هو منطق “ايدولوجي ” يتصادم مع حاجيات الناس ومنطق المجتمع نفسه الذي تحكمه النسبية والتعامل المرن في الأحكام والذي يفرض التعاطي مع التقنين والتشريع في مجال الأسرة بمنطق واحد و وحيد وهو ” مصلحة الأسرة “.

ما الحل إذن ؟ الحل هو إجهاد الفكر في البحث عن حلول تشريعية تقطع نهائيا مع ” النفس الإيديولوجي والفئوي والحزبي الضيق ” ، وشخصيا أرى أنه ان الأوان  للتفكير في إنشاء ” مرصد وطني للتفكير في قضايا الأسرة ” يجمع بين ثناياه كل التيارات الفكرية والعلمية بمختلف مشاربها الايدولوجية والدينية ،وكافة المتخصصين في مجال الأسرة ، والمهتمين من المهنين والخبراء ، بحيث تكون فضاء للتفكير العلمي المعرفي  الهادئ و المحايد  في قضايا الأسرة بعيدا عن صخب ” الايدولوجيا ” و “السياسة ” ، يحدد مواقفه واستنتاجاته بناء على نقاش حر قائم على دراسات علمية ومعرفية مضبوطة لواقع الأسرة ، ويتم تمكينه من كافة الوسائل المادية لممارسة مهامه هذه ، بحيث يكون فضاء للتفكير يساعد المشرع في اتخاد قرار متبصر بشان قضايا الأسرة بعيدا عن المواقف الايدولوجية المرتهنة للهوى  الحزبي والفئوي الضيق .

إن مجال الاسرة مجال خطير جدا ، وهو يحتاج منا إمعان النظر والتفكير فيه باستمرار وبشكل عميق بعيدا عن  منطق ” اللحظة الراهنة ” ، لأنه حينما نقول بأن الأسرة هي نواة المجتمع ، فهدا معناه أن كيان المجتمع المغربي في حاضره ومستقبله مرتبط بجودة الحياة داخل الأسرة ، وبأسرة حاضنة لأفرادها تقدم لأفرادها الحب والسكنية  والطمأنينة ، وهي مرامي نشك بأن مدونة الأسرة لا الحالية ولا المستقبلية يمكن ان توفرها لأنه للأسف كلاهما ظل مرهونا في تشريعه لأحكام الاسرة لفرضية “العلاج ” أي تقنين أحكام وقواعد تحل المشاكل التي تقع بعد انشاء الأسرة ،  وليس الوقاية من هذه المشاكل أولا وفقا لمقاربة استباقية عرضنا لبعض منها أعلاه .

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)