الأستاذ عمر أزوكار: الأقراص المهلوسة والمؤسسة التشريعية.

محمد العلمي المشيشي : لهث القانون وراء تهافت العلم و التكنولوجيا

الأستاذة سليمة فراجي : عن مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء.

2 أكتوبر 2017 - 1:59 ص وجهة نظر
  • حجم الخط A+A-

مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء أو مشروع عنف تشريعي ضد الرجال والنساء؟

إذا كان من الثابت أن دستور 2011 رفع سقف الحقوق والحريات ونص في تصديره، الذي يعتبر جزء لا يتجزأ منه، على سمو المواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب فور نشرها على التشريعات الوطنية، فإنه من الثابت أيضا أنه وضع إطارا معياريا وطنيا لمناهضة جميع أشكال العنف ضد النساء عن طريق إقرار المساواة والمناصفة وحظر التمييز بين الجنسين.

إلا أن التباطؤ في تنزيل مقتضيات الدستور حال دون مواجهة أشكال العنف المتفشي، والذي أصبح يتخذ عدة أشكال في ظل أزمة القيم وليس أزمة النصوص التشريعية فقط، هذه النصوص التي إما لا تتلاءم مع احتياجات المجتمع، وإما تتسم بعدم الجودة وصعوبة التطبيق.

في سياق هذا الفوران التشريعي، وبعد مخاض طويل وعسير تمثل في مبادرات حكومية مختلفة منها مشروع قانون أعدته كتابة الدولة في الأسرة والتضامن والعمل الاجتماعي سنة 2006، ومشروع قانون مناهضة العنف الزوجي الذي أعدته وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن سنة 2008، جاءت وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية في الحكومة الحالية، وعلى مشارف نهاية الولاية التشريعية، بمشروع قانون 103.13 يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، وهو يناقش حاليا من طرف أعضاء لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب على أن يتم تقديم التعديلات قبل التصويت عليه في اللجنة وبعدها في الجلسة العامة.

قد يقول قائل إن هذه الإجراءات عادية ولم تكن تحتاج إلى كميات الحبر التي استعملت في التعليق على هذا المشروع وانتقاده من فئات، وتبجيله وتعظيمه من فئة أخرى، كما أنه لا يقال عنه ما قاله Montesquieu إنه لا يجب أن نشرع إلا بأيادي ترتجف! لأن الأيادي لم ترتجف قبل الصياغة ولم يتم بذل مجهود كبير على اعتبار أنه ليس بقانون شامل يتعلق بمناهضة جميع أشكال العنف ضد النساء، بقدر ما هو مجرد تتميم وتعديل لبعض فصول القانون الجنائي، وقد يصطدم بالهاجس الحقوقي، وأنه لو تمت المصادقة على مشروع القانون الجنائي برمته لما تم تفتيت وتجزئة هذا القانون ليتم عرض تتميمات وتعديلات وتغييرات، على غرار قانون الإرهاب والاتجار في البشر وغسل الأموال والصحافة والعنف ضد النساء.

مقال قد يهمك :   فراجي : رئاسة النيابة العامة تصحح المفاهيم بخصوص قانون مكافحة الاتجار بالبشر

وبغض النظر عن الانتقادات الموجهة إليه حول إقصاء الجمعيات النسائية الديمقراطية والعديد من مكونات المجتمع المدني، وعدم إشراكها في إعداد المشروع وصياغته، وغياب ديباجة للمشروع تبين فلسفته ومرجعيته وأسباب نزوله ومنحى المشرع وتوجهاته، فإن المحتوى الذي تضمن بابا أولا بمادة فريدة تناولت تعريف العنف بكونه “كل فعل أساسه التمييز بسبب الجنس يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”، وخصص الباب الثاني لمقتضيات زجرية تغير وتتمم مجموعة القانون الجنائي، يكون قد شمل جميع الفئات وليس فئة النساء فقط؛ من أصول وفروع وزوجات وأزواج وقاصرين. وبذلك وسع الفئات المعنية والمستهدفة ضدا على تسميته وعنوانه مع الإبقاء على وسائل الإثبات الكلاسيكية المعمول بها في مجال وسائل الإثبات. كما أنه غير لفظ “البغاء” بـ”الاستغلال الجنسي” الوارد في قانون الاتجار في البشر دون معرفة قصد المشرع في التعامل مع العلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين.

لكن وبغض النظر عن الإيجابيات والسلبيات، فإن بعض الفصول قد تشكل مساسا ببعض الحقوق والحريات، منها مقتضيات الفصل 1-448 التي جاءت فضفاضة وقد تؤدي إلى تأويلات قد تمس بحرية الرأي والتعبير، لأن التقاط الصور قد يكون بموافقة الشخص وربما إثر خلاف أو تصفية حسابات يتم تقديم شكاية بحجة عدم الموافقة. كما أن تثبيت أو تسجيل أو بت أو توزيع الصور في الأمكنة الخاصة قد يطرح إشكالية الأمكنة الخاصة والعامة، وقد يجعل الشخص محل اتهام في أي وقت وحين. إضافة إلى أن بت التسجيلات أو المعلومات دون موافقة أصحابها قد يؤدي إلى بعض الانزلاقات.

من جهة أخرى، فإن جريمة التحرش الجنسي المنصوص عليها في المادة 1-1-503 من المشروع ستواجه حتما بصعوبة التطبيق؛ إذ إن أي نص تشريعي متعذر التطبيق لا جدوى منه؛ بحيث كيف يعقل أن تتمكن المتحرش بها في الطريق العام من أن تتقدم بشكوى ضد من تحرش بها؟ إضافة إلى ذلك قد تفتح هذه المادة المجال لتفسيرات وتأويلات مصدرها تصفية الحسابات، خصوصا بالنسبة للزملاء في العمل أو بمناسبة إرسال وتبادل الصور؛ إذ قد يرسل زميل في العمل صورة أو فيديو عبر “واتساب” أو أدوات التواصل الالكترونية في إطار الترفيه وتبادل المعلومات، ويفسر من طرف المتلقي على أن الأمر يتعلق بإشارات جنسية أو ذات طبيعة جنسية، أو قد يتعلق الأمر بإبداعات شعرية أو أدبية وقد تؤدي إلى المتابعة أحيانا خصوصا إذا اقترنت بعامل تصفية الحسابات والشكايات الكيدية، لاسيما وأن فئات عريضة من مستعملي أدوات التواصل ذات مستوى وعي متدني قد لا تقدر ولا تفرق بين ما قد يمكن أن يكيّف على أنه أفعال أو أقوال أو تسجيلات أو رسائل هاتفية لها طبيعة جنسية، وقد يفهم منها أنها للترفيه والترويج فقط ويفهمها الطرف الآخر على أنها تلميحات ذات طبيعة جنسية.

مقال قد يهمك :   رشيد مشقاقة: اللغة القضائية

لذلك والى حين تقديم التعديلات من طرف الفرق البرلمانية لتجويد النصوص وتوخي حماية الضحايا مع الانتصار لمبدأ المحاكمة العادلة، نتمنى ألا يصبح قانون محاربة العنف ضد النساء عنفا تشريعيا ضد الرجال والنساء!

* محامية.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)