الصلاحيات القانونية لحكومة “تصريف الأمور الجارية” في المغرب

هل لا يزال القانون الإداري المغربي مناسبا لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين؟

عبد الحق الخيروني: حــــــكاية الـــــقانـــون -مقاربة فلسفية-

16 سبتمبر 2021 - 3:24 م مقالات , القانون العام , في الواجهة , مقالات , مقالات منوعة
  • حجم الخط A+A-

عبد الحق الخيروني باجث في سلك الدكتوراه تخصص الفلسفة

أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي لمادة الفلسفة


الملخص:

                 حاولنا في هاته المساهمة المعرفية أن نتوقف بالدراسة والتحليل على أهم الإشكالات والقضايا الفلسفية التي أثارها بعض فلاسفة كل من المذهب الطبيعي والمذهب الوضعي في مفهوم القانون، حيث حصرنا دراستنا في كيفية تنظير هؤلاء الفلاسفة لمفهوم القانون، وذلك في سياق التركيز على بعض المسائل التي نراها تشكل اليوم بوصلة الصراع الفكري في فلسفة القانون وانعكاسات ذلك على الضبط والإرشاد في التعاملات القانونية بين أهل القانون والأغيار؛ نقصد التركيز على بعض أسس شروط المحاكمة العادلة، علاقة القانون بالأحكام المعيارية، وهي المسائل التي أثيرت على مر تاريخ الفكر الفلسفي السياسي والحقوقي بشكل ينسجم وما تحمله كل مرحلة من حقائق في طياتها.

وقد قادتنا هاته الوضعية المشكلة في هذه القضايا بين هذين المذهبين، إلى استحضار الوضعية الأصلية –التي افترضها عمدة فلاسفة الفكر السياسي والحقوقي المعاصر جون رولز- بكونها الموطن الأصلي الذي يقتضي العودة إليه في ضبط البعد العلائقي بين المتدخلين في إيجاد حلول لجملة المشاكل الفلسفية المعروضة اليوم على أهل القانون.

الكلمات المفتاحية: حكاية، القانون الطبيعي، القانون الوضعي، الوضعية الأصلية.

Conclusion:

      Nous avons essayé, à travers cet apport cognitif, de soumettre à l’examen et à l’analyse les principales problématiques et questions philosophiques soulevées aussi bien par des naturalistes que par des positivistes, à propos de la notion du droit. A cet égard, nous avons limité notre étude à la manière dont ces philosophes théorisent la notion du droit, et ce en focalisant sur des questions, qui de nos jours, sont considérées comme visées par les divergences intellectuelles en matière de la philosophie du droit, ainsi que les répercussions qui s’en suivent et qui influencent la régie des transactions juridiques avec les autres. C’est-à-dire le fait d’insister sur les conditions d’un procès équitable, le rapport du droit avec les dispositions normatives. Ce furent les questions soulevées à travers l’histoire de la pensée philosophique politique et juridique, d’une manière cohérente avec les vérités de chaque étape.

     Cette situation de distorsion entre les deux courants nous a amené à faire rappel de la situation initiale envisagée par de nombreux philosophes de la pensée politique juridique contemporaine – comme étant le point de départ auquel il s’avère nécessaire de revenir pour régir la relation interactive entre le juge et le justiciable, ainsi que les organismes de plaidoirie à solutionner tous les problèmes philosophiques  présentées devant les juristes.

Mots clés : Histoire, droit naturel, droit positif, situation initiale/d’origine.


تقديم:

       تُستعمل كلمات من قبيل: “القانون فوق الجميع” و “القانون وُجد من أجل ضبط العلاقات بين الأفراد والجماعات” و “القانون لا يحمي المغفلين” وغيرها من الكلمات التي تقرع الأدهان، وتوحي عند البعض إلى كونها واضحة المبنى والمعنى، لكن المتأمل فيها بنظرة المتبصر في أبعادها ودلالاتها الفلسفية سيجدها تحتاج إلى تقويم من منطلق تشريح دلالة السؤال الرئيسي التالي: ما معنى القانون؟

        لقد انشغلت بهذا السؤال عدة مذاهب فلسفية بغرض تقديم إجابات شافية له، وأقرت بأنها قادرة على إعطاء مقومات ثقافية تستطيع تنظيم الأفراد والمجتمعات، إلا أن محاولاتها ظلت محفوفة بمجموعة من الإشكالات التي أبانت عن قصور في تحقيق الضبط والإرشاد المحكم في كل المسائل التي تهم الإنسان، بحيث إذا كانت جل المذاهب الفلسفية والقانونية تقر بضرورة وضع إطار قانوني يسهر على تحقيق الاستقرار والسلم بين مكونات المجتمعات، فإن قضية طبيعة هذا الإطار هي التي ولدت الشرارة الثقافية بين فلاسفة القانون، مما كان له أثر واضح على كيفية التعاطي مع القضايا القانونية.

       والحق أن هذه القضية لم تكن وليدة اليوم، بل طرحت مند الفكر اليوناني وامتدت حتى حدود الفترة الحالية بطرق تختلف باختلاف خصائص كل مرحلة، ذلك أنه إذا كانت الحقبة اليونانية مثلا قد انشغلت بسؤال: هل يتأسس القانون على ما هو طبيعي أم على ما هو وضعي؟  إذ تم في إطار التجاوب مع هذا السؤال عزل طبقة المثقفين عن طبقة الأرذال؛ باسم أن القانون وجد من أجل تنظيم هاته الطبقة الأخيرة، فإن في الفكر الحقوقي الحديث طرحت إشكالات تهم المغزى من وجود هاته الفوارق. بمعنى أنه، إذا كانت المرحلة اليونانية قد سعت إلى مقاربة القانون وفق رؤية تراتبية وهرمية في توزيع الحقوق على أفراد المجتمع، فإن بوادر تشكل وتطور الحقوق الانسانية بشكل يساوي بين الأفراد، لم يتبلور إلا مع فلاسفة الفكر الحقوقي الحديث الذين نادوا بضرورة تحقيق المساواة في الحقوق، ليبلغ ذلك أوجه وعطاءه مع فلاسفة الفكر الفلسفي الحقوقي المعاصر.

         وقد انسجم هذا النداء، مع تلك الهزات والثورات العلمية التي أسست القانون على مبادئ جديدة ترتبط أساسا بأهمية التنظير لمسائل من قبيل: فصل السلط، تنظيم علاقة القاضي بالمتقاضي، علاقة القانون بالذاتية والحتمية والموضوعية، المسؤولية الجنائية، تطور الجريمة بشتى أنواعها، شروط المحاكمة العادلة، علاقة القانون بالأحكام المعيارية وغيرها من القضايا التي بحثت فيها الفلسفة برجالاتها قصد إغناء المقتضيات القانونية ووضعها وفق المسار السليم لها.

        وارتباطا بهاته المعطيات، سنحاول قدر المستطاع التوقف عند دراسة ومناقشة بعض القضايا التي نراها تشكل اليوم كنه الصراع بين المذاهب الفلسفية المتعاركة في حلبة القانون، باعتبارها أثارت جدلا في صفوف فلاسفة المذهب الوضعي وفلاسفة المذهب الطبيعي، وذلك من خلال حصر هاته الدراسة في بعض شروط المحاكمة العادلة، علاقة القانون بالأحكام المعيارية، أهمية الوضعية الأصلية في القانون؛ وكذا الأبعاد الفلسفية التي تحملها مثل هذه القضايا عند المذهبين معا في علاقتهما بالقانون، حيث سننطلق من طرح سؤال رئيسي مُوجه لكل التساؤلات الفرعية الأخرى التي ستأتي في إطار هذه المضامين الثقافية، نعبر عنه بالشكل الآتي:

كيف قارب كل من المذهب الوضعي والمذهب الطبيعي بعض أهم مسائل القانون؟

   لتقويض بنية هذا السؤال، سنعمل على تفريعه إلى تساؤلات أخرى، هي كالتالي:

ما شروط المحاكمة العادلة عند المذهبين معا؟

وكيف نظر المذهبين معا لقضية الأحكام المعيارية في علاقتها بالقانون؟

ما دور وأهمية الوضع الأصلي في إطار العلاقة بين المذاهب الفلسفية المختلفة والمتنوعة؟

        لمعالجة هذه التساؤلات الفلسفية، سنعتمد المنهج التحليلي المقارن، بغرض دراسة ومقارنة أهم التصورات الفلسفية التي يتبناها كل مذهب فلسفي في القانون؛ وكذا نظرتهما لبعض الفرضيات القانونية مستندين في ذلك على خطوات تحليلية تكشف عن بعض العوائق الابستمولوجية في الظاهرة القانونية.

الجانب النظري:

    لا شك في أن المفاهيم تعد المدخل الأساسي في فهم أي مساهمة ثقافية. ومادام الأمر كدلك، فإننا سنعمل على توضيح دلالة مفاهيم العنوان الرئيسي لهذا المتن الفلسفي؛ وكذا المفاهيم الموجودة في العناوين الفرعية، باعتبارها تشكل مفتاح هاته المساهمة الثقافية.

1-حكاية:

استعملنا هذا المصطلح في علاقته بالقانون، كإشارة إلى كون القانون له تاريخ حافل بالأفكار والفرضيات التي غالبا ما تركن للفلسفة بغية تقييمها، ومن تم تقويمها بناء على المساءلة النقدية، باعتبارها آلية ينهجها الفيلسوف في مقاربة الظاهرة القانونية في ارتباطها بالأحداث والشخصيات المتدخلة في ذلك. وعليه، “فالحكاية هي مقال سردي يحتوي على أحداث وشخصيات إما حقيقية أو متخيلة، والتي لا تحكمها قواعد ثابتة، ومن الحكايات من يتوخى التسلية على سبيل المثال”[1]

2-القانون الوضعي:

يختلف القانون الوضعي عن القانون الطبيعي في كون الأول لا يتبنى عقيدة معينة يدافع عنها، بل يقوم على وضع إطار قانوني ُأُسس بشكل حر بين الأفراد الأحرار والأنداد والمتساوين الذين يخولون صلاحيات للسلطة قصد فرض ضوابطه داخل جماعة بشرية يحدها مجال جغرافي معين. لذلك، فهو ” مجموع المقتضيات القانونية التي تسري في دولة أو في مجموعة من الدول”[2]

3 -القانون الطبيعي:

 يقر أنصار القانون الطبيعي أن قواعده ومبادئه هي الأساس الذي لا يمكن الاستغناء عنه في تنظيم العلاقات بين الأفراد والمجتمعات، وبذلك فهو يتناقض مع بعض الأركان المؤسسة للقانون الوضعي. وفي هذا الإطار يمكن القول “إن القانون الطبيعي هو تجميع لقواعد ما هو العادل و ما هو دون ذلك و التي نرغب في أن نراها تتحول فورا إلى قوانين وضعية”[3]

4-الوضع الأصلي:

يشير الوضع الأصلي إلى كونه خطة إصلاحية افتراضية تقوم على دعوة التعددية المختلفة في عدة مسائل اجتماعية للاستدلال والتداول عنها؛ وكذا اختيار الحلول الممكنة لها بشكل عقلاني يتجنب الوقوع في المؤثرات التي تشوش على عملية التفاوض. وعليه، فالوضع الأصلي مثل “عمليَّة العرض التي تلخّص معنى «تصورنا للإنصاف »، والتي تساعدنا على الكشف عن الآثار والانعكاسات”[4]

القانون الوضعي.

         ترجع الجدور الفلسفية للقانون الوضعي إلى المرحلة اليونانية، باعتبارها مرحلة احتدم فيها النقاش الفلسفي عن أصل القانون من منطلق السؤال التالي: هل يتأسس القانون على ما هو وضعي أم على ما هو طبيعي؟ . وقد تطرق لهذا السؤال بروتاجوراس بصفته أحد السفسطائيين اليونانيين الذين أسسوا لكل الإشكالات التي بزغت فيما بعد بسيرورة الفكر الفلسفي الحقوقي، حيث انطلق في الجواب عن هذا السؤال من النظر إلى القانون بكونه مستمد من عقل المشرع الذي يسن القوانين المنظمة للبعد العلائقي بين أفراد المجتمع،  على اعتبار أن القانون ” من ابتداع الأحرار وحدهم، وهذا ما عرف بنظرية العقد الاجتماعي”[5].

       غير أن لهذا الطرح الفلسفي عدة أسباب ساهمت في تشكيل بناه، لعل أهمها تلك المرتبطة بالفوضى التي كانت سائدة قبل وجود أي سلطة تسهر على تحقيق الأمن والأمان للمجتمع، حيث كانت فيها الغلبة للقوي على الضعيف. وما دامت هاته الفوضى لا تخدم السلم والتنمية للجماعة البشرية لا اقتصاديا ولا اجتماعيا، فقد تم التفكير في سن قوانين تضبط العلاقة التفاعلية بين الأفراد والجماعات. بيد أن مصدر هاته القوانين لم يبنى على افتراضات موجودة سلفا، وإنما من رحم الاتفاق بين الأفراد. فمثلا لا يمكن اعتبار أن تأسيس القانون الوضعي راجع بالأساس إلى قوى خارجة عن الزمان والمكان كما يعتقد فلاسفة القانون الطبيعي، بل هو راجع إلى كائنات عاقلة تداولت وتوافقت عن إمكانية وضع قواعد ومبادئ ينضبط لها الجميع من أجل الحفاظ على العيش المشترك. لذلك ” ليست القوانين من عمل الآلهة، أو الطبيعة، وإنما نتيجة مترتبة على اتفاق في الرأي بين المواطنين”[6]

       توطيد ما اتُّفق عليه بين الناس، لا يمكن أن يبقى محل نقاش شفهي وفقط، بل يُفترض فيه أن يجسد في المؤسسات التي يتم تخويلها صلاحيات السهر على تنظيم شؤون الناس وترتيب الجزاءات على كل المخالفين لها، نظرا لدورها الطلائعي الذي ستلعبه في مأسسة عدة قيم اجتماعية تساهم في تقويم السلوك الاجتماعي وتثمينه. فالأسرة والمدرسة والقوانين كلها تعمل على توجيه السلوك الإنساني نحو قواعد ومبادئ التعايش المشترك، وهذا التعايش لا يمكنه أن يتم إلا في سياق تجاوز الفوضى والاستبداد الذي وجد قبل وجود أي تراض بين الناس. وعليه، فالقانون عند بروتاجوراس هو ” أسمى شيء لأن السماء تقره، وله الفضل في إنقاد الناس من حالة الطبيعة الأولى التي لم يكونوا فيها أحسن حالا من الوحوش”[7]

      لكن، إذا كانت الفلسفة اليونانية مع بروتاجوراس قد أقرت بأن القانون الوضعي من صنع البشر وليس من صنع الآلهة، فما تأثيرات ذلك على فلاسفة الفكر الفلسفي الحقوقي الحديث؟ أو بالأحرى، على أي أساس بني القانون الوضعي في الفترة الحديثة؟ وما هي أهم الإضافات الفلسفية التي أتى بها فلاسفة هاته الفترة؟

      ليس الغرض من الرجوع إلى الفكر الفلسفي اليوناني مع بروتاجوراس في مسألة القانون الوضعي، هو تقديم عرض كرنولوجي للتصورات الفلسفية لهذا القانون، أو تبيان محدودية هذا الفكر أو ذاك، بل هو الانفتاح على الماضي من أجل فهم الحاضر والاعتراف بأن فلسفة القانون بمقوماتها المعرفية ورجالاتها تعد المشتل الرئيسي في إثارة إشكالات فلسفية توجه الإطار القانوني نحو الأقوم.

    واعتبارا لحداثة العديد من القضايا القانونية في الفكر الفلسفي الحقوقي الحديث؛ كقضية شروط المحاكمة العادلة، علاقة القاضي بالمتقاضي، وغيرها من القضايا، فقد حتم ذلك على فلاسفة القانون التوسيع من قاعدته ليشمل هاته القضايا في معالجته لكل المشاكل المطروحة عليه في شتى المجالات، بحيث سار مثلا الحديث عن قضية المحاكمة العادلة مرتبطا بعدة شروط اقتصادية واجتماعية يمكن للمترافعين عن الجناة التعبير عنها بإرادة حرة. وبالتالي، انتقل القانون الوضعي من معطى ضيق يقوم على التخلص من هاجس الفوضى إلى معطى موسع يستند إلى الحقوق في تعدد مقاصدها. ويرجع مدار ذلك إلى وجود تضامن حقيقي بين المذهب الإرادي والمذهب الوضعي اللذين سعيا في المرحلة الحديثة إلى إثارة حلول لكل المشاكل المطروحة عليهما، إذ أن تضامنهما مكن من مقاربة العديد من القضايا التي استعصت على فلاسفة الفكر القانوني الكلاسيكي.

       غير أن هذا التضامن بين المذهبين معا، قادنا إلى التساؤل عن طبيعة العلاقة بينهما، نعبر عن ذلك بالشكل الآتي: ما طبيعة العلاقة بين هذين المذهبين ؟

مقال قد يهمك :   السلطة الإدارية لدى المنظمات المهنية -هيئات المحامين نموذجاً-

      الملاحظ أن هناك تقارب وتداخل في الأسس الثقافية التي يقوم عليها كلا المذهبين. فالحديث عن المذهب الإرادي هو حديث عن الإرادة الحرة والمستقلة، باعتبارها تشكل بوصلة هذا المذهب في جل القضايا القانونية. كما أن الحديث عن القانون الوضعي هو حديث عن إطار حر يحكم التفاوض بين الأطراف المتحاورة في شأن الطروحات الاجتماعية، بحيث تصير الإرادة الحرة هي أرضية الاستدلال والتداول حول المسائل الاجتماعية، بينما تصبح السماء هي الغطاء الذي يحتوي مضامين العقد. بمعنى، تكون الإرادة الحرة أساس التفاوض عند المذهبين معا، بينما يسير الإلزام هو الآلية الضبطية لما تم التعاقد بشأنه في القانون الوضعي. وعليه، يذهب أنصار هذين المذهبين إلى الإقرار بأن “القانون الوضعي الذي ينفرد المذهب الوضعي بدراسته، هو القانون الموضوع، بموجب إرادة صادرة في زمان ومكان معين، إما من قبل الحاكم وحده، أو باتفاق آراء الذين يصيغون القوانين”[8]

      وبالنظر إلى ذلك التكامل بينهما معا في تشكيل بنى القانون، فإن ذلك لا يعني عدم اكتمال القانون الوضعي، أو وجود نواقص معينة في أحد المذهبين معا، بل يعني ذلك النظر إليهما كقوة اقتراحية مساهمة في تأتيت بنية القانون. فلولا الإرادة الخيرة كما يقر كانط، لما تكلمنا عن تطور في القانون الوضعي الذي هو في حد ذاته مسايرة للرغبات والحاجات الإنسانية في كل الأزمنة والأمكنة.

         بيد أن لفكرة مسايرة الرغبات والحاجات عدة انعكاسات ارتبطت بطبيعة العلاقة بين الأحكام المعيارية والقانون الوضعي، نعبر عن ذلك بالتساؤل التالي: ما علاقة القانون الوضعي بالأحكام المعيارية؟ وهل الأحكام المعيارية تشكل شرطا ضروريا في المحاكمة العادلة أم مادا؟

     ضمن هذا السياق، ذهبت العديد من التصورات الفلسفية في دراستها لمثل هاته الإشكالات، إلى التأكيد على أهمية الفصل بين الأحكام المعيارية والقانون الوضعي بدعوى أن لكل منهما مجاله الخاص. فلا حديث عن نزاهة وحيادية الأحكام بالنسبة لأنصار هذا القانون، إلا في سياق استقلالية القانون عن الشوائب المعيارية التي تعوق الضبط والترشيد في الحكم السليم. إن رغبة فلاسفة القانون الوضعي في تجاوز الوقوع في التناقض الذي أفرزه التوجه المادي والتوجه المثالي في سيرورة الفلسفة، يبرز حاجتهم الماسة للتخلص من المشاكل الإيديولوجية والعقائدية التي تشوش على مصداقية ومردودية العمل القانوني. وفي هذا الصدد يقولون ” إن وجود نظرية تطابق بين القانون والأخلاق قمينة بأن تؤدي إلى أحد أمرين إما إلى ادعاء رجعي من جانب المنتفعين بالقانون بأنه يمثل ذروة العقل والكمال، أو إلى رفض كامل له من جانب المضطهدين على أساس أنه اعتداء على بديهيات العدالة الطبيعية”[9]

       بهذا الشكل يتضح أن أهل القانون الوضعي يسعون إلى تخليصه من كل الأحكام المعيارية، لأن تحاشيها هو السبيل لتخليص القانون من كل المشاكل التي تعوق الضبط والارشاد في *المحاكمة العادلة.

          لكن، لعل ما يثار في ظل هذه المعطيات هو: كيف يمكن للقانون الوضعي أن يحقق النزاهة والحياد في المسائل القانونية طالما أن هناك صراعات إيديولوجية مختلفة في قاعدته؟ بمعنى كيف يمكن للقانون الوضعي أن يحقق الموضوعية والعلمية في الظاهرة القانونية ؟ هل يمكن أن نفهم العلمية بالمعطى العلمي بأن نجعل الآلة تسيرنا وتحكمنا وتقرر مكاننا بالمحاكم أم ماذا؟ ما علاقة هذا القانون بالذاتية والحتمية والموضوعية؟

      لقد تأمل مؤيدو هذا التوجه القانوني فيما راكمه العمل القضائي بتبنيه للأحكام المعيارية في دراسته للنوازل، باعتبارها (الأحكام المعيارية) تشكل عائقا أمام النزاهة والحياد. ومن تم، أقروا بضرورة  تأسيسه على معطى علمي، وهذا المعطى لا ينبثق من القول بكلمات شائكة وغير مفهومة؛ أي من معطيات شفهية معرضة لشتى التأويلات والتبريرات، بل من فكرة التوثيق المبني على ضوابط منطقية واضحة الدلالة والاحالة في الواقع بين الجميع؛ بحيث لا مجال  لتعدد وتضارب الآراء فيما تم التعاقد عليه. دعواهم في ذلك، أن جل الأطراف التي اتفقت على قواعد العقد ستظل محترمة لواجباتها ومسؤولياتها التي أبرمتها في العقود والالتزامات. ومن ثم تجاوز كل ما هو شفهي والذي يمكن وصفه بالتجريد والتعقيد، والتقرب إلى التنظيم العلمي والعملي المحكم. وللولوج إلى هاته الغاية يجب “الأخذ بالوقائع المحددة من طرف الإجراءات المرتبطة بالضوابط الموضوعة”[10]

       الفكرة هنا هي أن القانون الوضعي يسعى إلى تحاشي كل المؤثرات التي تعرقل تشكل الموضوعية في العمل القانوني؛ أي تجاوز عنصري الذاتية والحتمية في المعاملات القانونية. لذلك نجد أصحاب هذا التوجه يؤكدون على أهمية وضع نظرية واضحة المعالم للقانون، لأن دورها يكمن في ” أن نبين ما هو القانون وكيف هو، وليس أن نقول كيف يجب أن يكون، أو على أي شاكلة يجب أن يكون”[11]

      لكن قد يتساءل قارئ هاته السطور، فيقول: ماذا لو وقعنا في تعدد معاني الكلمات بفعل غموض وتشعب الكلمات التي تكتب بها القواعد القانونية؟ نقصد، ماذا لو وقع خلط في مبنى ومعنى الضوابط القانونية نتيجة لتعارض الفهم والإفهام في مقتضيات بنودها؟ بمعنى ماذا لو وقعنا في مسألة التأويل وانعكس ذلك على الأحكام القضائية؟ فما هو الحل؟  

       لا شك في أن مثل هاته الفرضيات الفلسفية التي أضحت تطرح اليوم بكثرة في المحاكم، يرجع مدارها إلى غموض تلك المفاهيم* والقيم التي يقرها المدافعون عن المتهمين، حيث أنها مفاهيم تحمل عدة ألغام يقتضي تفكيكها بالعدة الفلسفية. وموطن ذلك، أن كل نسق فلسفي يؤسس تصوره الثقافي على معنى خاص. فمثلا قد نجد كلمة الديموقراطية يرددها الساسة أمام الجمهور، باعتبارها قضية يتداولها الكل، لكن معانيها تختلف باختلاف الأنساق الفكرية التي يتبناها كل سياسي. وهذا شأن المذاهب القانونية التي تتصارع في جنبات القانون بسبب غموض مجموعة من القيم التي تظهر للإنسان العامي بأنها واضحة القصد، في حين لو قمت بتقويضها فلسفيا لوجدتها تحمل عدة أفهام، ولعل ذلك هو ما ينعكس على نجاعة العلاقة التفاعلية بين القاضي والإطارات المترافعة على المتقاضي؛ سواء تعلق الأمر بالقانون المعتمد من طرف الدولة أو باقي الدول. وعليه، فقد ذهب كيلسن في القانون الدولي إلى حصر العناصر الجوهرية التي توحد القانون، والتي يمكن رصدها وفق الشكل الآتي[12]:

-تحديد ماهية الدول والقانون.

-اختزال النظام القضائي في نسق من الضوابط المحددة منطقيا، والتي تستند إلى معيار أساسي.

-إنشاء نظام قضائي خالي من كل المقومات الوقائعية.

-رفض الرجوع إلى الافتراضات الخارجية؛ كالأخلاق والقانون الطبيعي” على اعتبار أن هاته التحديدات تساهم في إرساء التعاملات الدولية، ومن تم بناء القانون الدولي، لذلك “من البديهي أن تكون هناك مسائل خاصة بالقانون الدولي، وأخرى يمكن تسويتها بقوانين تم وضعها بالتعاون بين دولتين أو أكثر”[13]

        بيد أنه قد تطرح إشكالات تتعلق بتداخل وتعدد الأفهام في الأنساق الثقافية في هاته التعاملات بفعل التأويل. ضمن هذا السياق ينصح بضرورة ” التمييز بين التأويل الأصيل وغير الأصيل، وبين التأويل الذي تقوم به الهيئات التي تبني القانون، وهم أهل لذلك باعتبار أنهم يتوفرون على كفاءة في تطبيق القانون، والتأويل غير الأصيل، الذي حدده في كل تأويل لم يضعه القانون، كالتأويل الذي يقوم به الأفراد”[14].

       يستفاد مما قيل سابقا، إن رغبة فلاسفة القانون الوضعي  في فصل الأحكام المعيارية عن مضامينه، ووصل العلمية في تعاملاته يحتوي على طرحين أساسين؛ الأول ظاهري مفاده: إنه لا أساس لتحقيق المحاكمات العادلة والتعاملات المضبوطة مع الأغيار(هيئات استشارية، محامون….) إلا في إطار تبني العلمية التي تقوم على روابط منطقية خالية من التأثيرات الخارجية. أما الطرح الثاني فيحمل همّا فلسفيا يتجلى في الهروب من الصراع العقائدي الايديولوجي الموجود في جنبات القانون، وهو هروب يشكل همزة وصل بين القانون والعدالة؛ أي بين  الذات التي تشرع النصوص القانونية على الذوات التي هي موضوع التشريعات؛ بتعبير آخر يرفض المشرع القانوني المعاصر أن يعرف القانون سوسيولوجيا. ولعل ذلك هو ما قادنا إلى ضرورة فتح آفاق أرحب لمذاهب فلسفية قانونية أخرى تدلي بدلوها في المسائل القانونية. نشير إلى ذلك بالسؤال التالي: كيف قارب القانون الطبيعي بعض أهم القضايا القانونية؟

القانون الطبيعي.

          كثيرة ومتعددة هي التصورات التي قاربت الإشكالات والقضايا القانونية من موقع المذهب الطبيعي، باعتباره من بين المذاهب الفلسفية الموجودة في حلبة الصراع الثقافي الخاص بالقانون، والذي يقدم عدة قواعد ومبادئ فلسفية موجهة للعمل القانوني. والحق أن هذا المذهب لم ينشأ من فراغ أو من محض الصدفة، بل ظهر منذ المرحلة اليونانية وواكب الاشكالات والقضايا التي تطرح في الفكر القانوني والحقوقي حتى الفترة المعاصرة، على اعتبار أن كل مرحلة تستند على حقيقة معينة، وكل حقيقة تساهم في تشكل الكل الذي يخدم الإنسانية جمعاء.

        وبما أن سُنة الحياة تعرف تطورا وتغيرا في مجموع الطروحات التي لها صلة بحياة الإنسان، فإن القوانين تعمل على مواكبتها واقتراح حلول ممكنة لها. ولعل القضايا التي أُّفرزت في الفكر الحقوقي الحديث؛ كعلاقة القانون بالأحكام المعيارية، شروط المحاكمة العادلة، وغيرها من القضايا الرئيسية قد قادت فلاسفة المذاهب القانونية إلى التداول فيها، بحيث إذا كان الاتفاق بين القانون الوضعي والقانون الطبيعي على ضرورة ضبط وتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع، فإن كيفية هذا التنظيم هي التي يختلفان فيها بفعل تداخل وتباين عدة عوامل سنعمل بالدراسة والتحليل على التفصيل في أهمها. إذن ما أبعاد ودلالات ذلك عند المذهب الطبيعي في فلسفة القانون؟

    لقد بدأت معالم هذا التوجه تتكون بشكل فعلي خلال القرنين 17 و 18 م بعد أن عرف العالم تحولات جدرية في عدة مجالات، وهو ما كانت له انعكاسات على الترسانة القانونية التي استند عليها القانون الطبيعي الكلاسيكي الذي أبان عن محدودية في التعاطي مع الإشكالات التي تطرح عليه. بموجب ذلك، سعى أنصار هذا القانون في الفكر الحقوقي الحديث إلى تجديد بنيته حتى يواكب الجديد في العلاقات البشرية. فكيف تم ذلك؟

بدأ المدافعون عن هذا التوجه بالتأمل في فرضيات أصحاب القانون الوضعي الذين أسسوه على معطى علمي ينبثق من الملاحظة والتجربة؛ أي على وحدة القانون وتناسق أحكامه، ومن ثم أقروا بضرورة إعادة النظر في بعض المسائل التي أغفلها أصحاب القانون الوضعي فربما يكونوا قد أخطأوا فيما أقروه. ويمكن القول أن أصحاب القانون الطبيعي يؤكدون في خضم نقاشهم مع فلاسفة القانون الوضعي على أهمية التراتبية والثنائية: ثنائية القانون الطبيعي والقانون الوضعي؛ أي إعطاء الأهمية للقانون الطبيعي باعتباره الأصل، بينما يكون القانون الوضعي بمثابة صورة طبق الأصل إن جاز التعبير. فكيف يمكن فهم هذا التمفصل؟

ليس المقصود بإعطاء الأولوية للقانون الطبيعي على نظيره الوضعي هو اعتراف أنصار التوجه الأول بقصور التوجه الثاني، وإنما هناك رغبة وحاجة إلى تبيان السمات الأساسية التي يتميز بها القانون الطبيعي عن القانون الوضعي، بحيث إذا كان أصحاب التوجه الثاني يشككون في وجود مبادئ وقواعد واضحة الملامح للقانون الطبيعي، فإن أنصار هذا الأخير يعترفون بتراتبيتهما من منطلق إعطاء الأولوية للقانون الطبيعي. فالاختلاف بينهما يكمن في دقة ومصداقية الصلاحيات القانونية لكل توجه، إذ يعتبر المدافعون عن القانون الطبيعي أن قواعدهم مستلهمة من قوى خارجية يعجز البشر عن إيجاد مثيل لها، لأنها موجودة في الفطرة الإنسانية، وما على الإنسان إلا أن يجتهد في استكشافها وتطبيق قوانينها في علاقاته الاجتماعية، ذلك أن قواعده لا تتغير، ولا تخضع للمؤثرات التي تنبع من السيرورة التاريخية، على اعتبار أن ” محتوى القانون الطبيعي لا يتغير و لا يتطور؛ أي أن المبادئ الأولى للأخلاقيات ستبقى كما كانت عليه في الأول بالرغم من كل التطبيقات الخاطئة أو الارتدادية التي تظهر عبر السيرورة التاريخية”[15]  ذلك أن العلاقة بين القانون الطبيعي والعقل الإنساني العملي علاقة وثيقة، “إنه القانون الحق، والعقل السليم المتطابق مع الطبيعة المتجلية في جميع الكائنات، والتي لا تختلف باختلاف الزمان والمكان. إنه القانون الوحيد والذي هو الآخر لا يمكن أن يتغير ولا أن يؤول إلى الزوال، بل إنه يحكم جميع الأمم وعبر كل الأزمنة، والإله الواحد هو من يلقي هذا القانون لكل البشر ويأمرهم باتباعه. فالذين لا يمتثلون لهذا القانون، فهم يجهلون أنفسهم، وبإغفالهم للطبيعة الإنسانية سينالون العذاب الأشد حتى وإن أفلتوا من مصائب أخرى”[16]

       وعليه، فمادام القانون الطبيعي مستمدا من طبيعة الإنسان، فهو يبقى صالحا لكل زمان ومكان، عكس القانون الوضعي الذي يعتريه النقص والتغير، ذلك أن أهل هذا التوجه يفترضون أن أسسه تتصف بالحقيقة المطلقة، إذ أن ما يعيشه الإنسان في العالم المادي هو مجرد محاكاة لما هو موجود في العالم المثالي بلغة أفلاطون. بهذا المعنى تصبح القوانين التي تساير وقائع الواقع المتجدد ما هي في نظرهم ” إلا استجابة لإرادة (الذات الإلاهية) وتجسيد حتمي لمخططها الكوني”[17]

       ولما كان منهل القانون الطبيعي مستوحى من هاته القوى الخارجية، فإن أصحاب هذا التصور يعتبرون أن جل القوانين التي يجتهد ويبدع فيها البشر بإرادته الحرة والمستقلة، لا تخرج عن الإطار الموضوع لها. ولعل ذلك هو ما عبر عنه ريمون آرون بقوله ” نحن أنفسنا طبيعة، في الوقت نفسه نحن تاريخ”[18]

مقال قد يهمك :   جـــــــــواز التــلقيـــــح بين المقتضيات التنظيمية والزجرية

   هكذا يتضح أن الرد الفلسفي من قبل أصحاب القانون الطبيعي على أنصار القانون الوضعي، لم ينبع من ضرورة القطع الإبستمولوجي مع الإرادة الخيرة التي شكلت بوصلة النقاش الدائر في القانون الوضعي، وإنما نبع من كون كل الإبداعات الإنسانية التي ابتدعها الانسان في حياته اليومية. يقول سان طوماس” إن قيمة الحكمة لا تكمن في حمولتها الاعتبارية، وإنما في التطبيق العملي الذي يتوخاه العقل العملي. لهذا السبب يكون الإعراض عن هذا التطبيق شيئا مناقضا للحكمة”[19]

      بهذا الشكل، نستشف من ملاحظة الفيلسوف بأن الحكمة لا تتحقق فقط بالعقل، بل من الممارسة العملية التي تتأتى بالإرادة. ولعل ذلك هو ما يقودنا إلى الدخول في حوار مع مؤيدي هذا التوجه بواسطة التساؤلات التالية:  كيف يمكن تحقيق المحاكمة العادلة؟ بمعنى ما شروط المحاكمة العادلة* من منظور فلاسفة القانون الطبيعي؟

      إذا كان أنصار القانون الوضعي يرون في المنهج العلمي آلية لتحقيق المحاكمة العادلة النزيهة والحيادية لأًنْ يصبح القاضي مجرد وسيلة في تطبيق المواد القانونية، فإن أصحاب القانون الطبيعي يعتبرون أن المحاكمة العادلة مرتبطة بالضمير الانساني  للقاضي الذي يقرر الحكم على المتهم. ومرد ذلك أن هذا العمل له صلة وثيقة بالوجدان الذي يجعل من ذات القاضي غير خاضعة لكل الأهواء الخارجة عن مبادئ القانون المستوحاة من القوى الخارجية التي وضعت تلك التعاليم الواجب اتباعها في مقاربة كل مسائل الحياة الانسانية. ومادام الأمر كذلك، فإن هذا لا يعني أن القاضي أثناء بثه في النوازل المعروضة عليه، لا يجتهد فيها ويكيفها مع واقع الظروف الاجتماعية للمتهمين، بل يأخذ بواقع هاته الظروف انطلاقا من سلطة تقديرية مخولة له وفق حدود. وعليه، فبالرغم من تدخل ذاتية القاضي في ترتيب الأثر القانوني على المتهم، فإن هذا لا يشير إلى كون هذا القانون في سيرورة تقدمية، بل إنه يتسم بالثبات، وهو قابل لأن يكون مصدرا للقواعد القانونية الوضعية المتغيرة التي لا تتعارض مع مقتضياته. وفي هذا الصدد يدعي أودو أحد (وهو من أنصار المفهوم الكلاسيكي للقانون الطبيعي) أن هذا القانون يمثل “مجموعة القواعد، التي يعد تحولها الى قوانين وضعية أمرا مرغوبا فيه”[20].

        والحق أن تحويل هذه القواعد، لا يمكن أن يتم إلا في سياق المزج والدمج بين القانون والأحكام المعيارية، على اعتبار أن “الامتثال للعقل السليم هو الهدف المنشود من كل فضيلة أخلاقية. ذلك أن الرغبة في الاعتدال تتمثل في عدم استبعاد المرء للعقل تحت تأثير الشهوة، ونفس الأمر ينطبق على الرغبة في القوة التي لا تبتعد عن الحكم السديد والاستسلام للخوف والشجاعة. وهذه الغاية هي مقدمة للإنسان وفق العقل الطبيعي، أي أن العقل الطبيعي يملي علينا التصرف وفق العقل”[21] ذلك أن القانون الطبيعي يقدم “المبادئ الأساسية للأخلاق بحيث لن يتسنى للقانون الوضعي التواصل مع القانون الطبيعي إلا عن طريق هذه الأخلاق”[22]

        لكن، إذا كان الأمر كذلك عند أصحاب القانون الطبيعي، فكيف يمكن للإنسان أن يتعرف على هذا القانون معرفة حقيقية؟ وهل يعد هذا القانون صالحا لكل زمان ومكان؟ بمعنى آخر ألا يمكن القول، إن صفتي الخضوع والاتباع التي يستند عليهما هذا القانون ستشكلان عائقا أمام إمكانية النقد والإبداع في كل المسائل المرتبطة بالعمل القانوني؟

          من منظور أصحاب هذا التوجه، لا يمكن الاكتفاء بالقول إن الانسان سيتعرف على هذا القانون انطلاقا مما هو موجود في مقتضياته، بل عليه أن يتأمل  ويرجع الى ذاته وميوله الأساسية التي وضعت فيه منذ الوهلة الأولى ليبدع ويكشف عن الطرق التي تقوده إلى إرساء قواعد تضمن وتحفظ بقاءه في الوجود. ومن ثم، يتجاوز ما يضاده ويلاشيه. فمعرفته بالقوانين الطبيعية موجودة في ذاته، وما على الإنسان سوى أن يطورها وينميها في علاقاته الاجتماعية. لذلك تجدهم يقولون ” وهذا الدستور واحد في كل زمان ومكان ويلزم الناس بأحكامه، وكل تشريع يخالف أحكام هذا الدستور لا يستحق أن يكون قانونا”[23]

         استنادا إلى هذه المعطيات، يتضح أن المتبنين للقانون الطبيعي يصفونه بكونه صالح لكل زمان ومكان. كما أنه في اعتقادهم يشكل منبعا رئيسيا لكل العقود والالتزامات المنظمة للمعاملات الإنسانية التي دافع عنها القانون الوضعي. ومهما يكن، فإن العلاقة بين القانون الوضعي والقانون الطبيعي تبقى علاقة جدلية يحكمها رابط الاتصال في بعض الأحيان، ورابط الانفصال في أحيان أخرى، الشيء الذي يكون له انعكاس على الظاهرة القانونية التي هي موضوع الدراسة لفلاسفة القانون الذين يطمحون الى تقويمها وتعديلها والانتقال بها من التنظيم الى الانتظام المحكم، ومن المجرد المثالي الى العملي الموجود في العالم المادي.

     لما كانت هاته العلاقة الجدلية قد تباينت فيها المواقف واختلفت، فإن  هناك صنف من الكتاب الذين اعتمدوا موقفا أكثر تلطيفا مفاده: ” لا يمكن للقانون الطبيعي أن يأمر لا بالخضوع ولا برفض الخضوع للقانون الوضعي. القانون الوضعي هو القانون الذي هو، بينما القانون الطبيعي هو القانون الذي ينبغي أن يكون ووظيفة الصراع هي فقط ضمان اتخاذ موقف/ حكم/ معنوي وسياسي إزاء القانون الوضعي”[24]

         لكن يمكن إضافة سؤال آخر بغرض التوسيع في النقاش، هو كالآتي: ما هي المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الطبيعي ؟ وما علاقته بالعدالة ؟

            تتعدد المبادئ والقواعد التي يستند عليها كل مذهب قانوني بتعدد الأهداف والمقاصد المراد تحقيقها من وجوده، لذلك نجد القانون الطبيعي يستمد قواعده من اجتهادات القاضي في تحقيق العدالة وسد النقص الذي قد ينتاب القانون. وهي مبادئ تستقر في أدهان وضمائر القضاة أثناء سعيهم ورغبتهم في الولوج الى الموضوعية في الأحكام والتعبير عن الإرادة الجماعية بالمجتمع. ذلك أن جوهر هذه المبادئ لا يتسم بالتجريد، أو التقسيم، بقدر ما يتصف بالعمومية. ومن ثم يمكن أن نشتق منها الكثير من القواعد ونجد لها العديد من التطبيقات. وعليه، فالمبادئ العامة التي يقوم عليها القانون تنبني على مجموعة من المبادئ مثل” مبدأ المساواة في الأجر ومبدأ حرية التعاقد ومبدأ سلطان الإرادة، وأما أن تقوم على التراث الديني والاجتماعي والقانوني مثل مبدأ حرية الزواج ومبدأ حرية الحياة الخاصة ومبدأ حرية العقيدة”[25].

             بناء على كل ما سبق، يتضح أن القانون الطبيعي يستند على ضوابط خاصة تختلف أحيانا مع مقتضيات القانون الوضعي. فبالرغم من اتفاقهما على ضرورة تنظيم المجتمعات وعقلنة المعاملات بين أفراد هاته المجتمعات، فإنهم يختلفون في بعض كيفيات ولوج هذا التنظيم وضبطه. بحيث، إذا كان فلاسفة القانون الطبيعي يدافعون عن أهمية التراتبية والأولوية في علاقة القانون الطبيعي بالقانون الوضعي، فإن فلاسفة هذا الأخير يدافعون عن ضرورة احترام إرادة الأفراد التي هي إرادة حرة ومستقلة عن كل المؤثرات التي تقصيها من التداول في المسائل التي تهم الحياة بشكل عام، ومن تم يرفضون الأحكام المعيارية كونها تشوش على الضبط والارشاد المحكم.

      غير أنه إذا كان كل مذهب قانوني ينطلق من افتراضات فلسفية تؤكد تشبته بتصوره الثقافي المؤسس للقانون، فإن المسألة هاهنا تجعلنا نثير نفقا ضمن هاته المساهمة المعرفية للم شمل المذاهب القانونية المتعددة، وذلك قصد تجاوز مسألة الوقوع في الخلاف؛ وكذا  الإجابة عن بعض التساؤلات المثيرة للجدل في ظل هذا النفق، باعتبارها أصبحت مطروحة بكثرة في الساحة الثقافية، يمكن التعبير عن الأهم فيها وفق الشكل الآتي: ما علاقة القانون بالواقع؟ وما علاقته بالأخلاق والسياسة؟ وما علاقة المسؤولية الأخلاقية بالمسؤولية القانونية؟ ما علاقة القانون بالخطأ والنية؟ هل يمكن الحديث عن قانون في ظل فوارق اجتماعية؟ هل يمكن الحديث عن وجود قانون في ظل اختلاف المواثيق التي تنظم عمل المؤسسات؟ ألا يمكن أن يؤدي هذا الاختلاف في المواثيق إلى تصادم في القيم المؤسّسة لعمل المؤسسات؟ وهل تستطيع الذات القانونية المشرعة للنصوص القانونية أن تنتج نصوصا تشريعية واضحة المعالم دون الوقوع في التناقض أثناء الأجرأة؟ وهل القاضي ملزم أم حر في تطبيق القانون؟ ما علاقة القانون بالذاتية والحتمية والموضوعية؟ هل كل ما هو قانوني يعد بالضرورة حقا؟ هل يستطيع القانون حماية الحق والحقيقة في تعدد أنساقها واختلاف مقوماتها؟ متى يجوز خرق القانون؟ كيف يمكن الحفاظ على توازن وتعايش الأطياف المتعددة في ظل اختلاف المبادئ والقواعد المؤسسة للقانون؟ أي هل يمكن تحقيق المساواة في التعاملات مع الأطياف المتعددة والمختلفة والمتنوعة من قبل القانون؟ بمعنى، كيف يمكن تحقيق الإجماع بين المذاهب القانونية المتنوعة والمتعارضة أحيانا في بعض القيم على نظام قانوني حديث؟ ما الذي يمكن أن يكون أساسا في تجميع المذاهب القانونية المتعددة والمتنوعة إذا أخذنا اختلافاتها في المبادئ والقواعد التي تقوم عليها، بالإضافة الى تاريخها المختلف والمتعارض أحيانا، واختلاف امتداداتها في العالم والأحداث التاريخية التي مرت بها؟ بمعنى آخر، ما هي الوضعية التي يمكن الانطلاق منها في تحقيق التناسل في الأفكار بين المذاهب القانونية المختلفة والمتنوعة والمتعددة؟ بمعنى أكثر دقة، ما هو المنطلق الذي يمكن تبنيه في جعل الاختلاف في أفكار المذاهب طريقا لتحقيق الائتلاف؟

      أمام هاته الفرضيات التي يتبناها كل مذهب فلسفي وقانوني، وانطلاقا من هاته الإشكالات المثيرة للجدل، ذهب فيلسوف الفكر السياسي الليبرالي الديموقراطي في الفترة الحالية إلى إعادة النظر في تاريخ الفلسفة السياسية والحقوقية بغرض استكشاف السبيل الأمثل الذي يقود إلى تحقيق التعايش السلمي بين كل المذاهب القانونية، ومن ثم تجاوز معركة تحدق بأمن وأمان المجتمعات، حيث اقترح الوضع الأصلي كونه تطوير لنظرية العقد الاجتماعي التي ظهرت في الفكر الحقوقي الحديث.

لكن مادا يقصد بالوضع الأصلي؟ وما أهميته ودوره في تقويم بنية القانون؟

      الوضع الأصلي هو بمثابة خطة افتراضية وليست واقعية تهدف إلى التداول حول المشاكل الفلسفية المطروحة في القانون، حيث يرجع مداره الفلسفي لحالة الطبيعة التي افترضها فلاسفة العقد الاجتماعي في الفكر الفلسفي السياسي الحديث، فهو بمثابة تعبير عن مجموعة من الآراء التي تتداول حول قضايا المجتمع. وبالتالي، تختصر هذه الآراء في شخص واحد يمثل قضاياهم ومآربهم ” يمكننا أن نفهم الاتفاق المبرم في الوضع الأصلي انطلاقا من وجهة نظر شخص نختاره بمحض الصدفة”[26]. وهذا إن دل، فإنما يدل على كون ضوابط الوضع الأصلي تقوم على الديموقراطية التشاركية في صنع القرار الذي يهم طموحات التعددية المذهبية، بينما تنشأ الديموقراطية التمثيلية من وعاء ما تم التشارك فيه واختياره كأساس لصيانة تماسك هذا التعدد، وبذلك نكون قد سافرنا من العام إلى الخاص، ومن الكل إلى الجزء، ذلك أنه لا يمكن فصل الشرط عن المشروط  الذي يتأسس على تعاقد اجتماعي بين أشخاص أحرار، أنداد ومتساوين، يمكن وصف هذا الوضع الأصلي بكونه الوضع الذي تتواجد فيه الأطراف المتفاوضة وراء ما يسمى بستار الجهالة، باعتباره أحد الأركان الفلسفية التي تستقيم فيها عملية الاستدلال والتداول، ويحدد وفق الشكل الآتي:

“لا يعرف أي واحد منها موقعه في المجتمع، طبقته أو وضعيته الاجتماعية، ولا حظه من توزيع الإمكانات والقدرات الطبيعية، ولا (مبلغ) ذكائه (ومقدار) قوته وما شابه. ولا يعرف أي واحد منها تصوره للخير وتفاصيل خطته العقلية ولا حتى الملامح الخاصة لنفسيته مثل كراهيته للمخاطر أو تعرضه للتفاؤل أو التشاؤم…”[27]

     الفكرة هنا هي النظر إلى الوضع الأصلي كآلية ترمي إلى تقويم البنى القانونية التي ستسري على الجميع فيما بعد، وهذا التقويم لا ينطلق من افتراضات واعتقادات مسبقة لدى الأطراف المتحاورة حول الكيفية التي سيوجد عليها القانون؛ بل من جهل -إن جاز التعبير-  بالمعطيات والتقاليد والأعراف التي تتشبع بها المجتمعات. وعليه، فإن أصحاب هذا الطرح الفلسفي يجعلون من الوضع الأصلي مرحلة أساسية في التفاوض تتم بمعزل عن أي محددات أو مؤثرات (نفسية، اقتصادية، سياسية…) تُخرج الحوار التعاقدي عن مساره السليم.

     لكن، إذا كان الغرض من فكرة الوضع الأصلي هو تحقيق النزاهة والحياد كغاية قريبة المدى، فما أهميته القصوى؟

     بالإضافة إلى النزاهة والحياد، هناك أهمية أخرى من وراء هذا الوضع الأصلي ألا وهي تحقيق المصلحة العامة. فما دامت الأطراف المتحاورة متبنية للوعي التحرري من كل القيود التي تعيق تنمية المهارات الانسانية في التفاوض، فإن المصلة العامة ستحل محل المصلحة الفردية. وبذلك يكون الوضع الأصلي أساسه حرية ومساواة، بينما غايته هو تحقيق التناغم والتعايش بناء على قيم مثلى للحياة، إذ” علينا ألا ننسى من جهة أخرى، أن مبادئ العدالة تهتم بالمطالب المتنازع عليها، والناجمة عن الامتيازات المستفادة من خلال التعاون الاجتماعي. فهي تنطبق على العلاقات القائمة بين العديد من الأشخاص أو المجموعات. فكلمة  “عقد” تقترح هذه التعددية، وكذا شروط توزيع ملائم للامتيازات، التي تقتضي أن يكون متوافقا مع مبادئ مقبولة من طرف كل الشركاء”[28] . ذلك أن الغاية من تقعيد الوضع الأصلي وفق هاته الشاكلة، هو الوصول إلى تحقيق حياة مفعمة بتحقيق مجموعة من الأساسيات التي تنبع من اقتسام الخيرات وتجاوز كل الفوارق الاجتماعية في المجتمع، هناك نوعان من الخيرات الأولية، يمكن الإشارة إليها وفق الشكل الآتي:

مقال قد يهمك :   النقيب الجامعي يرد على القاضي الوردي : أزمَة انتاج العَدَالة.. وليس "أزمة تلقي العدالة"

“الخيرات الأولية الاجتماعية: تعني الخيرات التي تقوم المؤسسات الاجتماعية بتوزيعها مباشرة، مثل الدخل، الثروة، الفرص، السلطة، الحقوق والحريات.

الخيرات الأولية الطبيعية: تتعلق بالخيرات مثل الصحة، الذكاء، القوة، الخيال، القدرات الطبيعية، التي تتأثر بالمؤسسات الاجتماعية، لكن لا يتم توزيعها مباشرة من قبلها”[29]

   من هنا يظهر أن قيمة الوضع الأصلي لا تكمن فقط في الاتفاق على بعض المعالم التي يقتضي أن تسير وفقها المذاهب القانونية المختلفة، بل في تشكيل وعي بالذات والآخر الذي يشارك في الوجود، باعتبارها ذوات عاقلة تختلف عن باقي الكائنات الأخرى. وعليه، فالوضع الأصلي يروم الانخراط في تحقيق المثاقفة والحوار باعتبارهما سبل تقاسم العيش المشترك.

     بهذا الشكل، يكون الوضع الأصلي الطريق الأنسب في صياغة قواعد السلم الاجتماعي بين المذاهب القانونية المتعددة والمختلفة؛ وكذا تحقيق الاستقرار للكائن البشري عامة في ظل قيم حضارية تقود الإنسانية جمعاء إلى تجاوز الصعوبات التي تدق ناقوص الخطر بعالمنا المعاصر.

الخاتمة:

          يستفاد من كل ما قيل سابقا، إن مفهوم القانون يطرح أكثر من إشكال فلسفي. والدليل على ذلك، هو وجود تباين وتعدد واختلاف في المواقف والتصورات المذهبية للقانون، ولعل ذلك هو ما يطرح مشاكل فلسفية في العديد من المسائل القانونية التي نذكر من بينها، المحاكمة العادلة، حيث يؤثر ذلك في العلاقة التفاعلية بين القاضي والهيئات المترافعة عن المتقاضي، مما يجعل الأحكام القانونية معرضة لشتى التبريرات والتأويلات. فالقانون الطبيعي يقر بضرورة اعتماد الأخلاق، لأنها حلا قويما في تحقيق الضبط والإرشاد في كل المسائل القانونية، بينما يخالف القانون الوضعي هذا المعطى بدعوته لاستبعادها كونها سندا عقيما يشوش على مصداقية العمل القانوني.

        بهذا الشكل تظهر مهمة الفلسفة في كونها تسعى إلى التوفيق بين مطالب التعددية المختلفة، وليس تلفيق التهم لذلك الآخر باسم الاختلاف لأن يصبح ذلك طريقا لتعميق الخلاف. وعلى إثر كل ما سبق، يمكننا إعادة طرح التساؤل التالي: ما معنى القانون؟     


 لائحة المراجع:

– مارك انطوان ديلاك، جون رولز” تحليل العدالة” ترجمة أمال ابريطل، ضمن مجلة المخاطبات، العدد 5، 2013.

– ويل، كيمليكا “المساواة الليبرالية، مشروع جون رولز” ترجمة أمال، ابريطل، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، قسم الفلسفة والعلوم الانسانية، 19 يوليو 2017.

-محمد، ممدوح، عبدالمجيد “فلسفة القانون بين سقراط والسفسطائيين” مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 2015.

–باتيفول، هنري “فلسفة القانون” ترجمة سموحي فوق العادة، منشورات عويدات، بيروت- باريس ط. الثالثة 1984.

– لويد، دينيس “فكرة القانون” تعريب سليم الصويص، سلسلة عالم المعرفة، العدد 47، نوفمبر 1981، الكويت، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

-حسان، الباهي “فلسفة الفعل اقتران العقل النظري بالعقل العملي” افريقيا الشرق 2016.

– تامر، عباس “تقديس الزعامة دراسة في دراسة الكاريزما السياسية” منشورات الاختلاف، منشورات ضفاف، دار الأمان الرباط، ط. الأولى 2015.

– تروبير، ميشيل “فلسفة القانون”  ترجمة جورج سعد، دار الأنوار للطباعة والنشر، ط. الأولى 2004.

– فضل، الله، محمد، إسماعيل، وسعيد، محمد، عتمان “نظرية القانون الطبيعي في الفكر السياسي الغربي” مكتبة بستان المعرفة، 2006.

-محمد، حسين، منصور “المدخل الى القانون القاعدة القانونية” منشورات الحلبي الحقوقية، ط. الأولى 2010.

 – رولز، جون “العدالة كإنصاف” ترجمة حاج حيدر إسماعيل، المنظمة العربية للترجمة، ط. الأولى، 2009.

– https://www.larousse.fr/dictionnaires/francais/histoire/40070.

-https://droit-finances.commentcamarche.com/faq/23745-droit-positif-definition.

– Dabin Jean. “La notion du droit naturel et la pensée juridique contemporaine” . In: Revue néo-scolastique de philosophie. 30ᵉ année, Deuxième série, n°20, 1928.

– Félicien Rousseau” Loi naturelle et dynamisme de la raison pratique de l’homme” Publié dans un magazine érudit ; Volume 32, numéro 2, 1976. ;

-François Rigaux “K E LSE N E T  LE  D R O IT IN T E R N A T IO N A L  ” publier dans REVUE BELGE DE DRO IT INTERNATIONAL 1996/2 — Éditions BRU YLAN T, Bruxelles.


الهوامش:

(=) تم تحكيم هذا المقال من طرف اللجنة العلمية لمركز مغرب القانون للدراسات والأبحاث القانونية 

[1] -https://www.larousse.fr/dictionnaires/francais/histoire/40070.

2-https://droit-finances.commentcamarche.com/faq/23745-droit-positif-definition.

[3] – Dabin Jean. “La notion du droit naturel et la pensée juridique contemporaine” . In: Revue néo-scolastique de philosophie. 30ᵉ année, Deuxième série, n°20, 1928. P :431.

4-ويل، كيمليكا “المساواة الليبرالية، مشروع جون رولز” ترجمة أمال، ابريطل، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، قسم الفلسفة والعلوم الانستانية، 19 يوليو 2017، ص 16.

-محمد، ممدوح، عبدالمجيد “فلسفة القانون بين سقراط والسفسطائيين” مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 2015،  ص 18.[5]

– المرجع السابق، ص 18.[6]

– المرجع السابق، ص 19.[7]

-باتيفول، هنري “فلسفة القانون” ترجمة سموحي فوق العادة، منشورات عويدات، بيروت- باريس ط. الثالثة 1984، ص 11.[8]

  9-لويد، دينيس “فكرة القانون” تعريب سليم الصويص، سلسلة عالم المعرفة، العدد 47، نوفمبر 1981، الكويت، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ص 96.

*- يذهب اليوم أنصار هذا القانون في دعوتهم لاستقلال الجهاز القضائي، إلى الإقرار بضرورة توسيع شروط المحاكمة العادلة لتشمل التعاون بين الدول في مسألة تقديم المتهمين المبحوث عنهم دوليا وتقديمهم للعدالة الدولية، وذلك في ظل اتفاقيات موقعة تشتمل على ضوابط وقواعد موجهة لعمل الجهاز القضائي الدولي، باعتباره يبث في الأثر القانوني الذي سيلحق هؤلاء المتهمين بناء على ما اقترفوه من جرائم تجاه ممتلكات الدول المشمولة بالعقد. لكن وكما هو معلوم أن كل دولة تؤطرها خصوصية معينة تحتكم إليها في تعاملاتها مع أفراد مجتمعها، أو لنقل أن هناك بعض القيم المتناقضة والمتعارضة التي تختلف فيها الدول موضوع العقد، والتي تؤثر في مسار العلاقات الدولية، نعبر عن ذلك بالتساؤلات التالية: هل يستطيع فعلا الجهاز القضائي الدولي أن يحافظ على أمن الدول؟ ماذا يعني ذلك؟ ألا يمكن القول أن اشتغال هذا الجهاز في ظل تجاوز الحدود الجغرافية للدول المشمولة بالعقد، يعد انتهاكا للسيادة الوطنية لتلك الدول؟  وإذا افترضنا وجود أهلية قانونية لتدخل هذا الجهاز في الدول، فماذا عن تلك الدول التي تعرف صراعات إقليمية بسبب عدم اكتمال مجالها الجغرافي؟ ما النفق الذي يمكن الولوج عبره في تجاوز هذه المفارقة الفلسفية؟ ومن أين سيستمد هذا الجهاز القضائي الدولي مقتضياته القانونية التي سيشتغل وفقها؟ هل من تلك الدول التي ركبت سفينة الحداثة أم من تلك الدول التي لازالت تعرف هشاشة في بنياتها الاجتماعية؟ الأهم من هذا وذاك، هل نمط تفكير وتصور الدول للقضايا الدولية يتخذ نفس المعنى أم أن هناك اختلافات قد تؤدي إلى أزمة ثقة، وبالتالي انصهار وتلاشي أطروحة التعاون في القضايا التي تهدد سلامة المنتظم الدولي المشمول بالعقد؟

-حسان، الباهي “فلسفة الفعل اقتران العقل النظري بالعقل العملي” افريقيا الشرق 2016،  ص 333.[10]

– المرجع السابق، ص 334.[11]

[12]-François Rigaux “K E LSE N E T  LE  D R O IT IN T E R N A T IO N A L  ” publier dans REVUE BELGE DE DRO IT INTERNATIONAL 1996/2 — Éditions BRU YLAN T, Bruxelles ;p : 387.

[13]-ibid ; p : 404.

*-لقد ذهب فلاسفة الفكر الفلسفي المعاصر إلى إعادة النظر في الأزمة التي أحدثها الفكر الفلسفي الحديث في عدة قضايا ومسائل يرجع مدارها إلى وجود غموض وتضارب في معنى المفهوم، باعتباره من ضمن الاشكالات الرئيسية التي تعرقل الفهم والإفهام في شتى التعاملات؛ خاصة تلك المرتبطة بالعمل القانوني. ويمكن إرجاع هذا الغموض، إلى ذلك الوهم الفلسفي الموجود في اللغة الطبيعية بكونها أضحت عاجزة عن تحقيق المطابقة في العلاقة بين المفهوم والمضمون. فمهما حاولت الأبحاث والدراسات وضع تقعيد لغوي لهذه العلاقة، إلا وتجد عدة إشكالات فلسفية متداخلة ومتباينة فيما بينها، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: كيف يمكن تخليص المفهوم القانوني من الشوائب المثيرة للجدل؟ هل يقتضي ذلك تأسيسه على معنى أحادي التأويل والتفسير أم ماذا؟ ألا يمكن القول أن ارتماء العقل القانوني في أحضان التخصص في التأسيس لمعنى المفهوم سيبعده عن الدعم الثقافي اللين المستمد من الروافد المعرفية المتعددة والمختلفة؟ بمعنى آخر ألا يمكن القول أن تأسيس القانون على معنى واحد ووحيد ستكون له انعكاسات سلبية على وجوده؟ وماذا عن تلك المعاهدات والتعهدات الموقعة والدخيلة التي تتعارض أحيانا بعض قيمها مع القيم الأصيلة التي تحتكم إليها الخصوصية الجماعية؟ أي، كيف يمكن تخليص المفهوم من هذه المعاني الدخيلة؟ ألا يمكن القول أن التأصيل المفاهيمي وفق معنى واحد ووحيد يعد نبذا للتعددية الثقافية، وبالتالي تقوقعا في مكان مظلم؟

– حسان، الباهي “فلسفة الفعل اقتران العقل النظري بالعقل العملي” مرجع سبق ذكره، ص 335.[14]

[15] – Dabin Jean. “La notion du droit naturel et la pensée juridique contemporaine” op ; cit ; p : 445.

[16] – Félicien Rousseau” Loi naturelle et dynamisme de la raison pratique de l’homme” Publié dans un magazine érudit ; Volume 32, numéro 2, 1976 ;  PP : 169-168.

14-تامر، عباس “تقديس الزعامة دراسة في دراسة الكاريزما السياسية” منشورات الاختلاف، منشورات ضفاف، دار الأمان الربااط، ط. الأولى 2015، ص 360.

15-المرجع السابق، ص 367.

-*كلما تساءلت اليوم مع دعاة القانون الطبيعي عن شروط المحاكمة العادلة، إلا وتجدهم يجيبونك على أنها مرتبطة بفرضيات من قبيل: إن المشتبه فيه من حقه أن يلتزم الصمت خلال فترة التحقيق، وأن يطلب محامي من أجل تقديم المساعدة، نقل المحاكمة عبر الأثبر وغيرها من المسائل التي توحي إلى كونها إجراءات تقنية تحمل بياضا في أحشائها. بينما تحيل المحاكمة العادلة فيما نعتقد إلى ضرورة ربطها بمدى توفر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لدى المتهم، على اعتبار أن أغلب الجرائم التي ترتكب اليوم يرجع المشكل فيها إلى عدم توفر مثل هاته الحقوق لدى المتهمين. فشتان بين الوضعية الاجتماعية للقاضي الذي يصدر أحكاما من داخل مؤسسة مُكيفة، وبين وضعية اجتماعية لمتقاضي في واقع اجتماعي أشبه بساحة حرب؛ شتان بين من يسرق من أجل الحصول على مأكل، لأنه لم يجد عملا أو مالا يقتني به ما يأكله، وبين من أتيحت له ظروف معينة في ترتيب الأثر القانوني من داخل قاعة الحكم.

وكلما تساءلت معهم أيضا عن سبب اتساع الروابط الشرطية في المواد القانونية؛ وكذا تفاوت الأحكام القضائية؛ علما أن هاته الأحكام من نفس الطينة، إلا وتجدهم يردون عليك بوجود سلطة تقديرية للقاضي تأخذ بواقع الظروف الاجتماعية للمتهمين، والتي تكون مخولة له وفق حدود وأدوار. ليتضح في آخر المطاف أن المتأمل والمتدبر بقواعد فلسفة القانون أن هناك إشكالات تهم الذاتية والحتمية تؤثران في مسار تشكل الموضوعية، مما يقود ذلك إلى حكم مُبهم وليس مُحكم. وبالتالي، فإذا كان أهل القانون ينطلقون من نتائج الجريمة آخذين ببعض المؤثرات الخارجية في إقرار الأحكام على المتهمين، فإن الأمر يقتضي ربط الأسباب التي أدت إلى الجريمة بالنتائج في ترتيب الجزاءات حتى يكون القانون أداة لمعالجة جميع الأمراض الاجتماعية من جوهرها وليس من مظهرها كما هو سائد. فكم من مشتبه فيه تحول إلى جاني بفعل حقوقه التي هضمت من قبل الساهرين على تدبير المرفق العام. كما أن هناك بعض الشهود بكونهم أحد أركان المحاكمة العادلة، ساروا-بخلاف ما يمليه الضمير الانساني- يدلون بشهادات كيدية وزائفة مقابل مبلغ مالي، مما ينعكس ذلك سلبا على تناسق أطوار المحاكمة العادلة ومصداقيتها.

[19] -Félicien Rousseau ” Loi naturelle et dynamisme de la raison pratique de l’homme “op.cit ; PP :177-178.

16-باتيفول،هنري “فلسفة القانون” مرجع سبق ذكره، ص 53.

[21] – félicien Rousseau ” Loi naturelle et dynamisme de la raison pratique de l’homme “op.cit ;P :181.

[22] – Dabin Jean “La notion du droit naturel et la pensée juridique contemporaine” op ; cit ; p : 420-421.

18– فضل، الله، محمد، إسماعيل، وسعيد، محمد، عتمان “نظرية القانون الطبيعي في الفكر السياسي الغربي” مكتبة بستان المعرفة، 2006، ص24.

[24]– تروبير، ميشيل “فلسفة القانون”  ترجمة جورج سعد، دار الأنوار للطباعة والنشر، ط. الأولى 2004، ص 21.

[25] -محمد، حسين، منصور “المدخل الى القانون، القاعدة القانونية” منشورات الحلبي الحقوقية، ط. الأولى 2010، ص 233.

26-مارك انطوان ديلاك، جون رولز” تحليل العدالة” ترجمة أمال ابريطل، ضمن مجلة المخاطبات، العدد 5، 2013،  ص 234.

-رولز، جون “العدالة كإنصاف” ترجمة حاج حيدر إسماعيل، المنظمة العربية للترجمة، ط. الأولى، 2009، ص 38.[27]

-أمال، ابريطل “تحليل العدالة” مرجع سبق ذكره، ص 235-236.[28]

[29] – ويل، كيمليكا “المساواة الليبرالية، مشروع جون رولز” مرجع سبق ذكره، ص 17.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)