جواد مبروكي : لا فرق بين التعليم المغربي و تربية البهائم
- خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي.
الرأي ليس حقيقة وإنما هو نتيجة فكر وتحليل واستعمال أمثلة مجازية لتبسيط الرؤية، كما هو خاضع للمشاورة بطبيعة الحال. أبدأ تحليلي بهذا التوضيح حتى نتفادى أي سوء فهم أو تأويل لم أقصده.
في مجال تربية المواشي نحن في حاجة إلى خمسة عناصر:
1- “الكْسّابْ”: هو المُمول لمشروع تربية البهائم، وهدفه الوحيد هو كسب أرباح مالية عالية ولو على حساب القيم، وهذا ما رأيناه في ظاهرة اللحوم الزرقاء في عيد الأضحى.
2- “البهائم”: تعتبر منتوجا لا أقل ولا أكثر ودون الحيوان لأن للحيوان حقوقا.
3- “العلْفْ”: هي مأكولات البهائم، وجودتها تنعكس على درجة وسرعة نمو البهيمة لإنتاج أرباح قصوى من اللحوم.
4- “السّْرّاحْ”: هو الراعي الذي يهتم بالبهائم.
5- “الكوري” : هو الإسطبل المخصص لحماية البهائم من قسوة الجو، ليس رأفة بها، بل حفاظا على المنتوج.
في مجال التعليم نحن كذلك في حاجة إلى خمسة عناصر :
1- “مولْ الشّْكارَة” : هو “الكْسّابْ”! ولا فرق بين “مولْ الشّْكارَة”، سواء في التعليم العمومي أو الخاص. همه الوحيد الربح وتحويل التلميذ إلى منتوج بالسهر على جودة “دماغه” فقط.
2- “التلاميذ” : هم “البهائم”. يجب رفع مستوى (وزن) دماغ التلميذ للحصول على مردودية كبيرة ونقط مدرسية عالية على حساب راحته وسعادته وتربيته على القيم. هو مثل البهيمة بالنسبة إلى “الكْسّابْ”، “ما كَيْهْمُّو سوى كِلوّاتْ اللحم”. بطبيعة الحال “مولْ الشكارة” لا يتشاور مع التلاميذ، ولا يعرف كيف هي وجوههم أو حتى “رْيوسْهُمْ”، ولا يتحاور معهم، ولا يصغي إليهم، مثل “الكْسّابْ” ليس بأحمق ليتشاور مع البهائم، وهو الذي يعرف جيدا احتياجاتها لرفع منتوج اللحوم. “مولْ الشّْكّارَة” كذلك لا يبحث سوى عن تقنيات الرفع من منتوج الأدمغة عند التلاميذ.
3- “البرامج التعليمية” : هي بمثابة “العْلفْ” للبهائم. “الكْسّابْ” يطلب من مهندس التغذية اختراع علف بإمكانه رفع مستوى منتوج اللحوم دون اهتمام بما إذا كانت سلامة وراحة وسعادة البهيمة في حاجة إليه. في التعليم نفس الشيء، يطلب “مولْ الشّْكارَة” من صناع البرامج التعليمية اختراع برامج تضاعف حجم الأدمغة بدون أدنى اهتمام بسعادة الطفل وتوازن شخصيته وتربيته على القيم الروحانية والإنسانية. “الكْسّابْ” يحول البهيمة إلى “لحوم”، و”مول الشكارة” يحول الطفل إلى دماغ فقط “باشْ يْكونْ شِي حاجَة”، بمعنى يكون له أعلى راتب شهري عند كبره. “الكْسّابْ” لا يتشاور مع البهيمة حول نوع العلف الذي هي بحاجة إليه، و”مول الشكارة” لا يتشاور مع التلميذ حول نوع البرنامج الذي هو بحاجة إليه.
4- “الأستاذ” : بمثابة “السّْرّاحْ” للقطيع. “الكْسّابْ” يعتبر “السّْراحْ” وسيلة لتحقيق الأرباح ولا يتشاور معه في اختيار أنواع البهائم ولا في أي شيء، ويعتبره “غي سْرّاحْ” لا أقل ولا أكثر. وهذه العلاقة المهينة المريضة تخلق عدة نزاعات، حيث لا يعتبر “السّْرّاحْ” نفسه شريكاً في هذا المشروع، ويحاول استغلال كل المواقف للنصب على “الكْسّابْ”. ففي التعليم نرى النزاعات نفسها لأن “مول الشكارة” لا يأخذ برأي الأستاذ، ولا يصغي إليه، ولا يجعله شريكا في مشروع المدرسة. كما لا يهتم بسعادته وراحته وراحة عائلته، ولهذا ترى عائلات التعليم ممزقة: الزوج موظف في بوادي الحسيمة، والزوجة في جرادة مثلا، فينتهي الأمر بالأستاذ ليرى أن وظيفته لا تختلف عن “سْرّاحْ دْ البْهايْم”.
5- “المنزل العائلي للتلميذ” : هو بمثابة “الكوري” يستقبل الطفل ويوفر له أدنى حاجاته. “السّْرّاحْ” يعتبر البهيمة منتوجا فقط، وليس كائنا حيا له حقوق، والمنزل العائلي يعتبر الطفل كذلك كَـ”دماغ” فقط يجب عليه الحصول على أقساط (أرباح) عالية من النقط. هل “السّْرّاحْ” و”الكْسّابْ” يهتمان بنفسية البهيمة وتوازنها قبل كيلوات لحمها؟ هل “المنزل” و”مول الشكارة” والأستاذ يهتمون براحة وتوازن وسعادة الطفل قبل مردودية النقط؟
إذا كانت البهيمة بحاجة إلى العلف، فالطفل ليس بحاجة إلى برامج “عَلفِيَّة”، بل هو في حاجة إلى من يساعده على استخراج كل القدرات الكامنة بداخله كمنجم الألماس. الطفل ليس بهيمة، بل هو إنسان أكثر رشدا وعدلا وإنصافا من “السّْرَّاحْ” و”مولْ الشكارة”، وهو بحاجة إلى الاحترام والحب والحنان والعطف، وإلى المساعدة والمرافقة لتحقيق “ما يرغب في أن يكونَ، وليس ما نرغب في أن يكون”.
إخواني المغاربة نحن في أزمة “الحوار والمشاورة” و”أزمة المفاهيم”.
تعليقات 0