ضمانات محاكمة الحدث الجانح في القانون المغربي

ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي يدفع رئاسة النيابة العامة للتدخل

الحسن الشركيلي: المخالفات المرتبطة بالحملات الانتخابية والجزاءات المترتبة عنها في القوانين الانتخابية الجديدة

18 يونيو 2021 - 5:56 م مقالات , القانون العام , في الواجهة , مقالات
  • حجم الخط A+A-

الحســــن الشـــــركيلي دكتور في القانون العام باحث في العلوم الإدارية والسياسية

تعتبر الانتخابات إحدى الآليات الأكثر نجاعة في تطبيق مفهوم الديمقراطية على أرض الواقع باعتبارها منفذا أساسيا لمشاركة الأفراد في تدبير شؤونهم وممرا رئيسيا للانتقال من وضعية مستهلك/ مستقبل السياسات العمومية إلى وضعية منتج/ مصدر لهذه السياسات، فليست الانتخابات فقط تقليدا دستوريا يجب الانضباط لتنظيمه بل هي محطة ديمقراطية وترمومتر حقيقي لقياس مدى ديمقراطية الشعوب إذ ليس من باب المغالاة وصف الانتخابات بكونها أكبر استطلاع رأي تجريه الدولة حول سياساتها.

وليست العملية الانتخابية على ذلك القدر من البساطة التي قد يتصورها البعض، فهي عملية معقدة ومركبة تتداخل في تحديد معالمها الكبرى محددات متنوعة يمتزج فيها السياسي بالقانوني والاقتصادي بالاجتماعي والثقافي بالأمني…، كما أنها ليست بالعملية الوقتية بل هي دائمة الحضور داخل مؤسسات الدولة المختصة بإعداد أرضيتها بدءا بإعداد اللوائح الانتخابية وإخضاعها للمراجعة المستمرة وما يوازيها من عمليات ممهدة للانتخابات وصولا لمرحلة الدعاية الانتخابية التي تعتبر اللحظة المفصلية في عمر المحطة الانتخابية وهي تلك الجهود الاتصالية التي تبذلها الأحزاب السياسية ومرشحوها خلال مدة زمنية معينة ومحددة تسبق الانتخابات ويكون الهدف منها توجيه وتدعيم اتجاهات الناخبين ومحاولة التأثير فيهم بجميع الوسائل والإمكانيات القانونية المتاحة من أجل استمالة أصواتهم.

فالحملة الانتخابية إذن هي نقطة التقاء المترشح بالناخب بل هي المرحلة التي تضع الناخب في موقف قوة، وتجسد الوزن الحقيقي للفرد داخل النظام السياسي ككل، (بالطبع إذا ما تحدثنا عن الانتخابات الديمقراطية)، وبالنظر إلى الأهمية التي تحظى بها الحملة الانتخابية فقد نظمها المشرع المغربي بمجموعة من النصوص القانونية التي تحدد من جهة منهجية العمل وفق الضوابط القانونية خلال هذه الفترة الحاسمة من العملية الانتخابية تمنح من جهة ثانية ضمانات قانونية لعدم وقوع تجاوزات تفسد العملية خاصة في ظل سعي بعض المترشحين إلى اللجوء لاستعمال الوسائل الغير مشروعة، فما هي إذن مظاهر لحماية القانونية لنزاهة الحملة الانتخابية؟ وما مدى نجاعتها ؟ هذه الأسئلة وغيرها سأعمل على تحليلها ومعالجتها وجعلها محور هذا الموضوع بالاعتماد على التقسيم التالي:

    • المبحث الأول: المخالفات المرتبطة بنطاق ومكان ورهان الحملة الانتخابية.
    • المبحث الثاني: المخالفات المرتبطة بمضمون الحملة الانتخابية.

المبحث الأول: المخالفات المرتبطة بزمان ومكان الحملة والوسائل المستعملة خلالها.

الانتخابات عملية مركبة تتداخل في تشكيلها مجموعة من المراحل التي ينظم القانون ترابطها، فلا يستقيم أن يشرع مترشح في الترويج لبرنامجه والقيام بحملته بمجرد إعلان ترشيحه، ذلك أن الترشيح للانتخابات عملية منفصلة وسابقة عن الحملة الانتخابية ،فليس لأي مترشح أن يقوم بحملته أينما شاء ومتى شاء وبالوسائل التي يراها هو مناسبة لحشد الأصوات لصالحه، بل إن هذا كله يخضع لما يمكن أن نطلق عليه أحكام النطاق الزماني والمكاني للحملة الانتخابية ( المطلب الأول) ، ولم يكتفي المشرع بتنظيم الإطار الزماني والمكاني للحملة الانتخابية فحسب ذلك أنه ولأجل إقرار المساواة بين جميع المترشحين وجعل المنافسة الانتخابية بينهم تحتكم الى الرصيد السياسي لكل منهم تدخل المشرع لعقلنة استخدام الوسائل التي يمكن توظيفها خلال هذه الحملات والتي لا تتوقف على ما يملكه كل مترشح من وسائل بقدر ما تتوقف على ما ينص القانون باستخدامه من هذه الوسائل (المطلب الثاني).

المطلب الأول: المخالفات المرتبة بالنطاق الزماني والمكاني للحملات الانتخابية.

وفقا لمقتضيات المادة 50 من مدونة الانتخابات فإن السلطة الإدارية مدعوة إلى تعيين أماكن خاصة تعلق بها الإعلانات الانتخابية وذلك ابتداء من تاريخ انتهاء أجل وضع الترشيحات وقد حددت الفقرة الثالثة من هذه المادة كيفيات تعيين الأماكن وفقا لعدد الناخبين.

وإذا كانت أحكام المادة 50 السالفة الذكر جاءت في صيغة عامة فإن المرسوم رقم 2.16.669 قد تطرق لتحديد هذه الأماكن بنوع من التفصيل، فإذا كان من حيث المبدأ يحق لجميع وكلاء اللوائح الترشح أو المترشحين تعليق الإعلانات الانتخابية[1] فإن ممارسة هذا الحق تتوقف على احترام مقتضيات المرسوم رقم 2.16.669 والتي تمنع تعليق الإعلانات الانتخابية في الأماكن التالية[2]:

  • أماكن العبادة وملحقاتها.
  • الأضرحة والزوايا وأسوار المقابر.
  • المباني الحكومية والمرافق العمومية والمؤسسات العمومية ومصالح الجماعات الترابية مراعاة البند 4 أدناه.
  • الفضاءات الداخلية للجامعات والكليات ومرافقها والمعاهد والمدارس العمومية والمؤسسات العمومية للتكوين المهني والمرافق الاجتماعية والرياضية والثقافية الغير إدارية.
  • المآثر التاريخية والأسوار العتيقة.
  • محطات الربط شبكات الهاتف النقال.
  • أعمدة التشوير الطرقي.
  • اللوحات الإشهارية التجارية.
  • الأشجار.

ولم يقتصر منح تعليق الإعلانات الانتخابية في الأماكن المذكورة أعلاه بل جعل هذا المنع يمتد إلى كل مكان تعرض فيه السلامة العمومية للخطر.[3]

كما ويقابل هذه الأماكن التي يمنع فيها تعليق الإعلانات الانتخابية، إحداث هذا المرسوم لجنة إقليمية برئاسة عامل الإقليم أو من يمثله[4]، وتضم في عضويتها ممثلين عن الأحزاب السياسية، بحيث تتولى تحديد الشوارع التي سيتم تخصيصها لتعليق الإعلانات الانتخابية وذلك على أعمدة الإنارة العمومية المتواجدة بها، على أن تحدد معايير استعمال هذه الأعمدة وكيفية تعليق الإعلانات باقتراح من العامل أو ممثله وذلك حتى لا يؤدي تعليق هذه الإعلانات إلى إلحاق الأضرار بأعمدة الإنارة العمومية وفقا لمقتضيات المادة 5 من المرسوم 1.16.669.

وبالنظر إلى محورية مرحلة الدعاية الانتخابية باعتبارها تتيح للمترشحين التواصل المباشر بين المترشحين والناخبين، فقد حاول هذا المرسوم التنويع في الأماكن المخصصة لتعليق الإعلانات الانتخابية، وهكذا أناط المشرع بالسلطات المحلية مهمة توزيع أعمدة الإنارة العمومية التي ارتأت اللجنة الإقليمية تخصيصها لهذه الغاية، بين لوائح الترشيح للمترشحين عن طريق القرعة، التي تتوزع عن طريقها كذلك الأماكن المسموح بها تعليق الإعلانات الانتخابية وفقا للبند 4 في المادة الأولى من المرسوم السابق الذكر.

ويقتصر أحكام المرسوم المشار إليه أعلاه على حصر أماكن تعليق الإعلانات الانتخابية في الأماكن التي تدخل في إطار الملك العام للدولة مثل ” أعمدة الإنارة العمومية” والأماكن تحددها السلطة المحلية لهذه الغاية، بل حدد كذلك وكما سبقت الإشارة إليه الأماكن التي يمنع فيها تعليق هذه الإعلانات².

وتأكيدا من المشرع على الصيغة الإلزامية لهذه المقتضيات فقد قرن مخالفتها بعقوبات تبدأ من الغرامة المالية وتصل إلى العقوبة السجنية، وتستمد هذه العقوبات مشروعيتها من مجموعة من القوانين والمراسيم المنظمة للعملية الانتخابية وفق الجدول التالي[5]:

المخالفة العقوبة المقررة النص القانوني
تعليق إعلانات تتعلق بالاستفتاء  خارج الأماكن المشار إليها في المادة 51 من هذا القانون أو تعليق إعلانات تتعلق بالحملة الاستفتائية لحزب أو منظمة نقابية لمكان مخصص لحزب أو منظمة أخرى. الغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم. القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية الاستفتائية كما تم تغييره وتعديله بمقتضى القانون رقم 10-21 الصادر  بتاريخ  5أبريل2021 في الجريدة الرسمية عدد 6975.
تعليق الإعلانات الانتخابية في الأماكن والتجهيزات التي تحدد أصنافها بمرسوم. الغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم دون الإخلال بالعقوبات الجنائية الأشد. المادة 40 من القانون التنظيمي 27.11 المتعلق بمجلس النواب.

المادة 40 من القانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين.

تعليق الإعلانات الانتخابية في الأماكن المحظورة بموجب المادة الأولى من المرسوم رقم 2.16.669  المتعلق بتحديد الأماكن الخاصة بتعليق الإعلانات الانتخابية. تقوم السلطات الإدارية المحلية من تلقاء نفسها أو بناء على شكاية بتوجيه تنبيه لوكيل اللائحة أو المترشح المعني بجميع الوسائل القانونية من أجل إزالة الإعلان أو الإعلانات المعنية داخل أجل أقصاء 24 ساعة من تاريخ التنبيه أو عند الاقتضاء من تاريخ تقديم الشكاية.

في حالة عدم الاستجابة تقوم السلطة المحلية بإزالة الإعلانات على نفقة المعني بالأمر.

في حالة الاستعجال. ووفقا للتعديلات الأخير التي عرفها القانون التنظيمي لمجلس النواب يعاقب بغرامة من إلى كل وكيل لائحة ترشيح أو مترشح فردي لم يقم خلال الآجال المحددة بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.

المادة 2 من المرسوم رقم 2.16.669

 

المادة 43 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب كما وقع تغييرها وتتميمها بمقتضى القانون التنظيمي رقم 04-21المتعلق بمجلس النواب والصادر بتاريخ17  ماي2021 بالجريدة الرسمية عدد 6987.

 

 

تعليق الإعلانات الانتخابية خارج الأماكن المخصصة لذلك.

 

الغرامة من 1000 إلى 5000 درهم. المادة 78 من مدونة الانتخابات 9.97[6].
 

تعليق الإعلانات الانتخابية في الأماكن والتجهيزات التي تحدد صياغتها بمرسوم.

تعليق الإعلانات الانتخابية بمكان مخصص للائحة أخرى.

 

الغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم. المادة 40 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب.
 

كل مترشح أو وكيل لائحة ترشيح استعمل أو سمح باستعمال المساحة

المخصصة لإعلاناته الانتخابية

 

بغرض غير التعريف بترشحه أو ببرنامجه والدفاع عنهما

الغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم. المادة 43 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب كما وقع تغييرها وتتميمها بمقتضى القانون التنظيمي رقم 04-21المتعلق بمجلس النواب والصادر بتاريخ17  ماي2021 بالجريدة الرسمية عدد 6987.

المادة 43 من القانون رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين كما وقع تغييرها وتتميمها بمقتضى القانون التنظيمي رقم 05-21المتعلق بمجلس النواب والصادر بتاريخ17  ماي2021 بالجريدة الرسمية عدد 6987.

التخلي لمرشح آخر في الساحة المخصصة للإعلانات الانتخابية. الغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم. المادة 43 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب  كما وقع تغييرها وتتميمها بمقتضى القانون التنظيمي رقم 04-21المتعلق بمجلس النواب والصادر بتاريخ17  ماي2021 بالجريدة الرسمية عدد 6987
تلبس المترشح أو وكيل لائحة الترشيح سواء شخصيا أو بواسطة الغير يقوم باستعمال المساحة الغير مخصصة له بتعليق إعلاناته الانتخابية. الغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم. المادة 43 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب .

كما وقع تغييرها وتتميمها بمقتضى القانون التنظيمي رقم 04-21المتعلق بمجلس النواب والصادر بتاريخ17  ماي2021 بالجريدة الرسمية عدد 6987

المادة 43 من القانون رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين كما وقع تغييرها وتتميمها بمقتضى القانون التنظيمي رقم 05-21المتعلق بمجلس النواب والصادر بتاريخ17  ماي2021 بالجريدة الرسمية عدد 6987

من خلال قراءة الجدول أعلاه يمكن ملاحظة تعدد النصوص القانونية المحددة للمخالفات المرتبطة بأماكن تعليق الإعلانات الانتخابية، نصوص متعددة بشكل مبالغ فيه إلى حد التناقض كما هو الشأن بالنسبة للمادة 78 من مدونة الانتخابات التي تتناقض مع باقي المواد وذلك بتحديدها مبلغ الغرامة المترتبة عن خرق المقتضيات المتعلقة بأماكن تعليق الإعلانات الانتخابية المنصوص عليها في المادة 50 من المدونة، إذ حددت مبلغ هذه المخالفة بين 1000 و 5000 درهم في حين حددت مواد أخرى هذه الغرامة بين 10.000 و 50.000 درهم.

إن النجاعة التشريعية كانت تقتضي تجميع المقتضيات المتعلقة بتحديد هذه المخالفات والعقوبات المترتبة عنها داخل نص تشريعي واحد وحتى لو اقتضى الضرورة النص على نفس المخالفة في نص تشريعي آخر وكان من الأنسب عدم تقدير عقوبة جديدة لهذه المخالفة والاكتفاء بالإحالة على هذه العقوبة في نص تشريعي موحد.

– من حيث الزمان:

إذا كانت مدونة الانتخابات المغربية لا تتضمن مقتضى حول التحديد الزمني لفترة الدعاية الانتخابية، فإن القانونين التنظيمي رقم 27.11 و 28.11 المتعلقان على التوالي مجلس النواب ومجلس المستشارين قد حدد آجال بداية الحملة الانتخابية حيث حدد القانون التنظيمي لمجلس النواب بدايتها من الساعة الأولى من اليوم الثالث عشر الذي سبق تاريخ الاقتراع نهايتها في الساعة الثانية عشرة ليلا من اليوم السابق للاقتراع[7].

في حين حدد القانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين بداية الحملة الانتخابية بمناسبة انتخاب أعضاء المجلس في الساعة الأولى في اليوم السابع الذي سبق تاريخ الاقتراع وتنتهي في الساعة الثانية عشر ليلا من اليوم السابق للاقتراع[8]. أما فترات الحملة الانتخابية بمناسبة إجراء الاستفتاءات فقد حدد القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية[9] في مادته 49 بدايتها من الساعة الأولى من اليوم العاشر الذي سبق تاريخ الاقتراع نهائيا في الساعة الثانية عشرة ليلا من اليوم السابق للاقتراع.

أما بمناسبة انتخاب أعضاء المجالس الترابية بأصنافها الثلاثة، فقد جعل القانون التنظيمي رقم 59.11 تحديد تاريخ بداية الحملة الانتخابية ونهايتها مهمة يتولاها المرسوم الذي يصدر في الجريدة الرسمية لهذه الغاية[10]، وحتى بمناسبة الحديث عن انتخابات أعضاء مجلس النواب والمستشارين، وعلى الرغم من تحديد القانونين التنظيميين لآجال بداية ونهاية فترات الحملة الانتخابية فإن المرسوم الذي يحدد بموجبه تاريخ انتخاب أعضاء هذه المجالس يحدد كذلك تاريخ بداية ونهاية فترة الحملة الانتخابية[11].

وعليه فإن كل مترشح يلجأ خارج الآجال التي يحددها القانون وتفصح عن تواريخا المراسيم، إلى استعمال أي من الوسائل من استمالة أصوات الناخبين خاصة يوم الاقتراع تقوم في حقه مخالفة خرق الضوابط الزمنية المنظمة للحملة الانتخابية، وإن لم يكن المشرع قد نص صراحة على ما يجرم الحملة الانتخابية السابقة لأوانها، لأن المقتضى التشريعي يتحدث عن توزيع البطائق أو المنشورات أو غير ذلك من الوثائق الانتخابية يوم الاقتراع وعليه نكون والحالة هذه أمام الحملة الانتخابية اللاحقة لأوانها، فإن ممارسة أي مظهر من مظاهر الدعاية الانتخابية قبل حلول التاريخ المعلن عنه في المرسوم المحدد لبداية الدعاية بعد دعاية انتخابية سابقة لأوانها وهذا ما سار عليه التوجه القضائي بالمملكة من خلال اجتهادات المحكمة الدستورية[12].

وحسنا فعل المشرع المغربي بسكوته في النص صراحة على الحملة الانتخابية السابقة لأوانها وترك المجال للقضاء وتكييف الواقع المتنازع حولها وما إذا كانت تدخل في خانة الحملة الانتخابية السابقة لأوانها أم لا[13]. وبذلك يكون المشرع المغربي قد تفادى خلق السقوط في ثغرة قانونية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي، ذلك أنه وقبل صدور قانون 15 يناير 1990، كانت المادة 51 من مدونة الانتخابات الفرنسية تنص على منع تعليق الإعلانات الانتخابية خارج الأماكن المخصصة للمرشحين خلال ففترة الحملة الانتخابية[14]، هذا البند كان يستغله المترشحون من أجل تعليق إعلاناتهم قبل فترة الحملة – لأن المادة كانت تنص على تعليق الإعلانات خلال فترة الحملة – أما خلال هذه الفترة فتبقى هذه الإعلانات معلقة.

مقال قد يهمك :   البكالوريوس الجامعي.. شهادة إصلاح شمولي أم قشة "حل ترقيعي"؟

هذا الجدل التشريعي والقضائي الذي أثارته هذه المادة جعلت المشرع الفرنسي يتدخل لمعالجة الوضع الشاذ لهذه المادة وذلك من خلال القانون رقم 90.55 الصادر بتاريخ 15 يناير 1990، التي جعلت منع وضع الإعلانات الانتخابية يسري طيلة مدة الثلاثة أشهر التي تسبق أول يوم من الشهر الذي يسري فيه الانتخاب وإلى غاية يوم الاقتراع.

إن فترة الحملة الانتخابية باعتبارها الفترة المفصلية في الحياة السياسية للمترشحين فإنهم عادة ما يلجؤون إلى تكييف مجهوداتهم لإقناع أكبر عدد من الناخبين واستمالة أصواتهم حتى قبل الانطلاقة القانونية لهذه الحملة أو بعد انتهائها (الحملة الانتخابية يوم الاقتراع)، وباستخدام العديد من الوسائل المشروعة منها والغير مشروعة.

المطلب الثاني: المخالفات المرتبطة بالوسائل المستعملة خلال الحملات الانتخابية.

المخالفات المرتبطة بالوسائل المستخدمة أثناء الحملة إن طول الفترات الانتخابية (خمس أو ست سنوات) بالمغرب وأهمية المناصب السياسية بالهيئات المنتخبة بجميع أنواعها، جماعات ترابية، مجلس النواب، مجلس المستشارين يجعل الفترات المخصصة للحملة الانتخابية تبدو قصيرة (15 يوم في أغلب الأحيان) وهذا ما يدفع نسبة كبيرة من المترشحين نحو اعتماد وسائل شتى لاستمالة أصوات الناخبين، بما في ذلك الوسائل الغير مشروعة مما يعرض مبدأ المساواة بين المترشحين للتهديد ويجعل نتيجة الاقتراع لا تعبر فعلا في إدارة الناخبين، وهذا ما جعل المشرع المغربي يتبنى ترسانة من المقتضيات القانونية الكفيلة بحصر الوسائل المستعملة خلال الحملات الانتخابية في الوسائل المشروعة بعد أن رتب مجموعة من العقوبات في حق مخالفي هذه المقتضيات، فجاءت المخالفات المتعلقة بالوسائل المستعملة في الحملات الانتخابية والعقوبات المقررة لها كما يلي:

نوع المخالفة العقوبة المقررة النص القانوني
المادة 89 من مدونة الانتخاب تسخير الوسائل والأدوات المملوكة للدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وشبه العامة في الحملة الانتخابية للمرشح. الحبس من 6 أشهر إلى سنة وبغرامة من 5000 إلى 10.000 درهم. يعاقب عليها بموجب المادة 84 من مدونة الانتخاب، هذه المادة التي تم تغييرها بمقتضى المادة 1 من القانون رقم 42.02 الغير متتم لمدونة الانتخابات.
المادة 89 من مدونة الانتخاب حمل أسلحة ظاهرة أو مخفية أو أدوات فيها خطر على الأمن العام. العقوبات مقررة في المواد 8 و 9 و 10 من الظهير الصادر في 15 نوفمبر 1958 في شأن التجمعات.
الحصول أو محاولة الحصول على صوت ناخب وأصوات عدة ناخبين بفضل هدايا أو تبرعات نقدية أو عينية أووعد بها، أو بوظائف عامة أو خاصة أو منافع أخرى قصد بها التأثير على تصويتهم سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو بواسطة الغير أو استعمال نفس الوسائل لحمل أو محاولة حمل ناخب أو عدة ناخبين على الإمساك عن التصويت. الحبس من سنة إلى 5 سنوات والغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم. المادة 62 من ق.ت 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين.
الحصول أو التماس الهدايا أو التبرعات أو الوعود المشار إليها في المادة 100 من مدونة الانتخابات أو التوسط في تقديمها أو المشاركة في ذلك. الحبس من سنة إلى 5 سنوات الغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم. المادة 100 من مدونة الانتخابات والتي تم تغييرها بموجب المادة 1 في الفقرة 64.02.
تقديم هدايا أو تبرعات أو وعودها أو بهبات إدارية إما لجماعة محلية أو لمجموعة من المواطنين أيا كانت بقصد التأثير في تصويت هيئة من الناخبين أو بعض منهم. الحبس من سنة إلى 5 سنوات والغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم. المادة 102 من مدونة الانتخابات والتي وقع تغيرها بموجب المادة 1 من القانون 64.02 ق.ت المادة 64 28.11.
تضمن الإعلانات الغير رسمية التي يكون لها غرض أو طابع انتخابي وكذا برامج المرشحين ومنشوراتهم على اللونين الأحمر والأخضر أو الجمع بينهما. المادة 52 من مدونة الانتخابات التي وقع تغيرها بموجب المادة 1 من القانون 64.02.
تسخير الوسائل أو الأدوات المملوكة للهيئات العامة والجماعات الترابية والشركات والمقاولات المنصوص عليها في القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى. الحبس من سنة إلى 5 سنوات الغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم. المادة 37 من القانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين، العقوبة مقررة في المادة 44 من نفس القانون.

المادة 40 من ق.ت رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء الجماعات الترابية العقوبة مقررة في المادة 47 من نفس القانون.

استعمال هدايا أو تبرعات نقدية أو عينية أو وعد بها أو بوظائف عامة أو خاصة أو منافع أخرى قصد التأثير على مصوت أو عدة مصوتين سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو بواسطة الغير أو استعمال نفس الوسائل لحمل أو محاولة حمل مصوت أو عدة مصوتين على الإمساك عن التصويت أو قول أو التماس هدايا. الحبس من سنة واحدة إلى 5 سنوات والغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم. المادة 108 من القانون رقم 57.11.
كل من قام من خلال حملة استغلال بتقديم هدايا أو تبرعات أو وعود بها أو بهبات إدارية لجماعة ترابية وإما لمجموعة من المواطنين أيا كانت بقصد التأثير في تصويت المصوتين أو بعض منهم. الحبس من سنة إلى 5 سنوات والغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم. المادة 110 من القانون رقم 57.11.
حمل أو محاولة حمل ناخب على الإمساك عن التصويت أو التأثير أو محاولة التأثير في تصويته بالاعتداء أو استعمال العنف أو التهديد أو بتخويفه في فصله من وظيفته. الحبس من سنة إلى 5 سنوات والغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم. المادة 63 ق.ت 28.11 109ق. 57.11.

المصدر: تركيب شخصي

كما سبق أن رأينا بالنسبة للمخالفات المرتكبة بمناسبة القيام بالدعاية الانتخابية والمتعلقة بخرق الضوابط القانونية المنظمة لأمكنة تعليق الإعلانات الانتخابية وزمانها فقد اعتمد المشرع المغربي نصوص قانونية شتى لتجريم استعمال الوسائل الغير مشروعة بمناسبة ممارسة الدعاية الانتخابية فالمخالفة الواحدة ينص عليها أكثر من قانون وقانون تنظيمي واحد دون أن يكون هناك اختلاف في العقوبات المقررة للمخالفات الواحدة على الرغم من اختلاف في القوانين التي ترجمها.

وإذا كان المشرع اتجه إلى تبني عقوبات يغلب عليها الطابع المالي (غرامات مالية) بالنسبة للمخالفات المرتبطة بمكان وزمان الحملة الانتخابية فإنه وعلى العكس من ذلك تبنى عقوبات أكثر صرامة والتي تترتب عن خرق القواعد المنظمة للوسائل المستعملة بمناسبة هذه الحملات، وقد يرجع السبب وراء ذلك إلى كون هذه الجرائم أكثر خطورة من الجرائم السابقة[15]،كما أنها ترتبط أساسا بحسن سير الحملة الانتخابية تمس الجوهر الديموقراطي للانتخابات خاصة عندما يتعلق الأمر بالاستعمال الغير المشروع للمال خلال هذه الفترة من أجل شراء الأصوات واستمالة الناخبين، كما أن مثل هذه المخالفات تمس أخد الأركان الأساسية التي يجب أن تقوم عليها الحملة الانتخابية وهو مبدأ المساواة بين المترشحين واللوائح المترشحة خاصة إذا علمنا أن بعضا من هؤلاء يكون بمقدورهم تسخير وسائل وأدوات مملوكة للدولة والجماعات الترابية من أجل خدمة مصالحهم الانتخابية على اعتبار أن بعض هؤلاء المترشحين تربطهم علاقة وظيفية أو انتخابية بهذه المؤسسات مما يفتح أمامهم فرص الاستغلال الغير مشروع لهذه الوسائل والأدوات، وهذا في اعتقادي ما دعا المشرع إلى مجابهة هذه الممارسات بعقوبات صارمة مقارنة بباقي المخالفات.

 المبحث الثاني: المخالفات المرتبطة بمضمون الدعاية الانتخابية:

لا ريب فيه أن حاجة الناخب للمنتخبين تبرز طيلة الفترة الانتخابية، لكن خلال فترة الحملة الانتخابية تنعكس طبيعة العلاقة بين الطرفين وتبرز حاجة المنتخب / المترشح للناخب الذي يحدد مصيره ويستطيع تحويله من مجرد مترشح إلى منتخب فعلي ولا يتوقف ذلك إلا على قوة الإقناع التي يتمتع بها هذا المترشح مقارنة مع منافسيه، كما أن المترشح خلال هذه الفترة يكون في سباق ضد الزمن إذ لا يملك أمامه سوى 15 يوما لجمع أكبر عدد من الأصوات معتمدا في ذلك على توظيف ما يتوفر عليه من رصيد مادي ورمزي، وأمام ضغط الزمن والمنافسة المتقدمة يلجأ المترشحون إلى استعمال أساليب وتوظيف خطابات عادة ما تخرج الحملة الانتخابية في مضمونها السياسي الانتخابي المشروع إلى خطاب غير مشروع قد يمس بالنظام العام(المطلب الأول) و قد يتطور كي يصل إلى مستوى السب والقذف والتشهير(المطلب الثاني)

المطلب الأول : المخالفات المرتبطة بالحق العام

 تتخذ المخالفات المرتبطة بمضمون الحملة الانتخابية شكل ممارسات وسلوكات تخرج الدعاية الانتخابية عن حدودها المشروعة وإدراجها في خانة المخالفات والجرائم الانتخابية التي تستوجب العقاب في حق مخالفيها وتجد هذه المخالفات مشروعيتها في مجموعة من القوانين كما يوضح الجدول التالي:

النص التشريعي المخالفة العقوبة
م 51 ق.ت 28.11 استعمال أخبار زائفة وإشاعات كاذبة أو غير ذلك من طرق التدليس من أجل تحويل أصوات الناخبين أو دفع ناخب أو أكثر إلى الإمساك عن التصويت. الحبس من شهر إلى سنة والغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم.
م 52 ق.ت 28.11 تأجير أو تسخير أشخاص على وجه يهدد به الناخب أو يخيل بالنظام العام الحبس من شهر إلى ستة أشهر والغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم
م 53 ق.ت 28.11 القيام بإحداث اضطراب في سير عمليات التصويت أو الممارسة حق الانتخاب أو حرية التصويت بواسطة تجمعات أو صياح أو مظاهرات تهديدية. الحبس من شهر إلى 6 أشهر والغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم.
المادة 90 م الانتخابات استعمال أخبار زائفة أو إشاعات كاذبة أو غير ذلك من طرق التدليس من أجل تحويل أصوات الناخبين أو دفع ناخبا أو أكثر إلى الإمساك عن التصويت. الحبس من شهر إلى 3 أشهر والغرامة من 1200 إلى 5000 درهم.
المادة 91 م الانتخابات استئجار أو تسخير أشخاص على وجه يهدد الناخبين أو يخل بالنظام العام. الحبس من شهر إلى 6 أشهر والغرامة من 1200 إلى 5000 درهم.

تضاعف العقوبة إذا كان الأشخاص ناخبين.

م 99 قانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستثنائية. الإقدام باستعمال أخبار زائفة أو إشاعات كاذبة أو غير ذلك من طرق التدليس على تحويل أصوات المصوتين أو دفع مصوتا أو أكثر إلى الإمساك عن التصويت. الحبس من شهر إلى سنة والغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم.
م 100 ق 57.11 استئجار أو تسخير أشخاص على وجه يهدد به المصوتين أو يخل بالنظام العام. الحبس من شهر إلى 6 أشهر والغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم.

تضاعف العقوبة إذا كان هؤلاء الأشخاص مصوتين.

م 101 ق 57.11  

الإقدام بواسطة تجمعات أو صياح أو مظاهرات تهديدية على إحداث اضطرابات في سير عمليات التصويت أو مس بممارسة حق التصويت أو حرية التصويت.

الحبس من شهر إلى 6 أشهر والغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم.
م 118 ق 57.11 كما وقع تغييرها وتتميمها بمقتضى القانون رقم 10.21  

يجب ألا تتضمن برامج الفترة الانتخابية

والبرامج المعدة للحملات الانتخابية بأي شكل من الأشكال موادا من شأنها.

– الإخلال بثوابت الأمة كما هي محدد في الدستور.

·        المس بالنظام العام.

·        المس بالكرامة الإنسانية أو الحياة الخاصة أو باحترام الغير.

·        المس بالمعطيات والبيانات المحمية بالقانون.

·        الدعوة إلى القيام بجمع الأموال.

– التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف….

كما يجب ألا تتضمن هذه البرامج[16]:

·        استعمال الرموز الوطنية.

 

أغلب العقوبات المقررة لهذه المخالفات يتضمنها القانون الجنائي المغربي.
  • المصدر: تركيب شخصي:

إذا كان المشرع قد حدد العقوبات المقررة لمعظم المخالفات المرتكبة بمناسبة الحملات الانتخابية، فإنه وعلى عكس هذا التوجه لم يحدد العقوبات المقررة للمخالفات الواردة في المادة 118 من القانون رقم 57.11، كما أنه لم يحل على نصوص أخرى تحدد هذه العقوبات، ذلك أن غالبية المخالفات المنصوص عليها في هذه المادة، هي جرائم، جنح أو مخالفات تجرمها وتعاقب على ارتكابها مجموعة من النصوص القانونية العامة منها والخاصة.

كما هو الشأن بالنسبة للإخلال بثوابت الأمة التي حددها الدستور[17] في :

  • الدين الإسلامي.
  • الوحدة الوطنية متعددة الروافد.
  • الملكية الدستورية.
  • الاختيار الديمقراطي.

 وعليه فإن أي إخلال بهذه الثوابت بمناسبة الحملات الانتخابية سيعرض المسؤول أو المسؤولين عنه للمساءلة بموجب فصول القانون الجنائي ونفس الشيء ينطبق على المساس بالنظام العام خاصة وأن المشرع في المادة 118 من القانون 57.11 ترك مفهوم النظام العام مفتوحا على جميع التأويلات، إذ يمكن أن نعتبر مسا بالنظام العام كل ما من شأنه أن يخل بالسير العادي للأمن العام أو يؤثر بشكل من الأشكال على الصحة والسكينة العامتين[18]، وهذا ما يمكن أن يستوعب جميع المخالفات التي قد تحصل بمناسبة الحملات الانتخابية بما فيها المخالفات البسيطة مثل التلوث الذي يمكن أن يحدثه انتشار أوراق الدعاية الانتخابية بشكل يؤثر على الصحة العامة، أو المبالغة في الصياح وإحداث الضوضاء بشكل يؤثر على السكينة العامة خاصة عندما يتعلق الأمر بأوقات معينة من اليوم (الليل) أو بفضاءات معينة مثل الفضاءات المتواجدة بجوار المستشفيات، وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي وبمناسبة التعديلات الأخيرة التي عرفتها القوانين الانتخابية واستجابة منه لمطالب أغلب الأحزاب السياسية أجاز استعمال علم المملكة والنشيد الوطني والصورة الرسمية للملك المثبتة في القاعات التي تحتضن الاجتماعات المتعلقة بالانتخابات وذلك بمقتضى التعديلات التي عرفتها المادة  118 من القانون 57.11، لكن ألا يعتبر كل من النشيد الوطني وعلم المملكة والصورة الرسمية للملك من رموز المملكة؟ ذلك أن المشرع حافظ على منع تضمن برامج الحملة الانتخابية استعمالا لرموز المملكة لكنه وفي نفس المادة (118) عاد ليجيز استعمال عناصر تدخل في صميم هذه الرموز، وإذا كان مفهوما ومعقولا إجازة الاستعمال العرضي للصورة الرسمية للملك والمثبتة في القاعات التي تحتضن اجتماعات الحملات الانتخابية، خاصة وأن هذا الاستعمال قد يتم بشكل عفوي وغير مقصود وبالتالي فقد فعل المشرع المغربي حسنا برفع الحظر عنه ، فانه من غير المفهوم إجازة استعمال النشيد الوطني وعلم المملكة في الحملة الانتخابية ومنع استعمالها في برامج هذه الحملة مع العلم أن هذه البرامج ليست سوى جزءا من هذه الحملة ، فقد كان من الأفضل إما الإبقاء على منع استعمال رموز المملكة في الحملة الانتخابية وبرامجها أو الترخيص باستعمالها، والصواب من وجهة نظري أنه كان يجب الإبقاء على منع استعمال الرموز الوطنية في كل من الحملة الانتخابية وبرامجها معا خاصة وأن استعماله يمكن أن يكون موضع توظيف أو استغلال تدليسي يرجى من وراءه تحقيق أهداف وغايات أخرى أخذا بعين الاعتبار الارتفاع الكبير للأمية في صفوف الكتلة الناخبة وتعلقها الشديد بهذه الرموز وما يمكن لتوظيفها انتخابيا أن يحمله من تأثير على توجهات فعل التصويت ليس اعتمادا على البرامج الانتخابية ولكن اعتمادا على هذه الرموز.

مقال قد يهمك :   مجلس النواب يصادق على قانون المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي

الدعوة إلى القيام بجمع الأموال: حينما وضع المشرع النظام القانوني المتعلق بالحملات الانتخابية، فإن من الأهداف الكبرى التي كان يتوخاها من وراء ذلك إلى ضمان مبدأ تكافئ الفرص ومبدأ المساواة بين جميع المترشحين، وفي سبيل ذلك أقر نظاما ماليا لهذه الحملات بحيث لا يمكن في أية حال من الأحوال التصرف خارجه أو الحصول على أموال لتمويل هذه الحملات بطرق مشبوهة وغير مشروعة تحت طائلة المساءلة.

  • التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف.

يمكن تعريف التحريض بأنه دفع شخص معين على تبني فكرة الجريمة وترسيخها في نفسه ودفعه لتحويلها من مجرد بواعث نفسية إلى جريمة محققة وقائمة الأركان، والتحريض في القانون الجنائي المغربي هو صورة من صور المشاركة في الجنائية أو الجنحة[19]، لكن وعلى الرغم من اعتباره كذلك وما يترتب عنه من نتائج قانونية طبقا للفصل 130 من القانون الجنائي المغربي الذي جعل المشارك في الجناية أو الجنحة يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجنائية أو الجنحة، فقد نص القانون الجنائي المغربي فعل التحريض بعقوبة خاصة[20]وميز بين نوعين من التحريض وهما التحريض الذي ينتج مفعولا مستقبليا، والتحريض ليس له مفعول، وتظهر أهمية هذا (الأول الذي ينتج مفعولا مستقبلا) بعقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 5000 إلى 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين،  في حين يعاقب على الفعل الثاني للتحريض (الذي لا ينتج أثرا) بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة من 5000 إلى 50.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين[21].

هذا ويتحقق التحريض من خلال الخطب أو الصياح أو التهديدات الفوه بها في الأماكن والتجمعات العمومية أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم، أو بواسطة كل وسيلة تحقق شرط العلنية بما فيها الوسائل الإلكترونية والسمعية البصرية[22].

ففعل التحريض في القانون الجنائي المغربي إذن، يمكن أن يعاقب عليه باعتباره جريمة مستقلة (فعل أصلي) أو باعتبار مشاركة في جريمة، لأن المشرع المغربي أقر عقوبات خاصة بالتحريض على ارتكاب جرائم معينة كما هو الشأن بالتحريض على العنصرية أو الكراهية الواردة في المادة 118 من القانون رقم 57.11، وإن لم ينص صراحة على لفظ “العنصرية” فإنه نص للدلالة عليها على مفهوم “التمييز” الذي يعرفه القانون الجنائي المغربي بكونه كل تفرقة بين الأشخاص الطبيعيين بسبب الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي أو اللون أو الجنس أو الوضعية العائلية أو الحالة الصحيحة أو الإعاقة أو الآراء السياسية أو الأنشطة النقابية أو بسبب لانتماء أو عدم الانتماء الحقيقي أو المفترض لعرض الأمة أو السلالة أو لدين معين[23]، وما ينطبق على التمييز تجاه الأفراد الذاتيين ينطبق كذلك على الأشخاص المعنوية بسبب أعضائها[24].

أما العقوبة المقرر لفعل التحريض على التمييز أو على الكراهية بين الأشخاص فقد جعلها المشرع الجنائي المغربي تتراوح من شهر إلى سنة وغرامة من 5000 إلى 50.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.[25]

    ولما كانت الفلسفة الكبرى لمختلف القوانين العامة والخاصة تدور حول فكرتين محوريتين هما حماية النظام العام والحريات الفردية فقد اتجه المشرع المغربي نحو منع مجموعة من الممارسات التي قد يتم اللجوء إليها أثناء الحملات الانتخابية والتي قد يكون لها تأثير سلبي على حقوق الأفراد وحرياتهم.

 المطلب الثاني: المخالفات المرتبطة بالحق الخاص للأفراد

     بالإضافة إلى تجنب البرامج المخصصة للفترة الانتخابية ما من شأنه أن يخل بثوابت الأمة وما من شأنه أن يمس بالنظام العام، فإن هذه البرامج ملتزمة باحترام مجموعة من المعايير والشروط ذات الارتباط بحياة الأغيار ومن أبرزها:

  • المس بالكرامة الإنسانية أو الحياة الخاصة أو باحترام الغير.

الكرامة الإنسانية في مفهومها العام تعني أن تكون للفرد قيمة وإن يكون احترامه نابعا من ذاته فالإنسان غاية وليس وسيلة، واعتبارا لقيمتها فقدمختلف المواقف الدولية على احترام الكرامة الإنسانية مثل ميثاق الأمم المتحدة[26]، الإعلان الدولي لحقوق الإنسان[27]، ميثاق منظمة الاتحاد الإفريقي[28].

فقد ظل مفهوم الكرامة ثابتا غير متغير في معظم المواثيق الدولية والوطنية وسيرا على النهج العام الذي طبع توجهات المشرع الدستوري المغربي في مختلف محطات الإصلاح الدستوري بالمواثيق الدولية التي صادقت عليها المملكة، فقد اتخذ دستور 2011 من مبدأ الكرامة أحد مرتكزات قيام وتقوية مؤسسات الدولة الحديثة، وقد تأكد هذا التوجه من خلال مجموعة من فصول الدستور لعل أبرزها الفصلين 19 و 22[29].

 لكن وعلى الرغم من هذا التوجه الدستوري والقانوني الذي يؤكد احترام مبدأ الكرامة الإنسانية ويجرم أي تجاوز يمكن أن يطالها، إلا أن الواقع المعاش وعلى العكس من ذلك يسجل تفشي مظاهر التجاوز وانتشار الممارسات الحاطة من الكرامة الإنسانية، إذا لا يكاد مجال من المجالات يخلو منها، بما في ذلك الانتخابات التي تشهد حملاتها مظاهر عديدة يمكن إدراجها ضمن المظاهر التي تمس بكرامة الأفراد، فما هي إذن هذه المظاهر؟

  • مظاهر المس بالكرامة الإنسانية خلال الحملة الانتخابية[30].

إن احترام التنافس الانتخابي بين المترشحين يجعل من الانتخابات مجالا خصبا لانتشار مجموعة من الظواهر المسيئة للكرامة الإنسانية، ومن أبرز هذه الظواهر:

  • مقايضة إرادة الفرد بالمال (شراء الأصوات).
  • استغلال الأطفال في الحملات الانتخابية.
  • استغلال الفقر والحاجة من أجل الحصول على الأصوات.
  • الترويج لبرامج ومشاريع يعرف المترشحون مسبقا استحالة تحقيقها.

وعليه فانطلاقا من المفهوم الراسخ الذي يحمله مبدأ الكرامة الإنسانية فإن المشرع لم يخصص مقتضى قانونيا وحيدا لتحديد عقوبة المس بالكرامة الإنسانية بمناسبة القيام بالحملات الانتخابية. بل هذه النصوص تعدد بتعدد اختلاف الظواهر التي يمكن إدراجها في إطار المس بالكرامة الإنسانية كما سبق أن رأينا.

  • المس بالحياة الخاصة خلال الحملات الانتخابية.

إن الحق في حماية الحياة الخاصة هو حق كرسه الدستور المغربي لسنة 2011[31]، وإن لم يكن من السهل إعطاء تعريف دقيق لمفهوم الحياة الخاصة كونها تشمل مجالا واسعا من التصرفات والسلوك والتفكير يتعلق بشخصية الإنسان وبنائه[32].

لكن وعلى الرغم من صعوبة إعطاء تعريف دقيق للحياة الخاصة إلا أنها وانطلاقا من المقتضيات الدستورية المتعلقة بحماية الحياة الخاصة يمكننا تحديد عناصرها في ما يلي[33]:

حرمة المسكن:والمنزل حسب القانون الجنائي المغربي هو “كل مبنى أو بيت أو مسكن أو خيمة أو مأوى ثابت أو متنقل سواء كان مسكونا فعلا أو معد للسكنى وكذلك جميع ملحقاته كالساحات وحظائر الدواجن والخزين والإسطبل أو أي بناية داخلة في نطاقه مهما كان استعمالها حتى ولو كان لها سياج خاص بها داخل السياج والحائط العام”[34].

وليست لهذه الحماية التي خص بها المشرع المغربي المنزل سوى امتداد للحماية التي تضمنتها القوانين الدولية للمسكن، وإن كان مستبعدا تعرض حرمة المنزل للتعدي بمناسبة الحملات الانتخابية، فإن هناك مظاهر أخرى للحياة الخاصة للأفراد تكون أكثر عرضة للإعتداء بمناسبة هذه الحملات ومن أبرزها.

حرمة المراسلات والمحادثات :

بحيث يمنع التقاط أو تمثيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري دون موافقة أصحابها[35]، وتتحقق هذه الجريمة بإتيان الفاعل لعمل مادي يستهدف أقوالا أو معلومات صادرة عن صاحبها بشكل خاص أو سري وبدون موافقته في إحدى الصور الآتية:[36]

الإلتقاط:أي اعتراض لأقوال أو معلومات لم تكن موجهة أصلا إلى الشخص الذي قام بالتقاطها مثل الرسائل الهاتفية النصية أو تلك المحالة عبر البريد الإلكتروني…. والتي يقوم بالتقاطها شخصا آخر غير طرفي المحادثة.

التسجيل:ويتحقق بتوجيه إرادة الفاعل إلى تسجيل الأقوال أو المعلومات الصادرة عن الغير بشكل خاص أو سري، كالقيام بتسجيل محادثة هاتفية أو حوارا فردي في مكان خاص، ولو كان الفاعل طرفا في الحوار[37]، لكن يخرج عن دائرة هذا التجريم كل تسجيل تلقائي تقوم به الآلات الحديثة مثل العلب الصوتية.

البث أو التوزيع:ويتحقق عند قيام الفاعل بنقل أو نشر أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة عن شخص ما بشكل سري أو خاص إلى علم الغير، ويستوي في هذا البث أو التوزيع أن يكون قد تم عبر وسائط سمعية أو بصرية أو الكرتونية أو بأي وسيلة من وسائل البث أو التوزيع، بما في ذلك اعتماد التقنيات التي تتيحها تطبيقات الهواتف الذكية[38].

لكن استثناء من هذه الأحكام أتاح المشرع المغربي إمكانية التنصت على المكالمات وفقا لمقتضيات المسطرة الجنائية والقانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب[39]، حيث خصص المواد من 108 إلى 116 من قانون المسطرة الجنائية لموضوع القاط المكالمات والاتصالات المنجزة بواسطة وسائل الاتصال عن بعد، فنظرا لخطورة هذه الآلية على حرمة المراسلات فإن المشرع جعل حق اللجوء إليها محصورا في جهات قضائية ضيقة، إذ خول لقاضي التحقيق اللجوء إليها كلما دعت الضرورة لذلك، كما خول للوكيل العام للملك أن يلججا إلى تطبيق آلية التفاط المكالمات، ولما كان الأمر يتعلق بآلية استثنائية من شأن تطبيقها التأثير على ممارسة اللجوء إلى التقاط المكالمات خاضعا للسلطة التقديرية للوكيل العام بل إن ذلك يتطلب “تأشيرة” الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف والتي قد تكون قبلية أو بعدية حسب الحالات التالية:

في الحالات العادية:ونقصد بالحالات العادية، الحالات التي يغيب عنها عنصر الاستعجال، وعندما تدعوه الضرورة إلى ذلك يمكن للوكيل العام للملك أن يلتمس كتابه من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، إصدار أمر بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بواسطة الاتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخ منها وحجزها تحت سلطة ومراقبة (الوكيل العام للملك)[40].

في الحالات الاستعجالية: في حالة الاستعجال القصوى يجوز للوكيل العام للملك أن يلجأ بصفة استثنائية إلى الأمر كتابة بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، متى كانت ضرورة البحث تقتضي التعجيل خوفا من اندثار وسائل الإثبات، وفي حالة إصداره لهذا الأمر يجب على الوكيل العام للملك أن يشعر الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف فورا بذلك، هذا الإشعار يحدد الرئيس الأول للمحكمة على إثره وخلال 24 ساعة مقررا ما بتأييد، تعليل أو إلغاء أمر الوكيل العام للملك والذي بإلغائه تصبح الإجراءات المنجزة تنفيذا له كأن لم تكن، إن الأمر إذن يتعلق بآلية على درجة كبيرة من الخطورة لكونها تمس بخصوصية الأفراد وحقهم في ضمان الحرية على ما يصدر عنهم من محادثات ومراسلات، لذلك فقد منح المشرع ضمانات قانونية لعدم الاعتداء على هذا الحق وجعل اللجوء إلى خرقه استثناء يمارس في الحدود الدنيا وعندما يتعلق الأمر بجرائم خطيرة تمس أمن المجتمع واستقراره[41]، أما خرق هذا الحق والاعتداء على حرية المراسلات والمحادثات الخاصة للأشخاص بالتقاطها أو تسجيلها أو بثها أو توزيعها بمناسبة الحملات الانتخابية فيعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.

حرمة الحياة العائلية: ينص الدستور المغربي لسنة 2011 من فصله 32 على أن “الأسرة القائمة علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع”، ومن هذا المنطلق أمكن اعتبار حرمة الحياة العائلية عنصرا من عناصر الحق في حرمة الحياة الخاصة، وعليه فكل نشر لأسرار تدخل ضمن خانة الخصوصيات الدستورية للأفراد يعتبر تعديا على حياتهم الخاصة.

حرمة الصورة: وتتعلق بحق الفرد في عدم التقاط صورته بدون موافقته وبثها أو نشرها أو استغلالها أو تحريفها، واستعمالها لأغراض دعائية فقد تدخل المشرع لحماية هذا الحق في الفصول من 82 إلى 92 من مدونة الصحافة المغربية، فوفقا للمادة 89 ن المدونة يعد تدخلا في الحياة الخاصة كل تعرض لشخص يكن التعرض عليه وذلك عن طريق اختلاق ادعاءات أو إفشاء وقائع أو صور فوتوغرافية أو أفلام حميمية لأشخاص أو تتعلق بحياتهم الخاصة ما لم تكن لها علاقة وثيقة بالحياة العامة أو تأثير على تدبير الشأن العام. وعليه أن كل اعتداء على الحياة الخاصة للأفراد بنشر صورهم يعرض صاحبه لعقوبة مالية عبر غرامة تتراوح من 10.000 إلى 100.000 درهم[42]، مع حق الشخص المشهر به في التعويض المنصوص عليه في المادة 87 من مدونة الصحافة، وحتى ولو تعلق الأمر بشخصية عامة فإن نشر صور تمس بحياته الخاصة يعتبر من الأفعال المعاقب عليها، ما دامت الصور التي التقطت له ليست لها علاقة وثيقة بالحياة العامة.

هذه إذن هي أهم الحقوق والحريات المرتبطة بالحياة الخاصة للأفراد التي يمكن أن تكون عرضة للإعتداء أثناء الحملات الانتخابية، لذلك فإن النص على ضرورة عدم تضمن برامج الحملات الانتخابية لمثل هذه الأفعال دون النص على عقوبتها هو بمثابة تذكير بأن للمخالفات المرتبطة لهذه الأفعال عقوبات في نصوص قانونية أخرى.

  • المس بالمعطيات والبيانات المحمية بالقانون.

تكاد تجمع التعاريف على أن المعطيات والبيانات المحمية بالقانون هي كل معلومة متعلقة بشخص طبيعي معروف أو قابل للتعرف عليه (الشخص المعني)، ويعتبر قابلا للتعرف عليه، الشخص الذي يمكن معرفته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة لا سيما بالرجوع إلى رقم تعريف أو من خلال عنصر واحد أو عدة عناصر خاصة مميزة لهويته البدنية، الفيزيولوجية، النفسية، الاقتصادية، الثقافية أو الاجتماعية[43]، أما المشرع المغربي فيعرفها على أنها “كل معلومة كيفما كان نوعها بغض النظر عن دعامتها بما في ذلك الصوت والصور المتعلقة بشخص ذاتي معروف أو قابل للتعرف عليه، ويكون الشخص قابلا للتعرف عليه إذا كان بالإمكان التعرف عليه، بصفة مباشرة أو غير مباشرة ولا سيما من خلال الرجوع إلى رقم تعريف أو عنصرا أو عدة عناصر مميزة لهويته الدينية أو الفيزيولوجية أو الجينية أو النفسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية”[44].

مقال قد يهمك :   موقع "نوابك" فكرة شبابية متميزة تحاول تجسيد الديمقراطية التشاركية

وما يلاحظ حول التعريف المغربي للمعطيات ذات الطابع الشخصي يكاد يكون مماثلا للتعريف المعتمد من طرف التوجيهات الأوربية لذات المعطيات، كما أنه يتضمن عناصر تدخل في إطار العناصر المكونة للحياة الخاصة للأفراد والتي سبق الحديث عنها، وعليه وحرصا من المغرب على تكريس هذه التوجهات ذات البعد الحقوقي والمرتبطة بمجال الحماية القانونية للبيانات والمعطيات ذات الطابع الشخصي، وفي هذا الإطار صدر القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، بالإضافة إلى مرسومه التطبيقي من أجل تمكين المغرب من آلية تشريعية تؤطر استعمال ومعالجة المعطيات والبيانات الشخصية سواء من طرف المؤسسات العمومية أو الخاصة، بهدف ضمان الحماية الدستورية للحياة الخاصة للأفراد، وكذلك بهدف تمكين الأشخاص المعنيين بهذه المعاملة في مجموعة من الآليات القانونية والحقوق التي تكفل لهم مجابهة أي تجاوزات محتملة في هذا المجال مثل الحق في الموافقة[45]، الحق في الإخبار قبل الشروع في تنفيذ المعالجة[46]، بالإضافة إلى حق الولوج[47]، وحق الرد والتصحيح[48]، والحق في التعرض[49]، وفي مقابل هذه الحقوق رتب المشرع مجموعة من الالتزامات على المكلف أو المسؤول عن هذه المعالجة والتي يبقى من أهمها احترام الغاية من المعالجة[50] واحترام مبدأ التناسب[51] والتحقق من الجودة، لذلك وأمام هذه الضمانات القانونية لا يمكن أن نتصور اللجوء إلى استغلال المعطيات ذات الطابع الشخصي المحاطة بالحماية القانونية في الحملات الانتخابية تحت طائلة تعرض “المسؤول عن هذه المعالجة الغير قانونية” للعقوبات المنصوص عليها في الباب السابع من القانون رقم 09.08 دون الإخلال بالعقوبات الجنائية في هذا المجال.

  • التحريض على العنف.

وإذا كان المشرع الجنائي المغربي قد نص صراحة على جريمة التحريض على التمييز أو على الكراهية بين الأشخاص، فإنه لم ينص صراحة على جريمة التحريض على العنف باستثناء المقتضيات الخاصة بالعنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها[52]، أما العنف في التشريع المغربي فيمكن تعريفه باعتباره كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو نفسي أو اقتصادي[53].

هذا ويميز المشرع المغربي بين أربعة أنواع من العنف هي[54]:

العنف الجسدي:وهو كل فعل أو امتناع يمس أو من شأنه المساس بالسلامة الجسدية أيا كان مرتكبه أو وسيلة أو مكان ارتكابه.

العنف الجنسي: كل قول أو فعل أو استغلال من شأنه المساس بحرمة الجسد لأغراض جنسية أو تجارية الوسيلة المستعملة في ذلك.

العنف النفسي: كل اعتداء لفظي أو إكراه أو تهديد أو إهمال أو حرمان سواء كان بغرض المس بالكرامة والحرية والطمأنينة أو بغرض التخويف والترهيب.

العنف الاقتصادي: كل فعل أو امتناع عن فعل ذي طبيعة اقتصادية أو مالية يضر أو من شأنه يضر بالحقوق الاجتماعية أو الاقتصادية لصاحبها.

فإذا كان المشرع استعمال هذه التعاريف وهذا التقسيم بمناسبة في قانون خاص، هو قانون محاربة العنف ضد المرأة، فإن هذه التعاريف وهذا التقسيم لفعل العنف قد ينطبق على الأفعال الممارسة على فئات اجتماعية أخرى غير المرأة، خاصة وأن المشرع المغربي عمل على تكييف فصول القانون الجنائي مع مقتضيات القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد إزاء رقم 103.13 وإن كان المشرع المغربي قد خص العنف ضد النساء بمقتضيات قانونية خاصة من أجل تكريس وضعها الاعتباري داخل المجتمع وتوفير مزيد من ضمانات الحماية لها في ظل ارتفاع وتيرة أعمال العنف والاستغلال الموجه ضد النساء، فإن التشريع المغربي قائمة قبل إصدار القانون 103.13 وقد جاءت أبرز مقتضيات القانون الجنائي في محاربة العنف بشكل عام كالتالي:

نوع العنف العقوبة المقررة النص القانوني
العنف الخفيف الاعتقال من يوم واحد إلى 15 يوما وغرامة من 20 إلى 200 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط. الفقرة الأولى من الفصل 608 من القانون الجنائي المغربي
العنف الذي ينتج عنه عجز الاشتغال مدته تقل عن عشرين يوما، أو الذي ينتج عنه عجز الحبس من شهر واحد إلى سنة واحدة وغرامة من 200 إلى 500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين. الفقرة الأولى من الفصل 400 من القانون الجنائي المغربي.

 

 

الحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من 200 إلى 1000 درهم الفقرة الثانية من الفصل 400 من القانون الجنائي المغربي.
العنف الذي ينتج عنه عجز عن الاشتغال تتجاوز مدته عشرين يوما

 

الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى 100 درهم. الفقرتين 2 و 3 من الفصل 401 من القانون الجنائي المغربي.
الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 250 إلى 2000 درهم المنع من الإقامة.

 

العنف الذي ينتج عنه فقد عضوا أو بتره أو الحرمان من منفعته أو أي عاهة مستديمة السجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات. الفقرة الأولى من الفصل 402 من القانون الجنائي المغربي
السجن من شعرة إلى عشرين سنة. الفقرة الثانية من الفصل 402 من القانون الجنائي المغربي
الإصابة العمدية التي ينتج عنها الموت دون قصد القتل السجن من عشرة إلى عشرين سنة الفقرة الأولى من الفصل 403 من القانون الجنائي المغربي.
 

السجن المؤبد

الفقرة الثانية من الفصل 403 من القانون الجنائي المغربي

المصدر: تركيب شخصي عن الجدول الوارد في الفصل 404 من القانون الجنائي المغربي.

إن ارتكاب العنف كيف ما كان نوعه إذن حتى لو تعلق الأمر بالعنف الخفيف جريمة ثابتة ومعاقب عليها في القانون الجنائي المغربي كما هو الشأن بالنسبة لفعل التحريض على ارتكاب جناية أو جنحة ما مثلما سبق أن رأينا، وعليه فتطبيقا لهذه المقتضيات واستنادا إلى مقتضيات الفصول 129 و 1-229 و 1-431 و 5-431 من القانون الجنائي المغربي أن كلا من التحريض على العنف والتحريض على العنصرية والكراهية المشار إليها في المادة 118 من القانون 11-57، هي جرائم يعاقب عليها القانون بوضوح لا لبس فيه ولا غموض وبالتالي فلا مجال لارتكابها ليس فقط من خلال تضمينها في البرامج المعدة للحملات الانتخابية كما تنص على ذلك المادة 118 المشار إليها سابقا، ولكن ارتكاب مثل هذه الأفعال يبقى في اعتقادي محظورا طيلة الفترة الانتخابية على اعتبار أن ارتكابها يبقى في جزء كبير منه مرتبطا بالنظام العام.

خاتمة:

من خلال ما سبق يتضح أن موضوع تحديد المخالفات المرتبطة بالحملة الانتخابية وترتب جزاءاتها موضوع يحظى باهتمام بالغ من طريق المشرع، ما يعبر حضور هاجس تخليق الفعل الانتخابي لدى المشرع المغربي، لكن ترجمة هذا الهاجس على أرض الواقع سرعان ما حصد نتائج عكسية بفعل التعدد المبالغ فيه للمقتضيات القانونية المتعلقة بمخالفات الحملات الانتخابية وتوزيعها على عدد مبالغ من النصوص القانونية، مما يجعل جزء أكبر من هذه المخالفات في منأى عن أية محاسبة، فهل يمكن أن نرى في يوم من الأيام مدونة مستقلة لتنظيم الحملات الانتخابية ومخالفتها؟


الهوامش:

(*) تم تحكيم هذا المقال من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات والأبحاث القانونية.

[1]– تم تعديل هذه المادة بموجب المادة الأولى من القانون 36.08 القاضي بتغيير وتتميم مدونة الانتخابات.

[2]– مرسوم رقم 2.16.669 صادر بتاريخ 6 دي القعدة 1437/16 غشت 2016 والمتعلق بتحديد الأماكن الخاصة بتعليق الإعلانات بالنسبة للانتخابات العامة لانتخاب أعضاء مجلس النواب، الجريدة الرسمية عدد 6490 بتاريخ 11 غشت 2016، ص 5892.

[3]– الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من المرسوم 1.16.669 م س.

[4]– المادة 5 من المرسوم رقم 1.16.669 م س.

[5]– المادة 1 من القانون التنظيمي رقم 2016، القاضي بتنفيذ وتتميم القانون التنظيمي رقم 27-11 المتعلق بمجلس النواب، الجريدة الرسمية عدد 6490، بتاريخ 11 غشت 2016.

[6]– وقع تفريغها وتتميمها بموجب القوانين 64..02 (2003)- 23.06 (2007)- 36.08 (2008)- 43.15 (2015).

[7]– المادة 31 من القانون 27.11 المتعلق بمجلس النواب.

[8]– المادة 32 من القانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين.

[9]– ظهير شريف رقم 1.11.171 صادر في 30 ذي القعدة 1432/ 28 أكتوبر 2011، بتغيير القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية.

[10]– المادة 3 من القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية.

[11]– أنظر على سبيل المثال المادة 3 من المرسوم رقم 2.16.69 الصادر في 18 ربيع الثاني 1437 / 29 يناير 2016، المحدد بموجبه تاريخ انتخاب أعضاء مجلس النواب ج، ر 6435، ص 529.

[12]– قرار المحكمة الدستورية رقم 747 بتاريخ 24 مارس 2009.

[13]– قرار المحكمة الدستورية رقم 683 بتاريخ 19 أبريل 2008.

[14]– Jean cloude mesclet : Droit électoral, op, cit, p 409.

[15]– الدكتور عبد القادر باينة: النظام القانوني للانتخابات بالمغرب، م.س، ص 186.

[16]– تم رفع الحظر على استعمال النشيد الوطني والصورة الرسمية لجلالة الملك في القاعات التي تحتضن الاجتماعات المتعلقة بالحملة الانتخابية بموجب مشروع قانون رقم 10.21 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة

[17]– الفصل الأول من الدستور المغربي لسنة 2011.

[18]– يحدد الأستاذ محمد يحيا للنظام العام ثلاثة أبعاد (الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة)، للمزيد من التفصيل أنظر: محمد يحيا: المغرب الإداري، الطبعة الخامسة 2016، مطبعة اسبارطيل، طنجة، ص 264.

[19]– الفصل 129 من القانون الجنائي المغربي.

[20]– الفصل 1-299 من القانون الجنائي المغربي.

[21]– نفس المرجع سابق.

[22]– الفقرة 2 من الفصل 1-299 من القانون الجنائي المغربي.

[23]– الفصل 1-431 من القانون الجنائي المغربي.

[24]– نفس المرجع السابق.

[25]– الفصل 5-431 من القانون الجنائي المغربي.

[26]– ينص ميثاق الأمم المتحدة في بدايته على ” نحن شعوب الأمم المتحدة آلينا على أنفسنا أن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وكرامة الفرد وقدره…

[27]– تنص المادة الأولى كمن الإعلان الدولي لحقوق الإنسان على “يولد جميع الناس أحرار ومتساوين في الكرامة والحقوق”

[28]– ينص ميثاق منظمة الاتحاد الإفريقي على “الحرية والمساواة والعدالة والكرامة أهداف أساسية لتحقق التطلعات المشروعة للشعوب الإفريقية”

[29]– تصدير الدستور المغربي  لسنة 2011.

[30]– سوف نعود للحديث بالتفصيل عن الممارسات اللامشروعة أثناء الحملات الانتخابية في الفصل الثاني من هذا الكتاب.

[31]– الفصل 24 من الدستور المغربي لسنة 2011.

[32]– كريم لحرش: الدستور الجديد للمملكة المغربية، شرح وتحليل، الطبعة الثانية، 2016، ص 107.

[33]– الفصل 25 من الدستور المغربي لسنة 2011، الفصل 441،1-447، 2-447، 448.

[34]– المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

[35]– الفقرة الأولى من الفصل 1-447 من القانون الجنائي.

[36]– منشور رئيس النيابة العامة عدد 48 س، ر ن ع ، بتاريخ 6 دجنبر 2018.

[37]– منشور رئيس النيابة العامة رقم 48، م.س.

[38]– نفس المرجع.

[39]– الباب الخامس من القسم الأول من القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية والتعديل الذي أدخل عليه بمقتضى القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب.

[40]– المادة 18 من القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.

[41]– المادة 18 من القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.

[42]– تمت الإحالة على هذه العقوبة المنصوص عليها في المادة 85 من مدونة الصحافة بموجب المادة 89 من نفس المدونة.

[43]– تعريف المادة 2 من الفصل الثاني من التوجهات الأوربية عدد 95-46 المتعلقة بحماية الأشخاص الطبيعيين من معالجة المعطيات الشخصية وحرية تداولها بتاريخ 24 أكتوبر 1995، أورده حسن الحافظي: الحياة القانونية للمعطيات ذات الطابع الشخصي بين التشريع الوطني والاتفاقيات الدولية، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والتعاون الجنائي الدولي، جامعة مولاي إسماعيل 2017/2018، ص 18.

[44]– المادة 1 من القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.

[45]– المادة 4 من القانون 09.08.

[46]– المادة 5 من القانون 09.08.

[47]– المادة 7 من القانون 09.08.

[48]– المادة 8 من القانون 09.08.

[49]– المادة 9 من القانون 09.08.

[50]– البند (ب) من المادة 3 من القانون 09.08.

[51]– البند (ج) من المادة 3 من القانون 09.08.

[52]– أنظر على سبيل المثال الفصول: 1-308 – 2-308 – 3-308 – 5-308 من القانون الجنائي المغربي.

[53]– المادة 1 من القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.

[54]– هذه التعاريف مأخوذة بتصرف عن المادة الأولى من القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)