الأمم المتحدة تبحث عن حجج منح القضاة المغاربة الإذن بزواج القاصرات

الصلاحيات القانونية لحكومة “تصريف الأمور الجارية” في المغرب

فؤاد بنصغير: نحو تجريم الإغتصاب عن بعد !!

10 سبتمبر 2021 - 11:57 م في الواجهة , متفرقات قانونية
  • حجم الخط A+A-

الدكتور فؤاد بنصغير أستاذ جامعي خبير مكون في القانون الإلكتروني

مقدمة :

انتشرت في السنوات الأخيرة على شبكة الإنترنت وخاصة على مواقع التواصل الإجتماعي العديد من الجرائم الجنسية التي تستهدف القاصرين على وجه الخصوص، لعل أغربها جريمة الإغتصاب عن بعد.

ماهي جريمة الإغتصاب عن بعد ؟ وهل يمكن تصور ارتكاب جريمة الإغتصاب عن بعد عبر الإنترنت ؟ وهل يمكن قضائيا تطبيق النص الذي يجرم الإغتصاب التقليدي على هذا النوع من الإغتصاب ؟

من أجل الإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من الوقوف على الشروط التشريعية التي يتعين توافرها في جريمة الإغتصاب التقليدية من جهة، والنظر في محاولة تطبيقها قضائيا على جريمة الإغتصاب التي تتم عن بعد من جهة أخرى.

أولا : ماهية جريمة الإغتصاب عن بعد ؟

سنتحدث عن جريمة الإغتصاب التقليدية وأركانها، تم عن جريمة الإغتصاب عن بعد بصفتها جريمة إلكترونية لها خصوصياتها.

أ- جريمة الإغتصاب التقليدية

تنص الفقرة الأولى من الفصل 486 من القانون الجنائي المغربي على أن :

” الإغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها ( … ) “.

ويعني ذلك أن الإغتصاب هو اتصال رجل بامرأة اتصالا جنسيا عن طريق إيلاج عضوه الذكري في محل الوطأ الشرعي.

يشترط القانون المغربي إذا لقيام جريمة الإغتصاب : أولا الإتصال الجسدي، ثانيا المغتصب هو من يقوم بالإيلاج، وثالثا تتم العملية دون رضا الضحية.

غير أن الجريمة التي نتحدث عنها تتم عن بعد دون اتصال جسدي بين الجاني والضحية وهذه الأخيرة هي التي تقوم بفعل الإيلاج.

ومن ثم، لا يمكن من الناحية المبدئية توصيف جريمة الإعتداء الجنسي التي تتم عن بعد على أنها جريمة اغتصاب.

ب- تعريف جريمة الإغتصاب عن بعد

في هذه الجريمة، يطلب الجاني من قاصر أن تتعرى أمام كاميرا الويب وأن تقوم بممارسات ذات طبيعة جنسية وتمكينه من الصور أو التسجيلات التي توثق ذلك.

بعد ذلك، يجبر الجاني الضحية على القيام بإيلاج جنسي ذاتي (auto-pénétration sexuelle) أمام الكاميرا تحت التهديد بنشر الصور أو الفيديوهات الإباحية التي في حوزته.

نفهم من تعريف جريمة الإغتصاب عن بعد أن لها خاصيتين : أولا ليس هناك اتصال جسدي مباشر بين الجاني والضحية وثانيا الضحية هي من تقوم بالإيلاج وليس الجاني.

السؤال الذي يطرح هو التالي : هل يمكن تطبيق النص الذي يجرم الإغتصاب التقليدي على الإغتصاب الذي يتم عن بعد دون الإتصال الجسدي بين الجاني والضحية ودون أن يكون الجاني هو من قام بالإيلاج ؟.

مقال قد يهمك :   مسؤولية الدولة عن السجين المصاب بكوفيد 19 بالمؤسسة السجنية-تحليل نازلة تطبيقة-

من البديهي أن الجواب سيكون بالنفي على اعتبار أن شروط تطبيق النص الذي يجرم الإغتصاب التقليدي غير متوافرة في هذه الجريمة.

غير أن القضاء البلجيكي وبعده الفرنسي كان لهما رأي آخر في توصيف هذه الجريمة على أنها جريمة اغتصاب.

ثانيا : نحو تجريم الإغتصاب عن بعد ؟

لأسباب موضوعية سنتحدث عنها، استطاع القضاء البلجيكي تطبيق النص المجرم للإغتصاب التقليدي على جريمة الإغتصاب عن بعد ( إكراه الضحية على الإيلاج الذاتي من خلال الكاميرا ويب على مواقع التواصل الإجتماعي ).

هذه الأسباب الموضوعية هي التي خانت النص المغربي في صياغته الحالية وحالت دون إمكانية تطبيقه على هذا النوع المستحدث من الإغتصاب.

أ- القضاء البلجيكي

أدانت الغرفة الرابعة والخمسون لمحكمة الجنح ببروكسيل في حكم لها صادر بتاريخ 25 سبتمبر 2018 بجريمة الإغتصاب شخصا أجبر تحت التهديد قاصرا على مواقع التواصل الإجتماعي بالإيلاج الذاتي أمام كاميرا الويب.

وتتلخص هذه القضية في أن الجاني الذي يبلغ من العمر 25 سنة أجبر فتاة قاصر على القيام بإيلاج جنسي ذاتي (auto-pénétration sexuelle) أمام الكاميرا تحت التهديد بنشر صور وفيديوهات فاضحة لها التي في حوزته.

ما يمكن ملاحظته في هذه النازلة هو إدانة الجاني بجريمة الإغتصاب على الرغم من عدم الإتصال الجسدي بينه وبين الضحية و على الرغم من أنه ليس هو من قام بالإيلاج الجنسي.

ما يمكن ملاحظته كذلك في هذا الحكم هو أن المحكمة استنتجت غياب موافقة الضحية من الإكراه الذي مارسه الجاني عليها تحت طائلة نشر الصور الإباحية التي تظهر فيها.

حيث اعتبرت المحكمة أن : ” المتهم أجبر الضحية عن طريق الإكراه المعنوي … بحيث لم يكن أمامها بد من الإستجابة إلى رغبته في قيامها بالإيلاج الذاتي وذلك من أجل تفادي نشر الصور ذات الطبيعة الجنسية الخاصة بها “.

وأضافت المحكمة أنه : ” يتعين بالتالي ملاحظة أن الضحية لم توافق على الإيلاج الجنسي الذاتي الذي فرضه عليها الجاني بحيث اجتمعت كل العناصر المكونة لجريمة الإغتصاب “.

نلاحظ أن المحكمة البلجيكية اعتبرت أن الأمر يتعلق بجريمة اغتصاب، على الرغم من غياب أي اتصال جسدي بين الجاني والضحية وعلى الرغم من أن الجاني ليس هو من قام بفعل الإيلاج.

مقال قد يهمك :   مستاري يكشف إشكالات الغرامة الجزافية التصالحية في مرسوم الطوارئ

السؤال الذي يطرح هو التالي : لماذا استطاع القضاء البلجيكي دون إشكال تطبيق النص التقليدي للإغتصاب على الإغتصاب عن بعد ؟

الجواب يكمن في الصياغة الذكية للمادة 375 من القانون الجنائي البلجيكي المجرم للإغتصاب التقليدي الذي ينص على أن : ” كل إيلاج جنسي، كيفما كانت طبيعته وكيفما كانت الوسيلة، يمارس على شخص لم يبد موافقته على ذلك يعتبر جريمة اغتصاب “.
« Tout acte de pénétration sexuelle, de quelque nature qu’il soit et par quelque moyen que ce soit, commis sur une personne qui n’y consent pas, constitue le crime de viol.

نفهم من هذه المادة أن جريمة الإغتصاب التقليدية ترتكز على عنصرين : فعل الإيلاج الجنسي على إطلاقه ( أي ليس بالضرورة عن طريق إيلاج عضو الجاني الذكري في محل الوطأ الشرعي للضحية كما نفهم ذلك من النص المغربي ) وغياب رضا الضحية.

في ما يتعلق بفعل الإيلاج، فيمكن تفسيره حسب منطوق النص المذكور بشكل واسع على أنه أي فعل إيلاج كيفما كانت طبيعته وكيفما كانت الوسيلة ( العضو الذكري للجاني أو أية وسيلة أخرى ) المهم هو أن يكون الإيلاج ذو طبيعة جنسية.

أما في ما يتعلق بغياب رضا الضحية، فهناك فرضيات يفترض فيها القانون غياب هكذا رضا مثل استخدام الجاني للعنف أو الإكراه ( كما في نازلتنا ) أو الحيلة أو بسبب الحالة التي تكون عليها الضحية عند ارتكاب الجريمة.

نخلص إلى أن الصياغة الذكية والواسعة للنص البلجيكي المجرم للإغتصاب التقليدي هي التي تفسر إمكانية تطبيقه على الإغتصاب الذي يتم عن بعد.

ويعود ذلك إلى أن المشرع البلجيكي، عكس المغربي و حتى الفرنسي، لم يشترط صراحة من جهة أن تكون وسيلة الإغتصاب هي العضو الذكري للجاني و لم يشترط من جهة أخرى أن يكون فعل الإيلاج من فعل الجاني.

هذا يعني أن الإيلاج كعنصر مادي لجريمة الإغتصاب يمكن أن يتم بأي وسيلة كانت، كما يمكن أن تقوم به الضحية نفسها وليس بالضرورة الجاني.

صياغة المادة المذكورة أتاحت للقضاة في هذه النازلة إمكانية اعتبار أن العناصر المكونة لجريمة الإغتصاب متوافرة في جريمة الإغتصاب التي تمت عن بعد.

هذا الأمر يدفع بنا إلى التساؤل عن قدرة النص المغربي المجرم للإغتصاب التقليدي على التطبيق على جريمة الإغتصاب عن بعد أو الإغتصاب السيبراني ؟.

مقال قد يهمك :   الكشف عن فتوى للمجلس العلمي الأعلى بشأن مهنة العدول وعلاقتها بمؤسسة قاضي التوثيق

ب- صعوبة الأمر في القضاء المغربي

يشترط الفصل 486 من القانون الجنائي المغربي الذي عرضناه سابقا يشترط بشكل واضح من جهة اتصالا جسديا بين الجاني والضحية ومن جهة ثانية إيلاج عضوه الذكري في محل الوطأ الشرعي.

هذا يعني أن الجاني هو الذي يقوم بفعل الإيلاج وليس الضحية كما في جريمة الإغتصاب عن بعد.

إذا، حسب نص القانون الجنائي المغربي الحالي، فإن فعل إجبار الضحية عن بعد على الإيلاج الذاتي أمام كاميرا الويب لا يمكن توصيفه على أنه جريمة اغتصاب.

في حين أن صياغة النص البلجيكي هي التي سمحت لمحكمة بروكسيل أن تعتبر أن من أعطى الأمر بالإيلاج ( le commanditaire ) كمن قام به بالفعل، وبالتالي يعتبر مرتكبا لجريمة الإغتصاب.

خاتمة :

يعتبر هذا الحكم غير المسبوق نقلة نوعية في تعامل القضاء المقارن مع جريمة الإغتصاب عن بعد المستحدثة.

ويعتبر موقف القضاء البلجيكي هذا محاولة منه لأخد بعين الإعتبار تطور جريمة الإغتصاب التي بدأ جزء مهم منها يتم عن بعد على مواقع التواصل الإجتماعي وليس عن طريق الإتصال المباشر بين الجاني والضحية.

لذلك، ندعو إلى إعادة صياغة النص المغربي المجرم للإغتصاب ( الإغتصاب التقليدي ) بشكل يسمح للقضاء إمكانية تطبيقه على هذا النوع المستحدث من الإغتصاب ( الإغتصاب عن بعد ).

ويعود ذلك إلى أنه على الرغم من أن جريمة الإغتصاب عن بعد يمكن وصفها بأنها جريمة افتراضية (Virtuelle) إلا أن أثارها النفسية على الضحية تبقى آثارا حقيقية (Réelle) على الرغم من غياب الإتصال الجسدي بين الجاني والضحية.

في الأخير، ندعو إلى إعادة النظر في العديد من المفاهيم الجنائية التقليدية التي لم تعد متناسبة مع التطور الكبير الذي عرفته الجريمة الإلكترونية التي بدأت تنتقل تدريجيا من الفضاء المادي إلى الفضاء السيبراني الذي أصبح واقعا لا يمكن لأي أحد تجاهله.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

error: يمنع نسخ محتوى الموقع شكرا :)