كل محافظ فهو مجرم بالمآل. بقلم: الأستاذ عمر أزوكار.
كل محافظ على الأملاك العقارية مزاولا لمهامه كان أو متقاعدا، هو في واقع الأمر في حالة سراح إلى حين الحكم عليه بالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات سجنا، في حال تقييده في الرسم العقاري لعقد رسمي ناقل للملكية العقارية، ثبت يوما ما أنه مزور! وبهذا الوصف فإن كل محافظ عقاري لا يعدو في النهاية إلا أن يكون مجرما بمآل العمل الذي عهد إليه، ما يطرح تساؤلات حول مدى المسؤولية الجنائية للمحافظ على الأملاك العقارية عند ثبوت زورية العقد الرسمي الذي قيده في الرسم العقاري. وللجواب عن هذا الإشكال القانوني والواقعي لا بد من إبراز النقاش التالي: أولا: يجب على المحافظ على الأملاك العقارية أن يقيد كل عقد رسمي سليم شكلا و مضمونا، ولا يتعارض مع البيانات المقيدة في الرسم العقاري، لأن للورقة الرسمية العدلية أو التوثيقية قوتها المطلقة في الإثبات وصحة ما تضمنته، وتسري في مواجهة الكل بما فيها ذلك القاضي والمحافظ إلى أن يتقرر زوريته قضاء، إذ للعقد الرسمي كفاية ذاتية قررها المشرع، لا تكفي في إثبات ما ضمن فيه بمجرد إنكاره وإنما بالطعن فيه بالتزوير. وبذلك، فان قوة وحجية الورقة الرسمية التي قررها القانون تجبره على إجراء تقييدها في الرسم العقاري ولا يحق له رفضها إن صحت بياناتها شكلا ومضمونا، ولا يجبر على القيام بإجراءات إضافية للتحقق من صحة السند ولا مضمونه، لأن الوثوقية معترف بها للموثق أو العدل بصفتهما محرري العقد. وكيف يعقل أن تتقرر المسؤولية الجنائية للمحافظ على الأملاك العقارية، لمجرد أنه بادر إلى تقييد عقد رسمي في الرسم العقاري، ويحكم لاحقا بزورية السند بتهمة جناية التزوير أو إحدى مشتقات هذه الجناية التي تصنف ضمن جرائم الضرر الخاص. إذ أن وضع المحافظ والحالة هاته كوضع القاضي المدني الذي يؤسس حكمه أو قراره على ورقة رسمية قرر لها المشرع الحجية المطلقة في الإثبات، وثبت بعد ذالك أمام القاضي الجنائي زورية العقد، فهل يكفي ذلك للقول بامتداد الفعل الجرمي إلى القاضي المدني، ما يوجب إدانته بالعقوبة الجنائية التي لا تقل عن عشر سنوات سجنا. ثانيا: قد يلحق التزوير العقد التوثيقي الرسمي الذي قيده المحافظ العقاري لوثوقية شكله ومضمونه، ويكون التزوير لحق السند الرسمي الذي تلقاه الموثق أو العدل. في حين أن المحافظ ليس جهة رسمية لتلقي الاتفاقات ولا تضمينها ولا يعترف له المشرع بهذه الوظيفة في أي نص قانوني، وعليه فإن المحافظ جهة إدارية لتقييد العقود والسندات الرسمية على حالتها في الرسم العقاري، ما لم تتعارض مع البيانات المقيدة في هذا الأخير، وبالتالي لا يتصور من الناحية القانونية أن يتابع المحافظ بالتزوير أو المشاركة في التزوير في الورقة الرسمية، لأنه من جهة ليس طرفا في العقد ولا مؤسسة لتلقي للعقود وتضمين الاتفاقات، و من جهة ثانية لأنه ليس جهة مراقبة لصحة العقود ووظيفته أصلا تقتصر على تقييد العقد في الرسم العقاري. إذن فأنى للفعل الجرمي أن يمتد إلى وظيفة المحافظ العقاري لا بصفته فاعلا أصليا و لا مساهما ولا مشاركا ، في حين أن تنفيذه لما أمر به القانون لا يشكل فعلا في حد ذاته يبرر إضفاء الطابع الجرمي عليه. قد يدفع البعض بالقول بوجود قرائن بالعلم بالتزوير، في حين أن مجرد العلم، عامل بالنسبة لمن تلقى العقد من أطرافه من جهة، ولأن الشك والقرائن في ذاتها لا تمنع من إعمال العقد التوثيقي أو العدلي والاحتجاج به في مواجهة من يجب إلى حين هدم هذه القوة الاثباتية بالحكم القضائي القاضي بالتزوير. وما يجب التركيز عليه أن قرار المحافظ بالتقييد في الرسم العقاري قرار مستقل وله لوحده كفاية قانونية في الإثبات وإقرار الحق في الحق العيني، لأن إقرار زورية العقد لا يؤدي حتما الى التشطيب على التقييد في الرسم العقاري، وإقرار الحق للمشتري حسن النية، وخصوصية هذه القواعد في المادة العقارية لا يستحضرها القاضي الجنائي، والذي لن يحقق العدالة الجنائية في أي متابعة للمحافظة على الأملاك العقارية، إلا إذا سبق له أن تمرس في المادة المدنية وبالخصوص في التقييدات العقارية. ومن الواجب الأخلاقي والأكاديمي ألا نساير الفاعل السياسي / وزير العدل السابق، والذي يراهن على موضوع الاستيلاء على عقارات الغير على حساب أبسط القواعد العامة للقانون والتي لا خلاف فيها والتشكيك في نجاعتها بقلبها أو الدعوة الى استبعادها، لوجود مبرر مشروع، في حين أن الإدانات بالعقوبة الجنائية لمجرد تحقيق الردع العام، ولو على حساب مباديء القانون في أبسط تجلياتها مصادرة للمطلوب، اذ من سيكون التالي لتقديمه قربانا، إذ لو دعيت لأكون محافظا لقلت كما قال يوسف عليه السلام «رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه». صدق الله العظيم.
Fin de la discussion
|
تعليقات 0