الفرسان الموازنية والقضاء الدستوري المغربي:أية حماية لمبدأ الوحدة الموضوعية لقانون المالية؟
- من إنجاز الطالبين الباحثين: محمد كريم ايت الشيخ و ايوب الصافي/ماستر العلوم الإدارية والمالية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي – جامعة محمد الخامس بالرباط.
مقدمة :
إن الأصل في بنية قوانين المالية يجعلها تتألف من جزئيين، جزء أول قانوني تحصر فيه المعطيات العامة للتوازن المالي، و ثان تحصر فيه تكاليف الدولة. وبالرغم من كون قانون المالية يتألف من جزئين، إلا أنه يقدم في وثيقة موازنية واحدة الأمر الذي يعتبر مستحدثا بموجب أول قانون تنظيمي للمالية فقبل صدور هذا القانون التنظيمي كانت الأجزاء المكونة لقانون المالية تقدم بشكل منفصل في فترات زمنية متفرقة حيث كانت هذه الأجزاء لا تصدر كلها بتاريخ واحد، ولكن بعد صدور أول قانون تنظيمي للمالية تم العمل على توحيد مكونات قانون المالية حيث أصبحت تقدم مكوناته في وثيقة موازنية واحدة تحدد مجموع تحملات و موارد الدولة و تشكل كل هذه المقتضيات صورة لمبدأ الوحدة.[1]
و لعل من المفيد أن نؤكد على أن القضاء الدستوري المغربي قد اعترف بمبدأ الوحدة سنة 1998 بمناسبة فحص دستورية القانون التنظيمي للمالية رقم .987،[2] و رغم ذلك جاء اعتراف القضاء الدستوري بشكل متأخر بالمقارنة مع نظيره الفرنسي الذي اعترف بمبدأ الوحدة سنة 1994[3] علاقة بقانون مالية سنة 1995.
وفي هذا الإطار رغم كون مبدأ الوحدة من المبادئ المعترف بها من قبل القضاء الدستوري على غرار مبدأ الصدقية إلا انه يبقى نسبيا، أي أنه لا يفيد وحدة عضوية تامة، لكن بالمقابل فالوحدة الموضوعية تبقى قائمة لأن قانون المالية لا يمكن أن يتضمن مواضيع خارجة عن المواضيع المحددة بموجب المادة السادسة من القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 والتي تنص على أنه “لا يمكن أن تتضمن قوانين المالية إلا أحكاما تتعلق بالموارد والتكاليف أو تهدف إلى تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل وبمراقبة استعمال الأموال العمومية.”
فالوحدة الموضوعية لقانون المالية تقتضي أن يقتصر هذا الأخير على المقتضيات ذات الطابع المالي وحذف كل ما لا يرتبط بمواضيعه، حتى لا يتم استغلال قانون المالية كمطية لتمرير فرسان موازنية حكومية أو برلمانية.
فمصطلح الفرسان يفيد على أنها “تلك المقتضيات المتضمنة في مشروع أو مقترح قانون والمعتبرة وفقا للضوابط الدستورية و القانونية المؤطرة لقواعد التشريع غير متلائمة مع طبيعته”.[4] فالفرسان الموازنية إذن هي المقتضيات المضمنة في قانون المالية ولكنها لا تتلاءم مع طبيعة النص المنظم له، ويمكن أن يتم إضافة هذه المقتضيات بمبادرة من الحكومة أو البرلمان.[5]
فقاعدة فرسان الموازنة إذن لا ترتبط بأنظمة أو نصوص قانونية مكتملة، بل قد تثار حتى ولو تعلق الأمر ببند أو فقرة أو جملة لا يرتبط مضمونها بموضوع قانون المالية.[6]
فمعطى الفرسان الموازنية لا يمكن أن نجده إلا في أحكام الجزء الأول من قانون المالية، و ذلك بإدراج مواضيع خارجة عن ما هو محددة بموجب القانون التنظيمي للمالية، وتجدر الإشارة إلى أن قاعدة الفرسان الموازنية مقاربة فقهية خالصة، على عكس المقاربة القانونية التي يعتمدها القضاء الدستوري إذ يصرح فقط بأن أحد المقتضيات الواردة في قانون المالية خارجة عن مواضيعه كما هي محددة بموجب المادة السادسة من القانون التنظيمي وبالتالي الإقرار بمخالفتها للدستور.
و في هذا الصدد أصدر القضاء الدستوري المغربي قرارين مختلفين يهمان فحص أحد المواد الواردة في قانون المالية لسنة 2009 و قانون المالية لسنة 2018 حيث إن كلا المطلبين الطاعنين في القانونين يهدفان لتصريح القضاء الدستوري المغربي بأن البنود موضوع الطعن خارجة عن مشمولات قانون المالية.
وأهمية نبذ هذه الظاهرة تكمن في حماية الحقوق والحريات التي يعتبر المختص بالتشريع فيها وحمايتها السلطة التشريعية وفقا لقواعد ذات طبيعة خاصة مسطريا وزمنيا تختلف تمام الاختلاف عن طبيعة وظروف اعتماد قانون المالية وبالتالي الحد من إمكانية هضمها من قبل السلطتين التنفيذية أو التشريعية معا بامتطاء قانون المالية فرسا لذلك.
وارتباطا بهذا الموضوع نخرج بإشكالية رئيسية تنجلي من خلال كيفية تعامل القضاء الدستوري المغربي مع ظاهرة “الفرسان الموازنية” من خلال بته في قوانين المالية السنوية المطعون فيها على أساس مخالفتها لمبدأ الوحدة الموضوعية.؟
ولضرورات معرفية ومنهجية سنفرع هذه الإشكالية المحورية إلى أربع أسئلة فرعية كالتالي: ما مضمون قرار المجلس الدستوري من حيث إمكانية وجود “الفرسان الموازنية” في ما يتعلق بالمادة الثامنة من قانون مالية سنة 2009؟ وما مضمون قرار المحكمة الدستورية تجاه الادعاء بوجود “الفرسان الموازنية” المتمثل في الفقرة (ب) من المادة السابعة من قانون مالية سنة 2018؟ ثم ما هي أوجه التشابه بين قرار المجلس الدستوري وقرار المحكمة الدستورية في شأن وجود “الفرسان الموازنية” من عدمه؟ وأخيرا ما المبررات المسوغة للتباين بين قرار المجلس الدستوري وقرار المحكمة الدستورية لإمكانية وادعاء حضور معطى الفرسان الموازنية؟
وكمقاربة للإشكالية المحورية والأسئلة المتفرعة عنها اقتضى منا الأمر اعتماد منهجية ذات تصميم ثنائي المباحث رباعي المطالب، نتناول فيه المبحث الأول من خلال إبراز مضامين قراري القضاء الدستوري رقمي 728/08 و 66/17 من زاوية قاعدة نبذ “الفرسان الموازنية”، أما المبحث الثاني قررنا اعتماد مقارنة قراري القضاء الدستوري في شأن “الفرسان الموازنية” والمبررات المفسرة للتباين بينهما.
المبحث الأول: مضامين قراري القضاء الدستوري رقمي (728/08 و 66/17) من زاوية قاعدة نبذ “الفرسان الموازنية”
قبل الخوض في غمار المقارنة بين ما تضمنه قرار المجلس الدستوري رقم 728/08[7] وما أتى به قرار المحكمة الدستورية رقم 66/17،[8] كان لابد لنا من التطرق أولا لمضمونهما معا، قرار المجلس الدستوري في (المطلب الأول) وكذلك لقرار المحكمة الدستورية في (المطلب الثاني) كمرحلة أولية ممهدة للانتقال إلى استخراج أوجه التشابه والاختلاف بينهما.
المطلب الأول: مضمون قرار المجلس الدستوري بخصوص مأخذ المادة الثامنة من قانون المالية لسنة 2009
بت المجلس الدستوري سابقا في المادة الثامنة من قانون المالية رقم 08 – 40 لسنة 2009، هذه المادة في ارتباطها مع القانون المالي شكلت موضوع طعن اعتبارا لأنها مخالفة لمقتضى المادة الثالثة من القانون التنظيمي للمالية رقم 7.98 ، حيث تقر هذه المادة بعدم إمكانية تضمن قانون المالية إلا لأحكام تتعلق بالموارد والتكاليف أو تهدف إلى تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل وكذا مراقبة استعمال الأموال العمومية، هذا من الزاوية القانونية.
أما من الناحية الفقهية فيصطلح على هذا التجاوز القانوني بقاعدة نبد “الفرسان الموازنية”، إذ على أساس هذه المخالفة للنص القانوني السالف الذكر تم الطلب بالطعن بعدم دستورية قانون المالية من قبل 104 أعضاء بمجلس النواب من المجلس الدستوري، حيث تم استيفاء ربع أعضاء المجلس الذين أحالوا بموجب رسالة طعن قبل صدور الأمر بتنفيذ القانون عملا بمقتضيات الفصل 81 من دستور سنة 1996، حيث طلبوا من خلالها تصريح المجلس الدستوري بمخالفة المادة الثامنة من قانون مالية سنة 2009 للدستور، وعدم مطابقة هذا القانون برمته للدستور لكون المواد المذكورة لا يمكن فصلها عن مجموع أحكامه.
وبعد استيفاء الرسالة للشروط الشكلية كاملة تطرق القرار للناحية الموضوعية بعد التمسك بمخالفة هذه المادة للمادة الثالثة من القانون التنظيمي للمالية كون أنها مرتبطة بمنظومة قانونية جديدة لم تبت فيها بعد المؤسسة التشريعية…
وبالرجوع إلى هذه المادة موضوع الطعن الجزئي نرى أن الأمر يتعلق بالفقرة الأولى من البند الثاني من المادة وليس المادة ككل، ونجد أن موضوع الطعن يرتبط أساسا بتحصيل الغرامات التصالحية والجزافية بحيث يهدف هذا المقتضى إلى إحداث مسطرة خاصة لتحصيل الغرامات بشأن المخالفات في مجال السير والجولان… واعتبر المجلس في الأخير بأن المقتضى السالف الذكر لا يمكن إدراجه بحكم طبيعته لأنه لا يندرج ضمن الأحكام التي من شأنها أن تهدف إلى تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون التنظيمي للمالية، الأمر الذي يجعل المادة الثامنة خارج نطاق اختصاص قانون المالية بالرغم من اعتبار هذه الغرامات التصالحية والجزافية تعد من ضمن موارد الدولة طبقا للمادة الحادية عشرة من القانون التنظيمي.
إلا أن المراد بالمادة موضوع الطعن ليس المورد وإنما كذلك إحداث المسطرة الخاصة لتحصيل هذه الغرامات الأمر الذي يدخل ضمن صلب اختصاصات السلطة التشريعية وفقا لشروط خاصة تختلف من حيث الطبيعة والظروف عن قانون المالية، فصرح المجلس الدستوري بأن أحكام البند الثاني من المادة الثامنة مخالف للدستور وبالتالي إمكانية فصل هذا البند عن باقي مقتضيات القانون المذكور وجواز إصدار قانون المالية بعد أن يحذف منه ما تم التصريح بعدم مطابقته للدستور.
هذا كان في شأن مضمون قرار المجلس الدستوري بخصوص مأخذ المادة الثامنة من قانون المالية لسنة 2009، فماذا تضمن قرار المحكمة الدستورية في ما يتعلق بمأخذ الفقرة (ب) من المادة السابعة من قانون المالية لسنة 2018؟
المطلب الثاني: مضمون قرار المحكمة الدستورية في ما يتعلق بمأخذ الفقرة (ب) من المادة السابعة من قانون المالية لسنة 2018
بتت المحكمة الدستورية في ما يرتبط “بالفرسان الموازنية” بالخصوص في الفقرة (ب) من المادة السابعة من قانون المالية لسنة 2018 والتي تم الطعن فيها وفقا لرسالة الإحالة، يطلب فيها 81 عضوا بمجلس النواب من المحكمة الدستورية التصريح بمخالفة الفقرة (ب) من المادة السابعة لمقتضى المادة السادسة من القانون التنظيمي 130.13. بعد استيفائها من حيث الشكل للشروط المنصوص عليها في الفصل 132 من الدستور الذي حدد أنه يمكن لخمس أعضاء مجلس النواب أن يحيلوا القوانين قبل صدور الأمر بتنفيذها الشيء الذي توفر في رسالة الطعن المحالة على المحكمة الدستورية.
وأيضا تصريح المحكمة بعدم جواز سحب طلب الإحالة بالتنازل كون أن الأمر يمكن فقط في حالة وجود دعوى مدنية لأنها دعوى شخصية وأن الأمر يختلف عن الدعوى الدستورية التي هي دعوى موضوعية، وكذلك فقط في الحالات الاستثنائية. وجدير بالذكر على أن رفض القضاء الدستوري لطلبات التنازل عن الإحالات المعروضة عليه لم يؤسسه هذا القرار بل كان هناك قرار سابق للمجلس الدستوري لسنة [9]2014 رفض فيه هو الآخر التنازل عن إحالة معروضة عليه، لكن كان موضوع التنازل عن الإحالة هو القانون رقم 115.13 القاضي بحل المجلسين الجهويين لصيادلة الشمال والجنوب وإحداث لجنة خاصة مؤقتة، إلا أن رفض طلب التنازل عن إحالة قانون مالية سنة 2018 يبقى سابقة للقضاء الدستوري في مجال قوانين المالية.
ومن الناحية الموضوعية بخصوص هذه المادة فيتعلق الأمر بموضوع تعديلات أدخلت على المدونة العامة للضرائب وتتعلق بشروط الاستفادة من إعفاءات الانضمام إلى التعاونيات والجمعيات السكنية الداعي الذي بنيت عليه رسالة الإحالة كون هذه المادة مخالفة للدستور، وبالأساس أنها تشكل عرقلة لحرية الانضمام إلى الجمعيات، التضارب مع النصوص الأصلية المنظمة للعمل الجمعوي، والإخلال بالطابع الاجتماعي لنظام الحكم بالمملكة.
لكن المحكمة الدستورية بالأخير صرحت بعدم مخالفة المادة موضوع الطعن بناء على ست حجج لعل من أهمها وأكثرها كفاية مسألة المراقبة الدستورية للقوانين كونها لا تتم إلا قياسا بالدستور والقوانين التنظيمية وليس القوانين العادية المماثلة لقانون المالية، الأمر الذي كان موضوع طرح من قبل الطاعنين كون قانون المالية جاء مخالفا لقانون له نفس الدرجة القانونية إن لم نقل أقل منه مرتبة (القوانين المتعلقة بتأسيس الجمعيات والتعاونيات). وبالتالي فإن المآخذ المستدل بها للطعن لا تنبني على أي أساس دستوري صحيح، بما تكون معه المقتضيات المذكورة ليس فيها ما يخالف الدستور.
المبحث الثاني: الثابت والمتحول في قراري القضاء الدستوري بشأن “الفرسان الموازنية” في قانوني المالية لسنتي 2009 و 2018
عندما نتحدث عن الظاهرة القانونية المالية “الفرسان الموازنية” بالمغرب فإننا وتلقائيا يخطر لأذهاننا قراران، أول سنة 2008 وثان سنة 2017، مما يستوجب علينا استحضار مسألة الثابت في القرارين (المطلب الأول) وكذلك المتغير في القرارين (المطلب الثاني) المبرر والمسوغ للتباين بين منطوقهما.
المطلب الأول: الثابت بين قرار المجلس الدستوري وقرار المحكمة الدستورية
يشترك القراران ويلتقيان في عدة مناسبات، حيث نجد أنهما معا يرتبطان بمبدأ الوحدة وعلى الخصوص بموضوع الوحدة الموضوعية لقانون المالية اللذان كانا منبنيان على ذلك الأساس دون الوحدة العضوية التي كانت موضوع طعن آخر سنة 2000، والذي كان قد تضمن بين مواده مادة عاشرة تشير لتوفر مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة على ميزانيات مستقلة، حيث صرح المجلس الدستوري بمخالفة أحكام المادة العاشرة من القانون التنظيمي للمالية.
و قد تم أيضا الاعتماد في القرارين على نفس طريقة الطعن التي بت بموجبها كل من المجلس الدستوري والمحكمة الدستورية وفقا لطريقة الإحالة الدستورية للقوانين على أساس توفر النصاب العددي القانوني لأعضاء مجلس النواب.
ومن خلال الرجوع إلى مشروعي قانوني المالية لسنتي 2009 و2018 نسجل أيضا تشابه موقع المادتين المطعون فيهما إذ نجدهما معا يرتبطان من حيث بنية هذا القانون بالجزء الأول منه وهو الجزء القانوني المتعلق بالمعطيات العامة للتوازن المالي وبالتحديد الأحكام المرتبطة بالموارد العمومية التي يمكن أن ينص عليها القانون سواء من حيث الإحداث أو الحذف أو التعديل. ونجد من جهة أخرى أن المادتين موضوع الطعن معا ترتبطان أساسا بالإحداث والشروط المواكبة له.
كذلك أن المادتان تهمان الأحكام والمقتضيات التي ترتبط بالموارد العمومية التي أشارت لهم المادة الحادية عشرة ضمن كل من القانونين التنظيميين للمالية 7.98 و130.13.
وأخيرا من بين ما يمكن تسجيله على المادتين أنهما ترتبطان بميزانية الدولة دون ميزانية الحسابات الخصوصية أو ميزانية مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة.
هذا كان في ما يرتبط بأوجه التشابه بين قرار المجلس الدستوري وقرار المحكمة الدستورية بشأن تضمن قانوني المالية لسنتي 2009 و2018 بنودا مخالفة للوحدة الموضوعية لقانون المالية، ماذا عن أوجه الاختلاف بينهما في موضوع مخالفة هذا الصنف من مبدأ الوحدة؟
المطلب الثاني: المتغير بين قرار المجلس الدستوري وقرار المحكمة الدستورية
من خلال أول قراءة لقرار المجلس الدستوري رقم 728/08 وقرار المحكمة الدستورية رقم 66/17، يتبدى لنا في أولى الملاحظات والتي من خلاصتها اختلاف الهيئة القضائية الباتة في القرارين، بتحول هيئة المجلس الدستوري إلى المحكمة الدستورية وما يستتبع ذلك من نتائج قد ترخي بظلالها على منطوق القرارين.
كذلك يسجل الاختلاف على مستوى النصاب القانوني لإحالة أعضاء مجلس النواب بين دستوري 1996 و2011 كون الأول يشترط الربع من الأعضاء في حين أن الثاني يستوجب الخمس من أعضاء المجلس، إضافة إلى اختلاف عدد الأعضاء وفقا للإحالة حيث نجد أن القرار الأول توفرت في رسالة الإحالة للطعن في دستورية قانون مالية سنة 2009 وبالتحديد المادة الثامنة منه 104 أعضاء، في حين توفرت في رسالة الإحالة بالقرار الثاني في رسالة الإحالة للطعن في دستورية قانون مالية سنة 2018 وبالتحديد الفقرة (ب) من المادة السابعة 81 عضوا من مجلس النواب.
بالإضافة إلى أن القرار الأول لم يشهد مسألة طلب التنازل وسحب مذكرة الطعن على عكس القرار الثاني.
وهنالك أيضا معطى المرتكزات التي اعتمدها كل من المجلس الدستوري والمحكمة الدستورية في اتخاذ قراريهما، كون أن القرار الأول في موضوع “الفرسان الموازنية” اعتمد على دستور المملكة لسنة 1996 والقانون التنظيمي لسنة 1998 بالإضافة إلى روح العدالة والمبادئ العامة للقانون على عكس القرار الثاني الذي اعتمد على الدستور والقانون التنظيمي فقط وذلك الأمر يرجع بالأساس لحيثيات المادتين المطعون فيهما الأمر الذي سنتناوله في الجانب الموضوعي للقرار.
وفي حال الارتكان للمادتين موضعي الطعن لتبرير صيغتي القرارين من حيث مرتكزاتهما نجد أن المادة موضوع القرار الأول صرح المجلس الدستوري في صددها أنها ترتبط بمنظومة قانونية جديدة لم تبت فيها المؤسسة التشريعية بعد وأنها تتضمن مقتضيات تشرع لوسائل جديدة، على عكس المادة موضوع القرار الثاني التي ترتبط بمجال مؤسس له تشريعيا على عكس الأول وذلك من خلال القوانين المتعلقة بتأسيس الجمعيات والتعاونيات.
المعطيين السالفي الذكر أديا بتصريح المجلس الدستوري في موضوع الطعن بالمادة الثامنة من قانون مالية سنة 2009 بمخالفتها للدستور وفي مقابل ذلك عدم مخالفة الفقرة (ب) من المادة السابعة من قانون مالية سنة 2018 للدستور، معللا بذلك قراره على أن مراقبة دستورية القوانين ومن ضمنها قانون المالية لا تتم إلا قياسا بالدستور والقوانين التنظيمية وليس عبر الإحالة على قوانين تتقاسم مع قانون المالية نفس الدرجة والتراتبية القانونية، الشيء الذي دعا المجلس الدستوري للتصريح بعدم الدستورية ارتكازا على الدستور والقانون التنظيمي، في حين أن القرار الثاني لا محل له من المراقبة الدستورية للاعتبارات السالفة.
وكملاحظة أخرى يمكن تسجيلها أن فكرة موضوع “الفرسان الموازنية” بالقرار الثاني تتمحور حول تحديد شروط الاستفادة من إعفاء قانوني وبالتالي الارتباط بالموارد الضريبية الشيء الذي يجعل من موضوع الفقرة (ب) بالمادة السابعة من مشمولات قانون المالية أي أنها ترتكز بالأساس على أساس تشريعي ضريبي وبالتالي الاندراج ضمن مواضيع المادة السادسة من القانون التنظيمي للمالية 130.13، على عكس المادة الثامنة موضوع القرار الأول التي تضمنت رغبة الحكومة في التأسيس والخلق لمسطرة تشرع لوسائل جديدة لتحصيل الغرامات و ترمي إلى إثبات مخالفات في مجال مراقبة السير والجولان الأمر الذي اعتبره المجلس الدستوري خارج نطاق المادة الثالثة من القانون التنظيمية 7.98.
ثم أن موضوع الإحالتين يمس وله علاقة بالموارد المنصوص عليها في المادة الحادية عشر من القانون التنظيمي للمالية إلا أن موضوع القرار الأول يرتبط بالأساس بحصيلة الغرامات في ظل أن الثاني له علاقة بالضرائب والرسوم.
وأخيرا تعتبر إحالة الفقرة (ب) من المادة السابعة بالقرار الثاني كانت بناء على تعديلات أدخلت اعتمادا على معطى العقلنة البرلمانية والتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ضمن قانون المالية على عكس المادة الثامنة موضوع القرار الأول التي كانت عبارة عن مقتضى وضع من قبل الحكومة من الأول قبل دخوله لمرحلة المناقشة والتصويت.
خاتمة :
ختاما يمكن الخروج بعدة خلاصات من قبيل أن مسألة “الفرسان الموازنية”، ما هي إلا نوع من “الفرسان” إلى جانب “الفرسان التشريعي” و”الفرسان الاجتماعي” هذا الأخير الذي إذا ما رجعنا لقرارات المجلس الدستوري الفرنسي نجده يحتل المكانة الأبرز في موضوع “الفرسان”، حيث أن القضاء الدستوري الفرنسي انبرى له بشكل سابق على نظيره المغربي نظرا لمعطى التراكمية، وأن “الفرسان الموازنية” ما هي إلا نتيجة لتوسع موضوعات قانون المالية والرهانات الملقاة عليه لتنفيذ البرنامج الحكومي، إلا أن هذه الظاهرة يجب الحد منها لما تشكله من إمكانية لاستغلال خصوصية قانون المالية لتمرير المقتضيات المتضمنة للقواعد الموضوعية.
ومن الوسائل التي يجب على الفاعلين في هذه العملية الأخذ بها، مثلا إزالة شرط الطعن بعدم دستورية القانون فقط قبل صدور الأمر بالتنفيذ للقانون، هذه الآلية هي متوفرة في النموذج الفرنسي الشيء الذي يفتح الباب على مصراعيه للطعن في قانون المالية ليس فقط حفاظا على مبدأ الوحدة بل جميع المبادئ الدستورية حماية للحقوق والحريات، كذلك ترتبط مسألة مواجهة هذه الظاهرة بمدى النضج القانوني للمتدخلين في مراحل القانون المالي، حيث يمكن أن تثار هذه المسألة قبل المصادقة النهائية وبالتالي تجنب مسألة شرط الطعن في عدم الدستورية للقانون فقط قبل صدور الأمر بتنفيذه بناء على مبدأ الوحدة الموضوعية لقانون المالية، الشيء الذي يتجسد بشكل جلي في ما خلقه تعديل المادة الثامنة من طرف الحكومة من إشكال ونقاش مما جعل المعارضة تعد بالطعن في دستورية التعديل في حال إقراره بشكل نهائي، وما هذا إلا تجل من تجليات “العقلنة البرلمانية” التي تتيح لكل من الحكومة والبرلمان آليات التعديل والاقتراح اللتان قد توظفان بشكل فعال لمحاربة ظاهرة “الفرسان الموازنية” إذا ما توفرت لها الشروط اللازمة لذلك.
في انتظار تفعيل المقتضيات الواردة في الفصل 133 من الدستور من خلال مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 الذي يتعلق بتحديد شروط وإجراءات تطبيق الفصل 133، هذه المقتضيات ستتيح للمحكمة الدستورية التدخل حتى بعد صدور الأمر بتنفيذ القانون وذلك عن طريق الدفع بعدم دستورية القانون، إذا كان من شأن القانون موضوع الدفع سيطبق في النزاع و يمس بالحقوق و الحريات التي يضمنها الدستور، وكذلك فتح الباب للدفع بعدم دستورية القانون أمام محاكم أول درجة ومحاكم ثاني درجة في حين تضمنه لمقتضيات مخالفة للدستور ماسة بالحقوق والحريات التي أقرها الأخير.
المراجع المعتمدة :
- مراجع باللغة العربية :
الكتب:
د. سي محمد البقالي، الكتلة الدستورية للمالية العمومية “محاولة لرصد المرتكزات الدستورية لقانون المالية والميزانية، مطبعة البصيرة، الرباط، الطبعة الأولى 2017.
القرارت:
قرار المحكمة الدستورية رقم 17/66 م د ملف رقم 17/15 بشأن دستورية قانون مالية سنة 2018 رقم 18.67، الصادر بمقر المحكمة الدستورية بالرباط، بتاريخ 23 دجنبر2017؛
قرار المجلس الدستوري رقم 937/14 م د ملف رقم 14/1396 بشأن دستورية القانون رقم 115.13 القاضي بحل المجلسين الجهويين لصيادلة الشمال والجنوب وإحداث لجنة خاصة مؤقتة، الصادر بمقر المجلس الدستوري بالرباط، بتاريخ 19/06/2014؛
قرار المجلس الدستوري رقم 728/08 م د ملف رقم 1120/08 بشأن دستورية قانون مالية سنة 2009 رقم 40.08، الصادر بمقر المجلس الدستوري بالرباط، بتاريخ 29 دجنبر 2008؛
قرار المجلس الدستوري رقم 250/ 98 م د ملف رقم 455/98 بشأن دستورية القانون التنظيمي للمالية 98-7 سنة 1998 الصادر بمقر المجلس الدستوري بالرباط، بتاريخ 24/10/1998.
القوانين:
دستور المملكة المغربية لسنة 2011؛
دستور المملكة المغربية لسنة 1996؛
القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13؛
القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية؛
القانون التنظيمي للمالية رقم 7.98؛
مشروع القانون التنظيمي رقم 68.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات تطبيق الفصل 133 من الدستور؛
مشروع قانون مالية سنة 2011؛
مشروع قانون مالية سنة 2009؛
المواقع الإلكترونية:
www.conseil-constitutionnel.fr
fr.jurispedia.org
- المراجع باللغة الفرنسية
Articles
Raphaël DÉCHAUX, L’ÉVOLUTION DE LA JURISPRUDENCE CONSTITUTIONNELLE EN MATIÈRE DE « CAVALIERS » ENTRE 1996 ET 2006.
Décisions
Conseil constitutionnel, décision n° 94-351 DC du 29 décembre 1994, loi de finances pour 1995.
الهوامش :
- – د. سي محمد البقالي، الكتلة الدستورية للمالية العمومية “محاولة لرصد المرتكزات الدستورية لقانون المالية والميزانية، مطبعة البصيرة، الرباط، الطبعة الأولى 2017، الصفحة: 82. ↑
- – قرار المجلس الدستوري رقم 250/ 98 م د ملف رقم 455/98 بشأن دستورية القانون التنظيمي للمالية رقم 7.98 سنة 1998 الصادر بمقر المجلس الدستوري بالرباط، بتاريخ 24/10/1998. ↑
- – Conseil constitutionnel, décision n° 94-351 DC du 29 décembre 1994, loi de finances pour 1995;
) http://www.conseil-constitutionnel.fr/conseil-constitutionnel/francais/les-decisions/acces-par date/decisions-depuis-1959/1994/94-351-dc/decision-n-94-351-dc-du-29-decembre-1994.10578.html.( ↑
- – Raphaël DÉCHAUX, L’ÉVOLUTION DE LA JURISPRUDENCE CONSTITUTIONNELLE EN MATIÈRE DE « CAVALIERS » ENTRE 1996 ET 2006, page: 1. ↑
- – http://fr.jurispedia.org/index.php/Cavalier_budgétaire_(fr). ↑
- – د. سي محمد البقالي، نفس المرجع، الصفحة: 121. ↑
- – قرار المحكمة الدستورية رقم 17/66 م د ملف رقم 17/15 بشأن دستورية قانون مالية سنة 2018 رقم 18.67، الصادر بمقر المحكمة الدستورية بالرباط، بتاريخ 23 دجنبر2017، (قرارات/قرار-6617http://www.cour-constitutionnelle.ma/ar/) . ↑
- – قرار المجلس الدستوري رقم 728/08 م د ملف رقم 1120/08 بشأن دستورية قانون مالية سنة 2009 رقم 40.08، الصادر بمقر المجلس الدستوري بالرباط، بتاريخ 29 دجنبر 2008، (قرارات/قرار-08728http://www.cour-constitutionnelle.ma/ar/). ↑
- – قرار المجلس الدستوري رقم 937/14 م د ملف رقم 14/1396 بشأن دستورية القانون رقم 115.13 القاضي بحل المجلسين الجهويين لصيادلة الشمال والجنوب وإحداث لجنة خاصة مؤقتة، الصادر بمقر المجلس الدستوري بالرباط، بتاريخ 19/06/2014،
(قرارات/قرار-2014937 (http://www.cour-constitutionnelle.ma/ar/. ↑
تعليقات 0