مجلة مغرب القانونالمنبر القانونيالأحكام الغيابية وفق قانون المسطرة المدنية

الأحكام الغيابية وفق قانون المسطرة المدنية

يوسف الغدواني طالب باحث في سلك ماستر الوسائل البديلة لفض المنازعات، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية والإجتماعية فاس

تقديم                                  

إن الهدف الأسمى من القانون هو حماية  المواطنين والحفاظ على حقوقهم ،  وهذه الحماية لا يمكن أن تفرض نفسها إلا عن طريق جهاز قضائي يتميز بالإستقلالية، ويتميز رجاله بالحياد والنزاهة.

ولقد خول المشرع المغربي لكل شخص تم الإعتداء على حقوقه ،  اللجوء  إلى القضاء و المطالبة بحماية حقوقه من المعتديين.  وذلك من خلال سلوكه الدعوى القضائية ،  و في إطار غياب التعريف التشريعي للدعوى القضائية ، فقد عرفها بعض الفقه بأنها “وسيلة قانونية قررها القانون للأشخاص يلجؤون إليها عندما يدعون مساس الغير بحقوقهم، وذلك أمام القضاء بصفته المكلف بالنظر في كل الدعاوى التي تعرض أمامه بسبب الخلافات التي تنشأ بين الأفراد”[1].

 ومن هنا يستشف أن  القضاء هو الجهاز الحامي  للحقوق و الضامن لها ، ولا يمكن أن يحقق هذه الغاية النبيلة إلا بواسطة الأحكام القضائية التي يصدرها والتي تكون ملزمة للجميع وقابلة للتنفيذ ولو جبرا. ويعرف الحكم القضائي بانه ” كل ما يصدر عن المحكمة للبت نهائيا في النزاع ، أو للأمر بإتخاذ إجراء يرمي إلى تهيئة البت النهائي “[2].

والأصل في الأحكام أن تصدر حضورية في جلسة علنية تحترم فيها الظوابط  القانونية ، لكن قد تصدر أيضا كإستثناء أحكام غيابية  في حقي المدعى عليه فقط ،  لانه لا يمكن أن نتصور صدور حكم غيابي في حق المدعي لسبب بسيط وواضح أن المدعي دائما وأبدا يتقدم بمقاله الافتتاحي الكتابي ،  وبالتالي لا يمكن أن نتصور صدور حكم غيابي في حقه.

ومن هنا يمكن طرح  الإشكالية التالية : إلى أي حد استطاع المشرع المغربي حينما سن القواعد التي تنظم الأحكام الغيابية التوفق في إبراز مزاياها من جهة وتجنب  إشكالاتها العملية من جهة ثانية؟

وللإجابة على هذه الإشكالية سنحاول معالجة الموضوع وفق التصميم الأتي:

  • المبحث الأول :  ماهية الحكم الغيابي
  •  المبحث الثاني:  مزايا و إشكالات الحكم الغيابي

المبحث الأول : ماهية الحكم الغيابي

إن الإحاطة بماهية الحكم الغيابي لابد من تعريفه ( المطلب الأول) ثم ذكر الحالات التي يصدر فيها الحكم غيابيا (المطلب الثاني )

المطلب الأول: تعريف الحكم الغيابي

بإستقراء الفصلين 47 و 48 من قانون المسطرة المدنية[3] ، يتبن أن العبرة في وصف الأحكام بالحضورية أو الغيابية ليست بالحضور الشخصي للأطراف ، وإنما بمدى تقديم المدعى عليه مذكرته الجوابية الكتابية ، إذا تعلق الأمر بالمسطرة الكتابية[4] ، و أيضا بمدى ترافع المدعى عليه و إبداء ملاحظاته و دفوعاته أمام المحكمة  إذا تعلق الأمر بالمسطرة الشفوية ، فالحكم الغيابي هو الحكم الذي يصدر في غيبة المدعى عليه الذي لم يحضر هو أو وكيله الجلسة و لم يدلي بمذكرته الجوابية و أستدعي بصفة قانونية و لم يكن قد توصل بإستدعاء بنفسه  لأنه إذا توصل شخصيا ولم يحضر ولم يدلي بالكتابي يصدر الحكم في حقه بمثابة حضوري وليس غيابي .

و من هنا فالعبرة في وصف الأحكام في إطار  المسطرة الكتابية بالكتابي ( المذكرة الجوابية ) و ليس بحضور الشخصي للمدعى عليه ، على خلاف المسطرة الشفوية حيث إن الحضور الشخصي للمدعى عليه يساوي تقديمه للمذكرة الجوابية الكتابية ، حيث يكون الحكم غيابيا  في إطار المسطرة الشفوية[5] ، إذا لم يحضر المدعى عليه أو وكيله الجلسة رغم إستدعائه بصفة قانونية، ورغم أن العبرة في وصف الأحكام في المسطرة الشفوية بالحضور الشخصي للمدعى عليه أو وكيله  فإنه إذا تقدم المدعى عليه بالمذكرة الجوابية الكتابية و لم يحضر الجلسة يصدر في حقه حكما حضوريا، لأن  قضاء محكمة النقض مستقر على  أن الكتابي في إطار المسطرة الشفوية يجب الشفوي ،وذلك عكس ما هو عليه الحال في المسطرة الكتابية  فالشفوي لا يجب الكتابي.

و من تم فإن الحكم الغيابي هو الذي يصدر في حق المدعى عليه فقط ، ولا يمكن إطلاقا أن نتصور صدور حكم غيابي في حق المدعي كما سبق الذكر .

المطلب الثاني : حالات صدور الحكم غيابيا

إعمالا بموجب الفصل 47 من القانون المسطرة المدنية التي يحدد الحالات التي يكون فيها الحكم حضوريا و الحالات التي يكون فيها الحكم غيابيا،

فبالنسبة للمدعي :  إذا لم يحضر هو أو بواسطة وكيله الجلسة رغم إستدعائه بصفة قانونية ( الفصول 37 -38-39 من قانون م م ) و كانت القضية غير جاهزة للبت فيها فإن محكمة تشطب على القضية و تلغيها بعد مرور شهرين من تاريخ التشطيب إذا لم يطلب المدعي الفصل في دعواه. أما إذا كانت القضية جاهزة للبت فيها، بتت فيها المحكمة في غياب المدعي بحكم بمثابة حضوري .و هذا ما يستشف من خلال الفصل..

أما بالنسبة للمدعى عليه: فإن الأصل أن يصدر في حقه حكما حضوريا ، لكن هناك حالات يصدر الحكم في حقه غيابيا وهي ما سأعمد لتوضيحها كالأتي :

الحالة الأولى: إذا تعلق الأمر بالمسطرة الكتابية و حضر المدعى عليه في الجلسة ولم يدلي بالمذكرة الجوابية الكتابية ، يصدر الحكم في حقه غيابيا ، لأن العبرة ليس بالحضور الشخصي و إنما بمدى تقديم المدعى عليه  المذكرة الجوابية الكتابية.

الحالة الثانية: إذا تعلق الأمر بالمسطرة الشفوية  ولم يحضر المدعى عليه أو وكيله ولم يدلي بالمذكرة الجوابية صدر الحكم في حقه غيابيا ، لأنه إذا أدلى بالكتابي ولم يحضر صدر الحكم في حقه حضوريا ، لأن الكتابي يجب الشفوي .

الحالة الثالثة : إذا إستدعي المدعى عليه بصفة قانونية ولم يحضر ولم يدلي بالكتابي وكان قد توصل بالإستدعاء عن طريق الغير ( اخيه ، أبيه ، أمه ، زوجه ، أبنه …)يصدر الحكم في حقه غيابيا ، لأنه إذا توصل شخصيا في هذه الحالة يصدر الحكم في حقه بمثابة حضوري وليس غيابي .

الحالة الرابعة : إذا أستدعي المدعى عليه بصفة قانونية ولم يعثر على موطنه أو محل أقامته ، ولجأت المحكمة إلى تطبيق مسطرة القيم ، يصدر الحكم في حقه غيابيا. أما إذا توصل شخصيا ورفض تسلم الإستدعاء ومر أجل 10 أيام من تاريخ الرفض ، فإنه يعتبر في الحكم الشخص الذي توصل بنفسه ويصدر الحكم في حقه بمثابة حضوري إذا لم يحضر ولم يدلي بالكتابي .

 أما إذا تعدد المدعى عليهم ولم يحضر أحدهم بنفسه أو بواسطة وكيله ولم يدلي بالكتابي ، تقرر المحكمة تأجيل القضية إلى جلسة مقبلة و تأمر من جديد بإستدعاء الأطراف المتخلفة بصفة قانونية للحضور في أجل تحدده ، وتنذرهم في نفس الوقت أنه ستبت في للقضية بحكم واحد يعتبر بمثابة حضوري تجاه كل الأطراف الحاضرة و المتخلفة.

هذه بخصوص القواعد المطبقة أمام المحكمة الإبتدائية، أما بخصوص الحالات التي يصدر فيها القرار الإستئنافي غيابي فهي تختلف عن الحالات التي يصدر فيها الحكم غيابي أمام المحكمة الإبتدائية ، و من تم فإن القواعد التي تطبق أمام المحكمة الإبتدائية ليست هي القواعد المطبقة أمام محكمة الإستئناف ، و من هنا فإن القرار الإستئنافي الغيابي يصدر دائما في حق المستأنف عليه ، ولا يمكن أن يصدر القرار الغيابي في حق المستأنف لأن دائما يتقدم بالمقال الإستئنافي الكتابي ،

فالحالات التي يصدر فيها القرار الإستئنافي غيابي هي بإختصار ، إذا إستدعي المستأنف عليه بصفة قانونية ولم يحضر الجلسة و لم يدلي بالمذكرة الجوابية الكتابية  صدر في حقه قرارا غيابيا بغض النظر هل توصل شخصيا أو عن طريق الغير ، كما يصدر القرار غيابيا أذا حضر المستأنف عليه وترافع أمام المحكمة الإستئناف و لم يدلي بالكتابي ( المذكرة الجوابية الكتابية).

ومن هنا فإن طريقة تسليم الإستدعاء هي محددة من جهة لصفة الحكم ، وأيضا طبيعة المسطرة هل هي كتابية أم شفوية. 

ومن تم فإن عملية التبليغ مسؤولية جسيمة تقع على عاتق الأعوان المكلفين بالتبليغ ، لأن من شأن تغيير طبيعة تسليم الإستدعاء للمدعى عليه التأثير على الحقوق  و قد تسقطها ، ولهذا يجب أن يتحلى المسؤول عن عملية التبليغ الإستدعاء بمسؤولية المطقة و أن يضع بين أعينه حقوق المتقاضيين ، وذلك حفاظا على هاته الحقوق من جهة ، وحتى يقوم بمهمته على أحسن وجه ووفقا للقانون من جهة ثانية ، ((و أمام الله تختصمون)) . 

المبحث الثاني : مزايا و إشكالات الحكم الغيابي

مقال قد يهمك :   الــتعويض عــن الــضرر الــجنسي

إن الأحكام التي تصدرها المحاكم الإبتدائية بصفة غيابية تحقق من جهة مزايا يستفيد منها المدعى عليه (المطلب الأول) ، وتكون من جهة ثانية سبب  لطول المساطر و الإجراءات القضائية (المطلب الثاني )

المطلب الأول: مزايا الحكم الغيابي

إذا كان قانون المسطرة المدنية قد أكد على مبدأ مهم من خلال الفصل الخامس منه  ، و هو أن أي متقاض يجب أن يمارس حقه طبقا لقواعد حسن النية ، فإن الأمر على خلاف ذلك من الناحية الواقعية. فالمدعى عليه الذكي الذي وراءه دفاع شاطر يعرف حيل القانون ويعرف الإجراءات المسطرية كما يعرف أباه وأمه ، هو الذي يربح الدعوى ، لهذا يقال ” أن الحق يصان بالإجراءات لا بالموضوع ” .

ولهذا فالمدعى عليه في علاقة بموكله غلبا ما يكونون سيئين النية للإستفادة من مزايا الحكم الغيابي ، لأن المشرع المغربي لا يمنح هذه المزايا بطريقة مباشرة، وإنما بطريقة غير مباشرة لا يستفيد منها إلا خاصة الخاصة . و يمكن أن أجمل هذه المزايا في مزتين كالتالي :

الميزة الأولى : الطعن بالتعرض في الحكم الغيابي

يمنح للمدعي عليه الذي صدر في حقه حكم غيابيا الطعن فيه بالتعرض ما لم يكن الحكم قابلا للإستئناف، حيث يستفيد المدعى عليه من إعادة نشر القضية من جديد أمام المحكمة المصدرة للحكم المطعون فيه بالتعرض، حيث يتم إعادة النظر في دعوى من جديد و يمكن للمدعى عليه الدفاع عن نفسه من خلال دفوعه ، كما يمكن للمحكمة لجوء إلى إجراء من إجراءات التحقيق .

و المدعى عليه ملزم بالطعن بالتعرض في الحكم الغيابي داخل آجل 10 أيام من تاريخ التبليغ وإلا سقط حقه في الطعن  ، ويجب أن يبلغ للمدعى عليه الحكم الغيابي الصادر في حقه ، وأن تتضمن الإستدعاء البيانات الضرورية وأن يتم أنذاره فيها أنه إذا لم يطعن في الحكم داخل الأجل المحدد يسقط حقه ، وذلك كله تحت طائلة بطلان الأستدعاء التي لم تحترم الشروط القانونية. كما يجب أن يفصل ما بين تاريخ الإستدعاء للحضور الجلسة أجل 5 أيام أذا كان للمدعى عليه موطن أو محل إقامة في مكان مقر المحكمة  الإبتدائية، أو مدة 15 يوما إذا كان للمدعى عليه موجود في محل آخر من تراب المملكة ، تحت طائلة بطلان الحكم الذي قد يصدر غيابيا.

ونفس  الميزة تمنح أيضا المستأنف عليه الذي صدر الحكم في حقه غيابيا، حيث يمكنه الطعن فيه بالتعرض أمام محكمة الإستئناف المصدرة له .

الميزة الثانية : إستفادة من الدفع بعدم الإختصاص أمام محكمة الإستئناف

بإستقراء الفصل 16 من القانون المسطرة المدنية في فقرته الثانية التي تنص على أنه ” لا يمكن الدفع بعدم الإختصاص إلا بالنسبة للأحكام الغيابة ” ، و من هنا يتبن أن المدعى عليه يستفيد من ميزة ثانية ألا وهي الدفع بعدم الإختصاص النوعي أو المحلي أمام محكمة الإستئناف و الذي أغفل الدفع به أمام المحكمة الإبتدائية بشرط أن يكون الحكم غيابيا  ،  وذلك طبعا إذا تعلق الأمر بإختصاص غير مرتبط بالنظام العام ( المحكمة الإبتدائية ) لأنه أذا تعلق الأمر بإختصاص له علاقة بالنظام العام فإنه يمكن أثارة الدفع بعدم الإختصاص في جميع مراحل الدعوى ولو أول مرة أمام محكمة النقض.

و بمفهوم المخالفة فإن الحكم  الحضوري الصادرة عن المحاكم الإبتدائية لا يمكن أن نتمسك بعدم إختصاص المحكمة الإبتدائية أمام محكمة الإستئناف، لأنه يجب أن يثار الدفع بعدم الإختصاص  قبل كل دفع أودفاع  في الجوهر ، و فعل” يجب ” هو فعل مضارع يفيد عن الأصليين الوجوب .

و من هنا و نظرا لمزايا الحكم الغيابي التي قد يستغلها المدعى عليه لتطويل المساطر و الإجراءات، فإن المشرع المغربي كان  وعيا بذلك و عامل المدعى عليه سيئ النية بنقيض قصده ، فإذا كان المدعى عليه  يهدف من وراء الحكم الغيابي هو تطويل الإجراءات و ذلك بالطعن في الحكم الغيابي بالتعرض  ، ومن تم وقف تنفيذ الحكم كقاعدة، فإن المشرع خول للمدعي طريقة أخرى لتنفيذ الحكم الغيابي ولو طعن فيه بالتعرض  ، وهي المطالبة بشمولية الحكم بالنفاذ المعجل إذا تعلق الأمر بنفاذ معجل القضائي ، لأن النفاذ المعجل بقوة القانون  لا يطلب و أنما تكون المحكمة ملزمة بشمولية الحكم بالنفاذ المعجل بقوة القانوني في الحالات المحددة على سبيل الحصر.

المطلب الثاني: إشكالات الحكم الغيابي

مقال قد يهمك :   الحماية القانونية والقضائية للمحضون: دراسة في ضوء شروط استحقاق الحضانة وأسباب سقوطها

 إذا كانت الأحكام الغيابية تعطي مزايا يستفيد منها المدعى عليه فقد من جهة  ، فإن تلك المزايا من جهة اخرى تتحول إلى إشكالات عملية تؤثر على الحقوق وذلك بسب تطويل المساطر و الإجراءات القضائية .

فإن أول إشكال للحكم الغيابي هو تحديد هذه الصفة ” الغيابية ” ، فكيف يمكن للقاضي أن يعلم أن العون المكلف بالتبليغ حسن النية ، لأن تلك الملاحظة التي ترجع في شهادة التسليم هي التي يبني عليها القاضي إقتناعه في وصف الحكم ؟ لكن مع ذلك و إن كان المشرع المغربي لم يتطرق لذلك فقد أكد قضاء محكمة النقض أن العبرة في وصف الأحكام بالوصف القانوني لا القضائي ، حيث جاء فس إحدر قرارات محكمة النقض مايلي “على انه لا تتوقف الطبيعة الغيابية أو الحضورية للحكم على وصف المحكمة له ولكن على طبيعة الحكم نفسه فإذا أخطأ القاضي في وصفه للحكم فإن ذلك لا يترتب عنه بطلان الحكم المذكور ولكن يفتح المجال أمام المعني بالأمر للطعن فيه حسب وصفه المذكور”.[6] و يستشف من هذا أنه يمكن للمدعى عليه أن يطعن في الحكم الذي أخطأ القاضي في وصفه ، و هو موقف سليم لقضائنا المغربي و إجتهاد يحتسب لهم . لأنه لا يعقل أن نحكم على حكم بصفة مطلقة إنطلاقا من الملاحظة المدونة في شهادة التسليم، لأن ذلك الشخص المكلف بالتبليغ ليس معصوما من الخطأ ، وكلنا في داخلنا نفس آمرة بسوء فهناك من يتجنبها بعزيمته و قوته إيمانه، و هناك من يسقط في فخها . 

و أيضا من بين الإشكالات العملية للحكم الغيابي هو تطويل المساطر و الإجراءات القضائية، لأن إعادة نشر القضية من جديد أمام المحكمة المصدرة للحكم المطعون فيه بالتعرض يطيل المسطرة و قد يضيع الحقوق على أصحابها ، و أن منح المدعى عليه أن يدفع بعدم الإختصاص أمام محكمة الإستئناف في حالة الحكم الغيابي هو شئ سلبي و غير منطقي ، لأن تلك الإجراءات التي تكون قد قامت بها المحكمة الإبتدائية و تلك النفقات التي تم أنفاقها ، فضلا على الوقت الطويل الذي تم فيه فصل النزاع سيذهب سودا ، خصوصا إذا قبلت محكمة الإستئناف الدفع  بعدم الإختصاص من المستأنف عليه الذي صدر الحكم في حقه إبتديئا غيابيا.

و لا مناص من إعطاء وجهة نظري حول الصفة الغيابية للحكم أو القرار ، فإذا كان الحكم الغيابي يعطي مزايا يستفيد منها المدعى عليه فقط ،  الذي قد يتعامل بسوء النية و يطيل الحق على صاحبه ، فإن هذه الصفة ” الغيابية” غير صائبة . فالقانون يعلو ولا يعلى عليه ، وأن أي تبليغ من طرف جهة قضائية لأي جهة كانت عامة أو خاصة يجب أن يأخذ القوة الإلزامية تحت طائلة المسألة الجنائية في حالة عدم الإستجابة . لأن الإستدعاء و عدم الحضور يعني التجاهل عن العدالة و التلاعب بالقانون ، وضرب الصارخ في أوامر القضاء الذي يشكل الجهاز الأسمى في الدولة و الحامي للحقوق و الضامن لها .

ولهذا و حسب وجهة نظري المتواضعة يجب التقليص من الصفة الغيابية للأحكام و القرارات ، وألا يصدر الحكم الغيابي إلا للضرورة  القصوى ، وأن يصدر الحكم دائما حضوريا وهذا هو الأصل ، وأن يتم سن نصوص قانونية ترتب جزاءات جنائية تعاقب الشخص(سيئ النية) الذي إستدعي للحضور ولم يحضر مع مراعاة الظروف القاهرة و أيضا الوضعية الإجتماعية للمتقاضين و بعدهم عل المحاكم  ، خصوصا إذا تعلق الأمر بالمحاكم التجارية أو المحاكم الإدارية التي هي قلية جدا ، مما يكلف المتقاضين نققات كثيرة.

خاتمة

وصفوة القول ،إن المشرع  المغربي حينما سن القواعد القانونية التي تنظم وصف الأحكام خصوصا منها الأحكام الغيابية، كان هدفه هو حماية المدعى عليه ، وذلك بتكرس حقه في المحاكمة العادلة، وحضوره الجلسات و الترافع و الدفاع عن حقه و صدور حكم قضائي بحضوره. لكن الجانب السلبي للحكم الغيابي أثر على الجانب الإجابي ، ومن تم أصبح المدعى عليه يتعامل بسوء النية للإستفادة من مزايا الحكم الغيابي، و هو في  حقيقة أمر سلبي لا يتوافق مع العدالة القانونية الحديثة. لذا يجب إعادة النظر في الفصول المنظمة لقواعد وصف الأحكام ، مع سن نصوص قانونية تعاقب من أستدعى بصفة قانونية و تماطل عن الحضور للجلسة .


الهوامش:

مقال قد يهمك :   حرية التعبير بين المواثيق الدولية والممارسة الواقعية

[1] عبد الكريم طالب، الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية، مطبعة النجاح الجديدة دار البيضاء ، الطبعة التاسعة يناير 2019 ص 132 

[2] عبد الكريم طالب  ، م س ،  ص 213

[3] ظهير شريف بمثابة قانون رقم 447-74-1 بتاريخ 11 رمضان 1394 بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية (ج. ر. بتاريخ 13 رمضان 1394 – 30 شتنبر 1974

[4] تكون المسطرة كتابية أمام المحكمة الإبتدائية من غير الحالات المحددين للمسطرة الشفوية ، وتكون المسطرة دائما كتابية في إطار المحكمة الإستئناف و محكمة النقض و المحاكم الإدارية و المحاكم التجارية

[5] برجوع إلى الفصل 45 من القانون المسطرة المدنية يتبن أن المسطرة تكون شفوية في الحلات التالية:

-الأحكام التي تختص فيها المحاكم الإبتدائية إبتدائيا و إنتهائيا

-قضايا النفقة

-القضايا الإجتماعية

-قضايا إستفاء و مراجعة السومة الكرائية

-قضايا الحالة المدنية

[6] قرار المجلس الاعلى، (محكمة النقض حاليا ) عدد5، بتاريخ 18 .1 .1987 .منشور بمجموعة القانون القضائي، المعيار، عدد15 يناير 1989، ص82 و ما بعدها

error: عذرا, لا يمكن حاليا نسخ او طباعة محتوى الموقع للمزيد من المعلومات المرجوا التواصل مع فريق الموقع عبر البريد الالكتروني : [email protected]