أي دور للولاة و العمال في الجماعات الترابية؟
- سليمة فراجي : محامية برلمانية سابقة.
إذا كنا نصبو إلى تدبير المجال الترابي بحكامة جيدة، على أساس أنه يمكن الحكم عن بعد و لكن الإدارة لا تتحقق إلا عن قرب كما يقال، فإن التوجه الحالي القائم بالأساس على اعتماد الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية كرافعة لتحقيق البرامج التنموية ومحاربة الفقر والتهميش والإقصاء جعل من لا تمركز القرار أحد أولويات دستور 2011، الذي كرس بعض الاختصاصات المخولة للعمال، ولكنه جاء بمستجدات ذات بعد يتماشى مع الدور المحوري للجماعات الترابية، نص عليها الفصل 145 منه؛ وبذلك أصبح الولاة يمثلون السلطة المركزية في الجماعات الترابية عوض الدولة، كما أنهم يعملون تحت إمرة الحكومة وسلطتها تماشيا مع ما نص عليه الدستور من كونهم يعينون من طرف الملك طبقا للفصل 49 منه باقتراح من رئيس الحكومة ومبادرة من وزير الداخلية، ويسهرون على تطبيق القانون.
أما في ما يخص المستجد المتعلق بالدور الرقابي فنلاحظ أنه تم الانتقال من سلطة الوصاية على الجماعات الترابية إلى دور المساعدة، إذ جاء النص الدستوري ليوضح الدور المتمثل في مساعدة رؤساء الجماعات ورؤساء الجهات على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية دون سلطة إشراف أو علاقة تراتبية، وإنما مراقبة إدارية كما نص على ذلك الدستور؛ ما نستنتج معه أن الجماعات الترابية، وفي إطار مبدأ التدبير الحر، تتمتع بكامل الصلاحيات لبرمجة مخططاتها، بالطبع في احترام تام للقوانين وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة والإمكانيات المادية المتوفرة لديها.
من هذا المنطلق نصت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية على حضور عامل الإقليم أو من يمثله دورات مجلس الجماعة، ولا يشارك في التصويت؛ كما بإمكانه بمبادرة منه أو بطلب الرئيس أو أعضاء المجلس إبداء جميع الملاحظات والتوضيحات المتعلقة بالقضايا موضوع التداول طبقا للمادة 33 من القانون التنظيمي 113.14. كما نصت المادة 36 من القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات على حضور والي الجهة دورات المجلس بطلب كتابي من رئيس الجهة، ولا يشارك في التصويت، وله أن يتقدم بجميع الملاحظات المتعلقة بالقضايا المطروحة.
كما نصت المادة 34 من القانون 112.14 المتعلق بمجلس العمالة أو الإقليم على حضور العامل دورات المجلس دونما مشاركة في التصويت، والانتصار على إبداء الملاحظات والتوضيحات موضوع القضايا المعروضة. ولئن نصت المادة المتعلقة بدورات مجلس الجماعة على حضور العامل أو من ينوب عنه، ولم تنص المادتان المتعلقتان بمجلس الجهة ومجلس العمالة أو الإقليم على من ينوب عن العامل أو الإقليم، فإن الأمر لا يقصد منه حضور العامل أو الوالي كشخص ذاتي، وإنما يتعلق الأمر بمؤسسة العامل أو الوالي الذي له صلاحيات التفويض، ما يعتبر تصرفا بموجبه تقوم سلطة معينة بنقل جزء من اختصاصها لصالح جهاز تابع لها، ويبقى صاحب الاختصاص الأصلي بمثابة السلطة الرئاسية، إذ يفوض لصالح موظف تابع له جزءا من اختصاصه، مثلا مؤسسة الكاتب العام.
وما يزكي هذا التوجه الرامي إلى اعتبار حضور العامل أو الوالي دورات الجماعات الترابية كمؤسسة لا كشخص هو أن النظام الداخلي لمجلس جهة الشرق نص في بابه الثالث بخصوص تسيير المجلس وفي المادة 20 على أنه يخصص بقاعة الاجتماع مكان لجلوس رئيس المجلس ونوابه، ويجلس والي الجهة أو ممثله بجانب رئيس المجلس. كما نصت المادة 42 من النظام الداخلي نفسه على أنه لا يمكن لأي أحد من غير أعضاء المجلس ووالي الجهة أو من ينوب عنه ولوج المكان المخصص للمنتخبين دون إذن من رئيس المجلس.
ونفس المقتضيات التي توضح صفة العامل أو من ينوب عنه أكدها النظام الداخلي لمجلس عمالة وجدة أنكاد، و الذي نص في المادة 19 على أنه يخصص مكان لجلوس العامل أو من يمثله. والمادة 41 التي تنص على على أنه لا يمكن لأي أحد من غير أعضاء المجلس وعامل العمالة أو من ينوب عنه وممثلي مصالح العمالة ولوج المكان المخصص للمنتخبين دون إذن من رئيس المجلس؛
و بالتالي نستنتج من الدستور والقوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية ومن مقتضيات تفويض الاختصاص أن الأمر يتعلق بالمؤسسات لا الأشخاص لذاتهم، لذلك فإن حضور الوالي أو العامل دورات المجالس محسوم بقوة القوانين التنظيمية، لكن تفويض الاختصاص من السلطة الرئاسية لجهاز تابع يدخل في إطار اختصاص مؤسسة الوالي، الذي يعتبر أهم رجال السلطة المحلية والسلطة الإدارية العليا، في حدود الصلاحيات الإقليمية والجهوية وسلطة رئاسية على جميع موظفي الدولة، في إطار الحدود الإقليمية والجهوية؛ كما أنه ينسق ويدبر أنشطة الإدارات ومندوبيات الوزارات بالإقليم أو الجهة، كما أن له وظيفة سياسية بامتياز، إذ له تمثيلية الحكومة، يعمل باسمها تمثيلا للسلطة المركزية في هذه الجماعات الترابية.
تعليقات 0